تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

    الناسُ في نظرتهم للعلماءِ على أصناف:
    - صنف لا يرى أن عند هذا العالم أي خطأ , فهو يعظمه ويجله ويصوبه لدرجة أنه يجعل سيئاته حسنات.
    2- وصنف يسقط ذلك العالم لمجرد تلك الزلة أو الزلات فلا يرى له حسنة إطلاقاً.
    3- وصنف وفقه الله وسدده فاتبع الحق وهو العدل ,
    فتراه يعظم من يستحق التعظيم من أهل العلم والدعاة والصالحين مع إقرارهم بأنه وإن عظم شأن الرجل فإنه تكون له الحسنات والسيئات
    فيمدح ويوالي ويذم ويعادي
    بحسب ما فيه من الحسنات والسيئات.

    ********
    قال الشيخ ابن عثيمين في " لقاء الباب المفتوح "(61 ـ70) (ص153 ):

    "عندما نريد أن نقوِّم الشخص، فيجب أن نذكر المحاسن والمساوئ، لأن هذا هو الميزان العدل وعندما نحذِّر من خطأ شخص, فنذكر الخطأ فقط، لأن المقام مقام تحذير ومقام التحذير ليس من الحكمة فيه أن نذكر المحاسن، لأنك إذا ذكرت المحاسن فإن السامع سيبقى متذبذباً، فلكل مقام مقال."
    قال الشيخ صالح آل الشيخ :
    مسألة الموازنة أيضًا بين الحسنات والسيئات وربطها بالعدل هذا التقعيد وهذا الربط ليس بدقيق؛ لأن قاعدة الموازنة بين الحسنات والسيئات تارة تكون حقًا وتارة تكون مردودة، فيُرَدّ أن يوازن بين الحسنات والسيئات في مسائل ويقبل أن يوازن بين الحسنات والسيئات في مسائل، ولهذا من رأى طريقة شيخ الإسلام ابن تيمية وجد أنه ذكر الحسنات والسيئات في مسائل معلومة موجودة وفي حكمه على بعض الفئات حتّى بعض المعتزلة وبعض الأشاعرة، ولم يأخذ بهذه القاعدة في مسائل، فجعلها قاعدة مطردة هو مما افتقر إلى تنظيم وتأصيل متبعًا في طريقة السلف الصالح وكان فيها نوع عدم استقراءً كامل لذلك فحصل منها الخلل.
    نعم لا يوازن بين الحسنات والسيئات إذا كان المقام مقام رد على المخالف، مقام رد على مبتدع، مقام رد على ضال؛ لأنك إذا ذكرت حسنات ذلك المردود عليه أو ذلك الضال أو ذلك المبتدع أو ذلك الظالم ذكرت حسناته في مقام الرد عليه فإنك تغري، وفي هذا المقام إنما يذكر ما عنده من الأخطاء أو السيئات ويرد عليه فيها؛ لأنّ القصد نصيحة الأمة وذكر الحسنات في هذا المقام إغراء به. وفي المقابل أو في الحالة الأخرى أن الحسنات والسيئات تذكر إذا كان المقصود تقيم الحالة، المقصود تقيم الشخص، المقصود تقيم المؤلَّف، المقصود تقييم الكتاب، المقصود تقييم فئة إلى آخر ذلك.
    فالأخذ بهذا والتقعيد له عامة ونسبة ذلك إلى السلف بإطلاق ليس بدقيق لا في هذه الجهة ولا في تلك الجهة
    محاضرة "قواعد القواع"
    قال الشيخ صالح ال الشيخ
    الأصل الذي يبني عليه هؤلاء العلماء هو السنة، فهؤلاء ما خالفونا في أصل الاعتقاد، وما خالفونا في التوحيد، ولا خالفونا في نصرة السنة، ولا خالفونا في رد البدع، وإنما اجتهدوا، فأخطأوا في مسائل، والعالم لا يتبع بزلته –كذا، ولعله لا يتتبع أي يفضح- كما أنه لا يُتبع في زلته،- أي لا يُقتدى به فيها،فهذه تُتْرك ويُسكت عنها، ويُنشر الحق، ويُنشر من كلامه ممايُؤَيَّد به، وعلماء السنة لما زلّ ابن خزيمة -رحمه الله- في مسألة الصورة، كما هو معلوم، ونفى صفة الصورة لله جل وعلا، ردّ عليه ابن تيمية -رحمه الله- في أكثر من مائة صفحة، مع ذلك علماء السنة يقولون عن ابن خزيمة: إنه إمام الأئمة، ولا يرضون أن أحدًا يطعن في ابن خزيمة، لأن كتاب "التوحيد"، الذي ملأه بالدفاع عن التوحيد لله رب العالمين، وبإثبات أنواع الكمالات لله جل وعلا، في أسمائه ونعوته،جل جلاله، وتقدست أسماؤه، والذهبي -رحمه الله- في "سير أعلام النبلاء" قال: "وزل ابن خزيمة في هذه المسألة"،
    فإذاً هنا إذا وقع زلل في مثل هذه المسائل،
    فما الموقف منها؟
    الموقف: أنه يُنظر إلى موافقته لنا في أصل الدين،
    موافقته للسنة، ونصرته للتوحيد، نصرته لنشر العلم النافع،
    ودعوته إلى الهدى،
    ونحو ذلك من الأصول العامة،
    ويُنصح في ذلك، وربما رُدَّ عليه على حدةٍ،
    لكن لا يُقدح فيه قدحًا يلقيه -كذا- تمامًا،
    وعلى هذا كان منهج أئمة الدعوة في هذه المسائل، كما هو معروف

    *********************

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

    يمنع انتقاد العلماء بقصد تجريحهم والتشهير بهم والتنقص من قدرهم والنيل من أعراضهم، فإن هذا لا يجوز
    أما إذا كان ذلك بقصد المصلحة وبيان الخطإ ، فلا مانع منه بل إن ذلك مطلوب شرعاً، فعلى من علم شيئاً من دين الله أن يبينه للناس، وإذا سمع أن أحد العلماء أخطأ فعليه أن يبين خطأه بحكمة وأدب مصحوب بالدليل الشرعي وأقوال العلماء
    وليس أحد معصوما، بل كل أحد يؤخذ من قوله ويرد،
    ولكن لا يجوز الطعن والتجريح بمجرد الهوى والتشهي،
    فإذا حصل لك اليقين الجازم بوقوع هذا العالم في خطأ ما فإن بيان خطئه بعلم وعدل لمن يحسن ذلك ليس مما يستنكر،
    بل هو أمر محمود إذا انضبط بالضوابط الشرعية من عدم تجاوز الحد في النقد وحفظ مكانة الشخص
    قال النووي رحمه الله الغيبة: ذكرك الإنسان بما يكره، سواء ذكرته بلفظك أو في كتابك، أو رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك أو يدك أو رأسك. وضابطُه: كلّ ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرّمة، ومن ذلك المحاكاة بأن يمشي متعارجاً أو مُطَأْطِئاً أو على غير ذلك من الهيئات، مريداً حكاية هيئة من يَتَنَقَّصُهُ بذلك، فكلُّ ذلك حرام بلا خلاف، ومن ذلك إذا ذَكرَ مُصنفُ كتاب شخصاً بعينه في كتابه قائلاً: قال فلان كذا مريداً تنقيصه والشناعةَ عليه، فهو حرام،
    فإن أرادَ بيانَ غلطه لئلا يُقلَّدَ أو بيانَ ضعفه في العلم لئلا يُغترّ به ويُقبل قوله، فهذا ليس غيبة، بل نصيحة واجبة يُثاب عليها إذا أراد ذلك،
    *****************
    عندما يتم تطبيق هذه الموازنة على هؤلاء العلماء، و يتم جمع الحسنات والأعمال الخيرة لهم وحشدها إلى جانب خطئهم فإنه ستنغمر أخطاؤهم في بحار حسناتهم،
    وهذا هو الذي سلكه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع حاطب -رضي الله عنه-، حيث قال -صلى الله عليه وسلم
    - لعمر عندما استأذن في قتل حاطب: أليس من أهل بدر ؟ فقال: لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة-أو: غفرت لكم -
    قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة
    : من قواعد الشرع والحكمة أيضا أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له مالا يحتمل لغيره ويعفي عنه مالا يعفي عن غيره فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل

    فالغيبة المذمومة والفرق بينها وبين النصيحة وتحذير المسلمين مما يفسد الدين – بيَّنها العلماء
    مثل قول ( ابن القيم ) -رحمه الله- :
    ( والفَرْقُ بَيْنَ النصيحة والغيبَة أنَّ النصِيْحَةَ يَكُونُ القَصْدُ فِيهَا تَحْذيرُ المُسْلِمِ مِنْ مُبْتَدِعٍ أوْ فَتَّانٍ أوْ غاشٍّ أوْ مُفْسِدٍ ، فتَذكُرُ مَا فيهِ إذا اسْتَشَارَكَ في صُحْبَتِهِ وَمُعامَلَتِهِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِ كَمَا قال النَّبيٌّ لِـ ( فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ) - وَقَدْ اسْتَشارَتهُ في نِكاحِ ( مُعَاوية ) وَ ( أبي جَهْمٍ ) فَقَال : " أمَّا ( مُعَاويَة ) فَصُعْلُوكٌ ، وأمَّا ( أبُو جَهْمٍ ) فَلا يضَعُ عصَاه عَن عاتِقِه " ، وقَالَ بَعْضُ أصْحابِهِ لِمَنْ سَافَرَ معَهُ : إذَا هَبَطْتَ عَنْ بلاَدِ قَوْمِهِ فاحذَرْهُ .
    فإذَا وَقَعَتِ الِغيبةُ على وجْهِ النَّصيحَةِ للهِ وَرَسولهِ وَعِبَادهِ المُسلِميْن فَهيَ قُرْبَةٌ إلى اللهِ مِن جُمْلَةِ الحَسَنَاتِ .
    وإذا وقَعَت عَلَى وجْهِ ذَّمِّ أخيكَ وتَمْزيقِ عِرْضِه والتَّفَكُّه بِلَحْمِهِ والغضِّ منه لِتَضَعَ مَنْزِلَتَهُ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ فهيَ الدَّاءُ العُضالُ ونارُ الحَسَناتِ التي تأكُلُها كَمَا تأكُلُ النَّارُ الحَطَب )
    قال شيخ الإسلام ( ابن تيمية ) -رحمه الله- :
    ( وقَاَلَ بَعْضُهُم لـ ( أحْمَدَ بن حَنْبَل ) :
    أنَّهُ يُثْقِلُ عَلَيَّ أنْ أقُولَ فُلانٌ كَذَِا وفُلانٌ كَذَا ! ، فَقَال : " إذَا سَكَتَّ أنْتَ وسَكَتُّ أنا فمَتَى يَعْرِفُ الْجَاهِلُ الصَّحيحَ منْ السَّقيمِ ؟! " ؛ وَمِثْلُ أَئِمَّة الْبِدَع مِن أَهْلِ المَقالاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتابِ والْسُّنَّةِ أو العِبَاداتِ المُخَالِفَةِ للكِتابِ والْسُّنَّةِ ، فإنَّ بَيَانَ حالِهِم وتَحذِيرَ الأُمَّةِ مِنْهُم وَاجبٌ باتِّفَاقِ المُسْلِمينَ حتَّى قِيْلَ لِـ ( أَحْمَدِ بن حَنْبَل ) : الرَّجُلُ يَصومُ ويُصَلِّي ويَعْتَكِفُ أَحَبُّ إليكَ أوْ يَتَكَلَّمُ في أهْلِ الْبِدَع ؟! ، فَقَال : " إذا قَامَ وصَلَّى واعْتكَفَ فإنَّمَا هُوَ لِنَفْسِه ، وإذا تَكَلَّمَ في أهْلِ الّبِدَعِ فإنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمين هَذَا أفْضَلُ " .
    فَبَيَّنَ أنَّ نفْعَ هذا عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ في دِينِهِمْ مِنْ جِنْسِ الجِهَادِ فِي سَبِيْلِ اللهِ ؛ إذْ تَطهِيرُ سَبِبيلِ اللهِ وَدينِهِ ومَنْهَجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعُ بَغْيِ هَؤُلاءِ وَعُدوانِهِم عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ على الكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ المسْلِمينَ وَلَولا مَنْ يُقيمُهُ اللهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ هؤُلاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وكَانَ فَسَادُهُ أعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اسْتيلاءِ العَدُوِّ مِنْ أهْلِ الْحَرْبِ ؛ فإنَّ هؤلاء إذا اسْتَولَوا لَمْ يُفسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنَ الدِّينِ إلا تَبَعاً وَأمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدونَ الْقُلُوبَ ابتِداءً ! ) انتهى ([20



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط


    ليس معنى احترام منزلة العلماء تقديسَ ذواتهم وأشخاصهم، فنصبحُ كبني إسرائيل (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ
    وإنما أهلُ الحقّ وسطٌ: فقد حفظوا لأهل العلم أقدارهم، وأنهم غيرُ معصومين من الخطأ، وإنما طاعتهم تجب باعتبار أنهم طريقٌ لطاعةِ الله ورسوله، ولذلك ثبت عن الأئمة أنَّهم صرَّحوا لأتباعهم أنه إذا ظهر أن أقوالهم بخلافِ الشريعة لم تكن لهم طاعة)

    قال أبو حنيفة: (إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي).
    وقال مالك: (إنما أنا بشرٌ أُخطئ وأصيبُ، فانظروا في رأيي، فكلُّ ما وافق الكتاب والسنَّة فخذوه، وإلا فاتركوه).
    وقال الشافعيُ: (ما من أحدٍ إلَّا وقد تذهبُ عليه سُنَّةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فمهما قلتُ من قولٍ أو أصَّلتُ من أصلٍ فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافُ ما قلتُ، فالقولُ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي)
    وقال أحمد بن حنبل: (رأيُ الأوزاعيِّ ورأيُ مالك، ورأيُ أبي حنيفة كلُّه رأيٌ، وهو عندي سواء، وإنما الحُجَّةُ في الآثار)

    الموقف من زلَّةِ العالِم ؟
    أولاً: عدمُ الاعتماد على تلك الزلَّةِ، وعدمُ الأخذِ بها، لأنها جاءت على خلاف الشريعة. قال الشاطبيُّ: (إنَّ زلَّةَ العالِم لا يصُحُّ اعتمادُها من جهةٍ، ولا الأخذُ بها تقليداً له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفةِ للشرع؛ ولذلك عُدَّت زلّةٌ، وإلا فلو كانت معتداً بها لم يُجعل لها هذه الرتبة، ولا نُسبَ إلى صاحبها الزللُ فيها).
    قال الأوزاعيُ رحمه الله: (مَن أَخَذَ بنوادرِ العلماءِ خَرَجَ مِن الإسلامِ)
    ثانياً: العدلُ في الحكم على صاحبها: فلا ينسب إلى التقصير، ولا يشنَّعُ عليه من أجلها، ولا تُرَدُّ بقيَّةُ أقوالِه وآرائِهِ بسببها. قال ابنُ القيم رحمه الله: (إنَّ الرجلَ الجليلَ الذي له في الإسلام قدمٌ صالحٌ وآثارٌ حسنهٌ، قد تكونُ منه الهفوةٌ والزلَّةُ هو فيها معذورٌ، بل ومأجورٌ لاجتهاده، فلا يجوزُ أن يُتَّبعَ فيها، ولا يجوزُ أن تُهدَرَ مكانتُهُ ومنزلتُهُ في قلوب المسلمين)
    قال الشاطبي بعد أن سرد جملة من الآثار في التحذير من زلة العالم في سفره الحافل " الموافقات ":
    ( وهذا كله، وما أشبهه، دليل على طلب الحذر من زلة العالم، و أكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه، والوقوف دون أقصى المبالغة في البحث عن النصوص فيها، وهو وإن كان قَصَد و لا تعمد وصاحبه معذور ومأجور، لكن مما ينبني عليه في الاتباع لقوله فيه خطر عظيم، وقد قال الغزالي: "إن زلة العالم بالذنب قد تصير كبيرةً وهي في نفسها صغيرةٌ، و ذَكر منها أمثلةً، ثم قال: فهذه ذنوب يتبع العالم عليها، فيموت العالم، ويبقى شرُّه مستطيراً في العالَم أياماً متطاولةً، فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، وهكذا الحكم مستمرٌ في زلته في الفتيا من باب أولى، فإنه ربما خفي على العالِم بعض السنة أو بعضُ المقاصد العامة في خصوص مسألته فيفضي ذلك إلى أن يصير قوله شرعاً يُتَقَلَّد، وقولاً يُعتبر في مسائل الخلاف، فربما رجع عنه، و تبين له الحق فيفوته تدارُك ما سار في البلاد عنه، و يضل عنه تلافيه فمن هنا قالوا: زلة العالم مضروب بها الطبل. وقال في هذا المعنى أيضاً: "تستعظم –شرعاً- زلة العالم وتصير صغيرته كبيرة من حيث كانت أقواله وأفعاله جارية في العادة على مجرى الاقتداء فإذا زل حملت زلته عنه قولاً كانت أو فعلاً؛ لأنه موضع منارٍ يُهتدى به فإن علم كون زلته زلة صغرت في أعين الناس وجسر عليها الناس تأسيًا به وتوهموا فيها رخصة علم بها ولم يعلموها هم تحسينًا للظن به وإن جهل كونها زلة فأحرى أن تحمل عنه محمل المشروع وذلك كله راجع عليه". وقال ابن القيّم -رحمه الله- في إعلام الموقعين: "ومن المعلوم أن المَخُوفَ في زلة العالم تقليده فيها إذ لولا التقليد لم يُخَف من زلة العالم على غيره فإذا عَرَف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين فإنه اتباع للخطأ على عمد ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه وكلاهما مفرط فيما أمر به ".
    قال الشاطبى
    أَنَّ زَلَّةَ الْعَالِمِ لَا يَصِحُّ اعْتِمَادُهَا مِنْ جِهَةٍ, وَلَا الْأَخْذُ بِهَا تَقْلِيدًا لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لِلشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ عُدَّتْ زَلَّةً، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ مُعْتَدًّا بِهَا؛ لَمْ يُجْعَلْ لَهَا هَذِهِ الرُّتْبَةُ، وَلَا نُسِبَ إِلَى صَاحِبِهَا الزَّلَلُ فِيهَا، كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ صَاحِبُهَا إِلَى التَّقْصِيرِ، وَلَا أَنْ يشنع عليه بها، ولا ينتقص مِنْ أَجْلِهَا، أَوْ يُعْتَقَدُ فِيهِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ بَحْتًا, فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ خِلَافُ مَا تَقْتَضِي رُتْبَتُهُ فِي الدِّينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَغَيْرِهِ مَا يُرْشِدُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى. انتهى

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

    قال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب مجدد الملة والدين:
    دين الله تعالى، ليس لي دونكم،
    فإذا أفتيت، أو عملت بشيء، وعلمتم أني مخطئ،
    وجب عليلكم تبيين الحق لأخيكم المسلم.
    وإن لم تعلموا وكانت المسألة من الواجبات،
    مثل التوحيد، فالواجب عليكم: أن تطلبوا وتحرصوا،
    حتى تفهموا حكم الله ورسوله في تلك المسألة،
    وما ذكر أهل العلم قبلكم؛ فإذا تبين حكم الله ورسوله بيانا كالشمس،
    فلا ينبغي لرجل يومن بالله واليوم الآخر، أن يرده، لكونه مخالفا لهواه، أو لما عليه أهل وقته ومشايخه….
    ومتى لم تتبين لكم المسألة، لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل،
    حتى يتبين لكم خطؤه، بل الواجب السكوت والتوقف؛
    فإذا تحققتم الخطأ، بينتموه ولم تهدروا جميع المحاسن، لأجل مسألة، أو مائة، أو مائتين، أخطأت فيهن،
    فإني لا أدعي العصمة.
    الدرر السنية في الأجوبة النجدية ج10 ص 57

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

    القدح في عثرات العلماء واهدار محاسنهم من اجلها من أعظم المفاسد والمحرمات
    قال الشيخ السعدي:
    ومن أعظم المحرمات وأشنع المفاسد إشاعة عثراتهم والقدح فيهم في غلطاتهم ، وأقبح من هذا وأقبح إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك ، وربما يكون – وهو الواقع كثيراً – أن الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ ولهم اجتهادهم فيه ، معذورون والقادح فيهم غير معذور ؛ وبهذا وأشباهه يظهر لك الفرق بين أهل العلم الناصحين والمنتسبين للعلم من أهل البغي والحسد والمعتدين ، فإن أهل العلم الحقيقي قصدهم التعاون على البر والتقوى ، والسعي في إعانة بعضهم بعضاً في كل ما عاد إلى هذا الأمر ، وستر عورات المسلمين وعدم إشاعة غلطاتهم والحرص على تنبيههم بكل ممكن من الوسائل النافعة ، والذب عن أعراض أهل العلم والدين ، و لا ريب أن هذا من أفضل القُرُبات ، ثم لو فرض أن ما أخطأوا أو عثروا ليس لهم تأويل و لا عذر ، لم يكن من الحق والإنصاف أن تُهدر المحاسن وتُمحى حقوقهم الواجبة بهذا الشيء اليسير ، كما هو دأب أهل البغي والعدوان ، فإن هذا ضرره كبير وفساده مستطير ، أي عالم لم يخطئ وأي حكيم لم يعثر ؟ الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة ص90
    وقال ايضا:
    “يوجد أفراد من أهل العلم والدين ثابتين على الحق قائمين بالحقوق الواجبة والمستحبة صابرين على ما نالهم في هذا السبيل من قدح القادح واعتراض المعترض وعدوان المعتدين.فتجدهم متقربين إلى الله بمحبة أهل العلم والدين ، جاعلين محاسنهم وآثارهم وتعليمهم ونفعهم نصب أعينهم ، قد أحبوهم لما اتصفوا به وقاموا به من المنافع العظيمة ، غير مبالين بما جاء منهم إليهم من القدح والاعتراض حاملين ذلك على التأويلات المتنوعة ومقيمين لهم الأعذار الممكنة، وما لم يمكنهم مما نالهم منهم أن يجدوا له محملا عاملوا الله فيهم ، فعفوا عنهم لله راجين أن يكون أجرهم على الله وعفوا عنهم لما لهم من الحق الذي هو أكبر شفيع لهم فإن عجزوا عن هذه الدرجة العالية التي لا يكاد يصل إليها إلا الواحد بعد الواحد ، نزلوا إلى درجة الإنصاف ، وهو اعتبار ما لهم من المحاسن ومقابلتها بالإساءة الصادرة منهم إليهم ، ووازنوا بين هذه وهذه ، فلا بد أن يجدوا الإحسان أرجح من جانب الإساءة أو متساويين أو ترجح الإساءة ، وعلى كل حال من هذه الاحتمالات فيعتبرون ما لهم وما عليهم.وأما من نزل عن درجة الإنصاف فهو بلا شك ظالم ضار لنفسه تارك من الواجبات عليه بمقدار ما تعدى فيه من الظلم . فهذه المراتب الثلاثة: مرتبة الكمال، ومرتبة الإنصاف ومرتبة الظلم . تميز كل أحوال أهل العلم ومقاديرهم ودرجاتهم، ومن هو القائم بالحقوق ومن هو تارك، والله تعالى هو المعين الموفق ” الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة ص91

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

    مكانةُ العلماءِ ومنزلتهم:
    جَعَلَت الشريعةُ للعلماءِ مقاماً رفيعاً،
    وأقاَمْتهُم أََدِلاَّءَ للناسِ على أحكامِ اللهِ،
    فأوجَبَت طاعَتُهُم تبعاً لطاعةِ الله ورسوله، الأدِّلةُ كثيرةٌ.
    منها:
    1- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء:59]. قال ابنُ كثير: (والظاهرُ واللهُ أعلمُ أنها عامَّةٌ في كلِّ أولي الأمر من الأمراءِ والعلماءِ)().
    2- قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[الأنبياء:7].
    3- قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون}[الزمر:9].
    4- قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28].
    5- أنَّ أهلَ العلمِ أبصرُ الناسِ بالشرِّ ومداخل الشرِّ.
    6- أنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء، وهم المفَضَّلون بعد الأنبياء على سائر البشر.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

    قال الشيخ/ ابن عثيمين رحمه الله:
    العلماء ثلاثة أصناف:
    عالم ملة، وعالم أمة، وعالم دولة.
    عالم الملة:
    هو الذي يحرص على حفظ الملة ونشرها بين الناس والدعوة إليها وهذا هو العالم حقيقة.
    وعالم الأمة:
    هو الذي يرى ما يريده الناس فيفتيهم به ولو خالف الشرع؛ لأنه يريد أن يساير ويقبل رأيه ولا يبالي.
    والثالث: عالم دولة:
    وهو الذي يرى ما تريده الدولة فيدعو إليه ويحكم به، ويحاول أن يلوي أعناق النصوص إلى ما تريده الدولة.
    تفسير سورة المائدة
    ***
    فالحجة في الوحي المعصوم من كتاب الله وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإسلام هو الحَكَم والحجة على الناس جميعا عالمهم وجاهلهم،
    وليس أحد حجة على الإسلام،
    فالعالم قد يخطئ ويزل،
    والمنافق قد يجادل ويخاصم،
    وأئمة الضلال يبدلون ويغيرون،
    ويبقى الإسلام هو الحق المحض،
    وقد قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
    يهدم الإسلام زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين.

    رواه الدارمي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

    قال ابن القيم رحمه الله فى مدارج السالكين
    وَلَا رَيْبَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَنَازِلِ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَعْذُرَهُمْ بِالْقَدَرِ ، وَيُقِيمَ عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْأَمْرِ ، فَيَنْظُرَ بِعَيْنِ الْقَدَرِ وَيَعْذِرَهُمْ بِهَا ، وَيَنْظُرَ بِعَيْنِ الْأَمْرِ وَيَحْمِلَهُمْ عَلَيْهَا بِمُوجَبِهَا ، فَلَا يَحْجُبُهُ مُطَالَعَةُ الْأَمْرِ عَنِ الْقَدَرِ ، وَلَا مُلَاحَظَةُ الْقَدَرِ عَنِ الْأَمْرِ .

    فَهَذَا - وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَا بُدَّ مِنْهُ - فَلَا وَجْهَ لِعُذْرِهِمْ ، وَلَيْسَ عُذْرُهُمْ مِنَ التَّوْبَةِ فِي شَيْءٍ الْبَتَّةَ ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا - فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ بَاطِلًا - فَلَا هُمْ مَعْذُورُونَ ، وَلَا طَلَبُ عُذْرِهِمْ مِنْ حَقَائِقِ التَّوْبَةِ ، بَلِ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْغَيْرَةَ لِلَّهِ ، وَالْغَضَبَ لَهُ ، مِنْ حَقَائِقِ التَّوْبَةِ ،
    فَتَعْطِيلُ عُذْرِ الْخَلِيقَةِ فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَشِدَّةِ الْغَضَبِ :
    هُوَ مِنْ عَلَامَاتِ تَعْظِيمِ الْحُرْمَةِ ،
    وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ حَقَائِقِ التَّوْبَةِ أَوْلَى مِنْ عُذْرِ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ .

    وَلَا سِيَّمَا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي هَذَا عُذْرُ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ ، وَقَتَلَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ، وَنَمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ ، وَأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ ، وَإِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ ، وَكُلِّ كَافِرٍ وَظَالِمٍ ، وَمُتَعَدٍّ حُدُودَ اللَّهِ ، وَمُنْتَهِكٍ مَحَارِمَ اللَّهِ ، فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ تَحْتَ الْقَدَرِ ، وَهُمْ مِنَ الْخَلِيقَةِ ، أَفَيَكُونُ عُذْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ حَقِيقَةِ التَّوْبَةِ ؟

    فَهَذَا مِمَّا أَوْجَبَهُ السَّيْرُ فِي طَرِيقِ الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَجَعَلَهُ الْغَايَةَ الَّتِي يُشَمِّرُ إِلَيْهَا السَّالِكُونَ .

    ثُمَّ أَيُّ مُوَافَقَةٍ لِلْمَحْبُوبِ فِي عُذْرِ مَنْ لَا يَعْذِرُهُ هُوَ ؟ بَلْ قَدِ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَيْهِ ، وَأَبْعَدَهُ عَنْ قُرْبِهِ ، وَطَرَدَهُ عَنْ بَابِهِ ، وَمَقَتَهُ أَشَدَّ الْمَقْتِ ؟ فَإِذَا عَذَرْتَهُ ، فَهَلْ يَكُونُ عُذْرُهُ إِلَّا تَعَرُّضًا لِسُخْطِ الْمَحْبُوبِ ، وَسُقُوطًا مِنْ عَيْنِهِ ؟ .

    وَلَا تُوجِبُ هَذِهِ الزِّلَّةُ مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إِهْدَارَ مَحَاسِنِهِ ، وَإِسَاءَةَ الظَّنِّ بِهِ ،
    فَمَحَلُّهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِمَامَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّقَدُّمِ فِي طَرِيقِ السُّلُوكِ الْمَحَلُّ الَّذِي لَا يُجْهَلُ ،
    وَكُلُّ أَحَدٍ فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَتْرُوكٌ إِلَّا الْمَعْصُومَ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ،
    وَالْكَامِلُ مَنْ عُدَّ خَطَؤُهُ ، وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجَالِ الضَّنْكِ ، وَالْمُعْتَرَكِ الصَّعْبِ ،
    الَّذِي زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامٌ ، وَضَلَّتْ فِيهِ أَفْهَامٌ ، وَافْتَرَقَتْ بِالسَّالِكِينَ فِيهِ الطُّرُقَاتُ ، وَأَشْرَفُوا - إِلَّا أَقَلَّهُمْ - عَلَى أَوْدِيَةِ الْهَلَكَاتِ .

    وَكَيْفَ لَا ؟ وَهُوَ الْبَحْرُ الَّذِي تَجْرِي سَفِينَةُ رَاكِبِهِ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ، وَالْمُعْتَرَكُ الَّذِي تَضَاءَلَتْ لِشُهُودِهِ شَجَاعَةُ الْأَبْطَالِ ، وَتَحَيَّرَتْ فِيهِ عُقُولُ أَلِبَّاءِ الرِّجَالِ ، وَوَصَلَتِ الْخَلِيقَةُ إِلَى سَاحِلِهِ يَبْغُونَ رُكُوبَهُ .

    فَمِنْهُمْ : مَنْ وَقَفَ مُطْرِقًا دَهِشًا ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْلَأَ مِنْهُ عَيْنَهُ ، وَلَا يَنْقُلَ عَنْ مَوْقِفِهِ قَدَمَهُ ، قَدِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِعَظَمَةِ مَا شَاهَدَ مِنْهُ ، فَقَالَ : الْوُقُوفُ عَلَى السَّاحِلِ أَسْلَمُ ، وَلَيْسَ بِلَبِيبٍ مَنْ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ .

    وَمِنْهُمْ : مَنْ رَجَعَ عَلَى عَقِبَيْهِ لَمَّا سَمِعَ هَدِيرَهُ ، وَصَوْتَ أَمْوَاجِهِ ، وَلَمْ يُطِقْ نَظَرًا إِلَيْهِ .

    وَمِنْهُمْ : مَنْ رَمَى بِنَفْسِهِ فِي لُجَجِهِ ، تَخْفِضُهُ مَوْجَةٌ ، وَتَرْفَعُهُ أُخْرَى .

    فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ عَلَى خَطَرٍ ، إِذِ الْوَاقِفُ عَلَى السَّاحِلِ عُرْضَةٌ لِوُصُولِ الْمَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ، وَالْهَارِبُ - وَلَوْ جَدَّ فِي الْهَرَبِ - فَمَا لَهُ مَصِيرٌ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَالْمُخَاطِرُ نَاظِرٌ إِلَى الْغَرْقَى كُلَّ سَاعَةٍ بِعَيْنَيْهِ ، وَمَا نَجَا مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا الصِّنْفُ الرَّابِعُ ، وَهُمُ الَّذِينَ انْتَظَرُوا مُوَافَاةَ سَفِينَةِ الْأَمْرِ ، فَلَمَّا قَرُبَتْ مِنْهُمْ نَادَاهُمُ الرُّبَّانُ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا فَهِيَ سَفِينَةُ نُوحٍ حَقًّا ، وَسَفِينَةُ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الرُّسُلِ ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ ، فَرَكِبُوا سَفِينَةَ الْأَمْرِ بِالْقَدَرِ ، تَجْرِي بِهِمْ فِي تَصَارِيفِ أَمْوَاجِهِ عَلَى حُكْمِ التَّسْلِيمِ لِمَنْ بِيَدِهِ التَّصَرُّفُ فِي الْبِحَارِ ، فَلَمْ يَكُ إِلَّا غَفْوَةً ، حَتَّى قِيلَ لِأَرْضِ الدُّنْيَا وَسَمَائِهَا : يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ ، وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي ، وَغِيضَ الْمَاءُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ ، وَاسْتَوَتْ عَلَى جُودِيِّ دَارِ الْقَرَارِ .

    وَالْمُتَخَلِّف ُونَ عَنِ السَّفِينَةِ - كَقَوْمِ نُوحٍ - أُغْرِقُوا ، ثُمَّ أُحْرِقُوا ، وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ عَلَى [ ص: 217 ] رُءُوسِ الْعَالَمِينَ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ثُمَّ نُودِيَ بِلِسَانِ الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ ، تَحْقِيقًا لِتَوْحِيدِهِ ، وَإِثْبَاتًا لِحُجَّتِهِ ، وَهُوَ أَعْدَلُ الْعَادِلِينَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ .
    فَمَحَلُّهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِمَامَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّقَدُّمِ فِي طَرِيقِ السُّلُوكِ الْمَحَلُّ الَّذِي لَا يُجْهَلُ ،
    وَكُلُّ أَحَدٍ فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَتْرُوكٌ إِلَّا الْمَعْصُومَ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ،
    وَالْكَامِلُ مَنْ عُدَّ خَطَؤُهُ ، وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجَالِ الضَّنْكِ ، وَالْمُعْتَرَكِ الصَّعْبِ ،
    الَّذِي زَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامٌ ، وَضَلَّتْ فِيهِ أَفْهَامٌ ، وَافْتَرَقَتْ بِالسَّالِكِينَ فِيهِ الطُّرُقَاتُ ، وَأَشْرَفُوا - إِلَّا أَقَلَّهُمْ - عَلَى أَوْدِيَةِ الْهَلَكَاتِ .
    وعلى هذا يتم القياس مع المعاصرين الذين زلت اقدامهم فى بعض مسائل الدين واصوله

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

    الموقف الصحيح من زلة العالم
    الاول
    : بعدم الاعتماد عليها وترك العمل بها:
    قال الشاطبي رحمه الله:
    (فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها حاكم بأحكامها جملة وتفصيلاً وأنه متى وجد متوجهاً غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع لم يكن حاكماً ولا استقام أن يكون مقتدىً به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة البتة) ا.هـ من الاعتصام (2/862).
    وقال كما في الموافقات (4/170- 171): (إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليداً له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة وإلا فلو كانت معتداً بها لم يجعل لها هذه الرتبة ولا نسب على صاحبها الزلل فيها).
    الثاني: أن نثبت له الأجر ولا نؤثمه: لقوله عليه الصلاة والسلام: ((الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر)).
    الثالث: الاعتدال في الحكم عليه: بحيث لا نسقط مكانته من نفوس الناس ولا نشنع عليه من أجلها ونلغي ما عنده من العلم وموافقة الحق مع التحذير من الزلة التي وقعت منه وتحذير الأمة من الاغترار بها ومتابعتها.
    قال الشاطبي رحمه الله:
    (لا ينبغي أن ينسب صاحبها – أي الزلة – إلى التقصير ولا أن يشنع عليه بها ولا ينتقص من أجلها أو يعتقد فيه المخالفة بحتاً فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين) ا هـ من الموافقات (4/170-171).
    وقال ابن القيم رحمه الله:
    ( من له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام وأهله بمكان قد يكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته ومنزلته في قلوب المسلمين) ا.هـ من أعلام الموقعين (3/295).
    ****************
    الزلات تتفاوت
    فمنها ما يكون ذا أثر على الناس
    فيجب في هذه الحالة تحذيرهم من الاغترار بها وليكن هذا التحذير بأسلوب حسن بحيث لا يشعر الناس بالتنقص من هذا العالم ولا يُطعن في العالم ولا في رتبته.
    وأما إن كانت غير مؤثرة على الناس فيجب سترها وإقالة عثرة هذا العالم.
    كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه أبو داود في سننه (برقم 4375) وأحمد (6/181): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)) ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه أبو داود أيضاً (3460) وأحمد (2/252) أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((من أقال مسلماً أقال الله عثرته)).
    فالعلماء ولا شك من ذوي الهيئات الذين تقال عثراتهم.

    أصناف الناس تجاه زلة العالم
    الناس اتجاه زلة العالم ثلاثة أصناف:

    1- صنف لا يرى أن عند هذا العالم أي خطأ , فهو يعظمه ويجله ويصوبه لدرجة أنه يجعل سيئاته حسنات.
    2- وصنف يسقط ذلك العالم لمجرد تلك الزلة أو الزلات فلا يرى له حسنة إطلاقاً.
    3- وصنف وفقه الله وسدده فاتبع الحق وهو العدل , فتراه يعظم من يستحق التعظيم من أهل العلم والدعاة والصالحين مع إقرارهم بأنه وإن عظم شأن الرجل فإنه تكون له الحسنات والسيئات فيمدح ويوالي ويذم ويعادي بحسب ما فيه من الحسنات والسيئات.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في (منهاج السنة) (4/543-544): (ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة.. أهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقروناً بالظن ونوع من الهوى الخفي فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين.
    ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين:
    طائفة تذمه فتجعل ذلك قادحاً في ولايته وتقواه. بل في بره وكونه من أهل الجنة بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان وكلا هذين الطرفين فاسد.
    والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا.
    ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه وأعطى الحق حقه. فيعظم الحق ويرحم الخلق ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب ويحب من وجه , ويبغض من وجه. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم).
    ************
    فالروافض مثلاً غلوا في قدحهم في أبي بكر رضوان الله عليه وأعلام الصحابة و كما غلوا في مدحهم علياً رضي الله عنه.
    والنواصب غلوا في قدحهم علياً ومدحهم لبقية الصحابة رضوان الله على الجميع.
    فهذا الغلو من الطرفين جر الأمة إلى مصائب فادحة في جوانب شتّى.

    قال شيخ الإسلام كما في (منهاج السنة 4/337): (والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بجهل وظلم كحال أهل البدع. فإن الرافضة تعمد إلى أقوام متقاربين في الفضيلة تريد أن تجعل أحدهم معصوماً من الذنوب والخطايا. والآخر مأثوماً فاسقاً أو كافراً فيظهر جهلهم وتناقضهم كاليهودي والنصراني إذا أراد أن يثبت نبوة موسى أو عيسى مع قدحه في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام فإنه يظهر عجزه وجهله وتناقضه).
    *****
    إن العالم كغيره من الناس له حق النصح إذا أخطأ وهو مندرج تحت قوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث تميم بن أوس الداري. قال رسول الله r: ((الدين النصيحة)). قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) رواه مسلم وأبو داود والترمذي وعنده أنه قال الدين النصيحة ثلاث مرات. فالعلماء يعتبرون من أئمة المسلمين.
    الواجب فى النصيحة
    1- الإخلاص لله تعالى في هذه النصيحة فإنها من جملة العبادات التي كلفنا بها ولا تقبل إلا إذا كانت خالصة لوجه الله تعالى. قال عز وجل: ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء
    2- أن يكون القصد منها الإصلاح( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ).
    3- أن يكون القصد إظهار الحق حتى قال الإمام الشافعي: (قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب) وقوله: (ما ناظرت أحداً إلا سألت الله أن يظهر الحق على لساني أو على لسانه).
    4- أن يكون مبتعداً عن كل ما يجعل المنصوح معانداً متمادياً على الباطل متأسياً بذلك بسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام حيث كان إذا أراد النصح قال: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)). ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله)).
    5- أن يكون التركيز على الرأي أو المسألة لا على قائلها

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

    فالتحذير من المخالفات العقدية التى وقع فيها بعض الائمة المتقدمين كابن حجر العسقلانى والنووى والسيوطى وابن حزم والقرطبى وابن الجوزى والهيثمى وكذلك غيرهم من المعاصرين
    إنما الغرض منها النصح لأئمة المسلمين -لئلا يُقلَّدَ ويُقبل قوله، فهذه نصيحة واجبة يُثاب عليها
    والمخالفات التى يتبع العالم عليها،يموت العالم، ويبقى شرُّه مستطيراً في العالَم سنين بل قرون متطاولةً
    ******

    قال الامام ابن بـــاز رحمه الله
    " و لو سكت أهل الحق عن بيانه لاستمر المخطئون على أخطائهم ،
    و قلدهم غيرهم في ذلك ،
    و باء الساكتون بإثم الكتمان الذي توعدهم الله في قوله سبحانه
    " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيَّنَّاه للنَّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاَّعنون إلا الذين تابوا و أصلحوا و بيَّنوا فأولئك أتوب عليهم و أنا التواب الرحيم"
    و قد أخذ الله على علماء أهل الكتاب الميثاق لتبيننه للناس و لا تكتمونه ،
    و ذمهم على نبذه وراء ظهورهم ، و حذرنا من اتباعهم .
    فإذا سكت أهل السنة عن بيان أخطـاء من خالف الكتاب و السنة
    شَـابَهُوا بذلك أهل الكتاب المغضوب عليهم و الضالين"

    مجموع فتاوي ابن باز 3/72

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: جمع الفوائد فى الموقف الصحيح للمؤاخذات والزلات العقدية عند العلماء- بين طرفين -الطاعن والغالى - ووسط

    وينبغي إضافة التالي للكلام أعلاه . . في خاتمته . .
    وهو الاستغفار للمؤمنين . . فكل مسلم سجد جبينه لله وحده بالتأكيد لا يقصد الزلة أو الخطأ . .
    ..
    قَال أبو الفتح نصر بْن المغيرة: سئل سفيان بْن عُيَيْنَة: يغتاب صاحب هوى؟ قال: يذكر منه هواه ولا يغتابه فيما سوى ذلك.
    . .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •