{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}

قال الله تبارك وتعالى وتقدس: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].


قال بعض أهل العلم: في هذه الآية فوائد منها: أن أصل أمر المتقين السلامة وإن عرض طيف بعض الأحيان.

ومنها: إذا مسَّهم، والمس ملامسة من غير تمكُّن كالكفار، فإن الشيطان يتجرد عليهم ويختلس من قلوب المتقين المؤمنين حين تنام العقول الحارسة للقلوب.

فإذا استيقظوا انبعث من قلوبهم جيوش الاستغفار والذلة إلى الله تعالى والافتقار، فاسترجعوا من الشيطان ما اختلسه، وأخذوا منه ما افترسه.

ومنها: أنه أشار بالطيف إلى أنه لا يُمكنه أن يأتي القلوب الدائمة المستيقظة، إنما يأتي القلوب في حين منامها يرجو غفلتها، ومن لا نوم له فلا طيف يرد عليه.

ومنها: أن الطيف الذي في منامك فإذا استيقظت فلا وجود له.

ومنها: أنه قال: تذكَّروا ولم يقل ذكروا إشارةً إلى أن الغفلة لا يطردها الذكر من غفلة القلب، إنما يطردها التذكر والاعتبار؛ لأن الذكر ميدانه اللسان والتذكر ميدانه القلب.

ومنها أنه قال: تذكروا فحذف متعلقة ولم يقُل: تذكروا الجنة والنار والعقوبة؛ لأن التذكر الماحي لطيف الهوى من قلوب المتقين على حساب مراتب المتقين.

ومرتبة التقوى يدخل فيها الرسل والأنبياء والصديقون والأولياء والصالحون والمسلمون، فتقوى كل أحد على حسب مقامه، لذلك يذكر كلَّ واحد على حسب مقامه، فلو ذكر قسمًا من أقسام التذكر، لم يدخل فيه إلا أهل ذلك القسم.

شعرًا:
أعلى الممالك ما التقوى له أسسٌ ** وطاعة الله في سرٍّ وإعــــــــلانِ
والعدل بين عباد الله كلهمــــــــو ** لا فرق بين شريفٍ منهم أو داني

ومنها: قوله سبحانه: {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}، كأنه لم يذكر أعلى ذلك منا منه سبحانه عليهم، كأنهم لما استيقظوا ذهبت سحابة الغفلة، فأشرقت شمس البصيرة.

ومنها التوسيع على المتقين؛ لأنه لو قال: إن الذين اتقوا لا يمسهم طيفٌ من الشيطان، لخرج كل أحد إلا أهل العصمة، فأراد سبحانه أن يوسع دائرة رحمته؛ انتهى.

ثم اعلم وفَّقنا الله وإياك وجميع المسلمين لِما يحبه ويرضاه أن التقوى التي أعد الله الجنة لأهلها قيل: إنها امتثال الأوامر واجتناب النواهي.

وقيل: هي اتقاء الشرك فما دونه من ذنبٍ من كل ما نهى الله عنه، واتقاء تضييع واجب مما افترض الله، وهي وصية للأولين والآخرين؛ قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].


وقال جل وعلا: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63].

وقد روى في الحديث إن المنادي ينادي يوم القيامة: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف: 68]، فتَرفَع الخلائق رؤوسهم يقولون: نحن عباد الله عز وجل.

ثم ينادي الثانية: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف: 69]، فينكِّس الكفار رؤوسهم، ويبقى الموحدون رافعي رؤوسهم.

ويبقى أهل التقوى رافعي رؤوسهم، قد أزال عنهم الرب الكريم الخوف والحزن كما وعدَهم، وهو أصدق القائلين وأوفى الواعدين وأكرم الأكرمين، لا يَخذل وليَّه ولا يُسلمه عند الهلكة.

شعرًا:
لو أنني خيِّرت كلَّ فضيلــــــــة ** ما اخترتُ إلا طاعة الرحمن
كل الأمور تزول عنك وتنقضي ** إلا التقى وفضائلَ الإيمـــان


آخر:
حق التقى وإن لم يُدنه نسبٌ ** فرض على كل مَن للدين ينتسب
______________________________ _____________________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز السلمان