تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 22 الأولىالأولى 123456789101112 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 433

الموضوع: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

  1. #21

    افتراضي ( 11 ) من سورة البقرة

    { و } في { وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ }

    وهي السفن والمراكب ونحوها,


    مما ألهم الله عباده صنعتها,
    وخلق لهم من الآلات الداخلية والخارجية ما أقدرهم عليها.



    ثم سخر لها هذا البحر العظيم

    والرياح, التي تحملها بما فيها من الركاب والأموال,

    والبضائع التي هي من منافع الناس,

    وبما تقوم به مصالحهم وتنتظم معايشهم.

    فمن الذي ألهمهم صنعتها, وأقدرهم عليها,

    وخلق لهم من الآلات ما به يعملونها؟

    أم من الذي سخر لها البحر, تجري فيه بإذنه وتسخيره, والرياح؟

    أم من الذي خلق للمراكب البرية والبحرية,

    النار والمعادن المعينة على حملها, وحمل ما فيها من الأموال؟

    فهل هذه الأمور, حصلت اتفاقا,
    أم استقل بعملها هذا المخلوق الضعيف العاجز,


    الذي خرج من بطن أمه, لا علم له ولا قدرة،

    ثم خلق له ربه القدرة, وعلمه ما يشاء تعليمه،


    أم المسخر لذلك رب واحد, حكيم عليم,

    لا يعجزه شيء,
    ولا يمتنع عليه شيء
    ؟


    بل الأشياء قد دانت لربوبيته,
    واستكانت لعظمته, وخضعت لجبروته.



    وغاية العبد الضعيف,
    أن جعله الله جزءا من أجزاء الأسباب,


    التي بها وجدت هذه الأمور العظام,

    فهذا يدل على رحمة الله وعنايته بخلقه,

    وذلك يوجب أن تكون المحبة كلها له,
    والخوف والرجاء,


    وجميع الطاعة,
    والذل والتعظيم.




    الحمد لله رب العالمين

  2. #22

    افتراضي ( 11 ) من سورة البقرة


    { وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ }
    وهو المطر النازل من السحاب.


    { فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فأظهرت من أنواع الأقوات,

    وأصناف النبات, ما هو من ضرورات الخلائق,

    التي لا يعيشون بدونها.

    أليس ذلك دليلا على قدرة من أنزله,

    وأخرج به ما أخرج ورحمته, ولطفه بعباده,

    وقيامه بمصالحهم, وشدة افتقارهم وضرورتهم إليه من كل وجه؟

    أما يوجب ذلك
    أن يكون هو معبودهم وإلههم
    ؟

    أليس ذلك دليلا على إحياء الموتى
    ومجازاتهم بأعمالهم
    ؟

    { وَبَثَّ فِيهَا } أي: في الأرض { مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ }

    أي: نشر في أقطار الأرض من الدواب المتنوعة,

    ما هو دليل على قدرته وعظمته, ووحدانيته وسلطانه العظيم،

    وسخرها للناس, ينتفعون بها بجميع وجوه الانتفاع.


    فمنها: ما يأكلون من لحمه, ويشربون من دره،

    ومنها: ما يركبون،

    ومنها: ما هو ساع في مصالحهم وحراستهم,

    ومنها: ما يعتبر به،

    ومع أنه بث فيها من كل دابة،

    فإنه سبحانه هو القائم بأرزاقهم,

    المتكفل بأقواتهم،


    فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها,


    ويعلم مستقرها ومستودعها.



    الحمد لله رب العالمين

  3. #23

    افتراضي ( 11 ) من سورة البقرة

    وفي { تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ }

    باردة وحارة, وجنوبا وشمالا,


    وشرقا ودبورا وبين ذلك، وتارة تثير السحاب,

    وتارة تؤلف بينه, وتارة تلقحه, وتارة تدره,

    وتارة تمزقه وتزيل ضرره, وتارة تكون رحمة,

    وتارة ترسل بالعذاب.


    فمن الذي صرفها هذا التصريف,
    وأودع فيها من منافع العباد,

    ما لا يستغنون عنه
    ؟


    وسخرها ليعيش فيها جميع الحيوانات,

    وتصلح الأبدان والأشجار, والحبوب والنوابت,

    إلا العزيز الحكيم الرحيم, اللطيف بعباده
    المستحق لكل ذل وخضوع,

    ومحبة وإنابة وعبادة ؟.



    وفي تسخير السحاب بين السماء والأرض على خفته ولطافته يحمل الماء الكثير,

    فيسوقه الله إلى حيث شاء، فيحيي به البلاد والعباد,

    ويروي التلول والوهاد, وينزله على الخلق وقت حاجتهم إليه،

    فإذا كان يضرهم كثرته, أمسكه عنهم, فينزله رحمة ولطفا,

    ويصرفه عناية وعطفا،

    فما أعظم سلطانه,
    وأغزر إحسانه,
    وألطف امتنانه
    "



    الحمد لله رب العالمين

  4. #24

    افتراضي ( 11 ) من سورة البقرة

    أليسَ من القبيح بالعباد,
    أن يتمتعوا برزقه,


    ويعيشوا ببره
    وهم يستعينون بذلك
    على مساخطه ومعاصيه
    ؟


    أليسَ ذلك دليلا على حلمه وصبره,
    وعفوه وصفحه,

    وعميم لطفه؟

    فله الحمد أولاً وآخراً,
    وباطناً وظاهراً.



    والحاصل,
    أنه كلما تدبر العاقل في هذه المخلوقات,

    وتغلغل فكره في بدائع المبتدعات,

    وازداد تأمله للصنعة
    وما أودع فيها من لطائف البر والحكمة,


    علم بذلك أنها خلقت للحق وبالحق,

    وأنها صحائف آيات, وكتب دلالات,

    على ما أخبر به الله
    عن نفسه ووحدانيته,


    وما أخبرت به الرسل من اليوم الآخر,

    وأنها مسخرات,

    ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها.

    فتعرف أن العالم العلوي والسفلي كلهم إليه مفتقرون,

    وإليه صامدون،


    وأنه الغني بالذات
    عن جميع المخلوقات
    ،


    فلا إله إلا الله,
    ولا رب سواه.



    الحمد لله رب العالمين

  5. #25

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 12 )

    من سورة البقرة
    ثم قال تعالى:

    { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ
    أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ

    وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ

    وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا
    وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ *


    إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا
    وَرَأَوُا الْعَذَابَ
    وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ *



    وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً
    فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا
    تَبَرَّءُوا مِنَّا

    كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ
    وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ
    مِنَ النَّارِ }


    سورة البقرة { 165 - 167 }

    ما أحسن اتصال هذه الآية بما قبلها،

    فإنه تعالى لما بين وحدانيته وأدلتها القاطعة,

    وبراهينها الساطعة الموصلة إلى علم اليقين, المزيلة لكل شك،

    ذكر هنا أن { مِنَ النَّاسِ } مع هذا البيان التام

    من يتخذ من المخلوقين أندادا لله أي:

    نظراء ومثلاء, يساويهم في الله بالعبادة والمحبة, والتعظيم والطاعة.

    ومن كان بهذه الحالة - بعد إقامة الحجة, وبيان التوحيد -

    علم أنه معاند لله, مشاق له,

    أو معرض عن تدبر آياته والتفكر في مخلوقاته,

    فليس له أدنى عذر في ذلك, بل قد حقت عليه كلمة العذاب.

    وهؤلاء الذين يتخذون الأنداد مع الله,

    لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير,

    وإنما يسوونهم به في العبادة,
    فيعبدونهم، ليقربوهم إليه،


    الحمد لله رب العالمين

  6. #26

    افتراضي ( 12 ) من سورة البقرة

    وفي قوله: { اتخذوا } دليل على أنه ليس لله ند

    وإنما
    المشركون جعلوا بعض المخلوقات أندادا له,


    تسمية مجردة, ولفظا فارغا من المعنى،


    كما قال تعالى:

    { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ
    أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ }

    { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ
    مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ }


    فالمخلوق ليس ندا لله
    لأن
    الله هو الخالق,
    وغيره مخلوق,


    والرب الرازق
    ومن عداه مرزوق,


    والله هو الغني
    وأنتم الفقراء،


    وهو الكامل من كل الوجوه,

    والعبيد ناقصون من جميع الوجوه،

    والله هو النافع الضار,

    والمخلوق ليس له من النفع والضر والأمر شيء،

    فعلم علما يقينا,
    بطلان قول من اتخذ من دون الله آلهة وأندادا،


    سواء كان ملكا أو نبيا
    أو صالحا, صنما
    أو غير ذلك،


    وأن الله هو المستحق
    للمحبة الكاملة والذل التام

    الحمد لله رب العالمين

  7. #27

    افتراضي ( 12 ) من سورة البقرة

    فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله:

    { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ }

    أي: من أهل الأنداد لأندادهم,

    لأنهم أخلصوا محبتهم له, وهؤلاء أشركوا بها،
    ولأنهم أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة,
    الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه،

    والمشركون أحبوا من لا يستحق من الحب شيئا,
    ومحبته عين شقاء العبد وفساده,
    وتشتت أمره.

    الحمد لله رب العالمين

  8. #28

    افتراضي ( 12 ) من سورة البقرة

    فلهذا توعدهم الله بقوله:

    { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } باتخاذ الأنداد والانقياد لغير رب العباد

    وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله, وسعيهم فيما يضرهم.

    { إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ } أي: يوم القيامة عيانا بأبصارهم،

    { أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ }

    أي: لعلموا علما جازما, أن القوة والقدرة لله كلها,
    وأن أندادهم ليس فيها من القوة شيء،
    فتبين لهم في ذلك اليوم ضعفها وعجزها,

    لا كما اشتبه عليهم في الدنيا,
    وظنوا أن لها من الأمر شيئا,


    وأنها تقربهم إليه وتوصلهم إليه،
    فخاب ظنهم, وبطل سعيهم,
    وحق عليهم شدة العذاب,


    ولم تدفع عنهم أندادهم شيئا,
    ولم تغن عنهم مثقال ذرة من النفع،
    بل يحصل لهم الضرر منها, من حيث ظنوا نفعها.

    وتبرأ المتبوعون من التابعين,

    وتقطعت بينهم الوصل, التي كانت في الدنيا,

    لأنها كانت لغير الله, وعلى غير أمر الله,

    ومتعلقة بالباطل الذي لا حقيقة له,

    فاضمحلت أعمالهم, وتلاشت أحوالهم،

    وتبين لهم أنهم كانوا كاذبين,

    وأن أعمالهم التي يؤملون نفعها وحصول نتيجتها,

    انقلبت عليهم حسرة وندامة,

    وأنهم خالدون في النار لا يخرجون منها أبدا،

    فهل بعد هذا الخسران خسران؟

    ذلك بأنهم اتبعوا الباطل، فعملوا العمل الباطل

    ورجوا غير مرجو, وتعلقوا بغير متعلق,

    فبطلت الأعمال ببطلان متعلقها،

    ولما بطلت وقعت الحسرة بما فاتهم من الأمل فيها,

    فضرتهم غاية الضرر،

    الحمد لله رب العالمين

  9. #29

    افتراضي ( 12 ) من سورة البقرة

    وهذا بخلاف من تعلق بالله الملك الحق المبين,
    وأخلص العمل لوجهه, ورجا نفعه،
    فهذا قد وضع الحق في موضعه,
    فكانت أعماله حقا, لتعلقها بالحق,
    ففاز بنتيجة عمله,
    ووجد جزاءه عند ربه, غير منقطع

    كما قال تعالى:

    { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ

    وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
    وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ


    وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ
    كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ


    ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ

    وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ

    كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ }

    وحينئذ يتمنى التابعون أن يردوا إلى الدنيا

    فيتبرأوا من متبوعيهم,

    بأن يتركوا الشرك بالله,
    ويقبلوا على إخلاص العمل لله،


    وهيهات,

    فات الأمر,

    وليس الوقت وقت إمهال وإنظار،

    ومع هذا فهم كذبة, فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه،

    وإنما هو قول يقولونه, وأماني يتمنونها,

    حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم،

    فرأس المتبوعين على الشر إبليس,

    ومع هذا يقول لأتباعه لما قضي الأمر

    { إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ
    وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُم ْ


    وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ
    إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ
    فَاسْتَجَبْتُمْ لِي


    فَلَا تَلُومُونِي
    وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ
    }

    الحمد لله رب العالمين

  10. #30

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 13 )

    من سورة البقرة


    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا

    وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
    إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *


    إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ
    وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ *


    وَإِذَا قِيلَ لَهُمُاتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ

    قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا

    أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ }

    سورة البقرة { 168 - 170 }

    هذا خطاب للناس كلهم, مؤمنهم وكافرهم،

    فامتن عليهم بأن أمرهم أن يأكلوا من جميع ما في الأرض،

    من حبوب, وثمار, وفواكه, وحيوانات, حالة كونها { حَلَالًا }

    أي: محللا لكم تناوله، ليس بغصب ولا سرقة,

    ولا محصلاً بمعاملة محرمة أو على وجه محرم،

    أو معينا على محرم.

    { طَيِّبًا } أي: ليس بخبيث, كالميتة والدم, ولحم الخنزير, والخبائث كلها،

    ففي هذه الآية, دليل على أن الأصل في الأعيان الإباحة، أكلا وانتفاعا,

    وأن المحرم نوعان:

    إما محرم لذاته, وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب،

    وإما محرم لما عرض له,

    وهو المحرم لتعلق حق الله, أو حق عباده به, وهو ضد الحلال.

    وفيه دليل على أن الأكل بقدر ما يقيم البنية واجب, يأثم تاركه لظاهر الأمر،


    ولما أمرهم باتباع ما أمرهم به
    - إذ هو عين صلاحهم -


    نهاهم عن اتباع { خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ }
    أي: طرقه التي يأمر بها,


    وهي جميع المعاصي من كفر, وفسوق, وظلم،

    ويدخل في ذلك تحريم السوائب, والحام, ونحو ذلك،

    ويدخل فيه أيضا تناول المأكولات المحرمة،

    { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } أي: ظاهر العداوة,

    فلا يريد بأمركم إلا غشكم,
    وأن تكونوا من أصحاب السعير،


    فلم يكتف ربنا بنهينا عن اتباع خطواته,

    حتى أخبرنا - وهو أصدق القائلين - بعداوته الداعية للحذر منه,

    ثم لم يكتف بذلك, حتى أخبرنا بتفصيل ما يأمر به,

    وأنه أقبح الأشياء, وأعظمها مفسدة فقال:

    { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ }

    أي: الشر الذي يسوء صاحبه, فيدخل في ذلك, جميع المعاصي،

    فيكون قوله: { وَالْفَحْشَاءِ } من باب عطف الخاص على العام؛

    لأن الفحشاء من المعاصي, ما تناهى قبحه, كالزنا, وشرب الخمر,

    والقتل, والقذف, والبخل ونحو ذلك, مما يستفحشه من له عقل،

    الحمد لله رب العالمين

  11. #31

    افتراضي ( 13 ) من سورة البقرة

    { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }

    فيدخل في ذلك, القول على الله بلا علم, في شرعه, وقدره،

    فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه, أو وصفه به رسوله,

    أو نفى عنه ما أثبته لنفسه, أو أثبت له ما نفاه عن نفسه,

    فقد قال على الله بلا علم،

    ومن زعم أن لله ندا, وأوثانا, تقرب من عبدها من الله,

    فقد قال على الله بلا علم،

    ومن قال: إن الله أحل كذا, أو حرم كذا,

    أو أمر بكذا, أو نهى عن كذا, بغير بصيرة,

    فقد قال على الله بلا علم،

    ومن قال: الله خلق هذا الصنف من المخلوقات,

    للعلة الفلانية بلا برهان له بذلك,

    فقد قال على الله بلا علم،

    ومن أعظم القول على الله بلا علم,

    أن يتأول المتأول كلامه, أو كلام رسوله,

    على معان اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال,

    ثم يقول: إن الله أرادها،


    فالقول على الله بلا علم, من أكبر المحرمات, وأشملها,

    وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها,

    فهذه طرق الشيطان التي يدعو إليها هو وجنوده,

    ويبذلون مكرهم وخداعهم على إغواء الخلق بما يقدرون عليه.

    الحمد لله رب العالمين

  12. #32

    افتراضي ( 13 ) من سورة البقرة

    وأما الله تعالى, فإنه يأمر بالعدل والإحسان, وإيتاء ذي القربى,

    وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي،

    فلينظر العبد نفسه, مع أي الداعيين هو, ومن أي الحزبين؟


    أتتبع داعي الله الذي يريد لك الخير والسعادة الدنيوية والأخروية,

    الذي كل الفلاح بطاعته, وكل الفوز في خدمته,

    وجميع الأرباح في معاملة المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة,

    الذي لا يأمر إلا بالخير, ولا ينهى إلا عن الشر،

    أم تتبع داعي الشيطان, الذي هو عدو الإنسان,

    الذي يريد لك الشر, ويسعى بجهده على إهلاكك في الدنيا والآخرة؟

    الذي كل الشر في طاعته, وكل الخسران في ولايته،

    الذي لا يأمر إلا بشر, ولا ينهى إلا عن خير.

    الحمد لله رب العالمين

  13. #33

    افتراضي ( 13 ) من سورة البقرة

    ثم أخبر تعالى عن حال المشركين
    إذا أُمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله
    - مما تقدم وصفه -
    رغبوا عن ذلك وقالوا:


    { بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا }

    فاكتفوا بتقليد الآباء,


    وزهدوا في الإيمان بالأنبياء،

    ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس,
    وأشدهم ضلالا
    وهذه شبهة لرد الحق واهية،


    فهذا دليل على إعراضهم عن الحق,
    ورغبتهم عنه, وعدم إنصافهم،


    فلو هدوا لرشدهم, وحسن قصدهم,
    لكان الحق هو القصد،


    ومن جعل الحق قصده, ووازن بينه وبين غيره,

    تبين له الحق قطعا,
    واتبعه إن كان منصفا.



    الحمد لله رب العالمين

  14. #34

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 14 )

    من سورة البقرة

    {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
    فَإِنِّي قَرِيبٌ
    أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ

    فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي
    وَلْيُؤْمِنُوا بِي

    لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }


    سورة البقرة { 186 }


    هذا جواب سؤال،

    سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه

    فقالوا: يا رسول الله,

    أقريب ربنا فنناجيه, أم بعيد فنناديه؟


    فنزل: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ }


    لأنه تعالى, الرقيب الشهيد, المطلع على السر وأخفى,

    يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور,

    فهو قريب أيضا من داعيه بالإجابة،


    ولهذا قال:

    { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }

    والدعاء نوعان: دعاء عبادة, ودعاء مسألة.

    والقرب نوعان:

    قرب بعلمه من كل خلقه,

    وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق.


    فمن دعا ربه بقلب حاضر, ودعاء مشروع,

    ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء,

    كأكل الحرام ونحوه,

    فإن الله قد وعده بالإجابة،

    وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء,

    وهي الاستجابة لله تعالى

    بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية,

    والإيمان به, الموجب للاستجابة،

    فلهذا قال:

    { فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }


    أي: يحصل لهم الرشد
    الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة,


    ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة.


    ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره,

    سبب لحصول العلم كما قال تعالى:

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
    إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا }


    الحمد لله رب العالمين

  15. #35

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 15 )

    من سورة البقرة

    { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ

    فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَة ُ
    وَقُضِيَ الْأَمْرُ


    وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ }


    سورة البقرة { 210 }


    وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب،

    يقول تعالى: هل ينتظر الساعون في الفساد في الأرض,

    المتبعون لخطوات الشيطان, النابذون لأمر الله إلا يوم الجزاء بالأعمال,

    الذي قد حُشي من الأهوال والشدائد والفظائع,

    ما يقلقل قلوب الظالمين, ويحق به الجزاء السيئ على المفسدين.

    وذلك أن الله تعالى يطوي السماوات والأرض, وتنثر الكواكب,

    وتكور الشمس والقمر, وتنزل الملائكة الكرام, فتحيط بالخلائق,


    وينزل الباري [تبارك] تعالى:


    { فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ }

    ليفصل بين عباده بالقضاء العدل.

    فتوضع الموازين, وتنشر الدواوين,

    وتبيض وجوه أهل السعادة وتسود وجوه أهل الشقاوة,

    ويتميز أهل الخير من أهل الشر، وكل يجازى بعمله،

    فهنالك يعض الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه.


    الحمد لله رب العالمين

  16. #36

    افتراضي ( 15 ) من سورة البقرة

    وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة,

    المثبتين للصفات الاختيارية,

    كالاستواء, والنزول, والمجيء,

    ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى عن نفسه,

    أو أخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم،

    فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته,

    من غير تشبيه ولا تحريف،


    خلافا للمعطلة على اختلاف أنواعهم,

    من الجهمية, والمعتزلة, والأشعرية ونحوهم, ممن ينفي هذه الصفات,

    ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان,


    بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله,

    والزعم بأن كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب،


    الحمد لله رب العالمين

  17. #37

    افتراضي ( 15 ) من سورة البقرة

    فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي,
    بل ولا دليل عقلي،


    أما النقلي

    فقد اعترفوا أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة,


    ظاهرها بل صريحها, دال على مذهب أهل السنة والجماعة,

    وأنها تحتاج لدلالتها على
    مذهبهم الباطل,

    أن تخرج عن ظاهرها ويزاد فيها وينقص،


    وهذا كما ترى لا يرتضيه
    من في قلبه مثقال ذرة من إيمان.



    وأما العقل

    فليس في العقل ما يدل على نفي هذه الصفات،


    بل العقل دلَّ على أن الفاعل أكمل
    من الذي لا يقدر على الفعل,


    وأن فعله تعالى المتعلق بنفسه
    والمتعلق بخلقه
    هو كمال،

    الحمد لله رب العالمين

  18. #38

    افتراضي ( 15 ) من سورة البقرة

    فإن زعموا أن إثباتها يدل على التشبيه بخلقه،

    قيل لهم:

    الكلام على الصفات, يتبع الكلام على الذات،

    فكما أن لله ذاتا
    لا تشبهها الذوات,

    فلله صفات
    لا تشبهها الصفات،

    فصفاته تبع لذاته,

    وصفات خلقه, تبع لذواتهم,

    فليس في إثباتها ما يقتضي التشبيه بوجه.

    الحمد لله رب العالمين

  19. #39

    افتراضي ( 15 ) من سورة البقرة

    ويقال أيضا,

    لمن أثبت بعض الصفات, ونفى بعضا,

    أو أثبت الأسماء
    دون الصفات:

    إما أن تثبت الجميع كما أثبته الله لنفسه, وأثبته رسوله،

    وإما أن
    تنفي الجميع, وتكون منكرا لرب العالمين،


    وأما إثباتك بعض ذلك, ونفيك لبعضه,

    فهذا تناقض،

    ففرِّق بين ما أثبته, وما نفيته,

    ولن تجد إلى الفرق سبيلا،

    الحمد لله رب العالمين

  20. #40

    افتراضي ( 15 ) من سورة البقرة

    فإن قلت:
    ما أثبته لا يقتضي تشبيها،


    قال لك أهل السنة:
    والإثبات لما نفيته لا يقتضي تشبيها،


    فإن قلت:
    لا أعقل من الذي نفيته إلا التشبيه،


    قال لك النُفاة:
    ونحن لا نعقل من الذي أثبته إلا التشبيه،


    فما أجبت به النُفاة,
    أجابك به أهل السنة, لما نفيته.



    والحاصل أن من نفى شيئا وأثبت شيئا

    مما دل الكتاب والسنة على إثباته,


    فهو متناقض,

    لا يثبت له دليل شرعي ولا عقلي,

    بل قد
    خالف المعقول والمنقول.
    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •