من الأمثال الشعبية الدارجة عندنا قولهم : (عنـز بدو طاحت في مريسة).. والمريسة طعامٌ حلوٌ لذيذ مكوّن من خليط التمر والماء بعد هرسهما ومرسهما، ولم يكن معروفاً عند البدو، فإذا رأته عنـزهم التي لم تعتد إلا على أكل البرسيم؛ انهمكت في الأكل منه بشراهة..
تذكّرت هذا المثل عند قراءتي لمقال لأحد الكُتّاب المحلّيّين الذي عُرف عنه كثرة الحديث عن قصص الغزل والغرام وما يتعلّق بالنساء والغناء والأندية الرياضية... وفي المقابل هجومه المتواصل على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمراكز الصيفية وضرورة إغلاقها في أسرع وقت ممكن لأنّها في نظره هي مصدر الإرهاب !!
وفي مطلع الإجازة الصيفية الماضية، نشرت الجريدة التي يكتب فيها، خبراً عن افتتاح عدد من المراكز الصيفية، فثارت ثائرته، ودبّج مقالاً يعيد فيه اسطوانته السنوية المشروخة بضرورة إغلاق المراكز الصيفية، وصرف الشباب قصراً إلى الأندية الرياضية (الهلال، الاتحاد، النصر) على حد تعبيره.. لكنّه في هذه المرّة أضاف إضافة جديدة تُعدّ في هذه الأيّام موضة صحفية جديدة لمن أراد أن يكون كما يقال ليبرالياً متحرّراً !!، هذه الإضافة هي ترديد مصطلح (الأدلجة) وتصريفه ، حيث كرّر الكاتب هذه الكلمة ومشتقاتها في مواضع عدّة من مقاله القصير بشكل يدعو إلى الاشمئزاز، ومن ذلك قوله: (الأسئلة المبطّنة بالأيدلوجيا) ، (أفكار وأيدلوجيا) ، (حماس أيدلوجي) ، (مسألة أيدلوجية) ، (التوجيه الأيدلوجي) وهلمّ جرّاً...!!! ثمّ اطلعت له على مقال آخر كرر في هذه الكلمة تسع مرّات، إحداها في العنوان !!!.
وهذا الكاتب يُعد من الكّتّاب التافهين الذين لا يحملون فكراً يستحقّ أن يُردّ عليه، لكنّه رأى الموجة المتهالكة المسمّاة بالليبرالية قادمة فركبها، على حدّ قول المثل الشعبي الآخَر: (مع الخيل يا شقرا) ، وحتّى يُقال إنّه مثقّف..
أمّا أصحاب ما يُسمّى بالفكر الليبرالي؛ فإنّهم عند حديثهم عن خصومهم الذين ينعتونهم استهزاءً بالإسلامويين (!) والصحويين (!) يتعمّدون إيراد هذا المصطلح وترديده لما يحمل في مضمونه من أبشع أنواع الاتهام والتشويه والتضليل وسوء الظنّ، في الوقت الذي يتحدّثون فيه كثيراً عن وجوب إحسان الظنّ بالآخر المختلف، والتسامح معه، ويعنون بذلك أنفسهم !!
وبعيداً عن أدلجة هؤلاء وركاكتهم ومكرهم، فنحن لدينا (أدلجة) أخرى حثّنا عليها نبيّنا الكريم - عليه من ربّه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم - وذلك بقوله: (( من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنـزل، ألا إنّ سلعة الله غالية، ألا إنّ سلعة الله هي الجنّة )) .
ومعنى أدلج : أي سار بالليل، لأنّ الذي يسير بالليل تُطوى له الأرض فيقطع من المسافة ما لا يقطعها من يسير بالنهار، والمقصود هنا السير الحثيث إلى الآخرة والجنّة، فلله ما أفصحك وأنصحك لأمتك يا رسول الله:
إذا نحن أدلجنـا وأنت إمامنـا كفى لمطايانـا بذكرك هاديـا
وفي الختام، اسمحوا لي أن أعيد مطلع مقالتي هذه على الطريقة الليبرالية :
(من الأمثال الشعبية الأيدلوجية الدارجة عندنا قولهم : ( عنـز بدو مؤدلجة ، طاحت في مريسة أيدلوجية )، والمريسة طعام حلو لذيذ مؤدلج ، مكون من خليط التمر والماء الأيدلوجيين بعد هرسهما ومرسهما، ولم يكن معروفاً عند البدو المتأدلجين، فإذا رأته عنـزهم المؤدلجة التي لم تعتد على البرسيم الأيدلوجي، انهمكت في الأكل منه بشراهة أيدلوجية...الخ..) .
وسلامتكم أيّها المتأدلجون.
د . محمد بن عبدالعزيز المسند