مقدمة تحقيق توضيح قطر الندى


الحمد لله رب العالمين، وأفضل صلواته وأتم تسليماته على سيدنا محمدٍ رسول الله، أفصح مَنْ نطق بالضاد من المتكلمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذا كتاب «توضيح قطر الندى»؛ للعلامة الأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي، وهو كتابٌ تعليميٌّ مهمٌ أودعَ فيه - رحمه الله - خبرته الطويلة العميقة في تدريس اللغة العربية، وقصد منه تقريب أصله «شرح قطر الندى وبل الصدى»؛ للإمام ابن هشام الأنصاري، ومزج المتن بالشرح، وأعاد الصياغة بالطريقة التي توخاها نافعة، وشرح عمله ودوافعه ومنهجه في مقدمته كما سترى قريبًا، وهو يعد جسرًا بين كتب النحو القديمة والحديثة.

وقطر الندى كتاب أو مقدمة - كما دعاها المؤلف - نافعة، رُزِقَت الإقبال عليها، وحصل الانتفاع بها، في زمن مؤلفها، يدل على هذا قوله في أول شرحه لها: «وبعد: فهذه نكت حررتها على مقدمتي المسماة بـ«قطر الندى وبل الصدى» رافعة لحجابها، كاشفة لنقابها، مكملة لشواهدها، متممة لفوائدها، كافية لمن اقتصر عليها، وافية ببغية مَنْ جنح مِنْ طلاب علم العربية إليها، والله المسؤول أن ينفع بها كما نفع بأصلها»[1].

وقد اشتهرت هذه المقدمة والنكت عليها «شرحها»، وسارا في البلاد، وبلغت شروحها (37) شرحًا، منها شرح المصنِّف، وكُتب على شرح المصنف وعلى هذه الكتب (35) كتابًا، وكُتب على شرح الفاكهي عليها (22) كتابًا، ونُظمت (11) نظمًا، وشُرح نظم منها كذلك، وهناك مَنْ نظم المتن والشرح، وأُلِّف على شواهد شرحها (24) كتابًا، وجُمع بينها وبين كتاب ابن هشام الآخر «شذور الذهب»، وترجمت إلى اللغة الفرنسية، وبذلك تكون الكتب المؤلفة عنها وحولها وبسببها (133) كتابًا، والرقم قابل للزيادة، وهذه الكتب اشترك في تأليفها علماء من المشرق والمغرب.

وفي العصر الأخير برزت حاجةٌ إلى خدمة أخرى هي تقريب هذا الكتاب «شرح القطر» إلى المتعلمين، فرأينا «النحو الحديث أو خلاصة القطر»[2]؛ لأحمد كامل الخضري، وألَّف شيخنا العلامة الدبان هذا الكتاب، وظهرتْ كتب أخرى ستراها قريبًا، واتفقت كلمة مؤلِّفي هذه الكتب على ضرورة تهذيب الكتاب من وجوه متعددة، وكان لكل منهم نظرته وأسلوبه ومنهجه مما يحتاج إبرازُه إلى بحث خاص.

والمؤلِّف الدبان كان علامة لغويًّا نحويًّا صرفيًّا أديبًا شاعرًا، إلى جانب إمامته في العلوم الشرعية، وكان في كتبه وتدريسه يقرِّب القواعد والمسائل إلى القارئ والطالب تقريبًا رائعًا بما حباه الله من ملكة وتمكُّن، ومن كتبه «توضيح التلخيص في البلاغة العربية»، و«رسالة في الصرف» و«حواشي البهجة المرضية للسيوطي»، وقد قام بدراسة وتدريس هذا الكتاب على الطريقة القديمة، وقام بتدريس اللغة العربية على الطريقة الحديثة في المدارس المتوسطة والإعدادية مدة تزيد على ثلث قرن، وكان يصنع لطلابه جداول ورسومات تسرع إلى أذهانهم فهم ما يقرؤون ويدرسون، ولتعميم النفع بهذا الكتاب رأيت القيام بخدمته والعناية به ونشره إذ لم ينشر من قبل.

وكان عملي فيه يتلخص بالآتي:
1) عرَّفتُ بالمؤلف تعريفًا مختصرًا، وكذلك بمؤلف الأصل ابن هشام.

2) قدَّمتُ للكتاب بـ: الجهود العلمية المبذولة في خدمة «قطر الندى».

3) ثم بـ: صفحة من دراسة الكتاب على مَرِّ السنين، لأظهر أهميته، وكيف كان لبنة علمية مهمة في التكوين العلمي للعلماء والدارسين.

4) أضفتُ بعض المعلومات اللازمة وجعلتها بين معكوفين.

5) علَّقتُ بعض التعليقات وميزتها بحرف «ع» في آخرها، وبـ«قلت» في أولها، إن كانت تعليقًا على تعليق المؤلف.

6) عزوتُ الآيات إلى مواضعها من السور، وجعلتُ هذا في متن الكتاب، كما ذكرتُ أرقام الأحاديث.

7) ربطتُ الشواهد بأحد كتب تخريجها وإعرابها، وهو «معالم الاهتدا»، ولم يذكر المؤلِّف سوى (15) بيتًا، أربعة منها ليست من شرح القطر، وهي: ثلاثة من شرح ابن عقيل على الألفية، وبيت من أوضح المسالك.

وأصل هذا الكتاب «شرح القطر» كنت قد قرأته على شيخنا المؤلف سنة 1404 هـ في بغداد، وهو قد قرأه على شيخه العلامة السيد داود بن سلمان التكريتي أوائل سنة 1348 هـ في تكريت، ولي فيه أسانيد متعددة إلى مؤلفه أذكر منها سندين:
السند الأول: من طريق شيخنا:
1) الشيخ عبدالكريم بن حمَّادي الدَّبان التكريتي البغدادي (1328 هـ- 1413 هـ)، عن:
2) الشيخ السيد داود بن سلمان التكريتي (1273 هـ - 1360 هـ)، عن:
3) العلامة عبدالسلام بن سعيد الشوَّاف البغدادي (1234 هـ- 1318 هـ)، عن:
4) العلامة المفسر أبي الثناء محمود شهاب الدين بن عبدالله الألوسي البغدادي (1217 هـ - 1270 هـ)، عن:
5) محدث العراق العلامة المسند أبي المعالي علي بن محمد سعيد العباسي البغدادي المعروف بالسويدي (1170 هـ - 1237 هـ)، عن:
6) أبيه محمد سعيد بن عبدالله السويدي، عن:
7) العلامة الفقيه المفتي المصنف الشيخ عبدالغني بن إسماعيل النابلسي الدمشقي الحنفي (1050 هـ - 1143 هـ)، عن:
8) مسند الدنيا نجم الدين محمد بن بدر الدين محمد الغزي العامري الدمشقي الشافعي (977 هـ - 1061 هـ)، عن:
9) أبيه مسند الشام (904 هـ - 984 هـ)، عن:
10) الإمام العلامة الحافظ المفسر جلال الدين أبي الفضل عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي المصري الشافعي (849 هـ - 911 هـ)، عن:
11) الإمام العلامة القاضي علم الدين أبي البقاء صالح بن السراج عمر الكناني البُلقيني القاهري الشافعي (791 هـ - 868 هـ)، عن:
12) الإمام العلامة أبي زيد عبدالرحمن بن عمر الحموي الأصل القِبابي ثم المقدسي الحنبلي (749 هـ - 838 هـ)، عن:
13) مؤلف «قطر الندى» الشيخ الإمام العالم العلامة النحوي حجة العرب جمال الدين أبي محمد عبدالله بن يوسف بن هشام الأنصاري الحنبلي المصري (708 هـ - 761 هـ).

والسند الثاني: من طريق شيخنا العلامة مُسْند الدُّنيا الشيخ محمد ياسين الفاداني المكي بإجازته لي في مكة المكرمة، عن الشيخ محمد علي المالكي، عن أخيه الشيخ محمد عابد المالكي، عن السيد أحمد بن زيني دحلان، عن عثمان بن حسن الدمياطي، عن محمد بن محمد الأمير الكبير، عن محمد بن سالم الحفني، عن أبي حامد محمد بن محمد البديري، عن أبي الأسرار حسن العجيمي المكي، عن شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي، عن محمد بن عبدالرحمن العلقمي، عن الحافظ جلال الدين السيوطي، عن علم الدين صالح بن عمر البلقيني، عن أبي زيد عبد الرحمن بن القبابي، عن المؤلف، به وبسائر تصانيفه[3].

رحمه الله ورحم علماء المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

المصدر كتاب: توضيح قطر الندى
تأليف: الشيخ عبدالكريم الدبان التكريتي، تحقيق: الدكتور عبدالحكيم الأنيس



[1] شرح قطر الندى ص 10.

[2] طبع بمصر سنة 1356 هـ.

[3] انظر: إتحاف المستفيد بغرر الأسانيد للفاداني، ص 72، وزاد المسير في الفهرست الصغير للسيوطي ص 335، وانظر سندًا ينتهي بابن حجر العسقلاني عن ابن المؤلف، عن أبيه، في القول الجميل للفاداني ص 56، وسد الأرب من علوم الإسناد والأدب للأمير الكبير ص 254، وزاد المسير ص 336.
منقول