دور الأهل في رعاية عش الزوجية
- دور أهل الزوج والزوجة في المحافظة على الأسرة الجديدة




هذه مقالة انتخبناها من كتاب الدكتور الشيخ ياسر المسدي حفظه الله تعالى ، هدايا للعروسين ،وأحببنا أن نقدمها نصيحة خالصة لأبنائنا وبناتنا في سبيل الحفاظ على عش الزوجية الجديد


دور أهل الزوج والزوجة في رعاية عش الزوجيَّة الجديد والحفاظ عليه والدة الزوج:لا شك أنَّ المرأة التي ـ غالباً ـ ما يكون لها دور أساسي في اختيار الفتاة المناسبة لابنها قد وضعت في حسابها أنها ستضمُّ إلى بناتها بنتاً جديدة، تريد لها حياة سعيدة هانئة مع ابنها، وذلك لأنَّ سعادتها من سعادة ابنها، وحتى تتأكد هذه النظرة فلابد من مراعاة ما يلي:ـ إنَّ هذه الفتاة تركت بيت أبيها وأمها، وانتقلت انتقالاًَ كاملاً إلى بيت زوجها، ذلك الزوج الذي لم تعرفه ولم تعايشه من قبل، كما أنها انتقلت إلى أهل آخرين ستعيش قريبة منهم تحمل اسمهم، وتفتخر بالنسب إليهم، فالمطلوب من والدة زوجها أن تفتح لها قلبها قبل أن تفتح لها بيتها، وتُشعرها بأنها أم ثانية لها، فتعطف عليها وترعاها، وتوجِّهها وتتعامل معها كما تتعامل مع بناتها، وذلك لأن سعادتها من سعادة ابنها.ـ على والدة الزوج أن تحذر الوقوع مما يقع فيه بعض النساء من الغيرة المقيتة التي هي من وسواس الشيطان فتشعر ويُخَيَّل إليها أنَّ ابنها الذي ربَّته سنين وسهرت عليه الليالي الطوال لما بلغ أشدَّه وصار رجلاً قادراً على البذل والعطاء إذا بالزوجة تأخذه وتَسْلُبه منها، فتندب حظها وأيامها، وتحمل في نفسها على هذه الكَنَّة الجديدة، من غير سبب وجيه.

لا ريب أنه وسواس شيطاني ليفرق الأسرة ولينغِّص عليها حياتها فعلى هذه الأم:

أولاً: أن تتقي الله تعالى في ذلك، وتصرف هذا الهاجس الشيطاني عنها، وتتذكر بأن الزواج سنة الله في خلقه، فكما تريد لنفسها وتريد لابنتها أن تعيش كل واحدة منهما حياتها الزوجية باستقلالية لا ينغص عيشها تدخُّل أحد، كذلك ينبغي أن تريد لكَنَّتها ما تريد لنفسها، وما تريد لابنتها، فالمنصف هو الذي يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه، وما أجمل أن يضع المؤمن نصب عينيه قول الرسول ^:« لا يؤمنُ أحدكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه»([2]).

ـ من الجميل جداً أن تُعبِّر والدة الزوج لكنَّتها بين الحين والآخر عن سعادتها بها وتقديرها لها حيث تراها سعيدة مع زوجها، وإنَّ الثناء على الشخص وخاصَّة من الكبير على الصغير له تأثيرٌ كبيرٌ في النفس، ويزيد الإلفة والمحبة.

ويضاف إلى الجمال جمال آخر عندما لا تنسى والدة الزوج أن تحسب حساب كنَّتها في المناسبات التي تصحب بناتها إليها، وتُشعرها بأنها واحدةٌ من بناتها.

ـ على والدة الزوج أن تُوسِّع صدرها، وتفتح قلبها لهذه القادمة الجديدة، بحيث تستوعب ما يصدر عنها من بعض التصرفات غير اللائقة، وخاصة أنها قَدِمتْ إلى بيئة مختلفة عن بيئة أسرتها لأن التأقلم والتعوُّد على عادات الآخرين وأخلاقهم يحتاج إلى وقت، كما يحتاج إلى مُخْلص ناصح يُبيِّنُ للآخرين بحكمته أخطاءهم.

ـ من الخطأ الفادح أن تَتَسرَّع والدة الزوج فتوصل إلى ابنها سلبيَّات كنَّتها وأخطائها، فتعكِّر قلبه عليها، بل الواجب عليها أن تنصحها وتوجِّهها وتعتبرها كإحدى بناتها كما ذكرنا.

ـ إذا رأت والدة الزوج من ابنها إجْحافاً بحقِّ زوجته، أو إساءة تعامل معها، فكذلك عليها أن تنصحه، وتبين له خطأه، فلا تُحابيه وتُجامله على حساب الحق متمثِّلة قول الله تعالى :[ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى] {الأنعام:152} .

والد الزوج:

قدَّمت الحديث عن والدة الزوج لأنها أكثر احتكاكاً والتصاقاً بكنَّتها، وأخَّرتُ الحديث عن والد الزوج لأنه يُعتبر المرجع الرئيس في كلَِّ معضلة تقع، فالأصل فيه أن يعتبر نفسه أباً للجميع ، يُرجع إليه في المُعْضلات فيفصل فيها بحكمته وأناته، فلا يجامل أحداً على حساب أحد، بل يُوجِّه الجميع ابتداءً من زوجته وانتهاء بابنه وكنَّته، وكلما كان الرجل حكيماً عاقلاً لا يسمع إلى القيل والقال وتَوَافه الأمور، فيعطف على الجميع ويُقدِّر الجميع، ويحزم عند الحاجة مع الجميع كان محترم الرأي مسموع الكلمة.

والدة الزوجة:

أم الزوجة دورها كبير وهام جداً في سَعَادة الأسرة، فمن عادة البنت أن تقتدي بأمها، وأن تسمع لها، وتقبل نصائحها، وكلَّما كانت أم الزوجة حكيمة في توجيه ابنتها، وفي حُسْن التعامل مع صهرها كلما كانت الحياة الأسرية موفقة وسعيدة.

ومن أهم الأمور التي ينبغي على أم الزوجة الاهتمام بها:

ـ أن توجه ابنتها وتنصحها وتزودها بكل نافع لها في شؤون بيتها وزوجها، وأولادها، وقد تقدم الحديث عن بعض وصايا الأمهات لبناتهن قبل الزواج.

ـ أن تقدّر صهرها وتحترمه، وتنظر إليه نظرتها إلى ابنها وتشعره في كل مناسبة أنه أصبح فرداً من أفراد أسرتها منذ اقترانه بابنتها فهو العزيز المؤتمن على العرض الغالي.

ـ أن تجتهد في ذكر إيجابيات صهرها أمام ابنتها،وتردَّدها على مسامعها لتزيدها حُبَّاً له والتصاقاً به، ورضىً بما قسمه الله تعالى لها، وبذلك تكون خير معين لابنتها على تماسك الحياة الزوجية.

ـ إذا رأت من ابنتها تقصيراً في حقوق زوجها، أو رأت منها مَيْلاً إلى الإسراف والتبذير، نصحتها وسددتها وبيَّنت لها موقع التقصير والخطأ حتى تتدراكه.

ـ إذا حصل خلاف بين ابنتها وزوجها، ورأت من ابنتها تقصيراً في حسن تبعُّلها لزوجها، أو في قيامها بواجباتها المنزلية فلا تتحيَّز لابنتها، بل تقول كلمة الحق مُبيِّنة موضع الخطأ عملاً بقوله تعالى :[ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى] {الأنعام:152} .

ـ إذا رأت أم الزوجة من صهرها بعض السلبيَّات والتصرُّفات غير المناسبة فلتحذر كل الحذر من تضخيم هذه السلبيات لابنتها ، بل تحاول أن تهوِّن من شأنها، وتسعى جاهدة لمعالجتها بالوسائل الحكيمة ما دامت هذه السلبيات لا تخدش في دين وخلق الزوج، ولتؤكِّد لابنتها بأنَّ كل شخص مهما كان ـ خلا رسول الله ^ ـ له سليبات وإيجابيات، والعاقل من تذكَّر قول الله تعالى :[ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ] {هود:114} .

ـ ينبغي على والدة الزوجة أن تُشجِّع ابنتها على فعل كلِّ ما يحقق الهناء والسعادة لها ولزوجها، ومن ذلك: حثها على القناعة والرضى بما قسم الله تعالى لها، وتُحذِّرها من الإسراف والتبذير، وإرهاق زوجها بكثرة الطلبات، والاهتمام بالكماليات ومماثلة الآخرين في مسكنهم وفرشهم وأثاثهم وخاصَّة إذا كان الزوج محدود الدخل، ولتذكر لها قول الرسول ^:« انظروا إلى مَنْ هو أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى مَنْ هو فوقكم، فإنه أجْدَرُ ألا تَزْدَرْوا نعمةَ الله عليكم»([3]) فكم من أم عاقلة كانت بحكمتها سبباً في سعادة ابنتها، وكم من أم حمقاء كانت سبباً في شقاء ابنتها وخراب بيتها.

والد الزوجة:

الأصل في والد الزوجة أن يكون صاحب قلب كبير يتعامل مع الأمور بحكمة وأناة فلا يتسرع في الحكم في الأمور، بل ينبغي عليه أن يستوعب الأمور من كلِّ جوانبها ثم يضع كلِّ أمر في نصابه.

ـ يشجِّع ابنته على طاعة زوجها وبِرِّه وحُسن التعامل معه ومع كل من يلوذ به من أبيه وأمه وإخوانه وأخواته، فالأب يكمل ما تقوم به الأم من توجيه وإرشاد لابنتها.

ـ يحترم صهره ويُقَدِّره، ويشعره منذ اللحظة الأولى التي اقترن فيها مع ابنته أنه العزيز الغالي الذي رضيَهُ بأن يكون قريناً لابنته وفلذة كبده فهو بمنزلة ابنه الغالي.

ـ لا يتحيز لأحد في حال حصول خلاف، بل يسمع من الطرفين بأناة وحكمة، ثم يتوجَّه إليهما بأسلوب الناصح المحبِّ الذي يريد الهناء والسعادة للطرفين لأن سعادتهما مرتبطة ببعضهما فيوجه ابنته بالأسلوب الذي يُخاطب فيه الأب الحازم الحكيم أولاده، كما يتوجَّه إلى صهره بالأسلوب الذي يُشْعِرُ فيه بحبه له وشفقته عليه، فهو يريد السعادة للطرفين.

ـ إن كان الخلاف يسيراً لا يستدعي التدخُّل في تفاصيله، لجأ إلى أسلوب ترضية الغاضب، والحث على التسامح والتغاضي عن الزلات، وأذكر في هذا المجال تعامل الرسول ^ مع صهره سيدنا علي بن أبي طالب t زوج ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها.

عن سهل بن سعد t قال: جاء رسول الله بيت فاطمة فلم يجد علياًَ في البيت، فقال: أين ابنُ عمِّك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج فلم يَقِلْ([4]) عندي، فقال رسول الله ^ لإنسان: انظر أين هو، فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله ^ وهو مُضْطجع، قد سقط رداؤه عن شقِّه وأصابه تراب، فجعل رسول الله ^ يمسحه، ويقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب»([5]).




([1]) هذا البحث جزء منه مقتبس من كتاب الدكتور: محمد علي الهاشمي مع تصرف وزيادة.


([2])متفق عليه.

([3]) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة t وقال الترمذي : حسن صحيح.

([4])يَقِلْ: من القيلولة وهي النوم في نصف النهار.

([5]) متفق عليه.
منقول