21 - قال صاحبي الحمد لله أنا بخير، يطمئنني بعد ما مرَّ به من ألمٍ.
فقلت له: أو قد مرَّ عليك شهرًا، فأجاب بطلاقة المهتم بأمره المتشاغل به، نعم هو شهر بتمام والكمال.
فقلت في نفسي: وإن لم يتشاغل المرء بأمر نفسه فبمن يتشاغل.
ثم وقعت عيني على تلك الأبيات فهدأت نفسي وسكنت كطفل بعد رضاع دام قبله انقطاع:
دَعِ التَّشَاغُلَ بالْغِزْلَانِ وَالغَزَلِ ... يَكْفِيكَ مَا ضَاعَ مِنْ أَيَّامِكَ الأَوَلِ
ضَيَّعْتَ عُمْرَكَ لا دُنْيَا ظَفْرِتَ بِهَا ... وَكُنْتَ عَنْ صَالِحٍ الأَعمَالِ في شُغُلِ
تَرَكْتَ طُرْقَ الهُدَى كالشمسِ واضِحَةٍ ... وَمِلْتَ عنها لِمُعْوَجٍّ مِنَ السُّبُلِ
وِلم تَكُنْ نَاظَرًا في أمْرِ عَاقَبَةٍ ... أَأنْتَ في غَفْلَةٍ أم أَنْتَ في خَبَلِ
يَا عَاجِزًا يَتَمَادَى في مُتَابَعَةِ النَّـ ... نَفْسِ اللجُوجِ ويَرْجُو أَكْرَمَ النُّزلِ
هِلا تَشَبَّهْتَ بالأكياسِ إِذْ فَطِنُوا ... فَقَدَّمُوا خَيْرَ مَا يُرْجَى مِنَ العَمَلِ
فَرَّطْتَ يَا صَاحِ فَاسْتَدْرِكْ عَلَى عَجَلٍ ... إِن المَنِيَّةَ لا تَأتِي عَلَى مَهَلِ
هَلْ أَنْذَرَتْكَ يَقِينًا وَقْتَ زَوْرَتِهَا ... أَوْ بَشَّرَتْكَ بِعُمْر غَيْرِ مُنْفَصِلِ
هَيْهَات هَيْهَاتَ مَا الدُّنْيَا بِبَاقِيَةٍ ... ولا الزَّمَانُ بِمَا أمَّلْتَ فيه مَلي
لا تَحْسَبَنَّ الليَالِي سَالَمَت أَحَدًا ... صَفْوًا فَمَا سَالَمَتْ إِلا على دَخَلِ
ولا يَغُرَّنْكَ مَا أوِليتَ مِنْ نِعَمٍ ... فَهَلْ رَأَيْتَ نَعِيمًا غَيْرَ مُنْتَقِلِ
كَمْ مِن فَتَى جَبَرَتْهُ بَعْدَ كَسْرَتِهِ ... فَقَابَلَتْهُ بِجُرْحٍ غَيْرِ مُنْدَمِلِ
إِلَامَ تَرْفُلُ في ثَوْبِ الغُرُورِ عَلَى ... بُسَاطِ لَهْوَكَ بَيْنَ التِّيهِ والجَذَلِ
والشَّيْبُ وَافَاكَ مِنْهَ نَاصِحٌ حَذِرٌ ... فَمَا بِهِ كُنْتَ إِلا غَيْرَ مُهْتَبِلِ
وَلَمْ تُرَعْ مِنْهُ بَلْ أَصْبَحْتَ تَنْشُدُهُ ... إِنِّي أَتَّهَمْتُ نَصِيحَ الشَّيْبِ في عَذَلِ
وَسِرْتَ تَطْلُبُ حَظَّ النَّفْسِ مِنْ سَفَهٍ ... فَبَهْجَةُ العُمْرِ قدْ وَلَّتْ وَلَم تَصِلِ