.....
يوم مظلم الجوانب بالظلم ، مطرز الحواشي بالدماء المطلولة ، مقشعر الأرض من بطش الأقوياء ، مبتهج السماء بأرواح الشهداء ، خلعت شمسه طبيعتها فلا حياة ولا نور ، وخرج شهره عن طاعة الربيع ، فلا ثمر ولا نَور ، وغبنت حقيقته عند الأقلام فلا تصوير ولا تدوين .
يوم ليس بالغريب عن رزنامة الاستعمار الفرنسي بهذا الوطن ، فكم له من أيام مثله ، ولكن الغريب فيه أن يجعل – عن قصد – ختاما لكتاب الحرب ، ممن أنهكتهم الحرب على من قاسمهم لأواءها وأعانهم على إحراز النصر فيها ، ولو كان هذا اليوم في أوائل الحرب لوجدنا من يقول : إنه تجربة كما يجرب الجبان القوي سيفه في الضعيف الأعزل .
تستحسن العقول عقل القاتل ، وتؤيدها الشرائع فتحكم بحكم القاتل ، ولكن الاستعمار العاتي يتحدى العقول لأنه عدوها ، والشرائع لأنها عدوه فلا يقوم إلا على قتل غير القاتل ... ويعلو في التأله الطاغي فيتحدى خالق العقول ومنزل الشرائع ، وينسخ حكم الله بحكمه ، ورحمة الله بقسوته ، فيقتل الشيوخ والزمنى والنساء والأطفال .
فقد فتح الناس أعينهم في يوم واحد على بشائر تدق بالنصر ، وعلى عشائر من " المنتصرين " ، تساق للنحر ، وفتحوا آذانهم على مدافع للتبشير ، وأخرى للتدمير ، وعلى أخبار تؤذن بأن الدماء قد رفأت في العالم كله ، وأخرى تقول إن الدماء أريقت في جزء صغير من العالم ، وهو تلك القرى المنكوبة من مقاطعة قسنطينة . وفي لحظة واحدة تسامع العالم بأن الحرب انتهت أمس ببرلين ، وابتدأت صباح اليوم بالجزائر ، وفيما بين خطرة البرق ، بين الغرب والشرق ، أعلنت الحرب من طرف واحد ، وانجلت في بضعة أيام عن ألوف من القتلى العزل الضعفاء ، وإحراق قرى وتدمير مساكن ، واستباحة حرمات ، ونهب أموال ، وما تبع ذلك من تغريم وسجن واعتقال ، ذلكم هو الثامن من ماي .
لك الويل أيها الاستعمار ! أهذا جزاء من استنجدته في ساعة العسرة فأنجدك ، واستصرخته حين ايقنت بالعدم فأوجدك ؟ أهذا جزاء من كان يسهر وأبناؤك نيام ، ويجوع أهله وأهلك بطان ، ويثبت في العواصف التي تطير فيها نفوس أبنائك شعاعا ؟ أيشرفك أن ينقلب الجزائري من ميدان القتال إلى أهله بعد أن شاركك في النصر لا في الغنيمة ، ولعل فرحه بانتصارك مساو فرحه للسلامة ، فيجد الأب قتيلا ، والأم مجنونة من الفزع ، والدار مهدومة أو مُحرَقة ، والغلة مُتلفَة ، والعرض منهكًا ، والمال نهبا مقسما ، والصغار هائمين في العراء . ( بتصرف طفيف )
يرحمك الله يا شيخنا ...