الدرس السادس عشر
خروج النبي ﷺ من مكة إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام
لما مات أبو طالب وخديجة رضي الله عنها واشتد إيذاء قريش للنبي ﷺ؛ قرر النبي ﷺ الخروج إلى مكان آخر غير مكة يلقي فيه دعوته، لعله يجد من ينصره ويُؤويه حتى يبلغ رسالة ربه؛ فخرج النبي ﷺ إلى الطائف يلتمس النصرة من قبيلة ثقيف التي كانت تسكن الطائف، وتبعد الطائف عن مكة حوالي 110 كيلو مترًا؛ فلما ذهب النبي ﷺ إلى الطائف لم يجد ما كان يتمناه، بل رفضوا دعوته ﷺ وآذوه أذى شديدًا.
عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي ﷺ فقالت له: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيتُ من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد يَالِيل بن عبد كُلَال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فَلَم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما رَدُّوا عليك، وقد بعث الله إليك مَلَكَ الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني مَلَكُ الجبال فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثم قال: يا محمد إن شئت أن أُطْبِقَ عليهم الجبلين، فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا».
ثم لما كان النبي ﷺ في طريق الرجوع إلى مكة، ونزل بوادي نخلة القريب من مكة يصلي ويقرأ القرآن، نزل عليه مجموعة من الجن، فلما سمعوه أنصتوا، وكانوا تسعة: أحدهم اسمه زوبعة، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (32)﴾ [الأحقاف: 29 - 32].
فكان نزول الجن على النبي ﷺ وإيمانهم به تسليةً من الله تعالى للنبي ﷺ بعد الأذى الذي لاقاه في الطائف.