مراحل تطور المذهب الحنفي
ام طارق


إن المذهب الحنفي نشأ يوم أن جلس الإمام أبو حنيفة للتدريس والإفتاء بعد وفاة شيخه حماد.
وإذا كان المذهب نشأ بأبي حنيفة فإنه نما واشتهر بعناية أصحابه وتلاميذه به.
فالمذهب الحنفي من المذاهب التي كتب الله لها الاستمرار وتلقتها الأمة بالقبول.
أما الأسباب التي ساعدت - بعد توفيق الله وإكرامه للإمام - على نمو مذهبه
واستقراره كمدرسة متبعة عبر العصور فقد أرجعها الإمام أبو زهرة إلى ثلاثة أمور:
أولها: كثرة تلاميذ أبي حنيفة وعنايتهم بنشر آرائه
ثانيها: جاء بعد تلاميذ الإمام طائفة أخرى عنيت باستنباط علل الأحكام ثم جمع فروع المذهب ووضع القواعد والنظريات التي جمعت أشتاته
ثالثاً: انتشاره في مواطن كثيرة ذات أعراف مختلفة، وكونه مذهب بعض الدولة العباسية والدولة العثمانية الرسمي.
هذا عن نشأة المذهب ، أما تاريخ المذهب الحنفي وتطوره وانتشاره في البقاع الإسلامية فقد قسمها العلماء إلى ثلاثة مراحل أو أدوار:
1- دور النشوء والتكوين
2- دور التوسع والنمو
3- دور الاستقرار
1- دور النشوء والتكوين:

وهو دور التأسيس ووضع قواعد المذهب وأصوله الفقهية على يد مؤسسه وتلاميذه المقربين.
ويشمل هذا الدور عصر الإمام وتلاميذه.
ويبدأ من عام 120هـ يوم أن جلس الإمام أبو حنيفة للإفتاء والتدريس بعد وفاة شيخه حمّاد بن أبي سليمان؛
وإن كانت جذور المذهب تمتد إلى ما قبل ذلك، وينتهي بوفاة آخر الأربعة الكبار من تلاميذه وهو الحسن بن زياد اللؤلؤي 204هـ.
وفي هذا الدور لم يؤثر أن الإمام أبا حنيفة ألف في الفقه، لأن التدوين في الفقه لم يكن معروفاًَ في زمانه،
وكل ما نقل إلينا بعد ذلك من مسائل الأصول كتبه تلاميذه نقلاً عنه.
وقد نقل إلينا أصحاب أبي حنيفة فقهه وجمعوا الآراء التي كان يقولها في مجلس تدريسه. وأول من دون من تلاميذ أبي حنيفة تلميذه الأكبر أبو يوسف الذي ألف في الأصول والأمالي.
أما أكثرهم اهتماماً بالتدوين فهو الإمام محمد بن حسن الشيباني الذي قام بتدوين ذلك الفقه مما رواه بنفسه عن أبي حنيفة أو مما رواه عن أبي يوسف، وقد كان يضع المؤلف ويعرضه على أبي يوسف.
والكتب الأولى التي وضعها الإمام محمد بن الحسن جمعت كلام الإمام وكلام أصحابه أيضًا، وسميت (ظاهر الرواية). وهي ستة كتب:
1-المبسوط أو الأصل، 2- الجامع الصغير 3- والجامع الكبير 4- والسير الصغير 5-والسير الكبير، 6- والزيادات.
وسُمِّيت بظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن محمد برواية الثقات فهي متواترة أو مشهورة عنه.
وقد جمع الحاكم الشهيد كتب ظاهرة الرواية في كتاب واحد سماه (الكافي)، وقام بشرحه السرخسي في كتابه (المبسوط)، وهو من الكتب المعتمدة عند الحنفية.
كما ألف الإمام محمد كتباً أخرى مثل الجرجانيات، والكيسانيات والهارونيات والنوادر، والرقيات، والحجة على أهل المدينة.
وألف الحسن بن زياد اللؤلؤي كتاب المجرد منزلة كتب الصاحبين في المذهب.
والكتب التي كتبت في هذا الدور، وفي مقدمتها كتب الإمام محمد رحمه الله، هي أساس مذهب أبي حنيفة وأصحابه،
وهي التي اشتغل بها علماء الحنفية في الدور التالي بياناً وشرحاً، وعليها عولوا، ومن معينها استقوا.
2 - دور التوسع والنمو والانتشار:
ويمتد من وفاة اللؤلؤي (ت 204 ) إلى وفاة الإمام عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي خاتمة مجتهدي المذهب (ت 710هـ).
وفي هذا العصر تغير المرجع في المذهب عند الخلاف فأصبح تقديم قول الإمام إذا اتفق معه أحد الصاحبين،
وإذا اتفق الصاحبان وخالفهما الإمام فالمرجح رأيهما إذا كانت المسالة مما يتغير بالاجتهاد.
وفي هذه المرحلة ظهرت بدايات التدوين الجزئي لمسائل أصول الفقه وعكف العلماء على التأليف؛
فجاءت تآليفهم على ثلاثة أنواع:
المختصرات التي اهتمت بتوضيح الراجح، والشروح التي تمحورت حول المختصرات تشرحها وتستدل
على مسائلها، والفتاوى والواقعات التي اختصت بالواقعات والنوازل. وهذا تفصيلها:
أ- النوع الأول: المختصرات التي اهتمت بتوضيح الراجح. ومن أهم هذه المختصرات:
ومن أهم هذه المختصرات:
1- مختصر الطحاوي
2- الكافي للحاكم الشهيد وقد اختصر فيه الكتب الستة
3- تحفة الفقهاء للسمرقندي
4- مختصر القدوري وهو الذي يطلق عليه لفظ الكتاب في المذهب
5- بداية المبتدي للم
يرغناني وقد جمع فيه مختصر القدوري مع الجامع الصغير
6- المختار لأبي الفضل عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي
7- كنز الدقائق للنسفي
8- وقاية الرواية لصدر الشريعة

ب- النوع الثاني: الشروح: وقد تمحورت حول المختصرات تشرحها وتستدل على مسائلها ومن أهم تلك الشروح:
1- المبسوط للإمام السرخسي شرح فيه مختصر الطحاوي
2- بدائع الصنائع لعلاء الدين الكاساني شرح فيه تحفة الفقهاء للسمرقندي
3- الهداية للميرغناني وهي شرح لكتابه بداية المبتدي
4- الاختيار لتعليل المختار للموصلي شرح فيه كتابه المختار

ج- النوع الثالث: الفتاوى والواقعات: تصدى علماء هذا الدور للحوادث التي استجدت بالاجتهاد وبذلك ظهرت كتب اختصت بالواقعات والنوازل ومن أهمها:

1- فتاوى شمس الأئمة الحلواني
2- الفتاوى الكبرى للصدر الشهيد
3- الفتاوى النسفية
4- فتاوى قاضيخان
وهذه الكتب أصبحت هي المعتمدة فالمختصرات أعلاها اعتماداً ثم الشروح ثم الفتاوى.
3- دور الاستقرار​
ويمتد هذا الدور من وفاة النسفي إلى يومنا هذا.
فقد استقر المذهب الحنفي مع مطلع القرن الثامن الهجري وبالتالي أصبح جهد العلماء دائرا حول كتب العصور السابقة.
وهناك من قسم هذه المرحلة إلى دورات؛
فجعل الدورة الأولى تمتد من أواخر الدور الثاني أي من أواسط القرن السابع الهجري إلى القرن العاشر الهجري،
وفي هذه الدورة برزت مؤلفات جديدة لتدعيم المذهب بالدليل، ومنها:
1- المسانيد المنسوبة للإمام أبي حنيفة
2- اللباب في الجمع بين السنة والكتاب للمنجبي
3- نصب الراية للزيلعي

ثم بدأت دورة جديدة في التأليف تمتد من أواسط القرن العاشر الهجري إلى أواخر القرن الثالث عشر الهجري، وفيها برزت متون فقهية جديدة معتمدة؛ من أشهرها:
1- ملتقى الأبحر للحلبي
2- تنوير الأبصار للتمرتاشي
3- نور الإيضاح للشرنبلالي
وتبع ذلك طائفة أخرى من الشروح والحواشي والتعليقات أشهرها حاشية ابن عابدين المسماة "رد المحتار على الدر المختار"
وقد وضع فيها ضوابط معرفة الرأي المعتمد في المذهب، كما وضح الآراء المعتمدة في الخلافات التي يذكرها.
وهي آخر محاولة لتقديم الرأي الراجح في المذهب وتحقيق مسائله.

وشهدت هذه المرحلة بعد ذلك ظهور الفتاوى الهندية بأمر من سلطان المسلمين في الهند،
وكان الهدف منها جمع الأقوال المعتبرة للفتوى في المذهب، ولعلها [أول محاولة رسمية لتنقيح المذهب وبيان الراجح فيه].

ومن أواخر القرن الثالث عشر الهجري إلى يومنا هذا ظهرت مجلة الأحكام العدلية،
هدفها إخراج صياغة قانونية للفقه الحنفي في أبواب المعاملات والقضاء لتكون بين أيدي الحكام والقضاة في الدولة العثمانية.
[وهذه هي المحاولة الرسمية الثانية لتطوير وتقريب الفقه الحنفي ].

وأخيراً ظهرت في هذه المرحلة المؤلفات الفقهية المذهبية التي تحرص على عرض الفقه الحنفي بأسلوب سهل ميسر مع الدليل وبيان الراجح في المذهب.