تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 5 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 100 من 111

الموضوع: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

  1. #81
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله


    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(78)



    بقية وجوه الترجيح في المأخوذ له الميثاق



    الوجه الثالث : أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عامة , و شريعته دائمة , فناسب أن يؤخذ العهد على الأنبياء ــ إن ظهر في زمانهم ــ أن يؤمنوا به و ينصروه لعموم دعوته التي تشملهم , بخلاف الأنبياء , فقد كان كل واحد منهم يبعث لقومه خاصة , وربما اجتمع في الزمن الواحد نبيان وثلاثة وأكثر , كل نبي في قرية كإبراهيم ولوط , و يعقوب ويوسف , وموسى والخضر عليهما السلام , و لم يثبت أن نبياً اتبع غيره و ترك قومه أو أمرهم بإتباع ذلك النبي , ولولا أن موسى ذهب يطلب الخضر ليتعلم منه بواطن الأمور التي أوحى بها إليه , ما قدر لهما أن يجتمعا , فلا يعقل أن يؤخذ عهد على نبي في نبي آخر لا يلزمه اتباعه و لا الاجتماع به .

    و لا يرد على هذا قول الله تعالى في شأن زكريا ( فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ )

    لأن الملائكة لم يبشروه بيحيى مصدقاً بعيسى باسمه و شخصه , كما بشرت التوراة و الإنجيل بنبينا باسمه ونعته , ولكن مصدقاً بكلمة من الله , أي بعيسى من حيث كانت ولادته آية كما قال الله تعالى (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً)[ سورة المؤمنون / 50 ] .

    و الحكمة في ذلك : الرد على النصارى لأنه إذا كان يحيى , وهو يوحنا المعمدان عندهم , يؤمن بأن عيسى كلمة من الله , أي أوجده بكلمة كن , كان ادعائهم فيه أنه ابن الله أو ثالث باطلاً لا ينبني على أساس.

    الوجه الرابع: أن الله تعالى أخبر عن كبار الأنبياء أنهم بشروا بنبينا صلى الله عليه وسلم فقد دعا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فقالا ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ )[ سورة البقرة /129 ].

    قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبى العالية في قوله " رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ " يعنى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقيل له: قد استجيب لك ، وهو كائن في آخر الزمان ، وكذا قال السدى وقتادة(1)

    وقال تعالى مبيناً بشارة التوراة والإنجيل به صلى الله عليه وسلم: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ)[ سورة الأعراف / 157 ] .

    ولم يأت هذا في شأن نبي غيره، ومن ثم آمن به تبع الأكبر وحبيب النجار وورقة بن نوفل وغيرهم قبل ظهوره،ولم يؤمن بنبي أحد إلا بعد ظهوره كما قال الزمخشرى.

    الوجه الخامس: أن الله أمد نبيه بالملائكة يقاتلون معه وينصرونه كما سيأتي وحيث وجب نصره على الملائكة الذين لم يتعبدهم الله بشريعة نبي قبله، لا في قتال، ولا في غيره، فمن المعقول جداً أن يجب نصره على إخوانه الأنبياء.

    الوجه السادس: أن الله تعالى وصف صحابته في التوراة والإنجيل فقال: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ..) [ سورة الفتح / 29 ]

    فبهذه الوجوه وهى مأخوذة من القرآن تكون آية الميثاق نصاً في نبينا صلى الله عليه وسلم لا تحتمل غيره.

    وقد ورد على هذا القول إشكال بناء على أن الميثاق قد أخذ على النبيين أنفسهم، وهو أن هذا الرسول ما جاء في عصر أحد منهم وكان الله تعالى يعلم ذلك عند أخذ الميثاق عليهم لأن علمه أزلي أبدى.

    وأجيب عنه: بأنه مبنى على الفرض، أي إذا فرض أن جاءكم وجب عليكم الإيمان به ونصره، ويكون المراد منه بيان مرتبته صلى الله عليه وسلم مع النبيين إذا فرض أن وجد في عصرهم، وهو أن يكون الرئيس المتبوع لهم، فما قولك إذا في أتباعهم لا سيما بعد زمنهم .

    وإنما كان له صلى الله عليه وسلم هذا الاختصاص، لأن الله تعالى قضى في سباق علمه بأن يكون هو خاتم النبيين الذي يجئ بالهدى الأخير العام الذي لا يحتاج البشر بعده إلى شئ معه سوى استعمال عقولهم واستقلال أفكارهم وأن يكون ما قبله من الشرائع التي يجيئون بها هداية موقوتة خاصة بقوم دون قوم(2)





    (1) تفسير ابن كثير ( 1 / 184 ).

    (2) تفسير المنار ( 3 289 ).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #82
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله


    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(79)




    أقوال للعلماء تؤيد الترجيح السابق



    والقول الذي رجحته وذهبت إليه ليس تفرداً منى: بل إن العلامة الأوسي بعد أن ذكر آراء العلماء حول الآية يقول : " واختار كثير من العلماء القول الأول – وهو ما رجحته وانتهيت إليه- وهو أخذ الميثاق من النبيين له صلى الله عليه وسلم على ما دل عليه قول الإمام على كرم الله تعالى وجهه، مع علمه سبحانه أنهم لا يدركون وقته لا يمنع من ذلك، لما فيه مع ما علمه الله تعالى من التعظيم له صلى الله عليه وسلم والتفخيم، ورفعة الشأن، والتنويه بالذكر، ما لا ينبغي إلا لذلك الجناب، وتعظيم الفائدة إذا كان ذلك الأخذ عليهم في كتبهم لا في عالم الذر فإنه بعيد كبعد ذلك الزمان – كما عليه البعض.

    ويؤيد القول بأخذ الميثاق من الأنبياء الموجب لإيمان من أدركه عليه الصلاة والسلام منهم به، ما أخرجه أبو يعلى عن جابر قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فإما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق، وإنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني ) (1)

    وفى معناه أخبار كثيرة وهى تؤيد بظاهرها ما قلنا – ومن هنا ذهب العارفون إلى أنه صلى الله عليه وسلم هو النبي المطلق، والرسول الحقيقي والمشرع الاستقلالي، وأن من سواه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في حكم التبعية له صلى الله عليه وسلم" (2)


    ويعلق العلامة ابن كثير على حديث أبى يعلى السابق بقوله: "وفى بعض الأحاديث: "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي".

    فالرسول محمد خاتم الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين – هو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر لكان هو الواجب الطاعة المقدم على الأنبياء كلهم، ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس، وكذلك هو الشفيع في المحشر في إتيان الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده، وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له، والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين حتى تنتهي النوبة إليه فيكون هو المخصص به صلوات الله وسلامه عليه"(3)

    وللشيخ تقى الدين السبكى استنباط رائع استقاه من هذه الآية يقول الشيخ في كتابه "التعظيم والمنة في "لتؤمنن به ولتنصرنه" (في هذه الآية من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره العلى ما لا يخفى- وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه فى زمانهم يكون مرسلا إليهم، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته ، ويكون قوله:( بعثت إلى الناس كافة ) (4)،لا يختص به الناس في زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضا.

    فانظر هذا التعظيم العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم، من ربه سبحانه وتعالى، فإذا عرفت ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم هو نبي الأنبياء ولهذا ظهر ذلك فى الآخرة ، جميع الأنبياء تحت لوائه، وفي الدنيا كذلك ليلة الإسراء صلى بهم، ولو اتفق مجيئه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته ، وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم، فنبوته عليهم ورسالته إليهم معنى حاصل له، وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه ــ فتأخر ذلك الأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم اتصافهم بما يقتضيه – وفرق بين توقف الفعل على قبول المحل وتوقفه على أهلية الفاعل، فهنا لا توقف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة، وإنما هو من جهة وجود العصر المشتمل عليه، فلو وجد فى عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك، ولهذا يأتي عيسى فى آخر الزمان على شريعته وهو نبي كريم على حاله، لا كما يظن بعض الناس أنه يأتي واحدا من هذه الأمة – نعم هو واحد من هذه الأمة لما قلناه من اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم – وإنما يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة وكل ما فيهما من أمر ونهى فهو متعلق به كما يتعلق بسائر الأمة، وهو نبي كريم على حاله لم ينقص منه شيء، ولذلك لو بعث النبي صلى الله عليه وسلم فى زمانه أو فى زمن موسى وإبراهيم ونوح وآدم كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم نبي الله ورسوله إلى جميعهم، فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ويتفق مع شرائعهم فى الأصول لأنها لا تختلف – وتقدم شريعته صلى الله عليه وسلم فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع إما على سبيل التخصيص، وإما على سبيل النسخ – أو لا نسخ ولا تخصيص – بل تكون شريعة النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الأوقات بالنسبة إلى تلك الأمم مما جاءت به أنبياؤهم، وفي هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة هذه الشريعة ــ والأحكام تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات).

    ولعمري إنه لاستنباط رائع وفهم جميل.









    (1)الحديث أخرجه أحمد ( 3 / 387 ) وفي إسناده مجالد بن سعيد الهمداني ، قال عنه ابن حجر في التقريب : ( 2 / 237 ) " ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره ، وقال في التنقيح : رجال أحمد رجال الحسن ، وعند أحمد وابن ماجه عن ابن عباس ، وإسناده حسن ، وعند ابن حبان عن جابر أيضا بإسناد صحيح ( بلوغ الآماني ( 1ذ / 175 ) وأخرج طرفا منه أبو نعيم في دلائله ( 1 / 8 ) ، وانظر : تفسير ابن كثير ( 2 / 56 ) .

    (2) تفسير الألوسي ( 3 / 210 ).

    (3) تفسير ابن كثير ( 2 / 56 ، 57 ) .

    (4) أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ( جعلت لي الأرض مسجدا ... ) ( 438 )



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #83
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(80)



    تساؤل والإجابة عليه





    فإن قيل قال الله تعالى: ( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )[ سورة الأنعام / 90 ] فهذه الآية قد يشم منها أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور باتباع الأنبياء، وهو ينافى ما قرر سابقاً.

    فالجواب:- ( بأن هداهم من الله وهو شرعه صلى الله عليه وسلم ، أي الزم شرعك الذى ظهر به نوابك من إقامة الدين وعدم التفرقة فيه ، ولم يقل الله "بهم اقتده" وكذا قال تعالى " ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً" [ سورة النحل / 123 ] وهو الدين فهو صلى الله عليه وسلم مأمور باتباع الدين، فإن أصل الدين إنما هو من الله تعالى لا من غيره – وأين هذه فى قوله صلى الله عليه وسلم "لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني" فأضاف الاتباع إليه ، وأمر هو صلى الله عليه وسلم باتباع الدين لا باتباع الأنبياء – فإن السلطان الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوابه حكم إلا له، فإذا غاب حكم النواب بمراسيمه فهو الحاكم فى الحقيقة غيبة وشهادة

    فإنك شمس والملك كواكب إذا ظهرت لم يبد منهن كوكب

    وأنت مصباح كل فضل فما تصدر إلا عن ضوءك الأضواء

    هذا وقد حقق القطب الرازى فى حواشية على الكشاف:- "أنه يتعين أن الاقتداء المأمور به ليس إلا فى الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة : كالحلم والصبر والزهد وكثرة الشكر والتضرع ونحوها ، ويكون فى الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل منهم قطعاً ، لتضمنها أن الله تعالى هدى أولئك النبيين عليهم السلام إلى فضائل الأخلاق وصفات الكمال، وحيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بهداهم جميعاً، امتنع للعصمة أن يقال إنه لم يمتثل، فلابد أن يقال إنه صلى الله عليه وسلم قد امتثل وأتى بجميع ذلك وحصل تلك الأخلاق الفاضلة التى في جميعهم، فاجتمع فيه من خصال الكمال ما كان متفرقاً فيهم، وحينئذ يكون أفضل من جميعهم قطعاً كما أنه أفضل من كل واحد منهم، وهو استنباط حسن"

    ولعله من نافلة القول أن ننقل كلام الخازن، ففيه توضيح وتفصيل لما حققه القطب الرازي.

    يقول الإمام الخازن:- " احتج العلماء بهذه الآية – أى آية الأنعام السابقة – على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

    بيانه: أن جميع خصال الكمال وصفات الشرف كانت متفرقه فيهم، فكان نوح صاحب احتمال على أذى قومه، وكان إبراهيم صاحب كرم وبذل ومجاهدة فى الله عز وجل، وكان إسحاق ويعقوب من أصحاب الصبر على البلاء والمحن، وكان داود عليه السلام وسليمان من أصحاب الشكر على النعمة، قال الله فيهم: "اعملوا آل داود شكراً" وكان أيوب صاحب صبر على البلاء، قال الله فيه: "إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب" وكان يوسف قد جمع الحلتين يعنى الصبر والشكر، وكان موسى صاحب الشريعة الظاهرة والمعجزات الباهرة، وكان زكريا ويحيى وعيسى وإلياس من أصحاب الزهد فى الدنيا، وكان إسماعيل صاحب صدق، وكان يونس صاحب تضرع وإخبات.

    ثم إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بهم، وجمع له جميع الخصال المحمودة المتفرقة فيهم، فثبت بهذا البيان أنه صلى الله عليه وسلم كان أفضل الأنبياء لما اجتمع فيه من هذه الخصال التى كانت متفرقة فى جميعهم والله أعلم (1)

    لكن قد يقال إن المزية لا تقضى الأفضلية ولذا قال أشياخنا المحققون: إنه وإن كان جامعاً لجميع ما تفرق فى غيره فتفضيله من الله لا بتلك المزايا، فقد فاقهم فضلاً ومزايا(2)







    (1) تفسير الخازن ( 2 / 157 ) .

    (2) حاشية الصاوي ص 10 ، 11 .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #84
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله


    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(81)



    دعوة أبيه إبراهيم


    من الإرهاصات التي سجلتها السنة النبوية وقررها القرآن الكريم لنبينا صلى الله عليه وسلم ضراعة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام عند البيت العتيق ببعثته صلى الله عليه وسلم
    روي الإمام احمد وغيره من حديث أبي أمامة رضي الله عنه :" قال قلت : يا نبي الله ما كان أول بدء أمرك ؟ قال دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام "(1)
    وروي ابن حبان واحمد وغيرهما من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنهما قال :" سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (إني عبد الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله عليهم) (2)
    وقد نص القرآن الكريم علي هذه الدعوة وذلك إذ يقول تعالي:( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم * ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم)[ سورة البقرة / 127 ــ 129 ]
    فقوله تعالي:" :( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل..)حاو للحال التي كان عليها إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت ويدعوان الله بما دعواه به في قولهما ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك) وقد استجاب الله لهما فجعل منهما أمة محمد صلى الله عليه وسلم وامتن الله علي تلك الأمة بهذه النعمة حين قال:( ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل)[ سورة الحج /78 ]
    ثم كان من دعائهما قولهما ( ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم)وقد استجاب الله لهما فبعث النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم.




    (1)المسند (5/262) والطبراني في الكبير (7729) والبيهقي في الدلائل(1/84) وابن سعد في الطبقات (1/102) وقال الهيثمي في المجمع (8/222) وإسناد احمد حسن وله شواهد تقويه. " قلت ومن شواهده حديث العرباض التالي وحديث خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر شبيها بهذا بزيادة ، أخرجه الحاكم في المستدرك (2/600) وقال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

    (2) موارد الظمآن (2093) والمسند(4/127، 128) والطبراني في الكبير( 18/252) والبيهقي في الدلائل(1/80) والبزار كما في كشف الأستار( 3/112، 113) رقم (2365) وقال الهيثمي في المجمع(8/223) :"رواه احمد والطبراني والبزار وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #85
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(82)



    لماذا كان الدعاء خاصاً بنبينا دون غيره ؟





    وقد يقول قائل: لما نعتبر هذا خاصا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وقد كان بعد إبراهيم عليه السلام أنبياء كثيرون أتوا من بعده ؟؟

    والجواب : أننا نعتبر ذلك خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم لأسباب:

    الأول: أن الدعاء كان من إسماعيل مع إبراهيم والأمة التي انحدرت منهما هي أمة العرب وأما غير العرب فلم يكونوا منسوبين إلي إسماعيل وإن كانوا منسوبين إلي إبراهيم عليه السلام .

    الثاني : كان دعاء إبراهيم وإسماعيل في أم القري – مكة المكرمة- قلب الأمة العربية ومهوي أفئدتهم .. والرسول الذي كان من العرب وولد في هذه البقعة وبعث فيها بعد إسماعيل هو محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

    الثالث: أن القرآن نفسه يوضح هذا المعني ويؤكده في قول الحق تبارك وتعالي:( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)[ سورة البقرة /151 ]

    وفي قوله تعالي:( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)[ سورة آل عمران / 164 ]

    وفي قوله تعالي:( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)[ سورة التوبة / 128 ]

    وفي قوله تعالي:( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)[ سورة الجمعة / 2 ]

    والذي لا ريب فيه أن في هذه الآيات تفسيرا واضحا لهذا الإرهاص ولتلك البشري وهذه الدعوات التي جاءت علي لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام .

    الرابع: ما رواه واحمد والحاكم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنهما قال :" سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إني عبد الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى قومه ، ورؤيا أمي التي رأت انه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام..."(1)

    وأراد صلى الله عليه وسلم أثر دعوته أو مدعوه أو عين دعوته – علي المبالغة ولما كان إسماعيل عليه السلام شريكا في الدعوة كان الرسول صلى الله عليه وسلم دعوة إسماعيل عليه السلام أيضا إلا أنه خص إبراهيم لشرافته وكونه أصلا في الدعاء ووهم من قال : إن الاقتصار في الحديث علي إبراهيم يدل علي أن المجاب من الدعوتين كان دعوة إبراهيم دون إسماعيل عليهما الصلاة والسلام .

    وفي الأثر: أنه لما دعى إبراهيم قيل له : قد أستجيب لك وهو يكون في آخر الزمان "(2)


    الخامس: أنه إجماع المفسرين وهو حجة(3)






    (1) المستدرك للحاكم(2/656) وقال حديث صحيح الاسناد، ووافقه الذهبي، المسند4/127.

    (2) روح المعاني 1/386

    (3) انظر تفسير الفحر الرازي (4/72)،غرائب القران (1/456)تفسير الالوسي(1/386) التحرير والتنوير (1/722)




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #86
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(83)



    أوصاف المدعو له





    وإذا تبين من خلال الأسباب السابقة أن المراد بدعاء الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم دون غيره فإنهما قد ذكرا في دعائهما لهذا الرسول أوصافا أربعة وهي :

    1 ــ "يتلو عليهم آياتك" أي يقرأ عليهم ما توحيه إليه وهو القران الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لأن الذي كان يتلوه عليهم هو القرآن فوجب حمله عليه

    2 ــ "ويعلمهم الكتاب " يعني معاني الكتاب وحقائقه ، لأن المقصود الأعظم تعليم ما في القرآن من دلائل التوحيد والنبوة والأحكام الشرعية فلما ذكر الله تعالى أولا أمر التلاوة- وهي حفظ القران ودراسته ليبقي مصونا عن التحريف والتبديل- ذكر بعده تعليم حقائقه وأسراره .

    3 ــ "والحكمة" أي ويعلمهم الحكمة وهي الإصابة في القول والعمل ولا يسمي الرجل حكيما إلا إذا اجتمع فيه الأمران، وقيل الحكمة معرفة الأشياء بحقائقها ، وقيل: الفقه في الدين أو السنة المبينة للكتاب نفسه.

    4 ــ "ويزكيهم" أي يطهرهم من أرجاس الشرك وأنجاس الشك وقاذورات المعاصي، وهو إشارة إلي التحلية كما أن التعليم إشارة إلي التخلية وقيل: ويزكيهم من التزكية أي يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ(1)

    فهذه الأوصاف الأربعة قد استوفت منابع الدين أصولا وفروعا، لأن تلاوة الآيات وحفظها بألفاظها كما نزلت والتعرف علي بلاغتها وروعة أساليبها ووجوه إعجازها- كل هذا- داع إلي تفهم معانيها وتعقل مراميها ، فإذا جمع الإنسان بين التلاوة والفهم كان أحري وأجدر بتقبل الحكمة النبوية التي ظهرت في حياة رسول اللهصلى الله عليه وسلمقولا وعملا ، فإذا ما ارتقي إلي هذه الدرجة زاد خيره وعم نفعه وطهر قلبه وخلص لمولاه ونظفت جوارحه مما يغضب الله تعالى.(2)

    يقول الطاهر ابن عاشور:" وقد جاء ترتيب هذه الجمل في الذكر على حسب ترتيب وجودها لأن أول تبليغ الرسالة تلاوة القرآن ، ثم يكون تعليم معانيه قال تعالى :( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)[ سورة القيامة / 18 ــ 19 ]

    وقال الدكتور طنطاوي:" وقد جاءت ترتيب هذه الجمل في أسمى درجات البلاغة والحكمة؛ لأن أول تبليغ الرسالة يكون بتلاوة القرآن ثم بتعليم معانيه ، ثم بتعليم العلم النافع الذي تحصل به التزكية والتطهر من كل ما لا يليق التلبس به في الظاهر، أو الباطن "(3)





    (1) تفسير الخازن 1/82،روح المعاني 1/387

    (2) التفسير الوسيط1/196

    (3) التفسير الوسيط 1/275





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #87
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(84)



    العلاقة بين التزكية والتعليم



    ومما يلاحظ في الدعاء أنه قد جمع بين التزكية والتعليم غير أن التعليم – وهو تحلية- تقدم علي التزكية- وهي تخلية- في دعوة إبراهيم عليه السلام فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وامتن الله به علي هذه الأمة وتحدث عن أوصافه قدمت التزكية علي التعليم يقول تعالى:( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)[ سورة البقرة / 151 ]

    ويقول تعالى:( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة..)[ سورة آل عمران / 164 ]

    ويقول تعالى:( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة..)[ سورة الجمعة / 2 ] فما الحكمة من ذلك؟

    والجواب: رهن بمعرفة الفرق بين التزكية والتعليم؟

    وأقول: التزكية: هي تنظيف النفس البشرية من رواسبها الجاهلية سواء كانت من نوع الأفكار الباطلة أو المعتقدات الفاسدة أو الأخلاق السيئة.

    وكلمة التزكية مشتقة من الزكاة وهي الطهارة وأساس التزكية تقوية الإرادة البشرية وتحرير النفس من الأهواء والشهوات.

    بينما التعليم هدفه إضافة المعارف الجديدة للإنسان لدفع عجلة البشر إلي الأمام وهو يعتمد علي طاقة العقل الكامنة فيه.

    فالعلاقة بين التزكية والتعليم تشبه إلي حد بعيد العلاقة بين تنظيف ماكينة السيارة وبين وضع الوقود فيها إذا التنظيف يغسل المواد الضارة والوقود يضيف مواد جديدة.

    فوقود الإنسانية في مسيرتها الحضارية العلم ، ولكن هذا الوقود لا ينفع بدون تنظيف ماكينة الإنسان من الأخلاق الفاسدة والأفكار الباطلة ، من هنا تكتمل عملية التزكية بعملية التعليم وتأتي الواحدة تتمة للأخرى.

    ولما كان ظاهر دعوة إبراهيم عليه السلام أن البعث في الأمة المسلمة كانوا إلي تعليم ما ذكر، أحوج منهم إلي التزكية ، فإن أصلها موجود بالإسلام ، فأخر قوله :"ويزكيهم" أي يطهر قلوبهم بما أوتي من دقائق الحكمة ، فترتقي بصفائها ولطفها من ذروة الدين إلي محل يؤمن عليها فيها أن ترتد علي أدبارها وتحرف كتابها كما فعل من تقدمها.

    ولما ذكر سبحانه وتعالى في سورة الجمعة :" بعثه في الأميين عامة" اقتضي المقام تقديم التزكية ، التي رأسها البراءة من الشرك الأكبر، ليقبلوا ما جاءهم من العلم ، وأما تقديمها في آل عمران مع ذكر البعث للمؤمنين فلاقتضاء الحال بالمعاتبة علي الإقبال علي الغنائم التي كانت سبب الهزيمة لكونها إقبالا علي الدنيا التي هي أم الأدناس "



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #88
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(85)



    الحكمة في الجمع بين الخليل والحبيب في تشهدنا في الصلاة





    ولما كانت دعوة إبراهيم عليه السلام لهذه الأمة وإجابة الله له نعمة من نعم الله الكبرى علي هذه الأمة كان حقا علي هذه الأمة أن تشكر هذه النعمة وأن تقابل الحب بحب والجميل بجميل ، لذلك أجرى الله على ألسنة أبنائها ذكر الخليل مقترنا بذكر الحبيب في كل صلاة حيث يقول المصلي"اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم"

    والحكمة في ذلك كما يقول الفخر الرازي:

    1 ــ أن إبراهيم عليه السلام دعا لمحمد صلى الله عليه وسلمحيث قال : ( رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياتك ) فلما وجب للخليل على الحبيب حق دعائه له: قضى الله تعالى عنه حقه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيامة.

    2 ــ أن إبراهيم عليه السلام سأل ذلك ربه بقوله :( واجعل لي لِسَانَ صِدْقٍ فِى الآخرين) يعني ابق لي ثناء حسناً في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فأجابه الله تعالى إليه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته.

    3 ــ أن إبراهيم كان أب الملة لقوله : ( مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم) ومحمد كان أب الرحمة ، وفي قراءة ابن مسعود :" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم" وقال في قصته :( بالمؤمنين رَءوفٌ رَّحِيمٌ)وقال عليه السلام : ( إنما أنا لكم مثل الوالد)(1) يعني في الرأفة والرحمة ، فلما وجب لكل واحد منهم حق الأبوة من وجه قرب بين ذكرهما في باب الثناء والصلاة.

    4 ــ أن إبراهيم عليه السلام كان منادي الشريعة في الحج :( وَأَذّن فِى الناس بالحج) وكان محمد عليه السلام منادي الدين :( سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى للإيمان) فجمع الله تعالى بينهما في الذكر (2) .








    (1) الحديث أخرجه ابو داود في سننه كتاب الطهارة باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة والنسائي في سننه كتاب الطهارة باب النهي عن الاستطابة بالروث وابن ماجه في سننه كتاب الطهارة وسننها باب الاستنجاء بالحجارة

    (2) تفسير الفخر الرازي 4/72





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #89
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(86)


    تبشير الكتب السماوية السابقة به صلى الله عليه وسلم(1)







    لقد جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة مجموعة من النصوص تدل دلالة واضحة على أن الأنبياء السابقين قد بشروا أممهم ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذوا عليهم العهد بالإيمان به والنصرة له .

    كما تؤكد هذه النصوص بأن الكتب السابقة قد اشتملت على نصــوص تدل دلالة صريحة على اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفتــه وبلــده ومهاجره وغير ذلك من أخباره .

    وسوف نعرض ذلك في الصفحات التالية وفق هذا الترتيب ، إخبار القرآن ببشارات الكتب السماوية السابقة به صلى الله عليه وسلم ، الأحاديث المصرحة بالبشارات والمعلنة عن معرفة أهل الكتاب به صلى الله عليه وسلم ، بشارات التوراة والإنجيل به صلى الله عليه وسلم

    أولا : إخبار القرآن ببشارة الكتب السماوية السابقة به صلى الله عليه وسلم :

    1ـ قال تعالى : ( وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ) [ سورة البقرة / 89 ].

    يقول ابن كثير رحمه الله : " كان اليهود من قبل مجيء هذا الرسول صلى الله عليه وسلم بــهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على المشركين إذا قاتلوهم ، يقولون إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم(1) .

    وروى أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس : " أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه .

    فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور : يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا ، وقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ، وإنا أهل الشرك تخبرون بأنه مبعوث وتصفونه بصفته . فقال سلام بن مشكم : ما هو الذي كنا نذكر لكم ، ما جاءنا بشيء نعرفه " (2) .

    يقول الإمام ابن تيمية : " وهذا من أعظم ما دعا الأنصار إلى الإيمان به صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى الإسلام ، حيث بايعوه من غير رهبة ولا رغبة " (3) .

    وروى ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصارى عن رجال من قومه ، قالوا : " ومما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله وهداه ، أنا كنا نسمع من رجال يهود وكنا أهل شرك أصحاب أوثان ، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا ، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور ، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : " قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم " فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم . فلما بعث الله رسوله أجبنا حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت هذه الآية .






    (1) تفسير ابن كثير ( 1 / 124 ) .

    (2) دلائل النبوة ص 44 .

    (3) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح جـ 3 ص 283 .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #90
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(87)



    تبشير الكتب السماوية السابقة به صلى الله عليه وسلم(2)





    2ـ قال تعالى :( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[ سورة البقرة / 146 ] .

    يخبرنا سبحانه وتعالى أن علماء اليهود يعرفون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة تامة كما يعرف الواحد منهم ولده الذي لا يشك فيه ، لكنهم يكتمون ذلـك بغيا وحسدا .

    يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار :" إنهم يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم بما في كتبهم من البشارة به ، ومن نعوته وصفاته التي لا تنطبق على غيره وبما ظهر من آياته وآثار هدايته كما يعرفون أبنائهم الذين يتولون تربيتهم حتى لا يفوتهم من أمرهم شيء "(1) .

    ثم إن الذين أطلعوا على التوراة يعترفون بأن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة فيـها وأنها تنطبق عليه تماما ، لذا سارعوا للدخول في الإسلام كأمثال عبد الله بن سلام وزيد بن سعنه وغيرهما كثير .

    يروى أن عمر رضي الله عنه سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أنا أعلم به منىي بابني . قال : ولما ؟ قال : لأني لست أشك في محمد أنه نبي ، فأما ولدي فلعل والدته خانت " فقبل عمر رأسه (2).

    3ـ قال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )[ سورة الأعراف / 157 ] .

    فهذه الآية الكريمة تؤكد أن صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثابتة في كتب الأنبياء السابقين الذين بشروا أممهم به ليؤمنوا به ويتبعوه ، ولا تزال هذه الصفات مدونة في كتبهم يعرفها علماؤهم إلا أنهم يتواصلون بكتمانها أو يؤولونها تأويلات فاسدة .

    لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى اتباعه ويقيم عليهم الحجة بما هو مدون في كتبهم من نعته ومبعثه ، لكنهم يعاندون ويكابرون وتأخذهم العزة بالإثم عن اتباعه .

    يقول الإمام الرازي في تفسيره : " وهذا يدل على أن نعته وصحة نبوته مكتوب في التوراة والإنجيل ، لأن ذلك لو لم يكن مكتوبا لكان ذكر هذا الكلام من أعظم المنفرات لليهود والنصارى عن قبول قوله لأن الإصرار على الكذب والبهتان من أعظم المنفرات ، والعاقل لا يسعى فيما يوجب نقصان حاله وينفر الناس عن قبول قوله ، فلما قال ذلك دل هذا على أن ذلك النعت كان مذكورا في التوراة والإنجيل وذلك من أعظم الدلائل على صحة نبوته "(3) .









    (1) تفسير المنار جـ2 ص 20 .

    (2) الكشاف للزمخشرى جـ 1 ص321 ، تفسير ابن كثير 1/ 194 .

    (9) التفسير الكبير ، جـ15 ص 23 .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #91
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(88)



    تبشير الكتب السماوية السابقة به صلى الله عليه وسلم(3)





    4ـ قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ)[ سورة الصف / 6 ] .

    يبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية حقيقة دعوة عيسى عليه السلام وهي أنه جــاء مصدقا لما في التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعده اسمه أحمد ، فهذه بشارة صريحة من نبي الله عيسى لرسولنا عليه السلام ، سواء وجدت هذه البشارة في الأناجيل أم طمست من قبل الحاقدين الحاسدين .

    وقد جاء في الحديث الصحــــــيح أن من أسمــــاء الرسول صلى الله عليه وسلـــم ( أحمد ) كما ورد في هذه البشــــارة .

    روى البخاري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب ) (1) .

    ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخبر أصحابه أنه دعوة أبيه إبراهيم وبشارة أخيه عيسى عليهم الصلاة والسلام .

    روى الإمام أحمد عن لقمان بن عامر قال : " سمعت أبا أمامة قال : قلت : يا رسول الله ما كان بدء أمرك ؟ قال : دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام "(2).

    ثم إن الأخبار قد تواترت عن الرهبان والملوك عند النصارى بأن النبي عيسى عليه السلام بشر بالرسول صلى الله عليه وسلم ، باسمه وصفته ومبعثه وأن كل ذلك ثابت في الأناجيل ، إلا أنهم فعلوا كما فعل اليهود من قبلهم ، فعمدوا إلى إخفائها أو تأويلها تأويلات تبعد بها عن الحقيقة .

    لكن هناك الكثير منهم أراد الله له الهداية ، فصدق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم معلنا أنه مبشر به صلى الله عليه وسلم من قبل عيسى عليه السلام ، أمثال النجاشي والجارود وغيرهما كثير .

    جاء في كتاب دلائل النبوة للبيهقي : " أن جماعة من العرب التقوا براهب من الرهبان في الشام فأخبرهم بأنه سوف يبعث نبي من العرب وأمرهم باتباعه وأخبرهم أن اسمه محمد فلما رجعوا إلى أهلهم ولد لكل واحد منهم غلام فسماه محمدا "(3).

    وهذا يدل على أن أهل الكتــــــاب كانوا يعرفون اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن ذلـــك مدون في كتبـــهم .






    (1) صحيح البخاري ، كتاب المناقب ، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم جـ4 ص 162 وقوله : " وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمه " قال ابن حجر : أي على إثرى ، أي أنه يحشر قبل الناس " وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى " يحشر الناس على عقبي " وقوله : " وأنا العاقب " أي الذي ليس بعده نبي . انظر : فتح الباري جـ 6 ص 557 .


    (2) مسند أحمد ( 5 / 262 ) ، وقد سبق تخريجه .[2]

    (3) دلائل النبوة ( 1 / 378 ) .[3]




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #92
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(89)



    تبشير الكتب السماوية السابقة به صلى الله عليه وسلم(4)







    5ـ قال تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّه ُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ) ]آل عمران81[.

    تفيد هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخذ العهد على أنبيائه من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام أنه مهما أتى الله أحدهم من كتاب وحكمة وبلغ أي مبلغ ثم جاء رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه ، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من الإيمان بمن بعث بعده ونصرته .

    عن علي وابن عباس رضي الله عنهم قالا : " لم يبعث الله نبيا ـ آدم فمن بعده ـ إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه "(1) .

    ويقول الإمام الرازي : " أعلم أن المقصود من هذه الآيات تقرير الأشيـاء المعروفة عند أهل الكتاب مما يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم قطعا لعذرهم وإظهارا لعنادهم ، ومن جملتها ما ذكره الله في هذه الآية وهو أن الله تعالى أخذ الميثاق من الأنبياء الذين آتاهم الكتاب والحكمة بأنهم كلما جاءهم رسول مصدق لما معهم آمنوا به ونصروه وأخبر أنهم قبلوا ذلك "(2) .

    6ـ قال تعالى : ( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ* أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ )[ سورة الشعراء / 196 ، 197 ] .

    تقرر الآية الكريمة أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وما جاء به ثابت في الكتب السابقة وأن علماء بني إسرائيل يحيطون بذلك علما .

    والله سبحانه وتعالى يخاطب في هذه الآية المشركين ويقـيم عليهم الحجة بقوله : " أولم يكن لهم آية .. " أي أو لم يكن علم علماء بني إسرائيل بنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به وهو القرآن دليلا على صحة القرآن ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيقلعوا عن تكذيبه ويبادروا إلى اتباعه علما بأن الكثير من علماء بني إسرائيل صرحوا بهذا الأمر وسمع المشركون منهم مرات كثيرة قبل أن يبعث النبي وبعد أن بعث لأنهم كانوا يخالطونهم ويأنسون إليهم ، والروايــات التاريخية خير شاهد على ذلك .

    يقول الإمام الرازي : " المراد منه ذكر الحجة الثابــــــتة على نبوته عليه الســــلام وصدقــــه " .

    وتقريره : أن جماعة من علماء بني إسرائيل أسلموا نصوا على مواضع في التوراة والإنجيل ذكر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بصفته ونعته وقد كان مشركوا قريش يذهبون إلى اليهود ويتعرفون منهم هذا الخبر، وهذا يدل دلالة ظاهرة على نبوته لأن تطابق الكتب الإلهية على نعته وصفته يدل قطعا على نبوته(3) .

    وهكذا فالآية فيها شهادة من الله على بني إسرائيل ، إذ بينت أن علماءهم يعرفون تماما بأن محمد صلى الله عليه وسلم نبي وأن ما جاء به هو الحق ، صرح بذلك من آمن منهم ، وأسر به من لم يؤمن لمن يأنس إليه ، وسيأتي بيان ذلك عما قريب .









    (1) فتح القدير ( 1 / 357 ) .

    (2) تفسير الفخر 8 / 114 .
    (3) تفسير الفخر 24 / 169 .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #93
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(90)



    تبشير الكتب السماوية السابقة به صلى الله عليه وسلم(5)




    7ـ قال تعالى " ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُ مْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )[ سورة الأحقاف / 10 ] .

    تتضمن هذه الآية الكريمة شهادة حبر من أعظم أحبار اليهود ومن أوسعهم علما ، شهد له بهذا قومه أمام المصطفى صلى الله عليه وسلم ، إنه عبد الله بن سلام الذي من الله عليه بمعرفة الحق واتباعه بما أتاه الله من العلم ، فلما سمع القرآن علم أنه الوحي الناطق بالحق ، وإنه من جنس ما نزل على الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم .


    جاء في فتح القدير : " وشهد شاهد من بني إسرائيل العالمين بما أنزل الله في التوراة على مثله ( أي القرآن ) من المعاني الموجودة في التوراة المطابقة له من حيث إثبات التوحيد والبعث والنشور وغير ذلك وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني وإن اختلفت الألفاظ ، فآمن الشاهد وهو عبد الله بن سلام بالقرآن لما تبين له أنه من كلام الله ومن جنس ما ينزله الله على رسله "(1) .

    وقصة إسلام هذا الحبر مشهورة ، فعندما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة نظر ابن سلام إلى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم نظرة فاحصة متأملة ، فأضاء الله بصيرته فتحقق أنه النبي المنتظر وأن وجهه ليس بوجه كذاب .

    جاء في رواية البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : " بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ، ما أول أشراط الساعة ، وما أول طعام يأكله أهل الجنة ، ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه ، ومن أي شيء ينزع إلى أخواله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبرني بهن آنفا جبريل ، قال : فقال عبد الله : ذاك عدو اليهود من الملائكة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب . وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ، وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له ، وإذا سبق ماؤها كان الشبه له . قال : أشهد أنـك رسول الله . ثم قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهت إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك ، فجاءت اليهود ودخل عبد الله البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : أعلمنا وابن أعلمنا ، وأحبرنا وابن أحبرنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك . فخرج عبد الله إليهم ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، فقالوا : شرنا وابن شرنا ووقعوا فيه "(2).

    وروى سعد ابن أبي وقاص قال : " ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام " (3).

    وأخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام قال : " نزلت في آيات من كتاب الله ، نزلت في : (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ونزلت في :( قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)(4) .






    (1) فتح القدير 5 / 16 .

    (2) صحيح البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب خلق آدم وذريته 4 / 102 ، 103 .


    (3) صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب من أثنى على أخيه بما يعلم 7 / 87 ، وصحيج مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل عبد الله

    (4) سنن الترمذي ، كتاب المناقب ، باب مناقب عبد الله بن سلام .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #94
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(91)



    تبشير الكتب السماوية السابقة به صلى الله عليه وسلم(6)





    8ـ قال تعالى : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ)[ سورة القصص / 52 ، 53 ] .

    تصف الآية الكريمة حال طائفة من أهل الكتاب ( النصارى ) استجابت للدعوة الجديدة ، فآمنت بالنبي الأمي إيمانا عميقا جعل الدموع تجري من العيون من شدة تأثرهم بالحق الذي سمعوه من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    يقول الإمام البيضاوي في تفسيره : " نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب ، وأن إيمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذ ، وإنما هو أمر تقادم عهده لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة وكونهم على دين الإسلام قبل نزوله أو تلاوته باعتقادهم صحته في الجملة "(1).

    روى ابن إسحاق في السيرة قال : " قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون رجلا من النصارى وهو بمكة حين ظهر خبره بالحبشة ، فوجدوه في المسجد فكلموه وسألوه ورجال من قريش في أنديتهم ، فلما فرغوا من مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أرادوا دعاهم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن ، فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابه من أمره ، فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقال : خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم لترتادوا لهم فتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم ، ما نعلم ركبا أحمق منكم . فقالوا : سلام عليكم لا نجاهلكم ، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لم نأل أنفسنا خيرا "(2) .

    وبمثل هذه الآية التي أتحدث عنها جاء في سورة المائدة قوله تعالى :( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[ سورة المائدة / 83 ] .

    وهاتان الآيتان نزلتا في النجاشي وأصحابه ، قال بهذا الزهري والنسائي والطبراني وغيرهم .

    يقول عطاء : " ما ذكر الله به النصـــــارى من خـــير فإنما يراد بـــه النجــــاشي وأصحابه "(3).

    9 ـ قال تعالى :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[ سورة الفتح / 29 ] .

    ففي هذه الآية الكريمة ينص القرآن على اشتمال التوراة والإنجيل على وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم .

    أخرج أبو نعيم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر : " بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله صاحب موسى وأخيه ، المصدق لما جاء به موسى ، ألا إن الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة : وإنكم تجدون ذلك في كتبكم : ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ....)) إلى آخر السورة "(4) .








    (1) تفسير البيضاوي 4 / 140 .

    (2) تفسير ابن كثير 3 / 393 ، 394 .

    (3) فتح القدير 2 / 69 .

    (4) الدر المنثور للسيوطي 6 / 82 ، 83 .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #95
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(92)


    ثانيا : الأحاديث التي تثبت تبشير الكتب السابقة ومعرفة أهل الكتاب به صلى الله عليه وسلم(1)





    روى البخاري عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، قال : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن :" يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا "(1) .

    وهذه الصفات التي حكاها عبد الله بن عمرو بن العاص عن التوراة ، جاءت موافقة للصفات التى أتى بها القرآن الكريم :

    فقوله:"يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " هو نفسه ما جاء في آية الأحزاب : ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا )[ سورة الأحزاب / 45]

    وقوله :" ليس بفظ ولا غليظ " موافق لقوله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) [ سورة آل عمران/ 159]

    وقوله :" ولا يدفع السيئة بالسيئة " موافق لقوله تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )[ سورة فصلت /34]

    وقوله :" ولكن يعفو ويغفر " موافق لقوله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ سورة الأعراف / 199] وقوله تعالى : ( فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين )[ سورة المائدة / 13]






    (1) صحيح البخاري ، كتاب البيوع ، باب كراهية السخب في الأسواق ، ( 2125 ) .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #96
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(93)



    ثانيا : الأحاديث التي تثبت تبشير الكتب السابقة ومعرفة أهل الكتاب به صلى الله عليه وسلم (2)





    وروى الطبراني عن أبي مريم رضي الله عنه قال : " أقبل أعرابي حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده خلق من الناس ، فقال: الا تعطيني شيئا اتعلمه وأحمله وينفعني ولا يضرك ؟ فقال الناس : مه ، اجلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعوه ، فإنما يسأل الرجل ليعلم فأفرجوا له حتى جلس ، فقال : أي شيء كان أول نبوتك ؟ قال: ( أخذ الله الميثاق كما أخذ من النبيين ميثاقهم ، ثم تلا : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) [ سورة الأحزاب / 45 ]

    وبشّر بي المسيح ابن مريم ، ورأت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام ..)(1) .

    وعن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك : دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورؤيا أمي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين ).

    وفي رواية : ( سأحدثكم بتأويل ذلك ، دعوة إبراهيم دعا ( وابعث فيهم رسولا منهم )، وبشارة عيسى بن مريم قوله ( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ).."(2) .

    وإذا كانت الأحاديث السابقة قد نصت على بشارة الأنبياء السابقين به ، ووجود نعوته وصفاته صلى الله عليه وسلم في كتبهم ، فهناك أحاديث أخرى دلت على شهادة الأحبار بنبوته وتبشيرهم به صلى الله عليه وسلم مما ترتب عليه إسلام بعضهم ، بل وعداوة البعض الآخر حسدا وبغيا ، وهذا ما سنعرض له في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى.







    (1) المعجم الكبير للطبراني ( 22 / 333) ورجاله وثقوا ، كما ذكر الهيثمي في المجمع ( 8 / 227 ) .
    (2) الحديث أخرجه أحمد بأساتيد والبزار والطبراني بنحوه ، وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد ، وقد وثقه ابن حبان . مجمع الزوائد ( 8 / 226 ) ، والحديث سبق تخريجه .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #97
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(94)

    ثانيا : الأحاديث التي تثبت تبشير الكتب السابقة ومعرفة أهل الكتاب به صلى الله عليه وسلم (3)






    تبشير اليهود به صلى الله عليه وسلم .

    لقد سبق وأن أشرنا في نهاية الحلقة السابقة إلى أن أحبار اليهود لوقوفهم على بشارات الكتب السابقة برسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بعض أحبارهم بنبوته صلى الله عليه وسلم وبشر به مما ترتب عليه إسلام البعض وعداوة البعض الآخر حسدا وبغيا ، فمن ذلك :

    ما جاء عن كعب الأحبار أنه قال : " إني أجد في التوراة مكتوبا : محمد رسول الله ، لا فظ ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون ، يحمدون الله في كل منزلة ، ويكبرونه على كل نجد ، يأتزرون إلى أنصافهم ، ويوضئون أطرافهم ، صفهم في الصلاة ، وصفهم في القتال سواء ، مناديهم ينادي في جو السماء ، لهم في جوف الليل دوي كدوي النحل ، مولده بمكة ، ومهاجره بطابة ، وملكه بالشام "(1)

    وعن سلمة بن وقش رضي الله عنه ــ وكان من أصحاب بدر ــ قال : " كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال : فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير ، فوقف على مجلس عبد الأشهل ، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا عليّ بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي ، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار ، فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان ، لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت .

    فقالوا له : ويحك يا فلان ، ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، ويجزون فيها بأعمالهم ؟ قال : نعم ، والذي يحلف به ، ولَوَدَّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور ــ فرن ــ في الدنيا يحمونه ، ثم يدخلونه إياه ، فيطبق عليه ــ أي يغلق عليه ــ ، وأن ينجو من تلك النار غدا .

    قالوا له : ويحك ، وما آية ذلك ؟ قال : نبي يبعث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن .

    قالوا : ومتى تراه ؟ قال : فنظر إلي ــ وأنا من أحدثهم سنا ــ فقال : إن يستنفذ ــ أي يعيش ــ هذا الغلام عمره يدركه !"

    قال سلمة :" فوالله ما ذهب الليل والنهار ، حتى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو حي بين أظهرنا ، فآمنا به ، وكفر به بغيا وحسدا ، فقلنا : ويلك يا فلان ، ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى ، وليس به "(2) .








    (1) أخرجه الدارمي ، المقدمة ( 1 / 4، 5 ) من طريق الأعمش عن أبي صالح قال : قال كعب الأحبار . ورجاله ثقات .

    (2) أخرجه ابن هشام في السيرة ( 1 / 212 ) من طريق ابن إسحاق قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد عن سلمة به ، فصرح ابن إسحاق بالتحديث فانتفت شبهة التدليس ، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه أحمد في المسند ( 3 / 467 ) والحاكم في المستدرك ( 3 / 417 ، 418 ) وصححه ، ووافقه الذهبي ، والطبراني في الكبير ( 6327 ) وقال الهيثمي في المجمع ( 8 / 230 ) رواه أحمد والطبراني ، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق ، وقد صرح بالسماع . فالحديث صحيح .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #98
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(95)



    ثانيا : الأحاديث التي تثبت تبشير الكتب السابقة ومعرفة أهل الكتاب به صلى الله عليه وسلم (4)





    وروى أبو نعيم وغيره عن صفية بنت حيي أنها قالت :" كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولهما إلا أخذاني دونه ، قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ونزل فناء بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، قالت : فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس ، قالت : فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا ، قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الهم ، قالت : فسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي : أهو هو ؟ قال : نعم والله ، قال : أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم ، قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ما بقيت أبدا ! " (1)

    وهكذا أضمر اليهود العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم منذ اللحظة الأولى ، مع علمهم الجازم بأنه النبي الحق الذي تنطبق عليه الصفات التي تحدثت عنها الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى .

    وإذا كان هذا شأن الأغلبية من أهل الكتاب ، فإن فريقا منهم أبصر الحقيقة حين وقف على نعوته وصفاته ، ومن ثم آمن به وربح خيرا ، والله تعالى يقول : ( لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)[ سورة آل عمران / 113 ]

    روى الإمام أحمد عن أبي صخر العقيلي أنه قال : " حدثني رجل من الأعراب قال : جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله فلما فرغت من بيعتي ، قلت : لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه ، قال : فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم في أقفائهم ــ أي مشيت خلفهم ــ حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت ــ أي قارب الموت في حالة الاحتضار ولم يمت بعد ــ كأحسن الفتيان وأجمله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنشدك بالذي أنزل التوراة ، هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي ؟ فقال برأسه هكذا ، أي : لا ، فقال ابنه : إني ــ والذي أنزل التوراة ــ إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقال : أقيموا اليهود عن أخيكم ، ثم ولي كفنه وحنطه وصلى عليه "(2) .









    (1) دلائل النبوة ص 39 ، سيرة ابن هشام مع الروض الأنف ( 2 / 257 ).

    (2) المسند ( 5/ 411 ) وقال ابن كثير في تفسيره ( 2 / 251 ) : هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح عن أنس . قلت : والشاهد أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الجنائز ،باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه ، وهل يعرض على الصبي الإسلام ( 1356 )



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #99
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(96)



    بشارات الكتب السماوية السابقة به صلى الله عليه وسلم(1)





    من المعلوم أن الكتب السماوية السابقة طرأ عليها التحريف والتغيير بأيدي علماء من أهل الكتاب ، وهذا ما شهد القرآن الكريم عليهم به ، قال تعالى : (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ)[ سورة البقرة / 79 ] ، وقال تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[ سورة البقرة / 75 ]، وقال تعالى : (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِم ْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ.. )[ سورة النساء /46]، وقال تعالى :(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )[ سورة آل عمران /71 ]

    والواقع يشهد بهذا أيضا فالخلاف الظاهر بين نسخ التوراة والإنجيل وطباعتها قديما وحديثا يؤكد أن هذه قد حرفت وبدلت .

    جاء في الجواب الفسيح :" وأنت تعلم إذا نظرت أيضا إلى التوراة التي طبعها الكاثوليك تراها متخالفة متغايرة ، وكل نسخة لا توافق الأخرى ، وكذا أناجيلهم وعهدهم الجديد لا توافق بين نسخها وطباعتها ، وهذا الحال مستمر في جميع فرقهم على سائر الأزمان ، وظاهر ظهور الشمس للعيان "(1).

    ومن ضمن النصوص التي تعرضت للتحريف النصوص التي تتحدث عن البشارة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والشاهد على هذا أن علماء المسلمين المتقدمين نقلوا نصوصا في كتبهم من النسخ التي كانت في عصرهم تنص صراحة على اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، وجادلوهم بهذه النصوص ، ومن هؤلاء العلماء : الماوردي وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والإمام الرازي والإمام القرطبي وغيرهم .

    أما في هذا العصر فلا وجود لهذه النصوص التي تذكر اسم النبي صراحة ، ولكن على الرغم من هذا التغيير والتحريف فما تزال هناك الكثير من النصوص التي تذكر صفات النبي وصفات أمته ومكان بعثته وغير ذلك .





    (1) الجواب الفسيح لأبي البركات الألوسي ( 1/ 4 ).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #100
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,413

    افتراضي رد: السيرة النبوية والشمائل المحمدية **متجددة إن شاء الله

    السيرة النبوية والشمائل المحمدية
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    الحلقة(97)



    بشارات الكتب السماوية السابقة به صلى الله عليه وسلم(2)






    تأصيل للاستشهاد بما عند أهل الكتاب :

    يجوز للمسلم أن يحتج على أهل الكتاب بما جاءهم من عند الله من كتاب ، أما أهل الكتاب فلا يصح لهم الاحتجاج بما جاء في القرآن كما يفعل كثير منهم ، وذلك لأننا نؤمن بالرسل جميعهم ولا نفرق بين أحد منهم ، قال تعالى : (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُ مُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [ سورة البقرة / 136 ، 137 ]

    ونؤمن بما جاءهم من عند الله من كتاب ، ولا يجوز لهم أن يحتجوا بالقرآن لأنهم فرقوا ولم يؤمنوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    ولكن النقل عن أهل الكتاب والاحتجاج عليهم يحتاج إلى إلى شروط ثلاثة ، أو كما سماها شيخ الإسلام ابن تيمية ثلاثة مقدمات :

    أحدها : ثبوت ــ النقل ــ عن الأنبياء عليهم السلام .

    الثانية : صحة الترجمة .

    الثالثة : تفسير ذلك الكلام تفسيرا صحيحا ومعرفة المراد منه .

    فلهذا كان المسلمون لا يردون شيئا من أقوال الرسل ، ولكن قد يكذبون الناقل عنهم ، أو تفسير المفسر عنهم على وجه الغلط ، وهذا بخلاف ما عليه أهل الكتاب فإنهم يكذبون نفس النبي ، وهذا كفر صريح ، فمتى قالوا بكذب كلمة واحدة أخبر بها الرسول بطل احتجاجهم بأي كلمة يحتجون بها يزعمون أنها تدل على مذهبهم في أي مسألة من المسائل(1).

    خطورة إنكار البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم النبي الخاتم :

    قد لا يعي المكذب بمحمد صلى الله عليه وسلم أن البشارات به من المتواتر في الكتب السابقة ، وخطورة التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه يؤدي إلى تكذيب تلك الكتب التي اشتملت على تلك البشارات ، فقد مضى وقت طويل جدا لا يعهد مثله في أنبياء بني إسرائيل ولم يظهر من تنطبق عليه تلك الصفات المبشر بها إلا عليه صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فلا يزال اليهود والنصارى يمنون أنفسهم بظهور من يصدق تلك البشارات ، وهم في الوقت نفسه يصعرون خدودهم ويستغشون ثيابهم ويجعلون أصابعهم في آذانهم ، مما رأوا وسمعوا وعرفوا من الحق .

    ولعلنا نستشهد هنا بما جاء في كتبهم الموجودة بين أيدينا ، مما لا يحتمل التأويل ، إذ قد استدل الأولون بلفظ ( الفارقليط ) والتي تعني ( محمد ) وهي لفظة قد حذفت تماما من الطبعات الجديدة من الكتاب المقدس ، ولكن مهما حاولوا أن يحرفوا من الألفاظ ويخفوا من الكتاب يأبي الله إلا أن يبقي من النور الذي جاء به موسى وعيسى بقية تهدي الناس إلى أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الرسول الخاتم






    (1) انظر : الجواب الصحيح 1 / 132 ــ 138 .






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •