القسم الثاني: دراسة تطبيقية للأحاديث المُشْكِلَة الواردة في تفسير القرآن الكريم:
الفصل الثالث: الأحاديث التي ترد في تفسير آيةٍ ما ويوهم ظاهرها معنى مشكلا:
المسألة (6): في دسِّ جبريل في فم فرعون من حال البحر:
ذكر الآيات الواردة في المسألة:
قوله تعالى: "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
ذكر الحديث المشكل الوارد في تفسير الآية:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ قَالَ: (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ) فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، فَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ".
بيان وجه الإشكال في الحديث:
أُورِدَ على الحديث عدة إشكالات:
الأول: أنه لا يجوز لجبريل -عليه السلام- أنْ يمنع فرعون من التوبة، بل يجب عليه أنْ يُعينه على التوبة وعلى كل طاعة.
الثاني: أنه لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر، والرضا بالكفر كفر.
الثالث: أنه لا يليق بجلال الله أنْ يأمر جبريل بأنْ يمنعه من الإيمان.
الرابع: أَنَّ الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس، فحال البحر لا يمنعه.
الخامس: أَنَّ التوبة بعد المعاينة غير نافعة لفرعون؛ فحينئذ لا يبقى لهذا الذي نُسِبَ إلى جبريل فائدة.
الجواب عن الإشكال:
الذي يَظْهُرُ صَوَابُه: أنَّ فعل جبريل -عليه السلام- هو من باب الغضب لله تعالى، ولم يقصد في فعله هذا منع فرعون من الإيمان، وفعله هذا مأذون له فيه، بدليل إقرار الله له، والله تعالى أعلم.