للبردي استخدامات متعددة، كصناعة القوارب، و النعال، و السلال، يمكن حتى أكله، لحتواء لبه على مادة نشوية حلوة المذاق، غير أن أشهر استعمال للبردي كان لصناعة الورق، فمنذ القديم ظهر في مصر الفرعونية صناعة الورق من ألياف البردي، و ذلك بإزالة الجزء الأخضر العلوي من ساق البردي، و استخراج اللب الأبيض اللون، ثم يقطع إلى شرائح طولية و تبسط بالتوازي أفقيا و عمديا ( كما هو موضح في الصورة) يضغط و يجفف لنحصل بعدها على ورق بردي، و يصبح صالح للكتابة بعد عملية الصقل.فدونت على هذا الصنف من الأوراق أنواع المعاملات و باستخدام أحبار مختلفة، تصنع هي الأخرى بخليط من الكربون و الصمغ و الماء، و تأخذ ألوانا متعددة حسب المواد المضافة، و الغالب على ألوانه الأسود، و البني الداكن، ثم البني الفاتح، إلى اللون الأصفر أحيانا، و يمكن لألوان الحبر أن تتغير بمرور الزمن و تأثير مواد كيمياوية جانبية، أو من مكونات الحبر ككبريتات الحديد، و قد تؤثر هذه المواد على الورق فتتلف أجزاء من الورقة.إن المطلع على العقود المدونة في أوراق البردي العربي يكتشف ألوانا متعددة من المعاملات، و التي كان أشهرها عقود الزواج و الطلاق و الخلع في المعاملات الاجتماعية، و غيرها كالعتق، و الجوار،و الاتهام، و المراسلات الأخوية، أما على الصعيد الاقتصادي فهي ذات أهمية كبرى، خاصة منها التي تعالج مواضيع الخراج، الزكاة، الكراء، الرهن، استأجار العمال،...الخ و قد يصادف الدارس لهذا النوع من الوثائق، من الأحكام ما قد يستغرب فيها، و تستدعي البحث و التنقيب، كحكم "منح المرأة عصمة تطليق الزوجة الثانية"، بحيث وجد من أقر ذلك لزوجته صراحة في نص عقد الزواج، و نتسائل اليوم عن صحة هذا الأمر و حكم الشرع فيه، هذا إذا علمنا أن هذا الامر كان في القرن الثاني للهجرة، حيث كانت المسلم قريب عهد برسول الله !، و على غرار هذا العقد نجد هقود بيع أخرى، كبيع نصف فرس و نصف مهرتها، و هذا ما يدفعنا لتخيل الصورة الكاملة لهذا العقد.إن ولوج بحر البردي العربي، و خاصة ماتعلق منه بالحياة الاجتماعية، يجعلنا نطلع بشكل أوضح على صلب المجتمع الإسلامي الأول، و نفهم حقيقة قول رسول الله، لن يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها، أو كما قال صلى الله عليه و سلم، و لذا فإني أرى أن دراسة هذا النوع من الوثائق، رغم صعوبته، مطلوب بشكل ملح، بل و أدعو الباحثين إليه ، و أدعوهم أيضا إلى المطلبة بإنشاء هيئات و معاهد لدراسته على غرار كل الجامعات المتقدمةمن خلال مجموعة من الأبحاث، و عن طريق التجريب، تبين لي أن النظرية التي طرحها الدكتور حسن رجب بخصوص التصاق شرائح البردي لتعطي ورق، صحيحة إلى حد بعيد، حيث أكد أن التصاق شرائح سيقان البردي لا يتم عن طريق المواد النشوية التي بداخله، و لا لوجود مادة لاصقة في النبات نفسه كما ساد الاعتقاد، بل عن طريق تقنية ( العاشق و المعشوق) التي تتم عن طريق ااتلاف المسامات الهوائية في النبات بعضها ببعض، و هذا ما يحعلها أكثر تماسكا، و لقد توصلت إلى إثبات هذه النظرية بتاريخ 22 مارس 2014 عن طريق إجراء تحليل لمجموعة من التجارب قمت بها في منزلي، و هي استخدام نباتات متشابهة التركيبة مع نبات البردي غير انها لا تحتوي على المسامات الهوائية و التي هي من خصائص السيقان البردي التي تكون أجزاء منها في الماء لنقل الاكسجين الكافي إلى النبات، و عملت في كل مرة إلى إضافة مادة نشوية قصد تثبيت الشرائح غير أن العمل لم ينجح، رغم توفر كل الشروط و من ضغط مناسب و تجفيف و غيرها، و لعل هذه الخاصية ينفرد بها البردي عن غيره، غير أنه لا يمنع من الحصول على أوراق من نباتات أخرى و لكنها تبقى أقل جودة من البردي العربي.استمر العرب في استخدام البردي في مراسلاتهم وشئونهم الخاصة في وقت مبكر من دخول مصر ويدل علي ذلك البردية الشهيرة المعروفة باسم بردية أهناسيا وهي أقدم وثيقة بردية اسلامية وتعود لعهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب, ومحفوظة حاليا في مجموعة الأرشيدوق رينر في فيينا ومؤرخة في شهر جمادي الأولي عام22 هجرية(642 ميلادية) وتاريخها يشير الي معاصرتها للسنوات الأولي لفتح العرب وهي مكتوبة باللغتين اليونانية والعربية وتتحدث عن أن القائد عبد الله بن جابر أحد قادة المسلمين قام باعطاء أهل الذمة ايصالا باستلام أغنام لإطعام جنوده وهي توضح أنه لم يكن ظالما أو متعسفا, وذلك لأن عبد الله بن جابر تعهد بأن تخصم هذه الأغنام من الجزية المقررة علي الأقباط في الأقاليم التي مرت بها.وقد علق علي ذلك الدكتور أدولف جروهمان خبير الآثار الألماني بقوله إنه قلما نجد شعبا منتصرا يعطي شعبا منهزما ايصالا باستلام أي شيء حتي ولو كانت أغناما لإطعام الجنود الفاتحين, وهذا يدل علي سماحة الاسلام والمسلمين في التعامل مع أهل البلاد التي فتحوها ويدحض افتراءات المستشرقين في حديثهم عن سوء معاملة المسلمين لأهل البلاد التي فتحوها.