العشر أفضل الشهر



الشيخ / عبيد بن عساف الطوياوي





الحمد لله الملك القهار ، العظيم الجبار ، العزيز الغفار ، المتفرد بالعطاء والمنع ، والخفض والرفع ، والوصل والقطع ، وبتوفيقه وفضله فاز الأبرار .
سبحانه من إله ، يرحم من قصد جنابه ، ويفتح للتواب أبوابه ، يجبر الكسير ، ويغني الفقير ، ويغفر الأوزار .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، المصطفى المختار ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار ، وسلم تسليما ما تعاقب الليل والنهار .
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله U ، بفعل أوامره ، وبالبعد عن ما نهاكم عنه ، فبذلك أمركم فقال : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ { .
واعلموا يا عباد الله بأن شهر رمضان ، شهر التقوى والإحسان ، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران ، قد مضى أكثره ، ولم يتبق منه إلا أفضله .
نعم ـ أيها الأخوة ـ أفضل مافي رمضان عشره الأواخر ، التي فيها ليلة القدر خير من ألف شهر كما قال تبارك وتعالى : } لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ { الليلة التي من قامها إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ـ كما في الحديث الصحيح ـ ولا يحرم خيرها إلا محروم .
فالأيام القادمة المتبقية ، هي أفضل ما في شهر رمضان ، ولذلك كان النبي e يجتهد فيها ، أكثر مما يجتهد في غيرها ، ففي الصحيحين تقول عائشة رضي الله تعالى عنها : (( كان رسول الله e إذا دخل العشر ، شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله )) . فالإجتهاد في آخر الشهر ، أمر ثابت عنه e ، واجتهاده ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ لعلمه مافي هذه الأيام من فضل ، ولما لها من مكانة ، وليكون قدوة لكل فرد في أمته ، فهو الذي ما علم خيرا إلا ودلنا عليه ، وما علم شرا إلا وحذرنا منه .
إن كان النبي r ، الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، خيرة الله من خلقه ، يجتهد في نهاية هذا الشهر ، فنحن ـ والله ـ أولى بالإجتهاد ، وأجدر بما يقرب إلى الله تعالى ! فذنوبنا كثيرة ، ومعاصينا كبيرة ، فينبغي لنا أيها الأخوة ، إقتداء بنبينا ، واستغلالا لما تبقى من شهرنا ؛ الإستعداد الكامل ، والحذر من التفريط ، فالأيام ثمينه ، وسوف تنقضي كغيرها من الأيام بسرعة ، ومن يدري ـ أيها الأخوة ـ فربما يكون هذا الشهر ، هو آخر شهر يصومه بعضنا ، بل ربما ، يدرك بعضنا الأجل ، قبل إتمام هذا الشهر ! فا الله ... الله . في مضاعفة الجهود ، وبذل الطاقات ، فيما بقي من أيام وليال مباركة ، والحذر من التفريط أو الكسل والفتور .
وأما ما مضى من أيام ، فينبغي لنا أن نحاسب أنفسنا عليها ، ونقف معها ، هل حصلت على ثمرة الإيام الماضية ، ما أثر ما مضى عليها ، هل تحقق فيها قول الله تعالى : } لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { ؟ هل تاقت هذه النفس للصفوف المتقين ؟ هل أحست بتقوى الله U ؟ هل عرفت تقوى الله معنى ؟
ماذا فعلت بها تسعة عشر يوما مضت ؛ مابين صيام وقيام ، وتلاة واستماع للقرآن ؟ هل شعرت بالتقصير قبل رمضان ؟ هل ندمت على التفريط والأهمال ، في شهور مضت ؟ على ماذا عزمت ؟ ماذا تريد أن تعمل في الأيام المقبلة ؟ هل تأثرت هذه النفس ، ونفرت من المعصية ، وأحبت الطاعة ؟ أم أنها على ماكانت عليه ، في شهواتها وملذاتها ، بل في معاصيها وإجرامها ، فهي في آخر شهر رمضان ، ولكنها كحالها في شعبان ورجب . فائدتها من رمضان أنواع الأطعمة ، ومجموعة من المسلسلات والمشاهد المضحكة ، تبا لهذه النفس .
وقفة محاسبة ، قف مع نفسك يا عبد الله وقفة جادة ، فإذا لم تقدر على نفسك في هذه الإيام متى بالله عليك تقدر عليها ، ءأذا طلقت الشياطين المصفدة ، وإذا فتحت أبواب النيران المغلقة ؟
فهي والله فرصة ، أخي المسلم ، لم تزل بها يقول النبي e : (( إذا كانت أول ليلة من رمضان ، فتحت أبواب الجنة ، فلم يغلق منها باب ، وغلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب ، وصفدت الشياطين ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر ، أقصر ، ولله عتقاء من النار ، وذلك كل ليلة )) فأقبل على الله يا عبد الله ، تب إلى مولاك جل في علاه ، أرفع يديك إليه ، اسأله بصدق ، أن يجعلك من عتقائه من النار في ليلة من الليال .
اسأل الله U أن ينصرنا على أنفسنا ، اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها يارب العالمين . اللهم اجعلنا في هذا الشهر من الفائزين ، ومن المعتقين من النار ، برحمة أرحم الراحمين . أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
وفي هذا الشهر العظيم ، الذي تتوق فيه النفس إلى الخير ، وتشتاق للطاعة ، يجدر بنا أن نشير إلى ركن عظيم من أركان الإسلام ، الركن الثالث : الزكاة يا عباد الله .
فالزكاة لها معنى آخر في رمضان ، يقول النبي r : (( أفضل الصدقة صدقة في رمضان )) وفي هذه الإيام يكون الفقراء ومن هم من أهل الزكاة أحوج لها من وقت آخر ، فأخرجوا زكواتكم ياعباد الله ، واحتسبوا الأجر عند الله ، فهي طهرة وتزكية ، يقول جل جلاله : } خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا { , واعلموا معشر المزكين ، بأن في إخراجكم للزكاة ، جلب البركة والزيادة والخلف من الله ، يقول تبارك وتعالى : } وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ { .
أخي المسلم ، إياي وإياك ، أن تكون ممن يبخل بالزكاة ، فيقع بحقك قول الجبار جل جلاله : } وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ {
فأخرج زكاتك يا عبد الله ، إذا كانت تجب عليك في مال أو عروض تجارة ، أو ذهب أو فضة أو بهيمة أنعام أو حبوب أو ثمار .
فاللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى .اللهم اجعلنا في هذا الشهر العظيم من عتقائك من النار .اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر ، واجعلنا فيها من الفائزين .
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين ، اللهم احمي حوزة الدين ، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين . اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لهداك ، واجعل عملهم برضاك ، وارزقهم البطانة الصالحة وابعد عنهم بطانة السوء يارب العالمين .
اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم اشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تدبيره تدميرا له يارب العالمين .
اللهم إن للصائم دعوة مستجابة ، فاللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا ، وتستر عيوبنا ، وتهدي قلوبنا ، وتشفي مرضانا ، وترحم موتانا ، وتسدد ديوننا ، وتعافي من ابتليته منا برحمتك يا أرحم الراحمين .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .