تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 142

الموضوع: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [030]
    الحلقة (61)

    شرح سنن أبي داود [030]

    الشيطان حريص على أن يضل الإنسان في كل شيء بشتى الوسائل، ومن ذلك أنه يوسوس له في الصلاة بأنه أحدث حتى يبطل عليه صلاته، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عدم الالتفات إلى هذه الوسوسة وألا يبني الإنسان إلا على يقين.

    إذا شك في الحدث


    شرح حديث: (... لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا شك في الحدث. حدثنا قتيبة بن سعيد و محمد بن أحمد بن أبي خلف قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب و عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه، فقال: لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب إذا شك في الحدث، أي: فما الحكم إذا تحقق من الطهارة، ثم شك في الحدث الذي طرأ على الطهارة؟! والجواب عن هذا أنه لا يتحول عن الشيء المتحقق الذي هو الطهارة إلى الحدث إلا بيقين؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فيبقى على الأصل حتى يأتي ما ينقل عنه، وهذه قاعدة من قواعد الشريعة: أن الإنسان إذا كان على طهارة فإن الطهارة باقية حتى يتحقق الخروج منها وحصول خلاف ذلك بالحدث. وكذلك العكس: إذا كان محدثاً وشك هل تطهر أو لم يتطهر فإن الأصل أنه غير متطهر وعليه أن يتطهر، فإذا تحقق أنه قد أحدث ولكن شك هل توضأ أو ما توضأ فيعتبر على الحدث؛ لأن هذا هو الأصل، وإذا كان على طهارة وشك هل أحدث أو لم يحدث فالأصل هو الطهارة. وقول أبي داود رحمه الله في الترجمة: [باب إذا شك في الحدث] يعني فما الحكم؟ والحكم: أنه يبني على الأصل وهو أنه لا ينتقل عن الأصل إلى الشيء المشكوك فيه إلا إذا تحقق وتيقن من المشكوك فيه، فعند ذلك ممكن أن ينتقل من يقين إلى يقين، فإذا كان متطهراً ثم تيقن الحدث فإن الطهارة انتهت بحصول الحدث، لكن حيث يكون الشك فإن الأصل بقاء الطهارة، وإذا تحقق الحدث وشك في الطهارة فالأصل بقاء الحدث. وأورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه: (أنه شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه) وهذا فيه إبهام، ومعناه: أنه خرج منه شيء ناقض للوضوء. قال: (لا ينفتل) يعني: لا ينصرف من صلاته ولا يبني على هذا الشك ولا يبني على هذا الذي حصل أنه تخيله أو توهمه، بل يبقى على طهارته ويبقى في صلاته حتى يتحقق الحدث، وذلك بأن يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وهذا المقصود به تحقق الحدث وإلا فإن الإنسان قد يكون لا يسمع وقد يكون أيضاً لا يشم، ولكن المقصود من ذلك تحقق الحدث، فذكر السماع والشم للشيء الخارج من دبره، والمقصود من ذلك أنه يتحقق أن الحدث وجد منه، فالحديث يدل على قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة وهي: أن الإنسان إذا كان متطهراً فإن الأصل الطهارة، ولا ينتقل عن الطهارة إلى الحدث إلا إذا تحقق ما به الانتقال، وكذلك العكس إذا كان محدثاً وشك هل توضأ أو لم يتوضأ فعليه أن يتوضأ؛ لأنه تحقق أنه غير متطهر فيجب عليه أن يتوضأ.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)
    قوله:
    [حدثنا قتيبة بن سعيد ].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلانيوهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و محمد بن أحمد بن أبي خلف ].
    محمد بن أحمد بن أبي خلف ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود .
    [قالا: حدثنا سفيان ].
    سفيان هو ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري أو يروي عنه قتيبة فالمراد به ابن عيينة .
    [عن الزهري ].
    الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بنسبته إلى جده شهاب، ومشهور أيضاً بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري، ويقال له: ابن شهاب ، وهذا هو الذي اشتهر به، ولهذا يأتي كثيراً ذكره بابن شهاب أو الزهري .
    [عن سعيد بن المسيب ].
    سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [و عباد بن تميم ].
    عباد بن تميم المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمه].
    عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه أن الإنسان إذا كان في صلاته ووجد حركة وشك أنه خرج منه شيء فإنه لا ينصرف حتى يتحقق ذلك بأن يشم رائحة إذا كان ممن يشم أو يسمع صوتاً إذا كان ممن يسمع، والمقصود من ذلك هو تحقق وجود الحدث الذي يبنى عليه ترك ذلك الأصل المتيقن الذي هو الطهارة، فاليقين لا يزول إلا باليقين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة...)
    قوله:
    [حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد ].
    حماد هو ابن سلمة ، وإذا جاء حماد غير منسوب -مهمل- يروي عنه موسى بن إسماعيل فالمقصود به حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [أخبرنا سهيل بن أبي صالح ].
    سهيل بن أبي صالح صدوق تغير حفظه بأخرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و البخاري أخرج له تعليقاً وأخرج له مقروناً.
    [عن أبيه].
    هو أبو صالح ذكوان السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة ].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

    الوضوء من القبلة


    شرح حديث عائشة: (أن النبي قبلها ولم يتوضأ)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من القبلة. حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى و عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ). قال أبو داود : كذا رواه الفريابي وغيره. قال أبو داود : وهو مرسل؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً. قال أبو داود : مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة، وكان يكنى أبا أسماء ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب الوضوء من القبلة]، يعني: إذا كان الإنسان على طهارة ثم وجد منه التقبيل لأهله هل ينتقض وضوءه بذلك ويحتاج إلى أن يتوضأ أو أنه باقٍ على طهارته وأن التقبيل لا ينقض الوضوء؟ وهذه المسألة هي جزء من مسألة: لمس المرأة هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ يعني: كون الإنسان يلمس المرأة هل ينتقض وضوءه بذلك أو لا ينتقض وضوءه بذلك؟ وفي هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه لا ينتقض، وإنه لم يأت شيء يدل على النقض إلا ما ذكر عن بعض الفقهاء أنه فسر قوله تعالى:
    أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] بأن المقصود به اللمس، ولكن الذي هو واضح غاية الوضوح أن المراد بالملامسة في الآية الجماع؛ لأنه ذكر الحدث الأكبر والأصغر، وأنه إذا لم يوجد الماء يصار إلى التيمم في الحالتين، ولكن اللمس أو التقبيل ما جاء شيء يدل عليه دلالة واضحة، بل جاء ما يدل على خلافه وهو أنه لا ينقض الوضوء ولا يحصل به النقض. وقد جاء فيما يتعلق بالتقبيل أحاديث أوردها أبو داود رحمه الله وفي بعضها كلام، ولكن بعضها يشهد لبعض، وبعضها يؤيد بعضاً، وفيها أن مجرد التقبيل لا يحصل به نقض إلا إذا حصل انتشار وحصل خروج مذي فإنه عند ذلك يكون النقض بهذا الخارج الذي حصل بسبب هذا اللمس أو التقبيل، وبعض أهل العلم يقيد النقض بما إذا كان النقض بشهوة. فمنهم من قال: إنه لا ينقض مطلقاً، ومنهم من قال:
    إنه ينقض مطلقاً، ومنهم من قال: إنه ينقض إذا كان بشهوة، لكن الأحاديث التي وردت في التقبيل تدل على عدم النقض. وأيضاً جاء في اللمس ما يدل على عدم النقض، وقد جاء في أحاديث صحيحة فيما يتعلق بكون المرأة تلمس الرجل وهو يصلي أنه باقٍ على طهارته ولا يؤثر فيه كون المرأة لمسته، من ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها بحثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي، فوقعت يدها على رجليه وهما منصوبتان وهو ساجد، فلمست رجليه ومع ذلك استمر في صلاته وما حصل بلمسها إياه شيء جديد يغير الوضع الذي هو عليه، فدل على بقاء الطهارة. وجاء في الصحيح عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة أمامه، والبيوت ليس فيها مصابيح يومئذٍ، وكانت تمد رجليها، فإذا سجد غمز رجليها فكفتها وسجد في مكان رجليها.
    فهذا فيه لمس وليس فيه نقض، وليس فيه شيء يدل على النقض، ثم ليس هناك دليل يدل دلالة واضحة على خلاف هذا. إذاً: لمس المرأة لا ينقض الوضوء إلا إذا حصل بسبب ذلك اللمس انتشار وحصل بسببه مذي؛ فإن الخارج من الإنسان من قبله ومن ذكره هو الذي ينقض الوضوء ويوجب غسل ذلك الذي حصل له ويوجب الوضوء. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة :
    (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ) وهي حكت ما حصل لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبق أن ذكرت مراراً أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أوعية السنة، وأنها حفظت الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما الأمور التي تقع بين الرجل وأهل بيته ولا يعرفها إلا أزواجه ولا يطلع عليها إلا أهل بيته؛ فإنها روت الكثير من ذلك ومن غير ذلك، ولكن الشيء الذي لا يطلع عليه إلا النساء روت في ذلك الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من هذا القليل، فكونه صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ هو مما يجري في بيت النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أهله، وقد روت عائشة رضي الله عنها هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث وإن كان في إسناده مقال من حيث ما ذكره أبو داود بأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة وأنه يكون فيه إرسال إلا أنه قد جاءت أحاديث أخرى تشهد له وتؤيده.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن النبي قبلها ولم يتوضأ)

    قوله:
    [حدثنا محمد بن بشار ].
    محمد بن بشار هو الملقب بـ بندار البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى ].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و عبد الرحمن ].
    هو عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان ].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي روق ].
    هو عطية بن الحارث الهمداني صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [عن إبراهيم التيمي ].
    إبراهيم التيمي ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة ].
    عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [قال أبو داود : كذا رواه الفريابي وغيره] يعني: كما رواه الذي روى في الإسناد المتقدم بهذه الطريق أو بهذا الإسناد. و الفريابي هو محمد بن يوسف الفريابي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال أبو داود : وهو مرسل؛ إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً]. المقصود بالمرسل هنا المعنى العام للمرسل؛ لأن المرسل له معنيان: الأول هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا هو المشهور باسم المرسل. الثاني: رواية الراوي عمن لم يدركه أو عمن أدركه ولكنه لم يلقه، فهذا يقال له: مرسل، والمرسل هنا من قبيل المرسل بالمعنى العام الذي ليس مختصاً بما يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وإنما المقصود به رواية الراوي عمن لم يدركه أو أدركه، ولكنه معاصر له ولم يلقه وروى عنه.
    [قال أبو داود : مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة وكان يكنى أبا أسماء ]. يعني: أن عمره قصير ومع ذلك هو محدث من المحدثين الذين نقلوا السنن ورووا الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا شأن كثير من العلماء، فأحدهم يكون عمره قصيراً، ولكن الله يبارك له في ذلك العمر فيروي الكثير ويتحمل الكثير ويكون له آثار حميدة وآثار عظيمة، ومن الذين لم تطل أعمارهم ولكن نفع الله بهم عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه؛ فإنه عمر بن عبد العزيز مات وعمره أربعون سنة، و النووي على كثرة تأليفه المجلدات الكثيرة الواسعة التي منها كتاب المجموع، ويقول بعض أهل العلم: ليس هناك كتاب في الفقه أوسع من المغني لابن قدامة والمجموع للنووي .
    وهما كتابان واسعان عظيمان، و النووي لم يتمه، ومع ذلك فكتابه واسع عظيم، وهذان الكتابان عني مؤلفاهما بنقل الأقوال عن العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فهما موسوعتان، والنووي مات وعمره خمس وأربعون سنة، وخلف هذه الموسوعة بالإضافة إلى الكتب الكثيرة الأخرى في الحديث وفي الفقه، فأعمارهم بارك الله تعالى فيها، وكذلك الشافعي مات كهلاً وعمره أربع وخمسون سنة، و أبو بكر الحازمي المحدث المشهور مات وعمره خمس وثلاثون سنة وله كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وله كتب أخرى، ولما ذكره الذهبي في كتاب (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) قال:
    مات شابا طرياً عمره خمس وثلاثون سنة، يعني: مع سعة علمه مات وعمره قصير، ومن الذين نفع الله تعالى بعلمهم من المعاصرين الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله، الذي له مؤلفات كثيرة وعظيمة في النظم والنثر في العقيدة وغيرها، وقد مات وعمره خمس وثلاثون سنة رحمه الله. الحاصل: أن قول أبي داود : [إنه لم يبلغ أربعين سنة] يعني: أن عمره قصير، ومع ذلك كان من أهل العلم، ومن حملة السنن، ومن رواة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه... )
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) قال عروة : فقلت لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت. قال أبو داود : هكذا رواه زائدة و عبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى وفيه أن عروة روى عنها أنها قالت:
    (إن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ). فقال لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت. وهذا الحديث يدل على أن القبلة لا تنقض الوضوء، وهو شاهد للحديث المتقدم الذي من رواية إبراهيم التيمي عن عائشة وهو لم يسمع من عائشة ، والطريق الثانية شاهدة متابعة للطريق الأولى، وهذه الطريق من رواية عروة عن عائشة ، و عروة هذا قيل: إنه عروة المزني وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، لكن ذكر في عون المعبود أنه عروة بن الزبير ، قال:
    وهذا هو المناسب واللائق، فهو الذي يمكن أن يجترئ على مثل هذا السؤال لعائشة ؛ عروة بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر وعائشة خالته، وكونه يقول مثل هذا الكلام ليس ببعيد، أما أن يقول هذا شخص بعيد منها فهذا لا يتوقع أن يحصل من مثله، وإنما يحصل ممن يكون له بها صلة وعلاقة ومحادثة واتصال، وهو ابن أختها، ثم ذكر أنه جاء في المسند وفي سنن ابن ماجة التنصيص عليه بأنه عروة بن الزبير .
    و عروة بن الزبير هو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، لكن المزي وغيره ذكروا هذا في ترجمة عروة المزني ولم يذكروه في ترجمة عروة بن الزبير ، لكن الذي ذكره صاحب عون المعبود من كونه ابن الزبير هو الأقرب، وقد جاء ما يؤيده ويدل عليه في مسند أحمد وفي سنن ابن ماجة ، وإن كان هو عروة المزني المجهول فإن هذه الطريق شاهدة لتلك الطريق، وإن كان عروة بن الزبير فلا إشكال.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي قبل امرأة من نسائه ...)
    قوله:
    [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [حدثنا وكيع ].
    وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأعمش ].
    الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حبيب ].
    هو حبيب بن أبي ثابت ، ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة عن عائشة ].
    ذكرنا في عروة أنه إما أن يكون عروة المزني أو عروة بن الزبير . وحبيب بن أبي ثابت مدلس، لكن ما تقدم من الروايات يشهد بعضها لبعض.
    [قال أبو داود : هكذا رواه زائدة و عبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ].
    زائدة هو ابن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و عبد الحميد الحماني هو عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وهو صدوق يخطئ، أخرجه حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ، والأعمش هو سليمان بن مهران الأعمش وقد تقدم ذكره.

    طريق أخرى لحديث: (أن النبي قبل امرأة من نسائه ...)

    قال المصنف رحمه الله: [حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني حدثنا عبد الرحمن -يعني: ابن مغراء - حدثنا الأعمش أخبرنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. قال أبو داود : قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة- قال يحيى : احك عني أنهما شبه لا شيء. قال أبو داود : وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ، يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء. قال أبو داود : وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً]. أورد أبو داود هذا الحديث وأحاله إلى حديث عائشة المتقدم. قوله: [حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني ]. إبراهيم بن مخلد الطالقاني صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. [حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مغراء ].
    عبد الرحمن بن مغراء صدوق، تكلم في حديثه عن الأعمش ، وهذا من حديثه عن الأعمش ، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة. [أخبرنا الأعمش قال: أخبرنا أصحاب لنا عن]. هنا الأعمش قال: أخبرنا أصحاب لنا، وهناك يروي الأعمش عن حبيب . وقوله: (أصحاب لنا) ذكر منهم في بعض الطرق المتقدمة جماعة أبهمهم ولم يسمهم، ولكن الطريقة المتقدمة فيها حبيب بن أبي ثابت .
    [عن عروة المزني ]. هنا نص على المزني . [عن عائشة ]. عائشة تقدم ذكرها. [قال أبو داود : قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة -قال يحيى : احك عني أنهما شبه لا شيء].
    يعني: أنه ضعف هذين الحديثين، ولكن هذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض، أما بالنسبة لحديث: (أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة) فهو ثابت؛ لأن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وإنما الكلام في كونها تغتسل لكل صلاة، هذا هو الذي فيه الإشكال، وأما كونها تتوضأ لكل صلاة فإذا دخل الوقت فإن عليها أن تتوضأ، ومثلها من يكون به سلس البول؛ فإنه يتوضأ عند كل صلاة، فعندما يريد أن يصلي يتوضأ ولا يبقى على الحدث؛ لأن الحدث موجود، فيصلي مع استمرار الحدث؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
    [قال أبو داود : وروي عن الثوري أنه قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ، يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء].
    الثوري يقول: إن حبيب بن أبي ثابت ما حدثهم إلا عن عروة المزني أي: أنه لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء، وإنما حديثه عن عروة المزني ، لكن كما ذكرنا أن الطريقين المتقدمتين فيهما ذكر عروة بن الزبير . [قال أبو داود : وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً].
    عقب أبو داود بهذا الكلام على كلام سفيان في قوله: إن حبيباً لم يحدث عن عروة بن الزبير بشيء، فقال: إنه قد روى حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير حديثاً صحيحاً. وفي تحفة الأشراف (برقم: 17374) عند ترجمة عروة المزني ذكر عدة أحاديث منها هذه الأحاديث التي مرت، وذكر أيضاً من طريق حمزة بن حبيب الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً من الأحاديث.

    الوضوء من مس الذكر


    شرح حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من مس الذكر. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان : ومن مس الذكر. فقال عروة : ما علمت ذلك. فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ) ].
    أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء من مس الذكر، يعني: هل يتوضأ منه أو لا يتوضأ، وأورد في هذه الترجمة الأحاديث التي فيها أنه يتوضأ إذا مسه يعني: بدون حائل، وأما إذا كان من وراء حائل فلا يؤثر مسه، وأورد في ذلك حديث بسرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، وهذا يدل على أن مس الذكر ينتقض به الوضوء وأن على من مس ذكره أن يتوضأ، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة؛ لأنه قال:
    (من مس ذكره فليتوضأ)، وهو مطلق، فدل ذلك على أن مس الذكر ناقض للوضوء، وسيأتي من حديث طلق بن علي الحنفي رضي الله تعالى عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وهل هو إلا بضعة منك؟!) يعني: أنه لا ينقض الوضوء، لكن ذكر العلماء في التوفيق بين هذين الحديثين بأن حديث بسرة متأخر وحديث طلق متقدم، وأيضاً الذين صححوا حديث بسرة من أهل العلم أكثر من الذين صححوا حديث طلق ، لكن منهم من قال:
    إن حديث بسرة ناسخ لحديث طلق ؛ لأن حديث طلق كان في أول الهجرة؛ حيث قال فيه: قدمت وهم يؤسسون المسجد، يعني: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [عن عروة قال: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان : ومن مس الذكر]. مروان بن الحكم كان أمير المدينة في ذلك الوقت، وقوله: (فذكرنا) أي: تذاكرنا وبحثنا في نواقض الوضوء والأشياء التي ينتقض بها، فقال مروان :
    (ومن مس الذكر)، يعني: يحصل الوضوء من مس الذكر، فقال عروة : (ما علمت في هذا شيئاً)، يعني: ما أعلم دليلاً، وليس عندي علم في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: حدثتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) يعني: أن مروان بن الحكم ذكر الدليل الذي سمعه من بسرة بنت صفوان والذي فيه الوضوء من مس الذكر.

    تراجم رجال إسناد حديث (من مس ذكره فليتوضأ)

    قوله:
    [حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
    عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [عن مالك ].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
    [عن عبد الله بن أبي بكر ].
    هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أنه سمع عروة يقول].
    هو عروة بن الزبير بن العوام .
    [دخلت على مروان بن الحكم ].
    مروان بن الحكم أحد خلفاء بني أمية، قال عنه بعض المحدثين: لا يتهم في الحديث، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
    [أخبرتني بسرة بنت صفوان ].
    بسرة بنت صفوان رضي الله عنها صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن الأربعة.

    الرخصة في ترك الوضوء من مس الذكر


    شرح حديث: (... هل هو إلا مضغة منه...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرخصة في ذلك. حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: (قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: هل هو إلا مضغة منه، أو قال: بضعة منه) ].
    أورد أبو داود رحمه الله باب الرخصة في ذلك، يعني: في عدم الوضوء، فالحديث الأول يدل على الوضوء من مس الذكر وهذا يدل على الترخيص في عدم الوضوء، لكن أهل العلم -كما ذكرت- جمعوا بينهما بأن قدموا حديث بسرة على حديث طلق بن علي ؛ لتقدم حديث طلق بن علي وأنه كان جاء في وقت مبكر في أول الهجرة عند تأسيس مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديث بسرة متأخر عنه فيكون مقدماً عليه، كما أن الذين صححوه أكثر، وأيضاً فيه الاحتياط في الدين؛ إذ إن الإنسان إذا مس ذكره وتوضأ خرج من العهدة ولم يبق في نفسه شيء بخلاف ما لو لم يفعل ذلك فإنه خلاف الاحتياط.
    قوله: [ (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي -يعني: من البادية- فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ قال: وهل هو إلا بضعة منك؟)، يعني: أنه كسائر جسده، فإذا لمست أي مكان من جسدك لا ينتقض وضوءك، فلو لمست وجهك أو رجلك أو ركبتك أو عضدك فما هل هو إلا بضعة منك، يعني: أنه جزء من أجزائك، فأي جزء من أجزائك تلمسه لا ينتقض وضوءك به، هذا هو معنى الحديث.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... هل هو إلا مضغة منه...)
    [حدثنا مسدد ].
    مسدد هو ابن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي ].
    هو ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر الحنفي ، صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا عبد الله بن بدر ].
    عبد الله بن بدر هو جد ملازم ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن قيس بن طلق ].
    قيس بن طلق صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    أبوه هو طلق بن علي رضي الله عنه أخرج له أصحاب السنن الأربعة. ورجال هذا الإسناد حنفيون يماميون إلا مسدداً شيخ أبي داود فإنه بصري، والباقون كلهم من بني حنيفة ومن اليمامة، وهم أربعة: ملازم بن عمرو و عبد الله بن بدر و قيس بن طلق و طلق بن علي . وأربعتهم أيضاً خرج لهم أصحاب السنن الأربعة ولم يخرج لهم البخاري ولا مسلم . ومن الأشياء التي ذكروها في ترجيح حديث بسرة أن حديث طلق إنما خرج لرجاله أصحاب السنن، وأما حديث بسرة فرجاله خرج لهم الشيخان وهم: عبد الله بن مسلمة القعنبي و مالك و عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم و عروة و مروان بن الحكم . وكلهم أخرج لهم الشيخان إلا مروان فليس له في مسلم شيء، وإنما له في البخاري .
    [قال أبو داود : رواه هشام بن حسان و سفيان الثوري و شعبة و ابن عيينة و جرير الرازي عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق ].
    قوله:
    [رواه هشام بن حسان ].
    هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و سفيان الثوري ].
    سفيان الثوري مر ذكره.
    [و شعبة ].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و ابن عيينة ].
    ابن عيينة ثقة مر ذكره.
    [و جرير الرازي ].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي نزيل الري؛ لأنه كان في الكوفة وانتقل إلى الري وصار قاضياً فيها فيقال له: الكوفي باعتبار أنها وطنه، ويقال له: الرازي؛ لأنه انتقل إليها وصار قاضياً فيها، وهو جرير الرازي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن جابر ].
    محمد بن جابر صدوق، ذهبت كتبه فساء حفظه، وصار يشبه بابن لهيعة . أخرج له أبو داود و ابن ماجة .
    [عن قيس بن طلق ].
    قيس بن طلق قد مر ذكره. قال المصنف رحمه الله تعالى:
    [حدثنا مسدد قال: حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بإسناده ومعناه وقال: في الصلاة].
    أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وقال: بإسناده ومعناه، وقال: في الصلاة. يعني: إذا مسه وهو في الصلاة. قوله:
    [حدثنا مسدد ].
    مسدد تقدم ذكره.
    [حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه].

    الأسئلة


    الحكم على حديث: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)
    السؤال: ما حال حديث: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) بعد الفراغ من الوضوء؟

    الجواب: ذكرنا سابقاً في باب ما يقال بعد الوضوء أن مما يقال بعد الوضوء: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، وهذه الرواية هي التي جاءت عند مسلم ، وقلت: إن رواية: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) جاءت عند الترمذي وفيها كلام؛ لأنها من رواية أبي إدريس الخولاني عن عمر وهو لم يسمع منه، لكن ذكر الشيخ الألباني في إرواء الغليل أن حديث عند الترمذي له شواهد عند الطبراني وغيره من المحدثين عن ثوبان وعن غيره، فيكون شاهداً لهذه الطريق التي فيها كلام عند الترمذي ، وقال أيضاً: إن مما ثبت أنه يقال بعد الوضوء أن يقول مع هذا: (سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك).

    حكم تكرار العمرة في السفرة الواحدة
    السؤال: رجل يريد أن يذهب إلى مكة ويؤدي عمرة عن نفسه ثم يريد أن يعتمر عن أبويه الميتين فماذا يفعل؟


    الجواب: الإنسان عندما يذهب إلى مكة يعتمر لنفسه أولاً، وإذا يسر الله له أنه يقدم مرة أخرى من بلده أو يذهب إلى المدينة ويرجع إلى مكة مرة أخرى فإنه يعتمر لنفسه أو لغيره؛ لأن العمرة المشروعة المستحبة التي كان عليه الصلاة والسلام يفعلها هي أنه يعتمر داخلاً إلى مكة، أما كون الإنسان يتردد بين التنعيم وبين الكعبة فيؤدي عدة عمر في اليوم فهذا ما ورد فيه شيء، وإنما ورد في حق عائشة لظرف خاص لها، وكذلك أهل مكة لهم أن يعتمروا من التنعيم أو من غيره، لكن الآفاقيين إنما يعتمرون وهم داخلون إلى مكة.

    حكم مس الحائض للمصحف
    السؤال: ما حكم مس الحائض للمصحف بحائل وبدون حائل؟

    الجواب: الحائض والمحدث إذا مسوه بحائل لا بأس بذلك.

    بيان إلى من ينسب ولد الزنا
    السؤال: امرأة لم تتزوج وحملت بسبب الزنا، ثم نكحت الزاني وهي حبلى، فهل نكاحهما صحيح؟ وإلى من ينسب ولدها؟

    الجواب: إذا كان الولد من الزنا فهو ليس ابناً شرعياً، وإنما هو ابن زنا؛ لأن الحمل كان قبل الزواج، وعلى هذا فهو ابن زنا وليس ابناً شرعياً. والمرأة إذا حملت من زنا ثم تزوجها الزاني فلا يعتبر ولداً له وإنما يعتبر ولد زنا؛ لأنه لم يكن في نكاح شرعي، وإنما كان في سفاح، فهو ولد من سفاح وليس من نكاح شرعي، فلا يعتبر ولداً له ما دام أنه كان موجوداً قبل الزواج. وأما النكاح الذي حصل بعد الزنا فالزاني ينكح زانية.

    الفرق بين النجش والنصيحة
    السؤال: رجل كان في المكتبة يريد أن يشتري كتاباً، وتعاقد هو والبائع ووافق على شراء الكتاب، ثم جاءه شخص آخر وأخبره أن هناك كتاباً أرخص منه فتحير، فهل وجب عليه الشراء، أم أن هذا من النجش المحرم؟


    الجواب: هذا ليس من البيع على بيع أخيه ولا من الشراء على شراء أخيه؛ لأن النجش هو أن يزيد في سلعة لا يريد شراءها، هذا هو النجش، لكن أن يأتي آخر ويخبره بوجود سلعة أرخص وهو لا يزال في خيار المجلس لا بأس بذلك، فكونه أخبره بأنه يوجد في المكان الفلاني أو في المكتبة الفلانية كتاب بسعر أرخص من هذا لا يعتبر نجشاً ولا يعتبر بيعاً على بيع أخيه وإنما هي نصيحة.

    حكم الصلاة في مسجد خاص بأناس معينين
    السؤال: هل تجوز الصلاة في مسجد مؤسسة، والمسجد داخل الحائط ومحروس، وإذا كان الإنسان عابر سبيل ولحق به وقت الجمعة، ولم تكن له بطاقة مهنية يرجعوه عن صلاة الجمعة فلم يؤدها، فهل الجمعة تجوز في هذا المسجد؟

    الجواب: الجمعة تجوز ما دام أنه مكان خاص بأناس معينين، فإذا كانوا لا يريدون أن أحداً يدخل معهم فيصح التجميع، لكن الإنسان الذي يعرف أن المكان هذا لا يدخله كل واحد وإنما يدخله من هو مرخص له فعليه أن يذهب إلى مكان آخر ولا يذهب إلى المكان الذي فيه منع. وهذا مثل السجن، فالسجن فيه مسجد والناس يصلون فيه، والذي في الخارج لا يستطيع أن يدخل السجن ليصلي؛ لأنه لا يسمح لأناس يدخلون في هذه الدائرة وفي هذه المنطقة، وإنما هو مسجد خاص بجهة معينة، فالصلاة فيه تصح، وأنت إذا أردت الصلاة فعليك أن تبحث لك عن مكان آخر. ولا تصح الجمعة في الصحراء إذا لم يكن فيها استيطان ولا مساكن.

    نقض الوضوء بمصافحة المرأة الأجنبية
    السؤال: هل مصافحة المرأة الأجنبية ينقض الوضوء؟


    الجواب: لمس المرأة لا ينقض الوضوء سواء كانت أجنبية أو غير أجنبية، لكن المصافحة ولمس المرأة الأجنبية لا يجوز وهو حرام وفيه إثم، لكنه لا ينقض الوضوء إلا إذا حصل بسبب ذلك مذي، فالنقض بسبب الخارج لا بسبب اللمس سواء كانت أجنبية أو غير أجنبية. ولا أيضاً لمسها من وراء حائل؛ لأن اللمس من وراء حائل يمكن أن يحصل به ما يحصل بدون حائل. والله تعالى أعلم."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [031]
    الحلقة (62)


    شرح سنن أبي داود [031]

    جاء في بعض الأحاديث الوضوء مما مست النار، ومن أكل لحوم الإبل، وجاء في أحاديث أخرى ترك الوضوء من ذلك، وقد اختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث.

    ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل


    شرح حديث الوضوء من لحوم الإبل
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من لحوم الإبل. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضئوا منها. وسئل عن لحوم الغنم فقال: لا توضئوا منها. وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل؛ فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها مأوى الشياطين.
    وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها؛ فإنها بركة) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في الوضوء من لحوم الإبل، أي: من أكلها، وأن الإنسان إذا أكلها فإن عليه أن يتوضأ، وذلك للحديث الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: توضئوا من لحوم الإبل، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فقال: لا توضئوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال:
    لا تصلوا فيها، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها). والحديث دليل على الوضوء من لحم الإبل، وأن من أكل من لحوم الإبل فإن عليه أن يتوضأ، وعليه أن يعيد الوضوء إذا كان قد توضأ وأكل بعد الوضوء؛ لأن أكل لحوم الإبل ناقض من نواقض الوضوء، كما ثبت في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المشهور عن كثير من المحدثين، وذهب أكثر الفقهاء إلى عدم الوضوء من لحم الإبل، واستدلوا على ذلك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، قالوا: ولحم الإبل مما مسته النار، فكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، لكن الذين قالوا بلزوم الوضوء من لحم الإبل، قالوا: إن ذاك عام، وهذا خاص، فإنه كان في أول الأمر أن الوضوء يكون مما مست النار مطلقاً، وكل شيء مسته النار أو غيرته النار فإنه يتوضأ منه، وبعد ذلك جاء ما ينسخ ذلك، وهو ترك الوضوء مما مست النار؛ لقول جابر :
    (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص، فلا يدخل تحت ذلك العموم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: سئل عن هذا فقال: (توضئوا ، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فقال: لا توضئوا)، وفي بعض الروايات قال: (إن شئتم). فدل هذا على أن الوضوء من أكل لحم الإبل أمر مطلوب وأمر متعين، وقد قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وهذا المذهب هو الأقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه. قوله: [ (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضئوا منها، وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: لا توضئوا)].
    وقد جاء في بعض الروايات: (إن شئتم) وهذا يدلنا على الفرق بين لحوم الإبل وغيرها، فلحوم الإبل هي التي جاء فيها دليل على الوضوء، وأما الغنم فقد جاء الدليل على أنه لا يتوضأ منها، وغيرها سكت عنه، فلا يصار إلى الوضوء منه إلا بدليل، والدليل إنما دل على الوضوء من لحم الإبل فقط، أما غيرها فإنه لم يأت دليل يدل عليه، والأصل هو ما جاء عن جابر قال: (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار) يعني: من غير لحوم الإبل، وعلى هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن لحوم الإبل قال: (توضئوا منها، ولما سئل عن لحم الغنم قال: لا تتوضئوا منها). وهذا التفريق من رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لحوم الإبل ولحوم الغنم يرشد إلى مسألة أخرى وهي فيما يتعلق بالإحسان إلى الأموات في الصدقة عنهم، والحج عنهم، والدعاء لهم، وكذلك قراءة القرآن وإهدائها لهم، فإن بعض أهل العلم الذين قالوا بالجواز مطلقاً قاسوا الذي لم ينص عليه على المنصوص عليه، وقالوا:
    إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصدقة؟ فقال: (تصدق أو تصدقوا) يعني: أن الإنسان يتصدق عن قريبه الميت، وسئل عن الحج فقال للمرأة التي سألته عن الحج: (حجي) ، وسئل أسئلة فأجاب بالإذن، فالذين يقولون بجواز إهداء ثواب قراءة القرآن إلى الأموات، يقولون: الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن أمور فأذن فيها، فيقاس عليها قراءة القرآن وإهدائها للأموات؛ لأنه لو سئل عنها لأجاب؛ لأن هذه أمور سئل عنها فأجاب، وتلك لم يسأل عنها ولو سئل لأجاب، وهذا الذي جاء من التفريق بين لحوم الإبل ولحوم الغنم يدلنا على عدم صحة هذا القول، وأنه قد يسأل عن الشيء فيجاب عنه بجواب، ويسأل عن غيره فيجاب عنه بجواب آخر، فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسئل عن الوضوء من لحم الغنم وإنما سئل عن الوضوء من لحم الإبل فقط، فقال: (توضئوا) فهل يقال: إنه لو سئل عن الوضوء من لحم الغنم لقال: توضئوا؟! الجواب: لا يقال هذا؛ لأنه لما سئل أجاب بجواب آخر، فدل هذا على أن ما نص عليه الشارع لا يلحق به ما يشابهه إذا كان يختلف عنه، لاسيما في هذه الأمور التي تتعلق بإضافة شيء للأموات أو إهداء شيء لهم، فإن هذه يقتصر فيها على ما ورد عليه الدليل.
    والقول بأن هذا مثله ويلحق به ولو سئل لأجاب؛ يدلنا هذا التفريق بين لحوم الغنم ولحوم الإبل على أن الجواب قد يختلف وليس بلازم أن يتحد، والقول بأنه لو سئل عن الإهداء لأجاب غير صحيح؛ لأن سؤاله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل، وإجابته بالوضوء، وسؤاله عن لحم الغنم وإجابته بعدم الوضوء، يدلنا على التفريق بين الأشياء، وأن المعول في الفرق هو ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفع الأموات بسعي الأحياء ما ورد فيه دليل يصار إليه، وما ورد من دليل فيه خلاف بين أهل العلم، والأقرب أنه لا يصار إليه، ولا يصار إلا إلى ما ورد عليه الدليل من نفع الأموات بسعي الأحياء كالصدقة والصيام كقوله عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليّه)، وكذلك الحج، والعمرة:
    (حج عن أبيك واعتمر) وهكذا الدعاء. أما الأمور التي لم ترد فلا تلحق بحجة أن هذه أمور سئل عنها، ولم يسأل عن هذه، ولو سئل لأجاب، فقد يسئل ولا يجيب، وقد يجيب بجواب آخر، كما أنه سئل عن الوضوء من لحم الإبل فأجاب بجواب، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فأجاب بجواب آخر غير الجواب الأول. قوله: [ (وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين) ]. المقصود بقوله:
    (فإنها من الشياطين) يعني: أن الإبل فيها شدة، وفيها غلظة، وفيها نفار، وإذا حصل منها نفور فإنها تؤذي أو تتلف من يكون حولها، ومن يكون معها في معاطنها ومباركها، والمعاطن هي: المبارك التي تختص بها، والتي إذا شربت الماء بركت فيها، يعني: ما حول المكان الذي تشرب منه يقال له: معاطن الإبل، فلو حصل لها شيء ينفرها فإنها تتلف من حولها، وتؤذي من حولها إذا لم تتلفه.
    ولهذا جاء التفريق بين أصحاب الإبل وأصحاب الغنم؛ لأن أصحاب الإبل عندهم الغلظة، وعندهم التكبر، كما جاء في بعض الأحاديث، وأصحاب الغنم عندهم السكينة والهدوء، والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام كانوا يرعون الغنم، وهي ذات سكينة وهدوء، ورعاية الإبل أو الاشتغال بالإبل فيه غلظة وفيه قوة؛ لأن فيها قوة، وفيها قسوة، فصاحبها يكون فيه شبه بها من حيث القسوة، ولهذا فإن أهل الإبل هم أهل الكبر وأهل الخيلاء، بخلاف أهل الغنم فإنهم أهل سكينة وأهل وقار، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذاً: قوله فيها: (فإنها من الشياطين)، أي: أنها فيها من صفات الشياطين، وهي الغلظة والشدة والنفرة، وأنها تؤذي من حولها، ومنهم من يقول:
    إنها من الشياطين معناه: أن الذي فيه عتو وفيه قوة وفيه غلظة يقال له: شيطان، فما كان من الإبل ومن الإنس والجن والدواب وما حصل منه عتو وإيذاء وما إلى ذلك فإنه يوصف بهذا الوصف ويقال له: شيطان، فقوله: (إنها من الشياطين) يعني: أن عندها الغلظة والشدة والقسوة، وأن كل من عتا من الإنس والجن والدواب يوصف بهذا الوصف. أو أنها ذات نفار، وذات غلظة وجفوة، وأنها إذا حصل منها نفور فإنها تتلف من يكون حولها، وليس ذلك لنجاسة أرواثها وأبوالها فإن أرواثها وأبوالها طاهرة، وكل مأكول اللحم فإن روثه وبوله طاهر، والدليل على ذلك إذن الرسول صلى الله عليه وسلم للعرانيين بأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، فلو كانت أبوالها نجسة ما أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالشرب من الأبوال للاستشفاء؛ لأنه لا يتداوى بحرام، كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وأيضاً ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، وأدخله المسجد، ولا يؤمن من حصول الروث منه وحصول البول منه، فهذا يدل على طهارة بوله وروثه؛ لأنه لا يعرض المسجد لأن يحصل فيه ما ينجسه بأن يدخل فيه شيئاً أبواله نجسه وأرواثه نسجه، بل الأبوال طاهرة والأرواث طاهرة. وأما ما جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من أحد أصحابه أن يأتي بثلاثة أحجار فجاء بحجرين وروثة فردها وقال: (إنها رجس)، فهذا المقصود منه أنها تكون من روث ما لا يؤكل لحمه كالحمار، ويقال:
    إن الروث يكون للحمير والبغال والخيل، ولكن الخيل كما هو معلوم أيضاً مأكول لحمها، فكل مأكول اللحم يكون طاهراً، فيحمل ذلك على أنها روثة حمار، وقد سبق أن ذكرنا أن الروث وإن كان من مأكول اللحم فإنه لا يستنجى به؛ لأن الاستنجاء به تقذير له، وقد جاء أنه طعام لدواب الجن، كما أن العظام لا يستنجى بها؛ لأنها تكون طعاماً للجن. وعلى هذا فإن الحكم بعدم الصلاة بمعاطن الإبل ومباركها لا لنجاسة أبوالها وأرواثها فهي طاهرة، وإنم

    تراجم رجال إسناد حديث الوضوء من لحوم الإبل

    قوله:
    [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]
    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [حدثنا أبو معاوية ].
    هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأعمش ].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن عبد الله الرازي ].
    عبد الله بن عبد الله الرازي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة .
    [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ].
    هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن البراء بن عازب ].
    البراء بن عازب رضي الله عنه صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. (لحوم الإبل) بعض أهل العلم يقول: إن كل ما يطلق عليه لحم فإنه يجب الوضوء منه، وبعضهم يستثني من ذلك بعض الأشياء كالكرش والأمعاء ويقول: إن هذه لا يقال لها: لحم، ولكن كما هو معلوم فإنه من باب الأخذ بالحيطة إنما هو في الوضوء من جميع أجزاء الإبل. وأما المرق فإنه لا يقال له: لحم.

    الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله


    شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله. حدثنا محمد بن العلاء و أيوب بن محمد الرقي و عمرو بن عثمان الحمصي المعنى قالوا: حدثنا مروان بن معاوية أخبرنا هلال بن ميمون الجهني عن عطاء بن يزيد الليثي قال هلال : لا أعلمه إلا عن أبي سعيد رضي الله عنه وقال أيوب و عمرو : وأراه عن أبي سعيد : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنحَّ حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ). قال أبو داود : زاد عمرو في حديثه: (يعني لم يمس ماءً)، وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ].
    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي (الوضوء من مس اللحم النيء وغسله) يعني: قد يكون فيه دم، فهل يتوضأ من هذا الفعل أو يغسل؟ أورد أبو داود رحمه الله في هذا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة، فقال: تنح حتى أريك) يعني: أريك كيفية السلخ، ولعله رآه يفصل الجلد من اللحم بالسكين، فأراه النبي صلى الله عليه وسلم الطريقة السهلة التي ليس فيها عناء ولا مشقة، (فتنحى الغلام، فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم يده بين اللحم والجلد فدحس بها) يعني: حركها ودفع يديه حتى غاصت إلى الإبط، أي: بدون سكين فما دام أنه يدخل يده ويحركها بين الجلد واللحم فإنه ينفصل الجلد من اللحم، ولا يلحق بالجلد شيء، بل يكون الجلد مستقلاً بنفسه وليس عليه لحم، ويكون اللحم مستقلاً لم يذهب منه شيء، بخلاف الدحس بالسكين فإنه قد يقطع قطعة من الجلد فتكون مع اللحم، وقد يقطع قطعة من اللحم فتكون مع الجلد، وأما هذه الطريقة التي أرشده إليها الرسول صلى الله عليه وسلم -والتي يعرفها كثير من الناس- فهي أنه يدخل يده ويحركها حتى ينفصل الجلد من اللحم. قوله: [ (فدحس بها حتى توارت إلى الإبط)].
    يعني: أن يده دخلت حتى ذهبت إلى مكان بعيد، بسبب هذا الدفع الذي حصل ليده وانفصل بسببها الجلد من اللحم. قوله: [ (ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ)]. يعني: لكونه لمس هذا اللحم، وهذا اللحم إن كان فيه دم، فإن كان نجساً فهو لا يحتاج إلى وضوء، وإنما يحتاج إلى غسل؛ لأن النجاسة لا تحتاج إلى وضوء، فإذا جاءت على جسد الإنسان وهو متوضئ فيزيله وهو باقٍ على وضوئه، وإن كان غير نجس فليس في ذلك إشكال.
    وذكر في بعض الروايات قال: (يعني: لم يمس ماءً) ولعل ذلك لكونه لم يكن عليها شيء من الدم؛ لأن الغالب أن ما بين الجلد واللحم لا يكون فيه دم، وإنما ينفصل الجلد من اللحم، واليد لا يكون فيها شيء من الدم؛ لأن اللحم لم يقطع حتى يخرج منه شيء من الدم. فمس اللحم النيء لا يتوضأ منه، وكذلك لا تغسل اليد منه، ما دام أنه لم يعلق بها شيء، فإن علق بها شيء فيغسل غسلاً بدون وضوء.
    وقوله: [ باب: الوضوء من مس اللحم النيء وغسله ] لا أدري، هل يقصد بقوله: (وغسله) أن الإنسان إذا لمسه يتوضأ ويغسل، أو أن المقصود به إذا غسله بماء وحركه بيده فإنه يتوضأ؛ لأنه قد يكون خالطه شيء من الدم، فإذا كان يرجع الضمير إلى اللحم النيء فمعناه: أنه لا يتوضأ منه، لأنه إن كان نجساً فيغسل النجاسة، وإن كان غير نجس فليس هناك أمر يقتضي الوضوء، وكأن الضمير يرجع إلى اللحم، وليس إلى الإنسان.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة...)
    قوله:
    [حدثنا محمد بن العلاء ].
    هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ و أيوب بن محمد الرقي ].
    أيوب بن محمد الرقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [وعمرو بن عثمان الحمصي ].
    عمرو بن عثمان الحمصي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ المعنى ].
    يعني: أن هؤلاء الثلاثة متفقون في المعنى، حتى وإن كان بينهم اختلاف في اللفظ، وهذه طريقة أبي داود رحمه الله عندما يذكر عدداً من شيوخه ويكون اللفظ ليس متفقاً، فإنه يقول: المعنى، فهذه الكلمة (المعنى) المقصود بها: أنهم متفقون في المعنى وبينهم اختلاف في الألفاظ.
    [قالوا: حدثنا مروان بن معاوية ].
    هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، يدلس أسماء الشيوخ، وهذا نوع من التدليس؛ لأن التدليس ينقسم إلى تدليس الشيوخ، وتدليس الإسناد، وتدليس التسوية. وتدليس الإسناد هو: أن يروي عن شيخه مالم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كـ(عن) أو (قال).
    وتدليس التسوية هو: أن يأتي إلى الإسناد الذي يروي فيه شيوخه عن رجال ضعفاء بين ثقات، فيحذف الضعفاء ويسوي الإسناد كأنه ثقات. وتدليس الشيوخ هو: أن يذكر الشخص بغير ما اشتهر به، بأن يذكره بكنيته مع اسم أبيه، أو يذكره باسمه ويحذف اسم أبيه وينسبه إلى جد بعيد من أجداده، فإن هذا فيه توعير للطريق أمام معرفة الشخص، والمضرة منه أنه قد يصير المعروف مجهولاً؛ لأنه يظن أنه شخص غير معروف؛ لأنه ذُكر بغير ما اشتهر به، مع أنه لو ذكر بما اشتهر به لعرف، لكن كونه يذكر بغير ما اشتهر به؛ بأن تكون كنيته غير مشهورة فتذكر كنيته، واسمه مشهور فيحذف، وأبوه غير مشهور فيذكر منسوباً إلى أبيه، فيقال: أبو فلان بن فلان، أو يكون اسمه مشهوراً وكنيته غير مشهورة واسم أبيه أيضاً غير مشهور، فيذكر كنيته أو يذكر اسمه وينسبه إلى جد من أجداده لا يعرف به، كل هذا يسمونه تدليس أسماء الشيوخ. والمضرة التي تنتج من ورائه هو توعير الطريق أمام معرفة الشخص، وقد يظن المعروف مجهولاً؛ لأنه ذكر بغير ما اشتهر به، فمروان بن معاوية قالوا فيه: يدلس أسماء الشيوخ، يعني: أنه معروف بتدليس أسماء الشيوخ.
    قالوا: وكان الخطيب البغدادي أيضاً يفعل هذا الفعل في كتبه، يعني: يذكر شيخه بألفاظ متعددة، وبصيغ مختلفة.
    [أخبرنا هلال بن ميمون الجهني ].
    هو هلال بن ميمون الجهني الرملي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة .
    [ عن عطاء بن يزيد الليثي ].
    عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [قال هلال : لا أعلمه إلا عن أبي سعيد ].
    يعني: أنه يروي عن عطاء لا يعلمه إلا عن أبي سعيد ، يعني: أن الشك هو في أبي سعيد ، هل هو عن أبي سعيد أو لا؟ فهلال يروي عن عطاء بن يزيد الليثي قال: لا أعلمه إلا حدثه عن أبي سعيد الخدري .
    [وقال عمرو و أيوب : وأراه عن أبي سعيد ].
    يعني: أظنه عن أبي سعيد ، يعني: أن كلهم غير جازمين بأنه أبو سعيد ، لكن جاء في صحيح ابن حبان الجزم بأنه أبو سعيد ، كما ذكره في عون المعبود، ثم إذا كانت الرواية عن صحابي فجهالة الصحابي لا تؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول. و أبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته ونسبته أبي سعيد الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [ قال أبو داود : زاد عمرو في حديثه: (لم يمس ماءً) وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ]. قوله: (لم يمس ماءً) تفسير لقوله: (لم يتوضأ). وقوله: [ وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ]. يعني: أن شيخه عمرو بن عثمان الحمصي قال: عن هلال بن ميمون الرملي ، فخالف صاحبيه: أيوب و محمد بن العلاء ؛ فإنهما قالا: أخبرنا هلال بن ميمون الجهني ، فأيوب و محمد بن العلاء لفظهما:
    (أخبرنا) وأما عمرو بن عثمان فعبر بـ(عن)، في الرواية عن هلال بن ميمون ولم يعبر بالإخبار. والأمر الثاني: أنه أتى بالرملي وأولئك أتوا بالجهني ، يعني: هذا نسبة إلى بلد، وذاك نسبة إلى قبيلة، فالشيخان الأولان اتفقا في الإتيان وفي لفظ الإخبار، فقد أتيا بلفظ الجهني ، نسبة إلى قبيلته، وأما عمرو بن عثمان فأتى بالرواية عنه بـ(عن)، وأتى بنسبته إلى بلده فقال: الرملي ، هذا هو المقصود من قول أبي داود : (وقال: عن هلال بن ميمون الرملي )، يعني: أنه خالف صاحبيه باثنتين: التعبير بـ(عن) بدل (أخبرنا)، وأتى بالرملي بدل الجهني .
    [ قال أبو داود : ورواه عبد الواحد بن زياد و أبو معاوية عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، لم يذكر أبا سعيد ]. ذكر أبو داود رحمه الله أن بعض الرواة رووه عن عطاء بن يزيد مرسلاً، ولم يذكروا أبا سعيد ، وهذا على تعريف المرسل المشهور، وهو: أن المرسل قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا..، فقد مر بنا أنه يعبر بالمرسل أحياناً بما هو مشهور عند المحدثين وهو هذا، وبالانقطاع يعني:
    كون الراوي يروي عمن لم يلقه ولم يدركه، أو أدرك عصره ولكنه لم يلقه، وهذا هو الذي يسمى المرسل الخفي، وهذا المعنى العام للمرسل؛ لأن المعنى العام للمرسل أنه ليس مقصوراً على قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وهذا الذي في هذا الإسناد هو من قبيل المرسل على المعنى المشهور، وقد سبق رواية إبراهيم التيمي عن عائشة ، وقال أبو داود :
    (وهو مرسل؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً)، يعني: أنه مرسل على الانقطاع، فرواية الراوي عمن لم يسمع منه أو لم يدركه من المرسل بالمعنى العام، وقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، من المرسل على المعنى المشهور عند المحدثين.
    قوله:
    [رواه عبد الواحد بن زياد ].
    عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ و أبو معاوية ].
    أبو معاوية مر ذكره.
    [ عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
    هلال وعطاء مر ذكرهما.

    ترك الوضوء من مس الميتة


    شرح حديث ترك الوضوء من مس الميتة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ترك الوضوء من مس الميتة. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال - عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه، فمر بجدي أسكّ ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له؟) وساق الحديث]. أورد أبو داود رحمه الله: باباً في ترك الوضوء من مس الميتة، يعني: أن الميتة إذا لمسها الإنسان وهو على وضوء فهو باقٍ على وضوئه. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله :
    (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه) يعني: أنهم حوله محيطون به وعلى جانبيه صلى الله عليه وسلم، (فمر بجدي أسك) الأسك قيل: ملتصق الأذنين، وقيل: صغير الأذنين، وهو ميت، فلمسه وأمسك بأذنيه وقال: (أيكم يكون هذا له؟ فقالوا: إنه ليس بمرغوب فيه لو كان حياً فكيف وهو ميت؟)، ثم قال: وساق الحديث؛ لأنه أتى بمحل الشاهد، وترك باقيه؛ لأنه يتعلق بأمور أخرى، فذكره اختصاراً، وفي باقيه قال: (للدّنيا أهون على الله من هذا عليكم)، أي:
    إذا كان هذا هين عليكم، وهو رخيص عندكم فالدنيا كلها أهون على الله من هذا عليكم، وهذا من كمال بيانه صلى الله عليه وسلم وفصاحته وبلاغته وكمال نصحه لأمته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أراد أن يبين حقارة الدنيا، وأنه ليس لها شأن عند الله عز وجل، وإنما المهم هو الآخرة، وأما الدنيا فهي أهون عند الله من هذا الجدي الأسك الذي هو ميت عليهم، ومع ذلك فأذنه صغيرة أو ملتصق الأذنين، والواحد يزهد فيه ولا يحب أن يكون له لو كان حياً، وإنما يحب أن يكون له من نفائس الغنم، وأحسنها منظراً وأكملها. والمقصود: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمس أذنه، ومضى ولم يتوضأ، فدل هذا على أن لمس الميتة لا ينتقض به الوضوء.

    تراجم رجال إسناد حديث ترك الوضوء من مس الميتة

    قوله:
    [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
    هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال- ].
    سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن جعفر عن أبيه].
    هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. وهو يروي عن أبيه، وأبوه هو محمد بن علي بن الحسين ، المشهور بالباقر ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر ].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد فيه إمامان من أئمة أهل السنة، وهما من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات لا تليق ولا تنبغي لهم، ولا يجوز أن تطلق عليهم، كما جاء في كتاب الكافي للكليني في جملة أبواب من أبوابه أنه قال:
    (باب: أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم!) ثم ساق أحاديث من أحاديثهم التي هي من جنس هذا الباب، وكتاب الكليني الكافي منزلته عند الرافضة كمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة. ومن أبوابه أيضاً أنه يقول:
    (باب: أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل!) وهذا معناه: أن الأحاديث التي جاءت عن أبي بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير و أبي هريرة وغيرهم من الصحابة أنها باطلة وأنه لا يعول عليها، ولا يحتج بها -حسب زعمهم-؛ لأنها لم تخرج من عند الأئمة! بل إن القرآن الذي في أيدي الناس جمعه أبو بكر الجمعة الأولى، وجمعه عثمان الجمعة الأخيرة، والمصحف العثماني الموجود بين أيدينا هو من جمع عثمان ، وهو لم يخرج من عند الأئمة الاثني عشر. فأهل السنة والجماعة يوقرون أهل البيت، ويحترمونهم، وينزلونهم منازلهم، فلا يجفون ولا يغلون فيهم، وإنما اعتدال وتوسط.

    ترك الوضوء مما مست النار


    شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ترك الوضوء مما مست النار. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)].
    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي في ترك الوضوء مما مست النار، يعني: إذا أكل الإنسان من لحم الغنم أو غيرها -روى الإبل- فإنه لا يحتاج إلى وضوء لكونه أكل من ذلك اللحم، وقد جاء في بعض الأحاديث التي سيذكرها المصنف أنه أمر بالوضوء مما مست النار، وقال: (توضئوا مما مست النار) فيكون المقصود أن هذا كان في أول الأمر، ولكن ذلك نُسخ كما جاء في حديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) يعني:
    أن في المسألة حديثين: الأول متقدم، والثاني متأخر، والأول فيه الأمر بالوضوء، والآخر هو الترك.
    فإذاً: لا يتوضأ مما مست النار إذا لم يكن لحم إبل؛ لأن لحم الإبل جاءت فيه أحاديث تخصه، فهو مستثنى من هذا العموم. و أبو داود رحمه الله بدأ بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء، وبعد ذلك أتى بالأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، والإمام مسلم رحمه الله لما ذكر الأحاديث في الوضوء مما مست النار وترك الوضوء بدأ بالأحاديث التي فيها الوضوء، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء، قال النووي أو غيره:
    إن طريقة مسلم أنه عندما يذكر الأحاديث المتعارضة فإنه يبدأ بالأحاديث المنسوخة، ثم يأتي بعدها بالناسخة، والإمام مسلم رحمه الله لا يبوب، ولكنه يجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد، ويجعلها مع بعض، هذه طريقة مسلم رحمه الله، فإنه يذكر الأحاديث والأسانيد في مكان واحد، وأما التكرار فإنه قليل بالنسبة للأحاديث، وقد أحصاها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في خدمته لصحيح مسلم ، وفي الطبعة التي طبعت بعمل محمد فؤاد عبد الباقي جعل فيها مجلداً خاصاً وهو المجلد الخامس، وكله يتعلق بالفهارس، وقد ذكر الأحاديث التي جاءت في أكثر من موضع، وأظنها تبلغ مائة واثنين وثلاثين موضعاً، هذه هي الأحاديث التي كررها، وإلا فالغالب عليه أنه يجمع الأحاديث في مكان واحد، وهنا أتى مسلم بالأحاديث المتعلقة بالوضوء مما مست النار أولاً، ثم عقبها مباشرة بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مست النار، فقال النووي أو غيره:
    إن مسلماً رحمه الله قدم الأحاديث المنسوخة وعقبها بالأحاديث الناسخة. وأبو داود رحمه الله ذكر أحاديث ترك الوضوء ثم أتى بالأحاديث التي فيها الأمر بالوضوء مما مست النار، لكنه لا يعني أنه يرى الوضوء مما مست النار؛ لأنه هو نفسه روى حديث:
    (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، لكن هذا يدل على أنه ليس عنده هذا المنهج الذي عند مسلم ، وهو تقديم المنسوخ والإتيان بالناسخ وراءه. وقد أورد حديث ابن عباس : (أن النبي أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ) يعني: أنه أكل لحماً من كتف شاة، (ثم صلى ولم يتوضأ) يعني: أنه ترك الوضوء مما مست النار، فدل هذا على أن أكل ما مست النار من غير الإبل لا يتوضأ منه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)
    قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
    عبد الله بن مسلمة مرّ ذكره.
    [حدثنا مالك ].
    هو مالك بن أنس، الإمام المشهور بإمام دار الهجرة.
    [ عن زيد بن أسلم ].
    زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث المغيرة: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن سليمان الأنباري المعنى قالا: حدثنا وكيع عن مسعر عن أبي صخرة جامع بن شداد عن المغيرة بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحزّ لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة، وقال: ما له تربت يداه؟ وقام يصلي) زاد الأنباري :
    (وكان شاربي وفى فقصّه لي على سواك) أو قال: (أقصه لك على سواك) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: صرت ضيفاً عنده، (فأمر بجنب فشوي -يعني: جنب شاة أو ذبيحة- وأخذ الشفرة فجعل يحز لي منها) يعني: لما قدمه أخذ الشفرة -وهي السكين العريضة أو الغليظة- فجعل يحز، يعني:
    يقطع من الجنب، منها ويعطي للمغيرة ، وهذا دليل على استعمال السكين في قطع اللحم، لاسيما إذا كان حاراً أو كان كثيراً، فكونه يستعمل السكين للحاجة فلا بأس بذلك، فإذا كان المقصود منه أمراً اقتضى هذا فلا بأس باستعمال السكين، وقد جاء في بعض الأحاديث المنع من ذلك، لكنه لم يثبت، ولعل ذلك إن ثبت محمول على من يترفع أو يستكبر، وأنه لا يأكل بيده، ولا يريد أن تمس يده الطعام وإنما يريد أن يقطع بالسكين عند أكله. فاستعمال السكين عند الحاجة لا بأس به، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث فيه خدمة الضيف أيضاً، والتقديم له، وكون المضيف يقطع اللحم، ويجعله في جهة ضيفه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحز للمغيرة ، يعني: يقطع له ويضعه في جانبه.
    ثم إن مثل هذا العمل يمكن أن يفعله الناس بعضهم ببعض، ولاسيما مع الكبير؛ لأنه جاء عن أنس بن مالك رضي الله أنه أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً وكان فيه دباء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدباء، فكان النبي صلى الله عليه وسلم تمتد يده إلى شيء فوق الجهة التي يأكل منها، فلما رآه يرغب في الدباء، وأنه يعجبه؛ جعل يأخذ ويلقيه في الجهة التي تليه صلى الله عليه وسلم. فقوله: (يحز لي) فيه دليل على إكرام الضيف فكما يقدم له الطعام أيضاً يقطع ويعطيه ويناوله أو يضع في جهته التي يأكل منها. قوله: [ (فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ما له تربت يداه؟) ].
    يعني: جاء بلال فأعلمه بأن الناس ينتظرون وسيقيم الصلاة، فقال: (ما له تربت يداه؟ وألقى الشفرة)، وقوله: (تربت يداه) هذه كلمة اعتادوا أن يقولوها، وهي من الكلام الذي يجري على الألسنة، مثل: لا والله، وبلى والله، فمثل هذا الكلام لا يحتاج إلى كفارة، وإنما يجرى على الألسنة فلا يؤاخذ به الناس، وهذه أيضاً مثل قولهم: عقرى حلقى، وقولهم: ثكلتك أمك، وتربت يداك، وغير ذلك من الألفاظ التي كانوا يستعملونها وهم لا يريدون مقتضاها ومعناها، وأنهم يدعون على من فعلها. وقوله: (ما له؟) يعني: أعجلنا (فألقاها وقام إلى الصلاة)، قال بعض أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
    (إذا قدم الطعام وأقيمت الصلاة فإنه يبدأ بالطعام)، والرسول صلى الله عليه وسلم هنا ترك الطعام وألقى الشفرة ومشى، قالوا: فهذا يحمل على من كان إماماً؛ لأن الناس ينتظرونه، فالأمر بأن يجلس على المائدة ويأكل هو فيما إذا كان مأموماً وهو بحاجة إلى الطعام، لاسيما إذا كان صائماً, والنفس متعلقة بالطعام فإنه قد يشوش. وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه قد أكل، وحصل منه ذلك، سواء كان صائماً أو غير صائم، المهم أنه وُجد منه الأكل، فمنهم من قال: إن هذا يحمل على أنه كان إماماً، والإمام ليس له أن يتأخر عن الناس، بل عليه أن يأتي لكي يصلي بهم، والمأموم هو الذي له أن يجلس ويأكل حتى يفرغ من الطعام. قوله: [ زاد الأنباري : (وكان شاربي وفى فقصه لي على سواك) ].
    الأنباري هو أحد الشيخين لأبي داود ، زاد أمراً آخر خارجاً عن قضية الأكل أو ترك الوضوء مما مست النار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قام وصلى ولم يتوضأ، وهذا هو محل الشاهد. وقوله: (وكان شاربي وفى) يعني: قد طال، وكان ينزل عن شفتيه، قال: (فقصه لي على سواك) يعني: أنه وضع السواك على الشفة وقص ما فوق ذلك، وفي لفظ آخر -وهو شك من الراوي-: (أو قال: أقصه لك) يعني:
    في بعض الروايات: أنه قصه، وفي بعضها: قال: (أقصه لك)، يعني: أنه يستفهم منه أو يستأذنه في أن يقصه له. وهذا يدل على سنة وهي قص الشوارب، وهي من سنن الفطرة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر بنا ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث المغيرة: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي...)
    قوله:
    [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.
    [ و محمد بن سليمان الأنباري ].
    محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ المعنى، قالا: حدثنا وكيع ].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن مسعر ].
    هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي صخرة جامع بن شداد ]. أبو صخرة جامع بن شداد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن عبد الله ]. المغيرة بن عبد الله ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي . [ عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كان تحته ثم قام فصلى)
    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كان تحته ثم قام فصلى) ]. قد سبق ذكر بعض الأحاديث التي اشتملت عليها الترجمة، وهي ترك الوضوء مما مست النار. وقد ذكرنا أن أبا داود رحمه الله ذكر الأحاديث التي فيها الترك، ثم ذكر بعدها الأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، وأن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، وعلى هذا فيكون الوضوء مما مست النار قد نُسخ، وأنه لا يحتاج إلى وضوء من أكل ما مسته النار، ولا يستثنى من ذلك إلا لحوم الإبل؛ لأنه قد ورد فيها بعض الأحاديث التي تخصها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من أكلها، وأما ما سواها فإنه لا يتوضأ من أكله. وهذا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
    (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ثم مسح يده بمسح وصلى ولم يتوضأ)، وهذا كغيره مما تقدم من الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل شيئاً مسته النار، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذا إنما هو في غير الإبل كما ذكرنا، وأما الإبل فإن الأكل منها يوجب الوضوء، وفي الحديث:
    (أنه صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ومسح يده بمسح -أي: بكساء- ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ) فدلنا هذا على أن الوضوء مما مست النار ليس لازماً، وأن الوضوء كان أولاً، ثم نسخ إلى الترك كما سيأتي مبيناً في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كانت تحته ثم قام فصلى)
    قوله: [حدثنا مسدد ].
    هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [حدثنا أبو الأحوص ].
    هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سماك ].
    هو سماك بن حرب، وهو صدوق، وفي حديثه عن عكرمة اضطراب، أخرج حديثه البخاري تعلقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وهنا يروي عن عكرمة .
    [ عن عكرمة ].
    وهو مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته عن ابن عباس هنا لا تؤثر؛ لأنها متفقة مع أحاديث كثيرة، كلها جاءت في ترك الوضوء مما مست النار، فكون رواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب فلا يؤثر ذلك على روايته هذه؛ لأن هذه الرواية مطابقة لروايات عديدة ولأحاديث عديدة جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك الوضوء مما مست النار.
    [عن ابن عباس ].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد الخدري و أنس بن مالك و جابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا همام عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها من حيث المعنى. وقوله: (انتهش من كتف) يعني: أكل، وقوله: (ثم صلى ولم يتوضأ) أي: أنه ترك الوضوء مما مست النار، فهو مثل الذي قبله مما تقدم من الأحاديث.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ)
    قوله:
    [حدثنا حفص بن عمر النمري ].
    حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي .
    [حدثنا همام ].
    هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قتادة ].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يحيى بن يعمر ].
    يحيى بن يعمر ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس ].
    ابن عباس قد مر ذكره. وفي بعض النسخ: (انتهس) بالسين المهملة، وهذه النسخة فيها (انتهش)، فقيل: إن أحدها في الأضراس، والثاني في الأسنان.

    شرح حديث جابر: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي حدثنا حجاج قال ابن جريج : أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً، فأكل ثم دعا بوضوء، فتوضأ به ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم لحماً وخبزاً فأكل، ثم دعا بوضوء -وهو الماء الذي يتوضأ به- فتوضأ وصلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه، وأكل منه ثم صلى ولم يتوضأ) .
    وهذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أكل اللحم توضأ، ثم أكل فضل طعامه وصلى ولم يتوضأ، فكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار؛ لأنه أولاً توضأ ثم بعد ذلك ترك الوضوء ولم يتوضأ، ومعلوم أن هذا خاص في غير الإبل كما أسلفت، وحيث إن الإبل قد جاء فيها حديثان عن صحابيين، فيهما أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، وأما الغنم فقال: (إن شئتم) في بعض الروايات، وقال:
    (لا تتوضئوا) في بعض الروايات. وهنا ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أكل لحماً وخبزاً ثم توضأ وصلى، ثم دعا بفضل طعامه، ثم أكل ولم يتوضأ للصلاة) وهذا فيه الدليل على أنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما مست النار، فيكون ذلك ناسخاً، وقد سبق أن الإمام مسلماً رحمه الله ذكر في كتابه الصحيح الأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مست النار، وقال النووي في شرحه:
    إن هذه طريقة مسلم : حيث يبدأ بالأحاديث المنسوخة ثم يعقبها بالأحاديث الناسخة. ثم إن الحديث فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاد إلى طعامه، وهذا فيه دليل على أن العودة إلى الطعام فيما إذا كان الإنسان بحاجة إليه لا بأس بذلك، وأن الإنسان يمكن أن يأكل ثم يعود إلى الأكل بعد ذلك لاسيما إذا كان قد ترك الأكل لكونه قام إلى الصلاة، فإنه بعد ذلك يعود إلى طعامه ويأكل منه، وهذا الحديث يدلنا على جواز العود إلى الأكل، أو إلى فضل ما أبقاه الإنسان وما أكله من قبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل ثم توضأ وصلى، ثم عاد وأكل من فضل طعامه الذي بقي، ثم صلى ولم يتوضأ.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به...)
    قوله:
    [ حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي ].
    هو إبراهيم بن الحسن الخثعمي المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [حدثنا حجاج ].
    هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال ابن جريج ].
    هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني محمد بن المنكدر ].
    محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت جابر بن عبد الله ].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) قال أبو داود : وهذا اختصار من الحديث الأول ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر من طريق أخرى، وفيه: أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)، والمراد بهذه الجملة:
    أن الرسول صلى الله عليه وسلم حصل منه الوضوء مما مست النار، وحصل منه ترك الوضوء مما مست النار، ولكن الترك هو الأخير، فيكون ناسخاً للأول، وعلى هذا يكون الأخير هو الذي يُعمل به؛ لأنه هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون الترك ناسخاً للفعل الذي هو الوضوء؛ نسخه كون النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء، فآخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما مسته النار؛ لأنه كان يتوضأ أولاً مما مست النار، ثم بعد ذلك ترك الوضوء مما مست النار، إلا لحوم الإبل كما سبق.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)
    قوله:
    [ حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي ].
    موسى بن سهل أبو عمران الرملي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [حدثنا علي بن عياش ].
    علي بن عياش ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [حدثنا شعيب بن أبي حمزة ].
    شعيب بن أبي حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن المنكدر عن جابر ].
    محمد بن المنكدر وجابر قد مر ذكرهما.
    وقوله:
    [ قال أبو داود : هذا اختصار من الحديث الأول ].
    الحديث الأول فيه: أنه أكل ثم دعا بوضوء وتوضأ، ثم بعدما صلى عاد وأكل فضل طعامه، ثم صلى ولم يتوضأ، فكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء أولاً ثم الترك آخراً، والحديث الأخير اختصار له؛ لأن جابر رضي الله عنه يقول: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) يعني: أنه وجد منه الوضوء قبل صلاة الظهر، فإنه أكل ثم توضأ وصلى، وبعد صلاة الظهر أكل بقية طعامه الذي هو لحم وخبز، ثم صلى ولم يتوضأ، فصار الترك هو الآخر. فالحديث الثاني اختصار له؛ لأنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار).

    شرح حديث: (... فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة قال ابن السرح : ابن أبي كريمة من خيار المسلمين قال: حدثني عبيد بن ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يحدث في مسجد مصر قال:
    (لقد رأيتني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار رجل فمر بلال رضي الله عنه فناداه بالصلاة، فخرجنا، فمررنا برجل وبُرْمته على النار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطابت بُرْمتك؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي. فتناول منها بضعة، فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله تعالى عنه أنه قال:
    (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو سادس ستة في دار رجل، فجاء بلال وآذنه بالصلاة، فخرج ومرّ برجل وبُرْمته على النار، -يعني: يطبخ فيها اللحم- فقال: أطابت بُرْمتك؟) يعني: هل استوى ما فيها وصار صالحاً للأكل؟ فقال: نعم بأمي أنت وأمي، وقوله: (بأمي أنت وأمي) هذا ليس قسم، وإنما هو تفدية، يعني: أنت مفدي بأبي وأمي، ، هذا هو المقصود من مثل هذه العبارة عندما يقولها الصحابة أو غير الصحابة، وليس المقصود بها القسم؛ لأن القسم لا يكون إلا بالله، ولا يكون بأحد سواه، ولكن ما جاء من هذا القبيل المراد به التفدية، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، قال: (فأخذ بضعة منها فأكل، فجعل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه) يعني:
    إلى حين دخوله في الصلاة وهو يعلكها، أو المقصود أنه ينظر إلى العلك، وأنه متحقق من ذلك، وأنه قد شاهده وعاينه. والمقصود هنا: أنه لم يتوضأ لتلك القطعة من اللحم التي أكلها، فكان الذي دل عليه هو الترك، ولكن الحديث فيه ضعف، وفي معناه شيء من النكارة من جهة أنه كان يعلكها حتى أحرم بالصلاة، لكن معناه من حيث ترك الوضوء مما مست النار قد ثبت في أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها حديث جابر وغيره من الأحاديث المتقدمة التي ذكرها أبو داود رحمه الله قبل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه)
    قوله:
    [حدثنا أحمد بن عمرو السرح ].
    هو أحمد بن عمرو السرح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة ].
    عبد الملك بن أبي كريمة صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده، وقال فيه أحمد بن أبي السرح : هو من خيار المسلمين، وهذه تزكية وثناء على شيخه ابن أبي كريمة .
    [حدثني عبيد بن ثمامة المرادي ].
    عبيد بن ثمامة المرادي مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء ].
    عبد الله بن الحارث بن جزء هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [032]
    الحلقة (63)


    شرح سنن أبي داود [032]


    أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء مما أنضجت النار، وجاء من قوله وفعله نسخ ذلك الأمر مما يدل على عدم الوجوب، ويستثنى من النسخ الوضوء من لحوم الإبل؛ لورود الدليل بذلك.

    التشديد في الوضوء مما مست النار


    شرح حديث الوضوء مما أنضجت النار
    قال رحمه الله تعالى: [ باب التشديد في ذلك. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني أبو بكر بن حفص عن الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوضوء مما أنضجت النار) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب التشديد في ذلك، يعني: أنه لا يترك الوضوء مما مست النار،
    بل يتوضأ مما مست النار، وفي هذا تشديد في ذلك؛ وأن الأمر يحتاج إلى وضوء، وأنه لا يترك الوضوء مما مست النار، لكن ذكرنا أن في الأحاديث المتقدمة خلاف ذلك، كما في حديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) وأنه لا يستثنى من ذلك إلا لحوم الإبل فإنه يتوضأ منها، وغير لحوم الإبل لا يتوضأ منها. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوضوء مما أنضجت النار) أي: يكون الوضوء مما مست النار.
    تراجم رجال إسناد حديث الوضوء مما أنضجت النار
    قوله:
    [حدثنا مسدد عن يحيى ].
    مسدد مر ذكره، ويحيى هو ابن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شعبة ].
    شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثني أبو بكر بن حفص ]. هو عبد الله بن حفص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأغر ].
    هو أبو مسلم المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويحتمل أن يكون سلمان أبا عبد الله المدني وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. فيتحقق أيهما هو.
    [ عن أبي هريرة ].
    أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق فرضي الله عنه وأرضاه.
    شرح حديث: (... توضئوا مما غيرت النار)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن يحيى -يعني: ابن أبي كثير - عن أبي سلمة أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه: أنه دخل على أم حبيبة رضي الله عنها فسقته قدحاً من سويق، فدعا بماء فمضمض، فقالت: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما غيرت النار أو قال: مما مست النار). قال أبو داود : في حديث الزهري : يا ابن أخي! ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، أنه دخل عليها أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة فسقته سويقاً فتمضمض وقام إلى الصلاة ولم يتوضأ، فقالت له: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    (توضئوا مما غيرت النار)] ومحل الشاهد: هو الأمر بالوضوء مما مست النار، لكن تقدم أن الأحاديث التي قبله والتي ساقها أبو داود في ترك الوضوء مما مست النار ناسخة لهذا الحكم الذي هو الوضوء مما مست النار. وهنا قالت: يا ابن أختي! وفي طريق الزهري قالت: يا ابن أخي! قيل: إنها خالته، وعلى هذا فهو ابن أختها، وإن كانت الرواية: يا ابن أخي فإن هذا الأسلوب يقال حتى فيمن ليس بقريب، فيقال له: يا ابن أخي! وهذا من آداب الخطاب، مثلما يقول الإنسان للصغير: يا بني! وهو ليس ابنه، ويقول الصغير للكبير: يا عم! وهو ليس عمه من جهة النسب، فكذلك يقولون: يا ابن أخي! وقد سبق أن مر بنا حديث فيه:
    (يا ابن أخي!) وهو حديث أبي موسى الأشعري عند أن رأته زوجة ابنه يصغي الإناء للهرة وهي تشرب، فجعلت تنظر إليه كالمتعجبة، فقال: ما تعجبين يا ابنة أخي! وهي ليست بنت أخيه من النسب، ولكنها بعيدة منه، ولكن هذا شيء يطلقونه، فيمكن أن يكون قوله: يا ابن أخي! على طريقتهم في إطلاق مثل هذه العبارة في الخطاب الجميل، وفيما يقوله القائل لمن يخاطبه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... توضئوا مما غيرت النار)
    قوله:
    [حدثنا مسلم بن إبراهيم ].
    مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبان ].
    أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [ عن يحيى يعني: ابن أبي كثير ].
    يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سلمة].
    أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه].
    أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
    [أنه دخل على أم حبيبة ].
    أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها بنت أبي سفيان وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    الوضوء من اللبن


    شرح حديث: (أن النبي شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء من اللبن. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض ثم قال: إن له دسماً) ]. الترجمة السابقة التي فيها ذكر الوضوء المراد به: الوضوء الشرعي الذي هو غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس وغسل الرجلين، فهذا هو الوضوء الشرعي، وأما الوضوء اللغوي فهو النظافة والنزاهة، وهنا أورد أبو داود رحمه الله الوضوء من شرب اللبن، وليس المقصود بالوضوء هنا: الوضوء الشرعي، لأنه ما ذكر إلا المضمضة، ولم يذكر الوضوء الذي هو الوضوء الشرعي، فهنا يراد به الوضوء اللغوي؛ لأنه مأخوذ من الوضاءة وهي: النظافة والنزاهة،
    فهنا لا يراد به الوضوء الشرعي؛ لأنه قد جاء في نفس الحديث ما يبين أن المقصود من ذلك إنما هو النظافة، وهو تنظيف الفم فقط، والأصل أن الألفاظ إذا جاءت في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فإنها تحمل على المعاني الشرعية، ويمكن الحمل على المعنى اللغوي حيث لا يمكن الحمل على المعنى الشرعي كما هو هنا؛
    لأن الوضوء هنا المقصود به النظافة؛ لأنه تمضمض فقط، والدسومة التي في فمه تمضمض من أجل ذهابها عنه حتى لا يبقى في فمه طعم ودسومة اللبن، فيدخل في الصلاة وهو كذلك. وقوله (الوضوء من شرب اللبن)، يعني: المقصود به الوضوء اللغوي، وليس الوضوء الشرعي. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
    (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض ثم قال: إن له دسماً) يعني: أن سبب الوضوء الذي حصل منه هو: أن له دسماً، يعني: أن هذه المضمضة المقصود منها تنظيف الفم بالماء حتى تذهب الدسومة التي في اللبن عندما شربه الإنسان.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض..)
    قوله:
    [حدثنا قتيبة بن سعيد ].
    قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عقيل ].
    عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري ].
    الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبيد الله بن عبد الله ].
    عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره.

    الرخصة في عدم الوضوء من اللبن


    شرح حديث: (إن رسول الله شرب لبناً فلم يمضمض..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في ذلك. حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن مطيع بن راشد عن توبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فلم يمضمض ولم يتوضأ وصلى). قال زيد : دلني شعبة على هذا الشيخ ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الرخصة في ذلك، يعني: في كون الإنسان لا يتمضمض، والذي جاء في الحديث السابق من كون الإنسان يتمضمض بعد شرب اللبن ليس بلازم؛
    فللإنسان أن يصلي دون أن يتمضمض ودون أن يتوضأ. ومن المعلوم أن الوضوء لابد فيه من المضمضة، وقد توجد المضمضة وحدها بدون الوضوء، وهذا هو الوضوء اللغوي، وكونه يتمضمض ليس بلازم، فيمكن للإنسان أن يشرب لبناً ويصلي دون أن يتمضمض ودون أن يتوضأ. أورد المصنف حديث أنس رضي الله عنه، وهذا فيه دليل على أن المضمضة ليست بلازمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تمضمض وقال: (إن له دسماً)، وإذا وجدت المضمضة فلا شك أنها أحسن؛
    لأنها تذهب الدسومة التي قد ينشغل الإنسان بها في صلاته، أو بطعمها في فمه، ولكنه إذا لم يفعل ذلك فإن ذلك سائغ؛ وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وهذا.
    تراجم رجال إسناد حديث (إن رسول الله شرب لبناً فلم يمضمض...)

    قوله:
    [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ عن زيد بن الحباب ].
    زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن مطيع بن راشد ].
    مطيع بن راشد مقبول، أخرج له أبو داود .
    [عن توبة العنبري ].
    توبة العنبري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ عن أنس ].
    أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله:
    [ قال زيد : دلني شعبة على هذا الشيخ ].
    يعني: أن زيد بن الحباب أرشده شعبة إلى أن يروي عن مطيع ، و شعبة معروف في نقده للرجال وكلامه في الرجال، وتمكنه من علم الجرح والتعديل، فكونه يدله على أن يروي عن هذا الشيخ يدل على منزلته عند شعبة، وأنه أهل أن يروى عنه.

    الأسئلة


    حكم أكل اللحم نيئاً
    السؤال: هل يجوز أكل اللحم نيئاً دون أن يطبخ؟
    الجواب: يجوز إذا كان لا يحصل فيه مضرة، فمثلاً: الكبد تؤكل نيئة، وهي لذيذة عند من يأكلها وخاصة كبد الغنم، فإذا كان لا يترتب على أكل اللحم نيئاً مضرة فيجوز.
    سماع قتادة من يحيى بن يعمر وسماع يحيى بن يعمر من الصحابة

    السؤال: قال الإمام أحمد بن حنبل : قال شعبة : لم يسمع قتادة من يحيى بن يعمر شيئاً. ذكر ذلك الفسوي في المعرفة والتاريخ، فهل ثبت سماع قتادة من يحيى بن يعمر ؟ وهل سمع يحيى بن يعمر من الصحابة كابن عباس و عمار بن ياسر ، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: قضية قتادة وسماعه من يحيى بن يعمر ليس عندي فيها علم، وكون يحيى بن يعمر سمع من ابن عباس و عمار بن ياسر لا أدري، لكنه سمع من بعض الصحابة، وهو الذي في أول حديث في مسلم الذي فيه أنه لما تكلم أناس في القدر في البصرة، قال: ذهبنا حاجين أو معتمرين -يعني: يحيى بن يعمر- مع حميد بن عبد الرحمن الحميري، فوجدنا عبد الله بن عمر فاكتنفته، فظننت أن صاحبي يكل الحديث إلي، فقلت له: إنه حصل قبلنا أناس كذا وكذا، فحدثهم بحديث جبريل عن أبيه، وهذا فيه سماع يحيى بن يعمر من ابن عمر . و يحيى بن يعمر ثقة يرسل.
    حال حديث: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً...)

    السؤال: هل صحيح أن ابن المنكدر لم يسمع هذا الحديث من جابر : (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً…) كما ذكر ذلك الحافظ في التلخيص؟

    الجواب: المشهور عند العلماء الاحتجاج بحديث جابر هذا الذي من طريق محمد المنكدر على نسخ الوضوء مما مست النار، وأن تركه هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد احتج بهذا العلماء، والحديث أخرجه البخاري و الترمذي و النسائي ، لكن العجيب أن في السند هنا عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر ، لكن ذكر الحافظ ابن حجر عن الشافعي في التخليص و الشافعي ذكر ذلك في سنن حرملة أن ابن المنكدر لم يسمع هذا الحديث من جابر . وعلى كل: حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار)، مروي من طريق محمد بن المنكدر عن جابر ، وهو الذي يحتجون به على نفي الترك للفعل الذي هو الوضوء.
    حكم من لم يرم الجمرات في اليوم الثالث
    السؤال: ثلاثة رجال دخلوا في اليوم الثالث من أيام التشريق فلما وجدوا الزحام خافوا وتركوا رمي الجمرات في اليوم الثالث فقط، وسافروا ولم يرموا فما هو الحكم؟ وماذا يفعلون الآن؟

    الجواب: إذا لم يرموا فكل واحد عليه فدية، لتركه الرمي، وهي شاة تذبح في مكة وتوزع على فقراء الحرم.
    حكم قول الإنسان لآخر من أهل الفضل: بأبي أنت وأمي
    السؤال: هل يجوز قول: بأبي أنت وأمي لأهل الفضل كالعلماء؟
    الجواب: لا يصلح أن يقال هذا، وإنما هذا يقال في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان يستعمله الصحابة ومن بعدهم، يقولون: فداه أبي وأمي، ويخاطبونه ويقولون: فداك أبي وأمي، وأما غير الرسول صلى الله عليه وسلم فلا أعلم شيئاً يدل عليه، وما سمعت مثل هذه العبارة تستعمل مع غير الرسول صلى الله عليه وسلم. والرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه مقدم على الأب والأم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، وأما استعمال ذلك في غيره فلا أعلم ما يدل عليه.
    معنى قوله: (أفلح وأبيه إن صدق)
    السؤال: ما معنى: (أفلح وأبيه إن صدق)؟
    الجواب: قوله: (أفلح وأبيه) هذا قسم، ولكن هذا مما كان في أول الأمر، وقد أجاب عنه العلماء بجوابين: أحدهما: أنه كان هذا في أول الأمر، وبعد ذلك نسخ، والثاني: أنه مما جرت عليه به ألسنتهم، ولكن الصحيح هو الأول، وهو أنهم كانوا يستعملونه ثم بعد ذلك نسخ.
    نقض الوضوء بمس الذكر
    السؤال: هل مس الذكر من غير قصد يفسد الوضوء؟
    الجواب: مس الذكر مطلقاً من غير حائل ينقض الوضوء.
    حدود المدينة النبوية
    السؤال: ما هي حدود المدينة المنورة؟ وهل الجامعة داخل الحرم؟
    الجواب: حدود المدينة هي من عير إلى ثور، ووادي العقيق من الحرم، وما وراءه الله تعالى أعلم هل هو من الحرم أم من غير الحرم؟! وما وراءه هو ما يكون قريباً منه، وليس بعيداً عنه؛ لأن بعض الأماكن مثل الجامعة الإسلامية أقرب ما يكون أنها من المشكوك فيه، يعني: ليست من الحرم البين ولا من الحل البين، ومثل هذا يكون كما قال عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
    حكم الوضوء من غير اللبن
    السؤال: هل يستحب الوضوء لغير اللبن من المشروبات والمأكولات؟
    الجواب: ليس في ذلك وضوء، ولكن إذا كان هناك طعم في الفم فيتمضمض حتى يذهب ذلك الطعم، وأما الوضوء الشرعي فلا، وإنما المضمضة فقط؛ لأنه إذا كان الفم فيه طعم فقد يشغل الإنسان في صلاته، فالأولى أن يتمضمض، وإن لم يتمضمض فلا بأس، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في اللبن مرة تمضمض ومرة لم يتمضمض، يعني: تمضمض في بعض الأحيان، ولم يتمضمض في بعض الأحيان.
    علة تضعيف حديث عبد الله بن الحارث بن جزء في ترك الوضوء مما مست النار
    السؤال: ما علة تضعيف حديث عبد الله بن الحارث بن جزء ؟ الجواب: لعل العلة هي كون الذي رواه مقبولاً ولم يتابع عليه، وأيضاً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلوك حتى دخل في الصلاة، وفيه كونه كان يأكل وهو يمشي، وطبعاً أكل الإنسان وهو يمشي إذا كان للحاجة فلا بأس به، لكن الإشكال فيه هو كونه أكل حتى أحرم، ودخل في الصلاة وهو يلوك.
    معنى قول أبي داود: باب الرخصة في ذلك
    السؤال: قال أبو داود : باب الرخصة في ذلك، مع أنه لم يرو في الباب الأول حديثاً فيه ذكر الصلاة، فما مراده؟
    الجواب: أولاً: ذكر المضمضة بعد شرب اللبن، والمقصود من ذلك الوضوء اللغوي؛ لأنه ليس في الحديث الأول وضوء شرعي، وإنما هو المضمضة فقط، وهو وضوء لغوي، فقوله: الرخصة في ذلك، يعني: في ترك الوضوء اللغوي الذي جاء في الحديث السابق أو في الترجمة السابقة.
    حكم تكرار النظر إلى المخطوبة
    السؤال: هل يجوز للخاطب أن ينظر إلى خطيبته بعد النظرة الأولى التي خطب فيها، بمعنى: هل يكرر ذلك النظر كلما أراد؟

    الجواب: الذي يبدو أن النظرة الواحدة كافية، فينظر إليها مرة واحدة؛ لأن تكرار النظر ليس فيه شيء جديد على ما حصل من قبل.
    حكم قراءة البنات للقرآن على الأستاذ
    السؤال: هل يجوز لبعض البنات من ذوي الصوت الندي في قراءة القرآن القراءة على الأستاذ من خلال الدائرة التلفزيونية؟

    الجواب: إذا كان الأمر يتعلق بالدراسة فلها أن تقرأ.
    حكم اتصال البنت بأحد أقاربها غير المحارم
    السؤال: هل يجوز للبنت أن تتصل على أحد أقاربها كابن عمها مثلاً هاتفياً وتسلم عليه، وتقول له: كيف حالك؟

    الجواب: لا ينبغي هذا؛ لأن ابن العم هو أجنبي عنها، فكونها تتصل به وتسلم عليه وهي صغيرة ما ينبغي أن يفعل ذلك، وخاصة بين الشابات والشباب.
    نقض الوضوء من مس عورة الطفل

    السؤال: هل لمس الأم لطفلها أو طفلتها لتنظيفه وتغسيله ومس عورته سواء القبل أو الدبر ناقض للوضوء؟

    الجواب: نعم، مس القبل سواء كان من الصغير أو الكبير الذكر أو الأنثى كله ناقض للوضوء.
    حكم القصر في ذي الحليفة لأهل المدينة
    السؤال: ما حكم قصر الصلاة في ميقات ذي الحليفة وقد اتصل العمران بالمدينة؟
    الجواب: إذا اتصل ذو الحليفة بعمران المدينة فلا يجوز أن تقصر الصلاة فيه، وإنما تقصر عند مفارقة العمران والبنيان، لكن هل اتصل الآن، أو أن هناك أماكن متقطعة قبل الوصول إليه؟ هذا يحتاج إلى معرفة الاتصال. أما إذا وجد الاتصال فيعتبر من البلد، ولا يقصر ولا يترخص برخص السفر قبل مغادرة عمران البلد. والرسول صلى الله عليه وسلم قصر فيها لما سافر؛ فإنه لما خرج صلى الظهر أربعاً في مسجده، وصلى العصر هناك ركعتين؛ لأنها كانت بعيدة عن البنيان، فإذا وصل البينان إليها واتصل بها فتكون من المدينة، ولا يقصر الإنسان إلا إذا فارق عمران البلد.
    حكم من وجد منياً في ثوبه ولم يذكر احتلاماً
    السؤال: رجل استيقظ من النوم، فوجد منياً في ثوبه، وهو متأكد أنه لم يحتلم فماذا يفعل؟

    الجواب: إذا وجد الماء ووجد المني فعليه أن يغتسل؛ وإذا لم يتذكر أنه احتلم في منامه ولم يجد ماءً فليس عليه أن يغتسل؛ لأن العبرة هي بالماء، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للمرأة: (نعم إذا وجدت الماء) يعني: بعد نومها، فإذا وجد الماء وكان متحققاً أنه مني، ولو لم يتذكر احتلاماً فإنه يغتسل، والعكس لو تذكر احتلاماً ولكنه لم يجد ماءً فليس عليه اغتسال.
    حكم من كان لا يزكي جهلاً ثم علم وتاب
    السؤال: شخص كان لا يزكي للجهل، فلما علم بفرض الزكاة تاب وأصبح يزكي، ويسأل الآن عما سلف؟

    الجواب: يقدر الذي مضى ويزكيه على عدد السنين، ولكن كما هو معلوم المال يزيد وينقص، والزكاة إذا خرجت منه لا تحسب بعد ذلك إذا كان المال باقياً ولا يزيد، كأن يكون لديه مبلغ مودع، ثم أخرجت منه الزكاة في سنة، فإنه ينقص مقدار الزكاة، فالسنة التي بعدها يزكى على الذي بقي بعد الزكاة، وهكذا الذي بعدها ينقص عن السنة التي قبله، ويزكى على ما بقي وهكذا.
    وقت الانتضاح
    السؤال: هل يمكن أن يكون الانتضاح قبل الوضوء؟

    الجواب: الانتضاح يكون بعد الوضوء، لا يكون قبله؛ لأن الذي ورد أنه يكون بعد الوضوء.
    حكم الانتضاح
    السؤال: هل الانتضاح مستحب؟
    الجواب: إذا كان الإنسان عنده شيء من الشك فعليه أن يأتي بالانتضاح حتى يسلم من مغبة الوسواس.
    حكم الساحات التي حول الحرم
    السؤال: هل الساحات الموجودة حول الحرم تعتبر من الحرم، فيحرم البيع والشراء فيها إلى غير ذلك؟
    الجواب: إذا كانت الأسوار قد أقيمت، والأبواب قد ركبت، فإن حكمها حكم الحرم، وتعامل معاملة الحرم، والذي لا يجوز في المسجد لا يجوز فيها؛ لأن حكمها حكم المسجد، ولو كانت مكشوفة غير مغطاة، فما دام أن الجدران والأسوار والأبواب تحيط بتلك الساحات فإنها تعتبر من المسجد، وتعامل معاملة المسجد، لا يجوز فيها بيع ولا شراء ولا إنشاد ضالة، ولا الجلوس للحائض، ولا الجنب، وهكذا كل الأشياء التي تمنع من المسجد تمنع منها؛ لأنها مسجد.
    حكم إزالة شعر الحاجب إذا طال
    السؤال: هل يجوز حلق الحاجب أو قصه إذا طال ونزل على العين؟
    الجواب: إذا كان قد نزل على العين، وصار منظره ليس بطيب، ويؤثر على العين، وصار طويلاً طولاً فاحشاً فيجوز إزالته، والحاجب ينزل على العين إذا كبر الإنسان، لكن الكلام على كون الشعر يطول طولاً فاحشاً، وأنه ينزل على العين ويسترسل، فإذا وجد شيء من ذلك فلا مانع من أخذه."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [033]
    الحلقة (64)

    شرح سنن أبي داود [033]

    أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نام أن يتوضأ؛ لأنه إذا نام العبد استرخت مفاصله واستطلق الوكاء فربما انتقض وضوءه، والنوم ليس ناقضاً للوضوء بنفسه، ولكنه مظنة لحصول الحدث.

    الوضوء من الدم


    شرح حديث جابر (خرجنا مع رسول الله في غزوة ذات الرقاع...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من الدم. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين؛ فحلف ألا أنتهي حتى أهريق دماً في أصحاب محمد، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً فقال: من رجل يكلؤنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال: كونا بفم الشعب، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي،
    وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى؟! قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب الوضوء من الدم، أي: هل خروجه يوجب الوضوء أم لا؟ ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يؤثر خروجه، وبعضهم قال:
    إذا خرج شيء كثير فإن على الإنسان أن يتوضأ، وهذا مبني على القول بنجاسة الدم وعدم نجاسته، فمن قال: إنه نجس يقول: إنه يتوضأ منه، ومن قال: إنه ليس بنجس يقول: إنه لا يتوضأ منه، ولا يحتاج إلى وضوء، لكن على القول بأنه نجس إذا حصل خروج الدم من جرح أو بأمر يكون الإنسان معذوراً في الصلاة فإنه يكون شبيهاً بمن به سلس البول، وشبيهاً بالمستحاضة، وهؤلاء لهم أن يصلوا على حسب حالهم . أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما في قصة خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، وسميت غزوة ذات الرقاع لما كانوا عليه من القلة، ولأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق، حتى يسلموا من حر الأرض والحصى والشوك، فسميت ذات الرقاع. وفي تلك الغزوة أصاب رجل من المسلمين امرأة رجل من الكفار، يعني:
    أنه قتلها، ولعل ذلك القتل ليس مقصوداً؛ لأن المرأة لا تقتل في الجهاد إلا إذا كانت مقاتلة، أو حصل منها مضرة على المسلمين في معاونتها لأهلها وقومها الكفار، فإذا حصل منها ذلك فإنها تقتل لكونها مقاتلة، فلعل هذه المرأة قتلت خطأً أو أنها كانت معينة لقومها فقتلت، فزوجها حلف ألا ينتهي حتى يهريق دماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    فخرج يتبع أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما نزلوا في مكان قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يكلؤنا؟) يعني: من يرقبنا ويحرسنا؛ لأن الكلأ هو الحفظ، فانتدب لذلك رجلان: أنصاري ومهاجري يعني: استعدا لهذه المهمة، وقاما بها. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهما: (كونا بفم الشعب) يعني: أن المكان الذي يكونان فيه هو فم الشعب، والشعب: هو الطريق بين جبلين، يعني: الفج بين الجبلين، وهو الذي يمكن أن يوصل منه الإنسان إلى ما يريد لسهولة الطريق،
    فكانا على هذه المهمة، فاضطجع أحدهما، وقام الآخر يصلي، ولعلهما كانا يتناوبان، بحيث يكون أحدهما مستيقظاً والآخر نائماً، فاضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي، فجاء ذلك الرجل ولما رأى ذلك الشخص الواقف علم أنه ربيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يعني: أنه جعل للحراسة ولتنبيههم إذا حصل أمر يخشى منه،
    فهذا هو المقصود بالربيئة؛ فإن الربيئة هو الذي يشرف من مكان عالٍ أو يرصد باباً أو طريقاً بين جبلين كما حصل لهم في هذه المناسبة وفي هذا الموقف، حيث كانا في فم الشعب الذي يأتي الآتي منه، فلما علم أنه ربيئة رماه بسهم فأصابه، يعني: أصاب ذلك الذي يصلي، فنزع ذلك الأنصاري السهم، واستمر في صلاته، حتى رماه بثانٍ وثالث،
    وبعد ذلك انتبه المهاجري، وقال له: ألا نبهتني من أول مرة، فقال: كنت أقرأ في سورة فكرهت أن أقطعها، يعني: لم يحب أن يقطعها، بل أحب أن يواصل قراءتها حتى يكملها، وحصل ما حصل.
    فلما علم الكافر الذي لحق بهم، والذي رمى هذا الأنصاري الذي يصلي أنهم علموا به هرب حتى لا يدركوه. ومحل الشاهد من إيراد القصة: أن هذا الأنصاري كان يصلي في دمائه؛ لأنه نزع السهم، واستمر في الصلاة، ثم نزع الثاني واستمر في الصلاة، ثم نزع السهم الثالث حتى فرغ من صلاته. ولامه ذلك المهاجري الذي كان معه، وقال: ألا نبهتني لما رمى بأول سهم؟ فأخبره بأنه كان مشتغلاً بقراءة سورة، فلم يحب أن يقطع صلاته حتى يكمل السورة التي كان مشتغلاً بقراءتها رضي الله تعالى عنه. والمقصود: أن هذا الرجل صلى في الدم الذي كان يخرج منه، قالوا:
    فهذا دليل على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء ولا يلزم منه طهارة، والذي يقول: إنه ينقض الوضوء يقول: إن الضرورات لها أحوالها، ويمكن للإنسان أن يصلي إذا كان مضطراً ولو كان عليه نجاسة، وهذا على القول بأن الدم نجس.
    تراجم رجال إسناد حديث جابر (خرجنا مع رسول الله في غزوة ذات الرقاع)

    قوله:
    [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ].
    أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ حدثنا ابن المبارك ].
    عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن إسحاق ].
    محمد بن إسحاق المدني صدوق مدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ حدثني صدقة بن يسار ].
    صدقة بن يسار ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ عن عقيل بن جابر ].
    عقيل بن جابر مقبول، أخرج له أبو داود .
    [ عن جابر ].
    جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    أرجح الأقوال في نجاسة الدم وحكم الصلاة به
    أما حكم صلاة من به دم ينزف فعند الضرورة فلا إشكال أنه يسوغ للإنسان أن يصلي بدمائه، ولكن حيث لا يكون هناك ضرورة فالاحتياط أن الإنسان يتوضأ، وأما نجاسة الدم فالذي يظهر أنه نجس.
    الوضوء من النوم


    شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة فأخرها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء من النوم. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج أخبرني نافع حدثني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء من النوم، يعني: هل يتوضأ منه أو لا يتوضأ منه؟ والجواب: أن فيه تفصيلاً:
    فالنوم الكثير المستغرق ينقض الوضوء، وليس هو الناقض بذاته ولكنه مظنة للنقض، وأما النوم الذي يكون عن جلوس، أو أن يكون الإنسان قائماً ثم يحصل له النعاس ويخفق رأسه ثم ينتبه، فهذا ليس مظنة لنقض الوضوء. وإنما المظنة هو الذي يكون معه استغراق، ويكون معه تمكن كالمضطجع أو المستند إلى شيء، والذي يغط من الاستغراق في النوم، أو يرى رؤيا في نومته، فهذا هو الذي يكون معه نقض الوضوء، وليس لأن النوم ناقض، ولكن لأنه مظنة النقض، يعني:
    أنه قد تخرج الريح من الإنسان فينتقض وضوءه بذلك. وأما إذا كان جالساً يخفق رأسه، وإذا خفق رأسه يصحو وينتبه فهذا لا يحصل معه انتقاض الوضوء، والدليل على ذلك ما كان يحصل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كونهم كانوا يجلسون ينتظرون الصلاة فتخفق رءوسهم، ثم يقومون ولا يتوضئون. وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث: أولها: حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم شغل عن صلاة العشاء فأخرها،
    وكان الناس في انتظاره، قال عبد الله بن عمر فرقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بنا)، وهنا لم يذكر أنهم لم يتوضئوا، والذي يفهم منه هو إما أن يكون مقصوده أنهم كانوا جالسين، والمقصود بالرقاد هو النعاس وخفقان الرءوس، فهذا أمره واضح لا إشكال فيه، وأما إذا كان مع اضطجاع فإنه لابد من الوضوء، وكونه لم يذكر أنهم لم يتوضئوا لا يدل على عدمه، ولم يأت فيه أنهم لم يتوضئوا والحالة هذه: كونهم رقدوا ثم قاموا ثم رقدوا ثم قاموا ثم رقدوا ثم قاموا، يعني: إن لم ينقل أنهم توضئوا فإن ذلك لا يدل على أنهم يصلون بدون وضوء مع الاستغراق في النوم، أما إذا كان المقصود به الإشارة إلى حصول النعاس عن طريق الجلوس فهذا يحصل منهم، فكانت تخفق رءوسهم ويقومون ويصلون ولا يتوضئون؛ لأنهم كانوا جالسين متمكنين، وخفق الرأس غالباً إذا حصل من الجالس سببه أنه نعس، يعني: أنه بمجرد خفق الرأس يصحو وينتبه فإنه حصل له نعاس. أما إذا كان مضطجعاً أو مستنداً أو رأى رؤيا فهذا نوم يحصل معه نقض الوضوء؛
    لأنه مظنة لحصول خروج الريح غالباً. والحاصل: أن النوم الذي يكون عن جلوس وعن غير تمكن، ويكون معه خفق الرأس لا ينتقض معه الوضوء، وإذا كان عن طريق اضطجاع أو استناد، أو تمكن في النوم، فإن هذا لابد فيه من الوضوء. قوله: [ (ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم) ]. يعني: أن الناس غيركم قد صلوا، وأنتم الذين تنتظرون الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم انتظروا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما غيرهم فإنهم صلوا عند أول الوقت، وما حصل لهم ذلك الشغل الذي شغلهم، ومن المعلوم أن الإنسان في صلاة ما انتظر الصلاة، وتأخير صلاة العشاء جاء ما يدل عليه، ولكن إذا كان التأخير يترتب عليه مشقة على الناس، أو حصول النوم عن الصلاة، فإنه تقدم الصلاة في أول وقتها،
    وإذا كانوا جماعة وهم مع بعضهم، وكان الأمر لا يترتب عليه محظور وأخروا الصلاة بحيث لا يصل إلى نصف الليل فهو أفضل، وتأخيرها إلى نصف الليل لا يجوز؛ لأن هذا هو نهاية الوقت الاختياري، فلا يجوز تأخيرها عن نصف الليل، ولا الوصول إلى نصف الليل؛ لأنه بذلك يكون الإنسان قد أخرجها عن وقتها، وذلك لا يجوز. وإذا كان يترتب على التأخير مضرة على الناس، أو أن الناس ينامون عن الصلاة، فالأفضل هو صلاتها في أول الوقت.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله شغل عنها ليلة فأخرها...)
    قوله:
    [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ].
    أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا عبد الرزاق ].
    عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا ابن جريج ].
    عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة فقيه يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرني نافع ].
    نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثني ابن عمر ]
    عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنفر رحمه الله تعالى: [ حدثنا شاذ بن فياض حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون) ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فينتظرون الصلاة، فتخفق رءوسهم يعني: من النوم وهم جالسون، فيقومون للصلاة ولا يتوضئون، وهذا يدل على أن مثل ذلك لا يحصل معه انتقاض الوضوء؛ لأن الإنسان منتبه ومتمكن في الجلوس، وإذا حصل منه النعاس خفق رأسه فتنبه،
    وذهب عنه النوم، فمثل ذلك لا يحصل معه انتقاض وضوء؛ لأنه لا يمكن أن يكون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك بين يديه، وبحضرته صلى الله عليه وسلم، ويصلون بغير وضوء، فدل على أن مثل هذا النوم هو النعاس، وهو لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقضه هو الذي يكون مظنة الحدث، وهو الذي أشرت إليه آنفاً. قوله:
    [ حدثنا شاذ بن فياض ].
    شاذ بن فياض قيل
    : إن هذا لقبه واسمه هلال ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا هشام الدستوائي ].
    هشام بن عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قتادة ].
    قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أنس ].
    أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة...) من طريق ثانية

    [ قال أبو داود زاد فيه شعبة عن قتادة قال: (كنا نخفق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر ]. أورد أبو داود الإشارة إلى طريق أخرى لحديث أنس وفيها:
    (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا ينتظرون) يعني: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أنه لو كان ذلك الفعل الذي فعلوه لا تصح معه صلاة لأنهم يعتبرون غير متوضئين لنزل الوحي، ولعرفوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
    (كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن) فأضاف ذلك إلى العمل إلى عهد النبوة. فكذلك هنا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا تخفق رءوسهم ثم يصلون، فدل هذا على أن مثل هذا العمل ومثل هذا النوم اليسير الذي يكون عن جلوس في انتظار الصلاة أنه لا يؤثر؛ لأنه ليس مظنة الحدث، وإنما الذي يتوضأ منه هو ما كان مظنة الحدث وهو النوم المستغرق.

    تراجم رجال إسناد حديث (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء...) من طريق ثانية

    قوله:
    [ زاد فيه شعبة ].
    شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله:
    [ ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة ].
    هو سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (..فقام يناجيه حتى نعس القوم...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل و داود بن شبيب قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني : أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أقيمت صلاة العشاء فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن لي حاجة، فقام يناجيه حتى نعس القوم أو بعض القوم، ثم صلى بهم ولم يذكر وضوءاً)].
    أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه: (أقيمت الصلاة فقام رجل وقال: يا رسول الله! إن لي حاجة، فوقف معه يسمع منه ويقضي حاجته، حتى نعس الناس) يعني: أنه حصل منهم النعاس وهم جالسون، ثم قاموا، ثم دخل الرسول في الصلاة وصلى بهم، وهذا يدلنا على أن مثل ذلك النعاس الذي يحصل في حال الجلوس لا يؤثر، وأنه لا ينتقض به الوضوء، وكان ذلك بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديث دليل على أنه يمكن الفصل بين الإقامة والصلاة، وذلك أن الصلاة أقيمت، فجعل الرجل يناجيه حتى حصل النعاس لبعض الصحابة، يعني: أنه مكث مدة وهو يناجيه، فدل ذلك على أن حصول مثل ذلك لا يؤثر، فإذا أقيمت الصلاة وحصل شيء يشغل، أو كان الناس ينتظرون إمامهم، بأن يكون مثلاً عرضت له حاجة أو حصل له شيء،
    وأراد أن ينتظروه قليلاً فانتظروه، فإن هذا الفصل الذي بين الإقامة والصلاة لا يؤثر. ثم أيضاً فيه رد على من يقول من الحنفية: إذا قال المؤذن في الإقامة: قد قامت الصلاة، يدخل الإمام في الصلاة، فيقول: الله أكبر؛
    فهذا الحديث يرد هذا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أقيمت الصلاة ومكثوا مدة ينتظرون دخوله في الصلاة، فلا يكون الدخول في الصلاة عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة، بل السنة أنه يجاب المؤذن عند ذكر الإقامة كما يجاب بالنسبة للأذان، ويصلى ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعى بدعاء الوسيلة؛ لأن ذلك داخل تحت عموم قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ثم بعد ذلك يأتي بالصلاة والدعاء بالوسيلة للرسول صلى الله عليه وسلم.
    فالقول بأنه عندما يقول: قد قامت الصلاة، يقول الإمام: الله أكبر، ويدخل الإمام في الصلاة والمؤذن ما أكمل الإقامة، هذا الذي جاء في هذا الحديث يدل على خلافه من جهة أنهم بعد الإقامة انتظروا حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من مناجاة ومحادثة ذلك الشخص الذي كان يحدثه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (...فقام يناجيه حتى نعس القوم...)

    قوله:
    [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ و داود بن شبيب ].
    داود بن شبيب صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و ابن ماجة .
    [ قالا: حدثنا حماد بن سلمة ].
    حماد بن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن ثابت البناني ].
    ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أنس ].
    أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره. وهذا الإسناد رباعي، وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه من الرباعيات و موسى بن إسماعيل و داود بن شبيب في طبقة واحدة؛ لأنهما يعتبران شيخين لأبي داود ، ووجود الاثنين وهما من مشايخ أبي داود في طبقة واحدة لا يمنع أن يقال له: رباعي؛ لأنه عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن ثابت عن أنس ، وعن داود بن شبيب أيضاً عن حماد عن ثابت عن أنس ، فهو رباعي. فذكر الاثنين فيه لكونهم من الشيوخ لا يقال: إنه خماسي؛ لأن الاثنين في طبقة واحدة، وكل واحد منهم قد أسند الحديث، فهو حديث رباعي يرويه أبو داود عن شيخين من مشايخه. وهو من أعلى ما يكون عند أبي داود ، وأصحاب الكتب الستة الذين هم: البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة .
    و البخاري هو أكثر أصحاب الكتب الستة ثلاثيات؛ لأن الأحاديث الثلاثية بلغت عنده اثنين وعشرين حديثاً، كلها ثلاثية، ليس بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها سوى ثلاثة أشخاص. و الترمذي عنده حديث واحد ثلاثي. و ابن ماجة : عنده خمسة أحاديث ثلاثية، ولكن الخمسة الأحاديث كلها بإسناد واحد وهو إسناد ضعيف. وأما مسلم فليس عنده ثلاثيات، و أبو داود ليس عنده ثلاثيات، و النسائي ليس عنده ثلاثيات، فمسلم و أبو داود و النسائي أعلى ما عندهم الرباعيات،
    والذي معنا هو من أعلى ما يكون عند أبي داود ، فإن أعلى ما يكون عند أبي داود هو أربعة أشخاص بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا الإسناد الذي قبله الذي هو شاذ بن فياض عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس بن مالك ، هو أيضاً رباعي، ومن أعلى الأسانيد عند أبي داود .
    شرح حديث: (..إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين و هناد بن السري و عثمان بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب ، وهذا لفظ حديث يحيى عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، قال فقلت له:
    صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) زاد عثمان و هناد (فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله). قال أبو داود : قوله: (الوضوء على من نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة وروى أوله جماعة عن ابن عباس ولم يذكروا شيئاً من هذا، وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظاً. وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي). وقال شعبة :
    إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث (القضاة ثلاثة)، وحديث ابن عباس : (حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر ). قال أبو داود : وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ بالحديث ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ) يعني: ينفخ في نومه. وقوله: [ (ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ) ]. أي: أنه كان يقوم ويصلي ولا يتوضأ، ولما قال له ابن عباس في ذلك، قال: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) يعني: وذكر بعد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم محفوظ يعني: أنه تنام عينه ولا ينام قلبه،
    ولا يحصل له ما يحصل لغيره. ثم ذكر أن الإشكال فيما يتعلق بقوله: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)، وقصره عليه، وأن هذا يكون للأمة، وأنه لا ينقض الوضوء إلا إذا كان مضطجعاً، ولكن هذا الحديث منكر، كما قال أبو داود رحمه الله؛ لأن النوم المستغرق سواء كان مضطجعاً أو غير مضطجع ناقض للوضوء، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء عنه شيء من هذا ولم يحصل منه أنه توضأ، فإنه لم ينتقض وضوءه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه محفوظ من أن يحصل منه ذلك،
    ولأنه قد قال: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)، وهذا من خصائصه التي يتميز بها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه عن الأمة. فما جاء متعلقاً بالرسول صلى الله عليه وسلم يكون من خصائصه، يعني: من كونه يحصل منه النوم، ثم يقوم ويصلي؛ لأن عينه تنام ولا ينام قلبه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأما قوله: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)،
    فهذا منكر، ولا يصح وقد جاء من طريق قتادة عن أبي العالية ، وقال شعبة : لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، يعني: وهذا الحديث ليس منها، فقتادة مدلس، ولم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، وليس هذا منها، إذاً: فيكون ضعيفاً. قوله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، قال فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) زاد عثمان و هناد :
    (فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله) ]. يعني: وكان ذلك أدعى لحصول الحدث منه. [ قال أبو داود : قوله: (والوضوء على من نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة ]. قوله: [ وروى أوله جماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما ولم يذكروا شيئاً من هذا ]. أي: لم يذكروا أن الوضوء على من نام مضطجعاً. يعني: أنه أراد أن يميز بين ما جاء في أوله، وما جاء في آخره، يعني: ما جاء في أوله يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم وله طرق أخرى، وما جاء في آخره إنما جاء من طريق أبي خالد الدالاني عن قتادة ، و قتادة يرويه عن طريق أبي العالية ، والأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث وليس هذا منها، إذاً: فهو ضعيف لا يحتج به. قوله: [ وكان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظاً.
    وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي) ]. يعني: أن هذا كله يتعلق بأول الحديث، وهو الذي جاء له شواهد وطرق، وأما ما جاء في آخره فهو المنكر، وهو الذي فيه تشريع للأمة، وهو يخالف ما جاء من الأحاديث الأخرى المتعلقة بالنوم، وأنه يكون فيه نقض الوضوء، لأنه مظنة الحدث. قوله:
    [ وقال شعبة : إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث: (القضاة ثلاثة) وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر ) ]. يعني: أن شعبة أشار إلى الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية ، وليس هذا منها، إذاً: فهو حديث معلول وضعيف؛ لأن قتادة مدلس ولم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث وليس هذا الحديث من تلك الأحاديث الأربعة التي ذكرها شعبة . [ قال أبو داود : وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له وقال ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ بالحديث ]. ثم قال أبو داود : إنه ذكر ذلك للإمام أحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً لما جاء فيه من كون الوضوء على من نام مضطجعاً، يعني: انتهره في أن يشتغل بمثل ذلك، وأن يلتفت إلى مثل ذلك، وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ به،
    يعني: أنه يأتي بشيء انفرد به عن أصحاب قتادة ، وأيضاً هذا الحديث لم يكن من الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية ، يعني: ففيه عدة علل: مخالفة أبي خالد لأصحاب قتادة ، وكون قتادة سمع أربعة أحاديث من أبي العالية ، وهذا الحديث مما يرويه قتادة عن أبي العالية ، وهو ليس بواحد من تلك الأحاديث التي تعتبر أنها من مسموعاته، والتي لا تدليس فيها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)
    قوله:
    [ حدثنا يحيى بن معين ].
    يحيى بن معين المحدث الناقد الإمام في الجرح والتعديل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ و هناد بن السري ].
    هناد بن السري أبو السري ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ و عثمان بن أبي شيبة ].
    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ عن عبد السلام بن حرب ].
    عبد السلام بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ وهذا لفظ حديث يحيى ]. يعني: أنه لما ذكر ثلاثة من شيوخه أخبر بأن اللفظ الموجود إنما هو ليحيى بن معين الذي هو الشيخ الأول. [ عن أبي خالد الدالاني ]. يزيد بن عبد الرحمن الأسدي أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [ عن قتادة ]. قتادة قد مر ذكره. [ عن أبي العالية ]. هو رفيع بن مهران وهو ثقة،
    أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية
    والأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية هي: حديث يونس بن متى الحديث الذي يقول فيه الرسول: (لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى).
    وحديث ابن عمر في الصلاة قال في عون المعبود: لعله الحديث الذي فيه: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس). وحديث: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار)، وسيأتي. وحديث ابن عباس : (حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر ...) وهو يتعلق بالصلاة بعد العصر.
    شرح حديث: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح الحمصي في آخرين قالوا: حدثنا بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)، وهذا يدل على أن النوم مظنة الحدث،
    وليس هو الحدث؛ لأنه لو كان النوم هو الحدث لكان يسيره وقليله سواء، كغيره من النواقض إذا خرج من أحد السبيلين، فإن أي شيء يسير ينتقض به الوضوء، والإنسان إذا أكل لحم جزور قليلاً أو كثيراً ينتقض به الوضوء، ولا يفرق بين القليل والكثير، لكن النوم ليس هو الحدث، وإنما هو مظنة الحدث؛ لأنه لو كان هو الحدث لكان لا فرق بين القليل ولا الكثير، ولكان أي نوم ينتقض به الوضوء. وقوله: (العينان وكاء السه) يعني: كالوكاء، والسه: هو الدبر؛ والإنسان ما دام مستيقظاً وأراد شيء أن يخرج منه فإنه يمنعه ويحبسه؛ لأنه مستيقظ متنبه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء، يعني: لا يكون عنده علم،
    وليس عنده شعور وإدراك بحيث إنه يمنع، فإذاً: يحصل الناقض. فقوله: (العينان وكاء السه) يعني: هما كالوكاء الذي يوكى به الوعاء، فهما وكاء للدبر، والإنسان ما دام مستيقظاً فهو متنبه، وعندما يأتي شيء يريد أن يخرج فإنه يحبسه ويمنعه من أن يخرج، فلا يحصل منه الحدث؛ لأنه عنده العلم والشعور لكونه مستيقظاً، أما إذا نام وكان هناك شيء سيخرج فإنه يخرج. وقوله: (العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ) لأنه مظنة نقض الوضوء غالباً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)
    قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح ].
    حيوة بن شريح الحمصي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
    [ في آخرين ].
    يعني: ليس هو الذي حدثه وحده، بل معه ناس آخرون لكنه لم يذكرهم أبو داود .
    [ قالوا: حدثنا بقية ].
    هو ابن الوليد الحمصي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الوضين بن عطاء ]. الوضين بن عطاء صدوق سيئ الحفظ، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن محفوظ بن علقمة ]. محفوظ بن علقمة صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن عائذ ].
    عبد الرحمن بن عائذ ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، أبو السبطين رضي الله تعالى وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه بعض أهل العلم."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [034]
    الحلقة (65)

    شرح سنن أبي داود [034]


    اجتناب النجاسات شرط من شروط الصلاة، ومن ذلك اجتناب الأذى، وما كان من الأذى خارجاً من الجسم كالمذي فله أحكام تتعلق به، وقد بينت ذلك الأحاديث النبوية.

    ما جاء في الرجل يطأ الأذى برجله


    شرح حديث: (كنا لا نتوضأ من موطئ ولا نكف شعراً ولا ثوباً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يطأ الأذى برجله. حدثنا هناد بن السري و إبراهيم بن أبي معاوية عن أبي معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثني شريك و جرير و ابن إدريس عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله رضي الله عنه: (كنا لا نتوضأ من موطئ ولا نكف شعراً ولا ثوباً). قال أبو داود : قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش عن شقيق عن مسروق أو حدثه عنه قال: قال عبد الله . وقال هناد : عن شقيق أو حدثه عنه، قال:
    قال عبد الله ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الرجل يطأ الأذى برجله، يعني: ماذا يصنع؟ هل يعيد الوضوء أم ماذا يفعل؟ أما إعادة الوضوء فلا إعادة، لكن الكلام هو على هذا الذي وطئه، هل هو نجاسة أو غير نجاسة، فإن كان ليس بنجاسة فلا يؤثر؛ لأن الإنسان إذا صلى وعلى قدمه شيء من الأذى الذي هو طاهر وليس بنجس، فلا يؤثر ذلك، وأما إن كان يعلم أنه نجاسة فعليه أن يزيل النجاسة، وهو باقٍ على طهارته، وباقٍ على وضوئه، أي: إذا وطئت رجله شيئاً فيه نجاسة فلا ينتقض وضوءه بوطء النجاسة، وإنما عليه أن يزيل تلك النجاسة وبأن يغسلها، هذا إذا عرف أنه شيء نجس، وأنه رطب، وأنه يعلق بالقدم. أما لو وطئ على أرض متنجسة ورجله يابسة، فأيضاً لا يحتاج إلى غسل ما دام أن رجله ليس فيها رطوبة أو الأرض التي فيها النجاسة ليست رطبة تعلق بالرجل، فإنه لا يلزم الغسل؛ لأنه لم يعلق برجله شيء. أما إذا كانت الرجل رطبة ووطئت على أرض متنجسة، أو كانت الرجل يابسة ووطئت على نجاسة رطبة فعلقت بالرجل فعليه أن يزيل تلك النجاسة وأن يغسلها، والوضوء يبقى على حاله؛
    لأن إزالة النجاسة شيء، والوضوء شيء آخر، وكون الإنسان يطأ النجاسة فلا ينتقض بهذا وضوءه، وإنما عليه أن يزيل النجاسة التي حصلت له بغسلها، والوضوء على حاله، وباقٍ على أصله. فالذي يطأه الناس أو يطأه الإنسان فيه تفصيل: إن كان ليس بنجس لا يؤثر، ولكن كونه يغسل حتى يزول أثر هذا الشيء عن رجله فهذا شيء طيب وهذا شيء مما ينبغي، لكنه ليس بلازم، وإن كانت الرجل رطبة أو الأرض رطبة وفيها نجاسة وحصل علوقها بالرجل بسبب الرطوبة فإنه يلزم غسل النجاسة. وإن كان يجهل أنه نجس أو غير نجس، فالأصل هو الطهارة، مثل المياه التي تكون في الأسواق وفي الشوارع، فالإنسان إذا لم يتحقق نجاستها فالأصل فيها الطهارة، ولا يحتاج إلى أن يغسل رجليه بسبب ذلك الذي وطئه في الشوارع وفي الطرقات إذا لم يكن متحققاً بأنه نجس. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: (كنا لا نتوضأ من موطئ) يعني:
    بسبب وطء الشيء، ولعل المقصود هنا بالوضوء: الوضوء اللغوي، الذي هو غسل الرجل، وليس الوضوء الشرعي، الذي هو غسل الوجه واليدين, وعلى هذا يكون قوله هنا: (لا نتوضأ من موطئ) يعني: لا نغسل الرجلين بسبب وطئهما للأذى. لكن كما قلت: إذا كانت النجاسة معروفة ومحققة، والإنسان وطئها وهي رطبة وعلقت برجله، أو كانت النجاسة يابسة ورجله رطبة ووقعت على النجاسة، فالنجاسة تغسل، ما دام أنه تحقق أن النجاسة وصلت إلى رجله؛ لأنه يلزم عند الصلاة طهارة البدن والثوب والبقعة، وذلك بأن يكون بدنه ليس فيه نجاسة، وثيابه ليس فيها نجاسة، والبقعة التي يصلي فيها ليس فيها نجاسة، إلا إذا كانت متنجسة وفرش عليها فراش، والإنسان يصلي على الفراش فهذا لا يؤثر. وقوله: (ولا نكف شعراً ولا ثوباً) يعني: في الصلاة، فلا نرفعها،
    وإنما نرسلها حتى يصيبها ما يصيب غيرها من مواضع السجود، فالإنسان لا يكف شعراً، فإذا كان شعره متدلياً فلا يكفه من أجل أن يسجد، بل يجعله يسجد معه، وكذلك الثوب لا يرفعه عن الأرض حتى يسجد، بل عليه أن يترك ثيابه ويصلي على هيئته ولا يكف شعراً ولا ثوباً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كنا لا نتوضأ من موطئ ولا نكف شعراً ولا ثوباً)
    قوله:
    [ حدثنا هناد بن السري ].
    هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [ و إبراهيم بن أبي معاوية ].
    أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، و إبراهيم بن أبي معاوية صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ عن أبي معاوية ].
    هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    (ح) هي للتحول من إسناد إلى إسناد، و عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ حدثني شريك ].
    هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثم الرازي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ و ابن إدريس ].
    هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأعمش ].
    هنا يلتقي الإسنادان -الإسناد الأول والإسناد الثاني- عند الأعمش ، و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شقيق ].
    هو شقيق بن سلمة الكوفي أبو وائل، مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بالكنية كثيراً، ويأتي ذكره بالاسم كما هنا شقيق بن سلمة ، وهو ثقة مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ قال عبد الله ].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه،
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد فقهاء الصحابة، وكانت وفاته سنة (32هـ) في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه أحد العبادلة الأربعة؛ لكن الصحيح أنه ليس منهم؛ لأن المشهور أن العبادلة هم من صغار الصحابة، وهم متقاربون في السن، وقد عاشوا إلى ما بعد سنة 60هـ، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود ؛
    وهم عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. وعبد الله بن مسعود حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش عن شقيق عن مسروق أو حدثه عنه قال: عبد الله ]. يعني أن أبا دواد له فيه ثلاثة شيوخ: هناد بن السري و إبراهيم بن أبي معاوية و عثمان بن أبي شيبة ،
    واللفظ الذي ساقه هو بلفظ عثمان بن أبي شيبة ، ليس فيه شك، ولما ذكر الإسناد والمتن أشار بعد ذلك إلى ما عند شيخه الأول وشيخه الثاني إبراهيم بن أبي معاوية و هناد بن السري ، فإن آخر الإسناد عندهما يختلف عما عند عثمان بن أبي شيبة ؛ لأن اللفظ الذي سيق هو لفظ عثمان بن أبي شيبة . [عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله ]. يعني أن الرواية من طريق عثمان بن أبي شيبة فيها الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله ، هذه هي الصيغة التي جاءت من طريق عثمان بن أبي شيبة .
    [عن شقيق عن مسروق أو حدثه عنه].
    يعني: أن شقيقاً يروي عن مسروق بالعنعنة أو بالتحديث، ففيه شك هل قال شقيق :
    عن مسروق أو أن شقيقاً حدثه عن عبد الله بن مسعود . [وقال هناد عن شقيق أو حدثه عنه أنه قال: قال عبد الله ]. إسناد هناد بن السري هو نفس الإسناد الأول، ولا توجد زيادة، ولكن فيه الشك هل قال الأعمش عن شقيق أو قال: حدثه عنه، يعني: هل أتى بـ(عن) أو أتى بصيغة التحديث.

    حكم من يحدث في الصلاة


    شرح حديث: (إذا فسا أحدكم في الصلاة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن يحدث في الصلاة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب من يحدث في الصلاة، يعني: ماذا يصنع؟ والجواب: أنه يقطع صلاته وينصرف ويتوضأ ويعيد الصلاة.
    وقد أورد فيه حديث علي بن طلق رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة). (فلينصرف): يعني يقطع صلاته؛ لأنه حصل منه الحدث، وخروج الريح من الإنسان هو حدث ينتقض به الوضوء، ومن كان في الصلاة وحصل منه الحدث فإن عليه أن يقطع صلاته،
    وهذا فيما إذا تحقق خروج الريح؛ لأنه سبق أن مر بنا في الحديث: (إذا شك أحدكم أنه خرج منه شيء في الصلاة فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فالشيء الخارج من دبره إما صوت يسمع للريح الخارجة، أو يشم رائحة لتلك الريح التي خرجت منه، فعند ذلك يكون متحققاً بأن وضوءه انتقض، وإذا كان الأمر كذلك فعليه أن يقطع الصلاة وينصرف ويتوضأ ثم يعيد الصلاة، يعني: يستأنف الصلاة من جديد، ولا يبني على ما تقدم مما كان قبل الإحداث، وإنما عليه أن يعيد كما جاء في هذا الحديث،
    وقد جاء حديث فيه ضعف، وفيه: أنه يذهب ويتوضأ وهو في ذلك لا يتكلم ثم يبني على ما كان قد صلى، لكن الذي جاء في هذا الحديث هو الأظهر وهو الأولى؛ لأن الصلاة حصل بطلانها بخروج الريح التي خرجت من الإنسان، فعليه أن يتوضأ لتلك الريح التي خرجت ويعيد الصلاة من أولها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا فسا أحدكم في الصلاة ..)
    قوله:
    [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول ].
    عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عيسى بن حطان ].
    عيسى بن حطان مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [عن مسلم بن سلام ].
    وهو صدوق، يعني: مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [عن علي بن طلق ].
    هو صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي . وهؤلاء ثلاثة رواة على نسق وعلى ولاء، كلهم أخرج لهم أبو داود و الترمذي و النسائي !

    الوضوء من المذي


    شرح حديث: (كنت رجلاً مذاءً فجعلت أغتسل ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المذي. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبيدة بن حميد الحذاء عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه أنه قال: (كنت رجلاً مذّاءً فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذُكر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل،
    إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب في المذي. والمذي: بسكون الذال والياء مخففة، ويكون بكسر الذال وتشديد الياء، وهو سائل خفيف يخرج عند المداعبة والملاعبة، وهو نجس، فإذا خرج يغسل الإنسان ذكره، ويغسل ذلك الذي خرج بالماء،
    ولم يأت فيه ذكر الاستجمار بالحجارة، وإنما يغسل بالماء، وخروجه ينتقض به الوضوء، ويلزم الإنسان أن يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ ويصلي، وكل ما يخرج من السبيل يعتبر نجس، إلا المني فإنه طاهر.
    عن علي رضي الله تعالى عنه قال: (كنت رجلاً مذاء) أي: كثير المذي، يعني: يخرج منه المذي كثيراً، وكان يظن أنه يوجب الغسل؛ لأنه حاصل بسبب الشهوة، فظن أن له حكم الإنزال وحكم المني إذا خرج من الإنسان، فكان يغتسل كلما حصل منه ذلك حتى تشقق ظهره من البرد، فإما أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أو ذُكر ذلك له، وفي بعض الأحاديث ما يدل على أنه لم يسأل بنفسه،
    وأرسل المقداد بن الأسود ليسأل، وقد استحيا لكونه زوج فاطمة ، فهو يستحي من أن يتكلم بشيء حول الجماع والاستمتاع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أبوها، فأرسل المقداد بن الأسود، فكان الجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تفعل) يعني: لا تفعل الاغتسال الذي كنت تفعل، وإنما يكفيك أن تغسل ذكرك وتتوضأ. قوله: [ (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة) ] معناه: أنه ناقض للوضوء، وعليه أن يتوضأ. وقوله: (فإذا فضخت الماء فاغتسل).
    معناه: إذا وجد المني -الذي هو خروج بدفق ولذة- فهذا هو الذي يوجب الغسل، أما إذا لم يحصل شيء من هذا، وإنما حصل بدون لذة وبدون دفق فإنه لا يوجب الغسل، وإنما يوجب غسل الذكر والنجاسة التي خرجت، ويوجب الوضوء، وأما الغسل فلا يوجبه إلا خروج المني.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كنت رجلاً مذاءً فجعلت أغتسل ...)
    قوله:
    [حدثنا قتيبة بن سعيد ].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبيدة بن حميد الحذّاء ].
    عبيدة بن حميد الحذاء جاء ذكره تحت من اسمه عبيدة، بفتح أوله، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
    [عن الركين بن الربيع ].
    وهو ثقة، أخرج له البخاري حديث مفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
    [عن حصين بن قبيصة ].
    وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [عن علي ].
    علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمّة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. الحديث السابق (إذا فسا أحدكم ...) فيه ضعف، ولكن يشهد له حديث: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، متفق عليه، فحديث:
    (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) يشهد له من حيث الانصراف، لكن من حيث كونه يعيد الصلاة فلا يدل له، لكن هذا هو الذي يظهر من جهة أن الصلاة بطلت بحصول الناقض؛ فيتوضأ ويعيد الصلاة من أصلها، ولا يبني على ما تقدم.

    شرح حديث: (... إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود (أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته أستحي أن أسأله، قال المقداد : وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضخ فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة) ]. هذا فيه بيان أن علياً رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وبين له العلة، وقال: إنه يستحي أن يسأله لكون ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها هي زوجته، فاستحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يواجهه بهذا السؤال حياءً منه صلى الله عليه وسلم، فسأله المقداد بن الأسود فقال:
    (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضخ فرجه) يعني: ليغسله وليتوضأ وضوءه للصلاة، ولا يوجب هذا غسلاً، وإنما يوجب الوضوء فقط؛ لأنه حصل نقض الوضوء فيتعين الوضوء. وهذا فيه أن السائل ينبغي أن يبهم الفاعل، فيقول: ما حكم الرجل يرى كذا وكذا؟ ولكن لو جاء علي رضي الله عنه وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ماذا تقول في الرجل يحصل منه كذا،
    فإنه سيفهم أنه هو صاحب القصة، وأنه هو الذي يحصل منه ذلك؛ ولهذا أمر المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن يسأله، فسأله وأجابه بأنه إذا وجد أحدكم ذلك فلينضخ فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة. وفي هذا دليل على أن الإنسان عندما يكون مع أصهاره وأقاربه فلا يتحدث معهم بالشيء الذي يتعلق بالجماع وبالاتصال بالنساء؛ لأن هذا من الأشياء التي يستحيا منها مع الأقارب ومع الأصهار، كما حصل ذلك من علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ ...)
    قوله:
    [حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
    هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [عن مالك ].
    مالك بن أنس هو إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي النضر ].
    وهو سالم بن أبي أمية ، وهو ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان بن يسار ].
    سليمان بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
    [عن المقداد بن الأسود ].
    وهو المقداد بن عمرو رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث من مسند المقداد وليس من مسند علي رضي الله عنهما.

    شرح حديث: (... ليغسل ذكره وأنثييه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة أن علي بن أبي طالب قال للمقداد : .. وذكر نحو هذا، قال: فسأله المقداد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليغسل ذكره وأنثييه). قال أبو داود : ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه يغسل ذكره وأنثييه، يعني يغسلهما عند خروج المذي، وعرفنا أنه لا يكفي فيه الاستجمار، بل لابد فيه من الغسل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ليغسل ذكره وأنثييه ...)
    قوله:
    [حدثنا أحمد بن يونس ].
    هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا زهير ].
    هو ابن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن عروة ].
    وهو ثقة ربما دلّس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة ].
    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [أن علي بن أبي طالب قال للمقداد ]. هو المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
    [قال أبو داود : ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
    ورواه ابن إسحاق عن هشام عن أبيه، عن المقداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي ] يعني: أنه من مسند علي لا أنه مسند المقداد .

    شرح حديث علي: (قلت للمقداد ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قلت للمقداد فذكر بمعناه.
    قال أبو داود : ورواه المفضل بن فضالة وجماعة و الثوري و ابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر (أنثييه) ]. قوله: [فذكر بمعناه]: أي: معنى الحديث المتقدم، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ وضوءه للصلاة.

    تراجم رجال إسناد حديث علي: (قلت للمقداد)
    قوله:
    [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن أبيه ].
    عبد الله بن مسلمة مر ذكره، وأبوه هو مسلمة بن قعنب ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي ].
    عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي ، أبوه عروة حدثه عن علي .
    [قال أبو داود : ورواه المفضل بن فضالة وجماعة و الثوري و ابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي بن أبي طالب ].
    وهذا فيه أن الحديث من مسند علي ، يعني: أن عروة يرويه عن علي رضي الله تعالى عنه. والثوري مر ذكره، و ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    قوله: [ورواه ابن إسحاق ]
    هو محمد بن إسحاق صاحب السيرة، صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد ].
    وقد مرّ ذكرهم. [عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر (أنثييه_. ووجه غسل الأنثيين وإن لم يصبهما المذي؛ لأن الأنثيين لهما دخل في إفراز المني والمذي، فغسلهما مع الذكر فيه تعويض لهما عما حصل من الكسل بسبب ذلك الانتشار والانقباض الذي بعده، وأيضاً: لما قد يكون علق بهما من النجاسة التي هي من المذي.

    شرح حديث (... إنما يجزيك من ذلك الوضوء ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم - أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه قال: (كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر منه الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء، قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه) ].
    أورد أبو داود حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه، وقصته مثل قصة علي ، فقد كان يلقى من المذي شدة، وكان يكثر من الاغتسال مثل ما كان يفعل علي ، ولعلهما كانا يظنان أن هذا يوجب الغسل؛ لأنه متعلق بالشهوة، ومتعلق بخروج شيء، قال: (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء) يعني:
    يكفيك أن تتوضأ، ولا يحتاج الأمر إلى أن تغتسل، قال: (قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه) يعني: تأخذ ماء في كفك، وترش به على المكان الذي ترى أن المذي قد أصابه، ويكفيك ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إنما يجزيك من ذلك الوضوء ...)
    قوله: [حدثنا مسدد ].
    هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [حدثنا إسماعيل يعني ابن إبراهيم ].
    هو ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا محمد بن إسحاق حدثني سعيد بن عبيد بن السباق ].
    محمد بن إسحاق مر ذكره، و سعيد بن عبيد بن السباق ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سهل بن حنيف ].
    سهل بن حنيف هو صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وهو ممن تأثر وتألم كثيراً بسبب إبرام الصلح مع قريش، وكان مع علي في صفين، ولما طلب أهل الشام التحكيم كان بعض أصحاب علي يرون المواصلة والاستمرار في القتال، وكان سهل رضي الله عنه يرى أن توقف الحرب، وأن يكف الناس عن القتال، وكان يقول للذين يرون المواصلة: يا أيها الناس! اتهموا الرأي. يعني: اتهموا هذا الرأي الذي ترونه من مواصلة الحرب، ثم ذكر قصة صلح الحديبية وما حصل من كونهم رأوا رأياً وظنوا أنه الحق، ثم تبين لهم أن الحق على خلافه.

    شرح حديث: (... ذاك المذي وكل فحل يمذي ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا معاوية -يعني: ابن صالح - عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، فقال: ذاك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه،
    أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، والمقصود بقوله: (الماء يكون بعد الماء) أي: المذي؛ لأن المذي يأتي شيئاً فشيئاً، ويأخذ له وقت، وقد يغسله الإنسان في أول الأمر ويخرج منه شيء بعد ذلك، بخلاف المني فإنه يخرج بشهوة وبدفق وينقطع بعد وقت وجيز، وأما المذي فإنه يستمر في الخروج ويتكرر،
    وقد يبادر الإنسان إلى غسله ثم يخرج منه بعد غسله، فالمذي هو الماء بعد الماء، يعني المذي بعد المذي، لكونه يمذي ثم يغسله ثم يأتي المذي مرة أخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الحكم فيه أنه يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ وضوءه للصلاة. والحديث فيه اختصار؛ لأنه لم يذكر ما يوجب الغسل، ولكنه ذكر الذي لا يوجب الغسل وهو المذي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ذاك المذي وكل فحل يمذي ...)
    قوله:
    [حدثنا إبراهيم بن موسى ].
    هو إبراهيم بن موسى الرازي، ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا عبد الله بن وهب ].
    هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا معاوية يعني: ابن صالح ].
    معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [عن العلاء بن الحارث ]. وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [عن حرام بن حكيم ].
    حرام بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن.
    [عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري ].
    وهو صحابي رضي الله عنه، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .

    شرح حديث: (... لك ما فوق الإزار ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن محمد بن بكار حدثنا مروان -يعني: ابن محمد - حدثنا الهيثم بن حميد حدثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه رضي الله عنه: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار)، وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً، وساق الحديث ]. حديث عبد الله بن سعد فيه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل له من امرأته فقال: (لك ما فوق الإزار) يعني: أنك تستمتع بها بما فوق الإزار، وذكره في باب المذي؛ لأن الاستمتاع والمباشرة بدون جماع سبب لحصول المذي، هذا هو السبب في إيراد الحديث.
    والحديث مشتمل على عدة أمور، منها ما تقدم، ومنها ما يتعلق باستمتاع الرجل بأهله في حال الحيض، والحائض يستمتع بها زوجها في غير الفرج، فالفرج لا يجوز إتيانه في حال الحيض، وما عدا ذلك فيمكن الاستمتاع به. قوله: [وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً]. يعني: أنها تؤاكل، ولا يبتعد عنها زوجها أو يطلب منها أن تبتعد عن الناس في حال حيضها،
    بل تؤاكل وتضاجع ولكن لا يجامعها زوجها في حال الحيض في فرجها، ويجوز الاستمتاع بها في غير الفرج، وكذا مؤاكلتها ومضاجعتها وكل شيء إلا الجماع. وهذا فيه وسطية دين الإسلام بين ما عند اليهود وما عند النصارى، فإن اليهود عندهم التشدد في عدم مؤاكلتها ومضاجعتها، والنصارى عندهم العكس، وهو وطؤها في حال الحيض، فهؤلاء متشددون، وهؤلاء مفرّطون، والإسلام وسط بين هذا وهذا، ليس فيه الابتعاد كما يحصل من تشدد اليهود، وليس فيه التفريط كما يحصل من فعل النصارى، فهي تؤاكل وتضاجع، ولكن لا تجامَع، والحق وسط بين الطرفين المتناقضين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... لك ما فوق الإزار ...)
    قوله:
    [حدثنا هارون بن محمد بن بكار ].
    وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [حدثنا مروان يعني: ابن محمد ]. وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [حدثنا الهيثم بن حميد].
    وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
    [حدثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه ].
    وقد مرّ ذكر الثلاثة.

    شرح حديث: (... ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني حدثنا بقية بن الوليد عن سعد الأغطش -وهو ابن عبد الله - عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي -قال هشام : وهو ابن قرط أمير حمص- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: ما فوق الإزار،
    والتعفف عن ذلك أفضل). قال أبو داود : وليس هو -يعني: الحديث- بالقوي ]. هذا الحديث مثل الحديث المتقدم عن عبد الله بن سعد عندما سأل عما يحل له، فقال: (ما فوق الإزار)، وهنا الجواب مثله إلا أنه قال: (والتعفف أفضل). وهذه الجملة الأخيرة فيها شيء من جهة أن الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبوت ما فوق الإزار، وأنه كان عليه الصلاة والسلام يستمتع بأهله في حال الحيض، وذلك فيما فوق الإزار، وذكر التعفف يخالف ما جاء من فعله وإرشاده صلى الله عليه وسلم،
    فهذه اللفظة غير مستقيمة، ولهذا فإن أبا داود رحمه الله قال عن هذا الحديث: ليس بالقوي. وقيل: إن السبب في ذلك أن عبد الرحمن بن عائذ لم يسمع من معاذ ، وقيل أيضاً: إن بقية بن الوليد الذي في الإسناد كثير التدليس على الضعفاء، وقد روى الحديث بالعنعنة. ومناسبة الحديث في باب المذي من جهة أن المباشرة يحصل بها خروج المذي.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل)
    قوله:
    [حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني ].
    هشام بن عبد الملك اليزني صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [حدثنا بقية بن الوليد ].
    بقية بن الوليد صدوق كثير التدليس على الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [عن سعد الأغطش ].
    هو سعد بن عبد الله الأغطش، وهو لين الحديث، وحديثه أخرجه أبو داود وحده.
    [عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي ].
    عبد الرحمن بن عائذ الأزدي ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن. قال هشام وهو ابن قرط أمير حمص].
    وهذا زيادة تعريف له.
    [عن معاذ بن جبل ].
    معاذ بن جبل رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه علل: فيه الأغطش وهو لين الحديث، وفيه بقية ، وفيه عبد الرحمن بن عائذ، فهو لم يسمع من معاذ ، لكن قوله: (ما فوق الإزار) هذا ثابت من طرق متعددة، ومن أحاديث مختلفة، ومنها الحديث المتقدم، وهو حديث عبد الله بن سعد ، وأيضاً ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر إحدى زوجاته وهي حائض فتأتزر ثم يباشرها. وكل شيء يحل للرجل من زوجته الحائض إلا الفرج، فإذا وضع شيء يمنع الوصول إلى الفرج فكل شيء منها يمكن الاستمتاع به ولو كان تحت الإزار، لكن الإنسان الذي يخشى على نفسه أن يقع في المحظور يبتعد.

    الأسئلة


    سفر المرأة لطلب العلم
    السؤال: هل يجوز للمرأة أن تسافر من أجل طلب العلم حيث لا تجد حلقة علم في منطقتها؟

    الجواب: تحصيل العلم في هذا الزمان صار متيسراً بحيث أن المرأة وغير المرأة يستطيعان طلبه في أماكنهما، عن طريق الأشرطة، وعن طريق إذاعة القرآن الكريم، وعن طريق الكتب النافعة، فمن يريد أن يحصل العلم فهو يحصله بدون سفر.

    سكن المرأة بعيداً عن أسرتها بدون محرم
    السؤال: هل يجوز للطالبة أن تسكن بعيداً عن أسرتها بدون محرم؟
    الجواب: إذا كان لا يخشى عليها ضرر من سكناها في مكان بعيد فلا بأس بذلك، لكن إذا كان أسرتها موجودين وإياها في بلد واحد فينبغي لها أن تكون معهم، وإذا كان عندها أولاد وسكنها معهم فيه مشقة عليهم، وعندها مكان هي وأولادها، فلا بأس من بقائها وحدها.

    سفر المرأة بدون محرم مع امرأة أخرى معها محرم
    السؤال: هل للمرأة أن تسافر بدون محرم بصحبة امرأة أخرى ذات محرم؟

    الجواب: المحرم الذي معهما هو لتلك المرأة، وأما هي فليس لها محرم، والمرأة ليست محرماً للمرأة، بل محرمها هو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، هذا هو محرم المرأة، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، والمرأة ليس لها أن تسافر مع امرأة ذات محرم؛ لأن محرم المرأة ليس محرماً للمرأة الأخرى، وإنما يجوز لها أن تسافر مع وجود محرم لها هي.

    تأجيل بعض المهر إلى أجل غير معلوم
    السؤال: ما حكم تأجيل بعض المهر الشرعي إلى أجل غير معلوم كالطلاق مثلاً؟
    الجواب: إذا كان محدداً عند الطلاق فوجوده مثل عدمه، وماذا تستفيد منه؟! والناس قد يتخذون مثل هذا من أجل الربط، وهذا غير مستقيم. لكن كونه يكون مؤجلاً وليس محدداً، بل على حسب التيسر فلا بأس، وليس بلازم أن يقول: إنه يحل في الوقت الفلاني، وإنما يكون مؤجلاً متى ما تيسر له.

    حكم الصلاة في الثوب المتنجس إذا جفت النجاسة
    السؤال: إذا كانت النجاسة جافة في فراش، فهل يصلح للمصلي أن يصلي على هذا الفراش؟
    الجواب: الفراش إذا كان متنجساً فلا يصلي عليه أحد إلا إذا غسل، حتى ولو كان جافاً؛ لأن من شروط صحة الصلاة: الطهارة في البدن والثوب والبقعة. فإذا كانت الأرض نجسة -ولو كانت جافة- لا يصلي عليها، وإنما تغسل الأرض حتى تطهر، ثم يصلى عليها بعد ذلك. أما أن يعلم أن هذا المكان متنجس ثم يأتي ويصلي فوقه إذا كان جافاً، فليس له أن يصلي عليه. والذي سبق أن مر معنا هو أن يمشي ويطأ على مكان متنجس ورجله جافة، والأرض يابسة، وما علق بالرجل شيء؛ فلا يلزم غسلها، وأما كونه يصلي فوق المكان المتنجس إذا كان جافاً فلا يجوز هذا.

    حكم تعليق الآيات القرآنية من باب الحرز
    السؤال: ما حكم تعليق الآيات القرآنية لدفع الشر وجلب الخير؟
    الجواب: لا يجوز ذلك؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له).

    مكان العقل من جسد الإنسان
    السؤال: أين العقل من جسد الإنسان؟ وهل يعقل الإنسان بقلبه أو بمخه؟

    الجواب: العقل في القلب قال الله: لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46]، فأضاف العقل إلى القلوب، لكن لا شك أن له اتصالاً بالدماغ، بحيث إنه عندما يحصل خلل في الدماغ يتأثر العقل، والله تعالى أعلم."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [035]
    الحلقة (66)

    شرح سنن أبي داود [035]

    كان الحكم في أول الإسلام أنه لا يجب الاغتسال من الجماع إلا إذا أنزل المني، وكان ذلك رخصة، ثم نسخ ذلك الحكم بوجوب الغسل من الإيلاج ولو من غير إنزال. ويجوز للرجل معاودة الوطء بدون وضوء ولا اغتسال، فإن توضأ فهو أفضل، وإن اغتسل فهو أفضل وأكمل.

    ما جاء في الإكسال


    شرح حديث: (إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام لقلة الثياب ثم أمر بالغسل...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإكسال. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - عن ابن شهاب قال: حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما أخبره أن أبي بن كعب رضي الله عنه أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك). قال أبو داود : يعني (الماء من الماء) ].
    هذا أول باب من أبواب الغسل، والإمام أبو داود رحمه الله جعل كل ما يتعلق بالطهارة من وضوء وغسل وحيض وتيمم داخل تحت كتاب الطهارة، ثم يأتي بعده كتاب الصلاة. والبخاري رحمه الله قسم هذا الكتاب إلى كتب، فإنه جعل الكتب في الطهارة أربعة: الوضوء والغسل والحيض والتيمم، ثم بعد ذلك يأتي كتاب الصلاة. والإمام أبو داود رحمه الله جعلها كلها كتاباً واحداً باسم كتاب الطهارة؛ لأن الوضوء طهارة صغرى، فهو رفع الحدث الأصغر، والغسل من الجنابة طهارة؛ لأن فيه رفع الحدث الأكبر، والغسل من الحيض وأحكام الحيض وما إلى ذلك طهارة، والتيمم الذي يحل محل هذه الأمور حيث لا يوجد الماء أو لا يقدر على استعماله مع وجوده طهارة؛ لأنه يرفع كل الأحداث المتقدمة، ففيه الطهارة لمن أراد أن يرفع الحدث الأصغر، وفيه الطهارة من الجنابة، وفيه الطهارة من الحيض، لأن التيمم بدل من الاغتسال، فهو ينوب منابه ويقوم مقامه كما يقوم مقام الوضوء. وقد بدأ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى بالأبواب المتعلقة بالجنابة وما يتعلق بأحكامها والاغتسال منها، ثم بعد ذلك يأتي بما يتعلق بالحيض، ثم بعد ذلك يأتي بما يتعلق بالتيمم، ثم بعد ذلك يأتي كتاب الصلاة.
    قوله: [باب الإكسال] الإكسال هو: كون الإنسان يجامع ولا ينزل، يعني: يحصل عنده كسل وفتور بعد النشاط فلا يحصل إنزال، هذا هو الإكسال. وقد جاءت السنة في أول الأمر على أنهم لا يغتسلون منه، وإنما الاغتسال من الإنزال فقط، وكان ذلك رخصة في أول الأمر، ثم بعد ذلك جاء الأمر بالاغتسال وإن لم يحصل إنزال، فإذا حصل إيلاج وحصل التقاء الختانين فإنه يتعين الغسل وإن لم ينزل، فكان الحكم آخراً هو أن الإكسال لا بد معه من الاغتسال، وأن الترخيص بعدم الاغتسال إنما كان في أول الأمر ثم بعد ذلك نهوا عن العمل بالشيء الذي كان مرخصاً لهم من قبل. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه كان ذلك -والمشار إليه حديث: (إنما الماء من الماء)- في أول الأمر، يعني: كانوا لا يغتسلون من الإكسال، وإنما يغتسلون من نزول الماء، الذي هو المني، ثم نسخ ذلك، وأمروا بالاغتسال، ونهوا عن الشيء الذي كانوا عليه من قبل وهو ترك الاغتسال لعدم الإنزال، فصار الحكم المستقر أنه يجب الاغتسال سواء أنزل أو لم ينزل ما دام أنه حصل الجماع وحصل التقاء الختانين. هذا إذا حصل الإيلاج وحصل التقاء الختانين، وقد جاء في حديث أبي هذا أنه كان رخصة في بدء الإسلام لقلة الثياب، وفي نسخة: (لقلة الثبات) وقوله:
    لقلة الثياب. عليه عامة النسخ، والأمر فيه خفاء؛ لأن ترك الاغتسال لقلة الثياب تعليل غير واضح، لكن بعض أهل العلم قال: يمكن أن يقال: إنهم كانوا في حاجة، وكانوا في أول الأمر ليس عندهم شيء، وكان الواحد منهم يكون له ثوب واحد إذا اتسخ غسله وأعاده على نفسه، وقل فيهم من يكون له الثوبان حتى يعاقب بينهما، فلو ألزموا بالاغتسال في كل مرة ففي ذلك مشقة عليهم؛ لأن الواحد ليس عنده إلا ثوب واحد، وليس عنده ثياب متعددة لقلة ذات اليد. قيل: لعل هذا هو الوجه، لكن تعليل ترك الاغتسال مع عدم الإنزال بهذا التعليل غير واضح.
    وأما على النسخة التي فيها: (لعدم الثبات) فالأمر واضح من جهة أنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكان الإيمان ما استقر في قلوبهم وما تمكن في أنفسهم، فمن باب التخفيف عليهم والتسهيل لم يلزمهم بالغسل إذا لم يحصل إنزال، ولكنه بعد ذلك ألزم به، وصار من الأحكام المستقرة الثابتة التي لابد منها. ومن المعلوم أنه في أول الأمر كان التشريع يأتي على التدرج في بعض الأمور التي كانوا قد اعتادوها كالخمر، فإنها حرمت عليهم بالتدريج، وكالصيام فإنه وجب عليهم بالتخيير حتى استقر الأمر على وجوب صيام شهر رمضان. إذاً: في أول الإسلام رخص لهم هذه الرخصة، وبعد ذلك انتهت هذه الرخصة وحلت محلها العزيمة التي هي وجوب الاغتسال إذا حصل إيلاج سواء حصل إنزال أم لا، والغسل من الإنزال متعين ولو لم يحصل إيلاج، فمجرد خروج المني دفقاً بلذة يوجب الغسل، ولكن الكلام فيما يتعلق بالجماع والتقاء الختانين ثم لا يحصل إنزال.
    وقد ذهب إلى البقاء على الحكم الأول بعض الصحابة؛ وذلك لأنه لم يبلغهم النسخ، ولكنه نقل عنهم الرجوع عن ذلك بعد أن بلغهم، وكذلك جاء عن بعض التابعين، والجمهور على أن الاغتسال واجب ولازم مع الإكسال، وأنه لابد منه أنزل أو لم ينزل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام لقلة الثياب ثم أمر بالغسل ...)
    قوله:
    [حدثنا أحمد بن صالح ].
    أحمد بن صالح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل.
    [حدثنا ابن وهب ].
    هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عمرو يعني ابن الحارث ].
    وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب ].
    وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [قال: حدثني بعض من أرضى].
    هنا أبهم الشخص مع التعديل والتوثيق؛ لأنه ما قال: حدثني رجل، وإنما قال: حدثني بعض من أرضى، وهذا إبهام مع التوثيق والتعديل، وهذا عند المحدثين من قبيل المبهم، وإذا علم زال الإشكال، وأما إذا لم يعلم فإنه لا يعول عليه؛ لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحاً عند غيره، لكن ذكر بعض أهل العلم أن الرجل المبهم هو أبو حازم سلمة بن دينار وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أن سهل بن سعد الساعدي أخبره].
    سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو العباس ، وقد قال بعض أهل العلم: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا سهل بن سعد الساعدي و عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما.
    [أن أبي بن كعب أخبره]
    وهو الصحابي المشهور الذي جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لم يكن) قال: وسماني! قال: نعم، فبكى أبي رضي الله تعالى عنه)، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن مهران البزار الرازي حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد حدثني أبي بن كعب رضي الله عنه أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء، كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد ].
    أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله: (كانت الفتيا التي كانوا يفتون بها أن الماء من الماء في أول الإسلام، ثم أمروا بالاغتسال فيما بعد). يعني أن الأمر الأول كان رخصة، وأنهم كانوا يفتون بذلك بناء على تلك الرخصة، وبعد ذلك انتهت الرخصة وجاءت العزيمة وصار الاغتسال متحتماً من الإنزال وعدم الإنزال.
    تراجم رجال إسناد حديث (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة)
    قوله:
    [حدثنا محمد بن مهران البزار الرازي ].
    وهو ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود .
    [حدثنا مبشر الحلبي ].
    مبشر بن إسماعيل الحلبي وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد أبي غسان ].
    وهو محمد بن مطرف كنيته أبو غسان ، واسم أبيه مطرف ، وفي التعليق: أن في بعض النسخ محمد بن أبي غسان والصواب ما ذكر في الكتاب بدون ذكر ابن؛ لأن كنيته أبو غسان ، وأبوه مطرف ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي حازم ].
    وهو سلمة بن دينار الذي أبهمه الزهري في الإسناد السابق، ولو لم يعرف المبهم فإن وجود هذه الطريق الأخرى التي فيها تسمية جميع الرواة كاف في صحة الرواية السابقة، وإنما الإشكال لو لم يأت الحديث إلا من طريق ذلك المجهول الذي قيل فيه: (حدثني بعض من أرضى)، أما إذا جاء طريق آخر متصل فيكون شاهداً أو متابعاً لذلك الطريق الذي فيه ذلك الرجل المبهم، فالرجل المبهم هو أبو حازم كما قال ذلك بعض أهل العلم، وأيضاً جاء طريق آخر فيه تسمية أبي حازم في الرواية عن سهل بن سعد في هذا الحديث.
    [عن سهل بن سعد حدثني أبي بن كعب ].
    سهل وأبي قد مر ذكرهما .
    شرح حديث: (إذا قعد بين شعبها الأربع ..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي حدثنا هشام و شعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد بين شعبها الأربع، وألزق الختان بالختان؛ فقد وجب الغسل) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا قعد) أي: الرجل (بين شعبها الأربع، وألزق الختان الختان؛ فقد وجب الغسل) وفي رواية لمسلم : (وإن لم ينزل). وهنا قال: (فقد وجب الغسل) يعني: بمجرد حصول ذلك، ولم يذكر أن هناك إنزالاً، وقد جاء التنصيص في صحيح مسلم على أنه وإن لم ينزل فقد وجب الغسل، وهذا هو الناسخ لحديث: (إنما الماء من الماء) والذي كان رخصة في أول الأمر، ثم جاءت بعده العزيمة، وهي وجوب الاغتسال من الجماع إذا حصل التقاء الختان بالختان، وإن لم يحصل إنزال. قوله: (إذا جلس بين شعبها)] قيل:
    المراد: بين اليدين والرجلين ثم شرع في قضاء حاجته وما يريده من الجماع فإنه يجب عليه أن يغتسل والحالة هذه وإن لم يحصل إنزال. قوله: [(وألزق الختان بالختان)] فيه دليل على مشروعية الختان للرجل والمرأة، فالختان يكون للرجل ويكون للمرأة؛ لأنه قال: (ألزق الختان بالختان)، وفي بعض الروايات:
    (إذا التقى الختانان) يعني: ختان الرجل وختان المرأة، وهذا دليل على أن الختان يكون للرجل ويكون للمرأة إلا أنه واجب في حق الرجل ومستحب في حق المرأة, وليس بواجب. فإذا جلس بين شعبها ثم جهدها فقد وجب الغسل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قعد بين شعبها الأربع ...)
    قوله:
    [حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ].
    مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا هشام ].
    هشام بن أبي عبد الله ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و شعبة ].
    شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قتادة ].
    قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحسن ].
    الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي رافع].
    عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهو غير المدني الذي يروي عن أبي هريرة ، فهو ليس مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبو رافع الصائغ المدني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة ].
    أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
    شرح حديث: (الماء من الماء)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الماء من الماء)، وكان أبو سلمة يفعل ذلك ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري : (الماء من الماء)، والمقصود من ذلك ما كان ثابتاً في أول الأمر من أن الاغتسال إنما يكون بسبب الإنزال؛ لأن قوله: (الماء) الأول المقصود به ماء الاغتسال، فهو يجب (من الماء) الذي هو المني، فمعنى:
    (الماء من الماء) أن الاغتسال إنما يكون عند نزول الماء الذي هو المني. وقد جاء عن ابن عباس أن المقصود من قوله: (الماء من الماء) ما يحصل في النوم من الجماع لا يترتب عليه حكم إلا إذا وجد إنزال، أي: الاغتسال بسبب الاحتلام لا يكون إلا مع الإنزال، فلو رأى أنه جامع وتحقق في منامه أن المجامعة وجدت لكنه قام ولم يجد ماءً فلا غسل عليه، وهذا صحيح، فالعبرة بوجود المني. فابن عباس قال: إن هذا المراد بقوله: (الماء من الماء) وهذا معنى صحيح من جهة أن الحكم مستقر على أنه لابد من الاغتسال بعد الجماع سواء حصل إنزال أو لم يحصل إنزال إلا في حال النوم فإنه إذا رأى أنه جامع في المنام فلا يتعين عليه اغتسال إلا إذا وجد الماء، كما جاء في حديث المرأة التي سألت الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم. إذا هي رأت الماء).
    قوله: [وكان أبو سلمة يفعل ذلك] يعني: كان يرى ما يقتضيه هذا الحديث الذي هو: (الماء من الماء) وهو من التابعين الذين كانوا يرون أن الاغتسال إنما يكون مع وجود الماء، ولعل عذر من جاء عنه ذلك أنه لم يبلغه الحديث الناسخ الذي دل على خلاف ذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث: (الماء من الماء)
    قوله:
    [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. مر ذكر الأولين، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد الخدري ].
    عن أبي سعيد الخدري وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بكنيته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    الجنب يعود إلى الجماع


    شرح حديث : (أن رسول الله طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يعود. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا إسماعيل حدثنا حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد). قال أبو داود : وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس، و معمر عن قتادة عن أنس، و صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله باب الجنب يعود. يعني:
    إذا جامع ثم أراد العود إلى الجماع، هذا هو المقصود بالترجمة. يعني: أن له أن يعود وإن لم يحصل هناك اغتسال من الجماع الأول، فيمكن أن يجامع عدة مرات في غسل واحد، ولا يلزمه أن يغتسل لكل مرة، وسواء كان له امرأة أو أكثر من امرأة.
    وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في غسل واحد، ومن المعلوم أن كونه يطوف على نسائه في غسل واحد معناه تكرر الجماع بدون اغتسال بين كل جماعين، وهذا معناه أنه حصل العود، وهذا العود كان مع أكثر من واحدة، والعود جائز سواء كان مع الزوجة الواحدة أو مع غيرها، كله يقال له: عود إلى الجماع، ومن المعلوم أن العود مع الواحدة نفسها أو مع غيرها كل ذلك سائغ، وإن لم يحصل اغتسال. ولكن إذا وجد الاغتسال فلا شك أنه أكمل، وإذا لم يوجد الاغتسال ووجد الوضوء بين ذلك فلا شك أنه أكمل، وكل ذلك سائغ.
    وفي هذا الحديث ما كان عليه الصلاة والسلام من القوة التي أعطاه الله، حيث كان يدور على نسائه بغسل واحد، وكن إحدى عشرة زوجة رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن. قال بعض أهل العلم: فيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجب عليه القسم بين زوجاته؛ لأنه دار عليهن، ومن المعلوم أن النوبة كانت لواحدة منهن، فكونه يدور عليهن مع أن النوبة لواحدة منهن دليل على عدم وجوب القسم عليه، وقد قال بهذا بعض أهل العلم.
    وقال بعضهم: إن القسم واجب عليه، وكان يقسم عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن يكون دورانه عليهن وطوافه بهن ومجامعته لهن بإذن صاحبة النوبة كما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته أن يمرض في بيت عائشة بدلاً من أن يأتي إلى كل واحدة في ليلتها، فبقي في بيت عائشة وكانت تأتي إليه بقية الزوجات ويجلسن معه ويزرنه صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا من هذا القبيل، يعني: أنه كان برضاهن أو أنه كان بعد انتهاء النوبات عليهن، فحصل أنه دار عليهن ثم بدأ بصاحبة النوبة بعد أن أكمل الدوران عليهن في كل يوم وليلة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد)
    قوله:
    [حدثنا مسدد بن مسرهد ].
    مسدد بن مسرهد ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [حدثنا إسماعيل ].
    وهو إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حميد الطويل ].
    حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس ].
    أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الاسناد من رباعيات أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.
    [قال أبو داود : وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ].
    هشام بن زيد بن أنس بن مالك ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و معمر عن قتادة عن أنس ].
    معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن قتادة مر ذكره. عن أنس مر ذكره.
    [و صالح بن أبي الأخضر عن الزهري ].
    صالح بن أبي الأخضر ضعيف يعتبر به، يعني: ضعفه يسير يعتبر به، ولا يحتج به إذا انفرد، ولكنه يستأنس به ويعتبر به، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة. والزهري قد مر ذكره.
    [كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني: بهذا اللفظ الذي سبق أن مر وأنه طاف على نسائه في غسل واحد.
    الوضوء لمن أراد أن يعود إلى الجماع


    شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء لمن أراد أن يعود. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، فقلت له: يا رسول الله! ألا تجعله غسلاً واحداً؟! قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر).
    قال أبو داود : وحديث أنس أصح من هذا]. ثم أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي الوضوء لمن أراد أن يعود. يعني: إذا أراد أن يعود إلى الجماع مع الزوجة الواحدة أو مع أكثر من زوجة فإن عليه أن يتوضأ أو يغتسل، والغسل لاشك أنه أكمل. وقد أورد أبو داود رحمه الله الحديث وفيه الاغتسال وليس فيه ذكر الوضوء، بلفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه) يعني: كل واحدة يغتسل عندها ثم يذهب إلى غيرها ويجامعها، فيغتسل عند كل واحدة. فقال له أبو رافع: (ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: هذا أزكى وأطهر وأطيب) يعني: كونه يغتسل بعد كل جماع أزكى وأطيب وأطهر.
    وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا في بعض المرات، وفي بعض الأحيان طاف عليهن في غسل واحد، فلا تنافي بين الحديثين، وهذا يدل على جواز الأمرين، ويدل على أن الأفضل الاغتسال بعد كل جماع؛ لأن أبا رافع لما سأله قال: (هذا أزكى وأطيب وأطهر) يعني: أنه أكمل وأولى، ولكن ذاك الذي فعله في حديث أنس يدل على جوازه، وأن للأمة أن تفعل مثل ذلك، وأنه لا بأس به، ولكنه إذا حصل الاغتسال مع كل جماع فهو أولى وأكمل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا أزكى وأطيب وأطهر) فدل على جواز هذا وهذا، وأن الاغتسال أفضل. والمصنف ذكر في الترجمة الوضوء، وما ذكر في الحديث الوضوء؛ لأن الاغتسال مشتمل على وضوء؛ لأن رفع الحدث الأكبر يرفع الأصغر، وعندما يريد الجنب أن يغتسل يتوضأ أو ينوي أن يرفع الحدثين، فمعناه أن الاغتسال معه وضوء، فيكون الحديث مطابقاً للترجمة؛ وإن ذكر في الترجمة الوضوء وفي الحديث الاغتسال؛ وذلك لأن الاغتسال يكون معه وضوء.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه)
    قوله:
    [حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد ].
    حماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقا ًو مسلم وأصحاب السنن.
    [عن عبد الرحمن بن أبي رافع ].
    وهو مقبول أخرج له أصحاب السنن.
    [عن عمته سلمى ].
    وهي مقبولة أخرج حديثها أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [عن أبي رافع ].
    عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [قال أبو داود : وحديث أنس أصح من هذا ].
    ليس المقصود بهذا تضعيف الحديث، وإنما بيان أن ذاك أصح من هذا، ولاشك أنه أصح؛ لأن رجاله يتميزون على رجال الثاني، ولكن هذا ليس تضعيفاً للحديث الثاني، فإن ما جاء في هذا سائغ، وما جاء في ذلك الحديث سائغ، وحديث: (دار على النساء في غسل واحد) أصح، ورواته أتقن، والحديث الثاني حسن أو صحيح، ولكن الاغتسال بين كل جماعين لاشك أنه أكمل وأفضل.
    شرح حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري، وفيه مطابقة للترجمة.
    ومعنى قوله: (ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً) يعني: بين الجماعين، وسواء أراد العود مع زوجته الواحدة أو غيرها من زوجاته، فكونه يتوضأ لا شك أنه أكمل، والاغتسال أكمل من الوضوء، وإن عاود من غير وضوء ولا اغتسال فإن ذلك سائغ.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود ...)
    قوله:
    [حدثنا عمرو بن عون ].
    عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حفص بن غياث ].
    حفص بن غياث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عاصم الأحول ].
    عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي المتوكل ].
    أبو المتوكل الناجي وهو علي بن داود ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد الخدري ].
    عن أبو سعيد الخدري وقد مر ذكره.
    الأسئلة


    معنى حديث: (إذا التقى الختانان ...)
    السؤال: قوله: (إذا التقى الختانان ...) هل هو على ظاهره؟

    الجواب: لا، ليس على ظاهره، فلو حصل أنه مسه بدون إيلاج لا يترتب على ذلك وجوب الغسل، وما دام لم ينزل فلا يجب الغسل، فالحكم للإنزال.

    معنى قوله: (وألزق الختان الختان)
    السؤال: ما معنى قوله: (وألزق الختان الختان)؟
    الجواب: هو بمعنى التقاء الختانين؛ لأنه لا يحصل التقاء الختانين إلا إذا غابت الحشفة."


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [036]
    الحلقة (67)

    شرح سنن أبي داود [036]

    للجنب أحكام خاصة به. منها ما يتعلق بمعاودته للجماع، ومنها ما يتعلق بنومه وأكله وشربه، ومنها ما يتعلق بقراءته للقرآن ودخوله المسجد، وقد جاءت أحاديث كثيرة تبين هذه الأحكام.

    ما يشرع لمن أراد النوم وهو جنب


    شرح حديث: (... توضأ واغسل ذكرك ثم نم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب ينام. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم) ].
    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب في الجنب ينام يعني: دون أن يغتسل، وأورد حديث عبد الله بن عمر أن عمر ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة، وقيل: إن المقصود بذلك عبد الله بن عمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ واغسل ذكرك) المقصود: أنه يجمع بينهما، وليس المقصود من ذلك الترتيب؛ لأن الواو لا تفيد الترتيب، وإنما المقصود أنه يغسل ذكره ثم يتوضأ، ولا يتوضأ ثم يغسل ذكره، وإنما يكون الوضوء بعد غسل الذكر، فالواو لا تفيد الترتيب، وإنما هي لمطلق المقارنة؛ فإن غسل الذكر مقدم على الوضوء؛ لأن غسل الذكر لإزالة ما علق به من آثار الجماع، والوضوء:
    هو فعل أركان الوضوء ابتداءً بغسل الوجه وانتهاءً بغسل الرجلين. فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد من أراد أن ينام أن يغسل ذكره ويتوضأ وإن لم يغتسل، وهذا الوضوء عند جمهور أهل العلم مستحب وليس بواجب، والأكمل للجنب إذا أراد أن ينام الاغتسال، وإذا لم يحصل اغتسال فيليه الوضوء، وإذا لم يحصل الاغتسال ولا الوضوء فيليه أن يغسل ذكره فقط، ويزيل الآثار التي علقت به، وله أن ينام دون أن تحصل منه هذه الأمور كلها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... توضأ واغسل ذكرك ثم نم)
    قوله:
    [حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
    عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [عن مالك ].
    مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
    [عن عبد الله بن دينار ].
    عبد الله بن دينار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر ].
    عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قيل: إن الاستفتاء من عمر لأجل ابنه أي: عبد الله هو الذي كانت تصيبه الجنابة، مثل قضية الطلاق عندما طلق زوجته فأخبره عمر فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها). وهذا الحديث من مسند ابن عمر أو من مسند عمر و ابن عمر يروي عن أبيه على اعتبار أنه هو الذي باشر السؤال.
    ما يشرع لمن أراد الأكل وهو جنب


    شرح طريقي حديث عائشة فيما كان يفعله النبي إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجنب يأكل. حدثنا مسدد و قتيبة بن سعيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة). حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه) ]. قال أبو داود رحمه الله: باب الجنب يأكل. يعني: أن له أن يأكل، وكونه يتوضأ أو يغسل يديه هذا هو الذي ينبغي له أن يفعله، وهذا أكمل وأتم، وإذا أكل أو شرب دون أن يتوضأ ودون أن يغسل يديه فلا بأس بذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة)
    قوله:
    [حدثنا مسدد و قتيبة بن سعيد ].
    تقدم ذكر مسدد و قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان ].
    هو سفيان بن عيينة ؛ لأنه إذا جاء لفظ (سفيان) غير منسوب، ويروي عنه قتيبة و مسدد ، ويروي هو عن الزهري ، فالمراد به ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة ].
    الزهري و أبو سلمةوقد مر ذكرهما، وأما عائشة فهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه)
    [حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].
    محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن المبارك ].
    عبد الله بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس ].
    يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه) ].
    يعني: مثلما تقدم من حيث الإسناد والمعنى، أي: أن الجنب يغسل يديه عندما يريد أن يأكل. وغسل اليد قبل الطعام مستحب إذا كانت وسخة، وأما إذا كانت غير وسخة أو يريد الإنسان أن يشرب من الإناء فلا بأس بذلك، لكن إذا كانت اليد فيها قذر فينظفها الإنسان، ولا يستعملها وهي قذرة.
    زيادة الأكل في حديث الوضوء عند النوم للجنب
    [قال أبو داود ورواه ابن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة رضي الله عنها مقصوراً، ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك ، إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة ، ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك ].
    قوله: [فجعل قصة الأكل عن عائشة مقصوراً] يعني: اقتصر على ذكر قصة الأكل، وما ذكر قصة النوم؛ لأن الحديث الذي تقدم عن الزهري فيه أكل ونوم، وهذه الرواية الأخيرة التي فيها عبد الله بن وهب عن الزهري فيها ذكر الأكل مقتصراً عليه، وليس فيها ذكر النوم، والترجمة تتعلق بالأكل، وأما النوم فسبق أن عقد له ترجمة تخصه.
    ورواه صالح بن أبي الأخضر -وقد مر ذكره- عن الزهري كما قال ابن المبارك يعني: فيما يتعلق بذكر الجمع بين الأكل والنوم إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة يعني: شك بين هذا وهذا، وكل منهما ثقة، وكل منهما من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، إلا أن أحدهما متفق على عده في الفقهاء السبعة وهو عروة ، والثاني مختلف فيه وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك ، يعني: مرسلاً، بالجملتين والأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    من قال يتوضأ الجنب


    شرح حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن يأكل أو ينام ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يتوضأ الجنب. حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ. تعني: وهو جنب) ].
    أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب من قال: يتوضأ الجنب. يعني: إذا أراد أن يأكل أو ينام فإنه يتوضأ، وقد سبق أن مر أن الجنب ينام، وأنه يشرع له أن ينام وهو متوضئ، والمقصود من ذلك أن له أن يؤخر الغسل، ويكتفي بالوضوء إلى وقت الغسل، وذلك لتخفيف الجنابة لا لزوال الجنابة، ولحصول النظافة والطهارة في الجملة فيما يتعلق بالفرج، وإزالة ما علق به من أثر الجماع، وكذلك غسل الأعضاء. أورد أبو داود حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
    (كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ تعني: وهو جنب) عائشة رضي الله عنها وأرضاها بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يكون جنباً ويريد أن يأكل أو ينام فإنه يتوضأ، ومن المعلوم أن الوضوء هو الوضوء الشرعي الذي هو غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس وغسل الرجلين، إلا أنه فيما يتعلق بالنسبة للأكل فقد جاء في بعض الروايات التي سبق أن مرت ما يدل على أنه كان يغسل يديه فقط عند إرادة الأكل، فيكون المقصود به هنا الوضوء اللغوي، وإذا توضأ الوضوء الشرعي فهو أكمل وأفضل بلا شك، وأما بالنسبة للنوم فإنه يتوضأ الوضوء الشرعي، وذلك لتخفيف الجنابة لا لإزالتها؛ لأنها لا تنتهي إلا بالاغتسال حيث يوجد الماء، وإلا يقوم التيمم مقام الاغتسال إذا عدم الماء أو لم يقدر على استعماله.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن يأكل أو ينام ...)
    قوله:
    [حدثنا مسدد ].
    مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [حدثنا يحيى ].
    يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة ].
    شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الحكم ].
    الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم ].
    إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود ].
    وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة ].
    عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق من أوعية السنة وحفظتها لا سيما فيما يتعلق بالأمور التي تجري بين الرجل وأهل بيته، والأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء، فإنها وعت وحفظت الكثير رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (أن النبي رخص للجنب إذا أكل أو شرب ..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى -يعني: ابن إسماعيل - حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة - قال: أخبرنا عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ). قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر و عمار بن ياسر في هذا الحديث رجل. وقال علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ].
    أورد أبو داود حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ)، يعني: أنه إذا أراد ذلك فإنه عليه أن يتوضأ، ورخص له أن يتوضأ، وهذا فيه دليل على أن الاغتسال والمبادرة إليه حيث أمكن هو الأولى والأفضل، ولكنه إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب فإنه يتوضأ، وبالنسبة للأكل والشرب إذا اكتفى بغسل اليدين فإن ذلك يكون كافياً، وقد مر الحديث الذي فيه أنه كان إذا أراد أن يأكل غسل يديه، فيكون المراد به الوضوء اللغوي فيما يتعلق بغسل اليدين، وإن توضأ الوضوء الشرعي فإنه يكون أشمل وأفضل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي رخص للجنب إذا أكل أو شرب ..)
    قوله:
    [حدثنا موسى يعني: ابن إسماعيل ].
    موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والذي قال: يعني. هو من دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يمكن أن يقول هذا الكلام، بل قاله من دونه؛ لأن الراوي ينسب شيخه كما يريد، لكن من دون الراوي هو الذي يحتاج إلى أن يضيف شيئاً، ويأتي بكلمة أو بعبارة تدل على أن ما بعد هذه العبارة أو بعد هذه الكلمة ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، وقد مرت أمثلة عديدة على أن من دون أبي داود يضيف كلمة: يعني لبيان بعض الأسماء المهملة التي تأتي عند أبي داود باختصار، ولا ينسبها، وإنما يأتي باسم الراوي فقط دون أن ينسبه، ويسمى هذا المهمل، فيأتي من دونه فيقول: يعني. أي: يعني أبو داود في قوله: موسى موسى بن إسماعيل التبوذكي .
    [حدثنا حماد يعني: ابن سلمة ].
    كلمة: يعني: ابن سلمة هذه تحتمل أن تكون من أبي داود أو ممن دون أبي داود بخلاف التي قبلها فإنها لا تحتمل أن تكون من أبي داود وإنما هي ممن دون أبي داود . و حماد بن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [أخبرنا عطاء الخراساني ].
    عطاء بن أبي مسلم الخراساني وهو صدوق يهم كثيراً، أخرج حديثه الإمام مسلم وأصحاب السنن. [عن يحيى بن يعمر ]. يحيى بن يعمر وهو ثقة، يرسل أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمار بن ياسر ].
    عمار بن ياسر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر و عمار بن ياسر في هذا الحديث رجل ].
    وهذه العبارة تعني أن يحيى بن يعمر لم يسمع هذا الحديث من عمار ، وأنه بينهما واسطة، وهذا يتفق مع ما ذكر عنه أنه ثقة يرسل، فروايته عن عمار بن ياسر في هذا الحديث مرسلة؛ لأن بينه وبينه واسطة.
    شرح آثار عن الصحابة في وضوء الجنب إذا أراد الأكل
    [وقال علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ]. ذكر المصنف هذا الأثر عن هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عن الجميع، وهو: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ. ويحتمل أن يكون مرادهم الوضوء الشرعي، ويحتمل أن يكون الوضوء اللغوي. والحديث المتقدم فيه ضعف، لكن معناه صحيح يشهد له ما تقدم. إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ وإن لم يغتسل، وإن لم يفعل ذلك يصح؛ لأن الوضوء ليس بلازم، وإنما هو مستحب، وسيأتي الحديث الذي فيه أنه كان ينام دون أن يمس ماءً.
    تأخير الجنب للغسل


    شرح حديث: (... ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يؤخر الغسل. حدثنا مسدد حدثنا معتمر ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا: حدثنا برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث قال: (قلت لعائشة رضي الله عنها: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
    قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن أم يخفت به؟ قالت: ربما جهر به وربما خفت، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب الجنب يؤخر الغسل. يعني: أن الغسل لا يلزم على الفور بعد الجنابة مباشرة، فله أن يبقى بدون اغتسال، وليس الغسل واجباً عليه على الفور؛ لأنه جاء ما يدل على ذلك في الأحاديث المتعددة المتنوعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن غضيف بن الحارث سألها: (أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو آخره؟ قالت:
    ربما اغتسل في أوله، وربما اغتسل في آخره) يعني: إذا حصل منه الجماع في أول الليل فكان أحياناً يغتسل في أول الليل، وأحياناً يؤخر الغسل إلى آخر الليل.
    وهذا يدلنا على أن الغسل ليس على الفور، وأنه يمكن أن يؤخر، لكن يستحب مع تأخيره أن يكون الإنسان متوضئاً، فإذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام فإنه يتوضأ على سبيل الاستحباب، فعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم (ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره)، ومحل الشاهد: (ربما اغتسل في آخره)؛ لأن هذا هو تأخير الغسل، يعني: جامع في أول الليل واغتسل في آخر الليل، وهذا يدلنا على جواز تأخير الغسل لكن مع الوضوء حتى يخفف الجنابة، وحتى يزيل الآثار التي حصلت نتيجة الجماع بحيث يكون نظيفاً، وذلك بأن يغسل فرجه ويتوضأ. ثم قال: (أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر في أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أوله، وربما أوتر في آخره) يعني: فعل هذا وهذا. وكذلك أيضاً سألها فقال: (أرأيت الرسول كان يجهر بالقراءة أم يخفت؟) يعني: في صلاة قيام الليل هل كان يجهر بالقراءة أو كان يسر؟ (قالت: ربما فعل هذا وربما فعل هذا)، يعني: كان أحياناً يجهر وأحياناً يخافت.
    إذاً: المبادرة بالنسبة للغسل أفضل، والتأخير ما لم يحن وقت الصلاة، وما لم يكن هناك أمر يقتضي الاغتسال سائغ. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل ووسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر) ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي من أول الليل في بعض الأحيان، وأحياناً من وسط الليل، وأحياناً من آخر الليل، ولكن وتره ينتهي بالسحر، بحيث لا يؤخره عن السحر، ولا يؤخره إلى طلوع الفجر، بل كان يوتر قبل أن يطلع الفجر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    والذي ينبغي في مثل هذا أن من عرف من عادته أن يستيقظ آخر الليل فإن الصلاة في آخر الليل ووتره آخر الليل أفضل، ومن خشي ألا يستيقظ وأنه يطلع عليه الفجر قبل أن يوتر فالأفضل في حقه أن يوتر قبل أن ينام، وهذا هو الذي جاءت الوصية به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من أبي هريرة و أبي الدرداء ، فحديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم ، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام).
    وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم : (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد). وأما بالنسبة للقراءة في قيام الليل فهذا الحديث يدل على أنه كان أحياناً يجهر وأحياناً يخافت، وهذا يدلنا على أن الأمر في ذلك واسع، وأن له أن يجهر، وله أن يخافت في القراءة. وفي كل هذه الأحوال الثلاثة عندما كان يسأل غضيف عائشة وتخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل هذا وفعل هذا كان يقول: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة الله.
    فكان يكبر عندما سمع أن كل ذلك سائغ، وأن كل ذلك جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه دليل على أن الإنسان عند الأمور السارة التي تعجبه يكبر؛ لأنه بذلك يظهر ما عنده من الفرح والسرور، وفي نفس الوقت يذكر الله عز وجل، فيكون إظهاره ما عنده من الفرح والسرور في أمر مشروع قربة إلى الله، وهو ذكر لله عز وجل، وهذا هو الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. هذا التابعي غضيف اختلف في صحبته، منهم من قال: هو صحابي، ومنهم من قال: تابعي، والصحابة قد جاء عنهم التكبير عند حصول ما يسر، مثل الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ أترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة؟) ففي كل مرة يقول لهم ذلك يقولون: الله أكبر! الله أكبر! وكذلك عمر رضي الله عنه وأرضاه (لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وكان قد اعتزلهن وآلى منهن شهراً، جاءه عمر فسأله وقال: أطلقت نساءك يا رسول الله؟ فقال: لا، ففرح عمر وقال: الله أكبر).
    فهذا الحديث في تكبير غضيف بن الحارث ، والحديث الذي فيه تكبير عمر رضي الله عنه، والحديث الذي فيه تكبير الصحابة رضي الله عنهم يدلنا على أن المشروع عند الفرح والسرور التكبير وليس التصفيق الذي يستعمل الآن في كثير من الأوقات عند كثير من الناس. قوله: (الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) فيه السرور وحمد الله عز وجل على أن يسر في شرعه، ولم يكلف الناس أن يغتسلوا بعد الجماع فوراً، فلهم أن يؤخروا الاغتسال، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالوتر في أول الليل وآخره، وكذلك فيما يتعلق بالقراءة جهراً وسراً في صلاة الليل، ففيه حمد الله عز وجل والثناء عليه، والفرح بما حصل من التيسير في هذه الشريعة التي جاء بها المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره ...)
    قوله:
    [حدثنا مسدد ].
    مسدد مر ذكره.
    [حدثنا معتمر ].
    معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. الملقي: [ ح وحدثنا أحمد بن حنبل ]. ثم قال: ح، وهي للتحول من إسناد إلى إسناد آخر، و أحمد بن حنبل هو: أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ].
    إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الكوفي الأسدي وهو المشهور بابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا برد بن سنان ].
    برد بن سنان وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [عن عبادة بن نسي ]. عبادة بن نسي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن غضيف بن الحارث ].
    غضيف بن الحارث وهو مختلف في صحبته، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [قلت لعائشة ].
    عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها وقد مر ذكرها.
    شرح حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب، ولا صورة، ولا جنب) والمقصود أن وجود هذه الثلاثة الأشياء في البيوت من أسباب امتناع دخول الملائكة، والمقصود بالملائكة الذين لا يدخلون ملائكة الرحمة، وأما الملائكة الموكلون بالكتابة فهم مع الإنسان دائماً، ولا يمتنعون من ملازمته لهذه الأسباب التي جاءت في هذا الحديث.
    وهذا فيه تنفير من الوقوع في هذه الأمور، والمقصود من ذكر الجنب هنا: الذي يتهاون في أمر الجنابة، ويستخف بها، ولا يهتم بها، بخلاف الذي يؤخرها لأمر طارئ أو يخففها بكونه يتوضأ كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون محمولاً على من يتهاون في أمر الجنابة، أما من يؤخرها حيث ساغ له التأخير فإن ذلك قد جاء ما يدل عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أنه يتوضأ بحيث يكون مخففاً للجنابة، وليس المقصود به أن الملائكة لا تدخل البيت ما دام أن فيه جنباً مطلقاً، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على أنه كان يؤخر الغسل إلى آخر الليل كما سبق أن مر في الحديث السابق، وكونه كان يتوضأ فإن الجنابة لا تزال باقية، ولا تزول إلا بالاغتسال، ولكن الوضوء فيه تخفيف لها. والكلب يستثنى منه الكلاب المأذون فيها، وهي ما كانت للصيد أو للزرع أو للماشية، فهذه مأذون فيها، فلا تمنع من دخول الملائكة. والصورة المقصود بها:
    الصور التي هي من ذوات الأرواح، وسواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، وإذا كان هناك شيء تدعو إليه ضرورة فيما يتعلق بالصور الفوتوغرافية فإن الإنسان يكون معذوراً، أما لغير الضرورة فإن الإنسان يبتعد عن الصور واستعمالها، والاحتفاظ بها مطلقاً، إلا لأمر يقتضي ذلك، ولحاجة أو لضرورة دعت إلى ذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ...)
    قوله:
    [حدثنا حفص بن عمر ].
    حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي .
    [حدثنا شعبة ].
    شعبة بن الحجاج مر ذكره. [عن علي بن مدرك ].
    علي بن مدرك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ].
    أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن نجي ].
    عبد الله بن نجي الحضرمي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [عن أبيه].
    الشيخ: عن أبيه نجي وهو مقبول أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [عن علي بن أبي طالب ].
    علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه ضعف من جهة نجي والد عبد الله الذي قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول. لكن على فرض صحته يكون معناه كما قال بعض أهل العلم الذي يتهاون في أمر الجنابة بخلاف الذي يبقى على جنابته وهو معذور، فله ذلك أو يخففها بالوضوء كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    شرح حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً). قال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم. يعني: حديث أبي إسحاق ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب دون أن يمس ماءً)، يعني: أنه ينام دون أن يغتسل، وقيل: أي: لا يمس ماءً لا للوضوء ولا للاغتسال، لكن إطلاقه يدل على شموله للأمرين. وقال بعض أهل العلم: التوفيق بينه وبين ما جاء من الأحاديث الأخرى الدالة على أنه كان يتوضأ أنه فعل ذلك في بعض الأحيان لبيان الجواز, وليبين أن الوضوء لمن أراد أن ينام وهو جنب للاستحباب، وأنه لو لم يتوضأ ونام فإن ذلك سائغ، وليس الاغتسال واجباً، لكنه أكمل، وإذا لم يحصل اغتسال وحصل الوضوء فهو أكمل، وإن حصل غسل الفرج فقط فلا شك أن هذا حسن، وإذا لم يفعل ذلك كله فإنه سائغ، وللإنسان أن ينام دون أن يتوضأ ودون أن يمس ماءً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث تكلم فيه من جهة أبي إسحاق ، وأنه حصل له الوهم فيه، وبعض العلماء صحح الحديث، واستدل به على أن النوم بدون اغتسال وبدون وضوء جائز.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء)
    قوله:
    [حدثنا محمد بن كثير ].
    محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا سفيان ].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و سفيان الثوري متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة مائة وواحد وستين، وتوفي محمد بن كثير سنة مائتين وسبعة وعشرين وعمره تسعون سنة، ولكونه معمراً أدرك من كان متقدماً.
    [عن أبي إسحاق ].
    وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود عن عائشة ].
    الأسود وعائشة قد مر ذكرهما.
    [قال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي الواسطي ].
    الحسن بن علي الواسطي صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [قال: سمعت يزيد بن هارون ].
    يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [يقول: هذا الحديث وهم. يعني: حديث أبي إسحاق ].
    قراءة الجنب للقرآن


    شرح حديث: ( ... ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يقرأ القرآن. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: (دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان: رجل منا ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما علي رضي الله عنه وجهاً، وقال: إنكما علجان، فعالجا عن دينكما، ثم قام فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه -أو قال: يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة) ].
    أورد أبو داود رحمه الله باب الجنب يقرأ القرآن، والمقصود: هل للجنب أن يقرأ القرآن قبل أن يحصل منه الاغتسال أو ليس له ذلك حتى يغتسل؟ كثير من أهل العلم قالوا: لا يقرأ القرآن وهو جنب لحديث علي هذا، ولبعض الأحاديث الأخرى التي فيها ضعف، لكن بمجموعها يحتج بها على أن الجنب لا يقرأ القرآن، قالوا: والجنابة هي في يد الإنسان، يتخلص منها إن كان الماء موجوداً متى شاء، وإن كان الماء غير موجود فيتيمم، وبذلك تحصل له الطهارة، وقد جاء حديث آخر فيه ضعف أنه لا يقرأ القرآن جنب أو حائض، يعني: أن الحائض والجنب لا يقرأان القرآن، وفرق بعض أهل العلم بين الجنب والحائض؛ لأن الحائض تطول مدتها، وقد يخشى نسيانها للقرآن، فلها أن تقرأ، وأما الجنب فإن جنابته بيده، ومدتها لا تطول؛ لأن الأمر يرجع إليه إذا أراد أن يتخلص من الجنابة يبادر بالاغتسال إن كان الماء موجوداً وإلا تيمم إن كان الماء غير موجود أو موجوداً ولكنه لا يقدر على استعماله، فإنه يحصل منه التيمم، وبذلك تحصل له الطهارة، فالتخلص من جنابته بيده، وأما الحيض فالتخلص منه ليس بيد المرأة، فهي محبوسة به، ومتعين عليها أن تبقى حائضاً حتى تطهر منه وتغتسل، فأجاز بعض أهل العلم للحائض أن تقرأ القرآن، ومنع أكثر العلماء الجنب من أن يقرأ القرآن لحديث علي هذا وغيره، ولكون الجنب بيده التخلص من جنابته، وليس كالحائض التي لا تتمكن ولا تستطيع أن تتخلص من حيضها؛ لأنها محبوسة به حتى تطهر منه. قال عبد الله بن سلمة : دخلت أنا ورجلان:
    رجل منا ورجل من بني أسد أحسب. يعني: أظنه من بني أسد، فقوله: إنه من بني أسد هذا ظن منه، وليس يقيناً قال: وكانا علجين يعني: كانا قويين نشيطين وصحتهما جيدة فقال: إنكما علجان، فعالجا عن دينكما. يعني: جاهدا واعملا ودافعا عن دينكما بهذه القوة التي أعطاكما الله عز وجل، فاستعملاها في العمل للدين، وفي بيان الدين، وفي الدفاع عن الدين، وفي الجهاد في سبيل الله عز وجل، فهذه القوة ينبغي أن تصرف فيما يعود على دين المسلم بالخير، وفيما يعود على المسلمين بالخير، ولا تستعمل القوة فيما يعود بالمضرة، وفيما لا يجدي ولا ينفع. وقوله: (إنكما علجان، فعالجا عن دينكما) فيه جناس؛ لأن الفعل متفق مع الاسم علجان عالجا.
    قوله: [ثم قام فدخل المخرج] يعني: دخل المكان الذي تقضى فيه الحاجة، ثم خرج وطلب ماءً فتمسح به يعني: غسل يديه. قوله: [ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا عليه] أنكروا عليه، فبين لهم أنه لا مانع من ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يمنعه من قراءة القرآن شيء إلا الجنابة، ومعنى هذا أن الحدث الأصغر لا يمنع من قراءة القرآن، فللإنسان أن يقرأ القرآن من حفظه وعليه الحدث الأصغر، ولكنه لا يقرأ من المصحف إذا كان عليه الحدث الأصغر؛ لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، أما من الحفظ فللمحدث حدثاً أصغر أن يقرأ القرآن، ولكنه يمنع من القراءة من المصحف؛ لأنه ممنوع من مس المصحف إلا في حال طهارته.
    فبين لهم أن هذا الفعل الذي فعله وأنكروه عليه سائغ؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم القرآن وهو محدث حدثاً أصغر، وأنه كان يقضي حاجته ويأتي من الخلاء ويقرئهم القرآن، ويأكل معهم، ولا يمنعه شيء من القرآن إلا الجنابة، وهذا محل الشاهد للترجمة أن الجنب لا يقرأ القرآن، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقرأ القرآن، ولا شك أن القول بعدم قراءته هو الأولى والأحوط للإنسان في دينه، لاسيما والإنسان يستطيع أن يتخلص من الجنابة بسهولة ويسر، إن كان الماء موجوداً اغتسل، وإن كان غير موجود تيمم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة)
    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة ].
    حفص بن عمر وشعبة مر ذكرهما، وعمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن سلمة ].
    عبد الله بن سلمة وهو صدوق تغير حفظه، أخرج حديثه أصحاب السنن. [قال: دخلت على علي ]. علي رضي الله عنه وقد مر ذكره. والحديث تكلم فيه من جهة عبد الله بن سلمة هذا، ولكن صححه بعض أهل العلم، وحسنه بعضهم، وهناك أحاديث أخرى بمعناه فيها ضعف، ولكن بمجموعها يقوي بعضها بعضاً، وتدل على أن الجنب لا يقرأ القرآن، وإذا أراد أن يقرأ القرآن فإنه يغتسل ويتخلص من الجنابة.
    مصافحة الجنب


    شرح حديث: (... إن المسلم لا ينجس)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يصافح. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فقال: إني جنب، فقال: إن المسلم لا ينجس) ]. أورد أبو داود باب الجنب يصافح.
    يعني: يصافح غيره ويخالط غيره، ولا مانع من ذلك، والمقصود أن مصافحته وملامسته لا بأس بها ولا مانع منها، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث حذيفة أنه كان جنباً، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم فأهوى إليه يعني: مد يده ليصافح فقال: إني جنب، يعني: أراد أن يبين أنه جنب، وكأنه رأى أن الجنب لا يليق به أن يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن المسلم لا ينجس) يعني: كون الإنسان جنباً لا يمنع من مصافحته ومن ملامسته لغيره، ولا يكون نجساً بحيث يمتنع من ملامسته، بل هو طاهر الجسد، ولكن عليه الحدث الذي يحتاج إلى رفع، وقبل أن يرفع لا مانع من ملامسته ومجالسته ومخالطته، كل ذلك سائغ ولا بأس به، فدل الحديث على أن مصافحة الجنب لا بأس بها.
    وأيضاً: دل الحديث على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام للرسول صلى الله عليه وسلم، وحرصهم على الابتعاد عن أي شيء يظنون أنه لا يليق باحترامهم وتوقيرهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن ذلك سائغ، وجائز، وأن الجنب لا ينجس، والحدث موجود معه وجسمه طاهر، والكافر هو الذي جاء أنه نجس، ولكن نجاسته حكمية، وليست عينية، بحيث إن الإنسان لو لمسه عليه أن يزيل عنه النجاسة، وإنما هي نجاسة حكمية، قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، فالمقصود بالنجاسة النجاسة الحكمية.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن المسلم لا ينجس)
    قوله:
    [حدثنا مسدد حدثنا يحيى ].
    مسدد تقدم ذكره، ويحيى هو القطان مر ذكره أيضاً.
    [عن مسعر ].
    مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن واصل ]. واصل بن حيان الأحدب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي وائل ].
    شقيق بن سلمة الكوفي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، وأحياناً يأتي باسمه شقيق بن سلمة أو يقال: شقيق فقط، وكثيراً ما يأتي بكنيته أبي وائل .
    [عن حذيفة ].
    حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (... سبحان الله إن المسلم لا ينجس)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى و بشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فاختنست، فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت يا أبا هريرة ؟! قال: قلت: إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، فقال: سبحان الله! إن المسلم لا ينجس).
    قال: وفي حديث بشر : حدثنا حميد حدثني بكر ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقي الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة، وكان جنباً، فانخنس منه يعني: انسل منه بخفية دون أن يستأذنه، ودون أن يشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ذهب، وقد كان معه، فلما لقيه قال له: (أين كنت؟!) يعني: إنك كنت معي وبعد ذلك ذهبت دون أن أكون على علم، فأين كنت؟! فقال: إني كنت جنباً، فكرهت أن أجالسك وأن على غير طهارة فقال عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس). فدل هذا على أن مصافحة الجنب ومخالطته والجلوس معه والمشي معه كل ذلك سائغ، وأنه لا بأس به.
    وفيه أيضاً دليل على أن للجنب أن يخرج من بيته؛ لأن أبا هريرة لقيه في بعض طرق المدينة وهو على جنابة، وكذلك في حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فهو يشعر بأنه قد خرج، لكن حديث أبي هريرة صريح في أنه قد خرج، وأنه لقيه في بعض طرق المدينة، فهذا يدلنا على أن الجنب له أن يخرج وهو على جنابة من بيته، ولكن كونه يخرج على طهارة لا شك أنه هو الأكمل والأفضل. وفي هذا دليل على احترام أهل الفضل وتوقيرهم؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه استحيا أن يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على جنابة، حتى بين له الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك سائغ، وأن مجالسته وكونه معه لا بأس بها.
    وفيه أيضاً: أن الإنسان التابع عندما يريد أن يذهب من متبوعه فعليه أن يستأذنه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة (أين كنت؟!) يعني: إنك كنت معي، ثم انخنست، وهذا فيه إشعار بأنه كان الأولى والذي ينبغي أن يستأذن عند إرادة الانصراف أو عند إرادة المفارقة، فدل على أن هذا من الآداب التي ينبغي أن تكون بين التابع والمتبوع. وفيه ذكر التسبيح عند التعجب؛ لأنه قال: (سبحان الله).
    تراجم رجال إسناد حديث: (... سبحان الله إن المسلم لا ينجس)
    قوله:
    [حدثنا مسدد حدثنا يحيى و بشر ].
    مسدد و يحيى مر ذكرهما بشر هو ابن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن حميد ].
    حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن بكر ].
    بكر بن عبد الله المزني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي رافع ].
    وهو نفيع الصائغ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة ].
    عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
    [قال وفي حديث بشر : حدثنا حميد حدثني بكر ].
    يعني: أن في حديث بشر التحديث عن حميد وعن بكر .
    الأسئلة


    قطع المرأة للصلاة
    السؤال: أشكل علي حديث وهو في الصحيحين من حديث عائشة (أنها ذكر عندها أنه يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة فقالت: لقد شهتمونا بالحمير، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني لبينه وبين القبلة، وأنا مضطجعة على السرير، فتكون لي الحاجة فأكره أن أستقبله فأنسل انسلالاً)، فهل المرأة البالغة لا تقطع الصلاة؟

    الجواب: هذا الحديث اختلف فيه العلماء على قولين: جمهور العلماء على أن قطع الصلاة إنما هو إنقاص لها، وليس قطعاً لها. وبعض أهل العلم يقول: يقطعها بمعنى أنه يستأنف الصلاة من جديد. وقولها: شبهتمونا بالحمير لكون الحديث فيه الجمع بين المرأة والحمر، لكن هذا الكلام الذي قالوه أسندوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي بينت ما كان يجري منها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقوم يصلي وهي في قبلته، وأنها كانت تنسل.
    حكم الجمعيات التعاونية بين الموظفين
    السؤال: هل يجوز أن يجتمع أشخاص على دفع مبلغ معين كل شهر وفي آخره يستلم أحد الأشخاص هذا المبلغ؟

    الجواب: هذا فيه شبهة، فإن العلماء في هذا العصر مختلفون فيه، والأولى للإنسان أن يبتعد عنه، (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
    حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة
    السؤال: ما حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟

    الجواب: يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، وليس الأمر مقصوراً عليها، وما جاء من الحديث في ذلك فإنه يكون محمولاً على الاعتكاف الكامل أو الاعتكاف الأفضل، ولا شك أن المساجد الثلاثة أفضل من غيرها، والاعتكاف فيها أكمل؛ لأنها مساجد الأنبياء، وهي التي يمكن أن يشد الرحل إليها ليعتكف فيها، وأما غيرها فلا يشد الرحل إليها، وللإنسان أن يعتكف في أي مسجد من غير شد رحل، وأما تلك فإنها تشد الرحال إليها، ويمكن للإنسان أن يرحل إليها، فيكون الحصر في ذلك الحديث نسبي وإضافي، وليس حقيقياً بمعنى أنه لا يجوز أن يعتكف في غيرها، بل المعنى: لا اعتكاف أفضل وأكمل إلا في المساجد الثلاثة، مثل ما جاء في الحديث: (إنما الربا في النسيئة)، مع أن الربا يكون في الفضل أيضاً، ولكن المقصود: أن الربا الأشد أو الأعظم في النسيئة، فهو حصر إضافي وليس حقيقياً.
    وضوء الجنب للمرأة
    السؤال: هل وضوء الجنب خاص بالرجل أم يشمل الرجل والمرأة؟

    الجواب: الحكم واحد، والأصل استواء الحكم للرجال والنساء إلا إذا جاء شيء يدل على أن هذا خاص بالرجال أو أن هذا خاص بالنساء، فيصار إلى الدليل المخصص، وحيث لا دليل على التفريق بين الرجال والنساء فالأصل هو التساوي في الأحكام. وهناك كثير من النصوص التي جاءت تفرق بين الرجال والنساء، لكن الأصل هو عدم التفريق، وعندما يوجد دليل التفريق يصار إليه، ويخرج عن الأصل بناءً على هذا الدليل.
    تعيين ليلة القدر
    السؤال: هل ثبتت ليلة القدر في ليلة من الليالي؟
    الجواب: ما ثبتت في ليلة معينة بحيث تكون فيها ولا تتعداها إلى غيرها، لكن ثبت أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها محصورة في العشر، والله تعالى أعلم في أي ليلة من العشر، والإنسان إذا اجتهد في العشر كلها يدركها إن شاء الله.
    حكم الاحتفال بليلة القدر
    السؤال: ما حكم الاحتفال بليلة القدر؟

    الجواب: هي غير معلومة حتى يقال: إنها تخص بشيء، لكن كون الإنسان يأتي بالأعمال الصالحة ويجتهد في العبادة في الليالي العشر التي هي واحدة منها لا شك أن هذا مطلوب، وقد جاء في السنة ما يدل عليه من فعله صلى الله عليه وسلم، ومن قوله، حيث أرشد إلى تحري الليالي العشر بالعبادة، وكان الصحابة يجتهدون في العبادة في العشر الأواخر من أجل الثواب من الله عز وجل، ورجاء تحصيلها وإدراكها. وأما قضية الاحتفالات سواء كانت رسمية أو غير رسمية فهي من الأمور المحدثة.
    تعظيم شهر رجب
    السؤال: ما نصيحتك للذين يعظمون شهر رجب، بل بعضهم يجعله أفضل من رمضان؟

    الجواب: الإنسان يعظم ويفضل بناءً على الدليل، ولم يأت دليل يدل على تخصيص شهر رجب بشيء إلا أنه من الأشهر الحرم، وما سوى ذلك لم يثبت فيه شيء يخصه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإنسان لا يخصه بشيء. وأما كون الإنسان يفضله على رمضان فالإنسان لا يفضل إلا بدليل؛ لأن التفضيل من الأمور الغيبية التي لا يمكن الوصول إلى معرفتها إلا عن طريق الدليل؛ لأن كون هذا أفضل من هذا، وهذا أفضل من هذا العلم عند الله عز وجل، والله تعالى أعلم بأن هذا أفضل أو أن هذا أفضل بالنسبة للمكان وبالنسبة للزمان وبالنسبة للأشخاص، فإذا وجد الدليل يصار إلى الدليل سواء في الأشخاص أو في الأمكنة أو في الأزمنة."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [037]
    الحلقة (68)

    شرح سنن أبي داود [037]

    لقد جاء النهي عن أن يدخل الجنب والحائض المسجد إلا أن يكونا مارين لحاجة، وبالنسبة للحائض يشترط في مرورها لحاجة ألا تلوث المسجد، وإذا صلى الجنب بالناس ناسياً فإنه يخرج من الصلاة إن ذكر في أثنائها ويستنيب من يصلي بالناس إن كان يشق عليهم انتظاره، ومن وجد بللاً ولم يذكر احتلاماً فإنه يغتسل، ومن احتلم ولم يجد بللاً فلا غسل عليه، ويجزئ في الغسل صاع ونصف.

    حكم دخول الجنب والحائض المسجد


    شرح حديث: (... لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يدخل المسجد. حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأفلت بن خليفة قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن تنزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب). قال أبو داود : هو فليت العامري ].
    قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب في الجنب لا يدخل المسجد. المقصود حكم دخول الجنب المسجد، والحكم في هذا هو أن الجنب لا يدخل المسجد، إلا إذا كان ماراً وعابر سبيل فإنه يجوز له ذلك، وأما أن يمكث في المسجد ويبقى في المسجد فإنه لا يجوز له ذلك؛ لقول الله عز وجل: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، فهذه الآية الكريمة تدل على أن الجنب ليس له أن يدخل المسجد، وإنما له أن يمر مروراً إذا احتاج إلى ذلك، أما أن يمكث فيه فإن ذلك لا يجوز. وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد والبيوت كانت مشرعة إلى المسجد) يعني:
    لها أبواب إلى المسجد، فأمر عليه الصلاة والسلام أن تصرف هذه الأبواب إلى جهة أخرى بحيث لا يكون دخولها أو الوصول إليها من طريق المسجد، وإنما يكون من طرق أخرى أو من مكان آخر خارج المسجد، ثم إنه عليه الصلاة والسلام بعد ذلك رأى أن الأمر على ما هو عليه، وأنه لم يحصل التحويل الذي أرشد إليه صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كما جاء في الحديث لم يفعلوا ذلك رجاء أن تحصل لهم رخصة، وأن يبقى الأمر على ما هو عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أكد كلامه السابق وقال: (فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)، ومن المعلوم أن أبواب البيوت إذا كانت من جهة المسجد، والطريق إليها من المسجد؛ فإنه يحصل الدخول والمرور، ولكن إذا كانت أبوابها إلى جهة أخرى فلا يكون هناك سبيل إلى تطرق المسجد والدخول فيه، لكن إذا كان الإنسان محتاجاً إلى المرور في المسجد فقد جاء نص القرآن في جواز ذلك، قال الله عز وجل: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43]، ومثل الجنب الحائض لا تمكث في المسجد، ولها أن تمر في المسجد لكن بشرط أن يؤمن التلويث، بحيث لا يتساقط منها دم يقع في المسجد، فإذا احتاجت إلى المرور ولم يكن هناك محذور في مرورها وأمنت التلويث، فإن لها أن تمر إذا احتاجت إلى المرور في المسجد، ولم تجد بداً من ذلك، أما المكث فليس لها أن تمكث ولو أمنت التلويث مثل الجنب، ومما يدل على اعتزال الحيض المساجد وعدم مكثهن في المساجد ما جاء في حديث أم عطية في صلاة العيد قالت:
    (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض وذوات الخدور أن يخرجن إلى الصلاة، وأمرهن أن يعتزلن المصلى)، بمعنى أنهن لا يمكثن في مكان الصلاة، وإنما يكن في ناحية غير المكان الذي تصلى فيه صلاة العيد، وهذا يدل على أن الحائض ليس لها أن تمكث في المسجد، وليس لها أن تبقى في المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتزل مصلى العيد، فالمسجد من باب أولى، ولكن المرور لأمر يقتضيه يجوز.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... لا أحل المسجد لحائض ولا جنب)
    قوله:
    [حدثنا مسدد ].
    مسدد ابن مسرهد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [حدثنا عبد الواحد بن زياد ].
    عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الأفلت بن خليفة ].
    هو الأفلت بن خليفة العامري ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة ].
    جسرة بنت دجاجة وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [قالت: سمعت عائشة ].
    عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث في إسناده جسرة وهي مقبولة.
    [قال أبو داود : هو فليت العامري ].
    يعني: يأتي أفلت ويأتي فليت ، فأراد أن يبين أنه يسمى بهذا ويسمى بهذا، وأنه لا تنافي بين اللفظين، إذا جاء أفلت في موضع وجاء فليت في موضع ما يقال: هذا شخص آخر أو هذا غير هذا، بل هذا هو هذا. وهذا الحديث يحتمل أنه نفس الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الأبواب ما عدا باب أبي بكر ، فأمروا بسد الأبواب واستثني من ذلك باب أبي بكر )، ويحتمل أنه غيره، والظاهر أنه هو هذا وأن القصة واحدة.

    صلاة الجنب بالقوم وهو ناس


    شرح الأحاديث الواردة في صلاة الجنب بالقوم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم). حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه وقال في أوله: (فكبر وقال في آخره: فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر وإني كنت جنباً). قال أبو داود : رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال: (فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف ثم قال: كما أنتم). قال أبو داود : ورواه أيوب السختياني و ابن عون و هشام عن محمد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فكبر ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا فذهب فاغتسل).
    وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة). قال أبو داود : وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد (عن النبي صلى الله عليه آله وسلم أنه كبر). أورد أبو داود هذه الترجمة: وهي باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس.
    هذه الترجمة معقودة في كون الإمام يصلي وهو جنب نسياناً، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق النسيان؛ لأن الطهارة لابد منها من الحدث الأكبر والأصغر. في الترجمة بيان الحكم فيما إذا صلى الإمام بالناس وهو جنب، فإذا علم بذلك بعد أن فرغ من الصلاة فإن عليه أن يعيد وليس عليهم إعادة؛ لأنهم أدوا ما عليهم وهم عملوا بالظاهر، والباطن لا علم لهم به، وإذا فسدت صلاة الإمام لأمر يخصه فإن صلاة المأمومين تكون صحيحة، وما دام أنه صلى بهم جنباً ناسياً وهم لا يعلمون عدم رفع الحدث منه فإن صلاتهم تكون صحيحة، وقد جاء عن عمر أنه صلى بالناس ثم إنه أخبرهم بأنه صلى وعليه جنابة، وأنه أعاد الصلاة ولم يأمرهم بالإعادة. وأما إذا تذكر أنه جنب أثناء الصلاة فقد جاء في حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: (أنه كبر ثم أشار إليهم مكانكم، ثم ذهب واغتسل وجاء ورأسه يقطر وصلى بهم).
    ففي في هذا الحديث أنه دخل في الصلاة ثم قطع الصلاة وأمرهم أن يبقوا مكانهم، ثم رجع وصلى بهم، ومقتضى هذا أنهم لا يزالون في صلاتهم، وأنه رجع وكبر وواصل بهم، ولكن جاء في بعض الروايات التي ذكرها أبو داود وهي في الصحيحين: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المسجد ولما أراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة فأمرهم أن يمكثوا، وذهب واغتسل وجاء ثم دخل المسجد وصلى بهم)، فالذي في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام لم يدخل في الصلاة وإنما قارب أن يكبر فتذكر أنه على جنابة، فأمر الناس أن يمكثوا وذهب واغتسل وجاء وصلى بهم الصلاة من أولها.
    فمن العلماء من قال: ما في الصحيحين هو المقدم، ويحمل قوله: دخل في الصلاة على أنه كاد أن يدخل في الصلاة أو قرب أو أراد أن يدخل في الصلاة؛ حتى يوافق ما في الصحيحين. ومنهم من قال: يحتمل أن تكون قصتين وأن تكون واقعتين، وأن الذي في الصحيحين قصة، وأن الذي في هذا الحديث قصة أخرى، ومعنى هذا أن ذلك سائغ وهذا سائغ، ولكن الذي في الصحيحين لا شك أنه هو الواضح ولا إشكال فيه، وأما هذا ففيه إشكال، وإن صح أنه كبر بالفعل فهي قصة أخرى، أو أنه لم يكبر ولكنه كاد أن يكبر فتكون مطابقة للحديث الذي جاء في الصحيحين. والذي يبدو أنه إذا أكمل الصلاة وهو جنب فإن صلاة المؤتمين صحيحة، وعليه أن يغتسل ويعيدها، وإذا ذكر في أثنائها فيقطعها ويعيد الصلاة من جديد، ويستأنف بهم الصلاة.
    والأحاديث التي وردت في هذا فيها إشكال من ناحية الإسناد، وأما الحديث الذي في الصحيحين وأنه لم يدخل في الصلاة وإنما كاد أن يدخل، فتذكر واغتسل ورجع وصلى بهم، فيحتمل أن تكون القصة واحدة، وتكون رواية راجحة وأخرى مرجوحة، أو أن يكون المقصود أنه قارب أن يكبر ولكنه لم يكبر، فالاحتياط في ذلك أن الإنسان يقطع الصلاة ويستأنف الصلاة بهم.
    تراجم رجال أسانيد الأحاديث الواردة في صلاة الجنب بالقوم

    قوله:
    [حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    هو موسى بن إسماعيل المنقري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد ].
    هو حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن زياد الأعلم ].
    هو زياد بن حسان الأعلم وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي .
    [عن الحسن ].
    الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة فقيه يرسل ويدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بكرة ].
    هو أبو بكرة نفيع بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث هذا في إسناده الحسن وهو مدلس. وقوله:
    [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [حدثنا يزيد بن هارون ].
    هو يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا حماد بن سلمة بإسناده ومعناه ].
    هو حماد بن سلمة بإسناده ومعناه يعني: أن الإسناد هو الإسناد، وليس متفقاً معه في اللفظ، يعني: أنه بمعنى اللفظ الذي ذكر أولاً.
    [قال أبو داود : رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ].
    الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي هريرة ].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. وقوله في هذه الرواية: (فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف) توافق ما في الصحيحين. [قال أبو داود : ورواه أيوب السختياني و ابن عون و هشام عن محمد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ابن عون هو: عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومحمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو تابعي، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. [وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة. و إسماعيل بن أبي حكيم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كبر في الصلاة). هذا أيضاً مرسل.
    [قال أبو داود : وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم ].
    هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبان ].
    هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [عن يحيى ].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الربيع بن محمد ].
    الربيع بن محمد مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، فالروايات التي فيها أنه كبر وأنه دخل في الصلاة، ما تسلم من ضعف، ففيها إما الإرسال وإما احتمال الإرسال أو التدليس.
    شرح حديث: (... حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي ح وحدثنا عياش بن الأزرق أخبرنا ابن وهب عن يونس ح وحدثنا مخلد بن خالد حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء حدثنا رباح عن معمر ح وحدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد عن الأوزاعي كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل، فقال للناس: مكانكم، ثم رجع إلى بيته فخرج علينا ينطف رأسه وقد اغتسل ونحن صفوف)، وهذا لفظ ابن حرب ، وقال: عياش في حديثه: (فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج علينا وقد اغتسل) ].
    أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأنه أقيمت الصلاة وصفوا، فلما قام الرسول صلى الله عليه وسلم في مصلاه وأراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة، فقال: فذهب واغتسل ورجع وصلى بهم، وهذا يعني أنهم لم يدخلوا في الصلاة، وانتظروه حتى اغتسل، وجاء صلوات الله وسلامه عليه، ثم كبر وصلى بهم.
    إذاً: فالثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه لم يكبر، وقد جاء الحديث في الصحيحين وفيه أنه لم يكبر، وهو أرجح مما تقدم من أنه كان قد دخل في الصلاة، لكن يمكن كما ذكر أهل العلم أن يحمل قوله: (دخل) على أنه كاد أن يدخل أو أراد أن يدخل أو أنه على وشك أن يدخل، فيكون الصحيح والثابت الذي لا إشكال فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل في الصلاة، وأنه لما أراد أن يكبر تذكر أنه على جنابة فذهب واغتسل ورجع وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل ...)
    قوله:
    [حدثنا عمرو بن عثمان ].
    هو عمرو بن عثمان الحمصي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [حدثنا محمد بن حرب ].
    هو محمد بن حرب الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الزبيدي ].
    هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ ح وحدثنا عياش بن الأزرق ].
    ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وعياش بن الأزرق ثقة، أخرج له أبو داود وحده. [أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس ].
    هو يونس بن يزيد الأيلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ ح وحدثنا مخلد بن خالد ].
    مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود .
    [حدثنا إبراهيم بن خالد إمام مسجد صنعاء ].
    إبراهيم بن خالد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [حدثنا رباح ].
    هو رباح بن زيد الصنعاني وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [عن معمر ].
    هو معمر بن راشد الأزدي مولاهم، البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ح وحدثنا مؤمل بن الفضل ].
    مؤمل بن الفضل وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [حدثنا الوليد ].
    هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة يدلس ويسوي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي ].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [كلهم عن الزهري ].
    يعني: هؤلاء الذين انتهت عندهم الأسانيد التي ذكرها أبو داود تلتقي كلها في الرواية عن الزهري ، و الزهري تقدم ذكره. [عن أبي سلمة ].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقد مر ذكره.
    [عن أبي هريرة ].
    وقد مر ذكره.
    [وهذا لفظ ابن حرب ].
    يعني: اللفظ المذكور لفظ محمد بن حرب ].
    وهو الإسناد الذي فيه : عمرو بن عثمان عن محمد بن حرب عن الزبيدي ، وهو الإسناد الأول. أما الآن لو تذكر الإمام أنه على جنابة، فهل له أن يوقف المأمومين إلى أن يغتسل؟ لا ينبغي إذا وجدت مشقة عليهم، لا سيما إذا كان بيته بعيداً ويحتاج إلى وقت، فيقدم واحداً منهم ليصلي بهم، ويكون في ذلك رفقاً بهم، وعدم تأخيرهم، وإذا لم يكن هناك مشقة وانتظروه فلا بأس بذلك؛ لأنه جاء ما يدل عليه، لكن الأرفق بالناس هو أن ينيب.
    الرجل يجد البلة في منامه


    شرح حديث: (سئل رسول الله عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يجد البلة في منامه. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً قال: يغتسل ، وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه، فقالت: أم سليم : المرأة ترى ذلك أعليها غسل ؟ قال: ""نعم، إنما النساء شقائق الرجال"") ].
    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب الرجل يجد البلة في منامه، يعني: عندما يقوم من النوم يجد في ثيابه بللاً، ولا يذكر أن ذلك عن احتلام، فهل يجب عليه أن يغتسل؟ إذا كان هذا البلل الذي وجده منياً، فلا شك أنه يجب عليه الغسل، وهذا هو الذي يتفق مع حديث أم سليم الذي سيأتي: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا هي رأت الماء)، فإذا حصل احتلام، وحصل رؤية الماء، فقد اجتمع الاثنان، فعليه الغسل، لكن إذا ما تذكر احتلاماً ووجد ماءً، فإن كان متحققاً أنه مني فعليه أن يغتسل، وإن كان غير متحقق أنه مني، وأنه يمكن أن يكون بولاً ويمكن أن يكون منياً فإن الأحوط في حقه أن يغتسل، ويقطع الشك باليقين، ويأخذ بحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، أما إذا رأى في المنام احتلاماً، ولكنه ما وجد شيئاً بعد ذلك فإنه لا غسل عليه، كما جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها المتقدم.
    أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها وفيه شيء من التفصيل : (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً، قال: يغتسل) يعني: إذا كان متحققاً بأنه مني فهذا أمره واضح، وإذا كان غير متحقق فعليه أن يغتسل حتى يقطع الشك باليقين. قوله: (وعن الرجل يرى أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه). وهذا متفق مع ما جاء في حديث أم سليم . قوله: (فقالت أم سليم : المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: نعم، إنما النساء شقائق الرجال)].
    أي: المرأة ترى ما يرى الرجل فهل عليها غسل؟ نعم الأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، والأحكام التي تقال في حق الرجال تسري على النساء إلا إذا وجد شيء يخصص الحكم بالرجال أو يخصص الحكم بالنساء، فعند ذلك لا يكون التساوي ولا يكون الأمر لازماً للجميع، وإنما يكون الأمر لازماً لمن ألزم به، وأما إذا لم يأت ما ينص على تخصيص الرجال أو تخصيص النساء بالحكم؛ فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام؛ ولهذا إذا ذكر الرجال في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس الحكم يختص بهم؛ لأن الخطاب في الغالب يكون معهم. وحديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه أن أم سلمة قالت هذه المقالة، وقال:
    لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (نعم، إنما النساء شقائق الرجال) يوضح هذا، فمعناه: أنه لا فرق بين الرجل والمرأة، وأن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء، والأحكام التي تقال للرجال تقال في حق النساء. ومعنى كونهن شقائق الرجال أنهن مثلهم، ولهن أحكامهم، وكلهم جاءوا من طريق واحد، فلا فرق بين الرجال والنساء إلا إذا جاء نص يميز النساء عن الرجال أو الرجال عن النساء.
    تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً ...)
    قوله:
    [حدثنا قتيبة بن سعيد ].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن خالد الخياط ].
    وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
    [حدثنا عبد الله العمري ].
    هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المكبر ، وهو ضعيف، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [عن عبيد الله ].
    عبيد الله أخوه، وهو المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويقال للأول: مكبر، وللثاني: مصغر، من أجل التمييز بين هذا وهذا، لأنهما أخوان، عبد الله المكبر ، و عبيد الله المصغر . و عبد الله هنا يروي عن أخيه عبيد الله . [عن القاسم ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ]. وقد مر ذكرها.
    والحديث فيه عبد الله بن عمر العمري المكبر ، وهو ضعيف، لكن جاء ما يدل على معناه فيما يتعلق بقصة أم سليم ، فإن قوله: (إذا هي رأت الماء)، فيه الاغتسال إذا رأت الماء، وإذا لم تر الماء وقد حصل احتلام، فليس هناك غسل، إلا أن هذا الحديث فيه ذكر البلة، والبلة يمكن أن تكون منياً، ويمكن أن تكون غير مني، لكن حيث يوجد البلل ويوجد الماء فإن الاغتسال هو الذي تبرأ به الذمة، ويكون الإنسان قد أخذ بالاحتياط إذا لم يتحقق أنه مني، وأما إذا كان يتحقق أنه مني فالأمر في ذلك واضح.
    المرأة ترى ما يرى الرجل


    شرح حديث: (... فلتغتسل إذا وجدت الماء ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة ترى ما يرى الرجل. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أنه قال: قال عروة : عن عائشة أن أم سليم الأنصارية رضي الله عنهما -وهي أم أنس بن مالك - قالت: (يا رسول الله! إن الله عز وجل لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أم لا ؟ قالت عائشة : فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم فلتغتسل إذا وجدت الماء، قالت عائشة : فأقبلت عليها فقلت: أف لك! وهل ترى ذلك المرأة ؟ فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تربت يمينك يا عائشة ! ومن أين يكون الشبه ؟!).
    قال: أبو داود وكذلك روى عقيل و الزبيدي و يونس و ابن أخي الزهري عن الزهري ، و إبراهيم بن أبي الوزير عن مالك عن الزهري ووافق الزهري مسافع الحجبي ، قال: عن عروة عن عائشة وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ] أورد أبو داود هذه الترجمة: وهي باب المرأة ترى ما يرى الرجل، يعني: في المنام، فما الحكم في ذلك؟ والجواب: أن الحكم كالرجال، وتقدم حديث: (إنما النساء شقائق الرجال) يعني: الحكم الذي يسري على الرجال يسري على النساء، إلا إذا وجد ما يخصص الحكم بالرجال، وكذلك ما تسأل عنه النساء وهو ليس من الأشياء المختصة بهن ثم تعطى حكماً أو تفتى بشيء؛ فإن الحكم للرجال كالحكم للنساء، فإذا كانت المستفتية امرأة فلا فرق بين هذا وهذا إلا إذا كان الحكم من الأشياء التي لا تعلق لها بالرجال، فإن هذا شيء أمره واضح، ولكن الأصل هو التساوي بينهما في الأحكام. أورد أبو داود حديث عائشة أن أم سليم جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسألته عن أن المرأة ترى ما يرى الرجل فهل عليها أن تغتسل؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:
    (نعم، إذا رأت الماء)، وهذا يدلنا على ما دل عليه الحديث السابق من جهة أنه من رأى في المنام احتلاماً ثم وجد البلل بعد ذلك؛ فإنه يتعين عليه الاغتسال. ثم إن عائشة أقبلت على أم سليم فقالت: (أف لك!) وهي كلمة فيها عتاب، ثم قالت: وهل ترى ذلك المرأة؟! يعني: كأنها تستبعد أن ذلك يحصل للنساء، وقيل: هذا نادر، وقيل: إن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحصل لهن الاحتلام؛ لأنه من الشيطان، لكن ما تقدم أنه نادر هو الأظهر، وأما أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتلمن فليس عليه دليل، وقولهم: إن الشيطان ليس له عليهن سبيل، فنقول:
    نعم، ولا يحصل لهن ذلك بسببه، ولكن قد يحصل عن طريق الشهوة دون أن يكون للشيطان فيه دخل، فقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح في رمضان جنباً من غير احتلام، والتنصيص على عدم الاحتلام يدل على أنه يمكن ذلك، وقالوا: وليس ذلك عن طريق الشيطان، وإنما هو من قوة الشهوة، وليس بلازم ألا يكون الاحتلام إلا عن طريق الشيطان، بل قد يكون عن طريق قوة الشهوة في المنام، فيحصل إخراج شيء من ذلك.
    قوله: [ (قالت: وهل ترى ذلك المرأة؟! فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ترتب يمينك يا عائشة ! ومن أين يكون الشبه؟!) ]. قوله: وهل ترى ذلك المرأة؟! يعني: أنه يحصل لها الاحتلام كما يحصل الاحتلام من الرجل، والمني يوجد منها كما يوجد من الرجل، سواء في اليقظة أو في المنام. قوله: (من أين يكون الشبه؟!) يعني: أن المرأة قد يشبهها ولدها، وهذا معناه أنه متخلق من المائين؛ بدليل حصول الشبه أحياناً بالمرأة، وأحياناً يكون الشبه بالرجل. قوله: [ (تربت يمينك يا عائشة) ]. هذه كلمة يؤتى بها على سبيل الإنكار والتوبيخ على شيء، وهي كلمة لا يقصد معناها، مثل: ثكلتك أمك، ومثل: عقرى حلقى، وغيرها من الكلمات التي يذكرونها ولا يريدون بها الدعاء، وإنما جرت ألسنتهم بذلك عند بعض المناسبات والأحوال.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فلتغتسل إذا وجدت الماء ...)
    قوله:
    [حدثنا أحمد بن صالح ].
    هو أحمد بن صالح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل.
    [حدثنا عنبسة ].
    هو عنبسة بن خالد بن يزيد الأيلي وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود .
    [حدثنا يونس ].
    هو يونس بن يزيد الأيلي وقد مر ذكره.
    [عن ابن شهاب قال: قال عروة ].
    ابن شهاب مر ذكره، و عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة. [عن عائشة ].
    وقد مر ذكرها.
    [قال أبو داود : وكذلك روى عقيل و الزبيدي و يونس و ابن أخي الزهري عن الزهري ].
    عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و الزبيدي هو محمد بن الوليد مر ذكره. و يونس هو ابن يزيد الأيلي مر ذكره مراراً. و ابن أخي الزهري هو محمد بن عبد الله بن مسلم ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و إبراهيم بن أبي الوزير ].
    و إبراهيم بن أبي الوزير هو إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [عن مالك عن الزهري ].
    مالك و الزهري قد مر ذكرهما. [ووافق الزهري مسافع الحجبي ].
    مسافع بن عبد الله بن شيبة العبدري من بني عبد الدار حجبة الكعبة، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي . [عن عروة عن عائشة ].
    عروة و عائشة تقدم ذكرهما.
    [وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة ].
    يعني: رواه من طريق أم سلمة الصحابية وذكرت القصة التي ذكرتها عائشة . و زينب بنت أبي سلمة هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. و أم سلمة هي أم المؤمنين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. وكون الحديث جاء من طريق أم سلمة ومن طريق عائشة يجمع بين الروايتين على أنهما حضرتا القصة، وأن ذلك حصل في اجتماعهما، وأنه حصل اللوم والعتاب منهما جميعاً، فالأظهر أن القصة واحدة، وأن الاثنتين حضرتاها، وأن كل واحدة حدثت بالحديث الذي شاهدته وعاينته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سؤال أم سليم له هذا السؤال.
    الأسئلة


    معنى إن الله لا يستحيي من الحق
    السؤال: ما معنى: إن الله عز وجل لا يستحيي من الحق؟
    الجواب: وردت عبارة: (إن الله لا يستحيي من الحق) عن أم سليم رضي الله عنها لما أرادت أن تسأل، والله تعالى لا يستحيي من الحق، فهي تسأل عن الحق، وهو سؤال محمود وممدوح، والحياء المذموم هو الذي فيه خجل وفيه ضعف، وأما الحياء المحمود فهو الذي ليس من طريق الخجل والضعف، ولكنه يتعلق بالأمور المحمودة والأخلاق الكريمة، وهذا منه؛ لأن أم سليم رضي الله عنها لم تستحي الاستحياء المذموم، ولكنها أخبرت بأنها لا يمنعها ما أعطاها الله من الحياء أن تسأل عن الحق الذي تعبدها الله تعالى به؛ لتعبد الله على بصيرة وعلى بينة، وهذا فيه إثبات صفة الحياء لله، وقد جاء أيضاً في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، (إن الله حيي ستير) وصفة الحياء كغيرها من الصفات تثبت لله عز وجل كما يليق بكماله وجلاله، وكل صفاته صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه. وتأويل الصفات لا يسوغ، وبعض العلماء ابتلوا بالتأويل، والواجب في كل ما ورد في النصوص من صفات إثباتها مضاف إلى الله عز وجل، فالحياء يجب إثباته لله على ما يليق به، والعلماء الذين حصل منهم التأويل يستفيد الإنسان من علمهم، ويكون على حذر مما ابتلوا به، ومن ذلك قوله بعضهم: إن الله لا يأمر بالحياء ولا يبيحه! فهذا المعنى خطأ، كيف لا يأمر بالحياء المشروع المأمور به؟! النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل ينصح أخاه في الحياء فقال: (دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير).
    حكم قضاء دين المعسر المستدين من البنك بفوائد البنك الربوية
    السؤال: رجل يعيش في بلد الكفار في ضيق وعسر، ويعول أسرة كبيرة، ولا يكفيه ما يأخذ من الرواتب، فأخذ قرضاً من البنك في حالة الاضطرار، والآن لا يستطيع أن يؤدي القرض فضلاً أن يدفع الربا، فإن أراد رجل أن يؤدي عنه هذا الربا والقرض بمال الربا الذي يأخذه هو من البنوك الربوية، فهل يجوز هذا؟

    الجواب: ليس للإنسان أن يأخذ الربا من البنوك الربوية ثم يصرفه في أمور أخرى، وإذا اضطر الإنسان إلى أن يودع عندها، فلا يأخذ منها المضرة المحرمة التي تسمى فائدة، وهي مضرة في الحقيقة، وإذا كانت البنوك فيها خزائن تستأجر، فالإيداع فيها أولى عن طريق الاستئجار؛ لأن في ذلك عدم تمكين البنك من التصرف بمال الإنسان، لكن إذا لم يكن عند البنك خزائن، وأودع عندها مضطراً، فيأخذ حقه ولا يأخذ الربا، وهذا كيف يتصدق بالمال الحرام أو يساعد بالمال الحرام؟! لا ينبغي له أن يفعل هذا، لكن إذا كان سبق أنه قبضه، وأراد أن يتخلص منه، فيمكن أن يتخلص منه في مثل هذا والله تعالى أعلم.
    ما جاء في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل


    شرح حديث: (أن رسول الله كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق من الجنابة) ].
    يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل. هذه الترجمة معقودة لبيان مقدار الماء الذي يكون به الكفاية في الغسل من الجنابة، وقد جاءت عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أحاديث فيها بيان المقدار الذي كان يغتسل به صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر عند مقدار الماء الذي يكفي في الوضوء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وتلك الأحاديث دالة على هذه الترجمة التي فيها بيان ما يكفي في الوضوء وبيان ما يكفي في الغسل، ولكنه عقد الترجمة هنا للاستدلال بالأحاديث على ما يكفي في الغسل، وقد أورد فيه جملة أحاديث، أولها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق)، والفرق وعاء كبير يسع ثلاثة آصع، يعني: ستة عشر رطلاً وثلثاً، وتعادل اثني عشر مداً، فهذا هو أعلى مقدار ورد الاغتسال به، ولا يعني هذا أنه يغتسل بالفرق كله، لأنه قد جاء (أنه كان يغتسل هو وعائشة من إناء يقال له: الفرق، يغترفان منه جميعاً)، وعلى هذا يكون الفرق إذا امتلأ يسع ثلاثة آصع، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل منه هو و عائشة ، تختلف أيديهما فيه، وليس معنى ذلك أنه كان يغتسل بثلاثة آصع وحده، ولكنه كان يغتسل من إناء هو الفرق، فيكون على هذا للواحد مقدار صاع ونصف، يعني:
    ستة أمداد، وهذا هو أعلى مقدار ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء عنه أنه كان يغتسل بالصاع وهو أربعة أمداد، وجاء أنه كان يغتسل بخمسة أمداد وهي صاع ومد.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق ...)
    قوله:
    [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ].
    هو [عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [عن مالك ].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور المحدث، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عروة ].
    هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    ترجمة عائشة رضي الله عنها
    [عن عائشة ].
    هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، من أوعية السنة وحفظتها، وهي التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى من سورة النور تبرئها مما رميت به من الإثم، وكانت رضي الله تعالى عنها وأرضاها تهضم من نفسها وتتواضع لله عز وجل، مع أن الله عز وجل شرفها ورفع ذكرها وأنزل براءتها في آيات تتلى من سورة النور، ففي الصحيح أنها قالت: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى)، وقالت: (كنت آمل أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها)، فهي رضي الله عنها وأرضاها كانت تتواضع لله، وهذا يدل على عظم شأنها وكمال عقلها وتواضعها لله عز وجل، وهذا شأن أهل الكمال يتواضعون لله مع ما أعطاهم الله عز وجل من علو المنزلة ورفعة الدرجة. وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الشيء الذي تميزت به والذي عرف من طريقها ولا يعرف إلا من طريق النساء، هو ما كان يجري بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وما يجري في البيوت من الأمور التي لا يطلع عليها إلا أزواجه، ولا سيما ما يتعلق بالغسل من الجنابة، حيث كان يغتسل هو وإياها من إناء واحد، فحفظت الكثير من السنن التي تتعلق بالبيوت، والتي تتعلق بما يجري بين الرجل وأهل بيته، ومن حفظ سنةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فله مثل أجور من عمل بها إلى يوم القيامة، وهذا يدلنا على عظم قدرها وعظم شأنها، والله تعالى يثيب كل من عمل بسنة جاءت عن طريقها ويثيبها بمثل ما أثابه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
    (الدال على الخير له مثل أجر فاعله)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً). ولهذا فإن محبة أزواج رسول الله عليه الصلاة والسلام تدل على الإيمان، وتدل على محبة المسلم لمن جعلهن الله حلائل لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهن زوجاته في الدنيا وفي الآخرة رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، فالذي يتكلم فيهن أو يعيبهن ويتنقصهن، فإنما يضر نفسه؛ لأنه اغتاب أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، ومن المعلوم أن الإنسان لو اغتاب أي مسلم فإن مغبة ذلك ومضرة ذلك تعود عليه، فكيف إذا كان الذي يغتاب أمهات المؤمنين اللاتي أكرمهن الله بزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن، وصرن بذلك أمهات المؤمنين، ووصفهن الله بذلك في كتابه العزيز حيث قال: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6] رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، و عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها قيل:
    هي أفضل أزواجه، وقيل: إن أفضل أزواجه خديجة ، ولا شك أن خديجة و عائشة أفضل نسائه، ولكن أيهما أفضل؟! لا شك أن عائشة حصل منها شيء ما حصل من خديجة ، وحصل من خديجة شيء ما حصل من عائشة ، فخديجة حصل منها تأييده وتثبيته في وقت الشدة وفي الوقت الذي أوذي فيه من قبل كفار قريش، وأما عائشة رضي الله عنها وأرضاها فقد تميزت بتلقي السنن وحفظ السنن ونشرها ونقلها إلى الناس.
    والصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ومنهم أمهات المؤمنين هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف الناس حقاً ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، ولا يصل الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابة؛ لأن الصحابة هم الذين صحبوا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وتلقوا السنن والأحكام عنه ونقلوها إلى الناس، فهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يقدح في الواسطة يقدح في المنقول كما قال أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى:
    إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق؛ وذلك أن الكتاب حق، والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -أي: القادحون فيهم- يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة.
    يعني: أن من يقدح في الصحابة يقدح في الكتاب والسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول. ثم قال: والجرح بهم أولى وهم زنادقة. أي: الذين ينتقصون الصحابة زنادقة. [قال أبو داود : وروى ابن عيينة نحو حديث مالك ]. نحو حديث مالك الذي تقدم، يعني: أنه جاء من طريق مالك و ابن عيينة ، كلاهما عن الزهري .

    شرح حديث: (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد فيه قدر الفرق)

    [قال: أبو داود : قال معمر عن الزهري في هذا الحديث: قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد فيه قدر الفرق) ]. رواية معمر عن الزهري تتفق مع الأحاديث التي فيها أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء قدر الفرق، ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يغتسل بالفرق وحده؛ لأن الفرق ثلاثة آصع، وإنما كان يغتسل منه الرسول صلى الله عليه وسلم هو و عائشة ، تختلف أيديهما منه، فهذه الرواية التي فيها أن عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا يغتسلان من الفرق تدل على أن مقدار الفرق إنما كان للرسول صلى الله عليه وسلم ولعائشة ، وليس للنبي صلى الله عليه وسلم وحده.
    [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلاً، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث، قال: فمن قال: ثمانية أرطال قال: ليس ذلك بمحفوظ، قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى، قيل: الصيحاني ثقيل، قال: الصيحاني أطيب، قال: لا أدري. ] أورد أبو داود رحمه الله هذا الكلام الذي فيه بيان مقدار الفرق والصاع، وقد سبق ذكر مقدار الصاع ومقدار المد عند الكلام على ما يكفي في الوضوء، وهنا أتى بالكلام في بيان مقدار الصاع ومقدار الفرق في الكلام على ما يتعلق بالمقدار الذي يجزئ في الاغتسال، قال أبو داود : قال الإمام أحمد : الفرق ستة عشر رطلاً. لأن الصاع خمسة أرطال وثلث، فتكون الثلاثة الآصع ستة عشر رطلاً، وهذا بيان أن مقدار الفرق ثلاثة آصع.
    ثم ذكر أن الصاع الذي كان معروفاً عندهم وهو صاع ابن أبي ذئب - مقداره خمسة أرطال وثلث. ثم ذكر الإمام أحمد أن من قال: إن الفرق مقداره ثمانية أرطال على أنه أقل من صاعين، غير محفوظ، وغير ثابت، وإنما المحفوظ أنه ستة عشر رطلاً، على اعتبار أن الصاع خمسة أرطال وثلث. [قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى ].
    لأن خمسة أرطال وثلثاً مقدار الصاع، ومعنى هذا أن الصاع الذي كانوا يكيلون به في البيع والشراء ويكيلون به زكاة الفطر هو نفس المقدار الذي يتوضأ به؛ لأن خمسة أرطال وثلث هو الصاع الذي يتوضأ به، ومن أعطى في زكاة الفطر خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى؛ لأن هذا هو مقدار الصاع. [قيل: الصيحاني ثقيل]. الصيحاني هو نوع من تمر المدينة، والمقصود بقوله: (ثقيل) أي: أنه لو وزن منه خمسة أرطال وثلث، ما تملأ الصاع؛ لأنه ثقيل الوزن، وليس مثل التمر الآخر الذي يكون خفيفاً، وإذا ملئ منه الصاع يكون وزنه خمسة أرطال وثلث.
    [قال: الصيحاني أطيب ]. معناه: أنه إذا ملأ الصاع بالصيحاني الثقيل فهو أطيب، يعني: أنه يملأ منه الصاع وإن كان يزيد في الوزن عن خمسة أرطال وثلث لكونه ثقيلاً، فإن مقدار خمسة أرطال وثلث منه أقل من ملء الصاع لثقله، وكون الإنسان يأتي بصاع يملؤه بشيء ثقيل له قيمة لا شك أنه أكمل وأطيب وأحسن. [قال: لا أدري]. قيل: هي من كلام الإمام أحمد ، يعني: لا أدري لو وزن أحد من التمر الصيحاني خمسة أرطال وثلثاً ولم تملأ الصاع، واكتفى بها، هل تكفي أو لا تكفي؟ فهو يشك في كونها كافية؛ لأنها ما بلغت مقدار الصاع من حيث الكيل، وإن كانت بلغت مقداره من حيث الوزن.
    وقيل: هذا من كلام الذي خاطبه، قال: لا أدري. يعني: هل ذلك يكفي أو لا يكفي، والأقرب أنه من كلام الإمام أحمد ، ولعل المقصود به عدم اطمئنانه إلى الاقتصار على خمسة أرطال وثلث من الصيحاني إذا كان لا يملأ الصاع؛ لأن الحديث فيه مقدار الصاع. والرطل المذكور يعادل مداً وثلثاً تقريباً، ويقولون: هذا مكيال عراقي معروف، ويقولون: إن المد هو الشيء الثابت الذي يستقر، وهو ملء اليدين المتوسطتين، والصاع أربعة أمداد، يعني: أربع حفنات باليدين المتوسطتين، هذا مقدار الصاع من البر والطعام وما إلى ذلك، وليس من حيث المال. والصاع في هذا الزمان يعادل ثلاثة كيلوا جرامات، فإذا أخرج ثلاثة كيلوا جرامات من الأرز من الرز في زكاة الفطر فإنها بقدر الصاع."


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [038]
    الحلقة (69)

    شرح سنن أبي داود [038]

    للغسل من الجنابة أحكام وآداب، وقد تكاثرت الأحاديث المروية في غسل الجنابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، واهتم أهل العلم بها شرحاً وتوضيحاً.

    ما جاء في الغسل من الجنابة


    شرح حديث: (... أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الغسل من الجنابة. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال: أخبرني سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: (أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً، وأشار بيديه كلتيهما). ].
    أورد أبو داود رحمه الله باباً في الغسل من الجنابة، يعني: كيفية الغسل من الجنابة، وما يجزئ وما يكون أكمل. هذا هو المقصود بالترجمة، فبعدما ذكر مقدار ما يغتسل به ذكر كيفية الاغتسال بذلك المقدار. عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً)، معناه:
    أنه في غسل رأسه يكتفي بأن يفيض عليه ثلاث مرات، وليس معنى ذلك أن الإفاضة على الرأس ثلاث حثيات تكفي للغسل كله، وإنما المقصود ما يتعلق بالرأس فقط، فالمراد بعض ما يدخل تحت الغسل، وهو الشعر الذي يحتاج إلى أن يروى، وأن يصل الماء إلى أصوله، فكان يكفيه ثلاث حفنات. قال: (وأشار بيديه كلتيهما)، يعني: ثلاث غرفات بيديه جميعاً، وهذا الحديث فيه اختصار كما هو معلوم؛ لأنه يجب أن يغسل سائر جسده، ويفيض الماء عليه كله، لكن هذا فيما يتعلق بغسل الرأس فقط، فيكفي ثلاث حثيات بيديه كلتيهما.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً ...)
    قوله:
    [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].
    هو عبد الله بن محمد النفيلي ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا زهير ].
    هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو إسحاق ].
    هو أبو إسحاق السبيعي ، وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني سليمان بن صرد ].
    هو سليمان بن صرد ، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جبير بن مطعم ].
    هو جبير بن مطعم رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب ...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء من نحو الحلاب، فأخذ بكفيه، فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه وقال بهما على رأسه) ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها من طريق أخرى، وفيه ذكر الثلاث الحثيات، وأنه كان يحثي على شقه الأيمن ثم شقه الأيسر ثم على رأسه. قوله:
    [حدثنا محمد بن المثنى ].
    هو محمد بن المثنى الزمن أبو موسى العنزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو عاصم ].
    أبو عاصم هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري ، بل ويروي عنه بعض الثلاثيات التي في صحيح البخاري التي هي أعلى أسانيد البخاري ، وأبو داود يروي عنه بواسطة محمد بن المثنى ، و محمد بن المثنى من صغار شيوخ البخاري ، و أبو عاصم من كبار شيوخ البخاري ، فالبخاري يروي مباشرة عن محمد بن المثنى وعن أبي عاصم ، وأما أبو داود فلا يروي مباشرة إلا عن محمد بن المثنى ، وهو يروي عن أبي عاصم بواسطة. [عن حنظلة ].
    هو حنظلة بن أبي سفيان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن القاسم ].
    هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن عائشة ].
    هو عائشة مر ذكرها.

    معنى الحلاب
    قولها: (نحو الحلاب)، قيل: المقصود أنه مقدار الإناء الذي يحلب فيه لبن الناقة، هذا هو الحلاب. والبخاري ظن أنه نوع من الطيب يقال له: المحلب، والحافظ ابن حجر أطال الكلام عليه فيما يتعلق بهذه الترجمة، وقد أشرت إلى ذلك في الفوائد المنتقاة.
    شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات ..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - عن زائدة بن قدامة عن صدقة حدثنا جميع بن عمير أحد بني تيم الله بن ثعلبة قال: دخلت مع أمي وخالتي على عائشة رضي الله عنها، فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون عند الغسل؟ فقالت عائشة : (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات، ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الضفر). ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، أنها سألتها امرأة: كيف كنتم تصنعون في الغسل من الجنابة؟ فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض على رأسه ثلاث حثيات، ونحن نفيض خمساً من أجل الضفر.
    يعني: من أجل الضفائر التي على رءوسهن، حيث يجمعن الشعر ويجعلنه ضفائر، والضفائر جمع: ضفيرة، وهي خصال الشعر تجمع و يلف بعضها إلى بعض، فكن يزدن على ثلاث حثيات من أجل الضفر. والحديث ضعيف بسبب جميع بن عمير ، فليس هناك فرق بين الرجال والنساء، وإن لم تحل المرأة الضفائر فيكفي أن تفيض عليها الماء، ولا يلزمها أن تحل الضفائر حتى يصل إليها الماء، وإنما يصب الماء عليها حتى يصل إلى أصول الشعر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات ..)
    قوله:
    [حدثنا يعقوب بن إبراهيم ].
    هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. و يعقوب بن إبراهيم ، و محمد بن المثنى الذي مر آنفاً و محمد بن بشار الذي يأتي كثيراً، هؤلاء ثلاثة من صغار شيوخ البخاري ، ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة 252هـ، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهم جميعاً من شيوخ أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مهدي ].
    عبد الرحمن بن مهدي ثقة إمام في الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن زائدة بن قدامة ].
    زائدة بن قدامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن صدقة ].
    هو صدقة بن سعيد الحنفي ، مقبول أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [حدثنا جميع بن عمير ]. وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    [عن عائشة ].
    وقد مر ذكرها. وأما أمه وخالته فليستا من الرواة لأنه ذهب معهن، وإحداهن سألت، فهو يروي عن عائشة .
    شرح حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب الواشحي و مسدد قالا: حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة قال سليمان : يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، وقال مسدد : غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، ثم اتفقا، فيغسل فرجه، وقال: مسدد : يفرغ على شماله، وربما كنّت عن الفرج، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يدخل يديه في الإناء فيخلل شعره، حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أن أنقى البشرة، أفرغ على رأسه ثلاثاً، فإذا فضل فضلة صبها عليه. ] أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة، قال -سليمان ، وهو ابن حرب - : يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، أي: يمسك الإناء باليد اليمنى، ويفرغ على الشمال، ثم يستعمله. وقال: مسدد : غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، أي: أنه يمسك بشماله ويصب الماء على اليمنى، عكس الأول.
    يعني اختلفا هل يبدأ يصب على الشمال، أو على اليمين؟ ثم بعد ذلك يغسل فرجه بيده اليسرى. قوله: [وربما كنّت عن الفرج] يعني: أنه يغسل الفرج، يعني أحياناً يأتي التصريح، وأحياناً تأتي التكنية. قوله: [ثم يتوضأ وضوءه للصلاة] يعني: بعدما يغسل يديه وفرجه يتوضأ وضوءه للصلاة، فهو أولاً يغسل يديه لتكونا نظيفتين عند استعمالهم الماء، ويغسل فرجه وما أصابه من الجنابة، ثم بعد ذلك يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يكمل بإفراغ الماء على جسده. قوله:
    [ثم يدخل يديه في الإناء، فيخلل شعره] يعني: شعر رأسه ولحيته، بحيث يصل الماء إلى أصول الشعر. قوله: [حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثاً] يعني: بعد أن يخلل شعره ولحيته يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً. قوله: [فإذا فضل فضلة صبها عليه] يعني: على جسده، أي: بعد أن يكون قد استكمل الغسل، فإذا فضل فضلة يصبها عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله ..)
    قوله:
    [حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ].
    سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و مسدد ].
    ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [حدثنا حماد ].
    هو حماد بن زيد ؛ لأن مسدد يروي عن حماد بن زيد ، و حماد بن زيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن عروة ].
    هشام بن عروة ، وهو ثقة ربما دلس، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    أبو هو عروة بن الزبير ، ثقة من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة ].
    وقد مر ذكرها.
    شرح حديث: (كان رسول الله إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن علي الباهلي حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه، فغسلهما ثم غسل مرافغه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه) ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى، وفيها أنه كان يغسل يديه أولاً قبل أن يبدأ الوضوء والغسل، ثم بعد ذلك يغسل مرافغه وهي المغابن التي قد لا يصل إليها الماء، والتي يتجمع فيها الأوساخ، مثل أصول الفخذين، وقيل: إن عائشة تعني بالمرافغ الفرج وما حوله من أصول الفخذين، والتي تحتاج إلى أن يوصل إليها الماء؛ لأنها تكون في مكان يصتك عليه اللحم، فيحتاج إلى أن يوصل إليه الماء، وقيل: إن العبارة التي مضت: (وربما كنت عن الفرج) هي المرافغ هنا.
    قوله: [ (فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط) ]. يعني: أنه غسل فرجه وما حوله، فإذا أنقى تلك الأماكن يغسل يديه، ويهوي بهما إلى الحائط؛ حتى يزول ما قد علق بهما، وهذا مثل ما مر في بعض الروايات: (أنه كان يضرب بيده على الأرض عندما يستنجي؛ حتى يزول الأثر الذي قد علق باليدين). قوله: [ (ثم يستقبل الوضوء) ].
    يعني: يتوضأ بعدما يغسل فرجه وما حوله، ويغسل آثار الجماع التي علقت بجسده وينقي يديه، وبعد ذلك يستقبل وضوءه بأن يتوضأ وضوءه للصلاة، ويفيض الماء على سائر جسده.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما ...)
    قوله:
    [حدثنا عمرو بن علي الباهلي ].
    عمرو بن علي الباهلي هو الفلاس ، وهو ثقة من أئمة الجرح والتعديل، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الرجال: وثقه الفلاس ، ضعفه الفلاس ، قال فيه الفلاس كذا، وهو ثقة ناقد، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، مثل محمد بن المثنى ، و محمد بن بشار ، و يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فهؤلاء من شيوخ أصحاب الكتب الستة، ورووا عنهم جميعاً مباشرة بدون واسطة.
    [حدثنا محمد بن أبي عدي ].
    هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعيد ].
    هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي معشر ].
    هو زياد بن كليب ، ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    من فقه إبراهيم النخعي

    [عن النخعي ].
    هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة فقيه، أحد الفقهاء المشهورين المعروفين، وكلامه في الفقه كثير، ولهذا يأتي باسمه إبراهيم كثيراً عندما يروي عن أهل الكوفة مثل الأسود أو عبد الرحمن بن الأسود أو أبي وائل ، ويأتي ذكره بالنخعي قليلاً، ويأتي كثيراً إبراهيم النخعي أو إبراهيم بدون ذكر النخعي ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. ذكر ابن القيم في زاد المعاد أنه أول من عبر بعبارة: ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، ويقصد بذلك الدواب التي لا دم فيها مثل الجراد والذباب ونحوها، والتي إذا ماتت لا تنجس الماء. يقول ابن القيم : أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة وما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه إبراهيم النخعي ، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، ذكر هذا ابن القيم عند ذكر حديث الذباب وغمسه في الماء إذا وقع فيه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغمسه، وقال: (إن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء)، فأمر أن يغمس وأن يستعمل الماء، قال:
    إن العلماء استدلوا من غمسه -مع أن الماء قد يكون حاراً فيموت بسبب الغمس- أن موته في الماء لا ينجسه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى كونه يستعمل ولا يتلف، قالوا: فهذا فيه دليل على أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، والمراد بالنفس هنا: الدم؛ لأن النفس تأتي بعدة معان منها الدم، والروح تطلق على النفس التي بها حياة الإنسان، والروح مخلوق إذا نفخ في الإنسان صار حياً، وإذا نزع من الإنسان صار ميتاً، وعندما يذكرون الفرق بين النفس والروح فيطلقان جميعاً على ما يكون به حياة الإنسان، وتطلق النفس على الدم بخلاف الروح، والروح تطلق على أمور لا تطلق عليها النفس مثل الوحي، ومثل جبريل، فإنه يطلق عليه روح، ويطلق على الوحي أنه روح كما قال الله:
    وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52] وهو الوحي، فهو روح؛ لأن بالوحي حياة القلوب. فالحاصل أن إبراهيم النخعي هو أول من عبر بهذه العبارة كما قال ابن القيم ، ولكنه في كتاب الروح لما ذكر الفرق بين النفس والروح قال: وفي الحديث: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات)، وليس في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و ابن القيم نفسه قال:
    إبراهيم النخعي هو أول من عبر بهذه العبارة! فهذا يبين لنا أن كلامه في الروح قديم، وأن كتابته لزاد المعاد الذي نسب فيه هذه العبارة لـ إبراهيم النخعي متأخر، وفيه من التحقيق ما يكن عنده من قبل، ولهذا يذكر في كتاب الروح أموراً غريبة يتعجب من ابن القيم كيف يذكرها من أحوال الأموات وما إلى ذلك من الأشياء.
    [ عن الأسود ].
    هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ].
    عائشة مر ذكرها.

    شرح حديث: (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن شوكر حدثنا هشيم عن عروة الهمداني حدثنا الشعبي قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة) ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة قالت: (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة) وسبق أن مر في الحديث أنه كان يضرب يده بالجدار؛ حتى ينقي يده من أثر غسل فرجه وما حوله. (لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حين يغتسل من الجنابة) حيث كان يضرب يديه على الجدار لتنقية يديه بعد غسله فرجه وقبل بدئه للوضوء، وقد كان ذلك الأثر موجوداً في ذلك الوقت، لكن الحديث فيه ضعف.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة)

    قوله:
    [ حدثنا الحسن بن شوكر ].
    الحسن بن شوكر صدوق، أخرجه له أبو داود وحده.
    [ حدثنا هشيم ].
    هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عروة الهمداني ].
    هو عروة بن الحارث الهمداني ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا الشعبي ].
    هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو فقيه، وهو الذي اشتهرت عنه العبارة المشهورة التي ذكرها شيخ الإسلام في أول منهاج السنة في بيان خبث الرافضة وسوء معتقدهم حيث قال: إن اليهود والنصارى فضلوا الرافضة بخصلة، إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد! هذه العبارة التي عبر بها الشعبي رحمه الله قد قالها بعض الرافضة في شعر له يذم فيها الصحابة، ويذم الخلفاء الراشدين أبا بكر و عمر و عثمان وكبار الصحابة وصغارهم، وكان من جملة ما قال:
    أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها وهذا استفهام استنكار، يعني: بعيد أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس، بل هم أشقى أمة أخرجت للناس، وهي قصيدة طويلة تبلغ أربعمائة أو خمسمائة بيت، وقد ذكر محمود الملاح جملة من أبياتها، ومنها هذا البيت، وتكلم عليها وبين ما عند الرافضة من الباطل، ومن جملة ما ذكره في بيت من الأبيات: أن سورة براءة خلت من البسملة دون سور القرآن كلها؛ لأن أبا بكر ذكر فيها، حيث قال الله عز وجل:
    إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]! فهذا الكلام الذي قاله الشعبي رحمة الله عليه من قديم قاله بعض الرافضة الذين جاءوا بعد ذلك بمئات السنين، وهذا الرافضي الخبيث ما أدري هل هو من القرن التاسع أو القرن الثامن، أعني: صاحب القصيدة التي قال فيها هذا البيت: أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها وقد ذكر لي بعض من المشايخ أنه سمع رافضياً يقول مثل هذه العبارة، قال:
    الصحابة هم أسوء هذه الأمة! تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة:118].
    [ قالت عائشة ].
    عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وقد مر ذكرها. والحديث فيه انقطاع بين الشعبي و عائشة ، فهو لم يسمع من عائشة ، وعلى هذا فيكون السند منقطعاً. أيضاً هشيم مدلس، وهو يروي عن عروة بالعنعنة، و هشيم مدلس مثل به العراقي في ألفيته حيث قال: وفي الصحيح عدة كالأعمش وكهشيم بعده وفتش.
    شرح حديث: ( وضعت للنبي غسلاً يغتسل به من الجنابة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كريب حدثنا ابن عباس عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً يغتسل به من الجنابة، فأكفأ الإناء على يده اليمنى، فغسلها مرتين أو ثلاثاً، ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه، فناولته المنديل فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده)، وذكرت ذلك لإبراهيم فقال:
    كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة. قال أبو داود : قال مسدد : قلت لعبد الله بن داود : أكانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ].
    صفة غسل الجنابة
    هذه الترجمة في غسل الجنابة، وقد مرت جملة من الأحاديث المتعلقة بغسل الجنابة، وفيها ما هو مختصر، وفيها ما هو مطول، وبعض الأحاديث تقتصر على ذكر بعض أجزاء الإنسان كغسل الرأس أو الصب على الرأس، وبعضها يذكر الكيفية، وهي أنه يغسل يديه أولاً ثم يغسل فرجه وما حوله، وكل ما أصابه من أثر الجماع، ويضرب يده بالأرض أو بالجدار لينظفها، ثم بعد ذلك يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك يصب الماء على شق رأسه الأيمن ثم شقه الأيسر، ثم يفيض الماء على سائر جسده بحيث يصل الماء إلى كل جزء من أجزاء الإنسان، لاسيما الأماكن التي قد لا يصلها الماء، وهي المغابن مثل الآباط وأصول الفخذين؛ حتى يتحقق الإنسان أنه أوصل الماء إلى سائر جسده، وهذه هي كيفية الغسل الكامل. وإذا كان الغسل للجنابة ونوى به رفع الحدث الأكبر والأصغر وأفاض الماء على جسده جميعاً وإن لم يتوضأ قبله؛ فإنه يرتفع الحدثان الأكبر والأصغر، ولكن الأغسال الأخرى التي للتبرد أو للجمعة لا يرتفع بها الحدث الأصغر ولو نوى رفع الحدث الأصغر، وإنما ذلك خاص في الغسل من الجنابة، فالغسل من الجنابة فقط هو الذي يرتفع به الحدث الأكبر والحدث الأصغر، وأما غسل الجمعة وغسل التبرد فلا يرتفع به الحدث الأصغر، فلا يكفي أن يفيض الإنسان الماء على جسده وينوي رفع الحدث الأصغر، بل لابد أن يتوضأ لذلك، إما قبل الاغتسال وإما بعد الاغتسال، وإذا توضأ قبل الاغتسال ثم بعد ذلك لمس ذكره فإن عليه أن يعيد الوضوء؛ لأن مس الذكر والفرج ينقض الوضوء، وأما الجنابة إذا غسل فرجه أولاً وتوضأ واغتسل بأن أفاض الماء على سائر جسده فإنه بذلك يرتفع منه الحدث الأكبر والأصغر، حتى وإن لم يتوضأ ولكنه نوى بالاغتسال رفع الحدث الأكبر والأصغر، فإن ذلك يجزئ ويكفي، لكن بشرط ألا يمس ذكره عند الاغتسال أو بعده؛ لأن مس الذكر ينقض الوضوء.
    أورد أبو داود حديث ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي ميمونة بنت الحارث الهلالية خالة ابن عباس ، وهو (أنها وضعت غسلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأفرغ على يده اليمنى وغسل يديه، ثم غسل فرجه وما حوله، وضرب بيده الأرض) يعني: ليحصل نقاؤها من آثار ما علق بها عند غسل الفرج (ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ومسح على رأسه، ثم بعد ذلك تنحى وغسل رجليه) وغسل الرجلين يمكن أن يكون قبل الاغتسال ويمكن أن يكون بعده، ويكون بعد الاغتسال إذا كان في الأرض تراب أو نحوه، فكونه يغسل رجليه في الآخر أنسب لتنظيفهما مما علق بهما. والحاصل:
    أن غسل الرجلين يكون قبل الاغتسال في آخر الوضوء، ويمكن أن يؤخر إلى ما بعد الاغتسال، وكل ذلك جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث فيه بيان كيفية الغسل، وهو مشتمل على الوضوء، وفيه ذكر المضمضة والاستنشاق في الوضوء، ولابد منهما كذلك في الاغتسال، وإذا اغتسل الإنسان للجنابة من غير أن يتوضأ فعليه أن يتمضمض ويستنشق؛ لأن المضمضة والاستنشاق لها حكم الوجه. قوله: [ عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت:
    (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً يغتسل..) ]. (غسلاً) يعني: ماء يغتسل به. قوله: [ (يغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثاً) ]. من المعلوم أن الغسل يكون لليدين وليس لليد الواحدة، فهو أكفأ على اليد اليمنى ثم غسل يديه. قوله: [ (ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه) ]. وفي هذا غسل الرجلين بعد الاغتسال.
    حكم استعمال المنديل للتنشيف
    قوله: [ (فناولته المنديل فلم يأخذه) ]. تقول ميمونة رضي الله عنها: (فناولته المنديل -أي: ليتنشف به- فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده صلى الله عليه وسلم)، وهذا لا يدل على أن المنديل لا يستعمل أو أن الإنسان لا يتنشف، فللإنسان أن يتنشف بعد الوضوء وبعد الغسل، وما جاء في هذا الحديث من كونه لم يأخذه لا يدل على منعه ولا كراهيته، فلعله كان مستعجلاً، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه (مسح بجبة كانت عليه بعدما توضأ) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. إذاً: التنشيف لا بأس به، وعدم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم للمنديل لما ناولته إياه لا يدل على الكراهية والمنع، فلعله كان في تلك الحالة مستعجلاً، أو أن الخرقة لم تعجبه، أو لأي أمر من الأمور.
    قوله: [ فذكرت ذلك لإبراهيم ]. يقول الأعمش : ذكرت لإبراهيم النخعي ، ما يتعلق بكونه أعطي المنديل ولم يأخذه. قوله: [ فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة ]. هذه حكاية عن السلف وعن العلماء أنهم كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، وكون الإنسان يتنشف، ولكن كانوا يكرهونه للعادة، يعني: كونه يتخذ عادة بحيث يكون كأنه سنة لا تترك، ويذكر بعض العلماء: أن الشيء الذي يكون سائغاً أو مستحباً ينبغي أن يترك في بعض الأحيان حتى لا يعتقد أنه واجب أو أنه سنة إذا لم يكن واجباً، مثل قولهم: تكره المداومة على قراءة [السجدة:1] و هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1] فجر يوم الجمعة لئلا يعتقد الناس أن هذا لازم ولابد منه، فيترك المستحب في بعض الأحيان حتى لا يتخذ عادة دائماً وأبداً بحيث لا يترك ويعتقد أنه مطلوب دائماً وأبداً، فهنا حكاية عن السلف وعن العلماء أنهم كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، وهذا من جنس قول إبراهيم النخعي الذي حكاه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: كانوا يضربوننا على اليمين والعهد ونحن صغار، يعني: يعظمون شأن اليمين والعهد، فيضربونهم عليهما حتى لا يستهينون بذلك ولا يستسهلونه، وهي حكاية عما كانوا يؤدبون به أولادهم.
    [ قال أبو داود : قال مسدد : قلت لعبد الله بن داود : وكانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ]. ثم قال أبو داود : قال مسدد -وهو شيخه-: قلت لعبد الله بن داود -وهو شيخ مسدد في الإسناد عبد الله بن داود الخريبي -: كانوا يكرهونه للعادة؟ يعني: يريد أن يستفهم، قال: هكذا هو، يعني: هكذا حفظ، وهكذا وجده في كتابه.
    تراجم إسناد رجال حديث: (وضعت للنبي غسلاً يغتسل به من الجنابة...)
    [ حدثنا مسدد بن مسرهد ].
    مسدد بن مسرهد ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ حدثنا عبد الله بن داود ].
    هو عبد الله بن داود الخريبي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [ عن الأعمش ].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سالم ].
    هو سالم بن أبي الجعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن كريب ].
    هو كريب مولى ابن عباس وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا ابن عباس ].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [ عن خالته ميمونة ].
    هي ميمونة بنت الحارث الهلالية خالته؛ لأن ابن عباس أمه لبابة بنت الحارث الهلالية ، وتكنى أم الفضل بأكبر أولاد العباس وهو الفضل ، فالعباس وهو أبو الفضل وزوجته هي أم الفضل وهي لبابة بنت الحارث ،وهي أخت ميمونة بنت الحارث ، فهو يروي عن خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين؛ وحديث ميمونة عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر ابن عباس في صفة غسل الجنابة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حسين بن عيسى الخراساني حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن شعبة أنه قال: إن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار، ثم يغسل فرجه فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، فقال: لا أم لك! وما يمنعك أن تدري؟! ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر ].
    أورد أبو داود حديث ابن عباس أنه كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار. يعني: يغسلها سبع مرات، ثم يغسل فرجه، فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، قال: لا أم لك؛ قيل: إنه مدح، وقيل: إنه ذم، وفي الغالب أنه يذكر للذم، ومعناه: أنه كان ينظر إليه، فيعرف كيفية اغتساله؛ لأنهم كانوا ينظر بعضهم إلى بعض، ويعرفون الهيئات والكيفية التي تفعل حتى يأتسوا ويقتدوا، فسأله فقال: لا أدري، يعني ما أدري العدد الذي سبق؛ لأن ابن عباس نسي العدد، وقال له: كم أفرغت؟ يريد أن يتأكد ويتحقق من شعبة فقال: لا أدري، فقال:
    لا أم لك! وما يمنعك أن تدري؟! قوله: [ ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
    وهذا مخالف لما جاء في الروايات الكثيرة العديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يزيد على ثلاث مرات، والحديث في إسناده ضعف بسبب شعبة الذي يروي عن ابن عباس ، وهو مولى ابن عباس .
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في صفة غسل الجنابة
    قوله:
    [ حدثنا حسين بن عيسى الخراساني ].
    حسين بن عيسى الخراساني صدوق أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا ابن أبي فديك ].
    هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن أبي ذئب ].
    هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شعبة ].
    هو أبو عبد الله شعبة بن دينار ، وهو صدوق سيء الحفظ، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ قال: إن ابن عباس ].
    ابن عباس قد مر ذكره. هذا الحديث ضعيف، ولا يقال عنه: منكر؛ لأنه حديث مستقل، وما روي عن ابن عباس رواة آخرون يخالفه، وهذه الرواية فيها ضعف بسبب الرجل سيء الحفظ.
    شرح حديث: ( كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أيوب بن جابر عن عبد الله بن عصم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة) ].
    هذا الحديث ضعيف، أما بالنسبة للصلاة ففي الصحيحين وغيرهما في قصة الإسراء: أن أول ما فرضت الصلاة فرضت خمسين في السماء، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله التخفيف بمشورة موسى عليه الصلاة والسلام وعرضه عليه حتى وصلت خمساً، وقال الله عز وجل: (إنها خمساً في العمل، وخمسون في الأجر)، فخففت من خمسين إلى خمس، أما ذكر السبع مرار في غسل الجنابة، وكذلك في غسل الثوب من النجاسة؛ فهذا غير صحيح وغير ثابت، والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو ضعيف.
    تراجم رجال إسناد حديث: ( كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرار...)
    قوله:
    [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أيوب بن جابر ].
    ضعيف أخرج له البخاري في جزء القراءة و أبو داود و الترمذي .
    [ عن عبد الله بن عصم ].
    عبد الله بن عصم صدوق يخطئ حديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
    [ عن عبد الله بن عمر ].
    عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: ( إن تحت كل شعرة جنابة ...) وتراجم رجال إسناده

    [ حدثنا نصر بن علي حدثني الحارث بن وجيه حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر) ]. هذا الحديث ضعيف، والجنب عليه أن يروي جسده كله بالماء، ويروي رأسه وشعره بالماء ويدلكه ويخلل شعره، ولكن كون تحت كل شعرة جنابة غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن على بن نصر بن علي الجهضمي فاسمه واسم أبيه يوافق اسم جده وجد أبيه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني الحارث بن وجيه ]. هو الحارث بن وجيه وهو ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا مالك بن دينار ]. مالك بن دينار صدوق أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. [ قال أبو داود : الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف ]. هذا الحديث منكر حيث تفرد به هذا الضعيف.

    شرح حديث: ( من ترك موضع شعرة من جنابة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار) قال علي : فمن ثم عاديت رأسي (ثلاثاً)، وكان يجز شعره ].
    أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا ) يعني: عذبه بكذا وكذا وذكر عقوبة، وقد أبهمها وأشار إليها بقوله: (كذا وكذا) دون أن يسميها، يعني: يعاقبه الله بعقوبة كذا وكذا في النار، ومعناه أنه أمر خطير من الكبائر، قال علي رضي الله عنه: فمن ثم عاديت رأسي، يعني: عادى شعر رأسه بحيث أنه كان يجزه ويستمر على جزه حتى لا يحصل منه الإخلال بغسله؛ لأنه توعد عليه بهذا الوعيد الشديد، فكان يجزه دائماً وأبداً.
    والحديث ضعيف؛ لأنه من رواية عطاء بن السائب ، وهو صدوق اختلط، و حماد بن سلمة روى عنه قبل الاختلاط وبعد الاختلاط، ولم يتميز حديثه الذي قبل الاختلاط عما كان بعده فردت روايته، وحكم حديث المختلط: أن ما تحقق أنه رواه قبل الاختلاط يحتج به؛ لأن الاختلاط طرأ بعد ذلك، وما تحقق أنه بعد الاختلاط فهو مردود لا يحتج به، ومن روى عنه قبل الاختلاط وبعده فإن كان متميزاً فما كان قبل الاختلاط يعمل به، وما كان بعد الاختلاط لا يعمل به، وإن لم يتميز فكله لا يعول عليه؛ لأنه روى عنه قبل الاختلاط وبعده فلم يتميز، و حماد بن سلمة روى عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط وبعده، ولم يتميز ما روى عنه قبله وبعده فترد روايته عنه؛ أما حماد بن زيد فإنه روى عنه قبل الاختلاط، ولهذا روايته عن عطاء بن السائب مقبولة ومعتبرة ومحتج بها؛ لأنه روى عنه قبل الاختلاط، فالحديث ضعيف من أجل عطاء بن السائب ، ورواية حماد بن سلمة عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( من ترك موضع شعرة من جنابة...)
    قوله:
    [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحابه الكتب الستة. و موسى بن إسماعيل التبوذكي هو جد ابن أبي عاصم من جهة أمه، وجده من جهة أبيه هو أبو عاصم ، فله جدان ثقتان من جهة أبيه ومن جهة أمه، وأبو عاصم النبيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب كتاب السنة وغيره من الكتب, وهو من شيوخ البخاري ، و موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ البخاري .
    [ حدثنا حماد ].
    هو حماد بن سلمة ، وإذا جاء حماد غير منسوب يروي عنه موسى بن إسماعيل فهو ابن سلمة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [ أخبرنا عطاء بن السائب ].
    عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [ عن زاذان ].
    هو زاذان الكندي ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن علي ].
    هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    الأسئلة



    التقليد واتباع المذاهب لغير العالم

    السؤال: هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين، وإذا استطاع الطالب أن يستعين بأقوال السلف والعلماء لفهم الكتاب والسنة هل عليه ضير؟
    الجواب: الإنسان الذي ليس عنده قدرة يقلد إذا لم يجد من يستفتيه ويرجع إليه في معرفة أمور الدين، فيتعلم مذهباً من المذاهب، ويعبد الله عز وجل بها، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، لكن الإنسان الذي عنده القدرة والتمكن، وعنده الاطلاع الواسع على كتب السنة، والفقه والحديث فلا يلزمه أن يقلد إماماً من الأئمة، وإنما عليه أن يتبع الدليل؛ لأن الله عز وجل يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]. ويقول الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. وكل واحد من الأئمة الأربعة جاء عنه التنصيص على أنه إذا وجد له قول يخالف حديثاً صحيحاً فإنه يتبع الدليل ويأخذ بالحديث، ويترك ما جاء عنه من القول الذي خالفه الحديث. والإمام الشافعي رحمة الله عليه نفسه قد جاء عنه في مسائل متعددة أنه يعلق القول فيها على الصحة، فيرى رأياً خلاف ما جاء به الحديث الذي ما صح عنده، ومع ذلك يعلق القول به على صحته فيقول: إن صح الحديث قلت به، ولهذا يأتي بعض أتباعه كالبيهقي و النووي وغيرهما في بعض الأحاديث فيقولون: وقد صح الحديث، وهو مذهب الشافعي ؛ لأن الشافعي علق القول به على صحة الحديث، فإذاً هو مذهب الشافعي حكماً؛ لأنه علق القول به على صحته. لكن ليس كل أحد يستطيع أن يرجع إلى الأدلة، ويأخذ بها دون أن يكون عنده علم وبصيرة واطلاع واسع؛ لأن بعض الناس قد يطلع على شيء وهناك شيء أقوى منه، أو هناك ما ينسخه، أو ما يقيده، فعليه أن يرجع إلى كلام العلماء والفقهاء وشراح الحديث والمصادر المختلفة، فليس كل أحد بإمكانه أن يجتهد؛ لأن الذي بإمكانه الاجتهاد هو الذي عنده قدرة واطلاع، وأما أي إنسان يأتي ويقول: أنا أفعل كذا وكذا فهذا لا يصلح ولا ينبغي، ولكن مثل المشايخ الكبار الذين عندهم قدرة ومعرفة واستيعاب مثل الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين ونحوهما هل يقال: يلزمهم أن يقلدوا مذهباً معيناً؟! لا يقال في حقهم ولا في حق غيرهم ممن يكون عنده القدرة مثلهم، أما الإنسان الذي ليس عنده علم وليس عنده معرفة ولا قدرة؛ فإنه يستفتي من عنده علم، ومن لا يجد من يفتيه يتعلم مذهباً من المذاهب، ويتعبد الله تعالى به، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [039]
    الحلقة (70)

    شرح سنن أبي داود [039]

    من فضائل أمهات المؤمنين أنهن نقلن للأمة كثيراً من السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم التي لا يطلع عليها إلا نساؤه، مثل صفة غسل الجنابة، فقد وصفن غسله صلى الله عليه وسلم وصفاً دقيقاً، وذكرن كل ما اشتمل عليه من الواجبات والمستحبات، فرضي الله عنهن وأرضاهن.

    ما جاء في الوضوء بعد الغسل


    شرح حديث: ( كان رسول الله يغتسل... ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل )
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء بعد الغسل. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الغداة، ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل) ].
    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب في الوضوء بعد الغسل]، يعني: أنه لا يشرع، وليس للإنسان أن يتوضأ بعد الغسل إذا كان توضأ قبله، أو نوى بالاغتسال رفع الحدث الأكبر والأصغر، ولم يمس ذكره في أثناء اغتساله، أما إذا اغتسل ولم ينو رفع الحدث الأصغر وإنما نوى رفع الحدث الأكبر فقط، أو أنه اغتسل ونوى رفع الحدث الأكبر والأصغر ولكنه مس ذكره في أثناء اغتساله، فإن عليه أن يتوضأ بعد ذلك، والأصل أن الإنسان لا يحتاج إلى وضوء بعد الاغتسال، مادام أنه توضأ قبل الاغتسال، أو نوى بالاغتسال رفع الحدث الأكبر والأصغر، لكن إذا لم ينو رفع الحدث الأصغر عند اغتساله أو نواه ولكنه مس ذكره وهو يغتسل؛ فإنه عليه أن يتوضأ؛ لأن مس الذكر ناقض للوضوء؛ وعلى هذا فالوضوء بعد الغسل لا يشرع إلا إذا لم ينو المغتسل رفع الحدث الأصغر عند الاغتسال، أو أنه نوى رفع الحدث الأكبر والأصغر ولكنه مس ذكره، فإنه في هذه الحالة عليه أن يتوضأ بعد ذلك، وإلا فإنه لا يحتاج إلى وضوء.
    وقول عائشة رضي الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ويصلي الركعتين وصلاة الغداة) يعني: ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر، وصلاة الغداة التي هي صلاة الفجر، وقولها: ولا يحدث وضوءاً يعني: بعد الغسل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يغتسل... ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل)
    قوله:
    [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].
    هو عبد الله بن محمد بن علي النفيلي وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [ حدثنا زهير ].
    هو زهير بن معاوية وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أبو إسحاق ].
    أبو إسحاق هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأسود ].
    هو الأسود بن يزيد النخعي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ].
    عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. والحديث صححه الألباني وغيره.
    نقض المرأة لشعرها عند الغسل


    شرح حديث: (... إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟ حدثنا زهير بن حرب و ابن السرح قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن امرأة من المسلمين -وقال زهير : إنها قالت-: (يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً) وقال زهير : (تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك؛ فإذا أنت قد طهرت) ].
    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب في المرأة هل تنقض شعر رأسها من الجنابة؟] يعني: هل تنقضه إذا كان مشدوداً ومضفراً، أو تغتسل وهو منشور غير مشدود ولا مضفور؟ والجواب: أن المرأة لا يلزمها أن تنقض شعرها عند الاغتسال، وإن نشرته فلا بأس بذلك، ولكن كون ذلك واجباً عليها ولازماً لها فلا، بل يكفيها أن تصب على رأسها الماء، ولا يلزمها أن تفكه وتنشره. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟) تستأذن وتستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتنقضه يعني: هل يلزمها نقضه؟ قال: (إنما يكفيك أن تحفي عليه ثلاثاً) وقال زهير : (تحثي) .
    يعني: هذا قال: تحفي، وهذا قال: (تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء) يعني: تصب عليه ثلاث حثيات من ماء، (ثم تفيضي على سائر جسدك) يعني: بعدما تغسلي رأسك ثلاث مرات، وتصبي عليه ثلاث إفراغات تفيضي الماء على سائر جسدك، (فإذا أنت قد طهرت) يعني: إذا فعلت هذا بأن حثيت على رأسك ثلاث حثيات، وأفضت الماء على سائر الجسد؛ فأنت بذلك تكونين قد طهرت. والحاصل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأنها لا يلزمها نقض شعر رأسها، وإنما يكفيها أن تحثي عليه ثلاث حثيات، وتفيض الماء على سائر جسدها، وبذلك تكون قد طهرت من الجنابة. قوله: [ عن أم سلمة أن امرأة من المسلمين، وقال زهير : أنها قالت ].
    يعني ابن السرح . قال: إن امرأة من المسلمين، يعني: أنها كنت عن نفسها بقولها: امرأة من المسلمين، وفي رواية زهير : أن أم سلمة قالت، فالرواية الأولى فيها إبهام السائل، وهكذا كانوا يفعلون، يكني الإنسان عن نفسه، فيقول: إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابي هو السائل، والمرأة كذلك أحياناً تقول: إن امرأة من المسلمين سألت، وتكون هي نفسها السائلة. قوله: [ قال: (إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً) ] اللفظ الأول: تحفني من الحفنات، واللفظ الثاني: تحثي من الحثيات.
    تراجم رجال إسناد حديث: ( إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً...)
    قوله:
    [ حدثنا زهير بن حرب و ابن السرح ].
    زهير بن حرب هو أبو خيثمة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وقد أكثر عنه الإمام مسلم ، روى عنه في صحيحه أكثر من ألف حديث، وأكثر منه أبو بكر بن أبي شيبة ، روى عنه مسلم أكثر من ألف وخمسمائة حديث، وكذلك محمد بن رافع هو مكثر عنه، لكنه أقل من هذين بكثير. و ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح ، ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ حدثنا سفيان بن عيينة ].
    هو سفيان بن عيينة المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أيوب بن موسى ].
    أيوب بن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن أبي سعيد ].
    سعيد بن أبي سعيد هو المقبري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ].
    عبد الله بن رافع مولى أم سلمة هو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أم سلمة ].
    أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: ( ...واغمزي قرونك عند كل حفنة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن نافع -يعني: الصائغ - عن أسامة عن المقبري عن أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث قالت: فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم -في معناه- قال فيه: (واغمزي قرونك عند كل حفنة) ].
    أورد أبو داود حديث أم سلمة من طريق أخرى: أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث، ويحتمل أن أم سلمة قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: إن امرأة من المسلمين تسأل عن كذا وكذا، ويحتمل أنها هي السائلة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: (إنما يكفيك) يخاطب أم سلمة ، فيكون الخطاب لأم سلمة والجواب لتلك التي أوصتها أن تسأل. [ قالت: فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال فيه: (واغمزي قرونك عند كل حفنة) ]. يعني: أنها تحركها حتى يصل الماء إلى داخلها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... واغمزي قرونك عند كل حفنة)
    قوله:
    [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن نافع يعني: الصائغ ].
    ابن السرح تقدم، و ابن نافع هو عبد الله بن نافع الصائغ وهو ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أسامة ].
    هو أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن المقبري ].
    هو سعيد بن أبي سعيد المقبري الذي مر في الإسناد المتقدم، وهناك جاء باسمه، وهنا أتى بنسبته، وهو شخص واحد.
    [ عن أم سلمة ].
    تقدم ذكرها.
    شرح حديث: ( كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنهما أنها قالت: (كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا -تعني: بكفيها جميعاً- فتصب على رأسها، وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق والأخرى على الشق الآخر) ].
    أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا -تعني: بكفيها جميعاً- فتصب على رأسها وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق والأخرى على الشق الآخر) والمقصود: أنهن يكتفين بذلك، وأورده في باب المرأة هل تنقض شعرها أو لا تنفضه؟ لأنه يدل على أنها لا تنقضه، ويكتفين بذلك الفعل الذي يفعلنه.
    تراجم رجال إسناد حديث: ( كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة...)
    قوله:
    [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ حدثنا يحيى بن أبي بكير ].
    يحيى بن أبي بكير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا إبراهيم بن نافع ].
    إبراهيم بن نافع وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الحسن بن مسلم ].
    هو الحسن بن مسلم بن يناق وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ عن صفية بنت شيبة ].
    هو صفية بنت شيبة الحجبية العبدرية ، لها رؤية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ].
    عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وقد مر ذكرها.
    شرح حديث: ( كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (كنا نغتسل وعلينا الضماد) المقصود به: الشيء الذي تلبد به المرأة رأسها ليمسكه، فيغتسلن وعليهن الضماد وهن محلات ومحرمات، يعني: وهن في حال إحلالهن وإحرامهن فلا يزلن ذلك التلبيد الذي على رءوسهن، وإنما يفرغن الماء على رءوسهن. هذه الأحاديث كلها تدل على أن المرأة لا تنقض شعر رأسها عند إرادة الاغتسال.
    تراجم رجال إسناد حديث: ( كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله...)
    قوله:
    [ حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد ].
    مر ذكر نصر بن علي و عبد الله بن داود ، و عمر بن سويد ثقة أخرج له أبو داود وحده.
    [ عن عائشة بنت طلحة ].
    هي عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية أبوها أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ].
    عائشة أم المؤمنين وقد مر ذكرها.
    شرح حديث: (... وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش قال ابن عوف : وحدثنا محمد بن إسماعيل عن أبيه قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة أن ثوبان رضي الله عنه حدثهم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (أما الرجل فينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه، لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها) ].
    أورد أبو داود حديث ثوبان رضي الله عنه، وفيه التفريق بين الرجل والمرأة في نقض الشعر للغسل، فالأصل أن رأس الرجل يكون غير مضفور بل منشور، فعليه عندما يغسله أن يوصل الماء إلى أصوله؛ وأما المرأة فيكفيها أن تحثو عليه ثلاث حثيات، وليس عليها أن تنقضه كما دل عليه هذا الحديث وغيره من الأحاديث المتقدمة. وهذا فيه بيان أن الرجل يوصل الماء إلى شعره كله لأنه منشور، بخلاف المرأة إذا كان شعرها مضفوراً، فلا يلزمها نقضه وإيصال الماء إليه كله، بل يكفيها أن تصب عليه الماء ثلاثاً، وبذلك وردت الأحاديث المتعددة في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحكم للنساء.
    وقد سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته وشعر رأسه، وكان يدخل أصابعه حتى يصل إلى البشرة، فهذا كله يتفق مع هذا الحديث الذي فيه أن الرجل يغسل شعره؛ لأنه في الأصل منشور غير مضفور، والمرأة يكفيها أن تصب على شعرها وعلى رأسها ثلاث حثيات أو ثلاث غرفات، وبذلك تكون أدت ما عليها من الغسل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه...)
    قوله:
    [ حدثنا محمد بن عوف ].
    محمد بن عوف ثقة أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي .
    [ قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش ].
    هو إسماعيل بن عياش الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في روايته عن غيرهم، وهنا الراوي عنه يذكر بأنه قرأ في أصله، ومعناه: أنه ما سمع منه، وإنما رأى أصل كتابه وقرأ فيه هذا الإسناد. وقد أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن.
    [ قال ابن عوف : وحدثنا محمد بن إسماعيل عن أبيه ].
    ابن عوف روى أولاً عن طريق قراءته في أصل إسماعيل ، وهو لم يسمع من إسماعيل ، وهي وجادة، ثم روى عن ابنه محمد عن أبيه، فله طريقان. قال في التقريب محمد بن إسماعيل بن عياش : عيب عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع. فيكون فيه انقطاع في الإسناد الأول وفي الإسناد الثاني، فالإسناد الأول غير متصل؛ لأنه ما سمع منه، والإسناد الثاني فيه محمد بن إسماعيل وروايته عن أبيه من غير سماع.
    [ حدثني ضمضم بن زرعة ].
    ضمضم بن زرعة صدوق يهم أخرج له أبو داود و ابن ماجة في التفسير.
    [ عن شريح بن عبيد ].
    شريح بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ قال: أفتاني جبير بن نفير ].
    جبير بن نفير ، ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
    [ أن ثوبان حدثهم ].
    ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
    الأسئلة


    استقبال القبلة عند الغسل

    السؤال: ذكر النووي أن من السنة للمغتسل أن يستقبل القبلة ما صحة هذا الكلام؟
    الجواب: ما نعلم له أساساً.
    غسل الجمعة لا يرفع الحدث الأصغر
    السؤال: استشكل بعض الإخوان ما ذكرتم من أن الإنسان إذا اغتسل غسل جمعة أو تبرد لا يكفيه عن رفع الحدث الأصغر ولو نوى؟

    الجواب: نعم ولو نوى؛ لأن الوضوء لابد من الإتيان به على الترتيب، لكن لو كان عليه الحدث الأكبر ونوى أن يرفع الأصغر مع الأكبر جاز ذلك، وأما غسل الجمعة فليس لرفع حدث، والوضوء لابد فيه من الترتيب، يغسل وجهه، ثم يديه إلى المرفقين، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه؛ فلا يكفي أن يغتسل للتبرد أو للجمعة وينوي رفع الحدث الأصغر؛ لأن رفع الحدث الأصغر يرتفع مع الحدث الأكبر إذا نوى رفعهما، أما هذا فليس فيه رفع حدث وإنما هو فعل شيء للتبرد، أو فعل شيء واجب أو مستحب على خلاف بين العلماء في حكم غسل الجمعة. أما إذا توضأ قبل غسل الجمعة فلا إشكال، بشرط ألا يلمس ذكره وهو يغتسل.
    غسل الجنابة يرتفع به الحدث الأصغر
    السؤال: ما الدليل على أن غسل الجنابة يرتفع به الحدث الأصغر؟

    الجواب: هكذا ذكر العلماء إذا نوى رفعهما؛ لأن كلاً منهما عبادة، ورفع الحدث الأكبر يرفع الحدث الأصغر، فإذا نوى الحدثين، ولم يمس ذكره في حال اغتساله؛ فإنه يرتفع حدثه الأكبر والأصغر.

    تساوي الرجل والمرأة في المذي

    السؤال: هل المرأة تمذي؟
    الجواب: لا شك أنها تمذي مثلما الرجل عند تذكر الجماع، والله تعالى أعلم."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [040]
    الحلقة (71)

    شرح سنن أبي داود [040]


    من رحمة الله تعالى وحكمته أن نهى عن جماع الحائض، فالحيض أذى، وفي جماعها أثناءه أضرار كثيرة عليها وعلى زوجها، ولكن جاءت الرخصة عن النبي عليه الصلاة والسلام في معاشرة الحائض والاستمتاع بها بما دون الجماع مخالفة لليهود.

    غسل الجنب رأسه بالخطمي


    شرح حديث: (أن النبي كان يغسل رأسه بالخطمي...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك؟ حدثنا محمد بن جعفر بن زياد حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصب عليه الماء) ]. يقول الإمام أبو داود رحمه الله باب: [في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك؟]. الخطمي هو نبات يغسل به الرأس وينظف به الرأس، والمقصود من الترجمة: هل استعمال الخطمي في غسل الجنابة يجزئ دون أن يضاف إليه ماء، هذا فيه تفصيل: الأصل أن الاغتسال يكون بالماء، وإذا أضيف إلى الماء شيء طاهر كالخطمي وغيره، فإن كان يصب عليه ماء بحيث يحصل التنظيف بعد ذلك بالماء، بحيث يكون غسل الرأس بالخطمي وتنظيفه بعد ذلك بالماء حتى يذهب أثره؛ فلا شك أن هذا مجزئ وكاف، وإذا اغتسل أولاً بالماء فقد حصل ارتفاع الجنابة من الإنسان، فإذا أضاف بعد غسله الخطمي فقد حصل الاغتسال قبل أن يأتي بالخطمي، لكن إذا جعل الخطمي في الماء وخلطه به وامتزج به، ثم بعد ذلك اغتسل به فهل يجزئه أو لا يجزئه إذا لم يضاف إليه الماء؟ في ذلك نظر وإشكال، والأحوط للإنسان أن يأتي بالماء حتى تبرأ ذمته، فيغتسل بالماء حتى يجري على سائر الجسد، وحتى يزيل آثار ذلك الذي تنظف به من خطمي أو غيره. أورد أبو داود هنا حديثاً لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل رأسه وهو جنب بالخطمي يجتزئ بذلك) أي: يكتفي بذلك دون أن يضيف إليه ماء أو يصب عليه ماء بعد ذلك، والحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه رجلاً مجهولاً، غير معروف.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يغسل رأسه بالخطمي...)
    قوله: [ حدثنا محمد بن جعفر بن زياد ]. محمد بن جعفر بن زياد ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قيس بن وهب ]. قيس بن وهب ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ عن رجل من بني سواءة بن عامر ]. رجل من بني سواءة بن عامر، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    ما جاء فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء


    شرح حديث: (كان رسول الله يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء. حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء، ثم يأخذ كفاً من ماء ثم يصبه عليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء]، قيل: المقصود بهذه الترجمة: ما يفيض بين الرجل والمرأة بسبب التقائهما من الماء الذي هو المني أو المذي الذي يكون نتيجة لاجتماعهما والتقائهما، أي: كيف يغسل وكيف يطهر؟ والحكم في هذا: أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي أن يرش بالماء كما سبق أن مر بنا في الحديث: أنه أخذ كفاً من ماء فرشه به، وأما إذا كان منياً على الثوب فالمني طاهر وليس بنجس، وإذا كان المني يابساً فيكفي أن يفرك حتى تذهب هيئته وشكله، لا لأنه نجس وإنما لأن منظره ليس بطيب، ولا ينبغي للمسلم أن يظهر به، وإن كان رطباً غسله، يعني: صب عليه ماء حتى يزيل هيئته وشكله، وإلا فإنه طاهر ليس غسله من أجل التطهير، وإنما من أجل إظهار أو إذهاب المنظر الغير حسن، مثل البصاق في الثوب، هو طاهر لكن منظره غير مستساغ وغير مستحسن، فكونه يغسل حتى يذهب أثره طيب. إذاً: حكم ما يصير بين الرجل والمرأة نتيجة لالتقائهما من مني حيث يكون الإنزال أو من مذي حيث لا يكون إنزال، فإن المذي نجس، وتطهيره بأن يرش عليه شيء من ماء، والمني طاهر، وهو لا يغسل من أجل التطهر من النجاسة؛ لأنه ليس بنجس، ولكن يغسل من أجل أن يذهب المنظر الذي لا يستساغ ولا ينبغي أن يخرج به الإنسان، هذا هو المقصود من الترجمة فيما يظهر ويبدو. أورد أبو داود رحمه الله حديثاً ضعيفاً في إسناده ذلك الرجل المجهول في الإسناد السابق، وهو رجل من بني سواءة، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء، ثم يأخذ كفاً من ماء ثم يصبه عليه). في بعض النسخ (عليه) يعني: على الماء الذي يجري بين الرجل والمرأة؛ لأن الماء في الترجمة المقصود به المني أو المذي، وقوله: (أخذ كفاً من ماء) هو الماء الذي يتطهر به، (فيصبه علي ويأخذ كفاً ويصبه عليه) ، وعلى نسخة: (علي) تعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رش ماء على ثوبها بكف من ماء، ويرش على ما في ثوبه بكف من ماء، وعلى نسخة: (عليه) فالضمير يرجع إلى ذلك الماء الذي هو مذي أو مني: يعني: يصب عليه كفاً من ماء، ثم يأخذ كفاً من ماء فيصبه عليه، فكأنه يكرر ذلك مرتين، والحديث عبارته فيها غموض، لكن هذا هو الذي يتبادر ويظهر من معناها. والحكم فيما يسيل من المذي والمني من الرجل والمرأة التطهر منه إذا كان مذياً برشه، سواء في ذلك الرجل أو المرأة، وإذا كان منياً فبفركه إن كان يابساً وبغسله إن كان رطباً، حتى يذهب الأثر الذي لا يستحسن الظهور به.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأخذ كفاً من ماء يصب علي الماء...)
    قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة عن عائشة ]. قد مر ذكر الأربعة.
    ما جاء في مؤاكلة الحائض ومجامعتها


    شرح حديث: (... جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت؛ فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ..)[البقرة:222] إلى آخر الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في مؤاكلة الحائض ومجامعتها، لما فرغ من ذكر الأبواب المتعلقة بغسل الجنابة شرع في ذكر الأبواب المتعلقة بالحيض وأحكام الحيض. وسبق أن ذكرت عند البدء بأبواب غسل الجنابة: أن أبا داود رحمه الله تعالى جعل ما يتعلق بالطهارة كتاباً واحداً، فقال في أوله: كتاب الطهارة، وأتى بكل ما يتعلق بالطهارة تحت كتاب واحد، ثم أتى بكتاب الصلاة، و البخاري في صحيحه لم يأت بكتاب اسمه كتاب الطهارة، ولكنه أتى بأربعة كتب متفرقة يشملها كتاب الطهارة، فأتى بكتاب الوضوء، ثم أتى بكتاب غسل الجنابة، ثم أتى بكتاب الحيض، ثم أتى بكتاب التيمم، ثم بعده كتاب الصلاة، ولا مشاحة، وكل ذلك مستقيم، إن جمعت في كتاب واحد فيشملها الطهارة؛ لأنها طهارة صغرى وطهارة كبرى، طهارة كبرى تشمل الطهارة من الحيض، وتشمل التيمم الذي يقوم مقام الماء عند فقده، أو عند عدم القدرة على استعماله في الطهارة. ولما فرغ أبو داود رحمه الله من الأبواب المتعلقة بغسل الجنابة بدأ بالأبواب المتعلقة بالحيض، وبدأ بمؤاكلة الحائض ومجامعتها، والمقصود بالمجامعة غير الجماع، فالمجامعة هي: الاجتماع والمصاحبة والمخالطة، فيذكر الاتصال بها، ويراد به مؤاكلتها ومشاربتها ومجالستها ومضاجعتها، وهذا يقال له مجامعة، وليس المقصود بالمجامعة الجماع؛ لأن الجماع ممنوع في الحيض، ولهذا قال في نفس الحديث: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). وقوله: (جامعوهن في البيوت) يعني: خالطوهن، فقوله: المواكلة يعني: كونه يأكل ويشرب معها، ويخالطها، وقوله: يجامعها بمعنى أنه يلتقي بها، ويحتك بها، وتمس بشرته بشرتها، ويفعل كل شيء إلا الجماع. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن اليهود كان عندهم أن الحائض إذا حاضت أخرجوها من البيت أو اعتزلوها فلم يخالطوها، وأجاز الإسلام مخالطتها ومؤاكلتها ومشاربتها ومضاجعتها، وأباح منها كل شيء إلا الجماع كما قال الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، فبين الإسلام أن هذا الذي يفعله اليهود لا يفعل، بل تخالط المرأة، ويجتمع بها، وتضاجع، وتباشر، قال عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، فلما بلغ اليهود ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من مجامعة النساء ومخالطتهن، وعدم مفارقتهن قالوا: ما يريد هذا الرجل إلا أن يخالفنا في كل شيء! يعني: إذا رآنا نعمل شيئاً أمر بخلافه، وأرشد إلى خلافه، فهو يحرص على أن يخالفنا في كل شيء، فجاء عباد بن بشر و أسيد بن حضير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبراه أن اليهود قالوا:
    كذا وكذا، أفلا ننكحهن؟ يعني: من أجل المبالغة في مخالفة اليهود؛ لأننا خالفناهم في كونهم لا يخالطوهن، ونحن نخالط ونضاجع ونؤاكل ونشارب، ونفعل كل شيء إلا النكاح -الجماع- أفلا ننكحهن؟ فعند ذلك غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المخالفة لا تكون في معصية، وقد كانوا في زمن التشريع، والوحي ينزل، فيمكن أن يكون هناك نص، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: ظهر عليه الغضب، قال الصحابة: حتى ظننا أنه وجد عليهما، يعني: أن في قلبه شيئاً عليهما. ثم قاما وخرجا، فجيء بهدية للرسول صلى الله عليه وسلم وهي لبن، فأرسل في أثرهما، وجاءا وسقاهما من ذلك اللبن، قالوا: فظننا أنه لم يجد عليهما، يعني: ما دام أنه دعاهما وأسقاهما، وأشركهما في هذه الهدية، وهذا يدل على أن الغضب الذي كان قد زال، وأنه ليس في نفسه عليهما شيء. هذا الحديث فيه بيان ما كان عليه اليهود من التشدد، ومن مجانبة النساء في حال الحيض، والابتعاد عنهن، ويقابلهم النصارى الذين يجامعوهن في حال حيضهن، فالإسلام وسط بين هؤلاء وهؤلاء، لا جماع ولا اعتزال، لا مجانبة ومباعدة ومفارقة، وإنما اجتماع واختلاط ومؤاكلة ومشاربة ومؤانسة إلا النكاح، فالنصارى زادوا حتى بلغوا إلى أنهم ينكحونهن ويجامعونهن في حال حيضهن، فالإسلام وسط بين هؤلاء وهؤلاء. قوله:
    [ عن أنس رضي الله عنه: أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيت ] معنى (يجامعوها) يعني: يخالطوها في البيت، وليست القضية قضية الجماع الذي هو النكاح، بل أكثر من هذا، فحتى المجالسة لا يجالسون الحائض، وكأن فيها وباء معدياً. قوله: [ وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] ].
    وهذا فيه بيان سبب النزول، وهو أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يفعله اليهود، فأنزل الله: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى). قوله: [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح) ]. (جامعوهن في البيوت) يعني: خالطوهن في البيوت، ولا تفارقوهن ولا تعتزلوهن، واصنعوا كل شيء إلا النكاح، بل للزوج أن يتمتع بها في غير فرجها، فالأذى يجتنبه، وغير ذلك سائغ له، لكن الذي يخشى أن يقع في المحرم فعليه أن يبتعد عن المكان، فيستمتع بما فوق الإزار. قوله: [ (وقالت اليهود: ما يريد هذا أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير و عباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول: كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما) ].
    (قد وجد عليهما) يعني: غضب، من الموجدة، وهي: الغضب، وقالوا: إن كلمة (وجَد) تتفق في الماضي والمضارع، ولكنها تختلف في المصدر في أمور متعددة، يقال: وجَد من الغضب موجِدة يعني: غضب، ووجَد مطلوبه وجوداً، فالمصدر هنا وجوداً، وفي الضالة يقال: وجد ضالته وجداناً، وإذا كان من الغنى يقال: وجد يجد جِدة بمعنى: استغنى، فهي ألفاظ تتفق في الماضي والمضارع، ولكنها تختلف في المصادر باختلاف المعاني، هذه فائدة ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأنا أشرت إليها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري فيما يتعلق بالفوائد اللغوية. قوله: [ (فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما) ].
    (فاستقبلتهما) يعني: هما خارجان والهدية أقبل بها صاحبها، وحصل التلاقي بين اللذان خرجا من عند رسول صلى الله عليه وسلم وبين الذي جاء بالهدية، فلما دخل صاحب الهدية أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهما، ولما رجعا سقاهما، وهذا فيه بيان أن ما في نفسه عليهما قد زال، ولهذا قالوا: إن ظن الأولى جاءت على بابها وهو غير اليقين، وظن الأخيرة جاءت بمعنى اليقين، والظن يأتي لليقين ولما دون اليقين للشك وللتردد في الشيء وعدم الجزم به، فمثال مجيء ظن بمعنى استيقن: قوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة:46] يعني: يستيقنون ويعتقدون أنهم ملاقو ربهم، فهنا الظن بمعنى اليقين، ويأتي بمعنى الشك أو التردد الذي هو غير يقين، مثاله قوله هنا: حتى ظننا أنه وجد عليهما، ولما ردهما وأعطاهما من اللبن وسقاهما تيقنوا أنه ليس في نفسه عليهما شيء.
    تراجم رجال إسناد حديث (... جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح...)
    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ] . هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا ثابت البناني ]. هو ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ] . هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث إسناده رباعي، وأعلى الأسانيد عند أبي داود الرباعيات، وهذا منه، ففيه موسى بن إسماعيل و حماد بن سلمة و ثابت البناني و أنس بن مالك ، وهذا الحديث مسلسل بأهل البصرة؛ لأن هؤلاء الأربعة من أهل البصرة. أيضاً: الإسناد مسلسل برجال الكتب الستة، موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وحماد بن سلمة ، وثابت البناني ، وأنس بن مالك .
    [ وقول الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222] أي: شيء مستقذر، فهو دم خبيث وأذى، وفيه مضرة، فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] يعني: ما دام هذا الأذى موجوداً، وليس المقصود أن كل حائض تتأذى من الجماع، لكن نفس الدم الذي في فرجها أذى، فلا تجوز المجامعة، ولا شك أنها تتأذى بالجماع أيضاً، ويحصل لها ضرر، لكن المقصود أن دم الحيض هو نفسه أذى؛ لأنه دم نجس، والأذى هنا بمعنى القذر والنجاسة، وقد يكون الأذى بمعنى الألم، فالكلمة قد تحتمل عدة معان كلها يمكن أن تعتبر.
    هذا والرسول صلى الله عليه وسلم وافق اليهود في أشياء، بل وافق الكفار الذين كانوا يعبدون الأوثان ولا ينتمون إلى دين في أشياء، يعني: أقرها الإسلام، مثل المضاربة فقد كانت من أعمال الجاهلية وأقرها الإسلام، ومثل الولي في النكاح كان معتبراً في الجاهلية وأقره الإسلام، فتوجد أشياء من أعمال الجاهلية، أو من أعمال اليهود والنصارى أقرها الإسلام، لكن الشيء الذي يكون من خصائصهم فإن الإسلام ينهى عنه وعن التشبه بهم فيما هو من خصائصهم.
    شرح حديث (كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد ، حدثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أتعرق العظم وأنا حائض، فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها (كانت تتعرق العظم)، يعني: تأخذ العظم الذي عليه بقية لحم ليس بكثير، بحيث إن الإنسان يأكل وينتهي منه، ولا يعيده إلى الصحن أو على الصماط، وإنما إذا أراد أن يتعرق فإنه يخفف اللحم الذي عليه حتى لا يفسده على أحد يريد أن يأكل من اللحم الذي نهش منه، فكانت تأخذه وتنهش منه قطعة من اللحم، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، (فيضع فمه على المكان الذي وضعت فمها فيه) أي: من ذلك العظم، وهذا فيه مؤاكلة الحائض، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكل مع عائشة وهي حائض، ولم يكتف بمجرد كونه يأكل معها من صحن واحد أو من إناء واحد، بل من نفس العظم، ومن نفس المكان الذي مسه فمها يضع فمه عليه صلى الله عليه وسلم، فالمرأة جسدها طاهر، وإنما النجاسة والحيض في فرجها وليس في يديها أو فمها، وإنما النجاسة في موضع معين منها، فمؤاكلتها ومخالطتها ومضاجعتها ليس فيها بأس، وهذا فيه مطابقة للترجمة من حيث المؤاكلة، فقد كان عليه الصلاة والسلام يؤاكلها، بل ويضع فمه على موضع فمها. (وكانت تشرب الماء من الإناء، ثم تعطيه للنبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في المكان الذي وضعت فيه فمها) أي: الجهة التي شربت منها في الإناء يشرب منها صلى الله عليه وسلم، ففيه المشاربة للحائض. والعرق هو: العظم الذي عليه بقية اللحم، وقد جاء في بيان أحوال المنافقين قوله صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً، ثم قال: والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) يعني: لو كان يعلم أن في المسجد لحم يوزع، ولو كان اللحم يسيراً بأن يكون عظم عليه بقية لحم، لشهد العشاء لكي يأخذ نصيبه من اللحم؛ لأن قصدهم وهمهم الدنيا، ولا يريدون الآخرة والعياذ بالله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقهم: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً) يعني: لو كانوا لا يستطيعون الوصول إلى المسجد على أرجلهم، فللحرص على تحصيل هذا الثواب لصاروا يحبون على الركب حبواً، ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون ما في صلاة الجماعة من الأجر، وكان الواحد منهم يصيبه المرض فلا تسمح نفسه أن يصلي في البيت وهو مريض معذور، فيأتي إلى المسجد يهادى بين الرجلين، رجل يمسك عضده اليمنى، وآخر يمسك عضده اليسرى، ورجلاه تخطان بالأرض، حتى يقام في الصف، لا يستطيع أن يصل إلى الصف بمشيه، هكذا كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين يعرفون عظم شأن صلاة الجماعة، وأجر صلاة الجماعة. قال: (والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) وهو عظم عليه بقية لحم، والتعرق: هو الأخذ بالأسنان من ذلك اللحم الذي في ذلك العرق، والمرماتين هما ما بين ضلعي الشاة من اللحم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي...)
    قوله: [ حدثنا مسدد ] . هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن داود ] . هو عبد الله بن داود الخريبي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن، وعبد الله بن داود الخريبي هذا نقل عنه الحافظ في فتح الباري كلمة عظيمة، يقول: قال عبد الله بن داود الخريبي : إن أشد آية على أصحاب جهم قول الله عز وجل: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله، يعني: عليه أن يأخذ بما فيه؛ لأن الله قال: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، والإنذار للصحابة الذين نزل عليهم، ولكل من يبلغه هذا الخبر، فمن بلغه القرآن وسمعه وقرأه أو اطلع عليه فكأنما سمعه من الله؛ لأن الله تعالى يقول: لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، فالذين ينفون صفات الله عز وجل عن الله، وينفون عنه الأسماء والصفات قد أنذروا بالقرآن، وقد جاء في هذه الآية أن الإنذار للموجودين ولكل من يبلغه من الموجودين الذين لم يلقوا الرسول صلى الله عليه وسلم، والذين يأتون بعد زمانه في القرون والعصور المختلفة، قال رحمه الله: فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله يعني: عليه أن يتقيد بما فيه، وأن يأخذ بما فيه، وأن يصدق بما فيه، وأن يعمل بما فيه، وينتهي عما فيه من النواهي.
    [ عن مسعر ] .
    هو مسعر بن كدام ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المقدام بن شريح ] . المقدام بن شريح ثقة أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ] . هو شريح بن هانئ ، ثقة مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه مثل ابنه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عائشة ] . وقد مر ذكرها.
    شرح حديث: ( كان رسول الله يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائض )
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري، فيقرأ وأنا حائض) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع رأسه في حجرها، فيقرأ القرآن وهي حائض، والحائض لا تقرأ القرآن، وهذا يدل على الترجمة من جهة مخالطتها، والاجتماع بها، والاتصال بها، وكل شيء يجوز معها إلا الجماع، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يضع رأسه في حجرها، وهذا فيه دليل على مخالطة المرأة الحائض. وفيه دليل أيضاً على قراءة القرآن في حال الاضطجاع، فيقرأ الإنسان القرآن مضطجعاً وقاعداً وقائماً، وهنا قالت: (يضع رأسه في حجري -يعني: وهو مضطجع- ويقرأ القرآن). وفيه أيضاً: جواز قراءة القرآن عند الاتكاء على الحائض، أو وضع الرأس في حجر الحائض، وإن كان في مكان قريب من النجاسة؛ لأن رأسه في حجرها، وفرجها هو الذي فيه الدم النجس، فدل هذا الصنيع من رسول الله عليه الصلاة والسلام على هذه الأمور.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائض)
    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ] . هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور بن عبد الرحمن ]. هو منصور بن عبد الرحمن بن طلحة الحجبي ، من بني عبد الدار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن صفية بنت شيبة ]. صفية بنت شيبة ، وهي حجبية أيضاً، ولها رؤية، والذي يروي عنها هو ابنها منصور بن عبد الرحمن بن طلحة ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها.
    ما جاء في الحائض تناول من المسجد


    شرح حديث: (... إن حيضتك ليست في يدك)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحائض تناول من المسجد. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخُمرة من المسجد. فقلت: إني حائض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [الحائض تناول من المساجد]، يعني: أنها تمد يدها إلى المسجد، سواء كان من باب أو نافذة، فهذا لها، وإن كانت الحائض لا تدخل المسجد، ولا تبقى فيه، ولكنها يمكن أن تناول من في المسجد وهي خارج المسجد، سواء من الباب، أو من فوق جدار إذا كان الجدار قصيراً، أو من نافذة تكون على المسجد، فمدها يدها إلى المسجد لا مانع منه، ولا بأس به. قوله: (ناوليني الخُمرة من المسجد) يعني: أنه في المسجد، وهي خارج المسجد. قوله: [ (فقالت: إني حائض. قال: إن حيضتك ليست في يدك) ] فيدها إذا دخلت المسجد فهي طاهرة، والنجاسة في فرجها وليست في يدها، ومعناه: أن جسمها طاهر، وأعضاءها طاهرة، وإنما النجاسة في مكان محدد، فهذا فيه دليل على أن إدخال المرأة يدها أو يديها أو رأسها إلى المسجد، وكونها تناول شيئاً لمن في المسجد لا بأس به ولا مانع منه. قال بعض أهل العلم: وفيه أيضاً دليل على أن من حلف لا يدخل داراً، ثم مد يده إليها أو ما إلى ذلك لا يعتبر أنه دخلها، مثل مد اليد للمسجد لا يعتبر دخولاً للمسجد، ولا بأس بذلك، وإنما يكون الدخول إذا دخلها بكليته، فلو أنه ناول شيئاً، أو أدخل رأسه مع شباك في تلك الدار؛ فلا يعتبر أنه دخل الدار حتى يدخلها بكامله.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن حيضتك ليست في يدك)
    قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ] . هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت بن عبيد ]. ثابت بن عبيد وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن القاسم ] . هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها.
    ما جاء في الحائض لا تقضي الصلاة


    شرح حديث : (... لقد كنا نحيض عند رسول الله فلا نقضي ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحائض لا تقضي الصلاة. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن معاذة (أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي، ولا نؤمر بالقضاء) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهذا من الأحكام المتعلقة بالحائض، وهي أنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وقد جاءت الشريعة بذلك، والحكمة في هذا -والله أعلم-: أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، والصيام لا يأتي إلا مرة واحدة وشهراً في السنة، فإذا وقع الحيض فيه فإنه يسهل أن يقضى، وأما الصلاة فإن الأيام تتوالى كل يوم خمس صلوات، فلم يشرع للنساء أن يقضين الصلاة، وشرع لهن أن يقضين الصيام؛ لأن الصلاة تتكرر، يأتي في شهر واحد من السنة فيقضى بسهولة. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أن معاذة العدوية سألتها: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! يعني بسبب سؤالها عن كونها تقضي الصلاة، فإن هذا هو شأن الخوارج، يرون أن الحائض تقضي الصلاة، وهذا من تشددهم وتنطعهم وتكلفهم، فلما سألتها هذا السؤال، قالت: أحرورية أنت، يعني:
    أهل أنت من الخوارج؟! فقالت: لا؛ ولكني أسأل، والسائلة هي نفسها معاذة العدوية هذه، فقالت: (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي، ولا نؤمر بالقضاء) يعني: لا نباشر القضاء، ولا نؤمر بالقضاء، ولم يوجد منا ذلك الفعل، ولم نؤمر به، ومن المعلوم أن الأمر إذا ذكره الصحابي فإنما يريد به الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولها: (لا نؤمر) يعني: من النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام إذا قال:
    (أمرت) فالآمر له هو الله، والصحابة إذا قالوا: أمرنا أو نهينا، فالذي أمرهم أو نهاهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام مبلغ عن الله كما قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. قوله: [ عن معاذة أن امرأة سألت عائشة ]. هي كنّت عن نفسها بامرأة، يعني: ما قالت: إني سألت عائشة ، وهي التي سألت، ولكنها كنت عن نفسها بقولها: امرأة، وهكذا الإنسان عندما يريد أن يسأل عن شيء وهو صاحب السؤال ولا يحب أن يظهر اسمه في السؤال ينبغي له أن يقول: ماذا تقول في رجل حصل منه كذا، أو حصل له كذا؟ أو تقول: رجل يسأل حصل له كذا وكذا. لا بأس بذلك، ولكن جاء في بعض الروايات التصريح بأنها سألت عائشة ، وهنا كنت عن السائلة بامرأة. قوله: [ (أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟! لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي، ولا نؤمر بالقضاء) ].
    وجاء في رواية في الصحيحين: (قالت: لا؛ ولكني أسأل. قالت: كنا نحيض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) . وفي هذا الحديث دليل على لزوم الاتباع للسنة فعلاً وتركاً، وامتثال أحكام الشريعة، وأن ما جاءت به الشريعة يجب امتثاله بالفعل والترك، وأن الإنسان لا يقدم أو يحجم إلا بدليل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... لقد كنا نحيض عند رسول الله فلا نقضي ...)
    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. تقدم ذكره. [ حدثنا وهيب ]. وهيب هو وهيب بن خالد ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذة ]. هي معاذة بنت عبد الله العدوية ، وهي ثقة ، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ أن امرأة سألت عائشة ] . عائشة قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (... فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن عمرو أخبرنا سفيان -يعني: ابن عبد الملك - عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن معاذة العدوية عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. قال أبو داود : وزاد فيه: (فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه زيادة التنصيص على الأمر بقضاء الصوم، وعدم الأمر بقضاء الصلاة، حيث قالت: فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)
    قوله: [ حدثنا الحسن بن عمرو ]. هو الحسن بن عمرو السدوسي ، صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ أخبرنا سفيان -يعني: ابن عبد الملك - ]. سفيان بن عبد الملك - ثقة، أخرج حديثه مسلم في المقدمة وأبو داود و الترمذي . [ عن ابن المبارك ] . هو عبد الله بن المبارك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ] . هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن معاذة عن عائشة ]. مر ذكر الثلاثة.
    الأسئلة


    حكم غسل المذي من الجسد
    السؤال: إذا كان المذي على الجسد فما حكمه؟


    الجواب: لابد أن يغسله، ولا يوجد اغتسال في خروج المذي، لكن في خروج المني اغتسال، والرش إنما ورد على الثوب، أما إذا كان على الجسد فيغسله كما تقدم في غسل الذكر.


    غسل المني والمذي الذي يسيل على الجسد والثوب

    السؤال: هل الترجمة معقودة على ما يسيل على بدن الرجل والمرأة أو على ثيابهما؟


    الجواب: الذي يبدو أنه على الثياب؛ لأن ما يسيل على البدن من المني لابد فيه من الاغتسال من الجنابة، وما يسيل من المذي لابد فيه من إزالة النجاسة عن جسد الإنسان؛ ولهذا جاء أنه يغسل فرجه."


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [041]
    الحلقة (72)


    شرح سنن أبي داود [041]


    اختلف العلماء فيمن يأتي أهله وهي حائض بناء على الأحاديث الواردة في الباب، فمن صححها حكم بالكفارة ديناراً أو نصف دينار، ومن ضعفها أمر بالاستغفار، كما ذكر الفقهاء أحكاماً كثيرة لصلاة المستحاضة، وقد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان أحكامها، وقد بين العلماء كل ما يتعلق بها من حيث بيان حالها وشرحها، والجمع بين ما ظاهره متعارض منها.

    حكم إتيان الحائض


    شرح حديث: (... يتصدق بدينار أو بنصف دينار)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إتيان الحائض حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني الحكم ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: (يتصدق بدينار أو نصف دينار). قال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة: قال: (دينار أو نصف دينار) وربما لم يرفعه شعبة ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في إتيان الحائض]، والمقصود من هذه الترجمة: بيان ما يترتب على إتيان الحائض، أما حكم إتيان الحائض في الفرج فهو حرام بإجماع المسلمين؛ لدلالة الكتاب والسنة على ذلك، وإجماعهم منعقد على هذا، ومن وقع في هذا الخطأ وجامع زوجته الحائض في الفرج فإنه يأثم؛ لحصول المخالفة، واختلف العلماء فيما يجب عليه، فذهب بعض أهل العلم إلى أن عليه ديناراً أو نصفه كفارة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا كفارة عليه، وإنما عليه أن يستغفر الله، وأن يتوب إليه من هذا الذنب الذي حصل منه. والحاصل: أن إتيان الحائض في حال حيضها في فرجها حرام بإجماع العلماء، ومن فعله فقد اختلف العلماء: هل عليه كفارة أو لا، فبعض أهل العلم قال: لا كفارة عليه، ويستغفر الله، ومنهم من قال: عليه كفارة، وهي دينار أو نصفه. وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: (يتصدق بدينار أو نصف دينار) يعني: كفارة عن هذا الذنب الذي حصل منه، لكن لا يجوز له أن يقدم عليه؛ لأن الإقدام عليه حرام، وإذا أقدم عليه الإنسان فإنه يتوب إلى الله عز وجل، ويكفر عن ذلك الذنب وعن ذلك الفعل الذي حصل منه بالتصدق بالدينار أو نصف الدينار، قال بعض أهل العلم -وقد جاء عن ابن عباس موقوفاً عليه -:
    يكون الدينار إذا أتاها في قوة الدم، وفي شدة فورانه وسيلانه، وإذا كان في آخره بعد حصول الجفاف واليبس، إلا أنه بقي له آثار صفرة أو غير ذلك مما هو داخل في مدة الحيض؛ فيكون عليه نصف دينار. وقال بعض أهل العلم: إنه مخير بين الدينار ونصفه، إن فعل هذا وإن فعل هذا كل ذلك يحصل به المقصود.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... يتصدق بدينار أو بنصف دينار)
    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ]. هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مقسم ]. هو مقسم مولى عبد الله بن الحارث ، ويقال له: مولى ابن عباس للزومه إياه، وقد اشتهر بهذا الأخير، وهو صدوق يرسل، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ] . هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث صححه جماعة من أهل العلم، منهم أبو داود في قوله: هكذا الرواية الصحيحة، وكذلك الحاكم ، و ابن القيم ، و ابن القطان وغيرهم. ومن العلماء من رأى أنه لا كفارة على من وطئ امرأته وهي حائض، بل يستغفر الله ويتوب إليه مما حصل. [ قال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة: قال: (دينار أو نصف دينار) ]. يعني: هذه الرواية الصحيحة التي فيها الجمع بين الدينار ونصف الدينار للتخيير في ذلك. قوله: [ وربما لم يرفعه شعبة ]. يعني أنه جاء مرفوعاً، وجاء موقوفاً على ابن عباس ، لكن العلماء صححوه مرفوعاً، ورأوا أن من أتى أهله وهي حائض فإن عليه كفارة ديناراً أو نصف دينار، وبعضهم ضعف الحديث بسبب الاختلاف في رفعه ووصله، وكونه جاء على أوجه مختلفة. ولمعرفة مقدار الدينار فإن النصاب في إخراج الزكاة عشرون مثقالاً، وهي عشرون ديناراً، والدينار جزء من عشرين جزءاً مما تجب فيه الزكاة من الذهب، والنصاب -كما هو معلوم- اثنان وتسعون غراماً، فنصف العشر من هذا النصاب يعتبر هو مقدار الدينار.
    شرح أثر ابن عباس : ( إذا أصابها في أول الدم فدينار )
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد السلام المطهر حدثنا جعفر -يعني: ابن سليمان - عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار. قال أبو داود : وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم ]. أورد أبو داود عن ابن عباس أثراً موقوفاً عليه، فصل فيه وقت لزوم الدينار ولزوم نصف الدينار، فلزوم الدينار إذا كان الوطء في شدة الدم وفورانه وكثرته وغلظه، ونصف الدينار إذا كان في خفته في آخر العادة وفي قرب انقطاعه، فيكون الدينار في حال شدته وفي أول إقباله، والنصف الدينار في آخر مدة الحيض، حين يخف ويقرب من الانقطاع.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: ( إذا أصابها في أول الدم فدينار ..)
    قال: [ حدثنا عبد السلام المطهر ]. عبد السلام بن مطهر هو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود . [ حدثنا جعفر -يعني: ابن سليمان - ]. هو جعفر بن سليمان الضبعي ، صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن علي بن الحكم البناني ]. علي بن الحكم البناني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي الحسن الجزري ]. أبو الحسن الجزري مجهول، أخرج حديثه أبو داود والترمذي . [ عن مقسم عن ابن عباس ]. عن مقسم وابن عباس مر ذكرهما. [ قال أبو داود : وكذلك قال ابن جريج : عن عبد الكريم عن مقسم ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبيد بن جريج المكي ، ثقة فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وعبد الكريم هو عبد الكريم بن مالك الجزري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مقسم ]. وقد مر ذكره. وهذه الآثار صححها الألباني بطرقها؛ لأن في الطريق الأولى أبا الحسن الجزري ، وفي الطريق الثانية هذه عنعنة ابن جريج ، وهذا التفصيل من حيث شدة الأذى وخفة الأذى له وجه، والله تعالى قال: قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:22] ففي حال شدة الأذى وشدة الحيض تكون الكفارة أغلظ، وفي حالة خفته حيث يكون على وشك الانقطاع تكون الكفارة أخف، وبعض أهل العلم يقول: إنه على التخيير؛ إن شاء أن يخرج هذا وإن شاء أن يخرج هذا.
    شرح حديث: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض؛ فليتصدق بنصف دينار). قال أبو داود : وكذا قال علي بن بذيمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آمره أن يتصدق بخمسي دينار) وهذا معضل ]. في هذا الحديث اقتصر على ذكر نصف الدينار، وأبو داود رحمه الله في الحديث الأول قال: هكذا الرواية الصحيحة: (دينار أو نصف الدينار)، ففيه الإشارة إلى أن الروايات التي ليس فيها ذكر الدينار ونصف الدينار غير صحيحة، وهما هاتان الروايتان: الرواية التي فيها نصف دينار فقط، والرواية التي فيها خمسي دينار.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض ...)
    قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري في التاريخ، ومسلم أصحاب السنن. [عن خصيف ]. هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري ، صدوق سيئ الحفظ، تغير بأخره، وحديثه أخرجه أصحاب السنن. [ عن مقسم عن ابن عباس ] . مقسم عن ابن عباس مر ذكرهما. هذا الحديث ضعيف، فيه خصيف ، وفيه أيضاً شريك ، وإشارة أبي داود في الحديث الأول إلى الرواية الصحيحة التي فيها الدينار أو نصف الدينار فيها إشارة إلى ضعف الروايات التي فيها النصف وحده أو الخمسان. [ قال أبو داود : وكذا قال علي بن بذيمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ]. علي بن بذيمة ثقة أخرج له أصحاب السنن. وقوله: [ عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ]. يعني: أن مقسماً رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو تابعي، فيكون مرسلاً، وهذا مرسل على الاصطلاح المشهور، وهو: أن يقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فالمرسل أن يضيف التابعي فيه الحديث إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويطلق المرسل أيضاً على رواية الراوي عمن لم يلقه، أو لم يدرك عصره، في أي مكان من السند، وهذا المرسل في اصطلاح الفقهاء، وهو المنقطع. قوله: [ وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آمره أن يتصدق بخمسي دينار) وهذا معضل ].
    الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويزيد بن أبي مالك ، صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وعبد الحميد بن عبد الرحمن قد مر ذكره، وهو ابن زيد بن الخطاب . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يتصدق بخمسي دينار) قال: وهذا معضل، والمعضل في اصطلاح المحدثين: هو الذي سقط منه اثنان متواليان في أي مكان من السند، وهنا كون عبد الحميد بن عبد الرحمن يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه سقوق الصحابي والتابعي، وهذا يسمونه المعضل، وهو ما سقط من إسناده اثنان بشرط التوالي، فإن كانا متفرقين بأن يكون الأول سقط في موضع، والثاني في موضع آخر، فيقولون عنه: منقطع، ولا يقولون عنه: معضل؛ لأن المعضل شرطه التوالي.
    ما جاء في الرجل يصيب من الحائض ما دون الجماع


    شرح حديث: (أن رسول الله كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع. حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الرجل يصيب منها -أي: من أهله- ما دون الجماع، وهذا سائغ، ولا بأس به، وقد مضى الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا الجماع) فالممنوع هو الجماع، وأما ما دون الجماع فإنه مباح، لكن اختلف في المكان الذي تحصل منه المباشرة، فما فوق السرة وتحت الركبة لا خلاف فيه بين العلماء، وكون الإنسان يباشرها وقد ائتزرت بمئزر من السرة إلى الركبة فهذا باتفاق العلماء، وأما ما دونه في غير الفرج فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من منعه، ومنهم من كرهه، ومنهم من أجازه بشرط أن يبتعد عن المكان المحرم وهو الفرج، فالجماع في الفرج هو المحرم، وأما الاستمتاع بالمرأة في غير ذلك فلا بأس به، ولكن الإنسان يبتعد عن المكان الذي يخشى أن يصل إليه بسبب مقاربته إياها؛ فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ميمونة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا كانت إحداهن حائضاً يأمرها فتضع عليها مئزراً تشده عليها إلى نصف الفخذين أو إلى الركبتين، ثم يباشرها وهي حائض، فدل هذا على جواز الاستمتاع بالمرأة في غير المحل الذي منع منه الرجل، وهو بالاتفاق ما فوق الإزار، يعني: ما فوق السرة ودون الركبة، وعلى خلاف فيما دون ذلك بشرط ألا يكون في الفرج. قوله: [ (إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به) ].
    يعني: تشده على وسطها وعلى حجزتها بحيث يكون حاجزاً بين الرجل وبين المكان الذي هو الحمى أو قريباً من الحمى.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض ...)
    قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي ]. يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي ، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [ حدثنا الليث بن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب مولى عروة ] . هو حبيب مولى عروة بن الزبير ، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي . [ عن ندبة مولاة ميمونة ]. ندبة مولاة ميمونة ، وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود والنسائي . [ عن ميمونة ]. ميمونة أم المؤمنين، بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (كان رسول الله يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر، ثم يضاجعها زوجها) وقال مرة: (يباشرها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت إحدى نسائه حائضاً أمرها أن تتزر فيضاجعها، وفي رواية: (يباشرها)، والمباشرة هي التصاق البشرة بالبشرة، وذلك جائز فيما فوق السرة ودون الركبة باتفاق العلماء، وعلى خلاف بينهم فيما دون ذلك بشرط ألا يقع في المحرم الذي هو الجماع في الفرج.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر ...)
    قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة عن منصور ] . شعبة تقدم ذكره، ومنصور هو ابن المعتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (كنت أنا ورسول الله نبيت بالشعار الواحد وأنا حائض ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاساً الهجري سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت بالشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه، ولم يعدُه، ثم صلى فيه، وإن أصاب -تعني: ثوبه- منه شيء غسل مكانه ولم يعدُه، ثم صلى فيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تبيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعار الواحد، والشعار: هو الثوب الذي يلي البشرة، ويتصل بها مباشرة، سُمي شعاراً لأنه يتصل بالشعر، وبالجسد، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار بالشعار عندما بين فضلهم وقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حنين، عندما أعطى المؤلفة قلوبهم المئات من الإبل، ولم يعط الأنصار شيئاً، فوجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، ولم يعطوا مثل ما أعطي الناس، ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في نفوسهم جمعهم في مكان، وتكلم معهم، وأخبرهم بما هو أحسن لهم من الإبل والمال، وكان مما قال: (الأنصار شعار والناس دثار) ، يعني: أن الأنصار مني بمنزلة الشعار الملتصق بالجسد، والدثار هو الثوب الذي يكون وراءه. ومعنى حديث عائشة: أن كلاً منهما يبيت في الشعار، وليس المعنى أنهما داخل شعار واحد بلا حاجز، ولا فاصل بينهما، ولكن هي عليها شيء، وهو عليه شيء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذا أصابه منها شيء من الدم غسل المكان الذي أصابه منه، ولم يعده، يعني: لا يتجاوز المكان الذي وقع فيه الدم، بل يغسل المكان الذي فيه الدم فقط، وهذا هو معنى (ولم يعده).
    وإذا أصاب ثوبه شيء من الدم فإنه يغسله، ولا يعده، يعني: لا يتعداه أو يتجاوزه، ثم يصلي فيه؛ لأنه غسل مكان النجاسة فبقي الثوب على طهارته، ولا يغسله كله ما دام أن النجاسة عرف محلها؛ فيكفي غسل المكان المتنجس من الثوب، لكن إذا جهلت النجاسة في الثوب، ولم تكن متبينة بلونها أو علامتها وأثرها فيجب غسل الثوب، وذلك إذا علم بأن فيه نجاسة وجهل موضعها من الثوب؛ لأنه لا يحصل اليقين إلا بذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أنا ورسول الله نبيت بالشعار الواحد وأنا حائض ...)
    [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد تقدم ذكره، ويحيى هو يحيى بن سعيد القطان . [ عن جابر بن صبح ]. جابر بن صبح ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ سمعت خلاساً الهجري ]. هو خلاس بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عائشة ]. وقد مر ذكرها.
    شرح حديث: (... ادني مني، فقلت: إني حائض ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله -يعني: ابن عمر بن غانم - عن عبد الرحمن -يعني: ابن زياد - عن عمارة بن غراب أنه قال: إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة رضي الله عنها قالت: (إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد. قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل فمضى إلى مسجده -قال أبو داود : تعني: مسجد بيته- فلم ينصرف حتى غلبتني عيني، وأوجعه البرد فقال: ادني مني. فقلت: إني حائض. فقال: (وإن، اكشفي عن فخذيك. فكشفت فخذيّ، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفئ ونام) ].
    أورد أبو داود هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألتها عن المرأة مع زوجها ليس لهما إلا فراش واحد، فإذا كانت هي حائض فهل تنام معه أو أنها تعتزل الفراش؟ فقالت: (أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    دخل فمضى إلى مسجده) قال أبو داود : أي: مسجد بيته. أي: المكان الذي كان يصلي فيه من بيته. قوله: (فلم ينصرف حتى غلبتني عيني)]. يعني: أنه بقي يصلي وهي مضطجعة على الفراش حتى غلبها النوم، وهو مستمر في الصلاة. قوله: [ فأوجعه البرد ] يعني: حصل له برد. قوله: [ (فجاء وقال: ادني مني. فقلت: إني حائض. فقال: وإن) ] فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تدنو منه وألا تكون بعيدة وإن كانت حائضة، فقوله: (وإن) فيها حذف كان واسمها وخبرها، يعني: وإن كنت حائضاً، فحذفت كان واسمها وخبرها لدلالة ما تقدم عليه، وهذا سائغ ومعروف في اللغة حيث يحذف الشيء إذا كان معلوماً، سواء كان واسمها وخبرها، أو المبتدأ والخبر، وقد جاء في القرآن قول الله عز وجل في سورة الطلاق: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4] أي: واللائي لم يحضن عدتهن ثلاثة أشهر، فحذف المبتدأ والخبر؛ لدلالة ما قبلها. قوله: [ (اكشفي عن فخذيك. فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي) ]. ضاجعها واتصل بها، وجعل رأسه على فخذيها، وكل ذلك لا يؤثر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ادني مني، فقلت: إني حائض ...)
    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله -يعني: ابن عمر بن غانم-]. صدوق وثقه ابن يونس وغيره، وأخرج له أبو داود وحده. [ عن عبد الرحمن -يعني: ابن زياد - ]. هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ، وهو صدوق ضعيف في حفظه، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي وابن ماجة . [ عن عمارة بن غراب ]. عمارة بن غراب ، وهو مجهول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود . [ قال: إن عمة له ]. في التقريب ما ذكر عنها شيئاً، وإذا كان الراوي عنها مجهولاً وهي مبهمة فهي من باب أولى مجهولة، والحديث في إسناده الأفريقي وهو ضعيف، وفي إسناده هذا المجهول، وأيضاً عمته التي هي مجهولة مثله.
    شرح حديث: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصر ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن عبد الجبار حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن أبي اليمان عن أم ذرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ندنُ منه حتى نطهر) ]. هو الفراش، والحصير هو الذي يوضع على الأرض، وهو غير الفراش الذي كان ينام عليه صلى الله عليه وسلم هو وعائشة رضي الله عنها، قوله: [ (فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ندن منه حتى نطهر) ]. هذا خلاف ما تقدم في الأحاديث الصحيحة من المضاجعة والمباشرة، فالحديث غير صحيح.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير ...)
    قوله: [ حدثنا سعيد بن عبد الجبار ] . صدوق أخرج له مسلم وأبو داود . [ حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي اليمان ] . هو أبو اليمان الرحال ، وهو مستور، أخرج له أبو داود ، والمستور هو مثل مجهول الحال. [ عن أم ذرة ]. أم ذرة ، وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود . [ عن عائشة ] . وقد مر ذكرها، والحديث غير صحيح، فيه المستور أبو اليمان الرحال ، وفيه أم ذرة مولاة عائشة وهي مقبولة.
    شرح حديث: (كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً) ]. أورد أبو داود حديثاًَ عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً فيباشرها، وهذا يدل على جواز الاستمتاع من المرأة الحائض في غير الفرج. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ] . هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو بصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم].
    شرح حديث: (كان رسول الله يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر، ثم يباشرنا، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟) ]. قولها: (في فوح حيضتنا) يعني: في شدة فورانها، وهو الوقت الذي يكون فيه الحيض شديداً. قولها: [ وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟]. ٍالإرب هو الوطر أو الحاجة. وكون الإنسان يباشر المرأة وهي حائض في غير الفرج سائغ؛ لكن قولها: (وأيكم يملك إربه؟) محمول على الصيام، ففي حال الصيام الإنسان يمنع من أن يحصل منه شيء، وأما في غير الصيام فالإنسان له أن يستمتع من زوجته الحائض لكن في غير الفرج، فيقضي وطره وحاجته في غير الفرج، ولكن الشيء الذي يمنع هو الجماع في الفرج، وأما مباشرة المرأة في حال الصيام بالاحتكاك بها أو القرب منها فإنه يؤثر، وقد يحصل منه إنزال أو ما إلى ذلك، فعليه أن يبتعد، وألا يعرض صومه للفساد، لكن في غير حال الصيام فللإنسان أن يستمتع بالحائض، وله أن يقضي منها حاجته؛ لكن في غير المكان المحرم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر )
    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الكوفي الضبي الكوفي ثم الرازي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني ]. هو أبو إسحاق الشيباني ، واسمه سليمان بن أبي سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن الأسود ]. هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو الأسود بن يزيد النخعي ، وقد مر ذكره. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها. مباشرة الحائض في غير الجماع سائغ ولا بأس به، وما فوق الإزار وتحت الركبة جائز باتفاق العلماء، وما كان دون ذلك ولكن في غير الفرج ففيه خلاف بين أهل العلم، ويدل على كونه سائغاً قوله عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)، والنكاح إنما هو في مكان الأذى الذي قال الله عز وجل عنه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فالمباشرة لها ما بين الركبة والسرة سائغة؛ ولكن من يخشى على نفسه أن يقع في الأمر الحرام فعليه أن يكون بعيداً عن الحمى والمحل الذي إذا وقع فيه وقع في الحرام، فلا يباشر فيما بين السرة والركبة إذا كان يخشى على نفسه الوقوع في الأمر المحرم، وإن كان لا يخشى فلا بأس بذلك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبل وهو صائم، وكان أملك الناس لإربه عليه الصلاة والسلام، فتقبيل الرجل لامرأته في حال صيامه لا بأس به، لكن بشرط أن يطمئن إلى أنه لا يحصل منه إفساد لصيامه لخروج المني بسبب هذه المباشرة، وبسبب هذا التقبيل والمقاربة. وأما بالنسبة للوضوء فالإنسان له أن يقبل زوجته وهو على وضوء، فإن خرج منه مذي فسد وضوؤه، وعليه أن يعيد الوضوء، وإن لم يخرج منه مذي فإن وضوءه على حاله.
    وكان عليه الصلاة والسلام يقبل وهو صائم، وهو أملك الناس لإربه، وكان يباشر المرأة وهي حائض وهو أملك الناس لإربه عليه الصلاة والسلام، وكونه يباشر زوجته وهي حائض لأنه يتمكن من عدم الوقوع في الأمر المحرم، بخلاف غيره فإنه قد يتمكن وقد لا يتمكن. وبالنسبة للصائم الذي يعرف من نفسه أنه لا يحصل منه إفساد صيامه بسبب التقبيل والمباشرة فلا بأس أن يقبل، وإذا كان يعرف من نفسه أنه يحصل منه الأثر المترتب على ذلك وهو إفساد الصوم؛ فإنه لا يجوز له أن يقبل، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبل وهو صائم، وهو أملك الناس لإربه، وكان يباشر أهله حال الحيض، وهو أملك الناس لإربه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والحاصل: أن الإنسان إن كان متوضئاً وقبل أو باشر أهله، وحصل منه مذي بسبب ذلك؛ فإن وضوءه يفسد، وعليه أن يتوضأ، ويغسل النجاسة التي حصلت، وإن قبل وهو صائم أو باشر -أي: مست بشرته بشرتها بدون جماع- ولم يحصل منه إنزال؛ فإن صيامه على ما هو عليه، وإن حصل الإنزال فسد صومه، وعليه أن يقضي ذلك اليوم الذي أفسده، وإن حصل منه الجماع فقد أفسده وعليه الكفارة التي هي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وإن كانت زوجته في حال حيض، جاز له أن يباشرها فوق الإزار ودون الركبة أو ما دون ذلك، لكن بشرط ألا يصل إلى المكان المحرم، والفعل المحرم هو أن يطأها في الفرج، وأما ما وراء ذلك فإنه مباح، ولكن ما دون السرة وفوق الركبة فمن يخشى على نفسه أن يقع في الأمر المحرم فلا يجوز له أن يحوم حول الحمى؛ لأن من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان يحتاط لدينه، ولا يعرض نفسه للوقوع في الأمر المحرم.
    الأسئلة


    حكم سفر المرأة وحدها عند أمن الفتنة
    السؤال: هل يجوز للمرأة السفر بدون محرم عند أمن الفتنة؟
    الجواب: المرأة لا تسافر بدون محرم، سواء أمنت الفتنة أو لم تأمن، وأمن الفتنة معناه: أن تسافر مع أناس مأمونين فتأمن، لكن سفرها بدون محرم لا يجوز ولو كانت مع أناس مأمونين، فيحرم سفر المرأة بدون محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، وما قال: إلا إذا أمنت الفتنة فلها أن تسافر مع من تسافر معه ممن ليس محرماً، وإنما أطلق ذلك.
    مسافة القصر في السفر
    السؤال: كم المسافة التي يجوز فيها القصر في السفر؟
    الجواب: المسافة التي يحل للإنسان أن يترخص برخص السفر إذا سافرها في حدود ثمانين كيلو، وهي مسيرة يومين.
    حكم سفر المرأة لطلب العلم بلا محرم
    السؤال: في بلادنا قل أن توجد حلقات العلم التي توافق منهج السلف، فهل للمرأة أن تذهب إلى منطقة أخرى بدون محرم لحضور مجالس العلم بدليل الضرورة؟ الجواب: ليس لها ذلك، ولكن يمكنها أن تحصل العلم عن الكتب النافعة إن كانت قارئة، وإن كانت غير قارئة فعن طريق الأشرطة، وبذلك تحصل الدروس الكثيرة بدون أن تسافر بدون محرم، فذلك لا يجوز لها لا للعلم ولا لغيره، بل ولا لحج الفريضة، فإذا لم تجد المحرم فهي غير مستطيعة، فلا يجب عليها الحج.
    الزواج بالجنية المسلمة
    السؤال: هل يجوز الزواج بالجنية المسلمة؟
    الجواب: وهل يمكن هذا؟! أصلاً الجن مختفون عنا مثل الملائكة، والملائكة يتشكلون وهم يتشكلون، وهم يروننا ولا نراهم قال الله: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، لكن يمكن أن يتصور إذا تشكلت الجنية على صورة إنسان، فهم يتشكلون على صورة إنسان، وقد جاء في حديث أبي هريرة عندما أمسك الرجل الذي كان يحثي من الطعام، وراجع رسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقال له: (صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان)، لكن قضية الزواج بالجنية لا يجوز، فالله سبحانه وتعالى جعل الزواج من الجنس كما قال: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [النحل:72] يعني: من جنسكم، وليس من جنس آخر، والشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى بحث هذه المسألة في أضواء البيان في سورة النحل عند الكلام على الآية فيها، وقال: إن الذي يظهر من نص القرآن أن الزواج إنما يكون بالجنس ومن الجنس، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] فزواج الجنس من غير جنسه مخالف لما أرشد الله تعالى إليه.
    حكم حجز المكان في المسجد
    السؤال: ما حكم من يضع كتاباً في المسجد قبل الصلاة، ثم يأتي بعد الصلاة فيجد أحداً في مكانه، هل يجوز له أن يطرده من ذلك المكان محتجاً بأنه مكانه؟

    الجواب: هذا لا يجوز، وإذا أقيمت الصلاة لا يتركون فجوة للكتاب! بل يجب عليهم أن يرفعوا الكتاب وأن يصفوا ويصلوا الصفوف. والإنسان إذا جاء المسجد وصلى في مكان مشاع فهو أحق به، أما كون الإنسان يضع شيئاً يحجز به مكاناً ثم بعد ذلك يريد أن يكون له ذلك المكان فلا يجوز ذلك، وإذا جاء إنسان وصلى في مكان وجلس في مصلاه فلا أحد يقيمه من مكانه.
    علاج الوسوسة
    السؤال: رجل يشكو من الوسوسة في كل أموره، فيرجو من فضيلتكم الإفادة والتوجيه؟


    الجواب: عليه أن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان، وأن يقبل على الأمور التي أوجبها الله عليه، فيفعلها ويؤديها كما هو مطلوب منه، يقبل على وضوئه ولا يوسوس، ويقبل على صلاته ولا يوسوس، وعليه أن يفهم أن غيره من المسلمين الذين على هذه الطريقة وعلى هذا المنهج يؤدون عباداتهم دون أن يحصل منهم هذا الوسواس والتردد في الشيء الذي فعله هل فعله أو ما فعله، فهل هو على حق حصل له دون غيره أو هو على بلاء تميز به عن غيره؟ وأولئك الذين لم يبتلوا بهذا البلاء، ويؤدون صلواتهم، ووضوءهم، وأعمالهم من غير أن يحصل لهم ذلك، فعليه أن يحرص أن يكون مثلهم، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يقبل على أعماله التي هي مطلوبة منه من غير أن يوسوس؛ لأنه بالوسوسة يكون كلما انتهى من شيء وقع في نفسه أنه ما أتمه، ثم يرجع إليه، حتى أن بعض الناس يدخل الحمام من حين الأذان إلى أن تقام الصلاة وهو في الحمام ما خرج، يتوضأ وكلما غسل عضواً قال: لا، ما غسلته! وهكذا حتى تقام الصلاة! فهذا تلاعب من الشيطان بالإنسان، ويمكن أن يئول أمره إلى الجنون والعياذ بالله! فعليه أن يحرص على أن يتدارك نفسه، وأن يفهم أن الناس كلهم الذين ما حصل لهم هذا في خير، وأنه في بلاء، فعليه أن يكون مثلهم، وأن يرجع إليهم، وأن يكون في دائرتهم ولا يشذ عنهم.
    حكم الأناشيد الإسلامية
    السؤال: كنت أستمع إلى الأناشيد، فأنكر علي بعض الشباب، وقال: إنها من باب الأغاني، فهل هي حرام أم مكروهة؟


    الجواب: الأناشيد التي فيها تلحين وتطريب للأصوات، والمقصود منها الصوت وفتنة التلحين، والمعاني غير مقصودة، وإنما المهم هو الأصوات لا تنبغي، فمعلوم أن الشعر نفسه لو كان سليماً فالانشغال به غير محمود؛ لأنه يشغل عما هو أهم منه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير من أن يمتلئ شعراً)، ولا شك أن المقصود بهذا الشعر الطيب؛ لأنه يشغل عما هو خير منه، وأما الشعر الرديء فبيت واحد منه يملأ الجوف من الشر، فالقضية ليست أن يقال: هذا شعر سيئ، فالشعر السيئ القليل منه كثير، ولكن المقصود: الانشغال بالشعر بحيث يشغل عن القرآن والحديث والحق والاشتغال بما ينفع، فهذا مذموم، فإذا كان الاشتغال بالشعر مصاحباً لتلك الأصوات والترانيم والتلحين وما إلى ذلك فهو أسوأ. والإنسان عليه إذا أنشد الشعر أو قرأ الشعر أن يقرأه بصوت ليس فيه تلحين يصرف عن المعاني، فتعشق الأصوات، بل يقرأ أو يسمع الشعر إذا أراد أن يسمع وهو بقوة وبجزالة، وبالطريقة التي كان ينشد بها الصحابة رضي الله عنهم كحسان و عبد الله بن رواحة وغيرهما، ليست بهذه الطريقة التي يجتمع فيها مجموعة أمام مكبر الصوت وأمام التسجيل، ثم تسجل بأصوات مجتمعة بتلحين، فهذا من الأشياء الجديدة."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [042]
    الحلقة (73)

    شرح سنن أبي داود [042]

    للمستحاضة أحكام تخصها، منها ما يتعلق بالصلاة، ومنها ما يتعلق بالتطهر للصلاة، وكذلك ما يتعلق بالزوج من جواز إتيانها حال استحاضتها، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بها، وقد جاءت الأحاديث النبوية ببيان ذلك.

    من قال: المستحاضة تدع الصلاة في الأيام التي تحيض فيها


    شرح حديث: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها (أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلَّفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي فيه)]. أورد أبو داود رحمه الله الأبواب المتعلقة بالمستحاضة (والاستحاضة: هي خروج الدم من فرج المرأة من غير أن يكون حيضاً أو نفاساً، وهو دم فساد، وليس دم صحة؛ لأن دم الحيض يخرج في حال صحتها وفي حال سلامتها، وأما المستحاضة فيستمر معها الدم دائماً وأبداً). والمستحاضة لها أحكام تخصها جاءت بها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت المرأة المستحاضة سليمة، وطرأ لها هذا العيب وهذا المرض بعد ذلك؛ فإنها تنظر إلى الأيام التي كانت تأتيها العادة قبل أن يصيبها الذي أصابها، وهو المرض الذي حصل معه استمرار سيلان الدم، فتجلس تلك المدة التي تماثل العادة التي كانت عليها قبل أن يصيبها المرض، مثلاً: كانت تأتيها العادة ستة أيام من أول الشهر، وهي تعرف لون الدم وتعرف رائحته، فإذا أقبلت العادة تركت الصلاة والاستحاضة موجودة معها بصفة دائمة، والحيض يأتي في أوقات معينة وله بداية وله نهاية، فإذا كانت تعرف أيام الحيض قبل أن يأتيها المرض فإنها تدع الصلاة والصيام أيام حيضها الذي تعرف أوله ونهايته، أو تعرف لونه ورائحته، ولا يقربها زوجها، وكل الأمور التي تمتنع منها الحائض تمتنع منها هذه المستحاضة في مدة أقرائها أو مدة حيضها، هذا إذا كانت تعرف عادتها بالأيام أو بلون الدم ورائحته، وإلا تجلس ستة أيام أو سبعة على اعتبار أنها حيضة، وما سوى ذلك تفعل ما تفعل الطاهرات ولو كان الدم يسيراً، وعندما تنتهي العادة فإنها تغتسل لانتهاء الحيض، ثم يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة، ولا يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة، ولكن يستحب لها أن تغتسل لكل صلاة. ولها أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وتغتسل ثلاث مرات، وهذا الاغتسال على سبيل الاستحباب، والجمع هنا للمرض الذي حصل لها، ولهذا المريض له أن يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء إذا وجد مشقة عليه في أن يصلي كل صلاة في وقتها، ولكن لا يجوز له أن يقصر. وقول أبي داود رحمه الله في الترجمة: باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة عدة الأيام التي كانت تحيض. المقصود بقوله: (قال) ليس المقصود أنه رأي أو مذهب، وإنما المقصود ما قاله الراوي رواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: من جاء في حديثه أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، فأراد أن يذكر أحكام المستحاضة والروايات التي جاءت في أنها تدع الصلاة أيام أقرائها من حين تقبل حيضتها إلى أن تدبر حيضتها، وبعد إدبارها تغتسل للحيض، وتتوضأ عند كل صلاة وجوباً للاستحاضة، وتغتسل عند كل صلاة استحباباً. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة طلبت منها أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تهراق الدماء، يعني: يسيل الدم من فرجها باستمرار، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر) فالرسول صلى الله عليه وسلم أفتاها أن تنظر إلى عدة الأيام التي كانت تمكثها في الحيض قبل أن يصيبها ذلك المرض، فهي كانت صحيحة، ثم طرأ عليها المرض، فلو كانت مثلاً تمكث في الحيض خمسة أيام، فتمكث خمسة أيام مثل الأيام التي كانت تحصل لها من الشهر قبل أن يأتيها المرض. قوله: [ (فإذا خلفت ذلك فلتغتسل) ] يعني:
    إذا خلفت ذلك وراء ظهرها فلتغتسل من الحيض؛ لأنه حصل لها حيض والاستحاضة مستمرة معها، والحيض يحصل في وقت معين، يعني: إذا خلفت الأيام التي كانت تحصل لها وتجلسها بسبب الحيض فلتغتسل من الحيض؛ لأن الحيض قد أدبر وقد ذهب، فلتغتسل وتكون طاهرة تصلي وتصوم وتقرأ القرآن، ويغشاها زوجها، وكل الأعمال التي تجوز للطاهرات تجوز لها؛ لأن هذا مرض وليس بحيض وليس بنفاس، فلا يمنعها من صلاة ولا صيام ولا قراءة قرآن ولا مس المصحف ولا جماع زوجها لها. قوله: [ (ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي فيه) ].
    يعني: هذا الدم الذي يخرج منها عليها أن تعمل شيئاً للتحرز منه، بحيث لا يسيل على ثيابها، ولا يسيل في الأرض، ولا يسيل في المسجد الذي حضرت إليه، ولكنها تتوضأ عند كل صلاة وجوباً، وتغتسل عند كل صلاة استحباباً، وإن احتاجت أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؛ فتتوضأ للصلاتين وضوءاً واحداً، أو تغتسل لهما غسلاً واحداً، فلا بأس.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ..)
    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهي: مذهب أبي حنيفة ، ومذهب مالك ، ومذهب الشافعي ، ومذهب أحمد .
    وجوب احترام الأئمة وعدم الغلو فيهم
    الأئمة الأربعة كان في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم علماء مجتهدون ومتمكنون في الفقه، مثل: سفيان الثوري ، و إسحاق بن راهويه ، و الأوزاعي ، و الليث بن سعد المصري ، وعلماء كثيرون معروفون ومشهورون بالفقه، ولكن اشتهر الأئمة الأربعة؛ لأنه حصل لهم تلاميذ عنوا بجمع أقوالهم ومذاهبهم، واعتنوا بتنظيمها وترتيبها، بخلاف العلماء الآخرين، فإنه لم يحصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء من التلاميذ الذين عنوا بأقوالهم وبما جاء عنهم؛ فاشتهرت تلك المذاهب، وهم أئمة هدى وأهل سنة، وهي مذاهب أهل السنة بخلاف المذاهب الأخرى كالزيدية والإباضية والهادوية، فإن هذه مذاهب أخرى غير مذاهب أهل السنة، أما هؤلاء الأربعة فهم على نهج واحد وعلى طريقة واحدة، فأصولهم متفقة من حيث العقيدة، وبالنسبة للفروع فهم مجتهدون، ومن أصاب الحق فإنه يؤجر أجرين، ومن أخطأه يؤجر أجراً واحداً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:
    (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) وخطؤه مغفور. والواجب هو احترام الجميع وتوقير الجميع ومحبة الجميع، والثناء عليهم، والاستفادة من علمهم، بدون غلو وبدون جفاء، والحق وسط بين الإفراط والتفريط وبين الغلو والجفاء، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن الإنسان يستفيد من علم الفقهاء ويعظمهم ويثني عليهم ويعرف قدرهم، ويستفيد منهم للوصول إلى الحق، فإذا وصل إلى الحق وعرف الدليل فإنه يجب عليه أن يأخذ به، وهذا هو الذي أوصى به الأئمة الأربعة، قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه كما نقله عنه ابن القيم في كتاب (الروح): أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. وكل واحد من الأئمة الأربعة قال: إذا جاء حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف قولي فخذوا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واتركوا قولي. وعلى هذا فإن احترامهم وتوقيرهم والاستفادة من علمهم هذا هو الذي ينبغي، وأما التعصب لهم أو الجفاء في حقهم فهما مذمومان، الجفاء مذموم، والغلو والتعصب مذموم، والحق وسط بين الإفراط والتفريط لا غلو ولا جفاء، نستفيد من علمهم، ونوقرهم، ونحترمهم، وندعو لهم، ونثني عليهم، لكن لا نتكلم فيهم بسوء، ولا نتجاوز الحد بحيث نغلو، يقول الخطابي رحمه الله: ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم ومعناه: أن الحق وسط بين الإفراط والتفريط، والاعتدال في الأمور والتوسط في الأمور هو المطلوب، وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (الروح) عندما ذكر الرجوع إلى كتب الفقهاء، وأن الإنسان يستعين بهم للوصول إلى الحق، ويستفيد من علمهم ليصل إلى الحق:
    إن مثل هذا مثل الإنسان الذي يهتدي بالنجم حيث يكون في الفلاة، ولا يعرف جهة القبلة؛ فإنه يستدل إلى جهة القبلة بالنجوم وبمشرقها ومغربها، واتجاهات مجيئها وغروبها، فالإنسان يهتدي بها إلى جهة القبلة، ويستطيع أن يعرف الشمال والجنوب والشرق والغرب بواسطة النجوم، فإذا وصل الإنسان إلى الكعبة، وصار أمام الكعبة، فعند ذلك لا يحتاج إلى أن ينظر في النجوم من أجل تحديد جهة الكعبة، فإن الكعبة أمامه، وهكذا الإنسان يرجع إلى كلام الفقهاء ليستعين بهم للوصول إلى الحق، لكن إذا عرف الدليل فليس للإنسان أن يحيد عنه. قال الإمام الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان. فلابد من الرجوع إلى كلام الفقهاء، ولا يستغني الإنسان عن كلام الفقهاء، والطالب يجمع بين الفقه والحديث، ولا يعنى بالحديث فقط ويغفل الفقه، ولا يعنى بالفقه فقط ويغفل الحديث؛ لأن الطالب إذا كان ليس له عناية بالفقه، وكل عنايته بالأحاديث وطرقها ورجالها وما إلى ذلك، فبعض المسائل الفقهية السهلة الخفيفة لا يستطيع أن يأتي لها بجواب؛ لأنه ما اشتغل بالفقه، ولو اشتغل بالفقه وأعرض أو انشغل عن الحديث فيمكن أن يستدل على مسألة من المسائل بحديث موضوع أو بحديث ضعيف جداً؛ لأنه لا يعرف الصحيح من غير الصحيح، فالأمر كما قال الخطابي رحمه الله في أول كتابه (معالم السنن):
    لابد من الحديث ولابد من الفقه. والحديث إذا اعتني به بدون الفقه كالإنسان الذي يبني له بنياناً ويقوي أساسه، ولكن ما يبني عليها شيئاً؛ فهذا الأساس ما حصل منه فائدة ما دام أنه ما وجد بناء عليه، فهذا الأساس الذي قوي ومتن إذا ما وجد بناء عليه، وما وجد فروع تبنى عليه لا تحصل الفائدة المرجوة منه كما ينبغي، ولو أن إنساناً اشتغل بالفقه ولم يبنه على أساس الحديث، فهو كالذي يبني بنياناً على غير أساس، فينهار ويسقط، والكمال يحصل إذا كان الأساس قوياً متيناً، فيستفاد من الأساس ويستفاد من البناء، ولهذا لابد من الجمع بين الحديث والفقه، والعناية بالفقه والحديث.
    تابع تراجم رجال إسناد حديث: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن ..)
    قوله: [عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. هي أم سلمة هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث (لتنتظر عدة الليالي...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب قالا: حدثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة رضي الله عنها (أن امرأة كانت تهراق الدم. فذكر معناه، قال: فإذا خلَّفتْ ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل بمعناه) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث السابق من طريق أخرى، وهو بمعناه إلا أنه قال: (إذا خلفت) يعني: خلفت أيام العادة التي جلست فيها فلم تصلي ولم تصم ولم يجامعها زوجها فيها، وامتنعت من كل الأمور التي تمتنع منها الحائض، فإذا خلفتها وحضرت الصلاة فلتغتسل. وهذا فيه دليل على أن غسل الحيض ليس على الفور، فلو أن المرأة انقطع عنها الحيض، فلها أن تؤخر الغسل حتى يجيء وقت الصلاة؛ لأن وقت الصلاة لابد فيه من طهارتها لتؤدي الواجب الذي عليها، فهذا يدل على أن غسلها ليس على الفور، وأن المرأة إذا انقطع عنها الدم فليس بمجرد انقطاعه يجب عليها أن تغتسل، بل لها أن تؤخر ذلك إلى حين الأمر الذي يتطلبه ويقتضيه، فإن كانت تريد أن تمس مصحفاً فلتغتسل، وإن جاء وقت الصلاة فلتغتسل، لكن قبل أن يأتي الفعل الذي يلزمها أن تغتسل من أجله فإنه لا يجب عليها الغسل؛ ولهذا قال: (فإذا خلفت وحضرت وقت الصلاة فلتغتسل)؛ لأنه لابد من الاغتسال من الحيض.
    تراجم رجال إسناد حديث (لتنتظر عدة الليالي...) من طريق أخرى

    قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ويزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب ]. يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب ، وهو ثقة ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة . [حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل أخبره عن أم سلمة]. [نافع و سليمان بن يسار مر ذكرهما، وقوله: (عن رجل أخبره عن أم سلمة ] توجد واسطة بين سليمان بن يسار و أم سلمة ، ولا أدري من هو، ولكن الأحاديث جاءت من طرق مختلفة، ولا يؤثر وجود شخص مبهم في بعض الأسانيد.
    شرح حديث رجل من الأنصار: (أن امرأة كانت تهراق الدم...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا أنس -يعني: ابن عياض - عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار: (أن امرأة كانت تهراق الدماء، فذكر معنى حديث الليث ، قال: فإذا خلفتهن، وحضرت الصلاة، فلتغتسل). وساق الحديث بمعناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وهو بمعنى الحديث المتقدم. قوله: [(وإذا خلفتهن)] يعني: الأيام والليالي التي كانت تحيض فيها، وحضرت الصلاة فلتغتسل.

    تراجم رجال إسناد حديث رجل من الأنصار: (أن امرأة تهراق الدم...)
    قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا أنس -يعني ابن عياض - ]. أنس بن عياض ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة (يعني) هذه قالها من دون عبد الله بن مسلمة ، إما أبو داود وإما من دون أبي داود ؛ لأن كلمة (يعني) فعل مضارع له فاعل وله قائل، ففاعله ضمير مستتر يرجع إلى عبد الله بن مسلمة ، وقائله هو أبو داود الذي هو دون عبد الله بن مسلمة أو من هو دون أبي داود . [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار ]. قد مر ذكرهم.
    شرح حديث: (فلتترك الصلاة قدر ذلك)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا صخر بن جويرية عن نافع بإسناد الليث وبمعناه ، قال: (فلتترك الصلاة قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل ولتستثفر بثوب، ثم تصلي) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه قال: (فلتترك الصلاة قدر ذلك) يعني: قدر الأيام التي كانت تحيضها من قبل. قوله: [(ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل)] يعني: من الحيض. قوله: [(ولتستثفر بثوب ثم تصلي)] يعني: بعدما تغتسل فإنها تستثفر بثوب حتى لا يسقط دم الاستحاضة على ثيابها وعلى جسدها وعلى الأرض، فتستثفر بثوب وتتوضأ وتصلي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (فلتترك الصلاة قدر ذلك)
    قوله: [حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة بدون واسطة. [حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، وهو إمام في الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، قال الذهبي في كتابه (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل): عبد الرحمن بن مهدي و يحيى بن سعيد القطان إذا اتفقا على جرح شخص، فهو لا يكاد يندمل جرحه. يعني: إذا اتفقا على جرح شخص فمعناه أنه مجروح، وعبر بهذه العبارة الدالة على إصابتهما وعلى تمكنهما في باب الجرح والتعديل. [حدثنا صخر بن جويرية ]. صخر بن جويرية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن نافع بإسناد الليث وبمعناه ]. أي: بإسناد الليث الذي تقدم، وبمعنى متن حديث الليث .
    حديث: (تدع الصلاة وتغتسل فيما سوى ذلك) وتراجم رجال الإسناد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة رضي الله عنها بهذه القصة ، قال فيه: (تدع الصلاة وتغتسل فيما سوى ذلك، وتستثفر بثوب، وتصلي) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو بمثل الحديث الذي تقدم. قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار عن أم سلمة ]. مر ذكرهما. [ قال أبو داود : سمى المرأة التي كانت استحيضت حماد بن زيد عن أيوب في هذا الحديث قال: فاطمة بنت أبي حبيش ]. المرأة المبهمة التي استحيضت، وطلبت من أم سلمة أن تستفتي لها رسول الله عليه الصلاة والسلام هي فاطمة بنت أبي حبيش ، سماها حماد بن زيد في روايته عن أيوب .

    شرح حديث: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى:[حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر عن عراك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن أم حبيبة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الدم، فقالت عائشة : فرأيت مركنها ملآن دماً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي). قال أبو داود : ورواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها، ورواه علي بن عياش و يونس بن محمد عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة ، وهو أن أم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش كانت تستحاض، وأنها كانت ترى الدم في مركنها، وهو الجفنة الكبيرة التي كانت تغتسل بها، فكانت ترى كثرة الدم فيها، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفتاها بما أفتى به فاطمة بنت أبي حبيش - فقال: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك) يعني: امكثي بدون صلاة وبدون صيام قدر ما كانت تحبسك حيضتك، يعني: قبل أن يصيبها المرض الذي هو الاستحاضة، وهو مثل ما مر في حديث فاطمة بنت أبي حبيش . قوله: [ (ثم اغتسلي) ] يعني: من الحيض، وبعد ذلك تستثفر بثوب، وتتوضأ لكل صلاة وجوباً، وتغتسل لكل صلاة استحباباً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ..)
    قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب مصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر ]. هو جعفر بن ربيعة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عراك ]. هو عراك بن مالك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة ، وابن عمر ، و ابن عباس ، وأبو سعيد ، وأنس ، وجابر ، وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء الصحابة عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    أسانيد أخرى لحديث: (امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ..)
    [ قال أبو داود : ورواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها ]. قوله: (بين أضعاف) يعني: في ثناياه. قوله: [ورواه علي بن عياش و يونس بن محمد عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة ]. جعفر هناك مهمل وهنا مسمى. وعلي بن عياش ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. ويونس بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والليث مر ذكره. وجعفر بن ربيعة مر ذكره. وقوله: [في آخرها]. يعني: آخر الروايات.
    شرح حديث: (ثم صلى ما بين القرء والقرء)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير : (أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكت إليه الدم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلكِ عرق، فانظري إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث فاطمة بنت أبي حبيش ، وأنها شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم، فقال لها: (إنما ذلك عرق) يعني: إنه ليس بحيض، وإنما هو عرق، ويقول له الفقهاء: دم فساد. قوله: [ (فانظري إذا أتى قرؤك) ]. يعني: حيضك، فالقرء هنا بمعنى الحيض. قوله: [(فلا تصلي)] يعني: امكثي الأيام التي كنت تحيضين فيها من الشهر قبل أن يأتيك المرض بدون صلاة. والقرء يأتي بمعنى الحيض، ويأتي بمعنى الطهر، وهو من الأضداد. قوله: [ (فإذا مر قرؤك فتطهري) ] يعني: انتهى، وخلفتيه وراءك فاغتسلي غسل الحيض. قوله: [ (ثم صلي ما بين القرء إلى القرء) ] يعني: إلى أن تأتي الحيضة الثانية فصلي ما بينهما؛ لأن هذه استحاضة وليست بحيض، ولكن تتوضأ لكل صلاة وتستثفر، ويستحب لها أن تغتسل عند كل صلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ثم صلي ما بين القرء والقرء)
    قوله: [حدثنا عيسى بن حماد ]. هو عيسى بن حماد التجيبي ، الملقب زغبة وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المنذر بن المغيرة ]. المنذر بن المغيرة وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش ]. عروة بن الزبير تقدم، وفاطمة بنت أبي حبيش صحابية، أخرج حديثها أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    شرح حديث: (فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن سهيل -يعني: ابن أبي صالح - عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: (حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش أنها أمرت أسماء -أو أسماء حدثتني أنها أمرت فاطمة بنت أبي حبيش - رضي الله عنهما أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد، ثم تغتسل)]. قوله: [(فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد)] يعني: التي تجلسها، وهي أيام الحيض التي كانت تقعدها قبل أن يأتيها المرض الذي هو الاستحاضة. قوله: [(ثم تغتسل)] يعني: بعد انقضاء دم الحيض تغتسل وتصلي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل)
    قوله: [حدثنا يوسف بن موسى ]. يوسف بن موسى وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد ، ثقة، من رجال الكتب الستة . [ عن سهيل -يعني ابن أبي صالح - ]. سهيل بن أبي صالح وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والبخاري أخرج له تعليقاً ومقروناً. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش ... أو أسماء . ]. عروة و فاطمة بنت أبي حبيش مر ذكرهما. (أو أسماء ) هي أسماء بنت عميس ، صحابية، أخرج حديثها البخاري وأصحاب السنن.
    أسانيد أخرى لحديث: (تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل)
    [ قال أبو داود : ورواه قتادة عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة : (أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي) ]. ذكر المصنف رواية أم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها -أي: أيام حيضها- ثم تغتسل وتصلي). قوله: [ورواه قتادة ] . هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة عن زينب بنت أم سلمة ]. عروة مر ذكره، وزينب بنت أم سلمة هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أنأم حبيبة بنت جحش ]. هي أم حبيبة بنت جحش ، صحابية، أخرج حديثها البخاري في الأدب المفرد وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، وهي أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين. [ قال أبو داود : لم يسمع قتادة من عروة شيئاً ]. يعني: أن روايته عنه فيها انقطاع.
    زيادة ابن عيينة في حديث (تقعد الأيام التي كانت تقعد...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وزاد ابن عيينة في حديث الزهري : عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها (أن أم حبيبة كانت تستحاض، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها). قال أبو داود : وهذا وهم من ابن عيينة ، ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح ، وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة لم يذكر فيه (تدع الصلاة أيام أقرائها) ]. الكلام هو على قوله: [(تدع الصلاة)]، وعلى ما قاله سهيل بن أبي صالح (أنها تقعد الأيام التي كانت تقعد)، والنتيجة واحدة، تدع الصلاة أو تقعد كلاهما بمعنى واحد. قوله: [وزاد ابن عيينة] هو سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي نقل عنه أنه روى حديث الحسن بن علي عندما حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على المنبر، فنظر إليه وإلى الناس، وقال: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين)، وفي بعض الروايات في غير الصحيح: (فئتين عظيمتين من المسلمين)، فقال ابن عيينة : إن قوله صلى الله عليه وسلم: (من المسلمين) يعجبنا جداً؛ لأنه حكم بإسلام الطائفتين، وبين أن الطائفتين المقتتلين من المسلمين، أي: علي ومن معه، ومعاوية ومن معه، رضي الله تعالى عن الجميع. [عن الزهري عن عمرة عن عائشة]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. وعائشة قد مر ذكرها. [ وقد روى الحميدي هذا الحديث ]. الحميدي هو عبد الله بن الزبير المكي وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من أصحاب ابن عيينة ، وهو أول شخص روى عنه البخاري في صحيحه، فقد روى حديث: (إنما الأعمال بالنيات) من طريقه، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم في المقدمة، وأبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير. ويوجد شخص آخر يقال له: الحميدي ، وهو متأخر، صاحب كتاب (الجمع بين الصحيحين)، و (جذوة المقتبس). قوله: [ وروت قمير بنت عمرو زوج مسروق عن عائشة رضي الله عنها: (المستحاضة تترك الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل) ]. هذا الأثر مطابق لما تقدم. وقمير ثقة، أخرج لها أبو داود والنسائي .
    شرح حديث: (أن النبي أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها) ]. سبقت جملة من الأحاديث التي تبين أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، وهي الأيام التي كانت تحيض فيها قبل أن يحصل لها ما حصل من الدم الذي هو دم الاستحاضة، وهو دم فساد، وبعد أن أورد جملة من الأحاديث أورد جملة من الآثار والأحاديث، ومما أورده عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تترك الصلاة أيام أقرائها)] أي: أيام حيضها التي كانت تعرفها من قبل، وهو ما كان يحصل لها من المدة التي كانت تجلسها قبل أن يحصل لها المرض بطروء الاستحاضة عليها، وهذا فيما إذا كانت لها عادة من قبل وهي تعرفها. قوله: [وقال عبد الرحمن بن القاسم] هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه] أبوه هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث عكرمة أن أم حبيبة استحيضت
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى أبو بشر جعفر بن أبي وحشية عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت، فذكر مثله. ]. ذكر المصنف عن عكرمة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثل الكلام المتقدم، وهو أنها تدع الصلاة أيام أقرائها. قوله: [ أبو بشر جعفر بن أبي وحشية ]. مشهور بكنيته (أبي بشر )، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث مرسل مثل الذي قبله.
    شرح حديث عدي بن ثابت: (المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي) ]. هذا الحديث مثل ما تقدم أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تعرفها من قبل، ثم تغتسل لانتهاء الحيض الذي هو الغسل من الحيض، وتصلي، وتقدم أنها تتوضأ لكل صلاة، وأنها تستثفر بثوب حتى لا يخرج منها الدم على جسمها وعلى ثيابها وعلى الأرض.
    تراجم رجال إسناد حديث عدي بن ثابت: (المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها)
    قوله: [ وروى شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وأخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي اليقظان ]. هو عثمان بن عمير وهو ضعيف، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة . [ عن عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن جده ]. قال الحافظ : اختلف فيه، فمنهم من قال: إنه جده لأبيه، ومنهم من قال: إنه جده لأمه، ومنهم من قال: إنه غير معروف. الحديث سيأتي موصولاً عند المصنف في هذا الكتاب بإسناده إليه، ومعناه صحيح وثابت من جهة أن المستحاضة تجلس أيام أقرائها، ثم تغتسل لانتهاء الحيض ثم تصلي، ولكنها تستثفر وتتوضأ لكل صلاة.
    شرح حديث: (أن سودة استحيضت...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر : (أن سودة استحيضت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم إذا مضت أيامها اغتسلت وصلت) ]. ثم ذكر المصنف هذا الحديث المرسل، وأبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين ، وهو يروي عن الصحابة، فيكون الحديث مرسلاً. وسودة هي: زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين. قوله: [(إذا مضت أيامها)] أي: أيام حيضها التي كانت تعرفها من قبل أن تحصل لها الاستحاضة، فأمرها أن تغتسل وتصلي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن سودة استحيضت...)
    قوله: [ وروى العلاء بن المسيب ] . العلاء بن المسيب ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي جعفر ]. هو محمد بن علي بن الحسين المشهور بالباقر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    أقوال الصحابة في أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها
    قال المصنف رحمه الله: [ وروى سعيد بن جبير عن علي و ابن عباس رضي الله عنهم: (المستحاضة تجلس أيام قرئها) ]. ذكر المصنف هذا الأثر عن علي و ابن عباس رضي الله عنهما: (المستحاضة تجلس أيام قرئها) أي: تمكث الأيام التي كانت تعرفها من قبل، وهذا متفق مع ما جاء في الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [وروى سعيد بن جبير]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن علي بن أبي طالب] علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [وابن عباس] هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكذلك رواه عمار مولى بني هاشم و طلق بن حبيب عن ابن عباس ، وكذلك رواه معقل الخثعمي عن علي رضي الله عنه، وكذلك روى الشعبي عن قمير امرأة مسروق عن عائشة رضي الله عنها ]. هذه الآثار جاءت عن علي و ابن عباس من طريق سعيد بن جبير ، وجاءت أيضاً من طرق أخرى عن ابن عباس ، منها عن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. وطلق بن حبيب صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. ومعقل الخثعمي مجهول، أخرج له أبو داود وحده. والشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقمير هي زوج مسروق وهي ثقة، أخرج لها أبو داود و النسائي .
    أقوال التابعين في أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها
    [ قال أبو داود : وهو قول الحسن و سعيد بن المسيب و عطاء و مكحول و إبراهيم و سالم و القاسم: أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ].
    وهذه آثار حكاها المصنف عن هؤلاء جميعاً، وفيها أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، أي: أيام حيضها التي كانت تعرفها من قبل. والمستحاضة إذا كانت تعرف أيامها التي كانت تجلسها قبل أن تأتيها الاستحاضة فإنها تجلس تلك الأيام، وإذا مضت تلك الأيام تغتسل وتصلي إلى أن يأتي مثل تلك الأيام من الشهر الآتي إذا كانت تحصي ذلك بالشهر. وإذا كانت تعرف العادة في إقبالها وإدبارها بلون الدم وريحه؛ فإنها تأخذ بذلك، وهو أولى من الأخذ بالأيام؛ لأن هذا حيض متحقق، فإذا عرفت إقبال الحيضة بكونها دماً غليظاً وكثيراً وأسود، وله رائحة تعرفها النساء من قبل أن تأتيها الاستحاضة؛ فإنها تأخذ بلون الدم؛ لأنها تميز في هذه الحالة، وإذا لم تتمكن من هذا فإنها ترجع إلى الأيام التي كانت تحيضها من قبل. وإذا كانت لا تعرف لا اللون ولا الرائحة، ولا تعرف الأيام التي كانت موجودة من قبل، فليس لها أيام معلومة، كمن استحاضت من أول أمرها فهذه تجلس ستة أيام أو سبعة أيام من كل شهر، وما زاد على ذلك وهو أربعة وعشرون يوماً أو ثلاثة وعشرون يوماً فتصلي فيها وتصوم. [قال أبو داود : لم يسمع قتادة من عروة شيئاً].
    هذا مكرر مثل الكلام الذي سبق أن مر قبل ذلك، وهذا المكان ما له وجه لذكره فيه، فهو مكرر جاء في غير محله، والكلام الذي جاء في محله هو في الجملة السابقة التي في الصفحة الأولى، وفي بعض النسخ ليست موجودة في المكان الأول، وإذا لم تكن موجودة في المكان الأول فهي تصلح هنا؛ لأن الكلام كله هو بعد الحديث."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #74
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [043]
    الحلقة (74)

    شرح سنن أبي داود [043]


    دم الحيض أسود يعرف، وهو غير دم الاستحاضة، والمستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها، فإذا أدبرت الحيضة اغتسلت واستثفرت وصلت، وقد جاءت أحاديث كثيرة تبين هذا الحكم الذي يوافق سماحة الإسلام وتيسيره على المكلفين.

    من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة


    شرح حديث: (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة. حدثنا أحمد بن يونس و عبد الله بن محمد النصيري حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي (باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة) أي: المستحاضة، هذه الترجمة ليست موجودة في بعض النسخ، والحديثان اللذان تحتها داخلان تحت الترجمة السابقة الذي فيها أنها تدع الصلاة أيام حيضها، وهذه ترجمة أخرى (من روى أن المستحاضة إذا أدبرت الحيضة لا تدع الصلاة)، أي: أنها لا تصلي، فإن كانت الترجمة صحيحة وثابتة فلها وجه، وإن كانت غير موجودة -كما في بعض النسخ- فالحديثان داخلان تحت الترجمة السابقة، ومطابقان لما جاء فيها. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها (أن فاطمة بنت أبي حبيش جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟) يعني: هل أترك الصلاة؟ فهي في الحيض كانت تدع الصلاة، ولكنها هنا قالت: (أفأدع الصلاة) يعني: بسبب هذا الدم، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما ذلك عرق) يعني: هذا الذي حصل معك من الاستحاضة، وحصول الدم الدائم المستمر الذي لا ينقطع هو عرق، ومعناه: أنه دم فساد (وليس بالحيضة). وقوله: (إذا أقبلت الحيضة) لعل المقصود بالإقبال هنا هو معرفة لون الدم ورائحته، أو أن المقصود من ذلك الأيام التي كانت تحيضها من قبل، فالإقبال يكون إما بهذا وإما بهذا، إما بمعرفة لون الدم ورائحته، أو بالأيام التي كانت تجلسها من الشهر قبل أن يحصل لها المرض. وقوله: (فاغسلي عنك الدم وصلي) يعني: الدم الذي يوجد عند نهاية الحيض، فالدم مستمر معه، ولكن الذي يغسل هو عند انتهاء مدة الحيض، سواء كان بانتهاء الأيام أو بانتهاء الذي تعرفه من لونه وريحه، وجاء في بعض الأحاديث: (اغسلي عنك الدم) وفي بعضها: (اغتسلي) وكلاهما لابد منه، فالاغتسال لابد منه لانتهاء الحيض، وغسل الدم أيضاً لابد منه عند الانتهاء من الحيض، فيكون ذكر الاغتسال وحده لا ينفي غسل الدم، وذكر غسل الدم لا ينفي الاغتسال، فيكون هذا من الاختصار، والأمران مطلوبان ولازمان

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما ذلك عرق وليس الحيضة ...)
    قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال عنه الإمام أحمد : إنه شيخ الإسلام، ولما سئل عمن يؤخذ عنه العلم ويتلقى عنه قال: اذهب إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ الإسلام، فالإمام أحمد بن حنبل هو أول من عرف عنه أنه أطلق هذا اللقب من المتقدمين. [ وعبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي من أوعية السنة وحفظتها ولاسيما في الأمور التي تختص بالنساء، والتي تجري بين الرجل وأهل بيته، فإنها وعت وحفظت الكثير من ذلك، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها وأرضاها.
    شرح حديث: (فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة)
    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن هشام بإسناد زهير ومعناه، وقال: (فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي) ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو بإسناد الحديث المتقدم بعد ذكر ثلاثة رواة، وقوله: (فإذا ذهب قدرها) أي: مدتها التي كانت تعرفها من قبل سواء كان بالأيام أو بمعرفة اللون والدم، أو على حسب التقدير إن لم يكن هناك أصل لا من معرفة الدم، ولا من حيث الأيام.
    تراجم رجال إسناد حديث: (فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة)
    قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ] . عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بإسناد زهير ]. هشام بن عروة قد مر ذكره.
    من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة


    شرح حديث بهية عن عائشة في الاستحاضة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة . حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عقيل عن بهية أنها قالت: (سمعت امرأة تسأل عائشة عن امرأة فسد حيضها وأهريقت دماً، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آمرها فلتنظر قدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها مستقيم، فلتعتد بقدر ذلك من الأيام، ثم لتدع الصلاة فيهن أو بقدرهن، ثم لتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلي)]. أورد أبو داود رحمه الله باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، وهذه التراجم مبنية على أساس من قال رواية أو من روى هذا اللفظ، وليس المقصود القول الذي يقوله الإنسان وهو رأي له، وإنما المقصود من ذلك من قال في روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المستحاضة تدع الصلاة، وفي الباب السابق ذكر من قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض، يعني بقدر الأيام التي كانت تحيضها، وهنا قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، والمقصود بإقبال الحيضة إما بمعرفة اللون والدم أو بالأيام التي كانت تعرفها قبل أن تحصل لها الاستحاضة، فلو كانت العادة تأتيها في اليوم الفلاني من الشهر، ثم جاءتها الاستحاضة فتغير وضعها، فهل تعتبر تلك الأيام إن كانت تعرف الاستحاضة عن طريق اللون والدم؟ لا، بل الثاني هو المقدم، وهذا هو الأصل؛ لأنه مبني على لونه ورائحته، وإذا لم تعرف ذلك وكانت الأيام معروفة قبل أن يحصل المرض رجعت إلى تلك الأيام، وهذا هو المقصود من قوله: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، يعني: تدع الصلاة من حين ابتداء إقبال الحيضة، وذلك بمعرفة الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة متميزة تعرفها النساء وتميزها عن غيرها من الدماء. قوله: [ (عن امرأة فسد حيضها) ] المقصود أنه حصل في رحمها فساد من ناحية خروج الدم، كان يخرج منها الحيض فقط فصار يخرج الحيض وغير الحيض، ولهذا يقول العلماء: دم الاستحاضة دم فساد؛ لأنه نتج عن مرض وليس عن صحة. قوله: [ (وأهريقت دماً) ] يعني: كان الدم يهراق منها باستمرار. قوله: [ (فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آمرها فلتنظر قدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها مستقيم، فلتعتد بقدر ذلك من الأيام) ] أي: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أن تخبرها بأنها تنظر إلى قدر الأيام التي كانت تحيض وحيضها مستقيم يعني: عندما كانت في صحة وسلامة وعافية، ولم يحصل لها فساد دم، فتنظر إلى تلك الأيام ثم تجلس مثلها. قوله: [ (ثم لتدع الصلاة فيهن أو بقدرهن) ] تدع الصلاة في تلك الأيام إذا كانت معلومة لها أو بقدرهن إذا كانت غير معلومة. قوله: [ (ثم لتغتسل ثم لتستثفر بثوب) ] لتغتسل غسل الحيض بعد انقطاع الدم، وذلك بعد مضي قدر الأيام التي كانت تحيضها عندما كان حيضها مستقيماً، وتستثفر بثوب، أي: تشد على فرجها قطناً وثوباً حتى يمنع من سقوط الدم على جسمها وعلى ثيابها وعلى الأرض. قوله: [ (ثم لتصل) ] مع الوضوء لكل صلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث بهية عن عائشة في الاستحاضة
    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عقيل ]. هو يحيى المتوكل وهو ضعيف، أخرج له مسلم في المقدمة و أبو داود . [ عن بهية ]. وهي مجهولة لا تعرف، أخرج حديثها أبو داود وحده. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها وقد مر ذكرها. الحديث في إسناده هذا الرجل الضعيف وهذه المرأة المجهولة، ولكن معناه صحيح ومطابق لما جاء في الأحاديث.
    شرح حديث: (إن هذه ليست بالحيضة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن أبي عقيل و محمد بن سلمة المصريان قالا: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير و عمرة عن عائشة أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي) ] أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة بنت جحش أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش وكانت ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: أنها قريبته أخت زوجته، وهذه قرابة من جهة المصاهرة، وقوله: وتحت عبد الرحمن بن عوف لأنها زوجته، فعرفها بشيئين: بالصلة التي بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أنها أخت زوجته أم المؤمنين زينب ، وأنها زوجة عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه. قوله: [ (إن هذه ليست بالحيضة) ] يعني: هذا الدم المتواصل لا يقال له: حيض. قوله: [ (ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي) ] يعني: عند انقطاعه، وهذا فيه اختصار؛ لأنها تجلس المدة التي كانت تجلسها ثم تغتسل وتصلي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن هذه ليست بالحيضة..)
    قوله: [ حدثنا ابن أبي عقيل ]. هو عبد الغني بن أبي عقيل ثقة، أخرج له أبو داود وحده . [ و محمد بن سلمة ]. محمد بن سلمة المرادي ، وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة ، وهذا محمد بن سلمة غير محمد بن سلمة الحراني ، فهذا مصري وذاك حراني، والحراني قبله بطبقة؛ لأن محمد بن سلمة المرادي المصري من شيوخ أبي داود وشيوخ النسائي ، و محمد بن سلمة الحراني الباهلي من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، فإذا رأيت أبا داود يروي بواسطة عن محمد بن سلمة فهو الحراني، وإذا روى عنه مباشرة فهو المصري. [ حدثنا عن ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الحارث ]. عمرو بن الحارث المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. مر ذكره. [ عن عروة و عمرة ]. عروة بن الزبير مر ذكره، و عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. مر ذكرها.
    شرح حديث: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة..)
    [ قال أبو داود : زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن الزهري عن عروة و عمرة عن عائشة قالت: (استحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) ]. هذا اللفظ هو الذي فيه المطابقة للترجمة، إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، واللفظ الأول مختصر، وهذا فيه الزيادة التي لابد منها، والتي هي موضحة لما كان قبل الاغتسال من الحيض، تدع الصلاة إذا أقبلت الحيضة، سواء كان إقبالها بمعرفة اللون والرائحة أو بالأيام التي كانت تعرفها قبل أن يأتيها الحيض.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة..)
    قوله: [ زاد الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، وهو فقيه الشام ومحدثها، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة . [ قال أبو داود : ولم يذكر هذا الكلام أحد من أصحاب الزهري غير الأوزاعي ]. يعني: لم يرو هذه الزيادة غير الأوزاعي . قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه عن الزهري عمرو بن الحارث و الليث و يونس وابن أبي ذئب و معمر و إبراهيم بن سعد و سليمان بن كثير و ابن إسحاق و سفيان بن عيينة ولم يذكروا هذا الكلام ]. هذا توضيح للذين رووا الحديث عن الزهري ولم يذكروا هذا الكلام، ولاشك أن تلك الزيادة معتبرة، وهي زيادة من ثقة، وهي التي توضح المقصود؛ لأن الرواية السابقة مختصرة. وعمرو بن الحارث المصري قد مر ذكره . و الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة . ويونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . و ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و سليمان بن كثير العبدي لا بأس به في غير الزهري ، يعني: أن في روايته عن الزهري مقال، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. و ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق المدني صدوق يدلس، حديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. و سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. قال أبو داود : وزاد ابن عيينة فيه أيضاً: (أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها) وهو وهم من ابن عيينة ]. وقد سبق أن مر حديث مثله. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء، ويقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه ]. محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وهو صدوق ربما وهم ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحديثه تقدم قريباً، وهو يقرب من الذي زاد الأوزاعي بقليل، وهو الذي فيه أنها تدع الصلاة. وهذا السؤال والاستفتاء عندما حصلت لها الاستحاضة، وليس بعد أن انتهت الاستحاضة.
    شرح حديث: (إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن أبي عدي عن محمد -يعني ابن عمرو - قال: حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: (أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق). قال أبو داود : وقال ابن المثنى : حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا. ثم حدثنا به بعد حفظاً قال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة كانت تستحاض فذكر معناه ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض. قوله: [ (إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف)] يعني: إذا أقبل دم الحيضة بلونه ورائحته الذي تعرفه النساء، وهو أسود يُعرَف أو يُعرِف، إشارة إلى العرف وهي الرائحة. قوله: [ (فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة) ] يعني: إذا حصل هذا اللون والرائحة فأمسكي عن الصلاة. قوله: [ (فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق) ]. الآخر هو الدم الذي يكون بعد انتهاء الدم الأسود الذي له رائحة متميزة، فإذا كان الآخر لابد من الاغتسال، ثم تتوضأ لكل صلاة، ولكن الاغتسال عند انقطاع دم الحيض لابد منه كما سبق في الروايات.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف..)
    قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن أبي عدي ]. محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد يعني: ابن عمرو ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش ]. ابن شهاب وعروة قد مر ذكرهما، وفاطمة بنت أبي حبيش صحابية أخرج حديثها أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وقول ابن المثنى : حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا، يعني: ليس فيه ذكر عائشة ، وإنما فيه ذكر فاطمة فقط، ثم قال: حدثنا به من حفظه فقال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة كانت تستحاض، فالإسناد الذي مر فيه عروة يروي عن فاطمة ، وهذا فيه أنه يروي عن عائشة ، ولا تنافي بين هذا وهذا؛ لأنه سمع من هذه وسمع من هذه.
    شرح أثر ابن عباس: إذا رأت الدم البحراني
    [ قال أبو داود : وقد روى أنس بن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما في المستحاضة قال: إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي ]. قوله: [إذا رأت المستحاضة الدم البحراني] يعني: الذي هو كثيف وغليظ وكثير، فإنها تدع الصلاة؛ لأن هذا علامة الحيض فإنه غليظ وله رائحة متميزة، فإذا أقبل بهذا اللون وبهذه الكثرة فإنها تدع الصلاة، والبحراني نسبة للبحر، وصف بذلك لكثرته ولغلظه. قوله: [ وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل ] يعني: إذا انقطع عنها الدم ولو ساعة فإنها تغتسل وتصلي، فإذا انقطع عنها الدم الذي لونه متميز ورائحته متميزة في أي وقت من الأوقات فإنها تغتسل وتصلي. [ قال أبو داود : وقد روى أنس بن سيرين عن ابن عباس ]. أنس بن سيرين أخو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وابن عباس قد مر ذكره.
    شرح أثر مكحول: (إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال مكحول : إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة، إن دمها أسود غليظ، فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة، فلتغتسل ولتصل ]. أتى المصنف بالأثر عن مكحول أن النساء تعرف دم الحيض أسود غليظ، وإذا أقبل فإنها تترك الصلاة، وإذا أدبر وكان أصفر خفيفاً ليس كالأول فإنها تغتسل وتصلي، وهذا الأثر متفق مع الحديث المتقدم بالرجوع إلى اللون والرائحة، وأن هذا تعرفه النساء. ومكحول الشامي أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن، وهو يرسل.
    شرح أثر ابن المسيب في المستحاضة وتراجم رجال إسناده

    [ قال أبو داود : وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب في المستحاضة : إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة، وإذا أدبرت اغتسلت وصلت ]. أورد المصنف الأثر عن سعيد بن المسيب وهو مثل ما تقدم فيما يتعلق بالإقبال والإدبار، والإقبال إما أن يكون باللون والدم، وإما أن يكون بالأيام التي كانت تعرفها قبل أن تستحاض. قوله: [ وروى حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن القعقاع بن حكيم ]. القعقاع بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة .
    شرح أثر ابن المسيب في المستحاضة من طريق أخرى وتراجم رجالها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى سمي وغيره عن سعيد بن المسيب : تجلس أيام أقرائها. وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ]. ذكر المصنف هذا الأثر أنها تجلس أيام أقرائها، أي: أيام حيضها التي كانت تعرفها قبل أن يحصل لها ما حصل. قوله: [سمي]. هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حماد بن سلمة]. حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [عن يحيى بن سعيد عن سعيد ]. قد مر ذكرهما.

    شرح أثر الحسن وقتادة في المستحاضة
    [ قال أبو داود : وروى يونس عن الحسن : الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوماً أو يومين فهي مستحاضة ]. قول الحسن : (الحائض إذا مد بها الدم) يعني: زادت عادتها عما كانت معتادة يوماً أو يومين فتمسك عن الصلاة؛ لأن هذا يمكن أن يكون حيضاً. قوله: (الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوماً أو يومين فهي مستحاضة) يعني: إذا مد بها الدم مقدار يومين فهو حيض، والمستحاضة لا تمسك عن الصلاة، بل تغتسل وتصلي، وقوله عن المستحاضة: (تمسك) لعل المقصود أنها تجلس مقدار يومين، وما زاد على ذلك فهي مستحاضة تغتسل وتصلي، ويكون بمعنى قول قتادة الآتي. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال التيمي عن قتادة : إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصل. قال التيمي : فجعلت أنقص حتى بلغت يومين، فقال: إذا كان يومين فهو من حيضها ] يعني: إذا كانت الزيادة يومين فهو من حيضها، وما زاد على ذلك فإنها تصلي، والذي يظهر أن هذا إذا كان شيئاً جديداً على المرأة، وأن الاستحاضة أصابتها لأول مرة، فتجلس احتياطاً؛ لأن العادة تتغير بالزيادة والنقصان، فكونها تجلس يومين له وجه على اعتبار أن هذه المرأة لأول مرة يحصل لها الفساد بعدما حاضت المدة التي تعرفها وزادت يومين، فيمكن أن تكون العادة تغيرت، فتجلس يومين تضيفها إلى العادة، لكن إذا زاد الدم على ذلك فإنه يكون استحاضة.
    تراجم رجال إسناد أثر الحسن وقتادة
    قوله: [ وروى يونس عن الحسن ]. يونس بن عبيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحسن بن أبي الحسن البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ وقال التيمي عن قتادة ]. والتيمي هو سليمان بن طرخان التيمي ، والد المعتمر ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وسئل ابن سيرين عنه فقال: النساء أعلم بذلك ]. وسئل ابن سيرين -وهو محمد بن سيرين - عنه، يعني إذا حصل زيادة فقال: النساء أعلم بذلك، يعني: هن أدرى من غيرهن فيما يكون حيضاً وما لا يكون حيضاً، وذلك بمعرفتهن للون وللرائحة."
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [044]
    الحلقة (75)

    شرح سنن أبي داود [044]


    الاستحاضة شيء جعله الله عز وجل على بعض بنات حواء؛ وله أحكام تخصه، فينبغي على من ابتليت بالاستحاضة أن تعرف أحكامها؛ حتى لا تترك الصلاة والصيام وغيرها من العبادات في وقت هي مطالبة بها؛ فإن المستحاضة تصوم وتصلي وتعمل كل العبادات، إلا في الأيام التي تعتبرها حيضاً، إما بالعادة أو التمييز.

    (تابع) من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة


    شرح حديث حمنة في الاستحاضة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا: حدثنا عبد الملك بن عمرو قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم؟! فقال: أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فاتخذي ثوباً. فقالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم. قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي؛ فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن، ميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين؛ فافعلي، وتغتسلين مع الفجر؛ فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا أعجب الأمرين إلي). قال أبو داود : ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل قال: فقالت حمنة رضي الله عنها: فقلت: (هذا أعجب الأمرين إلي) لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ جعله كلام حمنة . قال أبو داود : و عمرو بن ثابت رافضي رجل سوء، ولكنه كان صدوقاً في الحديث، و ثابت بن المقدام رجل ثقة، وذكره عن يحيى بن معين . قال أبو داود : سمعت أحمد يقول : حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء ]. سبق أن مر أن المستحاضة إما أن تكون عارفة بحيضها في إقباله وإدباره بلونه الأسود وأنه غليظ، وكذلك برائحته، فعند بداية إقبال الحيضة تترك الصلاة، وإذا انتهت -وذلك بإدبارها وذهاب ذلك اللون الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة تعرفها النساء- فإنها تغتسل عند نهاية قرئها وتصلي وتفعل ما تفعله الطاهرات؛ لأن ما زاد على الحيض ليس بحيض وإنما هو استحاضة، وهو دم فساد وليس بدم حيض، فيكون حكمها حكم الطاهرات: تصلي وتصوم وتقرأ القرآن ويباشرها زوجها، وكل شيء تفعله الطاهرات تفعله إلا أنها يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة، وتغتسل لكل صلاة استحباباً، وأما الوضوء فإنه واجب عليها لكل صلاة، فإذا كانت مميزة لحيضها بمعرفتها للونه ورائحته وإقباله وإدباره فإنها تمكث تلك المدة التي عرفت بها أنها حائض من أجل اللون والرائحة، وما زاد على ذلك أو ما بين الحيضتين فإنها تكون طاهراً تفعل ما يفعل النساء الطاهرات. هذا إذا كانت مميزة لحيضها في حال استحاضتها، فإن كانت غير مميزة للحيض بمعرفة لونه ورائحته فإنها إذا كانت تعرف الأيام التي كانت تحيضها قبل أن تأتيها الاستحاضة وقبل أن تطرأ عليها الاستحاضة فإنها تمكث في تلك الأيام لا تصلي ولا تصوم، وهي خمسة أيام أو أربعة أيام أو ستة أيام من أول الشهر أو من وسط الشهر أو من آخر الشهر فتبني على ما كانت تعرفه من قبل، وتعتد بتلك الأيام التي كانت تأتيها من الشهر قبل أن تأتيها الاستحاضة، فإن لم تكن تعرف اللون والرائحة ولم تعرف الأيام لكونها مبتدأة، يعني: لم يسبق لها أن تحيض، ولكن جاءها هذا الدم واستمر معها بصفة دائمة، أو كانت تحيض من قبل ولكنها نسيت عدد الأيام التي كانت تجلسها أو نسيت في أي وقت كانت من الشهر؛ فإنها تأخذ بما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله هنا، وهو حديث حمنة بنت جحش رضي الله تعالى عنها أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: (أنها جاءت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالت: يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة) فأشارت بقولها: (كثيرة) إلى كميتها، وبقولها: (شديدة) إلى كيفيتها، فهي كثيرة وشديدة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها (أنعت لك الكرسف) وهو القطن، أي: أن تجعله في فرجها وتشده عليه حتى يمسك الدم، فقالت: هو أكثر من ذلك، قال: (ضعي عليه ثوباً) يعني: أضيفي إلى الكرسف شيئاً آخر زيادة. قالت: (هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً)، يعني: أنه يصب منها الدم بغزارة وبكثرة، ولا يمسكه لا القطن ولا الثياب؛ لأنه يسيل منها بغزارة وبكثرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: (سآمرك بأمرين إن أخذت بأي واحد منهما أجزأك) ثم ذكر لها الأمرين، وهما: أن تجلس ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله عز وجل، فتجتهد وتختار لها ستة أيام أو سبعة أيام من الشهر فتجلسها وتترك الصلاة فيها، وهذا باعتبار أن غالب عادة النساء ستة أيام أو سبعة أيام، وأقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أناط الحكم بما هو الغالب على النساء وهو: ست أو سبعة أيام، والستة أو السبعة هي على اعتبار مثيلاتها من النساء ممن يماثلها، فتجعل حيضها إما ستة أيام وإما سبعة أيام، وتغتسل عند انتهاء الأيام الستة أو السبعة، وما زاد على ذلك وهو إما ثلاثة وعشرون يوماً أو أربعة وعشرون يوماً يكون حكمها حكم الطاهرات، وتتوضأ لكل صلاة وجوباً، وتغتسل لكل صلاة استحباباً، وأرشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنها إذا قويت على أن تجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وتغتسل لكل صلاتين من هاتين الصلاتين المجموعتين غسلاً واحداً وتغتسل للفجر، فإنها تفعل، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهذا أعجب الأمرين إلي) يعني: كونها تجمع بين الصلاتين وتغتسل ثلاث مرات للظهر والعصر غسلاً واحداً، وللمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وللفجر غسلاً واحداً. فالحالة الأولى ليس فيها ذكر الاغتسال لكل صلاة، وفي الحالة الثانية وهي كونها تجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء تغتسل ثلاث مرات، لكن جاء في بعض الروايات أنها تغتسل لكل صلاة من الصلوات الخمس، وإذا أرادت أن تجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فيكفيها ثلاثة أغسال: تغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وللمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وللفجر غسلاً واحداً.
    وهذا الحديث في حق من تكون غير مميزة لا باللون والرائحة ولا بالأيام التي كانت تحيضها من قبل؛ لأنها إما أن تكون مبتدئه أو ناسية أيام حيضها وعددها، فتعمل بما جاء في هذا الحديث. فللنساء ثلاث حالات: من تعرف الحيض باللون والرائحة وهذا هو الأصل، ومن لا تعرف لوناً ولا رائحة للحيض، ولكنها تعرف مقدار الأيام التي كانت تحيضها قبل أن يحصل لها المرض، ومن لا تعرف هذا ولا هذا فإنها تأخذ بما جاء في حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها. قوله: [ عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته) ] قولها: (أستفتيه وأخبره) الواو هنا ليست للترتيب، والمعنى: أخبره وأستفتيه، فالإخبار عن حالها هو الأول، والمقصود من الإخبار هو الاستفتاء عما تصنع في صومها وصيامها، ويمكن أن نقول: إنها جاءت لتستفتي، والفتوى تأتي نتيجة الإخبار. قوله: (فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش رضي الله عنها، فقلت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها؛ قد منعتني الصلاة والصوم؟! فقال:
    أنعت لك الكرسف؛ فإنه يذهب الدم) الكرسف هو القطن، وهو يذهب الدم، بمعنى: أنه إذا جعل على الفرج فإنه يعلق به الدم ويمنعه من السيلان، لكن إذا كان الدم كثيفاًَ كثيراً فلا ينفع فيه الكرسف ولا الثياب إذا كان يصب صباً ويثج ثجاً كما جاء عن حمنة في وصفها لاستحاضتها. قوله: [ (قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فاتخذي ثوباً. فقالت: هو أكثر من ذلك؛ إنما أثج ثجاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم، قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام) ] الركض في الأصل ضرب الرجل في الأرض، ومنه الجري ووقوع الرَجل على الأرض بشدة وبقوة عند الركض، والمقصود من هذا أن الشيطان يشوش على النساء في حال حصول هذا الفساد في دمائهن بحيث يشوش عليهن فيجعلهن في قلق، والرسول صلى الله عليه وسلم بين لها ماذا تصنع وما عليها أن تسلك، فقال: (تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله) ؛ لأنها لا تعلم العادة باللون والرائحة، ولا تعلم العادة بالأيام التي كانت موجودة من قبل، فهذه تعتبر نفسها حائضاً ستة أيام أو سبعة أيام على الغالب على النساء، وفيهن من يزيد حيضها وفيهن من ينقص عن هذا المقدار، واختيار هذه الستة الأيام أو السبعة يرجع إلى اختيارها؛ لأنه قال: (تحيضي ستة أيام أو سبعة) يعني: من الشهر، فإذا اختارت ستة أيام من أول الشهر تستمر عليها، وإذا اختارتها من وسط الشهر تستمر عليها، وإذا اختارتها من آخر الشهر تستمر عليها. قوله: (ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي) يعني:
    تغتسل قبل الأيام الستة أو السبعة غسل الحيض، فإذا طهرت من الحيض الذي اعتبرت أيامه ستة أو سبعة، واستنقأت -من النقاء وهو النظافة والنزاهة- وسلمت من ذلك الحيض فإنها تصلي. قوله: [ (حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها،

    تراجم رجال إسناد حديث حمنة في الاستحاضة
    قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ وغيره ]. يعني: وحدثه شخص، لكنه لم يسمه، ولهذا قال: قالا، وهذا يفيد أن ذلك الغير واحد، وهو أحياناً يقول: وغيره أو وجماعة أو ناس آخرون ثم يقول: قالوا، لكنه هنا قال: قالا، وهذا يدل على أن هذا الذي أبهمه شخص واحد. [ قالا: حدثنا عبد الملك بن عمرو ]. عبد الملك بن عمرو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير بن محمد ]. زهير بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ورواية أهل الشام عنه غير مستقيمة. [ عن عبد الله بن محمد بن عقيل ].
    عبد الله بن محمد بن عقيل صدوق في حديثه لين ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ]. إبراهيم بن محمد بن طلحة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن . [ عن عمه عمران بن طلحة ]. عمران بن طلحة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن حمنة بنت جحش ]. حمنة بنت جحش رضي الله عنها صحابية، وحديثها أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
    رواية عمرو بن ثابت لحديث حمنة في الاستحاضة، وذكر ترجمته

    [ قال أبو داود : ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل قال: فقالت حمنة : فقلت: (هذا أعجب الأمرين إلي). لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم، جعله كلام حمنة ]. ذكر أبو داود رحمه الله رواية الحديث من طريق عمرو بن ثابت ، وهو ضعيف الحديث، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة في التفسير ، وقد قال عنه أبو داود : إنه رافضي رجل سوء، ولكنه صدوق في الرواية، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه ضعيف، يعني: فلا يحتج بحديثه. [ قال أبو داود : ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل قال: قالت حمنة : فقلت: (هذا أعجب الأمرين إلي) ]. يعني أن هذا الكلام من كلامها وليس من كلام الرسول، والذي مر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: (وهذا أعجب الأمرين إلي) .
    [ قال أبو داود : و عمرو بن ثابت رافضي رجل سوء، ولكنه كان صدوقاً في الحديث، و ثابت بن المقدام رجل ثقة ]. أبوه هو ثابت بن المقدام ثقة، وليس له رواية هنا، وإنما جاء ذكره عرضاً أو استطراداً، وفي التقريب قال: هو ابن أبي المقدام ، وأبو داود سمى أباه ثابت بن المقدام ، فالمقدام هو جده، وفي التقريب قال: ابن أبي المقدام ، فيحتمل أن يكون أبو المقدام كنية لثابت ، ويحتمل أن يكون قوله ابن أبي المقدام نسبة إلى جده.
    ترجمة ابن عقيل
    [ قال أبو داود : سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء]. روى أبو داود كلام أحمد في ابن عقيل، وقد سأل الترمذي البخاري عنه فقال: حديث حسن، يعني: حديث ابن عقيل هذا، وكذلك الإمام أحمد جاء عنه أنه قال: حديث حسن ، وهذا يدل على أن الإمام أحمد جاء عنه خلاف ما جاء في هذه الرواية، ويمكن أن يقال -كما قال في عون المعبود-: كان في نفسه منه شيء ثم تبين له أنه حسن، وفي نقل الترمذي عن الإمام أحمد وعن البخاري أنه حديث حسن دليل على أن التحسين موجود عند المتقدمين قبل الترمذي ، ولكن الذي اشتهر عنه ذكر الحسن وأظهره وأبرزه وأكثر من استعماله هو الترمذي رحمه الله في جامعه؛ لأنه كان يستعمل ذلك بكثرة بعد الأحاديث، فيقول: حسن، حسن صحيح، حسن غريب، حسن صحيح غريب، وهكذا، ولكن ليس الترمذي هو الذي ابتدأ ذكره، ولكنه موجود من قبله كما نقله الترمذي عن البخاري وعن الإمام أحمد . والجمع الذي في هذا الحديث ليس جمعاً صورياً، فالجمع الصوري فيه مشقة، فكونها تتحين آخر هذا وأول هذا فيه من المشقة ما فيه، لكن المقصود: أنها إما أن تعجل فيكون جمع تقديم، أو تؤخر فيكون جمع تأخير.
    كلمة حول الإسراء والمعراج


    حكم تخصيص ليلة سبع وعشرين من رجب باحتفال أو عبادة


    نتكلم كلمة بمناسبة ليلة سبع وعشرين من رجب على ما يتعلق بليلة الإسراء والمعراج، فنقول: إن الليالي والأيام لا يعتبر لها فضائل ولا ميزات إلا بنص جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه جاء عنه تخصيص بعض الأيام وبعض الليالي وتمييزها على غيرها، كليلة القدر التي جاء في القرآن أنها خير من ألف شهر، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها وفي تحريها أحاديث كثيرة. وكذلك جاء في يوم عرفة أنه يصام لغير الحجاج، وأن صومه يكفر السنة الماضية والسنة الآتية. وجاء في يوم عاشوراء أنه يكفر السنة الماضية. فالمعتبر في تخصيص الليالي والأيام إنما هو السنة الثابتة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد شاع عند كثير من الناس أن ليلة الإسراء والمعراج هي ليلة سبع وعشرين من رجب، ولهذا يختصونها بالاحتفاء بها وتمييزها على غيرها بالعبادة وبما يميزونها به، ومن المعلوم أنه لم يثبت أن ليلة المعراج هي ليلة سبع وعشرين من رجب، ولو كان ذلك ثابتاً في الصحيحين وفي غيرهما فليس لأحد أن يخصها بعبادة أو يميزها على غيرها بشيء؛ لأن التخصيص والتمييز لليالي والأيام إنما يكون طبقاً للدليل وطبقاً لما تأتي به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولم يحصل شيء من ذلك. والنبي صلى الله عليه وسلم بعدما عُرج به إلى السماء مكث ثلاثة عشر عاماً ولم يحصل منه احتفال بهذه الليلة، ولا أمر بالاحتفال بهذه الليلة، فالمعراج حصل قبل الهجرة بثلاث سنين، وبعد الهجرة مكث صلى الله عليه وسلم في المدينة عشر سنين، ومع ذلك ما جاء عنه من فعله أنه ميزها بشيء، ولم يثبت من طرق صحيحة ثابتة أنها في ليلة معينة لا في ليلة سبع وعشرين ولا غير سبع وعشرين، ولو ثبت لم يكن لأحد أن يخصها بعبادة؛ لأن التخصيص إنما يكون وفقاً للدليل ووفقاً لما ثبتت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ومن المعلوم أن الخير كل الخير في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، واتباع أصحابه من بعده، وقد جاء بعده الخلفاء الراشدون:
    أبو بكر تولى سنتين وأشهراً، و عمر تولى عشر سنوات وأشهراً، ومدة عثمان اثنتا عشرة سنة وأشهر، و علي أربع سنين وأشهر، ومدة خلافة الخلفاء الراشدين ثلاثون سنة ولم يأت عن أحد منهم أنه خص هذه الليلة بشيء أو ميزها على غيرها بشيء. إذاً: تمييزها على غيرها وعمل عبادة فيها دون غيرها من الأيام ومن الليالي لم تأت به سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ما يدل على أن التخصيص بالفضائل والتمييز بالعبادات إنما يكون وفقاً لما تأتي به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال في الحديث المتفق على صحته من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وفي لفظ لمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال عليه الصلاة والسلام كما في حديث العرباض بن سارية : (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) فهو عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث رغّب في اتباع السنة وحذر من الوقوع في محدثات الأمور، رغّب بقوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) ورهّب وحذر بقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) فأخبر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن كل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، ولا يقال: إن في الإسلام بدعة حسنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
    (كل بدعة ضلالة) فكيف يقال: إن في الإسلام بدعة حسنة والنبي صلى الله عليه وسلم وصف البدع كلها بأنها ضلالة؟! إذاً: الواجب هو اتباع الدليل، والحرص على متابعة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وإذا أراد الإنسان أن يخص بعض الليالي والأيام بشيء فليسأل عن الدليل، وليسأل عن السنة هل جاءت بذلك عن رسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في يوم عرفة أنه يصام، وصومه يكفر السنة الماضية والآتية. وكذلك تخصيص ست من شوال سواء كانت في أوله أو وسطه أو آخره مجتمعة أو متفرقة جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنها تصام. وكذلك تخصيص يوم عيد الأضحى وثلاثة أيام بعده بالتقرب إلى الله عز وجل بذبح الهدايا وذبح النسك.
    إذاً: تفعل العبادات في الأيام وفي المواسم التي شرع الله عز وجل أن تفعل فيها تلك العبادات، أما إذا لمم يأت شيء في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم يأتي الإنسان إلى ليلة من الليالي أو يوم من الأيام أو شهر من الشهور ويخصه بعبادات يميزه بذلك على غيره؛ فإن هذا من الأمور المحدثة، ومن الأمور المبتدعة في دين الله عز وجل، والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام حث على اتباع السنن وحذر من الوقوع في البدع.
    شرط قبول الأعمال الصالحة
    أي عمل من الأعمال يعمله الإنسان ويتقرب به إلى الله عز وجل شرط قبوله وكونه نافعاً عند الله أن يجتمع فيه أمران: أحدهما: أن يكون ذلك العمل خالصاً لوجه الله. والثاني: أن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد من توافر الإخلاص ولابد من توافر المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا فقدا معاً أو فقد واحد منهما فإن العمل مردود على صاحبه، فإذا فقد الإخلاص والمتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام فالعمل مردود، وإن وجد الإخلاص ولكن العمل مبني على بدعة فإنه مردود ولو كان الإنسان مخلصاً فيه لله عز وجل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، وقوله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، وقد جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه بين للناس أن الأضحية من بعد صلاة العيد، فأحد الصحابة رضي الله عنه وأرضاه ذبح أضحيته قبل الصلاة وكان قصده طيباً، وكان يريد شيئاً حسناً، وهو أنه إذا فرغ الناس من صلاة العيد وهم محتاجون إلى اللحم يجدون أضحيته مطبوخة فتكون أول ما يأكل الناس من الأضاحي، فلما علم رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه ذبح قبل الصلاة قال له:
    (شاتك شاة لحم) يعني: ليست أضحية؛ وإنما هي مثل الذبيحة التي تذبحها في محرم وصفر وربيع من أجل أن تأكل، فهذه من جنسها؛ لأنها لم تقع في الوقت الذي شرع فيه ذبح الأضاحي وهو بعد الفراغ من صلاة العيد، وبعدما يصلي الناس صلاة العيد. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن بعض أهل العلم أنه قال: وفي هذا دليل على أن العمل إذا وقع غير مطابق للسنة فإنه لا يعتبر، ولو كان قصد صاحبه حسناً. فالإخلاص إذا وجد لابد معه من متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا هو معنى أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله؛ لأن قول: أشهد أن لا إله إلا الله، يعني: الإخلاص لله وحده، وأشهد أن محمداً رسول الله، يعني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. يقول شارح الطحاوية: هناك توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول وتوحيد المرسل، وتوحيد المرسل -وهو الله- يكون بالإخلاص، وتوحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، فلا يعبد إلا الله، ولا يعبد الله إلا طبقاً لما شرع رسول الله، فالعبادة لله وحده، وكون العبادة لله وحده لابد أن تكون على وفق سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذا العمل الذي عمله ذلك الصحابي لم يعذره الرسول فيه، ولم يقل له: مادام أن قصدك حسن فشاتك أضحية، بل قال:
    (شاتك شاة لحم) . أيضاً أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جاء إلى أناس متحلقين في المسجد وبأيديهم حصى، وفي كل حلقة شخص يقول لهم: سبحوا مائة. فيسبحون ويعدون بالحصى: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، حتى يكملوا مائة، ثم يقول: كبروا مائة، فيكبرون: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ويكبرون مائة، فإذا قال: هللوا مائة، قالوا: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وهكذا … فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: ما هذا يا هؤلاء؟! إما أنكم على طريقة أهدى من طريقة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنكم مفتتحو باب ضلالة، وهم فهموا أنهم لا يكونون على طريقة أهدى من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فبقيت الثانية وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة، فقالوا: سبحان الله! يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير. فقال رضي الله عنه: وكم من مريد للخير لم يصبه! فالإنسان الذي قصده حسن ويخلص لله لابد أن يكون عمله مطابقاً لسنة رسول الله، ثم قال: عدوا سيئاتكم فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء، فكونهم يفعلون الأمر المبتدع يأثمون، والمشروع أن كل واحد يسبح الله تعالى في نفسه ولا يخفى على الله خافية، ولا يكون ذلك بالعد بالحصى، ولا بغير الحصى، وإنما الإنسان يعد ما ورد عده، مثل التسبيح بعد الصلاة ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير ثلاثاً وثلاثين، ويقول عند تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فهذا شيء جاءت به السنة، والإنسان يعد بأصابعه، ولكن كون الإنسان يسبح بحصى هذا شيء لم يأت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال أبو عبد الرحمن ما قال، ونبه إلى أن الصحابة هم القدوة وهم الأسوة وهم السابقون إلى كل خير، ولو كان خيراً لسبقوا إليه.
    بيان كيف صلح سلف الأمة، وبيان فضلهم

    يقول الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. فالذي صلح به الصحابة هو الذي يصلح به من بعد الصحابة، ولا طريق ولا سبيل للآخرين أن يصلحوا غير الطريقة التي صلح بها الصحابة، وذلك بالإخلاص والمتابعة، الإخلاص لله وحده؛ فتكون العبادة خالصة لوجه الله لا شرك لغيره فيها، كما قال عز وجل: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. وقال مالك رحمة الله عليه أيضاً:
    ما لم يكن ديناً في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة. والمبتدع كأنه يقول: هناك حق أو عمل صالح غاب عن الصحابة، وخبئ لأناس يأتون بعدهم. فالواجب على كل مسلم قبل أن يعمل العمل وقبل أن يخص ليلة من الليالي بشيء أو يوم من الأيام بشيء أن يسأل عن الدليل، ويسأل عن السنة في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن كان في ذلك سنة ثابتة فعلى العين والرأس، وليقل: سمعنا وأطعنا، وإن كان ليس هناك شيء فيكفيه ما كفى خير هذه الأمة، وما كان عليه خير هذه الأمة، ولو كان ذلك خيراً لسبقونا إليه؛ لأنهم السباقون إلى كل خير، وهم الحريصون على كل خير، ما كان مثلهم أحد في الماضي ولا يكون أحد مثلهم في المستقبل، فهم خير الناس وأكمل الناس وأفضل الناس؛ فهم أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين؛ لأن أمة محمد عليه الصلاة والسلام خير أمة أخرجت للناس، وخير أمة هم محمد أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام. قال عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) .
    وعلى هذا فتخصيص ليلة سبع وعشرين من رجب وتمييزها والاحتفاء بها والاحتفال بها لا يجوز، ولم يثبت أنها ليلة سبع وعشرين، ولو ثبت فليس هناك دليل على تخصيصها، فالواجب هو الوقوف عند الحدود التي حدت، والوقوف عند السنن، وعدم الوقوع في البدع، فإن كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف.
    الأسئلة


    الحكمة من تسليط الكفار على المسلمين
    السؤال: فضيلة الشيخ! العلماء في بلدنا الآن يقتلون من قبل النصارى ، فهل هذه فتنة عظيمة؟! وما الحكمة في ذلك؟


    الجواب: لاشك أن هذه فتنة وشيء عظيم، نسأل الله عز وجل أن يخلص المسلمين علماءهم وعامتهم من كل شر، وأن يوفقهم لكل خير. والحكمة هي ابتلاء وامتحان، ولاشك أن كل ما يجري وكل ما يحصل فلله في ذلك حكم كثيرة.

    حكم الجمع بين رفع الجنابة وسنة الجمعة في غسل واحد

    السؤال: رجل أصابته الجنابة يوم الجمعة، فهل له أن يجمع بين غسل الجنابة وغسل الجمعة في غسل واحد؟


    الجواب: يمكن أن يجمع بينهما، لكن لابد أن ينويهما جميعاً، وإذا اغتسل يوم الجمعة وأراد به رفع الحدث فإن الحدث يرتفع، فبدلاً من أن يغتسل غسلين: غسلاً للجنابة وغسلاً للجمعة يغتسل للجنابة ويكون للجمعة أيضاً.
    حكم صلاة تحية المسجد في أوقات النهي
    السؤال: كيف التوفيق بين حديث: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) وبين حديث النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة؟


    الجواب: حديث الأوقات الثلاثة جاءت محددة عند طلوع الشمس وزوالها وغروبها، فلا يصلى فيها ولا يدفن فيها الموتى، وظاهرها يعارض حديث (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس) فهذان حديثان عامان متعارضان في الظاهر، ولهذا اختلف العلماء في عموم هذا وفي عموم هذا، فمنهم من أخذ بعموم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، وقالوا: هو عام في جميع الصلوات، فيعم أي وقت سواء في وقت نهي أو غير وقت نهي، وقال بعض العلماء: حديث: (لا صلاة بعد العصر) عام في هذين الوقتين فلا يصلى أي صلاة إلا ما جاء نص على أنها من ذوات الأسباب، مثل قضاء الفوائت ومثل صلاة الجنازة وما إلى ذلك، وبعض أهل العلم يقول: إن تحية المسجد من ذوات الأسباب، وبعضهم يقول: إنها ليست من ذوات الأسباب، والذي نقوله: إن الأمر في ذلك واسع.
    فائدة جمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة
    السؤال: إن من طرق التأليف في الحديث كما هو معروف عند العلماء جمع الأحاديث الموضوعة والضعيفة، فهل لقائل أن يقول: إن هذه الطريقة فيها تسهيل وتيسير للناس حتى يرجعوا إلى الأحاديث الموضوعة والضعيفة، والأصل ألا يدل الناس على أماكنها حتى لا يغتروا بها؟


    الجواب: من العلماء من أفرد الأحاديث الموضوعة في مؤلفات خاصة، وكذلك الضعيفة جمعوا جملة كبيرة منها، والمقصود من ذلك: بيان ضعفها؛حتى لا يغتر بها، ولو ذكرها أحد فإنه يقال له: إن هذا لم يثبت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ففي مثل هذا العمل خدمة للناس ولطلبة العلم بأن يقفوا على الأحاديث الموضوعة والأحاديث الضعيفة، ويعرفوا حالها؛ فإذا وجدوا من يحتج بحديث ضعيف قالوا: هذا حديث ضعيف ليس صحيح، أو ليس بحجة، ولا يعول عليه، ولا يعمل به، وكذلك إذا كان موضوعاً، والمؤلفات موجودة منذقديم الزمان في الأحاديث الضعيفة، وكذلك الأحاديث الدائرة على الألسنة.
    حكم جماع المستحاضة
    السؤال: هل يجوز جماع المستحاضة؟

    الجواب: نعم، يجوز جماعها في حال اعتبارها طاهرة، وذلك في غير مدة الحيض التي كانت تجلسها، وهي تعرف ذلك أما باللون والرائحة أو بالأيام التي كانت تعرفها من قبل أو بالأيام الستة أو السبعة التي اعتبرتها حيضاً كما جاء في حديث حمنة ، وما عدا ذلك فلزوجها أن يجامعها بعد أن تغتسل عند إدبار حيضها.

    حكم لبس الساعة المطلية بالذهب وحكم الاتجار بها

    السؤال: ما حكم لبس الساعة المطلية بالذهب؟ وما حكم التجارة فيها؟

    الجواب: الشيء الذي فيه الذهب لا يجوز للرجل أن يستعمله، وأما النساء فتستعمل الذهب الذي في الساعات، وفي الخواتم، وفي أي شيء، والرجال ليس لهم استعمال الذهب لا في قليل ولا في كثير، لا في خاتم، ولا في غير خاتم، إلا في أمر يضطر إليه كإنسان قطع أنفه، فيجعل مكانه شيء من الذهب أو سن من ذهب إذا انقلع، لا أن يلبسه من أجل أن يتجمل، أما كونه يتخذ خاتماً أو ساعة من ذهب أو مطلية بالذهب فكل ذلك ليس للرجل، والاتجار به فيما يتعلق باستعماله للنساء سائغ.
    حكم تكرار العمرة
    السؤال: أنا شاب من مصر، والظروف لا تسمح لي بالحضور إلى الأراضي المقدسة كل عام، فهل يمكن أن أقوم بعمل أكثر من عمرة في الفترة الزمنية التي أقيم فيها بمكة أم لا يجوز؟ وبماذا تنصحني من الأعمال التي يمكن أن أؤديها في خلال الثلاثة الأيام التي سوف أقضيها في مكة؟
    الجواب: الأيام التي تقضيها في مكة أكثر فيها من النوافل ومن قراءة القرآن، وأكثر من الطواف، وادع لنفسك ولمن تريد، هذا هو الذي يمكنك أن تفعله، وأما قضية تكرار العمرة، فإن تيسر لك أن تذهب إلى المدينة مرة أو مرتين وترجع إلى مكة، فلك أن تعتمر كلما ذهبت إلى مكة، أما كون الإنسان يكون بمكة ثم يتردد بين التنعيم والكعبة، ويأتي بعمرات فيقول: أنا اعتمرت في اليوم خمس مرات أو أربع مرات، فهذا لم تأت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في حق عائشة ولظرف خاص بها، فكون الإنسان يتردد بين الكعبة والتنعيم أو بين الكعبة والحل ويأتي بعمر متعددة لا نعلم شيئاً يدل عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الإنسان يكثر من الصلاة في المسجد الحرام، ويكثر من الطواف، ويكثر من قراءة القرآن، ويكثر من ذكر الله عز وجل، وهذا هو الذي يفعله الإنسان.
    حكم طواف الوداع لأهل مكة
    السؤال: إذا كنت من أهل مكة، ثم خرجت منها إلى المدينة أو إلى الرياض بدون طواف وداع لعذر ضيق الوقت أو لكثرة الزحام، فما الحكم؟


    الجواب: أهل مكة إذا أرادوا أن يخرجوا منها ليس عليهم طواف وداع.

    تقديم المستحاضة التمييز على العادة

    السؤال: إذا تعارضت العادة والتمييز للمرأة المستحاضة فأيهما تقدم؟


    الجواب: التمييز -وهو كونها تعرف اللون والرائحة- هو المقدم؛ لأن هذا شيء مشاهد ومعاين، وهو شيء حاصل، وأما العادة التي كانت تجلسها ستة أيام أو سبعة أيام قبل أن تأتيها الاستحاضة فهذه يصار إليها إذا لم يحصل تمييز للدم والرائحة؛ لأن هناك مكثاً بسبب معرفة اللون والرائحة، ومكثاً بسبب معرفة الأيام التي كانت قبل الاستحاضة، فوجود الدم بلونه ورائحته هو المعتبر، وإذا لم يوجد الدم بلونه ورائحته فيصار إلى معرفة الأيام التي كانت تحيضها قبل أن تأتيها الاستحاضة.
    الجمع بين حديث السبتيتين وحديث سماع الميت لقرع النعال
    السؤال: كيف الجمع بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يا صاحب السبتيتين اخلع نعليك فقد آذيت)، وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليسمع قرع نعالكم)؟


    الجواب: لا يوجد تنافي بين هذا وهذا؛ لأن الناس في المقابر يبدءون بحفر القبور من مكان متأخر إلى أن يصلوا إلى الباب، فالناس يقبرون في أماكن متأخرة عن الباب، ثم بعد ذلك يمشون إلى أن يصلوا إلى الباب، ومن المعلوم أنهم إذا قبروا صاحب القبر ورجعوا في هذا المكان الذي ليس فيه قبور يمشون بنعالهم، أيضاً للإنسان أن يمشي بين المقابر إذا كان هناك طريق ليس فيه قبور، وأما المشي بين المقابر ولم يكن هناك ضرورة تلجئ إليه من رمضاء أو شوك أو حصى يلحق ضرراً بالإنسان فإن على الإنسان ألا يمشي بالنعال كما جاء في حديث صاحب السبتيتين.

    حكم من حكم بغير ما أنزل الله مع علمه بحرمة ذلك

    السؤال: يقول: ما حكم من حكم بغير ما أنزل الله مع أنه عالم بأن الحكم بغير ما أنزل الله حرام، لكنه يقول: أنا أعرف أن حكم الله هو الأفضل والأنفع لعباده؛ لكنه حكم بغير ما أنزل الله لهوىً في نفسه أو انتقام من شخص؟


    الجواب: الحكم في مسألة أو في مسائل متعددة بغير ما أنزل الله مع معرفة الحاكم أنه مخطئ، وأنه مال من شخص إلى شخص؛ لا شك أن هذا كبيرة من الكبائر، وهو كفر دون كفر، وإنما يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً إذا استحله، وقال: إنه حلال، أو أن شريعة الله غير كافية أو شريعة الله لا تصلح لكل زمان، فهذا كفر مخرج من الملة، كمن لا يحكم بالشريعة لزعمه أن أحكامها لا تناسب هذا العصر، أو أن أحكامها فيها قسوة، وفيها شدة، ولا تلائم إلا الزمن الأول، فهذه ردة، وأما إذا اعتبر أنه مخطئ وأنه مذنب وأنه ظلم في قضية أو في قضايا لهوىً في نفسه على إنسان أو على أناس فهذا كفر دون كفر.
    حكم قصر الصلاة عند زيارة الأهل لمدة ثلاثة أيام في بلد الإقامة
    السؤال: إذا كنت في بلد ما ساكناً ثم أتيت إلى المدينة للدراسة، فهل عند ذهابي إلى بلدي الأول يحق لي أن أقصر الصلاة؟ علماً بأني أذهب إلى بلدي ثلاثة أيام أو أربعة فقط؟


    الجواب: بلدك الأول الذي هو موطنك إذا رجعت إليه ولو مكثت أدنى مدة فأنت مقيم فيه؛ لأنه بلدك وموطنك، وأنت ما هجرته، فما دام أنه لم يحصل هجران لذلك البلد فهو يعتبر بلدك، وما دام أهلك فيه وأنت تذهب إلى أهلك وتزورهم، فأنت من أهل ذلك البلد، وإذا ذهبت إلى الدراسة أو إلى أي مكان آخر غير بلدك، وجلست فيه مدة طويلة أو قصيرة تزيد على أربعة أيام فحكمك حكم المقيمين، وإن كانت إقامتك في غير بلدك أربعة أيام فأقل فلك أن تقصر، وأما الجمع فتركه أولى في حق من كان مقيماً في حدود أربعة أيام فأقل حال السفر."





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #76
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [045]
    الحلقة (76)

    شرح سنن أبي داود [045]


    للمستحاضة أحكام كثيرة بينها أهل العلم، وهي مبنية على التخفيف والتيسير، وقد اختلف الفقهاء في بعض تلك الأحكام، ومعرفة الصحيح من الضعيف من الأحاديث الواردة في ذلك من أسباب معرفة الصواب فيما اختلف فيه.

    من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة


    شرح حديث: (إن هذه ليست بحيضة ..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة. حدثنا ابن أبي عقيل و محمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير و عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنهما ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي. قالت عائشة : فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء) ]. هذه الترجمة معقودة لبيان أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة، وهذا على سبيل الاستحباب، والذي على سبيل الوجوب هو الوضوء لكل صلاة، وأما الاغتسال لكل صلاة فإنما هو على سبيل الاستحباب. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة في قصة أم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي زوجة عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه وعنها: (أنها استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي، فكانت تغتسل لكل صلاة) هذه الرواية عن عائشة رضي الله عنها أوردها المصنف تحت باب الاغتسال لكل صلاة، وهذا الحديث فيه أنها كانت تغتسل لكل صلاة، وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، لكن جاء في بعض الروايات الأمر بالاغتسال لكل صلاة؛ ولهذا اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إن أم حبيبة أمرت بالاغتسال الواحد الذي هو للخروج من الحيض، والذي يعتبر بمثابة الطهر للمستحاضة، فكانت تغتسل لكل صلاة من فعلها ومن اجتهادها ومن حرصها، وفي بعض الروايات: أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرها أن تغتسل لكل صلاة، فكانت تغتسل لكل صلاة، والاغتسال عند إدبار الحيض لا بد منه؛ لأنه غسل الحيض، وأما المستحب للمستحاضة فهو الاغتسال عند كل صلاة، ولا شك أن هذا فيه مشقة، وإذا فعلته المرأة فهو مستحب، وأما كونه واجباً عليها فإنه لا يجب عليها أن تغتسل عند كل صلاة. فعائشة رضي الله عنها أخبرت عنها أنها كانت تغتسل لكل صلاة، وذهب كثير من أهل العلم إلى أن هذا الاغتسال لكل صلاة إنما هو من فعلها، وليس من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لها، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه الأمر لها ولغيرها بالاغتسال لكل صلاة، ولكنه محمول على الاستحباب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن هذه ليست بحيضة ..)
    قوله: [ حدثنا ابن أبي عقيل ]. هو عبد الغني بن أبي عقيل المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود. [ و محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ وعمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقول عائشة رضي الله عنها: (فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء) سبق أن مر حديثها بهذا اللفظ، وأنها كانت تغتسل في حجرة أختها زينب بنت جحش في مركن، والمركن هو: إناء أو وعاء كبير.

    شرح حديث: (فكانت تغتسل لكل صلاة ..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن عن أم حبيبة رضي الله عنها بهذا الحديث، قالت عائشة رضي الله عنها: (فكانت تغتسل لكل صلاة) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق عمرة عن أم حبيبة وفي آخره قالت عائشة : (فكانت تغتسل عند كل صلاة). ويمكن أن يكون قوله: (عن أم حبيبة رواية، ويمكن أن يكون عن قصة أم حبيبة أو في أمر أم حبيبة ، وسبق أن هذا إنما هو من فعلها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (فكانت تغتسل لكل صلاة)
    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد، وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [حدثنا يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب قال: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن عن أم حبيبة ]. ابن شهاب و عمرة تقدم ذكرهما، و أم حبيبة هي أخت زينب بنت جحش ، وهي صحابية، أخرج حديثها البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .

    شرح حديث: (إن هذه ليست بحيضة من طريق ثانية وتراجم رجال إسنادها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال: حدثني الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. قال فيه: (فكانت تغتسل لكل صلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث عن عائشة من طريق أخرى، وإسناده مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ]. يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثني الليث بن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ]. هؤلاء قد مر ذكرهم.

    اختلاف الرواة في حديث: (إن هذه ليست بحيضة ...)
    [ قال أبو داود : رواه القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها، وكذلك رواه معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وربما قال معمر : عن عمرة عن أم حبيبة رضي الله عنها بمعناه. وكذلك رواه إبراهيم بن سعد و ابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل، وكذلك رواه الأوزاعي أيضاً قال فيه: قالت عائشة : (فكانت تغتسل لكل صلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الطرق وفي بعضها عن عائشة ، وفي بعضها عن عائشة عن أم حبيبة ، والمشهور في الرواية أنها عن عائشة، و أم حبيبة هي صاحبة القصة، و عائشة تحدث بذلك عما أفتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ رواه القاسم بن مبرور ]. القاسم بن مبرور صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عمرة عن عائشة عن أم حبيبة ]. هؤلاء مر ذكرهم. [ وكذلك رواه معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة ، وربما قال معمر : عن عمرة عن أم حبيبة بمعناه ]. وهذا الإسناد مثل إسناد القاسم بن مبرور ، هذا قال: عن عمرة عن عائشة ، و معمر ، يقول: عن عائشة وربما قال: عن أم حبيبة ، وكلهم يروي ذلك عن الزهري . [ وكذلك رواه إبراهيم بن سعد و ابن عيينة ]. هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و ابن عيينة هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن عمرة عن عائشة ، وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل إن النبي صلى الله عليه وآلة وسلم أمرها أن تغتسل، وكذلك رواه الأوزاعي أيضاً قال فيه: قالت عائشة (فكانت تغتسل لكل صلاة) ]. الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين ...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي حدثني أبي عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عروة و عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة: (أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل، فكانت تغتسل لكل صلاة) ]. هذا الحديث مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ]. هو محمد بن إسحاق بن محمد المسيبي ، وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثني أبي]. هو إسحاق بن محمد المسيبي ، وهو صدوق في حديثه لين، أخرج له أبو داود وحده. [ عن ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ]. هؤلاء مر ذكرهم.

    شرح حديث: (أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين ...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بالغسل لكل صلاة) وساق الحديث ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى، ولكن فيه ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرها بالغسل لكل صلاة، فكانت تغتسل لكل صلاة، يعني: أنها عملت بالشيء الذي أمرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي مضى فيه قول عائشة : (إنها كانت تغتسل لكل صلاة)، وهنا ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة، وساق الحديث، فكانت تغتسل لكل صلاة، فتكون قد أمرت ونفذت الأمر. قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عبدة ]. هو عبدة بن سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري عن عروة عن عائشة ]. وهؤلاء قد مر ذكرهم جميعاً.

    شرح حديث: (استحيضت زينب بنت جحش ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه أبو الوليد الطيالسي ولم أسمعه منه عن سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (استحيضت زينب بنت جحش رضي الله عنها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلي لكل صلاة) وساق الحديث. قال أبو داود : ورواه عبد الصمد عن سليمان بن كثير قال: (توضئي لكل صلاة)، قال أبو داود : وهذا وهم من عبد الصمد ، والقول فيه قول أبي الوليد ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه: أن زينب بنت جحش هي التي استحيضت، وأمرها أن تغتسل لكل صلاة، وساق الحديث، والقصة لأم حبيبة، وليست لزينب ، فيكون ذكر زينب وهم، والصواب: أنها أم حبيبة بنت جحش ؛ لأنها هي التي استحيضت، وأما زينب بنت جحش زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يثبت أنها كانت مستحاضة. [ قال أبو داود : ورواه أبو الوليد الطيالسي ولم أسمعه منه ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: (ولم أسمعه منه) يفيد أن بينه وبينه واسطة؛ لأنه قال: لم أسمعه منه. [ عن سليمان بن كثير ]. سليمان بن كثير لا بأس به في غير الزهري ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن عروة عن عائشة ]. هؤلاء مر ذكرهم. [ قال أبو داود : ورواه عبد الصمد عن سليمان بن كثير ]. عبد الصمد بن عبد الوارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و سليمان بن كثير قد مر ذكره. قوله: [ (توضئي لكل صلاة) قال أبو داود : وهذا وهم من عبد الصمد ، والقول فيه قول أبي الوليد ]. لفظه هنا: (توضئي لكل صلاة)، واللفظ الذي مر في رواية أبي الوليد ، وكذلك اللفظ الذي مر في الحديث السابق فيه: (أمرها أن تغتسل لكل صلاة)، فيقول أبو داود : إن ذكر التوضؤ هنا في هذا الحديث وهم، وإنما الصواب ما ذكره أبو الوليد أنه أمرها بالاغتسال وليس بالتوضؤ، لكن التوضؤ جاء في أحاديث أخرى ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستأتي، وسيأتي لها ترجمة خاصة.

    شرح حديث: (... إنما هو عرق أو قال: عروق)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أنه قال: (أخبرتني زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما أن امرأة كانت تهرق الدم، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي). وأخبرني أن أم بكر أخبرته أن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر: إنما هي، أو قال: إنما هو عرق أو قال: عروق) ]. هذا من الأحاديث الدالة على أن الأمر بالاغتسال لكل صلاة إنما هو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء في الروايات الأخرى أنها كانت تغتسل، فيها اختصار، فبعضهم ذكر ما جاء في الآخر، وبعضهم ذكر ما جاء في الأول، فهي مأمورة، والآمر لها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نفذت، فجاء في بعض الروايات حكاية التنفيذ، وجاء في بعضها حكاية الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إنما هو عرق أو قال: عروق)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ]. عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو والد عبد الصمد الذي سبق أن مر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسين ]. هو الحسين بن ذكوان المعلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. [ أخبرتني زينب بنت أبي سلمة ]. زينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. قوله: [ وأخبرني أن أم بكر أخبرته أن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر: (إنما هي، أو قال: إنما هو عرق، أو قال: عروق) ]. يحيى بن أبي كثير هو الذي روى عن أبي سلمة عن زينب في الطريق الأولى، وروى أبو سلمة عن أم بكر أن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر -يعني: ترى دماً بعد الطهر- قال: (إنما ذلك عرق) يعني: إذا تجاوز الدم ما كانت تعتاده المرأة، فإن هذا يكون عرقاً، ويكون استحاضة، ولا يعتبر عادة، فإن ذلك لا يؤثر عليها ما دام أن عادتها مستقرة، وتعرف الأيام، وتعرف اللون والدم، فما زاد على ذلك يعتبر استحاضة ولا يعتبر حيضاً. [ وأخبرني أن أم بكر ]. يعني: أن أبا سلمة أخبر يحيى بن أبي كثير عن أم بكر ، وهي مجهولة لا تعرف، أخرج حديثها أبو داود و ابن ماجة . [ عن عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها. [ قال أبو داود : وفي حديث ابن عقيل الأمران جميعاً ]. حديث ابن عقيل هو الذي سبق أن مر، وهو حديث حمنة ، وفيه الأمران جميعاً، يعني: الاغتسال لكل صلاة، والجمع بين الصلاتين، ولكن حديث ابن أبي عقيل الذي سبق أن مر ليس فيه ذكر الاغتسال لكل صلاة، وإنما فيه ذكر الاغتسال ثلاث مرات: عندما تجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر، فتغتسل ثلاثة أغسال، وليس فيه الاغتسال لكل صلاة، اللهم إلا أن يكون جاء ذلك في طريق أخرى أو في رواية أخرى. قال: [ وفي حديث ابن عقيل الأمران جميعاً، وقال: (إن قويت فاغتسلي لكل صلاة وإلا فاجمعي) ]. حديث حمنة السابق الذي فيه عبد الله بن محمد بن عقيل ليس فيه ذكر الاغتسال لكل صلاة، ولكن فيه ذكر الاغتسال في الأحوال الثلاث، وهي الحالة الثانية التي قالت: وهو أعجب إلي، أو التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: (وهو أعجب الأمرين إلي). [ كما قال القاسم في حديثه ]. القاسم هذا يحتمل أن يكون القاسم بن محمد بن أبي بكر وحديثه سيأتي، وفيه ذكر الجمع بين الاغتسال لكل صلاة، وكذلك الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فتغتسل عند كل صلاتين غسلاً واحداً، وتغتسل عند صلاة الفجر غسلاً واحداً، فإن كان يريد بالقاسم القاسم بن محمد فحديثه سيأتي، وإن كان يريد القاسم الذي روى الحديث في قصة حمنة الذي فيه عبد الله بن محمد بن عقيل والذي فيه الجمع فيحتمل أنه شخص آخر، وصاحب عون المعبود قال: يحتمل أن يكون هو القاسم بن مبرور . [ وقد روي هذا القول عن سعيد بن جبير عن علي و ابن عباس رضي الله عنهما ]. يعني: قضية الاغتسال لكل صلاة، وكذلك الجمع بين الصلاتين.

    شرح حديث: (استحيضت امرأة على عهد رسول الله فأمرت أن تعجل العصر ..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلاً. حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت أن تعجل العصر، وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلاً، وأن تؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلاً، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً). فقلت لعبد الرحمن : أعن النبي صلى الله عليه وآله سلم؟ فقال: لا أحدثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء ]. أورد أبو داود رحمه الله باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لها غسلاً، يعني: للصلاتين، وسبق أن مر حديث في الجمع بين الصلاتين والاغتسال لهما غسلاً، ولكن المصنف رحمه الله كعادته يأتي بالتراجم المتنوعة، ويأتي بالأحاديث للاستدلال على الترجمة، وإن كان سبق أن مر الاستدلال بالحديث على أمور أخرى متقدمة، وقد مر في مواضع عديدة ذكر الاغتسال للظهر والعصر، وللمغرب والعشاء، وللفجر أي: الاغتسال ثلاث مرات في اليوم والليلة. قوله: [ (استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرت أن تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلاً، وأن تؤخر المغرب وتعجل العشاء وأن تغتسل لهما غسلاً، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً) هذا فيه ما ترجم له من ذكر الجمع بين الصلاتين، ثم قال في آخره: (قال شعبة : قلت لعبد الرحمن : أعن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا أحدثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء)، وفي بعض النسخ: (لا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء)، ولكن في بعضها: (إلا بشيء). فتكون (بشيء) متعلقة بأحدثك، يعني: لا أحدثك بشيء إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل ذكر الاستفهام جاء لأنه قال فيه: (أُمرت)، ولم ينص أن الآمر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الصحابي إذا قال: أُمرنا، أو نُهينا فالآمر والناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا من زيادة التوثق في الرواية والتحقق من رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن الآمر والناهي عندما يسند الصحابة الأمر إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (استحيضت امرأة على عهد رسول الله فأمرت أن تعجل العصر ...)

    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن القاسم ]. هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة مر ذكرها.

    شرح حديث: (أن سهلة بنت سهيل استحيضت)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن سهلة بنت سهيل استحيضت فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح). قال أبو داود : ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: (أن امرأة استحيضت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها) بمعناه ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو (أن سهلة بنت سهيل استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل لكل صلاة، فلما جهدها ذلك -يعني: شق عليها- أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر وتغتسل لهما غسلاً، وتجمع بين المغرب والعشاء وتغتسل لهما غسلاً، وتغتسل للصبح غسلاً) وهذا هو حديث القاسم الذي سبقت الإشارة إليه في قصة اغتسال المستحاضة وكونها تجمع بين الصلاتين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن سهلة بنت سهيل استحيضت ...)
    قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى ]. هو عبد العزيز بن يحيى الحراني ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثني محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن، وهذا هو الذي ذكرت أنه يأتي اسمه مطابق لمحمد بن سلمة المصري ، فهذا حراني، وذاك مصري، والمصري الذي مر آنفاً هو من شيوخ أبي داود وأما الباهلي الحراني فهو من طبقة شيوخ شيوخه، يعني: لا يروي عنه إلا بواسطة، فإذا جاء محمد بن سلمة وهو من شيوخ أبي داود فالمراد به المصري ، وإذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ شيوخه فالمراد به الحراني ، هذا الذي معنا في الإسناد. [ عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ]. هؤلاء مر ذكرهم جميعاً. [ قال أبو داود : ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: (أن امرأة استحيضت) ]. هذا مثل الذي قبله، فالقاسم بن محمد هو الذي قال: (أن امرأة استحيضت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهو مرسل.
    شرح حديث: (... سبحان الله! إن هذا من الشيطان ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن سهيل -يعني ابن أبي صالح - عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله! إن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها استحيضت منذ كذا وكذا، فلم تصل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! إن هذا من الشيطان، لتجلس في مركن، فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلا ًواحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً وتغتسل للفجر غسلاً واحداً، وتتوضأ فيما بين ذلك) ]. أورد أبو داود حديث أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها في قصة فاطمة بنت أبي حبيش ، وفيه أن أسماء بنت عميس سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما حصل لفاطمة بنت أبي حبيش ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لتجلس في مركن، فإذا رأت الصفرة فوق الماء، فلتغتسل للظهر والعصر غسلا ًواحداً) يعني: أنها إذا انتهى الحيض فإنها تكون بعد ذلك في حكم الطاهرات؛ لأنه قد انتهى زمن الحيض، وذلك يعرف إما بلونه إذا كانت تعرف اللون والرائحة، أو بانتهاء الأيام التي كانت تعرفها، وقيل: إن المقصود بقوله: (فإذا رأت الصفرة) أن هذا علامة على أن الحيض قد انتهى؛ لأن دم الحيض لا يكون فيه صفرة، وإنما يكون فيه السواد والغلظة، فيكون ذلك علامة على أن حيضها قد انتهى ؛ لأنها وجدت الصفرة عندما اغتسلت، فعندما يكون الأمر كذلك تكون قد طهرت، فتغتسل وتجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وتصلي صلاة الفجر في وقتها، وتغتسل ثلاثة أغسال، ففيه ما ترجم له المصنف، وهو الجمع بين الصلاتين للمستحاضة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. قوله: [ (إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! إن هذا من الشيطان) معناه: كأنه مضى عليها وقت وهي على هذه الحالة، وهي تظن أنها حائضة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل إذا رأت الصفرة فوق الماء؛ لأن هذا معناه: أنه ذهب عنها الحيض، وصارت مستحاضة. وقوله: (وتتوضأ فيما بين ذلك) قيل: معناه بين الصلاتين التي تجمعهما، وقيل: المقصود: بين الحيضتين؛ لأن المرأة في حال حيضها ليس عليها وضوء، وإنما الوضوء في حال الطهر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... سبحان الله! إن هذا من الشيطان ..)
    قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل يعني ابن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و البخاري روى له مقروناً وتعليقاً. [ عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس ]. هي أسماء بنت عميس الخثعمية ، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. وهي كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، ثم تزوجها بعد ذلك أبو بكر الصديق، ثم تزوجها علي ، وقد ولدت لهم جميعاً. [ قال أبو داود : رواه مجاهد عن ابن عباس : (لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين) ]. مجاهد هو ابن جبر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال: (لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين) ] يعني: أمرها أن تجمع بين الصلاتين لما اشتد عليها الغسل خمس مرات. [ قال أبو داود : رواه إبراهيم عن ابن عباس ]. إبراهيم هو النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهو قول إبراهيم النخعي و عبد الله بن شداد ]. عبد الله بن شداد من ثقات التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و إبراهيم النخعي أدرك زمن ابن عباس ، فقد توفي ابن عباس سنة (68هـ) بالطائف، وتوفي النخعي سنة (96هـ) وهو ابن خمسين سنة أو نحوها، فيكون عمره يوم وفاة ابن عباس (28) سنة تقريباً. وذكر في (تهذيب التهذيب) أنه لم يسمع من ابن عباس ، ومعنى هذا: أنه قد يكون روى عنه مرسلاً، وهو كثير الإرسال، فيمكن أنه يروي عنه مرسلاً، وقد رجعت إلى (تهذيب التهذيب) وفيه: ولم يسمع من ابن عباس ، ولم يسمع من فلان، ولم يسمع من فلان من الصحابة. وهذا معناه أنه يرسل عنهم، فيكون هناك واسطة بينه وبينهم، فهو منقطع. وإبراهيم النخعي عندما يأتي في الأسانيد وفي الرجال أو في كتب الفقه أو في كتب الحديث قد يقولون: إبراهيم ، وهو إبراهيم النخعي ، وغالباً ما يأتي ذكره بدون نسبته؛ لأنه مشهور بهذا.
    الأسئلة


    حكم رفع الأيدي في تكبيرات صلاة العيدين والاستسقاء
    السؤال: هل ترفع الأيدي في تكبيرات صلاة العيدين؟

    الجواب: لا أعلم شيئاً يدل على ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك في صلاة الاستسقاء.

    حكم العزل
    السؤال: في أي الأحول يجوز العزل؟ وهل يجوز في كل حال؟

    الجواب: يقول العلماء: لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، وكانوا يعزلون عن الإماء خشية أن يحملن فيصرن أمهات أولاد، وأم الولد هي: الأمة إذا حملت من سيدها، فإذا ولدت صارت أم ولد، لا تباع، فكانوا يريدون أن يستمتعوا بهن ولا يريدون أن يحملن حتى يتمكنوا من الاستفادة من بيعهن، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على جواز العزل، كما جاء عن أبي سعيد رضي الله عنه: (كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن)، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من كل المني يكون الولد) رواه مسلم ، ومعناه: أن الله عز وجل إذا قدر مجيء الولد جاء ولو وجد العزل؛ وذلك بأن تنطلق قطرة من غير اختيار الإنسان، وكما يقولون: الحرص يفوت على الحريص الشيء الذي كان يريده، فيحصل الشيء الذي قدره الله؛ لأن الولد لا يأتي من مجموع المني، وإنما يأتي من نطفة واحدة، فقد تنطلق نطفة واحدة ممن يريد أن يعزل فيحصل الولد الذي أراده الله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

    هل ولد للنبي ولد في الجاهلية اسمه عبد العزى؟
    السؤال: هل كان للنبي صلى الله عليه وسلم ولد من خديجة رضي الله عنها اسمه عبد العزى ؟ فقد روى البخاري في التاريخ الأوسط عن ابن أبي أويس قال: حدثني أخي عن سليمان عن هشام بن عروة أنه قال: ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة بمكة عبد العزى و القاسم ؟

    الجواب: هذا الإسناد معضل، فهناك واسطة بين هشام والصحابة، فهو يروي عن عروة ، و عروة يروي عن الصحابة، فسقط من إسناده اثنان.

    حكم جمع المستحاضة للصلاتين بدون حاجة
    السؤال: هل للمستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بدون حاجة؟


    الجواب: الذي يظهر أنه جاء في بعض الروايات (للمشقة)، فالمستحاضة الأحوط لها ألا تجمع إلا إذا كانت محتاجة إلى ذلك بسبب المشقة عليها أو بسبب ما تعانيه من ضرر؛ ولهذا رأى العلماء أن المريض يجمع استناداً إلى حديث المستحاضة؛ لأنها تعتبر مريضة، والمريض لا يجمع إلا إذا حصلت له مشقة.


    حكم تقبيل يد أم الزوجة أو جبينها

    السؤال: هل يجوز للرجل أن يقبل يد أم زوجته أو جبينها أو يعانقها عند السفر؟


    الجواب: له أن يقبل رأسها، ولا يقبل جبينها، ولا يقبل يدها، ولكن يقبل رأسها فوق الخمار.
    حكم خروج المني من فرج المرأة بعد اغتسالها من الجنابة
    السؤال: أحياناً يخرج من فرج المرأة مني زوجها بعد فراغها من غسل الجنابة، فماذا تفعل؟ الجواب: لا تعيد الغسل، والذي ينبغي لها أن تصبر مدة للاغتسال، وإذا خرج شيء بعد ذلك فليس عليها غسل، لكن تحتاج إلى إعادة الوضوء؛ لأن كل ما يخرج من السبيلين ناقض للوضوء، وخروج المني الذي يوجب الاغتسال هو ما خرج بتدفق ولذة.

    حكم قصر المسافر إذا نوى البقاء أكثر من أربعة أيام
    السؤال: أشهد الله أنني أحبكم في الله. المسافر إذا نوى البقاء أكثر من أربعة أيام هل له أن يقصر خلال تلك الأيام الأربعة إذا فاتته الجماعة؟


    الجواب: نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتحابين فيه، وأن يوفقنا جميعاً لما يرضيه. المسافر إذا مكث أكثر من أربعة أيام فإن حكمه حكم المقيمين، أما أربعة أيام فأقل فإن حكمه حكم المسافر؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام حجة الوداع في اليوم الرابع، ومكث فيها أربعة أيام ينتظر الحج، ولما جاء الحج ذهب منها إلى منى، وكان في تلك المدة يقصر، وهذه إقامة محققة هنا؛ لأنه ينتظر الحج، ولم يأت أكثر من هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام إقامة محققة يعلم أنه سيبقاها من حين وصوله إلى ذلك التاريخ إلا في هذه المسألة، أما غيرها من الأوقات الأخرى في تبوك وما إلى ذلك فليس في شيء منها ما يدل على أنه أقام إقامة محققة، ومن المعلوم أن المسافر إذا كان متردداً في بلد لا يدري متى تنتهي حاجته، ولا يدري متى يغادر ذلك البلد، فله أن يقصر ما دام أنه لم يعزم على إقامة أربعة أيام، فالذي ثبت أنه أقام إقامة محققة هو أربعة أيام في حجة الوداع، فمن زاد على أربعة أيام يكون حكمه حكم المقيمين، ومن أقام دونها فإن حكمه حكم المسافر. وفي فتح مكة أقام النبي صلى الله عليه وسلم بها سبعة أيام، لكن لا يوجد ما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل مكة وهو يريد أن يبقى هذه المدة، وإنما كان متردداً، وهكذا كان يقصر الصلاة وهو مقيم في تبوك.

    حكم صوم المسافر للنافلة
    السؤال: هل الأولى للمسافر الفطر أم صوم النافلة؟


    الجواب: الأولى للمسافر إذا كان عليه مشقة أن يفطر، سواء كان في صوم نافلة أو فريضة.
    حكم قبول هدية الطعام
    السؤال: هل للشخص إذا أهدي له طعام أن يرده أو يقبله؟

    الجواب: إذا كان الطعام الذي أهدي له ليس فيه محظور، ولا فيه إشكال؛ فالأولى أن يقبله، وإذا كان ليس بحاجة إليه فليعطه غيره.

    حكم اغتسال المستحاضة لكل صلاة
    السؤال: قال الحافظ رحمه الله: يحمل الأمر -أي: أمر المستحاضة بالاغتسال لكل صلاة- على الندب جمعاً بين الروايتين، ألا يمكن أن يكون هذا الجمع وجيهاً جمعاً بين الروايات؟


    الجواب: نعم، فالصارف للأمر عن الوجوب أنه جاء ما يدل على أنها تتوضأ، فالغسل عليها ليس بلازم.


    سبب عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالقضاء لما فاتها من الصلاة

    السؤال: في الحديث الأخير لماذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بقضاء الصلاة؟
    الجواب: لأنها مضى عليها فترة طويلة جداً، والقضاء يشق عليها، وهذا مثل حديث الذي أساء في صلاته؛ فإنه لم يأمره أن يعيد الصلوات التي مضت عليه، مع أمره بإعادة تلك الصلاة النافلة، ولكن الصلوات التي مضت عليه لم يأمره أن يعيدها، فهذا من جنسه، فإذا كانت المدة طويلة جداً فلا قضاء؛ للمشقة الشديدة."



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #77
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [046]
    الحلقة (77)

    شرح سنن أبي داود [046]


    الحيض دم جبلة وطبيعة يخرج من المرأة دورياً، وعنده تمتنع المرأة من بعض العبادات، لكن قد تمرض المرأة فيخرج منها دم غير دم الحيض يستمر أشهراً أو أكثر، وهو ما يسمى بالاستحاضة، وعندئذ قد لا تميز المرأة بين دم الحيض ودم الاستحاضة، ولكن قد بينت السنة النبوية ما تفعله المستحاضة وما تتركه.

    من قال تغتسل المستحاضة من طهر إلى طهر


    شرح حديث: (المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر. حدثنا محمد بن جعفر بن زياد قال، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي والوضوء عند كل صلاة) قال أبو داود : زاد عثمان : (وتصوم وتصلي) ]. هذا باب من قال إن المستحاضة تغتسل من طهر إلى طهر يعني: أنها تغتسل غسلاً واحداً، وهو الغسل الذي تتطهر به من الحيضة، وتقبل على الطهر الذي هو استحاضة بدون حيض؛ لأن المستحاضة عندما يأتيها الحيض يجتمع دم الاستحاضة ودم الحيض، وإذا انتهى زمن الحيض بقي دم الاستحاضة فقط، وهو دم الفساد الذي يخرج منها باستمرار، وهو لا يمنعها من الصلاة والصيام وسائر الأعمال التي تفعلها الطاهرات، هذا هو المقصود بالترجمة. قوله: (تغتسل من طهر إلى طهر) يعني: أنه لا يجب عليها إلا غسل واحد، وهو الاغتسال الذي يكون عند إدبار حيضها، فإنها تغتسل لانتهاء الحيض منها، هذا هو الواجب، والأغسال الأخرى التي تكون عند كل صلاة وغيرها مندوبة مستحبة، وأما الغسل المتعين الواجب اللازم الذي لا بد منه فهو غسل الحيض، وهو الذي يكون عند إدبار حيضها، وانقطاع الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة، ثم بقاء ذلك الدم الذي هو دم الاستحاضة والذي هو دم عرق وفساد. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها) يعني:
    أيام حيضها، فإذا كانت مميزة فعلامته إقبال الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة، فإذا انتهى ذلك الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة تغتسل من الحيض، وإذا كانت غير مميزة ولكنها تعرف عادتها قبل أن تأتيها الاستحاضة، كأن كانت تعرف أنها تأتيها خمسة أيام -مثلاً- من أول الشهر؛ فإنها تجلس خمسة أيام من أول الشهر، يعني: نفس الأيام التي كانت تجلسها، فإذا انتهت الأيام اغتسلت غسل الحيض، وما عدا ذلك من الأغسال عند كل صلاة أو غير ذلك ليس بواجب. وقوله: (ثم تغتسل وتصلي) هذا هو محل الشاهد للترجمة، فهو يدل على الغسل من طهر إلى طهر يعني: إذا طهرت اغتسلت وجوباً، ولا يجب عليها أن تغتسل إلا بعد مجيء الطهر الآخر، لكن لو جامعها زوجها فإنه يجب عليها أن تغتسل، ولو احتلمت فيجب عليها أن تغتسل؛ لأن هذا غسل وجد سببه، لكن حيث لا يوجد سبب يوجب الغسل كالجماع أو الاحتلام فإن الذي عليها إنما هو غسل الحيض. وقوله:
    (والوضوء عند كل صلاة) أي: أنها عند كل صلاة تتوضأ لزوماً، ولكن الغسل ليس لازماً، ولكنه مندوب إليه ومستحب. [ قال أبو داود زاد عثمان : (وتصوم وتصلي) ] يعني: أنها في تلك المدة تصلي وتصوم، فزاد فيه الصيام، والأول قال: (تغتسل وتصلي)، ومن المعلوم أن كل الأعمال التي هي مطلوبة من الطاهرات يسوغ لها أن تفعلها، فالطاهرات يصلين ويصمن ويحججن ويقرأن القرآن، ويجامعهن أزواجهن، ويمسسن المصاحف، وما إلى ذلك من الأمور التي هي سائغة في حق الطاهرات، وكذلك يسوغ للمستحاضة ذلك، وهذا مرض ودم فساد، وأما الدم الذي يكون منه المنع فهو دم الطبيعة الذي هو دم الحيض.
    تراجم رجال إسناد حديث: (المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها)
    قوله: [ حدثنا محمد بن جعفر بن زياد ]. محمد بن جعفر بن زياد ثقة أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ و عثمان ]. عثمان بن أبي شيبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن شريك ]. شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيرا،ً وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي اليقظان ]. وهو عثمان بن عمير ، وهو ضعيف اختلط أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عدي بن ثابت ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. ثابت الأنصاري ، وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن جده ]. قيل: إنه دينار ، وقيل: إنه جده لأمه عبد الله بن يزيد ، وقيل غير ذلك، وهو مختلف فيه. الحديث فيه شريك القاضي وهو يخطئ كثيراً، وفيه ذلك الضعيف الذي هو أبو اليقظان ، ولكن معناه جاء في روايات صحيحة وثابتة، ومنها الوضوء عند كل صلاة، وقد ذكر الحافظ في بلوغ المرام أن في راوية البخاري : (وتوضئي عند كل صلاة)، فالوضوء عند كل صلاة ثابت، وهذا الحديث قد جاء من طرق، والشيخ الألباني صحح الحديث بالشواهد، وإلا فإنه من حيث الإسناد فيه أبو اليقظان وهو مجهول، وفيه شريك النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، والأشد أن فيه ذلك المجهول.
    شرح حديث: (توضئي لكل صلاة وصلي)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر خبرها وقال: ثم اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة وصلي) ] . ذكر المصنف حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها وفيه قصتها التي تكررت وجاءت مراراً، وهي أنها كانت تستحاض، وأنها سألت الرسول أو سأله غيرها لها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأن تغتسل وتصلي عند إدبار الحيض، وتتوضأ لكل صلاة، وهذا مثل ما أشرت إليه في الحديث السابق من أن الوضوء لكل صلاة جاء في روايات متعددة وفي أحاديث متعددة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (توضئي لكل صلاة وصلي)
    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. وهو سليمان بن مهران الكاهلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب بن أبي ثابت ]. وهو ثقة كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أنزل الله تعالى في براءتها مما رميت به من الإفك آيات تتلى في سورة النور، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس بن مالك و جابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة.
    شرح حديث: (المستحاضة تغتسل مرة واحدة)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي حدثنا يزيد عن أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج عن أم كلثوم عن عائشة رضي الله عنها في المستحاضة تغتسل -يعني: مرة واحدة- ثم توضأ إلى أيام أقرائها ]. أورد أبو داود الأثر عن عائشة رضي الله عنها أن المستحاضة تغتسل مرة واحدة، يعني: عند انتهاء الحيض أو عند إدبار الحيض، وتتوضأ إلى أيام أقرائها يعني: أنها تتوضأ عند كل صلاة إلى أن يأتيها الحيض مرة أخرى.
    تراجم رجال إسناد حديث: (المستحاضة تغتسل مرة واحدة)
    قوله: [ حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا يزيد ]. يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب بن أبي مسكين ]. أيوب بن أبي مسكين أبو العلاء الواسطي ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [عن الحجاج ]. الحجاج بن أرطأة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أم كلثوم ]. أم كلثوم الليثية المكية ولم يذكر الحافظ عنها شيئاً، أخرج حديثها أبو داود و الترمذي و النسائي في عمل اليوم والليلة . وهذا الأثر عن عائشة مطابق للروايات الأخرى الثابتة الصحيحة في أن المرأة المستحاضة تغتسل عند إدبار حيضها، وأنها تتوضأ لكل صلاة، والاغتسال مستحب لها وليس بواجب.
    ذكر حديث (المستحاضة تغتسل مرة واحدة) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي حدثنا يزيد عن أيوب أبي العلاء عن ابن شبرمة عن امرأة مسروق عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى عن عائشة ، وهو مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: مثله، أي: مثل ذلك الذي مرّ موقوفاً على عائشة .
    الخلاف في إثبات الوضوء لكل صلاة في حديث المستحاضة
    [ قال أبو داود : وحديث عدي بن ثابت ، و الأعمش عن حبيب ، و أيوب عن أبي العلاء كلها ضعيفة لا تصح ]. أبو داود رحمه الله بعدما ذكر تلك الأحاديث المرفوعة قال: إنها كلها ضعيفة لا تصح، ثم بين الوجه في ذلك وهو أنه اختلف على عدي بن ثابت في رفعها وفي وقفها، وقال: إن الذي صح عنده أنها موقوفة، وليست مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ وحديث عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت هو الأول. [ والأعمش عن حبيب ] هو الثاني. [ وأيوب أبي العلاء ]. وأيوب أبو العلاء وهو الأخير، فرواه أحمد بن سنان القطان ، عن يزيد بن هارون ، عن أيوب أبي العلاء ، يعني: فهذه الثلاثة المرفوعة كلها يضعفها أبو داود ، وبعض أهل العلم يصححها، ويجعل بعضها يشهد لبعض، فإن الوضوء لكل صلاة جاء في غيرها. قوله: [ كلها ضعيفة لا تصح، ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب هذا: الحديث أوقفه حفص بن غياث عن الأعمش . وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعاً ]. يعني: حتى ابن غياث أنكر أن يكون مرفوعاً، وهو أحد رواته، وحفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب. قوله: [ وأوقفه أيضاً أسباط ]. أسباط هو ابن محمد بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، ضعف في الثوري ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ وأوقفه أيضاً أسباط عن الأعمش موقوف عن عائشة ].
    وهذا أيضاً وجه آخر لتضعيفه، وهو: أنه موقوف. [ قال أبو داود : ورواه ابن داود عن الأعمش مرفوعاً أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة ]. أوله هو أن تدع الصلاة أيام أقرائها، وآخره هو الوضوء عند كل صلاة، فجاء أوله مرفوعاً من طريق ابن داود ، وهو عبد الله بن داود القريبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، يروي عن الأعمش . وفي الحديث: أنها تترك الصلاة، وتغتسل وتصلي، وتتوضأ لكل صلاة، وعقب الراوي بقوله: ليس فيه تتوضأ لكل صلاة. إذاً: الرواية التي ذكرها عن طريق ابن داود فيها أول الحديث مرفوعاً، وأنكر أن يكون فيه (تتوضأ لكل صلاة) الذي هو آخر الحديث. قوله: [ ودل على ضعف حديث حبيب هذا: أن رواية الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قد كانت تغتسل لكل صلاة في حديث المستحاضة) ]. يعني ما ذكرت الوضوء عند كل صلاة، وإنما ذكرت الغسل عند كل صلاة.

    ذكر من روى أن المستحاضة تغتسل كل يوم مرة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواية داود وعاصم ، عن الشعبي ، عن قمير ، عن عائشة رضي الله عنها: (تغتسل كل يوم مرة) ]. داود هو ابن أبي هند ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. وعاصم هو ابن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن الشعبي ، عن قمير ، عن عائشة ]. وقد مر ذكرهم. [ تغتسل كل يوم مرة ] يعني: هذا فيه أن الاغتسال كل يوم مرة. [ وروى هشام بن عروة ، عن أبيه: (المستحاضة تتوضأ لكل صلاة) ]. يعني: هذا أثر عن عروة . قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهذه الأحاديث كلها ضعيفة، إلا حديث قمير ، وحديث عمار مولى بني هاشم ، وحديث هشام بن عروة عن أبيه، والمعروف عن ابن عباس الغسل ]. هذه المستثناة آثار وليست أحاديث، لكن قضية الوضوء عند كل صلاة ثابت، وقد جاء في صحيح البخاري ، وجاء في غيره، وهذه الأحاديث التي ضعفها أبو داود قد صححها غيره، واعتبروا مجموع تلك الأحاديث يؤدي إلى شيء واحد، وهو: أن الوضوء لكل صلاة لابد منه. عبد الملك بن أبي سليمان ، هو ابن ميسرة و ابن أبي سليمان ، ابن ميسرة هو أبو سليمان ؛ لأن الأول اسم أبيه، والثاني كنية أبيه. ويوجد راو آخر هو: عبد الملك بن ميسرة الهلالي ، أبو زيد العامري الكوفي الزراج ، ثقة من الرابعة، يروي عن الشعبي ، والأول أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن، وعلى كل النتيجة واحدة، سواء كان هذا أو هذا، لكن هذا لا شك أنه أقوى.
    من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر


    شرح أثر ابن المسيب: (... تغتسل من ظهر إلى ظهر ...)
    قال رحمه الله تعالى: [ باب من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، عن مالك ، عن سمي مولى أبي بكر : أن القعقاع و زيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله: كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: (تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت بثوب) ]. هذه الترجمة هي: [باب من قال تغتسل من ظهر إلى ظهر] يعني: من وقت الظهر إلى وقت الظهر. وأورد أبو داود هذا الحديث، وفيه (من ظهر إلى ظهر)، وأبو داود ذكر بعد ذلك أنه (من طهر إلى طهر) ولكن حصل زيادة النقطة فتحول الطهر إلى الظهر، ولا وجه لكون الاغتسال يكون من ظهر إلى ظهر، وإنما الاغتسال الاغتسال الواجب من الطهر إلى الطهر، وأما الأغسال المستحبة فلكل صلاة، فإن اغتسلت لكل صلاة، أو اغتسلت لبعض الصلوات، أو جمعت بين الصلاتين واغتسلت لهما غسلاً واحداً؛ فكل ذلك مندوب، وإنما الواجب هو الغسل عند الانتهاء من الحيض. وهذا الأثر عن سعيد بن المسيب أن القعقاع وزيداً أرسلا سمياً مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى سعيد بن المسيب يسأله عن المستحاضة، فقال: (تغتسل من ظهر إلى ظهر) والصواب: من طهر إلى طهر. قوله: [ وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت بثوب ]. (فإن غلبها الدم) يعني: إذا كان يخرج منها بكثرة فإنها تستثفر بثوب حتى يمنع تقاطره على جسدها وعلى ثيابها وعلى الأرض، كما مر في قصة حمنة رضي الله عنها حيث قالت: (إني أستحاض حيضة شديدة كثيرة، فوصف لها الكرسف -الذي هو القطن- فقالت: هو أكثر من ذلك. قال: شدي عليه ثوباً، قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أفج فجاً).
    تراجم رجال إسناد أثر ابن المسيب: (... تغتسل من ظهر إلى ظهر ...)
    قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن سمي مولى أبي بكر ]. سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أرسلاه إلى سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين بالاتفاق. وأبو بكر بن عبد الرحمن هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في ذلك؛ فأبو بكر هو مولى سمي ، وهو ليس من رجال الإسناد. و سمي هذا ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو بكر هو مولاه من أعلى؛ لأن المولى يكون من أسفل، ويكون من أعلى، يكون من أعلى وهو السيد، ومن أسفل هو العبد، الأعلى هو المعتِق، والأسفل هو المعتَق، وكل واحد منهما يقال له: مولى.

    ذكر اغتسال المستحاضة من ظهر إلى ظهر من طرق أخرى وبيان الغلط فيها

    [ قال أبو داود : وروي عن ابن عمر وأنس بن مالك : (تغتسل من ظهر إلى ظهر) ]. يعني: مثل ما جاء عن سعيد ، والمسألة فيها قلب، والصواب: (من طهر) ولكنه تحول إلى (ظهر)، وهذا يسمونه تصحيفاً. [ وكذلك رواه داود وعاصم عن الشعبي ، عن امرأته، عن قمير ، عن عائشة رضي الله عنها، إلا أن داود قال: (كل يوم). وفي حديث عاصم : (عند الظهر). وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء ]. داود هو ابن أبي هند ، وعاصم هو الأحول. [ عن الشعبي ]. هو عمرو بن شراحيل . [ عن امرأته ]. ما أدري ما اسمها. [ عن قمير ، عن عائشة ]. قد مر ذكرهما. قوله: [ إلا أن داود قال: كل يوم ]. يعني: أضاف من ظهر إلى ظهر كل يوم. قوله: [ وفي حديث عاصم : عند الظهر ]. يعني: أنه عند الظهر ومعلوم أن هذا كما قال أبو داود : انقلاب وتصحيف. بدل ما كانت (طهر) انقلبت إلى (ظهر)، أو تحولت إلى (ظهر)، أو صحفت إلى (ظهر). قوله: [ وهو قول سالم بن عبد الله ]. سالم بن عبد الله بن عمر ، أحد فقهاء المدينة السبعة في عهد التابعين على أحد الأقوال الثلاثة. [ والحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعطاء ]. عطاء بن أبي رباح، مكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود: قال مالك : إني لأظن حديث ابن المسيب: (من ظهر إلى ظهر) إنما هو (من طهر إلى طهر)، ولكن الوهم دخل فيه، فقلبها الناس فقالوا: (من ظهر إلى ظهر). ورواه مسور بن عبد الملك بن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع قال فيه: (من طهر إلى طهر) فقلبها الناس: (من ظهر إلى ظهر) ]. مسور مقبول، أخرج له أبو داود وحده.
    من قال تغتسل المستحاضة كل يوم مرة ولم يقل عند الظهر


    شرح أثر علي: (المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال تغتسل كل يوم مرة ولم يقل عند الظهر. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الله بن نمير عن محمد بن أبي إسماعيل -وهو محمد بن راشد -، عن معقل الخثعمي ، عن علي رضي الله عنه قال: (المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم، واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت) ]. قال في الترجمة السابقة: كل يوم مرة ولكن من الظهر إلى الظهر. وهنا قال: (كل يوم مرة) ولم يقل: من الظهر إلى الظهر، وإنما أطلق. وكلمة (من قال) في هذه التراجم هو رأي، وليس رواية؛ لأنهم قالوا: إنها تغتسل من كذا إلى كذا؛ يعني: من ظهر إلى ظهر، ولا توجد هنا رواية مرفوعة مثل التراجم التي سبقت، وكأن المقصود بها من قال رأياً، يعني قاله برأي منه أو باجتهاد منه، فليست كل التراجم التي مرت وفيها ذكر (من قال) على نسق واحد من حيث المعنى؛ لأن الروايات السابقة كان في أولها أنها تدع الصلاة أيام أقرائها، وأنها إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، وإذا أدبرت تغتسل وتصلي، وكل هذه رواية، وفي هذه التراجم الأخيرة إنما هي آراء وليست رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (باب من قال تغتسل كل يوم مرة ولم يقل عند الظهر) هذا مثل الترجمة السابقة، إلا أن الأولى مقيدة في أنها من الظهر إلى الظهر، وهذه كل يوم، وليس فيها تقييد بأنها من كذا إلى كذا. قوله: [ (المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم، واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت) ]. سمن أو زيت من أجل تمسك الدم.
    تراجم رجال إسناد أثر علي: (المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم ...)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن نمير ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن أبي إسماعيل -وهو محمد بن راشد - ]. هو محمد بن راشد ، وأبو إسماعيل هو راشد ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي . [ عن معقل الخثعمي ]. هو راو مجهول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب ، وقد مر ذكره. الإسناد فيه معقل الخثعمي ، وهو مجهول، فالحديث ضعيف.
    من قال تغتسل المستحاضة بين الأيام


    شرح أثر القاسم: (تدع الصلاة أيام أقرائها ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال تغتسل بين الأيام حدثنا القعنبي ، حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن محمد بن عثمان أنه سأل القاسم بن محمد عن المستحاضة، فقال: (تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل فتصلي، ثم تغتسل في الأيام) ]. هنا قال: (تغتسل في الأيام)، والترجمة مطلقة، وليس فيها التقييد بأن تغتسل كل يوم مرة، ومن الظهر إلى الظهر، وإنما قال: (تغتسل في الأيام) يعني: بعد انتهاء الحيض تغتسل غسل الجنابة، ثم بعد ذلك تصلي وتصوم وتغتسل في الأيام، يعني: في الأيام التي هي فيها في حكم الطاهرات، إلى أن يأتي الحيض مرة أخرى، وعند ذلك تمسك عن الصلاة وعن الصيام وعن الأمور التي تمتنع منها الحُيض. قوله: (ثم تغتسل فتصلي) أي: تغتسل غسل الانتهاء من الحيض الذي لابد منه، (ثم تغتسل في الأيام) يعني: تغتسل في الأيام التي تكون فيها مستحاضة وليست بحائض، وهنا لا يوجد تحديد لعدد الأغسال، وإنما قال: (في الأيام) بدون تحديد. وهذا أثر عن القاسم بن محمد بن أبي بكر .
    تراجم رجال إسناد أثر القاسم: (تدع الصلاة أيام أقرائها ...)

    قوله: [ حدثنا القعنبي عن عبد العزيز -يعني: ابن محمد - ]. هو ابن محمد الدراوردي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن محمد بن عثمان ]. محمد بن عثمان بن عبد الرحمن ، صدوق، أخرج له أبو داود . [ سأل القاسم بن محمد ]. القاسم بن محمد بن أبي بكر، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    من قال تتوضأ المستحاضة لكل صلاة


    شرح حديث: (دم الحيض أسود يعرف ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال تتوضأ لكل صلاة حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن محمد -يعني: ابن عمرو - قال: حدثني ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: (أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: من قال تتوضأ لكل صلاة. يعني: بعد انتهاء حيضها، وعندما تكون مستحاضة غير حائض فحكمها حكم الطاهرات. عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف)، يعني: إذا حصل لك دم الحيض فعلامته: أنه أسود يُعرِف، أي: من الرائحة، أو (يُعرَف) تعرفه النساء (فأمسكي عن الصلاة) قوله: (وإذا كان الآخر) يعني: الذي هو ليس بأسود ولا بغليظ (فتوضئي وصلي) أي: بعد الاغتسال من الحيض؛ لأنه لابد من الاغتسال من الحيض عند انتهائه، وأيضاً تتوضأ لكل صلاة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... دم الحيض أسود يعرف ...)
    قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد -يعني ابن عمرو - ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني ابن شهاب ]. هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ، عن فاطمة بنت أبي حبيش ]. عروة قد مر ذكره. وفاطمة بنت أبي حبيش صحابية، أخرج حديثها أبو داود والنسائي وابن ماجة .

    ذكر الخلاف في الرفع والوقف لحديث: (تتوضأ لكل صلاة) وتراجم رجاله

    [ قال أبو داود : قال ابن المثنى : وحدثنا به ابن أبي عدي حفظاً فقال: عن عروة ، عن عائشة : أن فاطمة ]. اللفظ الأول هو من مسند فاطمة ، والثاني من مسند عائشة ، وقوله: (حدثنا به ابن أبي عدي حفظاً) يعني: من حفظه، (فقال: عن عروة ، عن عائشة أن فاطمة ) فيكون الحديث من مسند عائشة في هذه الرواية، وفي الرواية السابقة من مسند فاطمة . [ قال أبو داود : وروي عن العلاء بن المسيب وشعبة عن الحكم ، عن أبي جعفر ، قال العلاء : عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأوقفه شعبة على أبي جعفر : (تتوضأ لكل صلاة) ]. ثم أورد الحديث من طرق أخرى، بعضها موقوف وبعضها مرفوع، ولكنه مرسل، فذكر أن منهم من وقفه على أبي جعفر ، وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، المشهور بالباقر . ومنهم من قال: إنه أضافه للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرسلاً؛ لأن محمداً يروي عن الصحابة، فهو تابعي، وهو الذي روى حديث جابر الطويل في حجة الوداع، والمرسل على طريقة المحدثين: ما أضافة التابعي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
    والحاصل: أن منهم من وقفه عليه فجعله من كلامه موقوفاً عليه وليس بمرفوع، ومنهم من أضافه إلى الرسول أو أسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيكون مرسلاً. [ وروي عن العلاء بن المسيب وشعبة ]. العلاء بن المسيب ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . وشعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم ]. الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    ترجمة محمد الباقر وغلو الرافضة فيه

    وقوله: [ عن أبي جعفر ]. هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو أحد الأئمة الإثنا عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات لا تصلح، ولا تليق بهم، ولا يجوز أن تطلق عليهم، مثل ما جاء في كتاب (الكافي) للكليني : باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، وكذلك يقول: باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما كان من عند الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل. والخميني زعيم الرافضة في هذا العصر، والذي هلك قبل سنوات، يقول في كتابه (الحكومة الإسلامية): وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل. وقصده الأئمة الإثنا عشر الذين منهم أبو جعفر .
    تعظيم أهل السنة لآل البيت ومحبتهم لهم

    الحاصل: أن أبا جعفر محمد بن علي هو إمام من أئمة أهل السنة، وأهل السنة والجماعة يتولون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحبونهم، وينزلونهم المنازل التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، لا بالهوى والتعسف، لا يغلون ولا يجفون؛ ولهذا جاء عن الصحابة وهم خيار هذه الأمة بيان عظم شأن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أبا بكر الصديق نقل عنه البخاري أثرين؛ أحدهما أنه قال: (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي) يعني: آل محمد أولى أن يصلهم من آل أبي بكر، وأحب إليه أن يصلهم؛ لأنهم أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا فيه بيان ما كان عليه سلف هذه الأمة وخيارهم ومقدموهم، بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر من محبة آل بيت النبوة. والأثر الثاني أيضاً في صحيح البخاري يقول رضي الله عنه: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته)، ومعناه: حققوا ونفذوا ما رغبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أرشد إليه في حق آل بيته، رضي الله تعالى عنهم وعن أبي بكر .
    وأما عمر رضي الله عنه فقد جاء عنه أثران؛ أحدهما: أنه لما حصل الجدب في الناس، وكانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم، فلما أراد أن يستسقي طلب من العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو للناس أن يغيثهم الله عز وجل، وقال -كما في صحيح البخاري -: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا -يعني: توسلنا بدعائه وطلبنا منه أن يدعو- وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله) فقال: عم نبينا، وما عبر بالعباس ؛ لأنه أراد القرابة، وقصده من اختيار العباس القرابة، وكان هناك من هو أفضل من العباس ممن شُهد له بالجنة من العشرة المبشرين، ومع ذلك ما طلب منهم، ولكنه اختار واحداً من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم. الأثر الثاني: قال عمر رضي الله عنه للعباس : إن إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب -الذي هو أبوه- لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك. وقد ذكر ابن كثير رحمه الله هذه الآثار عند آية الشورى: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، وقال: إن هذه الآية مكية، والمقصود بها -كما جاء عن ابن عباس في صحيح البخاري -:
    أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من قريش أنهم إذا لم ينصروه أن يتركوه يبلغ دعوته لما بينه وبينهم من القرابة، وليس المقصود بها القربى الذين هم: علي وفاطمة وأولادهما؛ لأن علياً ما تزوج من فاطمة في مكة، وإنما حصل الزواج بها بعد ذلك في المدينة، والآية مكية، والمقصود بها -كما جاء عن ابن عباس -أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد من قريش أن يتركوه إذا لم ينصروه ويؤيدوه. ثم إن ابن كثير رحمه الله ذكر فضل آل البيت والآثار التي تدل على فضلهم، وذكر منها الأثرين عن أبي بكر ، وعمر في محبته لإسلام العباس على إسلام الخطاب . والله تعالى أعلم."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #78
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [047]
    الحلقة (78)

    شرح سنن أبي داود [047]

    يجب على الحائض أن تغتسل عند انقطاع حيضها، ولغسل الحائض مستحبات ينبغي لها أن تراعيها، وآداب ينبغي أن تعمل بها.

    من لم يذكر وضوء المستحاضة إلا عند الحدث


    شرح حديث أم حبيبة بنت جحش في الاستحاضة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن عكرمة (أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي، فإن رأت شيئاً من ذلك توضأت وصلت) ]. قد سبق أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وذلك لازم وواجب، وأنه يندب لها أن تغتسل لكل صلاة، وسبقت عدة تراجم فيها ذكر آراء بعض الصحابة والتابعين في بعض المسائل المتعلقة بالاستحاضة، وهذه الترجمة: (باب من لم يذكر الوضوء إلا من الحدث) تعني: أن الذي يكون سبباً للوضوء هو حصول الحدث، الذي هو غير دم الاستحاضة؛ لأن دم الاستحاضة يدوم مع المرأة المستحاضة. فهنا يقول: (من لم يذكر الوضوء إلا من الحدث) يعني: إذا وجد منها الحدث الذي هو غير الدم؛ فإنها تتوضأ وتصلي، وأنه إذا نزل منها دم الاستحاضة فقط فإنه لا يلزمها الوضوء، وإنما يجب الوضوء إذا حصل ناقض لوضوئها ولطهارتها، وهو حصول حدث غير الدم، فيكون حكمها في ذلك كالحكم بالنسبة للطاهرات، والطاهرات -كما هو معلوم- لا يجب عليهن الوضوء إلا من الحدث، لكن المستحاضة قد لازمها الحدث، وعليها أن تتوضأ لكل صلاة مثل الذي به سلس البول يتوضأ لكل صلاة. وقد مر أن الذي عليه جمهور أهل العلم: أنها تتوضأ لكل صلاة، وأنه لا يتوقف الأمر على حصول الحدث منها، وقيل:
    إنها تكون مثل الطاهرات تماماً، ووضوءها مثل وضوء الطاهرات، والطاهرات -كما هو معلوم- لا يتوضأن إلا من الحدث، فإذا وجد من الطاهرة أيّ حدث ناقض للوضوء؛ فإنها عند ذلك تتوضأ وتصلي، ومعنى هذا: عدم التفرقة، وأنه يسوى بين الطاهرة وبين المستحاضة، فالطاهرة لا تتوضأ إلا إذا انتقض وضوءها الموجود من قبل بحصول حدث، وكذلك المستحاضة لا يلزمها الوضوء إلا إذا وجد منها حدث، أي: أنه يسوي بينها وبين الطاهرات، لكنه قد جاء في الأحاديث أنها تتوضأ لكل صلاة، وسواء كان حصل لها حدث غير الدم أو لم يحصل لها؛ فإن الدم نفسه حدث، ووجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة. أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث عكرمة مولى ابن عباس أن أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها استحيضت، فأمرها لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تنتظر أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي؛ فإن رأت شيئاً من ذلك توضأت وصلت.
    وقوله: (فإن رأت شيئاً من ذلك) فُسرت بأن المقصود بها: أنها رأت ناقضاً للوضوء، أو رأت خروج شيء منها أو حصول شيء منها ناقض للوضوء غير الدم الذي هو ملازم لها؛ قالوا: لأن الدم يكون معها دائماً، وقد يحصل لها تقطع في الدم في بعض الأوقات، فيكون عندها دم فساد، لكنه ليس دماً جارياً دائماً وأبداً، وإنما يتقطع: أحياناً يذهب وأحياناً يجيء، وهذا شيء مستمر معها، فيمكن أن يكون المقصود بها: أنها عندما يحصل لها ذلك الدم الذي يطرأ عليها في حال ما بين الحيضتين، فإنها تتوضأ عندما يوجد لها ذلك الدم، وإذا كان الدم لم يحصل في فترة من زمانها بين قرأين فإنه يكون حكمها حكم الطاهرات، وهذا مطابق للترجمة إذا كان أن المقصود أنها رأت شيئاً غير الدم، ولا تتوضأ إلا عند الحدث.

    تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة بنت جحش في الاستحاضة

    قوله: [حدثنا زياد بن أيوب ]. زياد بن أيوب ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أخبرنا أبو بشر ] هو جعفر بن أبي وحشية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا مرسل؛ لأن عكرمة لا يروي عن أم حبيبة ، ففيه انقطاع، والانقطاع: هو الإرسال، فإنه إضاف ذلك إلى زمن النبوة، وهو لم يدرك زمن النبوة، فيكون من قبيل المرسل. وإذا كان المعنى: أنه إذا حصل لها انقطاع في الدم يكون حكمها حكم الطاهرات؛ فهذا لا إشكال فيه، وإن وجد منها الدم الذي هو دم الفساد، والذي هو استحاضة جزئية بحيث يحصل لها متقطعاً؛ فإنه يتعين عليها أن تتوضأ، وبذلك أتت الأحاديث الأخرى التي فيها أنها تتوضأ لكل صلاة، وكونها لا تتوضأ إلا من الحدث يخالف الروايات الكثيرة الدالة على أنها تتوضأ لكل صلاة.

    شرح أثر ربيعة: (أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوءاً عند كل صلاة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا الليث عن ربيعة أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوءاً عند كل صلاة إلا أن يصيبها حدث غير الدم فتتوضأ -أو فتوضأ-. قال أبو داود : هذا قول مالك -يعني: ابن أنس - ]. هذا الأثر هو الذي يطابق الترجمة؛ لأنه صريح في أن المستحاضة ليس عليها وضوء عند كل صلاة، وإنما عليها أن تتوضأ إذا حصل لها حدث غير الدم، وهذا الأثر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن هو رأي له، وقد عزاه أيضاً أبو داود رحمه الله إلى مالك بن أنس ، وهو أن المستحاضة ليس عليها وضوء عند كل صلاة، وإنما يلزمها الوضوء إذا رأت حدثاً، أو إذا حصل لها حدث غير دم الاستحاضة.

    تراجم رجال إسناد أثر ربيعة

    قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب ]. هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي . [ حدثنا عبد الله بن وهب ].
    هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا الليث ]. هو الليث بن سعد ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ربيعة ].
    هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وهو المشهور بربيعة الرأي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.
    و(مالك ) هو ابن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة. [ قال أبو داود : وهو قول مالك ] والذي دون أبي داود هو الذي قال: (يعني: ابن أنس ). وكل خارج من السبيلين فهو نجس إلا المني، والدم نجس، لا سيما الدم الذي هو خارج من السبيلين. وبالنسبة للذي به سلس البول فحكمه حكم المستحاضة، والبول نجس، ولكن فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

    المرأة ترى الكُدْرة والصُفْرة بعد الطهر


    شرح حديث: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر. حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن قتادة عن أم الهذيل عن أم عطية رضي الله عنها -وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم- قالت: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الكدرة والصفرة بعد الطهر، يعني: ما تجده المرأة من كدرة مما يخرج من فرجها، وكذلك الصفرة. والكدرة: هي الماء الذي أصابه شيء غير لونه وغير صفاءه، فجعل فيه كدرة، ولم يعد صافياً، وهو ليس بأصفر ولا بأحمر، ولكنه مثل الماء الكدر. والصفرة: هي ما يخرج من المرأة بعد انقضاء دمها مما يكون لونه أصفر. فهذا هو المقصود بالكدرة والصفرة بعد الطهر، وكذلك لو لم يكن هذا الذي يخرج كدرة ولا صفرة، ولكنه دم تجاوز مدة الحيض؛ فإنه يكون استحاضة، أو يكون دم فساد، وحكمه كما مر في المستحاضة. وهنا فيه التنصيص على أن الكدرة والصفرة لا تعتبر حيضاً بعد زمن الحيض، ولكنها في زمن الحيض حيض، وبعد الحيض وانتهائه تعتبر طهراً. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم عطية أنها قالت: (كنا لا نعد) أي: كنا معشر الصحابيات (لا نعد الكدرة ولا الصفرة بعد الطهر شيئاً) يعني: لا نعتبرها شيئاً مؤثراً يمنع من الصلاة والصيام، ومن الأمور التي تحصل للطاهرات.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً)

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    موسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا حماد ].
    هو ابن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
    [ عن قتادة ].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أم الهذيل ]. هي حفصة بنت سيرين ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
    [عن أم عطية ].
    هي أم عطية الأنصارية ، واسمها نسيبة بنت الحارث ، وهي صحابية، بايعت الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    طريق أخرى لحديث: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا إسماعيل قال: أخبرنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية بمثله ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، ولم يذكر المتن، ولكن أحاله على المتن السابق، وقال: (بمثله) أي: أن متن هذا الحديث مثل المتن السابق، وكلمة المثلية أو (مثل) تعني المطابقة في اللفظ والمعنى، وأما إذا قيل: (بمعناه) فتعني: المطابقة بالمعنى مع الاختلاف في اللفظ، وكذلك إذا قال: (بمعنى حديث فلان) يعني: أنه ليس مماثلاً له، وإنما مقارب له في اللفظ، فهما متفقان في المعنى مع اختلاف الألفاظ، وأما إذا قيل: (مثله) فهما متفقان في المعنى واللفظ. قوله:
    [ حدثنا مسدد ].
    هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
    [ حدثنا إسماعيل ].
    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية ، المشهور بابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن سيرين ].
    محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أم عطية ]. أم عطية مر ذكرها. [ قال أبو داود : أم الهذيل هي حفصة بنت سيرين ، كان ابنها اسمه: هذيل ، واسم زوجها: عبد الرحمن ]. ثم ذكر أبو داود رحمه الله التعريف بأم الهذيل الذي جاء ذكرها في الإسناد الأول، وأن المقصود بها: حفصة بنت سيرين ، وابنها اسمه الهذيل ، وهي تكنى به، وزوجها عبد الرحمن ، ولا أدري من هو عبد الرحمن هذا.

    المستحاضة يغشاها زوجها


    شرح أثر: (كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المستحاضة يغشاها زوجها. حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا معلى بن منصور عن علي بن مسهر عن الشيباني عن عكرمة أنه قال: (كانت أم حبيبة رضي الله عنها تستحاض، فكان زوجها يغشاها). قال أبو داود : وقال يحيى بن معين : معلى ثقة، وكان أحمد بن حنبل لا يروي عنه؛ لأنه كان ينظر في الرأي ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: (المستحاضة يغشاها زوجها) يعني: يطؤها ويجامعها. ومن المعلوم أن المستحاضة فيها مرض دائم أو مستمر، وهو: جريان الدم، وهو دم فساد وليس دماً طبيعياً مثل دم الحيض. وجميع الأحكام التي تكون للطاهرات تكون للمستحاضة: كالصلاة، والصيام، والحج، ودخول المسجد، وقراءة القرآن، وغشيان الزوج، وكل الأمور التي تكون للطاهرات تكون لها، ولم يأت شيء يمنع زوجها من غشيانها، والمستحاضات كن متزوجات، وكن يتزوجن وهن معروفات أنهن مستحاضات، فغشيان الزوج للمستحاضة هو كغشيان الطاهرة التي ليست بمستحاضة؛ لأن أحكام الطاهرات تجري على المستحاضات، إلا أن المستحاضات يختلفن من ناحية الوضوء لكل صلاة، وكذلك استحباب الغسل عند كل صلاة، بخلاف الطاهرات؛ فإنهن لا يتوضأن إلا من الحدث.

    تراجم رجال إسناد أثر: (كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها)

    قوله: [حدثنا إبراهيم بن خالد ].
    هو أبو ثور الفقيه، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة .
    [ حدثنا معلى بن منصور ].
    معلى بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن علي بن مسهر ].
    علي بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الشيباني ]
    . هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عكرمة ].
    هو مولى ابن عباس ، وقد مر ذكره. [ قال أبو داود : وقال يحيى بن معين : معلى ثقة، وكان أحمد بن حنبل لا يروي عنه؛ لأنه كان ينظر في الرأي ]. ثم ذكر أبو داود توثيق يحيى بن معين له، ويحيى بن معين يعبر بالثقة، ويعبر بـ (لا بأس به)، و(لا بأس به) عنده تعادل الثقة، فهي عند يحيى بن معين توثيق، ولهذا يقول في بعض الثقات الكبار: لا بأس به. و(لا بأس به) إذا أطلقت على من هو معروف بالثقة لا شك أنها أقل من ثقة، ولكن إذا عرف اصطلاح يحيى بن معين رحمه الله أنه عندما يقول: لا بأس به. يقصد التوثيق، فهذا اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، المهم أن يعرف الاصطلاح، وعند ذلك يزول الإشكال؛ لأن الإشكال هو فيما إذا كانت بمعنى صدوق، وصدوق هو أقل درجة من الثقة، وهو الذي يكون حديثه حسناً. (وكان أحمد لا يروي عنه؛ لأنه كان ينظر في الرأي) والرأي: هو الأخذ بالآراء، أو بالرأي المجرد، ولهذا كانوا يعيبون على من يكون اشتغاله بالرأي، أو عنايته بالرأي، ولا يحرص على الدليل وعلى معرفته، وهناك أشخاص عابوا عليهم الإفتاء بالرأي، مثل عثمان البتي يقولون في ترجمته: عابوا عليه الإفتاء بالرأي.

    شرح أثر حمنة بنت جحش: (أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي أخبرنا عبد الله بن الجهم حدثنا عمرو بن أبي قيس عن عاصم عن عكرمة عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها ]. أورد أبو داود حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها أنها كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها، وهو مثل الحديث الذي تقدم عن أم حبيبة ، وأن زوجها كان يغشاها. والحاصل: أن مجامعة المستحاضة سائغ، ولا بأس به، ولا مانع منه، والمستحاضة مثل الطاهرات، إلا أن معها هذا المرض وهو الدم الدائم الذي هو دم فساد، وليس دم جِبِلّة وطبيعة.

    تراجم رجال إسناد أثر حمنة بنت جحش: (أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها)

    قوله:
    [ حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي ].
    أحمد بن أبي سريج الرازي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
    [ أخبرنا عبد الله بن جهم ].
    عبد الله بن الجهم صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ حدثنا عمرو بن أبي قيس ].
    عمرو بن أبي قيس صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
    [ عن عاصم ].
    هو ابن أبي النجود ، و أبو النجود هو بهدلة ، وعاصم صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والبخاري روى عنه مقروناً وتعليقاً.
    [ عن عكرمة ، عن حمنة بنت جحش ].
    عكرمة مر ذكره. وحمنة بنت جحش صحابية، أخرج حديثها البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

    ما جاء في وقت النفساء


    شرح حديث: (كانت النفساء على عهد رسول الله تقعد في نفاسها أربعين يوماً ....)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في وقت النفساء. حدثنا أحمد بن يونس أخبرنا زهير حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل عن مسة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً أو أربعين ليلة، وكنا نطلي على وجوهنا الورس -تعني: من الكلف-) ]. أورد أبو داود رحمه الله (باب ما جاء في وقت النفساء) يعني: مدة النفاس الذي تكون فيه المرأة نفساء، ومدته: أربعون يوماً إذا لم يحصل الطهر قبله، وما زاد على الأربعين فإنه يكون دم فساد، ويكون مثل الاستحاضة، فلا يمنع من الصلاة والصيام وغير ذلك، وما كان من الأربعين فما دون فإنه نفاس، وإذا رأت الطهر قبل ذلك فإنها تعتبر طاهرة، ولو لم يمض بعد الولادة إلا مدة يسيرة. وإن طهرت ثم رجع الدم في الأربعين فهو نفاس، وإذا تجاوزها فإنه ليس بنفاس، وإنما هو دم فساد أو دم استحاضة. وأورد أبو داود في ذلك حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: [ (كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً أو أربعين ليلة) ].
    يعني: حيث يكون الدم موجوداً، وأما إذا حصل الطهر قبل الأربعين فإنه يتعين الاغتسال والصلاة والصيام ما دام الطهر قد وجد، وإذا انقطع الدم قبل الأربعين فهي طاهرة، وإذا رجع إليها الدم بعد ذلك فإنها ترجع نفاساً؛ لأن المدة حددت بأربعين يوماً. قوله: [ (وكنا نطلي على وجوهنا الورس) ] الورس: نوع من الطيب. والكلف هو: لون يكون بين السواد وبين الحمرة، وكان: يحصل ذلك منهن من أجل طول المدة، فكن يستعملن الورس إما من أجل حصول الرائحة الطيبة، أو من أجل إزالة ذلك اللون الذي حصل في الوجوه، أو لهما معاً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كانت النفساء على عهد رسول الله تقعد في نفاسها أربعين يوماً ...)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ].
    هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا زهير ].
    هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا علي بن عبد الأعلى ].
    علي بن عبد الأعلى صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب السنن.
    [ عن أبي سهل ].
    هو كثير بن زياد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .
    [ عن مُسّة ].
    هي الأزدية ، وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود والترمذي وابن ماجة .
    [ عن أم سلمة ].
    هي هند بنت أبي أمية ، أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. وقد أثنى البخاري على حديث مسة الأزدية ، وجاء عن بعض أهل العلم تصحيحه، فهو حديث عمدة.

    شرح حديث: (كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن يحيى أخبرنا محمد بن حاتم -يعني: حبي - حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن نافع عن كثير بن زياد قال: حدثتني الأزدية -يعني: مسة - قالت: (حججت فدخلت على أم سلمة رضي الله عنها، فقلت: يا أم المؤمنين! إن سمرة بن جندب رضي الله عنه يأمر النساء يقضين صلاة المحيض. فقالت: لا يقضين؛ كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس). قال محمد -يعني: ابن حاتم -: واسمها مُسّة تكنى أم بُسّة . قال أبو داود : كثير بن زياد كنيته أبو سهل ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة أن مسة الأزدية حجت، فجاءت إلى أم سلمة ، وقالت لها: إن سمرة بن جندب يأمر النساء أن يقضين صلاة المحيض، يعني: الصلاة التي فاتتهن وهن حيّض، ولعل سمرة رضي الله عنه لم يبلغه ما ورد في ذلك، فيحمل على هذا. وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها لما سألتها معاذة العدوية وقالت لها: (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟! قالت: أحرورية أنت؟! قالت: لا؛ ولكني أسأل. قالت: كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)، وقد مر الحديث، وعرفنا أن الصوم أُمر بقضائه؛ لأنه لا يتكرر؛ ولأنه شهر في السنة، وإذا حاضت المرأة وأفطرت خمسة أيام من رمضان أو أربعة أو ثلاثة فمن السهل عليها أن تقضيه، وأما بالنسبة للصلاة فإنها تطول وتكثر؛ فخفف على النساء فلم يؤمرن بالقضاء. وهذا الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها لما سألتها مسة أخبرتها بأن النساء كن يقعدن في نفاسهن أربعين يوماً، ولا يؤمرن بقضاء صلاة النفاس، وإذا كان النفاس أربعين يوماً وهن لا يؤمرن به فمثله المحيض؛ لأن أحكام النفاس وأحكام الحيض واحدة. وحديث عائشة السابق يتعلق بالمحيض، وحديث أم سلمة يتعلق بالنفاس، والسؤال كان عن المحيض، فأخبرتها بأن النفاس لا يؤمرن بقضائه، وأحكام الحيض وأحكام النفاس واحدة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كانت المرأة من نساء النبي تقعد في النفاس أربعين ليلة ...)

    قوله: [حدثنا الحسن بن يحيى ].
    هو صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ أخبرنا محمد بن حاتم -يعني: حبي - ].
    هو محمد بن حاتم بن يونس و حبي لقبه، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . والذي قال: (يعني: حبي ) هو أبو داود أو من دونه، ففاعل (يعني) ضمير مستتر يرجع إلى أبي داود أو من دونه، أما الحسن بن يحيى الذي هو التلميذ، فلم يقل ذلك، بل قاله من هو دون الحسن بن يحيى ؛ لأن الحسن بن يحيى هو تلميذه، والتلميذ لا يحتاج إلى أن يقول في اسم شيخه: (يعني)، وإنما يقول: فلان بن فلان بن فلان. وينسبه كما يريد.
    [ حدثنا عبد الله بن المبارك ].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يونس بن نافع ].
    يونس بن نافع صدوق يخطئ، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
    [ عن كثير بن زياد ].
    هو أبو سهل كما هو مذكور.
    [ عن الأزدية -يعني: مسة - ].
    هنا أتى بها بالأزدية ، وهناك أتى بها باسمها، ولما قال: الأزدية؛ أتى من دون كثير بن زياد بكلمة ( مسة ). [ دخلت على أم سلمة ]. أم سلمة قد مر ذكرها. [ قال محمد يعني: ابن حاتم - واسمها مسة تكنى أم بسة ]. قال محمد بن حاتم -الذي في الإسناد-: واسمها مسة تكنى أم بسة . [ قال أبو داود : كثير بن زياد كنيته أبو سهل ]. يعني: الذي جاء ذكره في هذا الإسناد هو الذي كني في الإسناد الذي قبله، والإسناد السابق هو: أبو سهل عن مسة ، وهنا: كثير بن زياد عن الأزدية ، والأزدية هي مسة ، فكثير بن زياد كنيته أبو سهل .

    الأسئلة



    حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة


    السؤال: ما حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة؟

    الجواب: نعم ترفع الأيدي؛ لأنه جاء عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً، وجاء عنه موقوفاً، والمرفوع جاء من طريق ثقة، فهي زيادة ثقة، وقد ذكرها شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله في تعليقه على فتح الباري في الجزء الثالث منه، وهو قد علّق على ثلاثة أجزاء من فتح الباري، وذكر أنه جاء مرفوعاً من طريق عمر بن شبة .


    حكم تكبير الإمام في الجنازة ثلاثاً سهواً


    السؤال: ما حكم إمام كبّر ثلاث تكبيرات في صلاة الجنازة وسلم سهواً؟
    الجواب: ينبه، ويكبر الرابعة، إذا كان في نفس الوقت، والناس عرفوا أنه ما كبر إلا ثلاث يسبحون ويقولون: سبحان الله! وإذا سلم ولم ينتبه، ثم أخبروه أنه بقي تكبيرة فعليه أن يرجع ويكبر الرابعة، لكن لو كبر أكثر من أربع فلا إشكال، فقد ورد عدد التكبيرات خمس وأكثر، لكن نقصانها عن أربع لا أعرف شيئاً فيه.


    كفارة اشتراك شخصين في قتل الخطأ

    السؤال: شخص طلب من زوجته أن تقدم له عملاً في بيته، لكن زوجته قالت له: إنها خائفة على ابنها أن يقع في حوض الماء الموجود أمام البيت. فقال لها غاضباً: دعيه يسقط في الحوض! وعندما قامت زوجته بالعمل المطلوب، خرج هو وزوجته من البيت فوجدا الطفل قد سقط في الحوض ومات، فعلى من تكون الكفارة؟

    الجواب: كلاهما مخطئ، هي أخطأت في التنفيذ الذي يترتب عليه الضرر، وهو أيضاً أخطأ في إلزامها بذلك وبغضبه عليها، وأمرها بأنها تفعل ولو وقع الطفل. أما قضية من تلزمه الكفارة فتحتاج إلى نظر.


    الأقربون أولى بالمعروف

    السؤال: قول أبي بكر رضي الله عنه: (لأنْ أصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى من أن أصل قرابتي) فهل لأحد أن يقول هذا في آل بيته صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن، أو لعالم له عليه فضل عظيم وتأثير كبير؟ وهل في هذا منافاة لقولهم: (الأقربون أولى بالمعروف)؟

    الجواب: لا شك أن الأقربين هم أولى بالمعروف، وأولى الناس بالبر قرابة الإنسان، والصدقة إلى القريب صدقة وصلة؛ لأن فيها جمعاً بين الأمرين، والجار ذي القربى -الذي له حق الجوار وحق القرابة- له ميزة على غيره، وهو مقدم على غيره؛ لكن الذي قاله أبو بكر رضي الله عنه في حق آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه قد ورد فيهم شيء يدل على مراعاة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، ومن المعلوم أن آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم أقسام:
    فمن كان منهم صحابياً فإنه يُحب لصحابته ولقربه من الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن كان منهم غير صحابي -كالتابعين وأتباع التابعين- فإنهم يحبون لإيمانهم ولقربهم من رسول الله. ومن كان منهم ليس كذلك فالأمر كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة : (ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه).
    يعني: من أخره عمله عن دخول الجنة ليس نسبه هو الذي يسرع به إليها؛ لأن العبرة بالأعمال، قال الله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، ولكن إذا وجد الإيمان ووجد شرف النسب فلاشك أن هذا خير على خير. وأبو بكر رضي الله عنه قال هذا في بيان عظم شأن آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر رضي الله عنه هو خير هذه الأمة، وهو الذي يقتدى به، وهو أعلم الناس بما جاء في حق آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.
    وأما كون الإنسان في هذا الزمان يقدم من هم من بيت النبوة على قرابته فليس بظاهر، بل القرابة أولى؛ لأن القرابة جاءت فيهم نصوص تدل على تقديمهم وعلى تمييزهم، وأنهم أحق الناس ببر قريبهم، وأحق الناس بإحسانه. ومن كان من أهل البيت وهو صالح، فهذا خير عظيم، وشرف كبير لإيمانه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يعلم أنه ليس كل من يدعي الانتساب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صادقاً، فمنه ما هو دعوى باطلة، وما أكثر الدعاوى التي ليس لها أساس، ففي هذا الزمان كثر الانتساب إلى آل البيت، ولكن ليس كل ما يقال يصدق ويعتبر أنه صحيح.

    حكم انقطاع دم الحيض أثناء مدته

    السؤال: ما حكم الحائض التي يتقطع عليها الدم، فينزل لمدة يومين ثم ينقطع، ثم يعود لمدة أربعة أيام؟

    الجواب: إذا كانت المرأة تعرف أن عادتها ستة أيام مثلاً، ثم حصل لها طهر كامل في يومين، فإنها تغتسل وتصلي، ولكن ينبغي لها أن تتحقق أنها طهرت تماماً، فإن بقي كدرة أو صفرة فلا تزال حائضاً.

    حكم إطالة طرفي الشارب
    السؤال: بعض الناس يطيلون طرفي الشارب بم تنصحونهم؟ وهل ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيء من ذلك؟

    الجواب: ما أعلم أن عمر رضي الله عنه كان يطيل أطراف الشارب، والشارب هو كل ما نبت على الشفة العليا، وحكمه واحد، وما روي عن عمر أنه كان يفتل شاربه فلا يلزم منه التطويل، بل يمكن أن يحصل الفتل بدون إطالة، كما يفتل الحبل أو تفتل الضفائر، فالفتل هو التحريك، فإذا صح أن عمر كان يفتل شاربه فمعناه أنه كان يحرك الشعر الذي يمسكه من شاربه كهيئة الذي يفتل.

    حكم وضوء المستحاضة بعد دخول وقت الصلاة إذا تيقنت عدم خروج دم منها
    السؤال: المرأة المستحاضة إذا تأكدت بأنه لم ينزل من فرجها شيء، فهل يجوز أن تصلي بعد صلاة الظهر والعصر صلاة المغرب والعشاء بدون وضوء بينهما؟

    الجواب: ما دام أن الدم موجود في فرجها، وإنما لم ينزل بسبب القطن أو بسبب الثياب فهي مستحاضة، ولا يقال: انقطع عنها الدم، فلابد أن تتوضأ وتصلي عند كل صلاة، لكن لو حصل لها انقطاع لفترة من الزمان فتكون طاهرة وحكمها حكم الطاهرات، فإذا توضأت ثم استمرت على الطهارة، ولم ينزل منها دم فإنها تستمر على وضوئها إلى أن يأتي ما ينقضه من حدث.

    هل صلاة النوافل في البيت أفضل من صلاتها في المسجد الحرام أو المسجد النبوي

    السؤال: أيهما أفضل: أداء النافلة في الحرمين أم في البيت كما كان ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: صلاة النوافل في البيوت هو الأصل، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ساكناً في المدينة، وكان يصلي النوافل في بيته، ثم يخرج وتقام الصلاة، ثم إذا سلم من صلاته صلى النافلة في بيته، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة).

    حكم قول: أهل المنطقة الفلانية بخلاء
    السؤال: ما الحكم في هذه العبارة وشبهها التي يتساهل بها بعض طلبة العلم وهي: أهل المنطقة الفلانية بخلاء؟

    الجواب: هذا كلام غير طيب؛ لأنه يؤذي أهل تلك المنطقة، وليس للإنسان أن يتكلم بالشيء الذي يؤذي، ثم إذا كان هذا اللفظ مبنياً على أساس أنه عرف ذلك عن شخص أو شخصين ثم عمم الحكم فهذا أسوأ. وأهل البلد محصورون والكلام يسوءهم؛ لأن إضافة الذم إلى المكان ذم للجميع.

    حال حديث: (أقربكم مني منزلة يوم القيامة أكثركم صلاة عليّ)
    السؤال: ما صحة حديث: (أقربكم مني منزلة يوم القيامة أكثركم صلاة علي)؟

    الجواب: هذا الحديث من الأحاديث التي ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد) في كتاب الدعوات، وقد أورد فيه الأحاديث الصحيحة والحسنة، وهذا من الأحاديث التي اعتبرها الحافظ ثابتة، وأنا نقلتها في الكتاب الذي في فضل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان كيفيتها وشيء من أحكامها."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #79
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [048]
    الحلقة (79)

    شرح سنن أبي داود [048]


    على المرأة المسلمة أن تعرف الأحكام الفقهية التي تحتاج إليها، ومن ذلك كيفية الاغتسال من الحيض والجنابة، فإن نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأحكام.

    الاغتسال من الحيض


    شرح حديث: (أردفني رسول الله على حقيبة رحله...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الاغتسال من الحيض. حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة -يعني: ابن الفضل - أخبرنا محمد -يعني: ابن إسحاق - عن سليمان بن سحيم عن أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار قد سماها لي قالت: (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله، قالت: فوالله لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح، فأناخ ونزلت عن حقيبة رحله فإذا بها دم مني، فكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم قال: ما لك؟ لعلك نفست؟ قلت: نعم، قال: فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحاً ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم ثم عودي لمركبك، قالت: فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر رضخ لنا من الفيء، قالت: وكانت لا تتطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحاً، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت) ].
    ختم أبو داود رحمه الله الأبواب المتعلقة بالحيض بهذا الباب الذي هو: باب الاغتسال من الحيض، وهو كالاغتسال من الجنابة، فلابد فيه من استيعاب البدن، ولابد أن يكون بنيّة، ولا يلزم نقض الرأس، إلا أنه يستحب نقضه آكد من استحبابه في الغسل من الجنابة، وذلك أن الغسل من الجنابة قد يكون في أوقات متقاربة، وأما الحيض فإنها تطول مدته؛ ولهذا يستحب أن تنقض المرأة رأسها عند غسل الحيض، ولكنه ليس بلازم، كما أن نقض الرأس في الغسل من الجنابة ليس بلازم، إلا أن نقضه في اغتسال الحائض آكد في الاستحباب من نقضه في حق المغتسلة من الجنابة. وقد أورد أبو داود رحمه الله في هذا الباب عدة أحاديث، أولها: حديث امرأة من بني غفار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفها على حقيبة رحله، والحقيبة هي: ما يشد في الرحل، والراكب عليه غير الذي يكون رديفاً من وراء الرحل، ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء الصبح، فنَزلَت، ولما نزلت رأت في المكان الذي كانت جالسة عليه أثر الدم، قالت: وهي أول حيضة حضتها، فيحتمل أن تكون أولها مطلقاً، ويحتمل أن يكون ذلك أول حيضها في ذلك السفر، ولم تركب وهي حائض. فلما نزلت ورأت الدم انقبضت واستحيت، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الدم قال لها: (لعلك نفست؟ قالت: نعم، قال: أصلحي من نفسك) يعني: ضعي شيئاً على نفسك يمنع من خروج الدم وظهوره؛ وذلك بشيء تضعه في فرجها أو على فرجها كقطن أو ثوب أو ما إلى ذلك من الأشياء التي تكون مانعة من ظهور الدم من فرجها.
    ثم قال: (خذي ماءً وضعي فيه ملحاً واغسلي ذلك المكان، ثم عودي إلى مركبك) يعني: عودي إلى الركوب على الهيئة التي كنت عليها من قبل. قالت: (فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر رضخ لنا من الفيء) يعني: أعطاها من الفيء، والرضخ هو إعطاء من ليس من أصحاب السهام. قوله: [ (قالت: وكانت لا تتطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحاً) ]. أي: جعلت في الماء الذي تتطهر به ملحاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تضع الملح على الماء وتغسل به أثر الدم الذي كان على الحقيبة التي كانت متصلة برحله صلى الله عليه وسلم، فكانت لا تتطهر إلا وضعت في طهورها ملحاً، وأوصت أن يوضع الملح في الماء الذي تغسل به إذا ماتت. ومحل الشاهد منه: أنها كانت إذا تطهرت جعلت في طهورها ملحاً، ولكن هذا الحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن في إسناده امرأة مجهولة وهي: أمية بنت أبي الصلت .

    تراجم رجال إسناد حديث: (أردفني رسول الله على حقيبة رحله ...)
    قوله: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي ].
    محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و ابن ماجة .
    [ حدثنا سلمة يعني: ابن الفضل ].
    سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة في التفسير.
    [ أخبرنا محمد يعني: ابن إسحاق ].
    هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق مدلّس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
    [ عن سليمان بن سحيم ]. سليمان بن سحيم صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ عن أمية بنت أبي الصلت ]. أمية بنت أبي الصلت لا يعرف حالها، أخرج لها أبو داود وحده.
    [ عن امرأة من بني غفار ]. يقال: إنها ليلى امرأة أبي ذر الغفاري ، وحديثها أخرجه أبو داود ، ومن المعلوم أن جهالة الصحابي لا تؤثر، ولكن التأثير في جهالة أمية بنت أبي الصلت الراوية عنها، وكذلك في سلمة بن الفضل الذي هو صدوق كثير الخطأ، فالحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (تأخذ سدرها وماءها تتوضأ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا سلام بن سليم عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة قالت: (دخلت أسماء رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! كيف تغتسل إحدانا إذا طهرت من المحيض؟ قال: تأخذ سدرها وماءها تتوضأ، ثم تغسل رأسها وتدلكه حتى يبلغ الماء أصول شعرها، ثم تفيض على جسدها، ثم تأخذ فرصتها فتتطهر بها، قالت: يا رسول الله! كيف أتطهر بها؟ قالت عائشة رضي الله عنها: فعرفت الذي يكني عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لها: تتبعين بها آثار الدم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أن أسماء -قيل: إنها أسماء بنت شكل أو أسماء بنت يزيد - وهي من الأنصار، جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: كيف تتطهر إحدانا من المحيض؟ يعني: كيف الاغتسال من المحيض؟ فقال لها الرسول عليه الصلاة والسلام: (تأخذ سدرها وماءها تتوضأ، ثم تغسل رأسها، وتدلكه حتى يبلغ الماء أصول شعرها) يعني: تحرك شعرها بيدها وتدلكه حتى يصل الماء إلى أصول الشعر.
    قال: (ثم تفيض على جسدها) يعني: بعدما تغسل رأسها وتدلكه حتى يصل الماء إلى أصوله، ثم تفيض الماء على جسدها كله بحيث تستوعبه في الغسل. إذاً: أولاً: تتوضأ وتغسل رأسها، وتدلكه بالماء والسدر، ولا يلزمها النقض، والنقض مستحب؛ لأن مدة الحيض تطول وتبلغ أياماً، ويكفي أن تصب عليه الماء وتدلكه بيدها حتى يصل الماء إلى أصوله. ثانياً: تفيض الماء على سائر جسدها، وتأخذ قطنة ممسكة، يعني: فيها مسك، وتتبع بها آثار الدم؛ حتى تزيل الرائحة الكريهة، وتحل مكانها رائحة المسك الطيبة. قولها: (كيف أتطهر بها؟) يعني: بهذه القطنة الممسكة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يزد على قوله: (تطهري بها)، ففهمت عائشة رضي الله عنها الذي كنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذتها وقالت: (تتبعي آثار الدم) يعني: تتبعي بهذه القطنة الممسكة آثار الدم، وهذا الحديث فيه بيان كيفية الاغتسال من الحيض.

    تراجم رجال إسناد حديث: (تأخذ سدرها وماءها وتتوضأ...)
    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ أخبرنا سلام بن سليم ].
    هو سلام بن سليم الحنفي أبو الأحوص ، يأتي ذكره كثيراً بالكنية أبو الأحوص ، ويأتي أحياناً بالاسم كما هنا، فهو سلام بن سليم الحنفي أبو الأحوص ، وذكره بالكنية أكثر من ذكره بالاسم، وفائدة معرفة الكنى لأصحاب الأسماء: ألا يظن الشخص الواحد شخصين، بحيث إذا ذكر اسمه في موضع كما هنا سلام بن سليم ، وفي موضع آخر ذكر أبو الأحوص ، فالذي لا يعرف يظن أن أبا الأحوص شخص وأن سلام بن سليم شخص آخر، ولكن من عرف أن هذه كنيته، فإن جاء باسمه فهو معروف، وإن جاء بكنيته فهو معروف، ولا يلتبس عليه فيظن أن المقصود بهذا رجل وبهذا رجل آخر، بل المقصود بهما رجل واحد ذكر اسمه في بعض المواضع وذكر بكنيته في بعض المواضع. وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن إبراهيم بن مهاجر ].
    إبراهيم بن مهاجر صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن صفية بنت شيبة ].
    صفية بنت شيبة لها رؤية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ].
    هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإثم في آيات تتلى من سورة النور، ومع ذلك تتواضع لله عز وجل وتقول عن نفسها: كنت أتمنى أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها، ولَشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى، فهذا من كمالها ونبلها وفضلها، فقد بلغت ما بلغت في الفضل والشرف، ومع ذلك تقلل من شأن نفسها وتهون من شأن نفسها تواضعاً لله عز وجل، ومن تواضع لله رفعه الله، وهي من أوعية السنة وحَفَظتها، ولاسيما في الأمور المتعلقة بالبيت وما يجري بين الرجل وأهل بيته، فإنها وعت وحفظت الكثير، وهي واحدة من سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (تأخذ سدرها وماءها وتتوضأ...) من طريق ثانية


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد أخبرنا أبو عوانة عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهن وقالت لهن معروفاً، وقالت: (دخلت امرأة منهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر معناه، إلا أنه قال: فرصة ممسّكة) قال مسدد : كان أبو عوانة يقول : فرصة، وكان أبو الأحوص يقول: قرصة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه ذكر أن المرأة التي سألت الرسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وأثنت عائشة على نساء الأنصار خيراً؛ وذلك لسؤالهن عن أمور الدين، ولتفقههن في الدين، وأحال في متن الحديث على الحديث السابق؛ لأن المعنى واحد، ولكن اللفظ فيه اختلاف. وقوله: (فرصة ممسّكة) أي: فيها مسك. قوله: [ قال مسدد : كان أبو عوانة يقول : فرصة، وكان أبو الأحوص يقول: قرصة ]. أبو الأحوص هو الذي مر في السند السابق، وهو سلام بن سليم ، وهذا السند فيه أن أبا عوانة قال: فرصة، وذاك قال: قرصة، والمقصود من ذلك: أنها قطعة من القطن يكون عليها مسك.

    تراجم رجال إسناد طريق أخرى لحديث: (تأخذ سدرها وماءها وتتوضأ...)
    قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ].
    هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ أخبرنا أبو عوانة ].
    هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو مشهور بكنيته كأبي الأحوص مشهور بكنيته، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية عن عائشة ]. وقد مرّ ذكر الثلاثة.

    شرح حديث: (... سبحان الله! تطهري بها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري قال: أخبرني أبي عن شعبة عن إبراهيم -يعني: ابن مهاجر - عن صفية بنت شيبة عن عائشة : (أن أسماء رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال: فرصة ممسكة، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: سبحان الله! تطهري بها، واستتر بثوب) وزاد: (وسألته عن الغسل من الجنابة، فقال: تأخذين ماءك فتتطهرين أحسن الطهور وأبلغه، ثم تصبين على رأسك الماء، ثم تدلكينه حتى يبلغ شئون رأسك، ثم تفيضين عليك الماء) قال: وقالت عائشة : نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين، وأن يتفقهن فيه ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه: أن أسماء أنصارية، وأنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، يعني: بمعنى الحديث المتقدم. قوله: [ (فرصة ممسكة، قالت: كيف أتطهر بها؟) ]. هو يريد صلى الله عليه وسلم أن تتبع أثر الدم الخارج في فرجها، حتى تزول تلك الرائحة الكريهة، ويحل محلها رائحة طيبة، فقالت: كيف أتطهر بها؟ فقال: (تطهري بها!) قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: (سبحان الله!) يعني: تعجب من قولها، ولم يزد على ذلك، وإنما قال: (تطهري بها، واستتر بثوب) يعني: غطى وجهه بثوب ولم يرد أن يزيد على ما قال شيئاً، وفي الرواية السابقة قالت عائشة : ففهمت الذي كنى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (تطهري بها) فأخذت بيدها وقلت لها: تتبعي بها أثر الدم.
    قوله: [ (وسألته عن الغسل من الجنابة، فقال: تأخذين ماءك فتتطهرين أحسن الطهور وأبلغه، ثم تصبين على رأسك الماء، ثم تدلكينه حتى يبلغ شئون رأسك، ثم تفيضين عليك الماء) ]. أيضاً سألت عن الغسل من الجنابة فأجابها، والغسل من الجنابة مثل الغسل من الحيض. قوله: [ قالت عائشة رضي الله عنها: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين، وأن يتفقهن فيه ]. أثنت عائشة رضي الله عنها على نساء الأنصار بأن عندهن الحرص على معرفة أمور الدين، ولا يمنعهن الحياء من أن يتفقهن في دين الله، وأن يسألن عن الأمور التي يحتجن إليها رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... سبحان الله! تطهري بها)
    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ].
    هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ أخبرني أبي ].
    هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن إبراهيم -يعني: ابن مهاجر - عن صفية بنت شيبة عن عائشة ].
    وقد مر ذكر الثلاثة."


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #80
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [049]
    الحلقة (80)

    شرح سنن أبي داود [049]


    من رحمة الله بهذه الأمة أن يسر عليها أمر دينها، وأذهب عنها الإصر والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، ومن ذلك أنه شرع التيمم عند عدم وجود الماء أو عند عدم القدرة على استعماله، وقد ورد التيمم بعدة كيفيات.

    التيمم


    شرح حديث: (بعث رسول الله أسيد بن حضير وأناساً معه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التيمم. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي أخبرنا أبو معاوية ح ، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبدة -المعنى واحد- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وأناساً معه في طلب قلادة أضلتها عائشة ، فحضرت الصلاة، فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فأنزلت آية التيمم، زاد ابن نفيل فقال لها أسيد بن حضير : يرحمك الله! ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي:
    باب التيمم بعد أن فرغ مما يتعلق بالوضوء والغسل من الجنابة، والغسل من الحيض، وذكر الأبواب المتعلقة بالتيمم بعد الوضوء وبعد الغسل من الجنابة ومن المحيض في غاية المناسبة وفي غاية الحسن؛ لأن الوضوء والاغتسال من الجنابة والاغتسال من الحيض يكون بالماء، وإذا فقد الماء أو تعذر استعماله بسبب مضرة عظيمة فإنه ينتقل إلى التيمم. وهذا الترتيب أنسب من جعل التيمم قبل الحيض كما في بعض الكتب؛ لأن التيمم طهارة تحل محل ما يتطهر له بالماء. أورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة أحاديث تدل على مشروعية التيمم وأصل فرضيته، وصفته، وبدأ بحديث عائشة رضي الله عنها في مشروعية التيمم وأصل فرض التيمم، وأن أصل ذلك أنها كانت في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات، وفي ليلة من الليالي أرادوا أن يرتحلوا، فذكرت عائشة رضي الله عنها أنها فقدت عقداً لها استعارته من أختها أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما، فالرسول عليه الصلاة والسلام مكث وأرسل من يبحث عن ذلك العقد، وكان فيهم أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه، فكانوا يبحثون ويفتشون عنه، ونفد الماء الذي كان معهم، وكان مما حصل أن أبا بكر غضب على عائشة ؛ لأنها تسببت في حبس الناس بسبب ذلك العقد الذي فقدته، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ذهبوا للبحث عنه لما جاء وقت الصلاة وليس معهم ماء صلوا بدون وضوء، وهذا فيه دليل على أن الصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما فقدوا الماء ولم يكن التيمم قد شرع؛
    علموا أن الصلاة لا تترك ولا تؤخر، فصلوا بدون وضوء، والرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم، ولكن بعد أن شرع التيمم إذا لم يوجد الماء فينتقل الإنسان إلى التيمم، وكذلك إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتوضأ ولا يتيمم فيصلي على حسب حاله، مثل الإنسان الذي تكون يداه مربوطتين ولا يستطيع أن يتحرك، فالصلاة لا تسقط عنه، بل عليه أن يصلي على حسب حاله. فنزلت آية التيمم، فتيمموا وصلوا، وقال أسيد بن حضير رضي الله عنه لعائشة : (يرحمك الله! ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً ومخرجاً)، يعني: أن الذي حصل من حبس الناس بسبب عقدها، وكان في نفس أبي بكر عليها شيء بسبب ذلك، وكانت تألمت وتأثرت لما حصل من أبيها في حقها؛ فشاء الله عز وجل أن يجيء وقت صلاة الفجر وليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، وعند ذلك أثنى أسيد بن حضير رضي الله عنه على أم المؤمنين عائشة .
    وفي بحثهم عن العقد دليل على أن المال لا يستهان به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث من أجل البحث عن هذا العقد، وبعث جماعة يبحثون عن هذا العقد، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يكره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). وبعد أن نزلت آية التيمم وتيمموا وصلوا، عزموا على الارتحال، وأيسوا من العقد، ولما أثاروا البعير وجدوا العقد تحت الجمل الذي كانت تركب عليه عائشة رضي الله عنها.

    رسول الله لا يعلم الغيب
    في هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأنه لا يعلم من الغيوب إلا ما أطلعه الله عليه، وعلم الغيب على الإطلاق من خصائص الله عز وجل، قال الله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، والله تعالى أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب، قال الله: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام:50]، وقال: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]، وكل هذا يدل على أن علم الغيب على الإطلاق إنما هو من خصائص الله سبحانه وتعالى، ولا يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيء من خصائص الله سبحانه وتعالى. والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام قد أطلعه الله على الكثير من الغيوب، سواءً كانت ماضية أو مستقبلة أو موجودة ولكنها لا تشاهد ولا تعاين، ولكن ليس كل غيب يطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة فرض التيمم من أمثلة ذلك، والأمثلة كثيرة ومنها أيضاً: قصة الإفك عندما رميت عائشة بالفاحشة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم الحقيقة، وأذن لها أن تذهب إلى أهلها، وبقيت مدة متألمة، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم بقي متألماً متأثراً، وكان يأتي إلى عائشة رضي الله عنها ويقول لها: (يا عائشة ! إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفري الله) ولو كان يعلم الغيب ما قال هذا الكلام، ولم يبق مدة وهو متألم متأثر، وأهله وزوجته كذلك، وأصهاره أبو بكر وأهله كذلك كلهم متألمون ومتأثرون، فلو كان يعلم الغيب فبمجرد ما رميت بالإفك سيقول لهم: هي بريئة، فأنا أعلم الغيب، لكن ما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا.
    وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام صلى مرة وفي نعليه نجاسة، ولم يعلم بذلك حتى جاءه جبريل وأخبره في أثناء الصلاة، فخلع نعليه وهو في الصلاة عليه الصلاة والسلام. وكذلك يوم البعث والنشور عندما يكون عليه الصلاة والسلام على الحوض ويذاد عنه أناس يعرفهم من أصحابه، ولكنهم ارتدوا وقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه والصحابة على ردتهم، وماتوا على الردة، فإنهم يذادون عن الحوض، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أصحابي، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فلو كان يعلم الغيب عليه الصلاة والسلام لما قيل له هذا الكلام، ولم يقل: (أصحابي) إذ كان يعرف أنهم منعوا من الحوض لكونهم ماتوا على الردة، لكنه ما كان يعلم ذلك عليه الصلاة والسلام.

    النهي عن الغلو في النبي عليه الصلاة والسلام
    الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أطلعه الله على كثير من الغيوب الماضية والمستقبلة والحاضرة التي لا تشاهد ولا تعاين كأخبار السماوات، وأخبار الجنة والنار وما فيهما، وما إلى ذلك من أمور غيبية لا تشاهد ولا تعاين، ولكن الله أطلع نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم عليها. والواجب أن يعرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وينزل المنزلة التي أنزله الله إياها بدون غلو وزيادة ومجاوزة للحد، بحيث يضاف إليه ما يضاف إلى الله، ويوصف بما يوصف به الله، ومن ذلك وصفه أنه يعلم الغيب مطلقاً، قال البوصيري في البردة: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم وقوله: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حصول الحادث العمم وهذا لا يليق ولا يصلح إلا لله عز وجل؛
    لأن النبي عليه الصلاة والسلام ليس كل ما في اللوح المحفوظ؛ وليس كل غيب يعلمه عليه الصلاة والسلام، فالواجب هو محبة النبي صلى الله عليه وسلم المحبة التي تفوق محبة كل مخلوق حتى الأب والأم والولد والبنت والقريب والبعيد، وكل من تربط الإنسان به رابطة، وكل من له به علاقة، فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن تفوق محبة كل محبوب من الخلق، ولكن لا يغلى فيه ولا يطرى ولا يتجاوز به الحد، وإنما يمدح ويثنى عليه في حدود ما هو سائغ من غير إفراط ومن غير مجاوزة للحد.

    تابع شرح حديث: (بعث رسول الله أسيد بن حضير وأناساً معه...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قالت عائشة رضي الله عنها : (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن حضير وأناساً معه في طلب قلادة) ]. هذا فيه اختصار، والقصة أنهم كانوا في سفر وكانت معهم عائشة رضي الله عنها، فلما أرادوا أن يرتحلوا أخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها فقدت عقداً لها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يبقوا، وأرسل أسيد بن حضير ومن معه ليبحثوا عن العقد، لاحتمال أنها فقدته عندما ذهبت تقضي حاجة، فأرسلهم يبحثون عنه ويفتشون. قوله: [ (فحضرت الصلاة، فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله سلم فذكروا ذلك له، فأنزلت آية التيمم) ]. يعني: لم يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالإعادة، فدل هذا على أن الإنسان إذا لم يتمكن من الوضوء ولا من التيمم فإنه يصلي على حسب حاله، والصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال ما دامت الروح في الجسد، وما دام الإنسان فيه حياة، فإن عليه أن يصلي على حسب حاله؛
    لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر هؤلاء الذين صلوا بدون وضوء، فدل هذا على أنه بعد فرض التيمم إذا لم يتمكن الإنسان لا من هذا ولا من هذا فإنه يصلي على حسب حاله ولا تسقط عنه الصلاة. قوله: [ زاد ابن نفيل : (فقال لها أسيد بن حضير : يرحمك الله! ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً) ]. قول أسيد بن حضير رضي الله عنه لها هو من رواية ابن نفيل أحد شيخي أبي داود ، والمعنى أنه حصل خير كثير وشيء عظيم بسبب هذا الانحباس، وهو أنه شرع لهم التيمم الذي يتطهر به المسلمون عند فقد الماء أو عند عدم القدرة على استعماله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (بعث رسول الله أسيد بن حضير وأناساً معه...)
    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].
    هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [ أخبرنا أبو معاوية ].
    هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، و عثمان بن أبي شيبة قد مر ذكره.
    [ أخبرنا عبدة ]. هو عبدة بن سليمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ والمعنى واحد ].
    يعني: أن رواية شيخه النفيلي ورواية شيخه عثمان بن أبي شيبة معناهما واحد، وهذه طريقة أبي داود رحمه الله أنه عندما يذكر اثنين من شيوخه أو أكثر يقول: المعنى، وأحياناً يقول: المعنى واحد، كما هنا، يعني: أن هؤلاء الشيوخ الذين ذكرهم ليسوا متفقين في الألفاظ ولكنهم متفقون في المعنى. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة ربما دلّس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم المؤمنين عائشة ]. أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد مر ذكرها.

    شرح حديث: (تمسحوا مع رسول الله بالصعيد لصلاة الفجر...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه كان يحدث: (أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الأحاديث التي فيها صفة المسح، وكيفية المسح، وهل هو ضربتان أو ضربة واحدة؟ وهل مسح اليدين يكون إلى الكفين فقط أو إلى المرافق أو إلى الآباط والمناكب؟ منها ما هو للوجه والكفين فقط وهذا هو الذي في الصحيحين، ومنها ما هو إلى المرافق وإلى نصف الساعد، ومنها ما هو إلى الآباط،
    وقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: إن الذي في الصحيحين للكفين، والأحاديث التي فيها إلى نصف الساعد وإلى المرافق فيها مقال، وأما الأحاديث التي فيها إلى الآباط فوردت عن الصحابة، فإن كان فعلهم بأمره صلى الله عليه وسلم فالأحاديث التي جاءت بعد ذلك وصحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون ناسخة له، وإن كانت باجتهاد من الصحابة وأنهم فهموا أن المراد باليد إلى المناكب؛ لأن اليد في القرآن مطلقة في قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] فيكون هذا اجتهاد منهم والعبرة بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي جاء عنه صلى الله عليه وسلم وثبت في الصحيحين هو أنه للكفين فقط ولا يتجاوز ذلك إلى غيره. هذا ما قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري تحت ترجمة: باب التيمم للوجه والكفين.
    أورد أبو داود رحمه الله حديث عمار (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وتمسحوا)، أي: تيمموا بالصعيد، ومسحوا على وجوهم وأيديهم منه، وفيه ذكر ضربتين: ضربة للوجه وضربة لليدين، وجاء في بعض الأحاديث أنها ضربة واحدة، وأنها كافية، وإن ضرب الإنسان ضربتين فقد جاء ما يدل على ذلك وهو هذا الحديث، ويكتفى بمسح الكفين فقط، والذين قالوا: يمسح إلى المرافق استدلوا ببعض الروايات التي وردت وفيها المسح إلى المرافق، لكن تلك الروايات لا تسلم من مقال، وأيضاً استدلوا بالقياس على الوضوء، وذلك أن الوضوء يكون غسل اليدين فيه إلى المرفقين، ولكن ما دام أن السنة قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتصار على مسح الكفين فقط فالاقتصار على ذلك هو المتعين، فإن السنة بينت المراد بالإجمال الذي في الآية، وحددت ذلك بالكفين، فإن اليد في الآية مطلقة، فإذا جاء ما يقيدها من السنة صير إليه، كما أنه جاء ذكر الأيدي بالنسبة للسرقة مطلقة، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن القطع يكون من المفصل الذي يكون بين الكف والساعد، وكذلك أيضاً جاء في السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وفي غيرهما أن التيمم للكفين فقط، فتكون السنة مبينة للمراد من الآية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (تمسحوا مع رسول الله بالصعيد لصلاة الفجر....)
    [ حدثنا أحمد بن صالح ].
    هو أحمد بن صالح المصري وهو ثقة، أخرج أحاديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
    [ حدثنا عبد الله بن وهب ].
    هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرني يونس ].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمار بن ياسر ]. عمار بن ياسر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قيل: إن عبيد الله لم يسمع من عمار وإنما روى عنه بواسطة، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الواسطة بينهما، وأنه ابن عباس .

    شرح حديث: (تمسحوا مع رسول الله بالصعيد لصلاة الفجر...) من طريق ثانية
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري وعبد الملك بن شعيب عن ابن وهب نحو هذا الحديث قال: (قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فذكر نحوه، ولم يذكر المناكب والآباط، قال ابن الليث : إلى ما فوق المرفقين) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمار من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه أنه قال: (لم يقبضوا شيئاً من التراب) ومعناه: أنهم لما ضربوا لم يأخذوا شيئاً من التراب بأيديهم، وإنما الذي علق باليدين عند الضرب هو الذي تيمموا به، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه نفخ يديه حتى يخفف الغبار الكثير الذي علق باليد.
    إذاً: قوله: (لم يقبضوا)، يبين أن قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] أن قوله: ((مِنْهُ)) يعني: ما يعلق باليد، وليس المقصود به ما يقبض باليد وما يمسك باليد، وإنما ما يعلق باليد من الصعيد مما يتصاعد ويتطاير عند الضرب في الأرض، فهذا هو الذي يمسح به، وإذا كان كثيراً ينفض؛ لأنه جاء في بعض الروايات الصحيحة في البخاري وغيره: (أنه نفخ يديه حتى يخفف التراب). قوله: [ وقال ابن الليث ]. ابن الليث هو عبد الملك بن شعيب بن الليث أحد شيخي أبي داود في هذا الحديث، وهو الشيخ الثاني.

    تراجم رجال إسناد حديث: (تمسحوا مع رسول الله بالصعيد لصلاة الفجر...) من طريق ثانية

    قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ].
    هو سليمان بن داود المهري أبو الربيع المصري وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
    [ وعبد الملك بن شعيب ].
    هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
    [ عن ابن وهب ].
    ابن وهب مر ذكره.


    شرح حديث: (فأنزل الله على رسوله رخصة التطهر بالصعيد الطيب...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف و محمد بن يحيى النيسابوري في آخرين، قالوا: حدثنا يعقوب أخبرنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمار بن ياسر رضي الله عنهم أجمعين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس بذات الجيش ومعه عائشة فانقطع عقد لها من جزع ظفار ، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر، وليس مع الناس ماء فتغيظ عليها أبو بكر رضي الله عنه وقال: حبست الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم رخصة التطهر بالصعيد الطيب، فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض،
    ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط) ، وزاد ابن يحيى في حديثه: قال ابن شهاب في حديثه: ولا يعتبر بهذا الناس ]. قوله: [ولا يعتبر بهذا الناس]، يعني: أن الناس لم يعتدوا ولم يأخذوا بما جاء في هذا الحديث من ذكر الآباط والمناكب، وحديث عمار رضي الله تعالى عنه هذا يرويه عنه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفيه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام عرس بذات الجيش) وهو مكان، والتعريس: هو الاستراحة في آخر الليل، فعندما أرادوا أن يرتحلوا فقدت عائشة عقداً لها، وكان من جزع ظفار، وهي مدينة في اليمن، والجزع هو الخرز، فأمر الرسول عليه الصلاة والسلام الناس أن يبقوا للبحث عنه، وقد سبق أن أسيد بن حضير في جماعة هم الذين بحثوا عن ذلك العقد.
    قوله: (فتغيظ أبو بكر على عائشة وقال: حبست الناس وليس معهم ماء! يعني: أن عائشة رضي الله عنها هي السبب في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالبقاء، فأضاف الحبس إلى عائشة ؛ لأنها هي المتسببة في ذلك، وإلا فإن الحبس إنما هو من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو الذي أمر الناس بأن يبقوا، وبعد ذلك أنزل الله آية التيمم فتيمموا. وكان مما ذكر في تيممهم أنهم مسحوا وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطونها إلى الآباط، فظهور الأيدي يقابلها المناكب، فمسحوا من الظهور إلى المناكب، ومن البطون إلى الآباط، بحيث يبدأ بظهر اليد وينتهي بالمنكب، ويبدأ من بطنها وينتهي بالإبط.

    تراجم رجال إسناد حديث: (فأنزل الله على رسوله رخصة التطهر بالصعيد الطيب)

    قوله: [ حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف و محمد بن يحيى النيسابوري ].
    محمد بن أحمد بن أبي خلف ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود . و محمد بن يحيى النيسابوري هو الذهلي ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    قوله: [ في آخرين ]. يعني: حدثه جماعة غير هذين الاثنين.
    [ حدثنا يعقوب ]. هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا أبي ].
    أبوه هو إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن صالح ]. هو صالح بن كيسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب ].
    مر ذكره.
    [ عن عبيد الله بن عبد الله ]. مر ذكره.
    [ عن عبد الله بن عباس ]. هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    توجيه حديث: (فأنزل الله على رسوله رخصة التطهر بالصعيد الطيب)
    هذا الحديث صحيح، لكن الأمر كما قال الحافظ ابن حجر : إن كان التيمم إلى المناكب بأمر النبي عليه الصلاة والسلام فقد جاء ما ينسخه، وإن كان بفعلهم فالعبرة بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسح الوجه والكفين فقط. [ قال ابن شهاب في حديثه: ولا يعتبر بهذا الناس ]. يعني: الناس لم يأخذوا بما جاء فيه من المسح إلى الآباط، وقد جاء عن الزهري أنه يرى المسح إلى الآباط، لكن هذا الذي ذكره هنا يخالف الذي جاء عنه، و ابن رشد في بداية المجتهد لما ذكر هذا قال: إنه قول شاذ نسب إلى الزهري القول به وإلى شخص آخر معه، وأما المسح إلى المرفقين فقد جاءت فيه أحاديث فيها كلام، وبعضها شاذ؛ لأنه مخالف للروايات الصحيحة التي فيها ذكر الكفين.
    اختلاف الرواة في حديث ضرب الأرض عند التيمم
    [ قال أبو داود : وكذلك رواه ابن إسحاق قال فيه: عن ابن عباس ، وذكر ضربتين كما ذكر يونس ]. يعني: كما تقدم في الرواية السابقة التي يروي فيها ابن عباس عن عمار، قال: (فقام المسلمون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فضربوا بأيديهم إلى الأرض، ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئاً فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الآباط)، فذكر ضربة واحدة، وفي رواية ابن إسحاق ذكر ضربتين: ضربة للوجه، وضربة لليدين.
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه معمر عن الزهري ضربتين ]. يعني: كما جاء عن ابن إسحاق . قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال مالك : عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار ]. هذه طريق أخرى، وفيها أن عبيد الله يروي عن أبيه عن عمار وليس فيها أن ابن عباس هو الواسطة بين عبيد الله وبين عمار ، و أبو عبيد الله هو عبد الله بن عتبة بن مسعود ابن أخي عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكذلك قال أبو أويس عن الزهري ]. أبو أويس هو عبد الله بن عبد الله بن أويس وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وشك فيه ابن عيينة قال مرة: عن عبيد الله عن أبيه أو عن عبيد الله عن ابن عباس ]. أي: شك فيه ابن عيينة فقال في بعض الروايات: عن عبيد الله عن أبيه، فجعل الواسطة بين عمار وبين عبيد الله أبوه، وقال مرة: عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمار . قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومرة قال: عن أبيه،
    ومرة قال: عن ابن عباس ، اضطرب ابن عيينة فيه، وفي سماعه من الزهري ]. يعني: أنه مرة شك، ومرة قال: عن أبيه، ومرة قال: عن ابن عباس ، فاضطرب فيه ابن عيينة عن الزهري . قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث الضربتين إلا من سميت ]. يعني: لم يذكر أحد منهم الضربتين في هذا الحديث إلا من سميت: وهم محمد بن إسحاق و يونس بن يزيد و معمر بن راشد ، وكل من الضربتين والضربة ثابت، فإن ضرب المتيمم واحدة كفت، وإن ضرب ضربتين فلا بأس.

    الأسئلة



    حكم السلام على شارب الدخان

    السؤال: هل يجوز السلام على من كان متلبساً بالمعصية كالذي يشرب الدخان في حال شربه؟

    الجواب: يسلم عليه وينصحه.
    زكاة مال المضاربة
    السؤال: والدي عنده مبلغ من المال تركنا نتصرف فيه بالتجارة، والأرباح لنا، فعلى من تكون الزكاة؟

    الجواب: في المضاربة زكاة رأس المال على صاحب رأس المال، ونصيبهم من الربح تابع لرأس المال، وما يأخذونه من الربح بسبب العمل إذا بلغ نصيب كل واحد منهم نصاباً وحال عليه الحول فإنه يزكيه.

    حكم بيع البيت المشترى بالأقساط قبل تسليم بقية الأقساط

    السؤال: الدولة تبيع بيوتاً بأقساط مثلاً: بعشرين ألفاً مقدمة، وعشرين ألفاً مؤخرة، ولا تجيز للشخص المشتري أن يبيع البيت حتى يسدد باقي الأقساط، فهل يجوز لي أن أبيع هذا البيت على أن يقوم الذي اشتراه مني بتسديد باقي الأقساط؟

    الجواب: إذا كانت الدولة تسمح بهذا فلا بأس، وإذا كانت لا تسمح فيبقى الأمر على ما هو عليه.

    حكم بيع سيارة قبل امتلاكها

    السؤال: الدولة تبيع سيارات من الناس على أن يدفع المال مقدماً بسعر زهيد، ويأخذ إيصالاً على تلك السيارة، وبعد أيام يأخذ السيارة، والسيارة جديدة إلا أنها غير معلومة، فهل يجوز أن أبيع هذا الإيصال؟

    الجواب: الإنسان لا يبيع الشيء إلا إذا ملكه، وأنت ما ملكت السيارة، فإذا ملكت السيارة بعها، وأما قبل أن تملكها فليس لك أن تبيع شيئاً لا تملكه.

    حكم الزواج عن طريق الهاتف

    السؤال: هل يجوز النكاح عن طريق الهاتف؟

    الجواب: النكاح يحتاج إلى ولي وشاهدي عدل، وكذلك يحتاج إلى كون الذي يتولاه يكون على علم ومعرفة حتى لا يقع النكاح على وجه لا يصلح بأن يتزوج المرأة في عدتها مثلاً، إذا كان غير حاضر فيرسل وكالة لشخص، ويجتمع ذلك الوكيل مع ولي المرأة ويحضر الشهود ويتم الزواج."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •