لا تنسَ غايتك!






كتبه/ أحمد شهاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيتساءل الكثيرون: كيف نصبر على تعلُّم العلم النافع المستدام المرتبط بالوحي في عصر الشتات العلمي؟!

كيف نُصابر على العمل الصالح والتعبد والتزكي في زمن مزدحم بالانشغالات والظروف -الحقيقي منها والوهمي؟!

كيف نَتَصبر على الدعوة في ظل أجواء الجفاء والبعد، والغفلة والصد؟!

كيف نتحمل المشاق والمضايقات؟

كيف ننفق ونتصدق في أوقات الشدة والقلة؟

كيف نرضى بالقدر خيره وشره؟

كيف؟ وكيف؟ وكيف؟

أسئلة تحتاج إلى إجابة، ولكن قبلها فهناك سؤال آخر أهم؛ فعلينا قبل أن نسأل عن (كيف؟) أن نعود خطوة للوراء، ونتأكد من وضوح الغاية والهدف، فنسأل عن (لماذا؟)، لماذا نتعلم؟!

فإن كان جوابُ فلانٍ -في نفسه- أنه لله والدار الآخرة؛ فلا بد أنه سيحرص على العلم النافع له في قبره وآخرته؛ لا على ما يبهر به أعين الناس، ويستكثر به على خلق الله، بل ما يرضي به مولاه ويفرح به يوم يلقاه، فيسهل عليه أن يستديم هذا التعلم النافع الرباني.

لماذا نحاول أن نتعبد؟!

إن كان الجواب للفوز بالجنة، فسيكون العمل في زيادةٍ كلما تناقص العمر ودنا القبر، واقترب موعد الرحيل.

لماذا ندعو إلى الله؟!

إن كان الجواب لننال رضا الله؛ فلا بد أنه سيتحمل في سبيل مرضاة حبيبه كل مشقة، ويبذل له بنفس راضية كل غالٍ ونفيسٍ، ولسان حاله: إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي.

لماذا نتصبر على المكروه؟!

إن كان الجواب: للنجاة من النار، فسيكون راضيًا محتسبًا، صابرًا لله وبالله ومع الله، ولسان حاله: بذنبي ويعفو عن كثير.

فقبل أن نسأل: كيف؟ وكيف؟ وكيف؟ لا بد أن نسأل: لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ ومهما تعددت الأسئلة بـ"لماذا؟" فالإجابة واحدة؛ لله والدار الآخرة، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل.

تعددت الأسئلة والإجابة واحدة: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (القصص: 77).

تعددت الأسئلة والإجابة واحدة: (*مَنْ *كَانَ *يُرِيدُ *حَرْثَ *الْآخِرَةِ *نَزِدْ *لَهُ *فِي *حَرْثِهِ) (الشورى:20).

تعددت الأسئلة والإجابة واحدة: كررها ابن تيمية في مواضع عِدَّة من كتبه: "ما لا يكون بالله لا يكون، وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم".

والكلام في هذا المعنى الكبير كثير...

فإنما برأس المحبة للرحيم الرؤوف الودود، وجناح الخوف منه ومن عذابه -فإنه مع حلمه شديد العقاب-، وجناح الرجاء في رحمته وكرمه وفضله ومَنِّه وطلب جنته -فإنه الكريم الشكور-؛ يطير الإنسان لثمرة العمل الصالح، وأي محاولة للمراوغة والقفز على هذا السؤال وتجاوزه؛ فهي من كيد الشيطان وحيل النفس، وليس الغرض التفصيل في الحديث عن الإخلاص؛ فله مواطنه ومظانه، لكن المقصود أن ألفت نظر نفسي وإخواني لخطوة ضرورية؛ حتى لا نفقد البوصلة ونضل الطريق، ونتيه في متاهات العصر ومبددات الجهد؛ فاللهم اغفر لنا ما قد مضى، وأصلح لنا ما بقي وبارك لنا فيه.

وكذا فليس معنى هذا: أن لا نبحث عن الوسائل والسبل (كيف؟) لنأخذ بالأسباب ، بل هذا من الأهمية بمكان، لكن المقصد أن نلفت الانتباه لسؤال سابق، وهو: (لماذا؟)، فإن هاتين الكلمتين: (الله والدار الآخرة)، لا بد أن تكونا معنا عندما نتحدث عن المقاصد، وأيضًا عندما نأخذ بالأسباب والوسائل؛ فعلينا أيضًا أن نأخذ بها لهذا الغرض والمقصد، مع استمداد العون من الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله فيتحقق معنى: "إياك نعبد وإياك نستعين"، فرضاه غاية الغايات، ومقصد المقاصد؛ ولذلك لما سُئِل أحدهم: "مَا بَالُ *كَلَامِ *السَّلَفِ *أَنْفَعُ *مِنْ *كَلَامِنَا؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا لِعِزِّ الْإِسْلَامِ وَنَجَاةِ النُّفُوسِ وَرِضَاءِ الرَّحْمَنِ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ لِعِزِّ النَّفْسِ وَطَلَبِ الدُّنْيَا وَقَبُولِ الْخَلْقِ" (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء).


فاللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.