القدماء كانت أذهانُهم خالية تَماما من مسألة (أقوى الحركات إملائيا).
لقد كان العرب فريقين:
* أهل تحقيق، يُخرجون الهمزة من مخرجها الحقيقي؛ فيقولون مثلا: (كَءْسٌ) (بِءْرٌ) (مُءْمِنٌ) (فُءَادٌ) (سَءَلَ) (سَءِمَ) .. إلخ (بِهمزة بيّنة واضحة للسامعين). وقد تعمّدتُ رسم الهمزة هنا مستقلة، حتى لا يتأثر القارئ بطريقة كتابتها.
* وأهل تخفيف، كانوا يتخلصون من الثِّقَل الصوتي للهمزة، فيُبدلونَها ألفا أو واوا أو ياءً، أو يجعلونَها قريبة من الألف أو الواو أو الياء، بحسب الأحوال؛ فيقولون مثلا: (كَاسٌ: بالألف) (بِيرٌ: بالياء) (مُومِنٌ: بالواو) (فُوَادٌ: بالواو) (سَـ(أَ)لَ: قريبة من الألف) (سَـ(يِـ)مَ: قريبة من الياء) ...
وقد كان أهل التخفيف هؤلاء هم السباقون إلى الكتابة، فكتبوا الكلمات السابقة على لهجتهم: (كاس) (بير) (مومن) (فواد) (سال) (سـيم) [بلا تنقيط].
وقد تبعهم في ذلك أهل التحقيق؛ إلا أنّ هؤلاء كانوا يتلفظون بالهمزة على طريقتهم الخاصة. وبعد مدة، ابتكروا العلامة (ء)، فصارت الكلمات السابقة ترسم هكذا: (كَأْسٌ) (بِئْرٌ) (مُؤْمِنٌ) (فُؤَادٌ) (سَأَلَ) (سَئِمَ).
فالقدماء حين كتبوا (سَئِمَ) بالياء، لم يكن قصدهم أن الكسرة أقوى من الفتحة؛ ولكنهم كتبوها هكذا، لأن الهمزة هنا إذا خُفّفت صارت قريبة من الياء [اكتبها بالحروف اللاتينية (saima)، واطلب من أحد الأعاجم قراءتَها؛ ستجده ينطقها شبيهة بالياء].
ثم جاء المعاصرون، فوجدوا القدماء قد وضعوا قواعد متفرقة مشتّتة، بناءً على ما تؤول إليه عند التخفيف؛ نحو: (ترسم الهمزة ياءً إذا كانت مكسورة، أو كان ما قبلها مكسورا. وترسم واوًا إذا كانت مضمومة وما قبلها غير مكسور، أو كان ما قبلها مضموما وهي غير مكسورة. وتُرسم ألفًا إذا كانت ... إلخ).
فأراد المعاصرون أن يجمعوا هذه القواعد المتفرقة بخيط مُحكم، يحُول دُون تشتّت أذهان التلاميذ؛ فقالوا: (نقارن بين حركة الهمزة وحركة ما قبلها ... إلخ)، وهنا ظهرت قاعدة (أقوى الحركات)؛ فهي مجرد "قاعدة مبسّطة" تُعين على تذكّر القواعد المتفرقة التي وضعها القدماء.
دمت بكل خير.
..................
منقول