نظرات في (لوحة الألف)
د. يحيى مير علم
أولاً: التوطئة
يشتمل هذا المقال على مراجعة نقدية لما ورد في اللوحة الموسومة بـ " الألف " التي صدرت عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت، والتي تضمنت قواعد رسم كلّ من: الهمزة (الألف اليابسة) بنوعيها همزة الوصل وهمزة القطع، والألف اللينة متوسطةً ومتطرفةً، ومواضع الهمزة: مبتدأةً، ومتوسطةً، ومتطرفةً، وما يتفرّع عن كلٍّ منها من حالات وأحكام. وقد جاءت هذه المراجعة في أربعة أقسام، وقفتُ أولها على توطئة مهمّة، تناولت ظاهرة الضعف في اللغة العربية عامّة، وفي قواعد الإملاء خاصّةً، وأهمية العناية بالعربية، والارتباط الوثيق بين علوم العربية وعلوم الدين، والجهود المبذولة في ذلك، وأهمية قواعد الإملاء ومنزلتها بين علوم العربية، على كثرة الاختلاف فيها، وما تجب مراعاته لدى وضع قواعد للإملاء، وجعلت ثانيها للحديث عن لوحة الألف من حيث مادّتها وأهميتها وقيمتها، وجمعت في ثالثها الملاحظات التي أخذتها على لوحة الألف على اختلاف أنواعها علميةً ومنهجيةً، وأوردتها مفصّلةً ومعززة بالأدلة، مع التحليل والمناقشة والتوثيق بالإحالة على كتب قواعد الكتابة أو الإملاء، وأمّا رابعها فقد أخلصته للمقترحات، وأتبعت ذلك بالحواشي، ثم بالمصادر والمراجع، ثم ختمتها بملحقين، تضمن الأول صورة لوحة الألف موضوع المقال، وحوى الثاني قواعد رسم الهمزة على اختلاف أنواعها.
1 - الضعف في اللغة العربية عامّةً وفي قواعد الإملاء خاصّةً:
لعل من نافلة القول وفضوله الإشارةَ إلى أهمية اللغة في حياة الأمم، وارتباطَ تطور اللغة بتطور أهلها، وما آل إليه أمرُ اللغة العربية من ضعفٍ عامّ تجاوز الطلبةَ في جميع مراحل التعليم وعامّة المثقفين وغير المختصين إلى غير قليل من ذوي الاختصاص في علوم العربية وعلوم الدين، مما لا يكاد يبرأ منه إلا مَنْ رحم ربُّك، وقليلٌ ما هم. آيةُ ذلك انتشارُ الأخطاء اللغوية الشائعة في الكتابة والنطق، على اختلاف أنواع الكتابة، وتفاوت مستويات أصحابها، وفشوُّ العاميّات، مع كبير قصورها عن التعبير العلمي الدقيق، واستئثارها بغير قليل من الاهتمام والذيوع في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، فضلاً عمّا تلقاه من دعم جهاتٍ كثيرة لدواعٍ عدّة، بل تعدّى استعمالُها الأمورَ الحياتية إلى كثير من الفصول والقاعات الدراسية في جميع مراحل التعليم وفي غير قليل من البلدان العربية، ممّا أسهم في زيادة ضعف الطلبة في لغتهم الوطنية الأم التي يتعلمون بها ويعبرون. على أن أكثر ما يتجلّى به الضعف بالعربية هو الأخطاء الكتابية الناتجة عن عدم معرفة أصول الكتابة الصحيحة أو الإملاء، أو عن تلقّيها خلافَ الصواب عمّن لم يتقن مهاراتها، ممّن نهض بتدريس اللغة العربية. وموضوع ذلك هو ما يسمّى بقواعد الكتابة العربية أو الإملاء، التي تشتمل غالباً على خمسة أو ستة موضوعات أو أبواب رئيسية، يتصدّرها باب الهمزة، ويليه غالباً باب الألف الليّنة[1].
2 - أهمية العناية باللغة العربية والجهود المبذولة في ذلك:
وإزاء ذلك الضعف العامّ في اللغة العربية، وما نتج عنه من آثار سلبية على تحصيل العلوم العربية والإسلامية عامّةً، وعلى فهم القرآن الكريم والحديث الشريف خاصّةً، فقد سعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت جاهدةً إلى معالجة هذا الضعف، واستدراك جوانب النقص، وبذلت جهوداً كبيرةً في خدمة اللغة العربية التي شرفها الله تعالى فاختارها لساناً للوحي الكريم، وللتنزيل الحكيم، ولرسوله محمد عليه الصلاة والسلام، ولأهل الجنة، وحرصت على تيسيرِ تعلّمها وتعليمها، وتقريب علومها ومعارفها من المهتمين بها، والارتقاء بمستويات الطلبة وعامّة المثقفين والدارسين لعلوم العربية وعلوم الدين، وغيرهم. وقد تنوّعت تلك الجهودُ، وتبدّت في مظاهرَ شتّى مثل إقامة دورات في العلوم الإسلامية، وفي علوم اللغة العربية: النحو والصرف والبلاغة والفصاحة والعروض وغيرها، أو في قراءة أو دراسة المشهور من المصنّفات في بعض تلك العلوم، مما درجت الوزارة على تنظيمها في المساجد وغيرها، ووفّرت لها أسبابَ نجاحها، وعهدت إلى نخبةٍ متميزة من أهل العلم والخبرة وذوي الاختصاصات العلمية من أبناء الكويت وغيرهم للنهوض بها على خير وجه، فضلاً عن المنتديات الأدبية والثقافية والدينية، وغير ذلك من الأنشطة التي تغني الإشارة إليها عن استقصائها.
والحقّ أن اهتمام وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية باللغة العربية وعلومها يستأهل ما يستحق من الثناء والتقدير والدعم والمؤازرة، لتستمر صُعُداً في بذل مثل هذه الجهود الطيبة التي يعرفها ويراها جليةً كلُّ ذي بصر وبصيرة، فضلاً عن كاتب هذه السطور. ولا ريب أن تلك الجهود الكبيرة والمتنوعة تهدف أساساً إلى خدمة هذه اللغة الشريفة والناطقين بها من أبنائها وغيرهم، مما لا يستغني عنه أيّ مسلم في إقامة شعائر دينه من الصلاة، وقراءة القرآن، وتعلم علوم الدين من فقه وتفسير وحديث وعقيدة وسيرة وغيرها، فضلاً عن الحرص على الارتقاء بمستوى بعض القائمين على شؤون المساجد من الخطباء والأئمة والمؤذنين وغيرهم.
3 - الارتباط بين علوم العربية والدين نشأةً ودراسةً واهتماماً:
لابدّ من الإشارة إلى الارتباط الوثيق بين علوم العربية وعلوم الدين، وإلى اعتماد كل منها على الآخر، وإلى حاجة كلّ مختصّ في علوم الشريعة إلى إتقان العربية، ومعرفة علومها وأسرارها ونظامها، وكذلك الإشارة إلى حاجة المختصين في العربية إلى علوم الشريعة وصولاً إلى إتقان العربية والتمكن منها. وهذا الارتباط بين علوم العربية والدين من الشهرة بمكان، ومثله لا يحتاج إلى التدليل عليه، وإن حدث ذلك فهو من فضول القول، حسبنا في ذلك أن نشأة علوم العربية كانت في الأصل خدمةً للقرآن الكريم، وأن جُلّ أعلام العربية وأئمتها في اللغة والنحو والصرف والأدب والشعر، من المتقدمين والمتأخرين والمُكثرين والمُقلّين، كانوا من الأعلام أيضاً في علوم الدين، وتركوا مصنفات في كلا النوعين، فضلاً عن مشاركات بعضهم في علوم أخرى، يقدمهم: الخليل بن أحمد الفراهيدي والأخفش والفراء والكسائي والمبرد وأبو عمرو بن العلاء وابن السراج والزجاجي وأبو علي الفارسي وابن جني والرماني والزمخشري وأبو البقاء العكبري وابن مالك وابن يعيش وأبو حيان الأندلسي وغيرهم كثير.
4 - أهمية موضوع قواعد الإملاء والاختلاف فيها:
يُعَدُّ موضوع قواعد الإملاء أو قواعد الكتابة العربية من القضايا اللغوية المُلِحّة التي تعاني منها اللغةُ العربية، فقد طال الخُلْف بين المصنّفين في كثيرٍ من قواعدها قديماً وحديثاً، ولا تزال الأصواتُ تجأرُ بالشكوى من عُسْرها، ومن كثرة الاختلاف في قواعدها، لذلك حظي الموضوعُ باهتمام المؤسسات التعليمية والعلمية والمجامع اللغوية عامّةً، وباهتمام مجمع اللغة العربية بالقاهرة خاصّةً[2]، وما فَتِئَت محاولاتُ الباحثين منذ منتصف القرن الماضي تتوالى في تقديم الاقتراحات وصولاً إلى تيسيرها على الكاتبين وتوحيد صورها، كما تنامى عددُ الكتب المعاصرة التي وقفها أصحابُها على قواعد الكتابة حتى أربت على مئة كتاب، على ما بينها من تفاوتٍ في: المنهج، والمادّة، والشرح، والتوثيق، والتفصيل، ومَبْلَغ حظّها من الدقّة والصواب، والزيادة والنقص، والملاحظ التي تتّجه عليها[3].
ولمّا كان بابُ الاجتهاد في كثير من قضايا قواعد الكتابة العربية لا يزال مُشْرعاً حتى تُقالَ كلمةُ الفصل فيه، وبعد معاودة النظر في لوحة "الألف" المتقدّمة التي تغيّا مَنْ نهض بها تيسير قواعد الإملاء على المتعلمين والطلبة وعامّة المثقفين وغير المختصين وسواهم، رأيت لزاماً عليّ أن أنهض بواجب العلم فدوّنت ملاحظاتٍ متنوعةً، تصحّح ما ورد في اللوحة مجانباً للصواب، بياناً لوجه الحقّ، ورغبةً في نفي ما شابها من ملاحظ مختلفة، وحرصاً على أن تخرج تلك اللوحة في طبعةٍ ثانيةٍ أدنى ما تكون إلى الكمال.
5 - ما تجب مراعاته لدى وضع قواعد للإملاء:
على أنه يحسن قبل إيراد تلك الملاحظات بيانُ جُمْلةٍ من الأسس التي يجب أن تُراعى في وضع قواعد للإملاء العربي، على أيّ صورة كانت، سواء استغرقت أبواب هذا العلم أم اقتصرت على بعضها دون بعض، كما في لوحة الألف، وأهمّها: الحرص على مطابقة المنطوق للمكتوب ما أمكن، لأنه الأصل في الإملاء، والتقليل من القواعد إلى أدنى قدر، وجعلها مطّردة وموحّدة (معيارية)، وتقليل حالات الاستثناء والشذوذ أو الخروج عن القاعدة إلى الحدّ الأدنى، وعدم الخروج عن الصور المألوفة في الكتابة تحقيقاً لاستمرار الصلة بين القديم والحديث، والحرص على الربط بين قواعد الإملاء والقواعد النحوية والصرفية دون الخلط فيما بينها تحقيقاً لأهدافٍ تربويةٍ وجيهة.
وعلى ذلك فإنه لا يمكن الوصولُ إلى قواعد للإملاء أو الكتابةٍ الدقيقة والصحيحة والموحّدة، تتجاوز ما أُخذ على ما سبقها من محاولات، ما لم يَجْرِ تخليصُها من الخلافات، والزيادات المقحمة، وتعدّد الوجوه، فضلاً عن الأخطاء العلمية والمنهجية، مما نجد أمثلتَه واضحةً في كتبٍ غير قليلة من قواعد الكتابة، على ما بينها من تفاوت في المناهج والغايات؛ إذ يتسم غيرُ قليلٍ منها بالنقل والتكرار، وإهمال التوثيق، والمتابعة في الصواب والخطأ، وبإقحام موضوعات صرفية أو نحوية أو لغوية أو سواها، دون أيّ مسوّغ. لذا، كان من غير الصواب أخذُ جميع ما ورد فيها بالتسليم أو القبول دونَ تدقيقٍ أو تمحيص، لأن قدراً مما جاء فيها لا يعدو أن يكونَ خلافاتٍ، لا تنطوي على كبيرِ قيمةٍ، أو زياداتٍ من علوم مختلفة، لا وجهَ لإثباتها.
على أنه يجب التنبيه إلى أن ما ورد في بعضها، مما وُضع مرجعاً للخاصّة والأساتذة، وتغيّا أصحابُه الجمعَ والاستقصاءَ لكلّ ما يقع تحت أيديهم، والتوثيقَ لكلّ شاردةٍ وواردةٍ، بالإحالة على آراء المتقدمين ومقالاتهم وخلافاتهم ونقلها = لا يجوزُ فِعْلُ مثله لِمَنْ تغيّا الإيجازَ والاقتصادَ والإحكامَ والتقريبَ والتيسيَر، وتخليصَ قواعد الإملاء أو الكتابة مما شابها من خلافات، وتعدّد في صور الرسم، مما تطالعنا أمثلته في عدد غير قليل من الكتب المطبوعة، وفي المواقع المعنيّة بعلوم العربية في الشابكة (الإنترنت ). ولا ريب أن تحقيق هذا الأمر يصبح آكد في مثل لوحة " الألف " موضوع المقال.
ثانياً: لوحة " الألف " مادّةً وأهميّةً
ومما يندرج في تلك الجهود أيضاً حرصُ الوزارة على دعمِ العربية الفصحى، كيما تُستعملَ استعمالاً صحيحاً ودقيقاً كتابةً وحديثاً، وعلى تقديمِ كلّ ما من شأنه أن يحقّق السلامةَ في كتابتها، وينأى بها عن الأخطاء اللغوية عامّةً، وعن الأخطاء الناتجة عن عدم مراعاة أصول الكتابة العربية أو الإملاء خاصّةً. وكان من الثمرات الطيبة لتلك الجهود إصدارُ مكتب التوجيه الفني بإدارة الدراسات الإسلامية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لوحةَ (الألِف) بنوعيها: الألف اليابسة (الهمزة) والألف الليّنة (ألف المدّ) وذلك في إخراج جميل، على كرتون ملون بمقاس 48 x68 سم، جاءت مذيلةً بإعداد الأستاذ عبد العزيز فاضل العنزي الموجه الأول لقسم القرآن الكريم، وبتحيات مراقبة الأنشطة والخدمات المساندة، وبالإحالة على موقعها في الشابكة (الإنترنت) غير أنها جاءت غُفْلاً من تحديد تاريخ الإصدار، على أنني رأيتها معلّقةً على لوحات الإعلان في بعض المساجد خلال سنة 2006م.
وقد تضمنت اللوحة المذكورة بابين من أصل خمسة أو ستة أبواب مشهورة، عليها مدارُ أكثر مصنّفات قواعد الكتابة أو الإملاء. أولهما: باب الهمزة أو الألف اليابسة بفرعيها: همزة الوصل (أنواعها، وحذفها، وسبب تسميتها) وهمزة القطع (تسميتها، وتعريفها). وأما قواعد رسم الهمزة فقد جاءت في النصف الأدنى من اللوحة تحت عنوان (مواضع الهمزة) موزّعةً على ثلاثة مواضع، الأول: الهمزة المبتدأة، وردت فيها حالاتُها مجتمعةً مع همزة الاستفهام مفتوحةً ومكسورةً ومضمومةً، والثاني: الهمزة المتوسطة، موزّعةً على صور كتابتها الأربع، على الألف، والواو، والياء، والمفردة على السطر، والثالث: الهمزة المتطرفة، وضمّت كذلك حالاتها موزّعةً على صور كتابتها الأربع، على الألف، والواو، والياء، والمفردة على السطر. وثانيهما: باب الألف الليّنة التي لا تكون إلا مدّاً.
والحقّ أن اقتصار اللوحة على بابي الهمزة والألف اللينة دون غيرهما من أبواب قواعد الكتابة يدلّ فيما أرى على دقّةٍ في تشخيص مواضع الضعف المتقدّمة ومعالجتها، كما يدلُّ على إدراك صحيح لخطورة هذا الموضوع، وعلى مقدار الحاجة إلى قواعدَ ميسرةٍ وموحّدةٍ لأهم أبواب الإملاء العربي: باب الهمزة، وباب الألف اللينة، آيةُ ذلك أن مجمع اللغة العربية بدمشق الذي أصدر كتاب "قواعد الإملاء" سنة 2004م[4] قد نصّ في تقديمه له على أهمية هذين البابين، وأنه توخّى التيسير على الكاتبين في كتابة ما تقع فيه الهمزة والألف الليّنة[5]. ولابدّ من الإشارة هنا إلى أن الدكتور رمضان عبد التواب أفرد كتاباً مهماً للهمزة سمّاه "مشكلة الهمزة العربية"[6].
ثالثاً: الملاحظات على لوحة " الألف"
يظهر جلياً لأيّ مطّلع على لوحة " الألف " مبلغ ما بُذِل في إعدادها من جهد ووقت كبيرين، لذا فإن ما سيأتي من ملاحظ متنوعة تتّجه عليها لا يقلّل من شأنها، ولا من قيمة ما ورد فيها، وحسبُها الريادةُ والسبق، ولولا قيمتُها لما نظر فيها أهل العلم، ولما تجشموا عناء تدقيقها وتصحيحها ونقدها نقداً علميا،ً يجبر النقص، ويقوّم المعوجّ، ويصلح المنآد، إذ كان من المعلوم أن جودة العلم لا تتكون إلا بجودة النقد، والغاية من هذا المقال -كما سبق- تصحيحها ونفي ما شابها من سهوٍ أو خطأ، لتكون أدنى إلى الكمال، تحقق الغايةَ النبيلةَ التي أُعِدّت من أجلها، ولن يتحقق ذلك إلاّ بالإفادة من ملاحظات ذوي الاختصاص من المهتمين والمشتغلين والباحثين في قواعد الكتابة والإملاء والترقيم، وليس هذا بدعاً من الأمر، فمن المسلَّم به أنه "لم يَعْرَ خَلْقٌ من السهو والغلط، فالكمال لله وحده، والنقص شامل للمخلوقين"[7].
ويمكن تلخيص ما يتّجه من ملاحظ على ما جاء في لوحة " الألف " بما يأتي:
1 - لم تستكمل لوحة " الألف " ما يقتضيه المنهج العلمي من التدقيق والمراجعة لتخرج صحيحةً أدنى ما تكون إلى الإتقان والتجويد، فلم تُعرض قبل الطباعة على أحد المختصّين أو المهتمّين بهذا العلم، ممّن عانوا موضوعاته وقضاياه تدريساً أو بحثاً، لينظروا فيها، وينفوا عنها ما قد يشوبها من ضروب السهو أو الخطأ أو الزيادة أو النقص أو التكرار أو مخالفة المنهج أو غيرها، وذلك لدواعٍ عدّة، تقتضيها أهميةُ الموضوع، وطبيعةُ هذا العلم، إذ لا يخفى أن معرفة كثير من المختصّين في علوم العربية والشريعة بهذا العلم لا تجاوز الخبرة العملية المتحصّلة من ممارسة الكتابة، فهي لا تبلغ حدّ الدراية الدقيقة بموضوعات قواعد الكتابة ومسائلها وأصولها ومواضع الاختلاف فيها، لذلك ليس غريباً ألا يكون في وسع كثير منهم أن ينهضوا بالتصنيف المتقن في هذا العلم، ولا أن يكونوا من الراسخين في هذا العلم، ومَنْ أقدم على ذلك دون أن يكون معنياً بهذا العلم تدريساً أو بحثاً، ودون أن يمتلك الأدوات اللازمة، شاب عمله ضروب من الخلل والخطأ غير قليلة، آية ذلك قلّةُ عدد الصحيح والمعتمد من كتب قواعد الكتابة المعاصرة على وفرتها، واختلاف مقاصدها وغاياتها، وكذلك كثرةُ ما يؤخذ عليها من ملاحظ مختلفة، تتناول: المادة العلمية، والمنهج، والقواعد، والعرض، والشرح، والأمثلة، لذا، كان من الضرورة بمكان حسن الاختيار لدى اقتناء أيٍّ منها، أو الاعتماد عليه، فضلاً عمّا نراه من أخطاء لدى غير قليل من ذوي الاختصاص، وذلك لعدم إتقان مهارات قواعد الكتابة وأصولها الصحيحة.
2 - غياب القاعدة الكلية الأساسية في رسم الهمزتين: المتوسطة والمتطرفة، والإسهاب في إيراد تفصيلات تندرج في كلّ منها، بلا استقصاء في أيٍّ منها، فضلاً عن عدم إحكام صياغة قاعدة الهمزة المبتدأة، ونقص ما ورد فيها، وإقحام ما ليس من قواعد الإملاء. فقد تضمن الحديث عن الهمزة "المبتدأة" قاعدة رسمها، وتحتها حالاتها مع همزة الاستفهام مفتوحةً في ثلاث لغات، ومكسورةً في أربع لغات، ومضمومةً في مثل ذلك. وكان الأولى إحكام صياغة قاعدتها كأن تكون مثلاً (ترسم الهمزة في بداية الكلمة فوق الألف مفتوحةً أو مضمومةً، وتحت الألف مكسورةً، سواء سُبِقت بحرف أم أكثر)[8]. لأن صياغتها في الأصل وردت ناقصة، ولفظها ثَمّةَ "تكتب ألفاً مطلقاً نحو: أخ، أُخت، إخوة". وكذلك لم تُشر إلى حكم رسم الهمزة المتطرفة مع ما قد يدخل عليها (السوابق) وهي كثيرة، وأيضاً لم ترد أمثلتها الموضّحة. ولا شكّ أن إيراد ذلك هو من أصل القاعدة وتمامها، وهو أولى من إقحام تفصيلات الهمزة المبتدأة مع همزة الاستفهام بحالاتها الثلاث مع ما يتفرّع عن كلّ منها من لغات[9]، مما لا تحتمله اللوحة، إذ كان الواجب أن تقتصر على الضروري والمهمّ من قواعد رسم الهمزة والألف اللينة.
يتبع