تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 5 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 100 من 142

الموضوع: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

  1. #81
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [050]
    الحلقة (81)

    شرح سنن أبي داود [050]


    من رحمة الله بعباده أن شرع لهم التيمم عند عدم وجود الماء أو تعذر استعماله، وهو يقوم مقام الوضوء أو الغسل، وله أحكام كثيرة بينها أهل العلم رحمهم الله تعالى استنباطاً من كتاب الله وسنة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام.

    تابع التيمم


    شرح حديث: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن شقيق أنه قال: (كنت جالساً بين عبد الله و أبي موسى رضي الله عنهما، فقال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! أرأيت لو أن رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً أما كان يتيمم؟ فقال: لا، وإن لم يجد الماء شهراً، فقال أبو موسى : فكيف تصنعون بهذه الآية التي في سورة المائدة: (( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ))[النساء:43]؟! فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد، فقال له أبو موسى : وإنما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم، فقال له أبو موسى :
    ألم تسمع قول عمار لعمر رضي الله عنهما: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا فضرب بيده على الأرض فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه؟ فقال له عبد الله : ألم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟) ]. ذكر أبو داود رحمه الله في هذا الباب أحاديث فيها مشروعية التيمم، ثم ذكر بعض الأحاديث التي فيها بيان كيفيته، ففي بعضها أنه إلى الآباط، وفي بعضها أنه إلى المرافق، وقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أصح شيء ورد في كيفية التيمم أنه للوجه والكفين، والأحاديث التي فيها ذكر المرفقين وذكر نصف الساعد فيها مقال، والأحاديث التي فيها ذكر الآباط وذكر المناكب إن كانت بأمره صلى الله عليه وسلم، فما جاء بعد ذلك يكون ناسخاً لها، وإن كانت من فعل الصحابة فتكون من اجتهادهم، والعبرة بما جاءت به النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فيما يرويه عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه في بيان صفة التيمم أنه يكون للوجه والكفين، وهذه الكيفية هي التي وردت في الصحيحين، ولم يرد في الصحيحين سواها أما ذكر الآباط والمناكب والمرافق ونصف الساعد، فكل هذه جاءت في غير الصحيحين. فذكر شقيق بن سلمة أبو وائل الكوفي أنه كان جالساً بين أبي موسى و عبد الله بن مسعود ، وكان من رأي أبي موسى أن الإنسان يتيمم للجنابة إذا لم يجد الماء لرفع الحدث الأكبر، وكان من رأي أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه لا يتيمم إلا من الحدث الأصغر، فجعل أبو موسى و عبد الله بن مسعود يبحثان ويسأل بعضهما بعضاً فيما يتعلق بحكم الجنب، وهل يتيمم أو لا يتيمم فقال أبو موسى : أرأيت لو أن إنساناً أجنب ولم يجد الماء شهراً هل له أن يتيمم؟ فقال عبد الله بن مسعود : لا، وإن لم يجد الماء شهراً، قال: فما تصنعون بهذه الآية الكريمة وهي آية التيمم: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ منه [المائدة:6].
    قال: لو رخص لهم في التيمم لرفع الجنابة بدل الاغتسال لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا، فقال: وهل كرهتم التيمم للجنابة مخافة أن يتهاونوا في الاغتسال، وأنه إذا برد عليهم الماء صاروا إلى التيمم؟ قال: نعم. فانتقل من الاحتجاج بالآية إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا ترى أن عماراً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أتذكر كنت أنا وأنت في رعاية الإبل فأجنبنا، فأما أنت فلم تصل -يعني: أنه لم يتيمم ولم يصل؛ على اعتبار ما ذهب إليه من أنه لا صلاة إلا بوضوء، ولا صلاة إلا برفع الحدث-، وأما أنا فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، أي: أنه اجتهد فقاس التيمم لرفع الحدث الأكبر على التيمم لرفع الحدث الأصغر، لكن الحدث الأكبر لما كان لابد فيه من استيعاب البدن في الغسل استوعبه بالتمرغ في التراب؛ حتى يعم سائر جسده بالغبار والتراب، وهذا فيه مشروعية الأخذ بالقياس؛ لأن عماراً رضي الله عنه قاس التيمم على الاغتسال من الجنابة، والاغتسال من الجنابة فيه استيعاب البدن في الغسل، فاستوعب البدن بالتيمم أخذاً بالقياس، وهذا اجتهاد منه، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا: فضرب بيده الأرض، ثم نفضهما ومسح إحداهما بالأخرى، ثم مسح وجهه).
    فلما ذكر أبو موسى لعبد الله بن مسعود السنة التي جاءت عن عمار قال عبد الله : ألم تر أن عمر لم يقنع بقول عمار ؟ و عمر رضي الله عنه لم يقنع بقول عمار ليس شكاً فيه، فقد أضاف الخبر إليهما، وأنه كان هو وإياه فأجنبا جميعاً، وأن عمر رضي الله عنه لم يصل؛ لأنه لم يجد الماء، وأما عمار فتمرغ كما تتمرغ الدابة، ثم رجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره، فهو يحكي شيئاً جرى لهما جميعاً، لكن عمر لم يتذكر هذا الذي جرى لهما جميعاً، وفي بعض الروايات أنه قال له: نوليك ما توليت، يعني: نكلك إلى علمك وإلى ما عندك، ولك أن تعمل وتفتي بهذا، وإن كان عمر رضي الله عنه لا يذكر هذا الذي حصل منه، فمن أجل ذلك توقف، وهذا هو معنى قوله: لم يقنع بقول عمار ؛ لأنه لم يذكر شيئاً يتعلق به هو، بل كان أمراً مشتركاً بينهما. وعند هذا انتهت المحاورة بين أبي موسى وبين عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما. والحديث دال على رفع الحدث الأكبر بالتيمم كما يُرفع الحدث الأصغر بالتيمم، ولا فرق بينهما، ومن المعلوم أن كلاً منهما يخالف الطهارة بالماء؛ لأن الطهارة بالماء في الوضوء تكون بغسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين، وجاءت السنة في بيان كيفية التيمم بأنه للوجه والكفين فقط، وكذلك جاءت السنة في رفع الحدث الأكبر بالتيمم بأنه للوجه والكفين فقط،
    وعلى هذا فيكون رفع الحدث الأكبر والأصغر في التيمم على هيئة واحدة. ويؤخذ من هذه المحاورة التي جرت بين هذين الصحابيين الجليلين حسن الأدب في المناقشة والمناظرة، وأن كل واحد من المتناظرين يتكلم مع صاحبه بكلام لطيف حسن بلا إحَن ولا اختلاف في القلوب، وإنما يكون الاختلاف في وجهات النظر، فأحدهما استدل بالآية والآخر حملها على محمل آخر، ثم هذا استدل بالسنة وهذا بيّن أن عمر رضي الله عنه لم يقنع بقول عمار ؛ لأن عمر رضي الله عنه شاركه في الأمر الذي ذكره عمار . قوله: (وضرب بكفيه الأرض ونفضهما) أي: حتى يخفف ما فيهما من الغبار إذا كان كثيراً، وهذا فيه أن الغبار إذا كان كثيراً يخفف إما بالنفض أو بالنفخ، وكل من النفض والنفخ جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ].
    محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ حدثنا أبو معاوية الضرير ].
    أبو معاوية الضرير هو محمد بن خازم الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ].
    الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شقيق ].
    هو شقيق بن سلمة ، وهو أبو وائل الكوفي مشهور بكنيته، ويأتي ذكره كثيراً بالكنية، ويأتي ذكره كثيراً باسمه، وهو ثقة مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي موسى ]. أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمار ].
    عمار بن ياسر صحابي رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    قوله: [ (فضرب بيده على الأرض فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين) ]. يعني: أنه ضرب بهما، ثم مسح الكفين بكل كف على الأخرى، ثم مسح وجهه. وقوله في سياق الحديث: (فكيف تصنعون بهذه الآية التي في سورة المائدة)؟ يعني: كيف تجيبون عنها وهي تشمل هذا وهذا؟ فأجابه: أنه يخشى إذا برد على أحدهم الماء أن يتيمم، وهذا صحيح إذا كان يخشى من استعماله مضرة أو مشقة ولم يمكن التسخين، وكان الماء بارداً برودة لا تطاق.

    شرح حديث: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي مالك عن عبد الرحمن بن أبزى قال: (كنت عند عمر رضي الله عنه، فجاءه رجل فقال: إنا نكون في المكان الشهر والشهرين، فقال عمر : أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء، فقال عمار رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل فأصابتنا جنابة، فأما أنا فتمعكت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا: وضرب بيديه إلى الأرض ثم نفخهما، ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع، فقال عمر : يا عمار ! اتق الله، فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت والله لم أذكره أبداً، فقال عمر : كلا والله! لنولينك من ذلك ما توليت) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمار رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: أن رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه فاستفتاه وقال له: إنا نكون في المكان الشهر والشهرين -يعني: لا نجد الماء- أنتيمم؟ قال:
    أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء، يعني: بالنسبة للغسل من الجنابة، فقال له عمار : أما تذكر إذ كنت أنا وأنت نرعى الإبل فأصابتنا جنابة، يعني: كل واحد منا أصابته جنابة، فأما أنا فتمعكت -يعني: تمرغت- في الصعيد كما تمرغ الدابة، قال: (فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا: وضرب بيديه إلى الأرض ثم نفخهما). قوله: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا) تقول هنا بمعنى تفعل، وهذا من إطلاق القول والمراد به الفعل، وقوله:
    (ثم نفخهما) أي: حتى يخفف ما فيهما من الغبار، وفي هذا ذكر النفخ، وفي الرواية السابقة ذكر النفض، والنفض غير النفخ، فيكون حصل النفخ وحصل النفض. قوله: (ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع) هذه الزيادة: (نصف الذراع) مخالف للروايات الأخرى الثابتة عن عمار والتي فيها أنه مسح الكفين فقط، وليس فيها ذكر الذراع ولا بعض الذراع، فعلى هذا تكون هذه الرواية شاذة؛ لأن فيها مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه. قوله: فقال عمر : يا عمار ! اتق الله، يعني: فيما تقول؛ لأنه ذكر قصة أضافها إليه هو، وهو لا يتذكر هذا الشيء، فخشي أن يكون واهماً؛ لأنه رضي الله عنه لم يتذكر هذا الذي قاله، لذا قال له: اتق الله، أي: فيما تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عمار :
    إن شئت لا أحدث به، أي: إن كنت ترى أن المصلحة ألا أحدث به فلن أحدث به؛ لأنه قد حصل مني إبلاغ السنة التي علمتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك أكون قد أديت ما علي، وإن كنت ترى المصلحة أن أمسك عن ذلك أمسكت، فقال: كلا -يعني: لا أقول لك: أمسك- ولكن نولك من ذلك ما توليت، أي: نكلك إلى ما عندك من العلم، فأنت المسئول عن هذا، وأنت الذي تتحمل تبعة هذا إن كنت غير متحقق، وقد عمر رضي الله عنه شك بسبب أنه أضاف الأمر إلى أمر يخصه معه، ومع ذلك لم يذكره عمر ، فخشي أن يكون حصل له شيء من الوهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء...) من طريق ثانية

    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي ].
    محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا سفيان ].
    سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقد روى محمد بن كثير عن سفيان ، مع أن سفيان متقدم في الوفاة، فقد كانت وفاته سنة إحدى وستين ومائة، ومحمد بن كثير عمر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سلمة بن كهيل ].
    سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي مالك ].
    هو غزوان الغفاري ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ عن عبد الرحمن بن أبزى ].
    عبد الرحمن بن أبزى صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، و عبد الرحمن بن أبزى هو الذي جاءت الإشارة إليه في حديث عمر في صحيح مسلم ، وذلك أن عمر كان له أمير على مكة، فلقيه ذلك الأمير فسأله عمر وقال: من وليت على أهل مكة؟ يعني: من أَنَبْتَ عنك في حال غيبتك؟ فقال: وليت عليهم ابن أبزى ، قال: ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من الموالي، قال: وليت عليهم مولى؟! قال: يا أمير المؤمنين! إنه عالم بكتاب الله، عارف بالفرائض، فعند ذلك قال عمر رضي الله عنه: صدق محمد صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين). فمن مسوغات الاختيار العلم بالكتاب والسنة، وقوله: (الفرائض) يعني: الأحكام، وليس المقصود بالفرائض علم المواريث، وإن كان يطلق على علم المواريث فرائض، لكن الفرائض على سبيل العموم تطلق على الأحكام. [ عن عمار ]. عمار رضي الله عنه مر ذكره.

    شرح حديث: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص حدثنا الأعمش عن سلمة بن كهيل عن ابن أبزى عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما في هذا الحديث فقال: (يا عمار ! إنما كان يكفيك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض، ثم ضرب إحداهما على الأخرى، ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعدين ولم يبلغ المرفقين ضربة واحدة) ].
    أورد المصنف رحمه الله حديث عمار من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه ذكر ما في الرواية السابقة إلى نصف الساعد، وقد عرفنا أن هذا مخالف للروايات الأخرى المحفوظة عن عمار في تلك القصة، وهو أنه مسح الوجه والكفين فقط، فتكون هذه الرواية شاذة، ورواية مسح الوجه والكفين هي المحفوظة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء...) من طريق ثالثة

    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ].
    محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، فكنيته أبو كريب وجده كريب ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حفص ].
    حفص بن غياث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا الأعمش عن سلمة بن كهيل عن ابن أبزى ].
    الأعمش و سلمة بن كهيل مر ذكرهما، وكذلك ابن أبزى وهو عبد الرحمن بن أبزى .
    [ عن عمار بن ياسر ]. عمار بن ياسر مر ذكره أيضاً.

    اختلاف الرواة في حديث: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء...)

    [ قال أبو داود : ورواه وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزى ، ورواه جرير عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى يعني: عن أبيه ]. يعني أن جرير بن عبد الحميد الضبي رواه عن الأعمش عن سلمة بن كهيل ، وجعل بينه وبين عبد الرحمن بن أبزى واسطة وهو ابنه سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، ومعناه أنه رواه عنه بواسطة، و جرير بن عبد الحميد هو الضبي الكوفي ثم الرازي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.

    شرح حديث: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء...) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد -يعني ابن جعفر - أخبرنا شعبة عن سلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار رضي الله عنهما بهذه القصة، فقال: (إنما كان يكفيك وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى الأرض ثم نفخ فيهما ومسح بها وجهه وكفيه)، شك سلمة وقال: لا أدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله من جهة أنه قال: (يكفيك أن تقول هكذا ومسح وجهه وكفيه)، وشك سلمة فقال: لا أدري قال: إلى المرفقين أو إلى الكفين، والمحفوظ هو إلى الكفين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (بعثني رسول الله في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء...) من طريق رابعة

    قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ].
    هو محمد بن بشار البصري الملقب بندار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا محمد يعني ابن جعفر ].
    محمد بن جعفر هو الملقب غندر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سلمة عن ذر ].
    سلمة مر ذكره، و ذر بن عبد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار ].
    هو سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى وقد مر ذكره، كما مر ذكر أبيه وعمار .

    شرح الرواية الشاذة التي فيها ذكر الذراعين في التيمم
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن سهل الرملي حدثنا حجاج -يعني: الأعور - حدثني شعبة بإسناده بهذا الحديث، قال: (ثم نفخ فيها، ومسح بها وجهه وكفيه إلى المرفقين أو إلى الذراعين). قال شعبة : كان سلمة يقول: الكفين والوجه والذراعين، فقال له منصور ذات يوم: انظر ما تقول، فإنه لا يذكر الذراعين غيرك ]. أورد المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه ذكر الذراعين والمرفقين، وهذه الراوية غير محفوظة كما عرفنا، والمحفوظ عن عمار والذي جاء عن الكثير من الثقات هو مسح الوجه والكفين، وأما ذكر المرفقين ونصف الساعد فغير محفوظ.

    تراجم رجال إسناد الرواية التي فيها ذكر الذراعين في التيمم، وبيان شذوذها
    قوله: [ حدثنا علي بن سهل الرملي ].
    علي بن سهل الرملي صدوق أخرج له أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة).
    [ حدثنا حجاج يعني: الأعور ]. هو حجاج بن محمد المصيصي الملقب الأعور ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي يأتي ذكره كثيراً مهملاً باسمه عن ابن جريج ، ويقال فيه أحياناً: حجاج بن محمد ، ويذكر أحياناً بلقبه الأعور ، وهنا قال: يعني: الأعور .
    [ حدثني شعبة بإسناده ]. يعني: بإسناده الذي تقدم.
    [ قال شعبة : كان سلمة يقول: الكفين والوجه والذراعين، فقال له منصور ذات يوم: انظر ما تقول، فإنه لا يذكر الذراعين غيرك ].
    منصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ومعنى قوله: انظر ماذا تقول، يعني: تحقق أو تثبت فإنه لا يذكر الذراعين غيرك، أي: فإنك أتيت بشيء انفردت به. نرى هنا أن سلمة يروي عن عبد الرحمن بن أبزى في بعض الطرق مباشرة، وفي بعض الطرق يروي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، وفي الإسناد الأخير يروي سلمة عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه، وهذا لا يعتبر انقطاعاً ولا اضطراباً، فقد تبينت الواسطة، فقد يرويه الراوي نازلاً ثم يرويه عالياً، ومثله حديث: (الدين النصيحة) الذي في صحيح مسلم ، وفيه أن شخصاً جاء إلى سهيل وقال: إن فلاناً حدثني عنك عن أبيك عن فلان كذا، وأريد أن تحذف عني الواسطة، فقال: سأحدثك عن الذي حدث أبي، فحذف عنه واسطتين: حذف أباه، والراوي عنه.

    ذكر الرواية المحفوظة في صفة التيمم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار رضي الله عنهما في هذا الحديث قال: فقال -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم-: (إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك إلى الأرض فتمسح بهما وجهك وكفيك..) وساق الحديث ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه الاقتصار على الوجه والكفين، وهذا هو المحفوظ. وقوله: وساق الحديث، يعني: ذكر باقيه.

    تراجم رجال إسناد الرواية المحفوظة في صفة التيمم

    قوله: [ حدثنا مسدد ].
    مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ حدثنا يحيى ].
    يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شعبة ]. مر ذكره.
    [ حدثني الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار ].
    وهذا مثل الإسناد السابق، وفيه واسطتان: ذر و ابن أبزى عن أبيه عبد الرحمن، لكن الراوي مختلف، فهنا الحكم وهناك سلمة .

    اختلاف الرواة في ذكر النفخ في التيمم في حديث عمار
    [ قال أبو داود : ورواه شعبة عن حصين عن أبي مالك قال: سمعت عماراً يخطب بمثله، إلا أنه قال: (لم ينفخ)، وذكر حسين بن محمد عن شعبة عن الحكم في هذا الحديث قال: (ضرب بكفيه إلى الأرض ونفخ) ]. حصين بن عبد الرحمن ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبو مالك هو غزوان الغفاري، وقد مر ذكره. قوله: [ سمعت عماراً يخطب بمثله ] يعني: بمثل اللفظ المتقدم إلا أنه قال: لم ينفخ، وهذا يعني: أنه قد جاء في بعض الروايات ذكر النفخ، وجاء في بعضها عدم النفخ. قوله: [ وذكر حسين بن محمد عن شعبة عن الحكم في هذا الحديث قال: (ضرب بكفيه إلى الأرض ونفخ) ]. هذه الرواية تتفق مع الروايات الأخرى التي فيها ذكر النفخ، والنفخ هنا للتخفيف، ويشرع إذا كان الغبار كثيراً بحيث فإذا وضع الإنسان يديه على وجهه فإنه يغبره، فيشرع له حينئذ أن يخفف ذلك بالنفض أو بالنفخ. وحسين بن محمد هو الجعفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (سألت النبي عن التيمم فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين) ]. ثم أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه ذكر الكيفية المحفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الاقتصار على مسح الوجه والكفين في التيمم دون زيادة على ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (سألت النبي عن التيمم فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين)

    قوله: [ حدثنا محمد بن المنهال ].
    محمد بن المنهال ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد ].
    سعيد بن أبي عروبة ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قتادة ].
    قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عزرة ]. هو عزرة بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار ].
    قد مر ذكر الثلاثة.

    شرح حديث التيمم إلى المرفقين من طريق قتادة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان قال: سئل قتادة عن التيمم في السفر فقال: حدثني محدث عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إلى المرفقين) ]. أورد أبو داود حديث عمار من طريق أخرى وفيه: أن المسح إلى المرفقين، وهذا الإسناد فيه رجل مبهم، فقتادة قال: حدثني محدث، وفيه أيضاً مخالفة الضعيف للثقة، فيكون الحديث منكراً، فالشاذ: هو مخالفة الثقة للأوثق، والمنكر هو مخالفة الضعيف للثقة، فذكر المرفقين في حديث هذا الرجل المجهول يجعل الحديث منكراً.

    تراجم رجال إسناد حديث التيمم إلى المرفقين من طريق قتادة
    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [ قال: سئل قتادة عن التيمم في السفر ].
    قتادة مر ذكره. [ فقال حدثني محدث عن الشعبي ]. المحدث هذا مجهول، والشعبي هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار ].
    مر ذكرهما."


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #82
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [051]
    الحلقة (82)

    شرح سنن أبي داود [051]


    من فضل الله تعالى على أمة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم أن شرع لهم التيمم عند فقد الماء أو عند تعذر استعماله، فجدير بالمسلمين أن يشكروا هذه النعمة العظيمة، وذلك بالتزام شرع الله تعالى.

    التيمم في الحضر



    شرح حديث: (أقبل رسول الله نحو بئر جمل..)
    [ باب: التيمم في الحضر. حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث أخبرنا أبي عن جدي عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا و عبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري فقال أبو الجهيم : (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه السلام حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام) ]. بوب الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باباً في التيمم في الحضر، أما السفر فهو غالباً مظنة عدم حصول الماء أو نقصانه وقلته، وأما بالنسبة للحضر فإن الغالب وجود الماء فيه، ومن المعلوم أنه لا يصار إلى التيمم إلا إذا عدم الماء، أو لم يقدر على استعماله لمرض أو لشيء يقتضي ذلك، وحيث يوجد الماء فلا يصار إلى التيمم، لكن قد تطرأ في الحضر ضرورة تدعو إليه؛ بأن يقل الماء في البلد أو في بعض القرى ويكاد يخرج الوقت وهم لم يجدوا الماء، فإن لهم أن يتمموا ويصلوا، ولا يتركوا الوقت يخرج دون أن يصلوا؛ لأنه حيث لم يوجد الماء يُنتقل حينئذٍ إلى البدل الذي هو التيمم. وقال بعض أهل العلم:
    إذا خشي خروج الوقت، بحيث إنه لو اشتغل بالوضوء فسوف يفوته ما تدرك به الصلاة؛ وذلك أن من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر، ويصلي ركعة بعد طلوع الشمس، فإذا كان اشتغاله بالوضوء يترتب عليه خروج ذلك الوقت الذي يسع قدر الصلاة فإن بعض أهل العلم قال: إنه يتيمم حتى يدرك الصلاة في وقتها، وحتى لا يؤدى الصلاة في غير وقتها، والذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم في الحضر أنه تيمم لحصول شيء أكمل وهو ذكر الله عز وجل،
    ورد السلام على من سلم عليه، فإنه كان قد قضى حاجته فلم يرد السلام على من سلم عليه حتى أتى جداراً وضرب بيديه عليه، ومسح بوجهه وكفيه، ثم رد السلام، فيكون التيمم في هذه الحالة من أجل الحصول على هيئة أكمل وأفضل، وإن كان ذكر الله عز وجل يسوغ مع وجود الحدث الأصغر، بل وكذلك مع وجود الحدث الأكبر، فللإنسان أن يذكر الله عز وجل وإن كان على حدث أكبر، وإنما يمنع الحدث الأكبر -الذي هو الجنابة- من قراءة القرآن، وقد قال بعض أهل العلم: له أن يقرأ القرآن وهو جنب، لكن الراجح أن قراءة القرآن للجنب لا تصلح؛ لأن رفع الجنابة يقدر عليه الإنسان، إن كان معه ماء اغتسل وإلا فإنه يتيمم ويتمكن من قراءة القرآن، وعلى هذا فإن للجنب -وللمحدث حدثاً أصغر من باب أولى- أن يذكر الله عز وجل،
    ولكن الهيئة الأكمل والأفضل أنه يكون على طهارة، ولو عن طريق التيمم. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل نحو بئر جمل)، وهو مكان معروف عندهم في المدينة، وكان قد قضى حاجته، فسلم عليه رجل فلم يرد عليه السلام، حتى أتى حائط وضرب يديه عليه وتيمم، ثم ردّ عليه السلام، وقد فعل هذا ليكون على هيئة أكمل وأفضل -وهي حالة الطهارة- بكونه تيمم، وإن كان ذكر الله عز وجل يجوز في حال الحدث الأكبر وفي حال الحدث الأصغر، وهذا بالنسبة لذكر الله والتسبيح والدعاء، وأما بالنسبة للقرآن فإنه يقرؤه من هو على حدث أصغر، ولا يقرأه من هو على حدث أكبر، وقد قال بعض أهل العلم: يجوز أن يقرأه من كان على حدث أكبر،
    لكن الصحيح أن الجنب لا يقرأ القرآن؛ لأن رفع الجنابة بيده، فيمكنه أن يغتسل إن وجد الماء وإلا تيمم وفعل ما يريد من قراءة القرآن. وعلى هذا فحديث أبي جهيم رضي الله عنه يدل على ما ترجم له المصنف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم في الحضر؛ ليكون على هيئة أكمل وأفضل، لا لأن ذلك متعين ولازم لمن كان على غير طهارة أنه لا يرد السلام، بل يمكن أن يذكر الله ويرد السلام، لكن كونه على طهارة فهذا أكمل وأفضل كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه: أنه تيمم على جدار، وهذا فيه بيان أن التيمم يكون على الأرض ويكون على التراب أو الغبار الذي يعلق بالجدار إذا ضرب عليه وصار على يده شيء منه فإنه يتيمم به.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أقبل رسول الله نحو بئر جمل..)
    قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ].
    هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ أخبرنا أبي ].
    هو شعيب بن الليث، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ عن جدي ].
    هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جعفر بن ربيعة ].
    هو جعفر بن ربيعة المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الرحمن بن هرمز ].
    ولقبه الأعرج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمير مولى ابن عباس ].
    هو عمير بن عبد الله مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبي الجهيم ]. هو أبو الجهيم بن الحارث بن الصمة، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (مر رجل على رسول الله في سكة من السكك..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي أخبرنا محمد بن ثابت العبدي أخبرنا نافع قال: انطلقت مع ابن عمر رضي الله عنهما في حاجة إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقضى ابن عمر حاجته، فكان من حديثه يومئذٍ أن قال: (مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه فلم يرد عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام، وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر) ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر عليه رجل وسلم عليه، فلم يرد عليه السلام، حتى كاد أن يتوارى الرجل من الطريق الذي كان لقيه فيه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى حائط وضرب عليه بيديه ضربتين وتيمم، ثم رد عليه السلام ومسح يديه إلى الذراعين. وهذا الحديث يختلف عن الذي قبله؛ لأنه قال في الأول: مسح وجهه ويديه، فهو مجمل؛ لأن اليد تطلق ويراد بها من أطراف الأصابع إلى الإبط، وهذا هو حد اليد الكاملة، وقد سبق أن بعض الصحابة رضي الله عنهم تيمموا إلى المناكب والآباط، وذكرنا قول الحافظ ابن حجر : إن كان ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء بعده ما ينسخه، وهو الاقتصار على الكفين، وإن كان من فعلهم فالعبرة بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    والذي ثبت عنه هو ما جاء في حديث عمار من طرق متعددة في الصحيحين وفي غيرهما: (أنه مسح كفيه ووجهه)، ولم يصل إلى الذراعين، ولا نصف الذراع، ولا إلى المناكب. وهذا الحديث الذي فيه: أنه مسح إلى الذراعين ضعيف؛ لأن فيه محمد بن ثابت العبدي ، وحديثه منكر كما قاله الإمام أحمد بن حنبل، ونقله عنه أبو داود . وأما التيمم على الجدار فهو ثابت في الحديث المتقدم، أي: حديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمة . وذكر الراوي ابن عباس في هذا الحديث لبيان المناسبة التي حصل فيها تحديث ابن عمر بهذا الحديث. وقوله: (في سكة من السكك) يعني: طريق من الطرق بين البيوت.

    تراجم رجال إسناد حديث: (مرّ رجل على رسول الله في سكة من السكك..)
    قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي ].
    أحمد بن إبراهيم الموصلي أبو علي صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة في التفسير.
    [ أخبرنا محمد بن ثابت العبدي ].
    محمد بن ثابت العبدي صدوق لين الحديث، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .
    [ عن نافع ].
    هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر ].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عمرو ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    خطأ محمد بن ثابت في حديث التيمم
    [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم ]. يعني: هذا الحديث. [ قال ابن داسة : قال أبو داود : لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورووه فعل ابن عمر ]. ابن داسة هو أحد الرواة لسنن أبي داود ، قال: قال أبو داود : لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني رفعه للحديث لم يتابع عليه، وإنما هذا مما انفرد به محمد بن ثابت ، وكذلك أيضاً ذكر الذراعين زيادة منكرة؛ لأنها مخالفة لما جاء في الروايات الصحيحة من أن المسح إنما يكون للكفين فقط دون الذراعين، وسبق أن ذكرت أن الحافظ ابن حجر قال: إن الروايات التي فيها ذكر الذراعين وذكر نصف الساعد فيها مقال.
    قوله: [ ورووه فعل ابن عمر ] يعني رووا الضربتين من فعل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ولكن سبق أن مر في بعض الأحاديث الصحيحة أنهم تمسحوا وضربوا ضربة فمسحوا بها الوجوه، ثم ضربوا ضربة أخرى فمسحوا بها الأيدي إلى الآباط وإلى المناكب.

    شرح حديث: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط فلقيه رجل..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا عبد الله بن يحيى البرلسي حدثنا حيوة بن شريح عن ابن الهاد أن نافعاً حدثه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغائط، فلقيه رجل عند بئر جمل فسلم عليه، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الحائط، فوضع يده على الحائط ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل السلام) ]. أورد المصنف حديث ابن عمر رضي الله عنهما من طريق أخرى، وهو مطابق لحديث أبي جهيم الذي تقدم، والذي فيه: (أنه جاء من نحو بئر جمل، وأن الرجل سلم عليه ولم يرد عليه السلام حتى ضرب بيديه الحائط ومسح بيديه ووجهه)، وهنا أجمل اليدين، ولم يذكر الحد الذي كان عليه المسح، فهو مثل رواية أبي جهيم المتقدمة، وهي مجملة أيضاً ليس فيها تحديد؛ لأن اليد يدخل تحتها الكف وحده، ويدخل تحتها الكف والذراع إلى المرفقين، ويدخل تحتها اليد كلها إلى المناكب، وكل ذلك يقال له: يد، ولكن الذي ثبت في الصحيحين وفي غيرهما أن المسح للكفين فقط.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أقبل رسول الله من الغائط فلقيه رجل..)
    قوله: [ قال حدثنا جعفر بن مسافر ].
    جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ حدثنا عبد الله بن يحيى البرلسي ].
    عبد الله بن يحيى البرلسي لا بأس به، يعني: صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود .
    [ حدثنا حيوة بن شريح ].
    هو حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن الهاد ].
    هو يزيد بن عبد الله بن الهاد بن أسامة بن الهاد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن نافع عن ابن عمر ]. وقد مر ذكرهما.

    الجنب يتيمم


    شرح حديث: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الجنب يتيمم. حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة ح وحدثنا مسدد أخبرنا خالد -يعني ابن عبد الله الواسطي - عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: (اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر ! ابد فيها، فبدوت إلى الربذة، فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والست، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبو ذر ؟ فسكتُّ، فقال: ثكلتك أمك - أبا ذر - لأمك الويل، فدعا لي بجارية سوداء فجاءت بعس فيه ماء فسترتني بثوب واستترت بالراحلة واغتسلت، فكأني ألقيت عني جبلاً، فقال: الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك فإن ذلك خير)، وقال مسدد : غنيمة من الصدقة، قال أبو داود : وحديث عمرو أتم ]. أورد أبو داود رحمه الله باب: الجنب يتيمم، والمقصود: أن الجنب يتيمم، وأن التيمم يرفع الحدث الأكبر كما يرفع الحدث الأصغر، وقد سبق أن مر قريباً الأحاديث المتعلقة بقصة عمار و عمر رضي الله تعالى عنهما،
    وأنه لما أجنب تمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، فقال: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا)، وهو يدل على أن الجنب يتيمم، وأن التيمم يقوم مقام الماء في رفع الحدث الأكبر والأصغر، وأن التيمم يكون لرفع الجنابة، ويكون للطهارة من الحيض، ويكون لرفع الحدث الأصغر حيث لا يوجد الماء أو لا يقدر الإنسان على استعماله. فالأحاديث التي مرت تدل على هذه الترجمة، ولكن أبا داود رحمه الله عقد هذه الترجمة الخاصة بتيمم الجنب، وأورد حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه: (أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة -وهي تصغير الغنم-، فقال له: ابد فيها) يعني:
    اذهب إلى البادية، قال: فبدوت -يعني: ذهبت- إلى الربذة، وهو مكان يقال له: الربذة، وكان معه أهله، وكانت تصيبه الجنابة، فيمكث خمس ليالٍ وست ليالٍ، يعني: لا يجد الماء ولا يصلي، فعندما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ثكلتك أمك، لأمك الويل) قيل: هذا دعاء لا يراد، وإنما شيء اعتادوا أن يقولوه مثل تربت يداك، وعقرى حلقى، وغير ذلك من العبارات التي كانوا يقولونها. وقوله: [ فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بعسّ فيه ماء ]. العسّ: هو القدح الكبير. قوله: [ فسترتني بثوب ]. يعني: جعلت ثوباً يستره، والجهة الثانية فيها الناقة، فاغتسل، قال: فكأني ألقيت عني جبلاً، أي: بسبب الجنابة والاهتمام بشأنها، فتخلص من هذا الثقل الذي كان يجده في نفسه من كونه كان على هذا الوضع. قوله: [ فقال: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين) ].
    يعني: أن التيمم يقوم مقام الوضوء وإن لم يجد الماء عشر سنين، والمقصود بالعشر هو التكثير وليس التحديد، بل يجوز حتى أكثر من عشر، وليس المقصود أنه إذا تعدى عشر سنين يختلف الحكم، بل المقصود بيان الكثرة، وأن التيمم يقوم مقام الماء ويحل محله. وفيه دليل على أن الإنسان إذا تيمم فإن التيمم يقوم مقام الوضوء، ويكون رافعاً للحدث، وأن الإنسان يمكنه أن يصلي بالتيمم عدة صلوات مادام أنه لم يحصل منه حدث بعد ذلك؛ لأنه إذا تيمم فقد وجد منه الشيء الذي حل محل الماء، وبعض أهل العلم يقول: إنه يتيمم لكل صلاة. قوله: [ (فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك فإن ذلك خير) ].
    يعني: إذا وجدت الماء بعد ذلك (فأمسه جلدك)، فالمتيمم للجنابة إذا وجد الماء فإن عليه وجوباً أن يغتسل، ولو كان قد تيمم في تلك المدة الطويلة التي سبقت وجود الماء. قوله: [ قال مسدد : غنيمة من الصدقة ]. يعني: أن أن أحد الشيخين لأبي داود وهو مسدد قال: غنيمة من الصدقة، يعني: أنها غنيمة من الصدقة. [ قال أبو داود : وحديث عمرو أتم ]. أي: حديث شيخه الأول، وهو عمرو بن عون .

    تراجم رجال إسناد حديث: (الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين)
    قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ].
    عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا خالد الواسطي ].
    هو خالد بن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن خالد الحذاء ].
    هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و الحذاء لقبٌ لُقّب به ولم يكن حذاءً، ولا بائعاً للأحذية، وإنما كان يجالس الحذائين فنسب إليهم، وهذه نسبة سببها أدنى مناسبة، وهي مجالسة الحذائين.
    [ عن أبي قلابة ].
    هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة كثير الإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ وحدثنا مسدد ].
    هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ أخبرنا خالد يعني ابن عبد الله الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان ]. أبو قلابة هو ملتقى الطريقين، فالطريق الأولى: عمرو بن عون عن خالد الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة . والطريق الثانية: مسدد عن خالد الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة . وعمرو بن بجدان لا يعرف حاله، وقد أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر قال: دخلت في الإسلام فأهمني ديني، فأتيت أبا ذر رضي الله عنه، فقلت: أبو ذر ؟ فقال أبو ذر : (إني اجتويت المدينة فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وبغنم، فقال لي: اشرب من ألبانها) قال حماد : وأشك في أبوالها -هذا قول حماد - فقال أبو ذر : (فكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فأصلي بغير طهور، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهو في رهط من أصحابه، وهو في ظل المسجد، فقال: أبو ذر ؟ فقلت: نعم، هلكت يا رسول الله! قال: وما أهلكك؟ قلت: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء، فجاءت به جارية سوداء بعسّ يتخضخض ما هو بملآن، فتسترت إلى بعيري فاغتسلت ثم جئت،
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر ! إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك). قال أبو داود رواه حماد بن زيد عن أيوب لم يذكر أبوالها. قال أبو داود : هذا ليس بصحيح، وليس في أبوالها إلا حديث أنس تفرد به أهل البصرة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وشك حماد بن سلمة في أبوالها، هل قال: أبوالها أو ما قالها؟ وأما ألبانها فليس فيها شك. قوله: (وما أهلكك؟ قال: كنت أعزب عن الماء) يعني: يبتعد عن الماء. قوله: (ومعي أهلي) يعني: فتصيبه الجنابة. قوله: [ (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهو في رهط من أصحابه وهو في ظل المسجد، فقال: أبو ذر ؟ فقلت: نعم، هلكت يا رسول الله! قال:
    وما أهلكك؟! قلت: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء، فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض ما هو بملآن فاستترت) ]. العس: هو الوعاء الكبير، والمعنى أنه كان غير ممتلئ، فكان الماء يتخضخض فيه، يعني: يتحرك بصوت، فاستتر واغتسل. قوله: [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر ! إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) ]. وهذا الحديث مثل الذي قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة...)
    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا حماد ].
    هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أيوب ].
    هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر ].
    أبو قلابة مر ذكره، والرجل الذي من بني عامر قيل: هو عمرو بن بجدان في الإسناد الأول.
    [ عن أبي ذر ].
    هو جندب بن جنادة، وقد مر ذكره.

    خلاف الرواة في بعض ألفاظ الحديث

    قوله: [ قال: (دخلت في الإسلام فأهمني ديني) ]. يعني: معرفة أحكام دينه وأمور دينه. [ فقال أبو ذر : (فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود) ]. الذود أي: عدد من الإبل، قيل: من الثلاث إلى التسع، وقيل: من الثلاث إلى العشر، وقد جاء إطلاقه على الخمس في حديث: (ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة). [ قال أبو داود : رواه حماد بن زيد عن أيوب لم يذكر أبوالها ]. حماد بن زيد لم يذكر أبوالها، و حماد بن سلمة هو الذي شك هل قال: أبوالها أو لم يقل: أبوالها.
    [ قال أبو داود : هذا ليس بصحيح، وليس في أبوالها إلا حديث أنس تفرد به أهل البصرة ]. يعني: ذكر الأبوال ليس بصحيح، وإنما الصحيح في الأبوال حديث أنس الذي تفرد به أهل البصرة، وهو في قصة العرنيين الذين اجتووا المدينة، فأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبل الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا، فلما صحوا قتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وقصتهم مشهورة، والحديث في الصحيحين، وفيه التنصيص على الأبوال، وهو دليل على طهارة أبوال الإبل، بل وطهارة بول وروث كل ما يؤكل لحمه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لهم أن يشربوا من أبوالها، ولو كانت نجسة لم يأمرهم بالشرب منها، فَأَمْرُه لهم بالشرب منها يدل على طهارتها، وفي ذلك علاج وتداوٍ بحلال، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن التداوي بالحرام.

    الأسئلة



    حال حديث أبي ذر (إني اجتويت المدينة ...)


    السؤال: ما حال حديث أبي ذر ؟ الجواب: حديث أبي ذر صححه أهل العلم واحتجوا به، وفيه هذا الرجل الذي لا يعرف، لكن لعل له شواهد أو متابعات.


    حكم قضاء صلاة من صلى بغير وضوء جهلاً

    السؤال: هل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر أن يقضي الصلوات التي صلاها بغير طهور؟

    الجواب: ليس في هذا الحديث أنه أمره بإعادة ما صلّاه بغير وضوء على اعتبار أنه لم يكن يعلم الحكم، وقد جاء مثل هذا عن الصحابة عندما صلوا بدون وضوء في الحديث الذي فيه انحباسهم لعقد عائشة ، وفيه ثناء أسيد بن حضير على آل أبي بكر ، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بإعادة الصلاة؛ لأن التيمم لم يكن قد شُرع، وما عرفوا هذا الحكم في الشريعة.


    نوع التراب الذي يصح به التيمم

    السؤال: ما هو نوع التراب الذي يصح به التيمم؟

    الجواب: التيمم يكون بالأرض مطلقاً سواء كانت ترابية أو رملية أو حجرية؛ لعموم الحديث: (أيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره) ومعناه: أنه يتيمم، بل يجوز له أن يتيمم على الجدار، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تيمم بالجدار، وأما ما جاء من ذكر التربة في بعض الروايات فهذا لا ينافي العموم؛ لأن من القواعد المقررة في أصول الفقه: أن التنصيص على بعض أفراد العام لا يسقط عمومه، بل يبقى العموم على ما هو عليه، وأكثر ما في الأمر أن بعض أفراد العموم نص عليه، فإفراد بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصص العام. ومثل هذا أن بعض أهل العلم استدل بقوله: (الشفعة في كل شيء) على أنها تكون في العقار وفي غيره، والتنصيص على العقار في بعض الروايات لا يدل على قصر الحكم عليه، وإنما هو بعض أفراد الشفعة، وهي في كل شيء، فيبقى العموم على ما هو عليه، والتنصيص على بعض أفراده لا يسقط عمومه.


    حكم التيمم على الجدار الأملس

    السؤال: ما حكم التيمم على الجدار الأملس؟
    الجواب: التيمم على الجدار الأملس يجوز إذا كان عليه غبار، أما إذا كان حديث عهد بالغسل فلا يتيمم به؛ لأنه لا يكون عليه غبار.


    حكم الصلاة على السيارة

    السؤال: هل تجوز الصلاة في السيارة ونحوها؟

    الجواب: السيارة مثل الراحلة، فليس للإنسان أن يصلي فيها الفريضة؛ لأنه يجب أن يقف ويصلي، أما النافلة فيجوز، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتنفل على راحلته فإذا جاء وقت الصلاة نزل وصلى، فالسيارة مثل الراحلة، لكن من كان على الطائرة وخشي أن يخرج الوقت وهي في الجو، فيصلي عليها الفريضة إن وجد مكاناً يركع ويسجد فيه، فإن لم يجد فإنه يصلي على كرسيه واقفاً أو جالساً بالإشارة.


    حكم التيمم في الحضر

    السؤال: تيمم النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر، فهل هذا خاص به؟

    الجواب: لا أدري، والأصل عدم الخصوص حتى يأتي دليل يدل على الخصوص، والذي يظهر لي أن للإنسان أن يفعل ذلك؛ لأنه لا يترتب عليه إلا حصول الأكمل والأصوب، وهو ذكر الله على طهارة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا دائماً، وإنما جاء عنه مرة واحدة، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يذكر الله على كل أحيانه)، ومن المعلوم أنه في بعض أحيانه يكون على غير وضوء.


    حكم الترتيب في التيمم

    السؤال: هل يشترط في التيمم الترتيب؟
    قال الحافظ ابن حجر : ليس من شرط التيمم الترتيب.


    حكم التفل في اليدين قبل التيمم من الجدار

    السؤال: هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل في يديه عندما مسح على الجدار؟
    الجواب: لا نعلم هذا، ولماذا هذا التفل؟! فالمتيمم لا يتفل في يديه، وإنما إذا كان الغبار كثيراً في اليدين فإنه يخفف الغبار بالنفخ أو بالنفض.


    حد اليد في اللغة

    السؤال: إذا أطلقت اليد هل تكون للكف؟
    الجواب: اليد تطلق إطلاقات متعددة: فتطلق على الكف وحده، وتطلق على الكف ومعه الساعد، وعلى الكف ومعه الساعد والعضد إلى المنكب، كل ذلك يطلق عليه أنه يد، ولكن هذا الإطلاق يصار إلى تقييده بالسنة، كما جاء القرآن بإطلاق قطع يد السارق: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، وبينت السنة أن القطع يكون من المفصل الذي بين الكف وبين الساعد، وإطلاق قطع اليد كان يصدق لو قطعت من الكف أو قطعت من المرفق أو قطعت من المنكب؛ لأنه كله يقال له: يد، لكن قد جاءت السنة ببيان حد اليد في القطع، وكذلك أيضاً بينت حد اليد بالنسبة للتيمم، وأما بالنسبة للوضوء فقد جاء تحديد غسل اليدين إلى المرافق في قوله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6].


    تضعيف صلاة المنفرد في المسجد النبوي

    السؤال: هل من فاتته صلاة الجماعة مع الإمام في المسجد النبوي وصلى وحده يكتب له أجر ألف صلاة؟

    الجواب: هذا هو الذي يبدو؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، فأي صلاة يصليها الإنسان فيه فهي خير من ألف صلاة فيما سواه، سواء كانت صلاة جماعة أو منفرد.


    حكم جماع الزوجة مع العلم بعدم وجود ماء الغسل

    السؤال: هل يأثم المسلم بجماع أهله إذا تحقق أنه فاقد للماء في المكان الذي هو فيه؟

    الجواب: لا، بل يجوز للرجل أن يجامع أهله وإذا لم يجد ماءً فيتيمم، وإذا كان مسافراً وهو في مكان وليس فيه ماء، فله أن يجامع أهله ويتيمم.


    حكم من اعتمرت ولم تقص من شعرها

    السؤال: امرأة اعتمرت ولم تقص شعرها، فما الحكم؟

    الجواب: إذا كانت حديثة عهد بالعمرة فتقص شعرها الآن، وإذا كان قد مضى عليها وقت طويل فعليها فدية عن ترك التقصير.


    ملتقى الإسناد في حديث أبي ذر (إني اجتويت المدينة ...)

    السؤال: لماذا جعل أبو داود ملتقى الإسناد عند عمرو بن بجدان ؟
    الجواب: لأنه يوجد فرق في ذكر رجال الإسنادين، ففي إسناد قال: خالد الواسطي ، وفي الإسناد الثاني قال: خالد يعني ابن عبد الله الواسطي ، فجاء بكلمة يعني، وفي الطريق الأول قال: خالد الواسطي ، فبينهما فرق.


    الجمع بين روايات حديث أبي ذر (إني اجتويت المدينة ...)


    السؤال: كيف نوفق بين روايتي حديث أبي ذر ، ففي الرواية الأولى قال: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو ذر : فسكتُّ)، وفي الرواية الثانية: (فقال: أبو ذر ؟ فقلت: نعم)؟

    الجواب: لا يوجد تنافٍ، فلعله سكت أولاً، ثم بعد ذلك قال: نعم.


    حكم قضاء من ترك الصلاة متعمداً

    السؤال: هل في حديث أبي ذر رضي الله عنه ردٌّ على من يوجب قضاء الفوائت إذا خرج وقتها؟

    الجواب: الذين كانوا يتركون الصلاة لمدة طويلة ليس عليهم أن يقضوها، وإنما عليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل من تركهم الصلاة، والصلاة تقضى إذا نسيها الإنسان أو نام عنها، أما من ترك الصلاة لمدة طويلة فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا الجرم الذي حصل منه، وأن يحافظ على الصلوات في المستقبل، وأن يكثر من النوافل، أما كونه يترك الصلاة عشرين سنة أو أقل أو أكثر، ثم يهديه الله عز وجل فيكون من المصلين، ثم بعد ذلك كلما يصلي صلاة يصلي وراءها صلاة قضاء؛ فهذا ليس بصحيح، وإنما عليه أن يتوب مما حصل منه من الإجرام، ويحافظ على الصلاة في المستقبل، ويحافظ على الصلاة في المستقبل.


    لا يعذر تارك الصلاة بالجهل

    السؤال: هل يعذر تارك الصلاة بالجهل؟
    الشيخ: لا يعذر بالجهل، وإذا ترك الصلاة نسياناً فليقضيها متى ذكرها، أما إذا ترك الصلاة لمدة طويلة فليحسن في المستقبل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل المسيء صلاته قال له: (ارجع فصلّ فإنك لم تصل) يعني: أن صلواته الماضية كلها كانت بهذه الطريقة، ومع ذلك لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، لكن إذا كان الإنسان قد حصل منه تقصير في صلوات معينة، ويمكنه قضاؤها فليقضها، وبالنسبة لزمن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان زمن تشريع، فبعض الصحابة قد يجتهد فيصلي صلاة لا تصح، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمره بالإعادة، مثلما أقر أسيد بن حضير والذين معه حينما صلوا بدون وضوء؛ لعدم الماء، والتيمم لم يكن قد شرع، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم، و عمر رضي الله عنه قد جاء عنه أنه قال: لا يصلي الجنب حتى يجد الماء.


    حكم التيمم بالزجاج

    السؤال: هل يجوز التيمم بالزجاج؛ لأن أصله تراب؟
    الجواب: لا يتيمم الإنسان بالزجاج، ولو كان أصله تراباً فالتيمم يكون بالأرض، وكون الإنسان يمسح زجاجة موضوعة على الأرض فهذا لا يقال: إنه تيمم بالأرض، بل تيمم بالزجاج، وليس كل ما كان أصله تراباً يجوز التيمم عليه، والجدار يجوز أن يتيمم عليه بسبب الغبار الذي يكون عليه، والزجاج إذا كان عليه غبار مثل الجدار الأملس فيجوز التيمم بالغبار الذي عليه.


    معنى قوله: (فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والست)


    السؤال: ما معنى قوله في حديث أبي ذر : (فكانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والست)؟

    الجواب: يعني الخمس الليالي والست الليالي، وجاء في الحديث الثاني: (فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور)! ولم يذكر مدة، فهذه الرواية الثانية بينت أنه كان يصلي بغير وضوء.


    حكم ذكر الله للجنب

    السؤال: هل للجنب أن يذكر الله؟

    الجواب: يذكر الله، لكن لا يقرأ القرآن، وبعض أهل العلم قال: له أن يقرأ القرآن وهو على جنابة، وبعضهم قال: لا يقرأ القرآن؛ لأنه بإمكانه أن يتخلص من الجنابة بالاغتسال إن كان الماء موجوداً أو بالتيمم إذا عدم الماء."


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #83
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [052]
    الحلقة (83)

    شرح سنن أبي داود [052]


    خفف الله عن هذه الأمة ووضع عنها إصرها، فشرع لها التيمم عند فقد الماء أو خوف الضرر من استعماله، وقد جاءت أحاديث كثيرة تبين أحكام التيمم المختلفة.

    تيمم الجنب إذا خاف البرد


    شرح حديث: (... يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ حدثنا ابن المثنى ، أخبرنا وهب بن جرير ، أخبرنا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب ، يحدث عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير المصري ، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو ! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً) ]. قوله: (باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم) أي: إذا خاف الجنب البرد أيتيمم عن الجنابة؟ هذه الترجمة المقصود منها كما هو واضح أن الجنب إذا خشي من الاغتسال أن يصيبه الهلاك،
    أو يصيبه ضرر كبير يلحق جسمه أو مرض يؤدي به إلى الهلاك، هل له أن يتيمم أو ليس له أن يتيمم؟ وأورد المصنف رحمه الله حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، أنه كان في غزوة ذات السلاسل، وكان أميراً عليها، فاحتلم وخشي إن اغتسل أن يهلك لشدة البرد، وذكر قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، فتيمم وصلى بالناس وهو إمامهم؛ لأنه أميرهم، فلما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أخبروه بذلك قال له: (صليت بأصحابك وأنت جنب يا عمرو ؟) فقال له ما قال وتلا عليه الآية التي بنى عليها عمله، وهي قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد شيئاً. وضحكه عليه الصلاة والسلام وكونه لم يرد عليه شيئاً إقرار له، ولو كان ذلك باطلاً أو غير سائغ لم يقره على ذلك، وهو لا يقر على باطل صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أن السنة تثبت بطرق ثلاث: وهي القول أو الفعل أو التقرير، ولهذا يعرف المحدثون الحديث بقولهم: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير،
    ويضيفون إلى ذلك: أو وصف خلقي أو خلقي. أي: وصف أخلاقه الكريمة وخلقه الذي خلقه الله عليه صلى الله عليه وسلم، أيضاً هذا يدخل في السنة ويدخل في الحديث، ولكن هذا التعريف كما هو واضح، يشمل الطرق الثلاث التي تثبت بها السنن، وهي القول والفعل والتقرير، فكونه صلى الله عليه وسلم ضحك وتبسم ولم يرد شيئاً؛ أي أنه أقره على صنيعه وأقره على فعله. قوله: [ (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك.) ]. وهذه الغزوة هي التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، وهناك في الجيش من هو أفضل منه، وبهذا يجوز أن يولى المفضول مع وجود الفاضل، وذلك لمعنى موجود في المفضول اختير من أجله، ولما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم فهم من هذا التأمير وهذا التقديم أن فيه تفضيلاً فسأله فقال: (من أحب الناس إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة ، قال: ومن الرجال؟ قال: أبوها،
    قال: ثم من؟ قال: عمر)، ثم سكت لما رأى أنه عدد أناساً ولم يعده. في هذه الغزوة أو هذا الجيش الذي كان فيه حصل له احتلام في النوم، واحتاج إلى الغسل وخشي أنه إذا اغتسل والبرد شديد أن يهلك، وفهم من الآية وهي قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] أنه يعدل عن الاغتسال إلى التيمم، ولما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذي حصل منه وأنه صلى بأصحابه وهو جنب وتلا هذه الآية التي فهم منها ما فهم أقره رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث ضحك وتبسم ولم يرد عليه شيئاً. وهذا فيه أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يجتهدون في زمن الوحي في الأمور التي تطرأ عليهم كما فعل عمرو في هذه الغزوة، وكما فعل أسيد بن حضير ومن معه عندما كانوا يبحثون عن عقد عائشة ولما جاء وقت الصلاة وليس عندهم ماء صلوا بدون وضوء؛ لأن التيمم لم يشرع بعد، فعلوا ذلك باجتهادهم، حيث رأوا أن الصلاة لا تترك وأن عليهم أن يصلوا على حسب حالهم، فصلوا على حسب حالهم وأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح ]. وكان هذا في آخر الليل؛ لأن البرد يكون أشد ما يكون في آخر الليل.
    معنى قوله: (سمعت الله يقول)

    قوله: [ (فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو ! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً) ]. المقصود بقوله: (سمعت الله يقول) سمعت كلام الله عز وجل ورأيت كلام الله سبحانه وتعالى والذي ينص على أن الإنسان لا يقتل نفسه، وأن ذلك يكون فيه قتل للنفس. وستأتي قصة الرجل الذي أصابته شجة واحتلم وسأل وقيل له: (ما نعلم إلا أنك تغتسل، فاغتسل ومات بسبب ذلك، فلما بلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال). ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إذا سمعت الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:104] فأرع لها سمعك؛ فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه) وهذا السماع إنما هو سماع للقرآن إما من غيره أو كونه يقرأ لنفسه. ومن المعلوم أن المقصود بالسماع من الله، أي: سماع كلام الله، وسبق أن ذكرت الأثر المروي عن عبد الله بن داود الخريبي الذي ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري وهو في قول الله عز وجل: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] قال:
    إن هذه الآية أشد آية على أصحاب جهم ؛ لأن الله تعالى يقول: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] قال: فمن بلغته هذه الآية فكأنما سمع كلام الله. يعني: كأنه سمعه من الله، وكما هو معلوم أن الناس لا يسمعون من الله، وإنما الذي سمع الوحي من الله ونزل به على محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام هو جبريل عليه السلام، والذي سمع كلام الله من الله هو موسى بن عمران كليم الرحمن عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل:
    وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف:143] فهو سمع كلام الله من الله، وكذلك نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج فإنه سمع كلام الله من الله، ولهذا فكما أن موسى بن عمران كليم الرحمن فإن نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام هو أيضاً كليم الرحمن، وكما أن إبراهيم خليل الرحمن، فنبينا محمد عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن، فاجتمع فيه ما تفرق في غيره، الخلة لإبراهيم والتكليم لموسى والخلة والتكليم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
    الأحكام العصرية المستنبطة من قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم)

    وقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] هذه الآية استدل بها بعض أهل العلم على تحريم شرب الدخان؛ لأن الله تعالى نهى عن قتل النفس، ومن المعلوم أن شرب الدخان من الأسباب التي يكون بها الهلاك ومن أسباب الأمراض، ومن المعلوم أيضاً أن الشريعة جاءت بعموماتها وبقواعدها تشمل ما هو موجود في زمنه صلى الله عليه وسلم وما ليس بموجود مما يجد ويحدث. ومن المعلوم أن الدخان شيء جديد، وإنما طرأ ووجد في الأزمان المتأخرة، ولكن الشريعة تستوعب ما يحدث وما يجد من النوازل؛ وذلك بعموماتها وقواعدها وقياس المثيل على المثيل، وإلحاق النظير بالنظير؛ وذلك أن قوله:
    (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) فيه نهي عن قتل النفس بأي طريقة كانت، وعن قتل الغير، وكون الإنسان لا يقدم على أي شيء يؤدي إلى هلاكه وقتل نفسه هو ما تقتضيه هذه الآية، ولهذا فهم عمرو رضي الله عنه منها أنه لو اغتسل بالماء البارد لهلك، واحتج بهذه الآية وتلاها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليه شيئاً، أي: أنه أقره على ذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث (.. يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟)

    قوله: [ حدثنا ابن المثنى ].
    محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا وهب بن جرير ].
    وهب بن جرير بن حازم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا أبي ].
    أبوه هو جرير بن حازم، وهو أيضاً ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعت يحيى بن أيوب ].
    يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يزيد بن أبي حبيب ].
    يزيد بن أبي حبيب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمران بن أبي أنس ].
    عمران بن أبي أنس ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . ولم يخرج له ابن ماجة .
    [ عن عبد الرحمن بن جبير المصري ].
    عبد الرحمن بن جبير المصري ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ عن عمرو بن العاص ].
    عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. و عمرو بن العاص رضي الله عنه روى قصة إسلامه مسلم في صحيحه، قال:
    (إنه جاء ليسلم وكان إسلامه عام الحديبية، فلما مد يده ليبايع الرسول صلى الله عليه وسلم فمد رسول الله يده فقبض عمرو يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لماذا يا عمرو ؟ قال: أردت أن أشترط، قال: وماذا تشترط؟ قال: أن يغفر لي -يعني: ما كان من الشرك وما كان من أمر الجاهلية- فقال عليه الصلاة والسلام: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟) قوله: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟) أي: أن التوبة تجب ما قبلها، وأعظم الذنوب وأبطل الباطل وأظلم الظلم الشرك، وإذا حصلت التوبة منه فإن الله تعالى يغفر ذلك، فكيف لما هو دونه من الكبائر والمعاصي، فعمرو رضي الله عنه عند المبايعة قال هذه المقالة وأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الجواب الذي فيه بيان أن الإسلام يهدم ما كان قبله، والهجرة تهدم ما كان قبلها، والحج يهدم ما كان قبله.
    مصطلح المتفق والمفترق في ترجمة الرجال

    قوله: [ قال أبو داود : عبد الرحمن بن جبير مصري مولى خارجة بن حذافة وليس هو ابن جبير بن نفير]. لما كان هذا الإسناد فيه هذا الرجل المصري وهو عبد الرحمن بن جبير المصري ، وكان هناك شخص آخر يوافقه في الاسم واسم الأب وهو عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، فهذا حمصي وذاك مصري، فأراد أن يبين أن هذا غير هذا. وهذا يسمونه المتفق والمفترق في علم المصطلح، يعني: أن تتفق الأسماء وأسماء الآباء وتختلف الأشخاص.
    شرح حديث عمرو بن العاص في الجمع بين الوضوء والتيمم للجنب

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي أخبرنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة و عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص أن عمرو بن العاص رضي الله عنه كان على سرية، وذكر الحديث نحوه قال: (فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم) فذكر نحوه، ولم يذكر التيمم. قال أبو داود : وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال فيه: (فتيمم). ].
    ذكر أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه أن أبا قيس مولى عمرو بن العاص أخبر عن عمرو وقصته، وأنه لما صلى بالناس وهو جنب أنه غسل مغابنه وتوضأ، ولكن لم يذكر التيمم. وقد جاء من طريق أخرى أنه تيمم، والطريق السابق فيه أنه تيمم، لكن هذا فيه أنه توضأ وتيمم للغسل؛ لأن الوضوء ولو كان الماء بارداً أسهل من الاغتسال، لكن ينبغي أن يعلم أنه إذا أمكن للإنسان أن يسخن الماء فليسخن الماء ويغتسل به ولا يعدل إلى التيمم، لكن إذا كان في فلاة أو في بر أو في عراء، وليس هناك كن يستكن به، فإنه يتضرر بالماء مع شدة البرد. فالحاصل أن هذه الرواية التي ذكرها أبو داود فيها أنه توضأ وغسل مغابنه، وهي ما حول أصول الفخذين كما سبق أن مر بنا غسل المغابن، وهي الأماكن التي لا يصل إليها الماء إلا بمشقة. قوله: [ (فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم).
    فذكر نحوه ولم يذكر التيمم ]. عدم ذكر التيمم لا يؤثر؛ لأنه ذكر من طريق أخرى، وعدم ذكر اليتيم في هذه الرواية لعله حصل اختصاراً. [ قال أبو داود : وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال فيه: فتيمم ]. وهذه الرواية التي أشار إليها من قبل أنه لم يتيمم جاء فيها أنه تيمم، في الرواية السابقة أيضاً ذكر أنه تيمم. إذا: هذه الرواية فيها وضوء مع التيمم. كذلك من كان معه ماء ويخشى إذا اغتسل به الهلاك، لكن يستطيع الوضوء، فالذي يبدو كما جاء في هذا الحديث أنه يتوضأ ويتيمم للباقي. كذلك لو كان الإنسان عنده ماء، لكن لا يكفي للاغتسال وإنما يكفي لبعضه، فإنه يستعمله ويتيمم للباقي؛ لأنه استطاع الأصل في البعض فيفعله ويتيمم للباقي.
    تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن العاص في الجمع بين الوضوء والتيمم للجنب

    قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ].
    محمد بن سلمة المرادي المصري ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ أخبرنا ابن وهب ].
    ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن لهيعة ].
    هو عبد الله بن لهيعة المصري وهو صدوق، احترقت كتبه فساء حفظه، وحديثه أخرجه مسلم مقروناً و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، أما النسائي فكان لا يروي عنه، وإذا جاء في إسناد ومعه غيره ذكر ذلك الغير وأبهم ابن لهيعة ، فقال: حدثنا فلان ورجل آخر أو وآخر. فكان إذا جاء الإسناد وفيه شخصان يرويان الحديث أحدهما ابن لهيعة ، وهو يريد أن يروي الحديث عن غير ابن لهيعة فإنه يأتي بالإسناد، ولكن لا يترك ابن لهيعة بحيث لا يشير إليه ولا إشارة؛ لأن التحديث حصل من شخصين، وهو لا يحدث عن ابن لهيعة ولا يخرج له، فكان يشير إليه بالإشارة فيقول: أخبرنا عمرو بن الحارث ورجل آخر، يعني بالآخر ابن لهيعة ؛ لأنه لا يريد أن يروي عن ابن لهيعة ، ولا يريد أن يحذفه أصلاً، وكأن الحديث إنما جاء عن شخص واحد ولم يأت عن شخصين، لكن سمى من يريد أن يحدث عنه وأبهم من لا يريد أن يحدث عنه؛ فبذلك حصل المحافظة على الطريقة التي حصل بها التحديث، وهو أن الحديث جاء عن شخصين، والشخص الذي لا يريد أن يحدث عنه أبهمه، والشخص الذي يريد أن يحدث عنه أظهره، والمعول عليه هو من ذكره وحدث عنه.
    [ و عمرو بن الحارث ]
    ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ].
    أبو قيس مولى عمرو بن العاص اسمه: عبد الرحمن بن ثابت ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أن عمرو بن العاص ].
    هذا الحديث صورته صورة المرسل؛ لأن أبا قيس ما أدرك القصة ولكنه أخبر بها من طريق عمرو بن العاص مولاه. [ قال أبو داود : وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال فيه: فتيمم ].
    الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، فقيه الشام ومحدثها، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و حسان بن عطية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. أما قوله: [ وروى هذه القصة عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال فيه: فتيمم ]. لعل الذي روى القصة عن الأوزاعي من دون يزيد بن أبي حبيب .
    التيمم من الجنابة للمجروح


    شرح حديث: (... إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقه...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المجروح يتيمم. حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن الزبير بن خريق ، عن عطاء ، عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، فقال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر -أو يعصب شك موسى - على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة باب: في المجروح يتيمم. يعني: الذي أصابه جرح ويلحقه ضرر باستعمال الماء فإنه يتيمم، وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما (أن رجلاً كان في سرية وأصابه شجة في رأسه، فسأل أصحابه هل يتيمم؟ فقالوا:
    ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء) وذلك لأن التيمم إنما جاز عند فقد الماء والماء موجود. قوله: (فاغتسل ومات، فلما بلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال). في هذا دليل على أن الإنسان إذا كان واجداً للماء، ولكن لا يقدر على استعماله أو يلحقه ضرر باستعماله فإنه يكون في حكم غير الواجد للماء، وأن له أن ينتقل إلى التيمم، ولهذا أنكر الرسول صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الذين قالوا: (لا نجد لك رخصة وأنت تجد الماء وتقدر عليه) مع أن الضرر يلحق به إذا استعمل الماء، وفعلاً لما استعمل الماء مات، فأنكر عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (قتلوه قتلهم الله) يعني: أضاف عليه الصلاة والسلام القتل إليهم؛ لأنهم تسببوا في قتله بفتواهم.
    ومن المعلوم أن إلحاق الضرر بالإنسان وكون الفعل يترتب عليه مضرة قد تؤدي إلى الهلاك هذا خلاف ما تقتضيه الشريعة، والإنسان يصلي على حسب حاله، فإذا كان الإنسان يستطيع استعمال الماء ولا يلحقه ضرر باستعماله فليستعمله، وإن كان يلحقه ضرر باستعماله فإنه يصير إلى التيمم حتى لا يهلك نفسه، وحتى لا يلحق الضرر بنفسه.
    قوله: (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر -أو يعصب- على جرحه خرقة ويمسح عليها) يعني: أن يجعل على الجرح جبيرة ويمسح عليها ويغسل الذي هو غير مجروح، والمجروح لا يصب عليه الماء حتى لا يلحقه بوصوله إليه مضرة، ويمسح على ذلك مثلما يمسح على العمامة لأنها مغطية للرأس، ومثلما ويمسح على الخفين لأنهما مغطيان للقدمين، فكذلك هذا الجزء الذي يغطيه الإنسان يمسح عليه، سواء كان في أعضاء الوضوء أو خارج أعضاء الوضوء، بأن يكون مثلاً فيه جبيرة في جنبه أو في ساعده، فإنه يغسل ما كان خارج الجبيرة ويمسح على الجبيرة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة...)

    قوله: [ حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي ].
    موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي صدوق يغرب أخرج له أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا محمد بن سلمة ].
    محمد بن سلمة الباهلي الحراني ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. وهذا غير محمد بن سلمة المرادي الذي مر قريباً؛ لأن محمد بن سلمة المرادي مصري وهو من طبقة شيوخ أبي داود ، أما محمد بن سلمة الباهلي الحراني فهو من حران وهو من طبقة شيوخ شيوخه، فإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه أبو داود فهو المصري الذي مر ذكره قريباً، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه أبو داود بواسطة فهو الحراني الباهلي .
    [ عن الزبير بن خريق ].
    الزبير بن خريق لين الحديث أخرج له أبو داود وحده. [ عن عطاء ]. عطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جابر ].
    جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و جابر و أنس بن مالك و أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، ستة رجال وامرأة واحدة. هذا الحديث فيه الزبير بن خريق وهو لين الحديث، لكن التيمم لمن به جرح ويخشى على نفسه الهلاك جاء من طرق أخرى.
    وجه ذكر التيمم والمسح والغسل في الرواية والجمع بينها

    لا يجمع بين التيمم وبين المسح، بل يكفي المسح عن التيمم؛ لأن التيمم لا يكون إلا عند عدم الإتيان بالاغتسال أو الإتيان بالوضوء، أما إذا أتى المرء بالاغتسال أو الوضوء ومعه المسح فيكون مثل المسح على العمامة أو المسح على الخفين فلا يحتاج إلى تيمم، لكن هذه الرواية فيها الجمع بين التيمم وبين المسح. قوله: [ (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) ]. يعني: هذه الرواية ما جاءت إلا من طريق واحد وفيها ذكر الجمع بين التيمم وبين المسح والشيخ الألباني لما ذكر هذا الحديث قال: إنه حسن إلا من قوله: (إنما كان يكفيه) وما بعده، فإن هذا ليس له شاهد، وأما ما قبله فله شاهد. وعلى هذا يغسل غير المكان المعصوب وغير الجبيرة ويمسح على الجبيرة ولا يتيمم.
    شرح حديث: (... أصاب رجلاً جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم احتلم...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ، حدثنا محمد بن شعيب ، أخبرني الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (أصاب رجلاً جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم احتلم، فأمر بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوه قتلهم الله! ألم يكن شفاء العي السؤال؟). ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس وهو مثل حديث جابر المتقدم في قصة الرجل الذي فيه جرح، وأن أصحابه قالوا له: لا نجد لك رخصة في استعمال التيمم مع وجود الماء ثم اغتسل فمات، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ (قتلوه قتلهم الله! إنما شفاء العي السؤال) ] يعني: إذا كان الإنسان يجهل الحكم وليس عنده علم فالشفاء من هذا أن يسأل، والطريق للوصول إلى الحق أن يسأل، ولا يفتي بشيء يؤدي إلى الضرر أو يلحق الهلاك بالناس.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... أصاب رجلاً جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم احتلم...)

    قوله: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ].
    نصر بن عاصم الأنطاكي لين الحديث أخرج له أبو داود وحده.
    [ حدثنا محمد بن شعيب ].
    وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ أخبرني الأوزاعي ]. الأوزاعي مر ذكره.
    [ أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح ].
    عطاء بن أبي رباح ، مر ذكره، وهذا فيه انقطاع.
    [ عن ابن عباس ].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث من طريق ابن عباس وذاك من طريق جابر وهذا يشهد لذاك.
    المتيمم يجد الماء بعدما يصلي في الوقت


    شرح حديث: (خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء....)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المتيمم يجد الماء بعدما يصلي في الوقت. حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، أخبرنا عبد الله بن نافع ، عن الليث بن سعد ، عن بكر بن سوادة ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيداً طيباً فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين) ]. قوله: (باب في المتيمم يجد الماء بعدما يصلي في الوقت) يعني: لم يجد الماء وتيمم وصلى ثم وجد الماء بعد الصلاة في الوقت، أما لو وجد الماء بعد خروج الوقت فلا إشكال؛ لأنه صلى الصلاة في وقتها بالتيمم وقد خرج الوقت، ولكن الإشكال فيما إذا كان قد صلى والوقت لا يزال باقياً ووجد الماء، فهل يتوضأ ويعيد الصلاة مادام الوقت لم يخرج، أو أنه أدى ما عليه بكونه فعل الشيء الذي هو واجب عليه؟! وفيه وجوب الصلاة بالتيمم إذا دخل وقتها.
    قوله: [ (خرج رجلان) ] أي: من أ صحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: [ (في سفر فتيمما وصليا) ] لما دخل الوقت تيمما وصليا، فبعد ذلك وجدا الماء والوقت لا يزال باقياً فاختلفا، واحد منهما أعاد الوضوء والصلاة والثاني لم يعد. وفيه اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم في زمنه صلى الله عليه وسلم عندما تنزل النازلة، مثلما مر في قضية أسيد بن حضير وأصحابه حين صلوا بدون وضوء قبل مشروعية التيمم، و عمار ذهب يتمرغ في التراب و عمر رضي الله عنه لم يصل. فهذان الرجلان أحدهما توضأ وأعاد الصلاة، والثاني لم يعد الصلاة، فلما جاءا الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبراه بالذي حصل، قال: للذي لم يعد الصلاة: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للذي أعاد الصلاة: لك الأجر مرتين.
    معنى قوله: (أصبت السنة)

    قوله: [ (أصبت السنة) ] دليل على أن هذا هو الحق؛ لأن من أصاب السنة فقد أدى ما عليه وفرغ من الصلاة وقد حصلت على وجه مشروع، ووجود الماء بعد ذلك لا يؤثر، لكن بعضهم قال: إن عليه الإعادة، ولكن هذا الحديث يدل على أنه لا إعادة عليه؛ لأن قوله: (أصبت السنة) يعني أن هذا هو الحق.
    وكذلك قوله: (وأجزأتك صلاتك) يعني: التي صليتها بتيممك ولم تعدها فهي صحيحة، ولأن الآخر ما قال له: أصبت السنة، لكنه قال: (لك الأجر مرتين)؛ لأنه يجزى إذ صلى صلاتين، وهذا في زمن التشريع، لكن الآن بعدما عرف الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله للذي لم يعد الصلاة: (أصبت السنة) على الإنسان أن يصلي بالتيمم ثم بعد ذلك إذا وجد الماء فلا يتوضأ ويصلي الصلاة من جديد؛ لأنه مثل الإنسان الذي كان مسافراً وقصر الصلاة ولما وصل إلى بلده كان قد أدى الصلاة مقصورة، فلا يجب عليه أن يصلي مرة ثانية؛ لأنه أدى ما عليه في حال سائغ له أن يصلي فيه.
    حكم من صلى بالتيمم ووجد الماء قبل إتمام الصلاة

    أما من كان في الصلاة ووجد الماء فقال بعض أهل العلم: إنه يخرج من الصلاة ويتوضأ ويصلي، وبعضهم قال: يستمر، لكن الذي يظهر أنه يخرج من الصلاة ويتوضأ؛ لأنه وجد الماء قبل أدائها وقبل إتمامها، فإذاً: يرجع إلى الأصل، وأما الذي فرغ منها وانتهى فهو الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (أصبت السنة).
    تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ].
    محمد بن إسحاق المسيبي صدوق أخرج له مسلم و أبو داود .
    [ أخبرنا عبد الله بن نافع ].
    عبد الله بن نافع الصائغ وهو ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن الليث بن سعد ].
    الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن بكر بن سوادة ].
    بكر بن سوادة المصري وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن عطاء بن يسار ].
    وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سعيد الخدري ].
    هو سعد بن مالك بن سنان مشهور بكنيته أبو سعيد ، وبنسبته الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية ].
    عميرة بن أبي ناجية ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم ] عطاء بن يسار أضافه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو تابعي، فيكون الحديث مرسلاً. [ قال أبو داود : وذكر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذا الحديث ليس بمحفوظ هو مرسل ].
    يعني: على ما قال في الإسناد الأخير الذي قال فيه: عن عطاء بن يسار أن رجلين). والحديث صححه الألباني وغيره؛ لأنه جاء من طريق آخر موصولاً، ويمكن أن يكون له ما يقويه. أما بكر بن سوادة فقد أخرج له البخاري تعليقاً. وفي نسخة محمد عوامة في النسائي في الحاشية قال: أخرج له البخاري في الطهارة، و النسائي برقم (433). أما عبد الله بن نافع فقد أشار إليه الألباني في الصحيحة معلقاً قال: ما أدري هو هذا أو غيره. ولعله هذا لأنه إذا كان أخرج له البخاري فيكون ذكر معه غيره فيكون تبعاً.
    حديث (خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ، قال: حدثنا ابن لهيعة ، عن بكر بن سوادة ، عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد ، عن عطاء بن يسار : (أن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه) ]. ثم أورد الحديث من طريق أخرى وهو مرسل مثل الذي قبله عن عطاء بن يسار أن رجلين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى الحديث المتقدم.
    تراجم رجال إسناد حديث (خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء ...) من طريق أخرى

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
    عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [ حدثنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد ].
    أبو عبد الله المصري مولى إسماعيل بن عبيد مجهول أخرج له أبو داود .
    [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار مر ذكره. والله تعالى أعلم.
    الأسئلة



    ثبوت حديث الجبيرة من عدة طرق

    السؤال: حديث الجبيرة هل ثبت من غير هذا الطريق؟
    الجواب: جاء من طرق أخرى، والجبيرة مثل العمامة ومثل الخفين، إذا كان في أعضاء الوضوء يغسل موضع الجبيرة إن كان لا يؤثر عليه الماء، وإلا مسح على الجبيرة.

    حكم التيمم في الحضر خشية خروج وقت الصلاة ودليله وضابطه

    السؤال: من كان جنباً وخشي إن اغتسل خروج الوقت، فهل له أن يتيمم ويصلي؟

    الجواب: هذا مثل المسألة التي مرت في قضية الوضوء، أنه إذا كان الوقت سيخرج فإن له أن ينتقل إلى التيمم كما مر في مسألة التيمم في الحضر، فهذا من جنس ذلك. وأما دليل ذلك فليس فيها إلا قضية كون الرسول صلى الله عليه وسلم تيمم في الحضر، وكان لتحصيل أمر مندوب، فالشيء الذي يمكن أن يتصور في الحضر هو كونه لا يقدر على استعمال الماء، أو كونه يقدر على استعماله لكن الوقت ضاق بحيث إنه إذا توضأ خرجت الصلاة عن وقتها فتكون مقضية، مع أنه كان بالإمكان أن تكون مؤداة لا مقضية. فإن قيل: لو جاء إنسان إلى الجمعة وعندما خطب الخطيب انتقض وضوءه فإذا خرج إلى الميضأة ليتوضأ فاتته صلاة الجمعة، فهل له أن يتيمم لإدراك الصلاة؟ نقول: لا، لأن الوقت لا يزال باقياً ويمكنه أن يصلي ظهراً. ولو قيل: إن النبي تيمم لإدراك المندوب وهو فضيلة السلام، فالتيمم لإدراك الجمعة مع الإمام من باب الأولى. فنقول: الكلام على قضية المندوب بالنسبة لرد السلام، فأما الجمعة لو فاتته فهناك ما يقوم مقامها وهو الظهر، وهذا كما لو انتقض وضوءه في الظهر ومن ثم تفوته الجماعة، فيتوضأ ولو فاتته الجماعة، كذلك يتوضأ ولو فاتته الجمعة ويغتسل؛ لأن الوقت لا يزال باقياً، ووقت الظهر هو إلى دخول وقت العصر، والكلام على خروج وقت الظهر ودخول وقت العصر إذا كان ما بقي إلا مقدار ما يتوضأ أو يغتسل ويخرج الوقت هذا هو الذي يقال فيه: له أن يتيمم لأجل إدراك الصلاة.

    حكم التيمم لصلاة العيد خشية فواتها

    السؤال: حضر شخص صلاة العيد فأقيمت الصلاة وانتقض وضوءه، فإذا خرج ليتوضأ فاتته صلاة العيد، فهل له أن يتيمم؟

    الجواب: لو فاتته صلاة العيد على القول بأنها فرض كفاية فهناك من يؤدي هذا الفرض الكفائي.

    حكم من انتقض وضوءه أثناء شدة الزحام في الطواف

    السؤال: من كان يطوف في شدة الزحام أيام الحج فانتقض وضوءه، فهل له أن يتيمم لإكمال الطواف؟

    الجواب: يذهب ويتوضأ ولا يتيمم؛ لأن الطواف وقته واسع، والكلام على خروج الوقت وتحول الصلاة إلى مقضية لا مؤداة، أما الطواف فالوقت أمامه واسع. إذاً: القضية هي قضية خروج الوقت فقط، كأن يشتغل بالاغتسال أو الوضوء حتى يخرج الوقت، وكما هو معلوم أنه إذا أدرك الوقت فستكون الصلاة مؤداة، كذلك ينبغي للإنسان إذا جاء الوقت أن يصلي على حسب حاله إذا خشي خروج الوقت، فلا يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، كأن يكون المرء راكباً في الطائرة فإن أخر الصلاة إلى أن ينزل خرج الوقت، ففي هذه الحالة ليس له أن يؤخر الصلاة، بل عليه أن يصلي على حسب حاله قبل خروج الوقت.

    حكم حجز الأماكن في المسجد

    السؤال: بعض الطلاب يحجزون الأماكن في المسجد ثم يذهبون ولا يأتون إلا عند الإقامة، ويريد هذا الشخص مكانه ويزاحم المصلين، فما حكم ذلك؟
    الجواب: على الإنسان أن يأتي ويجلس في المكان ويحجزه بنفسه لا بشيء آخر، ولا يأتي ويزاحم أو يتخطى الرقاب أو يؤذي الناس أو يشاغب الناس، وإنما يجلس ويحجز المكان بنفسه، وإذا كان لا يتمكن من الحجز بنفسه فلا يحجز بشيء آخر، وإذا جاء فليجلس حيث ينتهي به المجلس.

    حكم وصف الله عز وجل بأنه لا جوف له على معنى الصمد

    السؤال: هل يوصف الله جل وعلا بأنه لا جوف له، بناء على معنى الصمد؟

    الجواب: لا يضاف إلى الله عز وجل شيء ولا ينفى عنه إلا بدليل؛ لأن هذه أمور غيبية، ولا يتكلم بشيء يضاف إلى الله عز وجل إلا بدليل، ولا نعلم دليلاً يدل على مثل هذا، فيمسك عنه، والصمد معناه الحقيقي: هو الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجها، وهو الذي كل من سواه مفتقر إليه ولا يستغنى عنه طرفة عين، وهو غني عن كل ما سواه، ولهذا لا يطلق الصمد إلا على الله فهو من الأسماء التي لا يسمى بها غير الله، مثل: الرحمن والخالق والبارئ. والله تعالى أعلم."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #84
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [053]
    الحلقة (84)


    شرح سنن أبي داود [053]


    لقد حض الشرع على الاغتسال والتطيب والتجمل للجمعة، وما ذلك إلا لأهمية ذلك اليوم ومكانته وفضله، وقد اختلف العلماء في حكم الاغتسال ليوم الجمعة، فالجمهور على أنه غير واجب بل هو مستحب، وقال بعض العلماء: إن الاغتسال للجمعة واجب، وعلى هذا فالغسل للجمعة متأكد استحبابه عند الجميع، فينبغي للمسلم أن يحافظ عليه.

    الغسل يوم الجمعة


    شرح حديث: (... إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الغسل يوم الجمعة. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، أخبرنا معاوية ، عن يحيى ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة أخبره: ( أن عمر بن الخطاب بينا هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل فقال عمر : أتحتبسون عن الصلاة؟ فقال الرجل: ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت، فقال عمر : والوضوء أيضاً؟ أولم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل؟) ]. أورد المصنف رحمه الله باباً في الغسل يوم الجمعة، هذه الترجمة معقودة لغسل من الأغسال وهو غسل يوم الجمعة، وكان المناسب أن يكون هذا الباب تابعاً للأبواب المتعلقة بالغسل من الجنابة؛ لأنه نوع من الأغسال، ولأن صلته أو تعلقه بأبواب الغسل أولى من مجيئه بعد أبواب التيمم، كما أن هناك تراجم أخرى أيضاً يناسبها أبواب تقدمت كما ستأتي الإشارة إلى ذلك. وغسل يوم الجمعة جاء فيه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء في حكمه، فبعض العلماء قال:
    إنه واجب. وجمهور العلماء قالوا: إنه مستحب، والذين قالوا بالوجوب استدلوا بالأحاديث التي فيها الأمر بالغسل يوم الجمعة، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم). والذين قالوا بالاستحباب جعلوا هذه الأوامر محمولة على الندب، وجعلوا الصارف لها عدة أمور منها: ما جاء في الحديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)، وكذلك أيضاً ما جاء في حديث عمر رضي الله تعالى عنه (أنه كان يخطب وأنه دخل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه فقطع عمر خطبته وحدثه وتكلم معه، وقال له: أتحتبسون عن الصلاة؟ فقال:
    إنني لما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت) معناه: أنه توضأ وجاء ليدرك الصلاة، فقال: (والوضوء أيضاً؟) يعني: أنه مع التأخر لم يغتسل، ثم قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) قالوا: وهذا الحديث يدل على أنه مستحب؛ لأنه لو كان واجباً لما كان يليق بعثمان رضي الله عنه وأرضاه أن يأتي دون أن يؤدي ذلك الواجب، وأيضاً عمر رضي الله عنه لم يأمره بأن يرجع وأن يغتسل وأن يأتي بذلك الواجب، وكذلك أيضاً ما جاء أن أصل الأمر بالغسل يوم الجمعة أنهم كانوا أصحاب مهن وأصحاب بساتين وكانوا يعملون لأنفسهم وليس لهم خدم، فكان الواحد منهم إذا جاء يوم الجمعة وإذا فيه رائحة غير طيبة؛ بسبب الأوساخ وإجهاد العمل لهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأنهم إذا أتوا الجمعة أن يغتسلوا، فيكون في ذلك إزالة تلك الروائح التي يكون فيها أذى للناس، وأيضاً كونه جاء في بعض الأحاديث التي فيها الاغتسال يوم الجمعة مقروناً بالسواك، ومقروناً بأمور أخرى،
    فمجموع هذه الأمور المتعددة جعلت الجمهور يقولون: إنما جاء من الأوامر في الاغتسال يوم الجمعة إنما هو للاستحباب. أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، أولها: حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (أنه كان يخطب يوم الجمعة، فدخل رجل) هنا أبهم الرجل فلم يسمه، ولكن جاءت تسميته وأنه عثمان في صحيح مسلم : (وأنه دخل و عمر يخطب فقال له عمر : أي ساعة هذه -يعني: أنك متأخر- ثم قال له ما قال، وقال: والوضوء أيضاً؟) يعني: أيضاً تركت الاغتسال. ولهذا لما جاء زمن عثمان رضي الله عنه وأرضاه رأى أن المصلحة في أن يكون هناك أذان ثالث بالنسبة للإقامة؛ لأن الإقامة أذان، ولهذا جاء عنه في بعض الأحاديث ذكر أذان عثمان بأنه الأذان الثالث، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (بين كل أذانين صلاة)، والمقصود بأحد الأذانين هو الإقامة، وكذلك الحديث الذي قال فيه أحد الصحابة: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة،
    قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟) يعني: بين أذان الإقامة والسحور؛ لأن الأذان الذي يكون عند دخول الوقت يمسك الإنسان عنده عن الأكل وغيره من المفطرات. (كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية) يعني: مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية من انتهاء السحور إلى الأذان الذي هو الإقامة، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الأذان يوم الجمعة بأنه الأذان الثالث، والأذان الثالث الذي أتى به عثمان حتى يتنبه الناس ويستعدوا ويتهيئوا للجمعة. ومحل الشاهد منه: أن عمر رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (.. إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) قوله: (فليغتسل) هذا أمر، وبعض أهل العلم حمله على الوجوب، وبعضهم قال: إنه مصروف من الوجوب إلى الاستحباب للأمور التي أشرت إليها آنفاً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل)

    قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ].
    هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ أخبرنا معاوية ]. هو معاوية بن سلام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يحيى ].
    هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ].
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ أن أبا هريرة أخبره ].
    هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
    [ أن عمر بن الخطاب ].
    عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: (ما سلكتَ فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك) يعني: ما سلكت طريقاً إلا ويهرب الشيطان من ذلك الطريق.

    شرح حديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، عن مالك ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) ]. أورد المصنف رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) الذين قالوا بوجوب غسل الجمعة استدلوا بهذا الحديث، بالإضافة إلى الأوامر التي وردت في الحديث السابق: (فليغتسل) وقال الجمهور: إن هذا كغيره مصروف عن الوجوب بالأحاديث الأخرى التي وردت في ذلك، والوجوب هنا متأكد، لكن قالوا: هو نظير ما يقول الإنسان لصاحبه: حقك واجب علي، أي: أنه متأكد علي. والمحتلم هو البالغ المكلف، وعبر بالاحتلام؛ لأن الاحتلام إذا وجد حصل البلوغ؛ سواء بلغ خمس عشرة سنة أو لم يبلغ؛ لأن الاحتلام إذا وجد فقد وجد البلوغ ولو كان في سن مبكرة دون الخامسة عشرة، لكن إذا لم يحصل احتلام وبلغ الخامسة عشرة، فإنه يكون قد بلغ وإن لم يحصل منه احتلام، لكن حيث يوجد الاحتلام قبل الخامسة عشرة أو الحيض بالنسبة للمرأة قبل الخامسة عشرة يحصل بذلك البلوغ. ويذكر أن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قد ولد له ابنه عبد الله وعمره ثلاث عشرة سنة، معناه أنه قد بلغ في زمن مبكر وتزوج وولد له وعمره ثلاث عشرة سنة.
    وكذلك قالوا عن المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي : إنه احتلم وعمره ثلاث عشرة سنة أو اثنا عشرة سنة. وكذلك ذكر عن الشافعي أنه رأى جدة عمرها واحد وعشرون سنة، يعني: بنتها ولدت وعمرها هي ليس بنتها واحد وعشرون سنة، ومعنى ذلك أنه حصل احتلام الواحدة منهن في سن العاشرة. إذاً قوله: (على كل محتلم) أي: أن الاحتلام دليل على البلوغ، ويحصل به البلوغ وإن لم يبلغ خمس عشرة سنة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)
    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ].
    هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [ عن مالك ].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن صفوان بن سليم ].
    صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عطاء بن يسار ].
    عطاء بن يسار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سعيد الخدري ].
    أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (... وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي ، أخبرنا المفضل -يعني ابن فضالة - عن عياش بن عباس ، عن بكير ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل) ]. قوله: (على كل محتلم رواح الجمعة) يعني: على كل بالغ أن يذهب لأداء صلاة الجمعة؛ لأن الرواح والذهاب إلى الجمعة واجب ومطلوب من كل محتلم. قوله: (وعلى من راح إلى الجمعة أن يغتسل) يعني: قبل أن يذهب إلى الجمعة عليه أن يغتسل. فإذاً: رتب واحداً على الآخر، أولاً المحتلم عليه أن يذهب إلى الجمعة وعليه قبل أن يذهب إلى الجمعة أن يغتسل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... وعلى كل من راح إلى الجمعة الغسل)
    قوله: [حدثنا يزيد بن خالد الرملي ].
    يزيد بن خالد الرملي هو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ أخبرنا المفضل -يعني ابن فضالة ].
    المفضل بن فضالة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عياش بن عباس ].
    هو عياش بن عباس القتباني المصري وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن بكير ].
    هو بكير بن عبد الله بن الأشج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر ].
    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. [ عن حفصة ]. هي حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

    حكم غسل الجمعة على الصبي والمرأة إن حضرا الجمعة
    أما من لا تجب عليه الجمعة أصلاً كالمرأة فلو حضرت الجمعة فهل عليها غسل؟ الذي يبدو أن غسل الإتيان إلى الجمعة المقصود منه كما جاء في أصل مشروعيته هو دفع الروائح الكريهة، فمن جاء إلى الجمعة وفيه شيء مما يستكرهه الناس فعليه أن يغتسل سواء كان رجلاً أو امرأة. أما قوله: (وعلى كل من راح) فلا يشمل الصغير؛ لأنه قال (على كل محتلم رواح الجمعة) فيكون المعنى أن الذين يلزمهم الغسل هم المحتلمون، لكن يعوَّد الصغير على هذه الأخلاق والآداب وعلى الأحكام الشرعية مثلما يعود على الصلاة ويعود على الصيام، لكن الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف غير مكلف؛ لأن التكليف إنما هو للمحتلم، والجمهور على أن من أتى الجمعة يستحب له أن يغتسل سواء كان رجلاً أو امرأة.

    إجزاء غسل الجنابة بعد طلوع الفجر عن غسل الجمعة
    [ قال أبو داود : إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه من غسل الجمعة وإن أجنب ]. يعني: وإن كان اغتساله جاء عن جنابة، كما لو جامع الرجل أهله في الليل ثم طلع الفجر ليوم الجمعة وهو لم يغتسل واغتسل فإنه يجزئ عن الجمعة، لكن لو أنه اغتسل قبل طلوع الفجر لا يجزئ عن الجمعة؛ لأن اليوم لا يدخل إلا بطلوع الفجر.
    إذاً: من اغتسل قبل طلوع الفجر فيعتبر أنه اغتسل قبل أن يأتي يوم الجمعة، لكن من كان اغتساله بعد طلوع الفجر يوم الجمعة فإن ذلك يجزئه عن اغتسال الجمعة ولو كان اغتساله عن جنابة. وجمهور أهل العلم على أن الاغتسال للجنابة يجزئ عن الجمعة؛ لأن المقصود بغسل الجمعة أن يكون نظيفاً في ذلك اليوم. إذاً: أول الوقت الذي يحصل به الغسل للجمعة هو طلوع الفجر الذي هو أول النهار؛ لأن النهار حده من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو الذي يصوم فيه الناس، وحد الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لكن المناسب والمستحب في اغتساله للجمعة أن يكون قريباً من ذهابه، لكنه يجزئ لو حصل بعد طلوع الفجر ولو كان اغتساله عن جنابة.

    شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني ح وحدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني قالا: حدثنا محمد بن سلمة ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد وهذا حديث محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن . قال أبو داود : قال يزيد و عبد العزيز في حديثهما: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته؛ كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها -قال: ويقول أبو هريرة -: وزيادة ثلاثة أيام، ويقول: إن الحسنة بعشر أمثالها) . قال أبو داود : وحديث محمد بن سلمة أتم، ولم يذكر حماد كلام أبي هريرة ].
    قوله: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه) ذكر الاغتسال وأموراً أخرى ورتب عليها حكماً وفضلاً وثواباً. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن الثياب) أن المرء المسلم يلبس ثياباً حسنة للجمعة؛ وذلك لأن الجمعة هي عيد الأسبوع، وقد جاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه كما في صحيح البخاري : (أنه خطب الناس يوم عيد وكان يوم جمعة فقال قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان) يعني: عيد سنوي، وعيد أسبوعي، ويدل على التجمل ليوم الجمعة بالثياب ما جاء أن عمر عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم شراء ثوب ليلبسه للجمعة وللوفود، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يلبس هذا من لا خلاق له)؛ لأنه حرير، أو فيه شيء من الحرير. إذاً: لبس أحسن الثياب والتجمل للجمعة جاء ما يدل عليه، وهو قوله: (ولبس من أحسن ثيابه). قوله: (ومس من طيب إن كان عنده) يعني:
    إن تيسر له أن يمس من الطيب فليتطيب، وهذا فيه زيادة في التجمل، وأيضاً فيه الابتعاد عن الروائح غير الطيبة وتحصيل الرائحة الطيبة، حتى يكون ذلك أحسن في حقه وفي حق غيره ممن يلقاه ومن يكون بجواره. قوله: [ (ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس) ]. يعني: أنه جاء في وقت مبكر بحيث لا يحصل منه الوقوع في مثل هذا المحذور، من تخطي أعناق الناس، ويمكن الإنسان ألا يقع في هذا المحذور الذي هو تخطي رقاب الناس؛ بحيث أنه يجلس حيث ينتهي به الصف، ولكن بعض الناس يأتي متأخراً ثم يريد أن يحصل الأماكن المتقدمة، ولا يتأتى ذلك إلا بارتكاب أمر محرم وهو كونه يؤذي الناس بأن يتخطى رقابهم. قوله: (ثم صلى ما كتب الله له)] وهذا يدلنا على أن الإنسان إذا جاء يوم الجمعة فإن له أن يصلي ما أمكنه وما كتب الله له، وليس هناك تحديد، ويدل أيضاً على أنه ليس للجمعة سنة قبلها لا ركعتين ولا أربعاً ولا ستاً بل الإنسان يصلي ما كتب الله له، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم إذا دخلوا المسجد يوم الجمعة صلوا ما أرادوا أن يصلوا ثم جلسوا ولا يقومون إلا للصلاة، فهذا يدل على أنه ليس لها سنة راتبة قبلها كالصلوات التي لها سنة راتبة. قوله: [ (ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته) ] يعني: على الإنسان أن يكون على استعداد وتهيؤ لسماع الخطبة، وعدم انشغال عنها أو انصراف عنها بأي شيء.
    والمقصود بخروج الإمام خروجه للخطبة، لكن إذا كان الإنسان بحاجة إلى أن ينبه أحداً فلا مانع من ذلك قبل بدء الخطيب بالخطبة؛ لأن المقصود هو ألا ينشغل عن سماع الخطبة والخطيب يخطب؛ لأن الأحاديث التي وردت في النهي عن الكلام والإمام يخطب. إذاً: على المرء المسلم أن يكون على استعداد لسماع الخطبة وعدم الانشغال عنها. قوله: (كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها)] يعني: من الجمعة إلى الجمعة سبعة أيام كاملة وزيادة ثلاثة أيام كما جاء عن أبي هريرة : (وزيادة ثلاثة أيام وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها).

    تراجم رجال إسناد حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ...)
    قوله: [حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني ].
    يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني شيخه المذكور في الإسناد قبل هذا؛ فهو هنا أطال في نسبته، وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ ح وحدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ].
    ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد. وعبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [ قالا: حدثنا محمد بن سلمة ].
    أي: يزيد بن خالد و عبد العزيز بن يحيى الحراني قالا: حدثنا محمد بن سلمة و محمد بن سلمة هو الحراني . كما قلت: إذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود فهو الحراني وإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخه فهو المصري والذي معنا هو في طبقة شيوخ شيوخه؛ لأن أبا داود يروي عنه هنا بواسطة شيخين، ومحمد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.
    [ ح وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [وهذا حديث محمد بن سلمة ]. شيخ شيخي أبي داود في الإسنادين السابقين؛ لأن أبا داود له في هذا الحديث ثلاثة شيوخ الشيخ الأول: يزيد بن خالد ، والشيخ الثاني: هو عبد العزيز بن يحيى والشيخ الثالث: موسى بن إسماعيل ثم الشيخان الأولان يرويان عن محمد بن سلمة ، والشيخ الثاني يروي عن حماد بن سلمة ، ثم إنه قال: وهذا حديث محمد بن سلمة ، يعني: الذي سيسوقه هو لفظ محمد بن سلمة وليس لفظ حماد بن سلمة .
    [ عن محمد بن إسحاق ].
    يعني: محمد بن سلمة و حماد بن سلمة يرويان هذا الحديث عن محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن مر ذكره.
    [ قال أبو داود : قال يزيد و عبد العزيز في حديثهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و أبي أمامة بن سهل ].
    يعني: أن الشيخين الأولين قالا في حديثهما وفي إسنادهما: إن محمد بن إبراهيم يروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف . و أبو أمامة هو أسعد بن سهل بن حنيف له رؤية أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة ]. أبو سعيد الخدري و أبو هريرة مر ذكرهما.
    [قال أبو داود : وحديث محمد بن سلمة أتم ]. أي: حديث محمد بن سلمة أتم من حديث حماد بن سلمة . قوله: [ ولم يذكر حماد كلام أبي هريرة ].
    أي: أن حماد بن سلمة الذي رواه عنه بواسطة موسى بن إسماعيل التبوذكي لم يذكر كلام أبي هريرة فيما يتعلق بثلاثة أيام وفيما يتعلق بأن الحسنة بعشر أمثالها. وكلام أبي هريرة له حكم المرفوع؛ لأن الأشياء التي تتعلق بفضائل الأعمال هي من قبيل المرفوع حكماً.

    شرح حديث: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال و بكير بن عبد الله بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم الزرقي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم، والسواك، ويمس من الطيب ما قدر له)، إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن وقال في الطيب: (ولو من طيب المرأة) ].
    أورد المصنف رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم، والسواك، ويمس من الطيب ما قدر له ولو من طيب المرأة) يعني: طيب الرجال كما سبق أن ذكرنا تظهر رائحته ويخفى لونه، وطيب النساء بالعكس يظهر لونه وتخفى رائحته. معنى الحديث: أن الإنسان يحرص على الطيب ولو لم يجد إلا الطيب الذي هو من خصائص النساء، فالرجل لا يترك الطيب ولو كان عن طريق التطيب بطيب المرأة الذي يظهر لونه وتخفى رائحته. وفيه ذكر الجمع بين الاغتسال وبين السواك وبين الطيب، وهذا مما استدلوا به على أن الغسل ليس بواجب، لكن كما هو معلوم قد يأتي في بعض النصوص الجمع بين أشياء منها ما هو واجب ومنها ما ليس بواجب، مثل: الجمع بين خصال الفطرة، ففيها واجب وفيها مستحب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الغسل يوم الجمعة على كل محتلم ...)
    قوله: [حدثنا محمد بن سلمة المرادي ].
    هو محمد بن سلمة المرادي المصري وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ حدثنا ابن وهب ].
    هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أن سعيد بن أبي هلال ].
    سعيد بن أبي هلال صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ و بكير بن عبد الله بن الأشج ]. و بكير مر ذكره.
    [ عن أبي بكر بن المنكدر ]. أبو بكر بن المنكدر وهو أخو محمد بن المنكدر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [ عن عمرو بن سليم الزرقي ].
    عمرو بن سليم الزرقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ].
    عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أبيه ].
    هو أبو سعيد مر ذكره. قوله: [إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن ].
    أي: أن بكيراً لم يذكر في الإسناد عبد الرحمن بن أبي سعيد .

    شرح حديث: (من غسل يوم الجمعة واغتسل ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي حبي حدثنا ابن المبارك ، عن الأوزاعي ، حدثني حسان بن عطية ، حدثني أبو الأشعث الصنعاني ، حدثني أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) ]. الصحيح أن حبي لقب لمحمد بن حاتم الجرجرائي وليس شيخاً له، وحدثنا هذه زائدة. حديث أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ). قال بعض أهل العلم: إن اللفظ الثاني مؤكد للأول وهو قريب له في اللفظ ولكنه مغاير له؛ لأن فيه: (غسل واغتسل) وفيه أيضاً: (وبكر وابتكر) ويوضح هذا قوله: (ومشى ولم يركب)؛ لأن قوله: (لم يركب) هو بمعنى مشى، فيكون مؤكداً لقوله: (مشى)، قالوا: (وابتكر) مؤكد لبكّر، (واغتسل) مؤكد لغسّل. ومن أهل العلم من قال:
    إن بين غسل واغتسل وبكر وابتكر فرقاً، فغسل بالتخفيف والتشديد المراد به غسل رأسه، كما سيأتي في بعض الروايات وفي بعض الآثار: (غسل رأسه واغتسل) يعني: غسل رأسه وغسل جميع جسده للجمعة، لكنه ذكر الرأس منصوصاً عليه بخصوصه من أجل العناية به، وإن كان الاغتسال يشمل جميع الجسد ويدخل في ذلك الرأس، لكن التنصيص على الرأس من أجل الشعر الكثيف الذي يحتاج إلى أن ينظف ويحتاج إلى أن يعتنى به؛ حتى يزول ما فيه من رائحة كريهة إذا كان فيه روائح كريهة، ويكون قوله: (غسل) يعني: غسل رأسه. قوله: (واغتسل) يعني: غسل سائر جسده. قوله (وبكر) يعني: ذهب في وقت مبكر.
    قوله: (وابتكر) يعني: أنه سمع الخطبة من أولها بحيث لم يفته منها شيء؛ لأن بكور الشيء وباكورة الشيء هو أوله، وقيل: إن غسل واغتسل، معناه: أنه جامع أهله وكان ذلك الاغتسال عن جماع، فيكون تسبب في اغتسال غيره واغتسل هو أيضاً. قوله: (ومشى ولم يركب) أي: هذه تأكيد لمشى؛ لأن المشي هو عدم الركوب، والراكب هو غير الماشي، ولهذا جاء في الحديث: (يسلم الراكب على الماشي والماشي على الجالس). والمقصود من ذلك أن الأجر على قدر النصب وعلى قدر المشقة وعلى قدر التعب، ومن مشى لاشك أنه يحصل منه جهد أكثر من جهد الذي ركب. قوله: (ودنا من الإمام). يعني: جاء مبكراً بحيث يكون قريباً من الإمام. قوله: (فاستمع ولم يلغ) يعني: لم ينصرف عنها ولو كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه كما جاء في الحديث: (إذا قال الإنسان لصاحبه: أنصت والإمام يخطب فقد لغا) يعني: أن الإنسان يقبل على الخطبة ويعنى بها ويحرص على ألا يفوته منها شيء، وأن يكون متابعاً للخطيب في خطبته؛ ليستمع ما يقول ويتأمل ويفهم. قوله: (كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) أي: السنة، وهذا فضل عظيم وثواب جزيل.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من غسل يوم الجمعة واغتسل ...)
    قوله: [حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي ].
    هو محمد بن حاتم الجرجرائي الملقب حبي وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا ابن المبارك ].
    هو عبد الله بن المبارك المروزي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأوزاعي ].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثني حسان بن عطية ].
    حسان بن عطية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثني أبو الأشعث الصنعاني ].
    هو شراحيل بن آدة وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
    [ حدثني أوس بن أوس الثقفي ].
    أوس بن أوس الثقفي صحابي، أخرج له أصحاب السنن.

    الفرق بين بكَّرَ وابتكر
    قوله: (ثم بكر وابتكر) على قول من فرق بينهما فإن معنى (وابتكر): هو أنه سمع الخطبة من أولها. أما من زعم أن معنى (بكر) أي: أدرك باكورة الخطبة، فالذي قاله صاحب عون المعبود وكرره أن (بكر) من التبكير، (وابتكر) يعني: أنه سمع الخطبة من أولها، كذلك من كان منزله بعيداً من المسجد النبوي فكل من جاء الجمعة هو على خير، والحديث نص على المشي وعدم الركوب، وورد في بعض الأحاديث أن الإنسان في ذهابه إلى المسجد ورجوعه لا يخطو خطوة إلا ويرفع الله له درجة ويحط عنه خطيئة، ومن المعلوم أن الإنسان إذا جاء يمشي إلى المسجد ثم رجع منه يمشي فإنه ذهابه وإيابه لا يخطو خطوة إلا يرفع الله له درجة ويحط عنه خطيئة.

    شرح حديث: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عبادة بن نسي عن أوس الثقفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل..) ثم ساق نحوه ]. هذا الحديث يوضح الجملة السابقة في الحديث السابق: (من غسل واغتسل) لأنه قال هنا: (غسل رأسه واغتسل) ومعنى هذا: أن التغسيل إنما يكون للرأس وهو منصوص عليه في حديث أوس بن أوس هنا، وسيأتي أيضاً عن اثنين من العلماء وهما مكحول و سعيد بن عبد العزيز الدمشقي كل منهما قال: غسل رأسه وغسل جسده، وعلى هذا فقد جاء في حديث أوس بن أوس تفسير النص على أنه غسل رأسه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل ...)
    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].
    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا الليث ].
    هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن خالد بن يزيد ].
    هو خالد بن يزيد الجمحي المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن أبي هلال ، عن عبادة بن نسي ].
    سعيد بن أبي هلال مر ذكره، و عبادة بن نسي ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ عن أوس الثقفي ]. أوس الثقفي مر ذكره.

    شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته ...)
    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن أبي عقيل و محمد بن سلمة المصريان، قالا: حدثنا ابن وهب ، قال ابن أبي عقيل : أخبرني أسامة -يعني ابن زيد - عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة، كانت كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) ].
    قوله: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها) ] يعني: المقصود أنه إذا لم يكن عنده من الطيب الذي للرجال كما سبق أن مر في الحديث، فليمس ولو كان من طيب امرأته. قوله: (ولبس من صالح الثياب) يعني: المقصود التجمل كما سبق أن مر. قوله: (ثم لم يتخط رقاب الناس) يعني: بكر ولم يتخط رقاب الناس. قوله: (ولم يلغ عند الموعظة) يعني: لم يقع منه انصراف حال الخطبة بل أقبل عليها. قوله: (كانت كفارة لما بينهما) يعني: كفارة له ما بين الجمعتين.
    هذه خمسة أمور: الاغتسال، والطيب، ولبس صالح الثياب، والإنصات وعدم اللغو في حال الخطبة. قوله: (ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً) يعني: أنه لم يحصل على أجر الجمعة، ولكن تجزئه الصلاة ولا يؤمر بأن يصلي ظهراً، ولكنه حرم أجر الجمعة وأجر فضل الجمعة بسبب التخطي وحصول اللغو.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته ...)

    قوله: [حدثنا ابن أبي عقيل ].
    هو عبد الغني بن أبي عقيل المصري وهو ثقة، أخرج له أبو داود .
    [ و محمد بن سلمة المصريان قالا: حدثنا ابن وهب ].
    ابن وهب مر ذكره. [ قال ابن أبي عقيل : أخبرني أسامة -يعني ابن زيد - ].
    أسامة بن زيد الليثي وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن عمرو بن شعيب ].
    هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وفي الأدب المفرد وأصحاب السنن.
    [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ].
    هذا فيه التنصيص على أن شعيباً يروي عن عبد الله بن عمرو ، ويأتي كثيراً في الأسانيد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فهذا فيه بيان أن الجد الذي يروي عنه شعيب هو جده وليس جد عمرو الذي هو محمد ؛ لأنه لو كان جد عمرو الذي هو محمد سيكون مرسلاً؛ لأن محمداً ما أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنَّ شعيباً يروي عن جده عبد الله بن عمرو ، و عبد الله بن عمرو أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والله تعالى أعلم.

    شرح حديث: (أن النبي كان يغتسل من أربع: من الجنابة ويوم الجمعة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا زكريا حدثنا مصعب بن شيبة ، عن طلق بن حبيب العنزي ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة أنها حدثته: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت) ]. سبق أن ذكرنا جملة أحاديث تتعلق بالغسل يوم الجمعة، وعرفنا أن بعض أهل العلم حمل ما ورد في ذلك على الوجوب، وأن جمهور أهل العلم حملوا ذلك على الاستحباب، وعرفنا الأدلة التي استدل بها القائلون في حملها على الاستحباب، وسيأتي ذكر ترجمة للرخصة بترك الغسل يوم الجمعة، وهي مشتملة على بعض الأحاديث الدالة على حمل الغسل يوم الجمعة على الاستحباب، ومن جملة الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تعالى تحت ترجمة الغسل يوم الجمعة حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع:
    من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت) يعني: تخبر عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من هذه الأربع، ومنها: غسل يوم الجمعة، وقد مرت جملة من الأحاديث الدالة على ذلك، والجنابة أيضاً مرت الأبواب المتعلقة بغسل الجنابة. قوله: (ومن الحجامة) الحكمة في ذلك أن الحجامة يكون معها رشاش الدم على الجسد؛ فإذا اغتسل بعد الحجامة فإن ذلك يكون أطهر، وفيه التخلص مما قد ينتشر من رشاش الدم على الإنسان. قوله: (ومن غسل الميت) يعني:
    أن الإنسان الذي يغسل الميت لا يأمن أن يصيبه شيء من رشاش التغسيل، وقد يكون عليه نجاسة فيصل شيء منها إلى الغاسل، فغسله بعد تغسيله للميت فيه ذهاب وتخلص من تلك الأشياء التي يتصور أن تحصل وأن تكون. والحديث فيه مصعب بن شيبة وهو لين الحديث، فيكون غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بعضها كما هو معلوم جاءت الأدلة الدالة على ذلك كغسل الجمعة وغسل الجنابة، وكذلك أيضاً جاء في غسل من غسل الميت أحاديث اختلف في تصحيحها وتضعيفها، وعلى القول بثبوتها فإنها على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب، أما الحجامة فكما أشرت أن بعض أهل العلم قال: لما يمكن أن يكون من رشاش ينتشر من الدم بسبب الحجامة، فيكون الاغتسال بعد حصولها فيه التخلص من ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يغتسل من أربع: من الجنابة ويوم الجمعة ...)
    قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [حدثنا محمد بن بشر ].
    محمد بن بشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا زكريا ]. هو زكريا بن أبي زائدة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مصعب بن شيبة ]. مصعب بن شيبة وهو لين الحديث، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن طلق بن حبيب العنزي ].
    طلق بن حبيب العنزي وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن عبد الله بن الزبير ].
    عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ].
    عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح أثر مكحول في معنى (غسَّل واغتسل)

    [حدثنا محمود بن خالد الدمشقي ، أخبرنا مروان ، حدثنا علي بن حوشب ، قال: سألت مكحولاً عن هذا القول: (غسل واغتسل)، فقال: غسل رأسه و غسل جسده ]. هذا الأثر عن مكحول الشامي ، وقد سأله علي بن حوشب عن قوله في الحديث: (غسل واغتسل)، فقال: إنه غسل رأسه وغسل سائر جسده. فهذا أثر فيه تفسير لما جاء في الحديث الذي سبق أن مر، ولكن سبق أن مر في حديث أوس بن أوس أن هذا التفسير من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (غسل رأسه واغتسل).

    تراجم رجال إسناد أثر مكحول في معنى (غسَّل واغتسل)
    قوله: [حدثنا محمود بن خالد الدمشقي ].
    محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [أخبرنا مروان ].
    هو مروان بن محمد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
    [ حدثنا علي بن حوشب ].
    علي بن حوشب لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود .
    [ قال: سألت مكحولاً ].
    هو مكحول الشامي وهو ثقة كثير الإرسال، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.

    شرح أثر سعيد بن عبد العزيز في معنى (غسَّل واغتسل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن الوليد الدمشقي ، حدثنا أبو مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز في: (غسل واغتسل)، قال: قال سعيد : غسل رأسه وغسل جسده ]. هذا الأثر عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي وهو مثل ما تقدم عن مكحول الشامي أن معنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: (من غسل واغتسل)، أنه غسل رأسه وغسل سائر جسده. فالأثران عن مكحول وعن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي معناهما واحد، وكما هو معلوم هما مطابقان للتفسير الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أوس بن أوس والذي تقدم قريباً.

    تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن عبد العزيز في معنى (غسَّل واغتسل)
    قوله: [حدثنا محمد بن الوليد الدمشقي ].
    محمد بن الوليد الدمشقي صدوق، أخرج له أبو داود وحده.
    [ حدثنا أبو مسهر ].
    هو عبد الأعلى بن مسهر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن عبد العزيز ].
    هو سعيد بن عبد العزيز الدمشقي وهو ثقة إمام، سواه أحمد بالأوزاعي وقدمه أبو مسهر لكنه اختلط في آخر أمره، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن.

    شرح حديث: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن سمي ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) ]. إن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه هذا يدل على فضل التبكير إلى الجمعة، وأن في ذلك الأجر العظيم من الله عز وجل.
    فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) يعني: أنه اغتسل كهيئة الغسل من الجنابة، وذلك بأن يتوضأ ويفيض الماء على جسده، أو أنه يغتسل بحيث يصب الماء على نفسه وإن لم يتوضأ، ولكنه لا يجزيه عن الوضوء، لكن إن توضأ قبل ذلك ولم يمس ذكره حين اغتساله بعد الوضوء فإنه يكون بذلك اغتسل الغسل للجمعة، وفيه رفع الحدث الذي هو كونه توضأ معه، أما إن اغتسل بأن صب الماء على جسده فهذا اغتسال، وفيه الأداء لهذا الأمر المشروع على القول بوجوبه وعلى القول باستحبابه، ولكنه لا يغني عن الوضوء؛ لأن هذا الفعل ليس فيه رفع حدث وإنما فيه فعل أمر واجب أو أمر مستحب، وعلى هذا فمن اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة يحتمل أن يكون المراد به الهيئة أو أن المراد به أنه يجامع أهله وأنه يغتسل للجنابة، ويكون ذلك مجزئاً عن غسل الجمعة، وقد سبق أن مر قريباً قول أبي داود :
    من اغتسل بعد طلوع الفجر فقد أجزأه وإن أجنب، يعني: وإن كان ذلك الغسل عن جنابة فإنه يغني عن غسل الجمعة، وجمهور أهل العلم على أن غسل الجنابة يغني عن غسل الجمعة، وأنه لا يلزم أن يكون هناك غسل للجمعة وغسل للجنابة إذا كان هناك جنابة، بل اغتساله للجنابة يكفيه عن غسل الجمعة. قوله: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة) والبدنة هي: الناقة، سواء كان ذكراً أو أنثى كله يقال له: بدنة. وهذا فيه أن التبكير للجمعة والذهاب في الساعة الأولى في وقت مبكر فيه هذا الأجر، وأنه مثل الذي تقرب إلى الله عز وجل بنحر جزور، ومن المعلوم أن هذا أكبر شيء يتقرب به من بهيمة الأنعام؛ لأن بهيمة الأنعام أعلاها وأكملها وأكثرها لحماً وأضخمها جسماً هو الإبل. قوله: (ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) يعني: دون الذي قرب بدنة. قوله: [ (فإذا دخل الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) يعني: أنهم يطوون الصحائف التي كانوا يكتبون فيها هؤلاء الذين جاءوا ثم جلسوا يستمعون الذكر، وليس معنى ذلك أن من جاء بعد أن دخل الخطيب أنه لا جمعة له ولا أدرك الجمعة، لا، لكنه فاته ذلك الأجر العظيم الذي يكون للمبكرين. قال بعض العلماء:
    إن المقصود بقوله: (راح) أي: ذهب بعد أن زالت الشمس، ومن المعلوم أن ذلك الوقت الذي هو الزوال أو بعد الزوال لا يكون معه أوقات تقسم إلى أقسام بحيث يأتي أحد في الساعة الأولى ويحصل كذا، فقالوا: إن المقصود منه أنه قصد الذهاب إلى الجمعة ويكون مثله مثل الحجاج إذا خرجوا يقال لهم: حجاج وهم مسافرون للحج والحج لم يحصل بعد، ولكنهم قصدوا ذلك وأخذوا بالأسباب التي تؤدي إليه، فكذلك الذي ذهب إلى الجمعة مبكراً قبل الزوال في وقت طويل فإنه يعتبر أنه قد راح؛ لأنه قصد ذلك العمل الذي يحصل بعد الزوال وهو الجمعة. ومن أهل اللغة من قال: إن (راح) معناها: ذهب، وليست مقصورة على ما كان بعد الزوال، وأن الروح ضد الغدو من غدا أو راح، يعني: غدا ذهب في الغدوة، وراح ذهب في زمن الرواح وهو ما بعد الزوال. إذاً: (راح) تستعمل بمعنى ذهب، وعلى هذا فتكون على بابها ولا تحتاج إلى أن يقال للحجاج:
    هم حجاج وإن لم يكن الحج قد حان؛ لأنهم قصدوا الحج وشرعوا في أسبابه، ولا حاجة إلى هذا التأويل. إن بداية هذه الساعات والله أعلم تكون من أول النهار من طلوع الشمس؛ لأن هذا هو الوقت الذي غالباً هو المقصود، ويمكن أيضاً أن يقال: إن ذلك عند طلوع الفجر أول النهار؛ لأن النهار يبدأ بطلوع الفجر، لكن كما هو معلوم يمكن للإنسان أن يصلي الفجر ويرجع إلى بيته ثم يعود إلى المسجد قاصداً الجمعة. فيمكن والله أعلم أن يقال: إن ذلك من طلوع الشمس، أو أنه قريب من طلوع الشمس.

    بيان الساعات المذكورة في الحديث وتقديرها
    الساعات المذكورة في الحديث المقصود بها جزء من الزمان ليس محدداً، وفي اللغة ساعات الليل والنهار قسمت إلى أربع وعشرين جزءاً، يعني: أن الليل اثنا عشر ساعة والنهار اثنا عشر ساعة، ولكل جزء اسم، وقد ذكر ذلك الثعالبي في فقه اللغة حيث قال: إن ساعات الليل اثنا عشر ساعة وساعات النهار اثنا عشر ساعة، وكل ساعة لها اسم يخصها. فعلى هذا إذا كان الليل والنهار أربعة وعشرين ساعة فمعناه: أن الساعة تقارب هذه الساعات المعروفة عندنا في هذا الوقت، وعلى هذا يكون من طلوع الشمس تقريباً، يعني:
    هذه المقادير التي يستعملها الناس يمكن أن تكون في حدود هذا المقدار. ومن المعلوم أن هذا في بعض الأوقات وليس دائماً؛ لأنه كما هو معلوم أيضاً الليل والنهار يطول ويقصر، يطول النهار فتكون ساعات الليل قليلة، ويطول الليل فتكون ساعات النهار قصيرة، ولكن التوزيع الذي ذكره أهل اللغة إنما هو لليل اثنا عشر ساعة، لكن تتفاوت في مقاديرها بالنسبة لاختلاف الزمان، وكذلك النهار اثنا عشر ساعة، كذلك تختلف في مقاديرها باختلاف الزمان، فيمكن والله أعلم أن يقال: إن ذلك من طلوع الشمس. في هذا الحديث أن الملائكة تحضر سماع الذكر وتحضر الخطبة وتستمع الذكر وتحف مجالس الذكر، كما جاء في الحديث: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).

    تراجم رجال إسناد حديث: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح ...)
    قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
    هو عبد الله بن مسلمة القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [ عن مالك ].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهي: مذهب الإمام أبي حنيفة ، ومذهب الإمام مالك ، ومذهب الإمام الشافعي ، ومذهب الإمام أحمد ، هذه مذاهب أهل السنة، وأما المذاهب الأخرى غير هذه المذاهب فليست من مذاهب أهل السنة كمذهب الزيدية والرافضة والإباضية وغيرها.
    [ عن سمي ].
    هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي صالح السمان ].
    هو ذكوان السمان كنيته: أبو صالح واسمه ذكوان ولقبه السمان ، وقيل له: السمان ؛ لأنه كان يجلب السمن، ويقال له: الزيات أيضاً؛ لأنه كان يجلب الزيت، فيقال له: ذكوان السمان ، ويقال له: ذكوان الزيات وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة ].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه."


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #85
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [054]
    الحلقة (85)

    شرح سنن أبي داود [054]


    لقد حرص الإسلام على أن يلتزم أفراده بالنظافة الحسية والمعنوية، ولذا شرع الغسل يوم الجمعة والتطيب تجنباً لما ينبعث من الروائح المؤذية من الأجساد، خاصة العاملين الكادحين، كما أنه شرع في إسلام الكافر أن يغتسل وأن يختتن إذا لم يكن مختوناً، وشرع له أن يلقي عن نفسه شعر الكفر ليحمل عنوان المسلمين.

    الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة


    شرح حديث: (كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة. حدثنا مسدد ، حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان الناس مهان أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، يعني الأدلة الدالة على أن ما جاء من الأوامر في الأحاديث بالغسل يوم الجمعة مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها:
    (كان الناس مهان أنفسهم)؟ أي: أنهم كانوا يخدمون أنفسهم، وأن مهنهم هم الذين يتولونها بأنفسهم. وقولها: (مهان) جمع ماهن، والمقصود من ذلك أنهم الذين يتولون مصالح أنفسهم الدنيوية بأنفسهم، ليس لهم خدم يكفونهم تلك المئونة وينوبون عنهم فيها بحيث يستريحون، وإنما هم الذين يقومون بهذه المهمة، وكان يحصل منهم أنهم يأتون إلى الجمعة على هيئتهم التي كانوا عليها في عملهم وفي حرثهم، وتنبعث منهم روائح كريهة بسبب تلك المهن وتلك الأعمال، فقال عليه الصلاة والسلام: (لو اغتسلتم) يعني: لو اغتسلتم إذا جئتم إلى الجمعة. ففيه إرشاد إلى الاغتسال، وأنهم لو اغتسلوا لحصل ذهاب ذلك الشيء الذي يؤذي غيرهم. وقولها: [ (فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم التي كانوا عليها) ] أي: يروحون إلى الجمعة في ثيابهم وفي عرقهم، فتنبعث منهم الروائح الكريهة فيحصل التأذي بذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو اغتسلتم) يعني: قبل أن تأتوا إلى الجمعة حتى تزول تلك الروائح. وكذلك -أيضاً- جاء الإرشاد إلى التطيب مع الاغتسال حتى تذهب تلك الروائح الكريهة؛ لأن الإنسان إذا تطيب تكون رائحته طيبة وتذهب الرائحة الكريهة.
    وسبق أن مر بنا ما دل عليه حديث عائشة هذا (كان الناس مهان أنفسهم) في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في الوضوء حيث قال: (إنهم كانوا خدام أنفسهم)، فكانوا يتناوبون رعاية الإبل، فيجمعون ما لكل واحد من الإبل ثم يسرح بها كل يوم شخص، والباقون يكونون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعون حديثه. فقوله: (إنهم كانوا خدام أنفسهم) يعني: لا يوجد أحد يكفيهم الخدمة، ولهذا كانوا يتناوبون الرعاية، وهنا في حديث عائشة : (كانوا مهان أنفسهم) أي: هم الذين يقومون بمصالحهم وبمهنهم؛ لأنه ليس لهم خدم ينوبون عنهم فيها، ويأتون على هيئتهم بثيابهم التي كانوا يزاولون بها المهنة، وبعرقهم وبالروائح التي معهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى الاغتسال؛ من أجل ذهاب تلك الروائح.

    تراجم رجال إسناد حديث: (كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم ...)
    قوله: [حدثنا مسدد ].
    هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله تعالى عنها قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (... إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة (أن أناساً من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس ! أترى الغسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر، وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدء الغسل: كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال: أيها الناس! إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه. قال ابن عباس : ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين جاءه جماعة من أهل العراق وسألوه عن غسل يوم الجمعة أواجب هو فقال: إنه ليس بواجب، وإنما هو مستحب، ومن اغتسل فالغسل أطهر وأفضل. ثم أخبرهم ببدء الغسل، وأنه كان بسبب الروائح الكريهة التي تنبعث منهم بسبب كونهم يأتون متعبين من العمل، ويأتون إلى الجمعة بهيئتهم وبثيابهم التي عملوا فيها وفيهم تلك الروائح، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:
    (إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا)، فأرشدهم إلى الاغتسال، ومعنى هذا أن الاغتسال إنما هو لأجل إزالة هذه الروائح الكريهة، فإذا لم يكن هناك شيء من هذه الروائح التي يحصل بها أذى فإنه لا يكون الغسل لازماً؛ لأن المقصود به هو إزالة الروائح وإزالة الأذى الذي يكون في الإنسان بسبب مهنته وعمله. ومعنى هذا أنه إذا لم يكن شيء من ذلك فإنه لا محذور ولا مانع من أن يأتي المرء الجمعة دون أن يغتسل، لكن غسل يوم الجمعة متأكد استحبابه، وينبغي للإنسان أن يحرص عليه ولو كان ليس فيه روائح، ولكن من لم يفعله فإنه لا يأثم؛ لأنه مستحب وليس بواجب. وقد سبق أن مرت قصة عثمان حين دخل و عمر يخطب فقال له: أي ساعة هذه؟ فقال: إنني لما سمعت النداء بادرت إلى الوضوء وجئت.
    فقال: والوضوء أيضاً! فعثمان رضي الله عنه جاء بدون اغتسال، ولم يأمره أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بأن يذهب فيغتسل؛ ليؤدي ذلك الواجب لو كان واجباً، فدل ذلك على أنه مستحب. ويدل عليه أيضاً قول ابن عباس رضي الله عنهما: إنه مستحب وليس بواجب. وبين رضي الله عنه سبب الغسل وأصله، وأنه كان بسبب ما يحصل من روائح تنبعث بسبب مجيئهم على هيئتهم، وقد كانوا هم خدم أنفسهم وليس لهم من يخدمهم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا ...)
    قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد- ].
    عبد العزيز هو ابن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمرو بن أبي عمرو ]. عمرو بن أبي عمرو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس ، و عبد الله بن الزبير ، و عبد الله بن عمرو ، و عبد الله بن عمر .

    شرح حديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل) فهذا يدل على أن الغسل إنما هو مستحب، وأنه أفضل من الاقتصار على الوضوء. قيل: إن المقصود بقوله: (فبها) أي: فبالسنة أخذ. وقوله: (ونعمت) أي: نعمت الرخصة. وقوله: (ومن اغتسل فالغسل أفضل) يعني: مع الوضوء، فإن الغسل يكون أتم وأفضل، وهذا فيه الدلالة على أنه مستحب وليس بواجب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل)
    قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سمرة ]. هو سمرة بن جندب رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    الأمر بالغسل لمن أراد الإسلام


    شرح حديث: (أتيت النبي أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل. حدثنا محمد بن كثير العبدي ، أخبرنا سفيان ، حدثنا الأغر ، عن خليفة بن حصين ، عن جده قيس بن عاصم رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر) ]. هذه الترجمة لبيان نوع من الأغسال، وهو الغسل عند الدخول في الإسلام، أي: من كان كافراً ثم أسلم فإنه يغتسل؛ لأن اغتساله بعد دخوله في الإسلام فيه تطهير لجسده من النجاسات التي لا يتحرز منها الكفار، وكذلك الذي يكون على جنابة فيكون اغتساله مزيلاً لتلك الأوساخ وتلك الأقذار التي كان الكفار لا يأخذون بها، ولا يحصل منهم الاغتسال والطهارة والنظافة منها. فاغتسال الكافر بعد إسلامه فيه تخلص من تلك الآثار. فأبو داود رحمه الله أورد حديث قيس بن عاصم التميمي المنقري رضي الله تعالى عنه: (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بما وسدر)، أي أن السدر يكون أكمل في النظافة والطهارة. وقوله: [ (فأمرني أن أغتسل بماء وسدر) ] فيه أن الكافر عندما يدخل في الإسلام يغتسل.


    تراجم رجال إسناد حديث: ( أتيت النبي أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل.. )


    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا سفيان ]. سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا الأغر ]. هو الأغر بن الصباح المنقري التميمي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ عن خليفة بن حصين ]. هو خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ عن جده قيس بن عاصم ]. جده هو قيس بن عاصم التميمي المنقري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور بالحلم، وهو الذي رثاه أحد الشعراء لما مات بقصيدة، منها البيت المشهور الذي يدل على عظم شأن هذا الرجل، حيث قال: وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما ومعناه أن من الناس من إذا هلك يكون هلاكه بمثابة البناء الذي يتهدم، وذلك لعظم شأنه وعظيم منزلته. فقول الشاعر: وما كان قيس هلكه هلك واحد يعني: ليس موته موت رجل واحد، ولكن موته موت جماعة.
    وقوله: (ولكنه بنيان قوم تهدما يدل على مكانته وعظيم منزلته رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وهذا الشعر يستشهد به عندما يموت شخص كبير له منزلة عظيمة مرموقة ونفعه عظيم، فيكون فقده مصيبة كبيرة على الناس.

    شرح حديث: (... ألق عنك شعر الكفر واختتن)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، قال: أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمت. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألق عنك شعر الكفر -يقول: احلق-. قال: وأخبرني آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه: ألق عنك شعر الكفر واختتن) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جد عثيم بن كثير بن كليب أنه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مسلماً فقال له: ألق عنك شعر الكفر، يعني: احلق رأسك. وقيل: إن المقصود بهذا الحديث إزالة ما هو علامة من علامات الكفر في رءوسهم وهيئات رءوسهم، وليس المقصود به أنه يجب على الإنسان أن يحلق رأسه إذا دخل في الإسلام وأنه يزيل شعره، وذلك لأنه قال: (شعر الكفر) يعني الشيء الذي هو علامة من علامات الكفر، كالهيئات التي يختصون بها ويتميزون بها في رءوسهم، مثل كونهم يحلقون شيئاً ويبقون شيئاً على هيئة مخصوصة، فإن تلك التي هي من علامات الكفر يجب التخلص منها وتجب إزالتها. ثم قال: وأخبرني آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه: (ألق عنك شعر الكفر واختتن).
    فقوله: (شعر الكفر) يقال فيه مثلما تقدم. وقوله: (واختتن) فيه زيادة الاختتان، وأن الإنسان إذا أسلم وهو غير مختتن فعليه أن يختتن وأن يزيل تلك القلفة التي تكون من أسباب عدم الطهارة لكون شيء من البول يبقى في تلك القلفة التي تغطي الحشفة، والاختتان فيه زوالها وعدم علوق شيء من البول بها، فبالاختتان يحصل التخلص من ذلك. ومن المعلوم أن الاختتان من شعار الإسلام، وأنه مطلوب في حق الرجال أن يختتنوا، وأنه عندما يبلغ الإنسان يجب أن يكون مختتناً؛ لأنه جاء زمن التكليف، وقبل ذلك يكون الإنسان غير مكلف، ولكن المبادرة إلى الاختتان في الصغر لاشك في أنها هي الأولى.
    أما مناسبة حلق الشعر والاختتان للغسل مع عدم ذكر الاغتسال فهي أن في الحديث شيئاً يتعلق بالطهارة من جهة أن هناك شيئاً من إزالة آثار الكفر، ومن آثار الكفر عدم الاختتان، فهو علامة من علامات الكفار، والاختتان علامة من علامات المسلمين، وكذلك إذا كان شعره على هيئة الكفار فإنه يزال وليكون على هيئة المسلمين، فالحديث لم يذكر الاغتسال لكن فيه شيء يتعلق بالنظافة والطهارة من آثار الكفر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ألق عنك شعر الكفر واختتن)


    قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ]. مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود
    . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا ابن جريج ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ قال: أخبرت عن عثيم بن كليب ].
    قوله: [ قال: أخبرت ] معناه أن هناك واسطة بينه وبين عثيم، و عثيم هو ابن كثير بن كليب الحضرمي، أو الجهني، وهو مجهول، أخرج له أبو داود وحده.
    [ عن أبيه ]. أبوه هو كثير ، لم أقف على ترجمة له، لا في التقريب ولا في تهذيب التهذيب، وهناك اختلاف في قضية الجد، أي: هل كليب هو الجد أو الأب؟ وقيل: إن ابن جريج إنما نسبه إلى جده فقال: عثيم بن كليب. وهو عثيم بن كثير بن كليب وما وقفت لترجمة لعثيم ، وأما كليب الذي هو الجد فهو صحابي قال عنه الحافظ ابن حجر : قليل الحديث. قيل: إن له ثلاثة أحاديث هذا واحد منها. وحديثه أخرجه أبو داود وحده.

    حكم الغسل لمن أراد أن يسلم

    الحديث فيه هذا المجهول، و الألباني حسنه، ولم أدر عن كونه لقي له شواهد أو أي أمور أخرى، وإلا فالإسناد فيه مجهول، وفيه -أيضاً- الانقطاع. أما بالنسبة للأمر بالغسل لمن أراد أن يسلم فاختلف فيه، فمنهم من قال: إنه على الوجوب؛ لأن فيه التخلص من هذه الأمور، لكن الأكثرون قالوا: إنه على الاستحباب. ولا أدري ما هو الصارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، لكن لا شك في أن الكفار لا يتنزهون من النجاسات، فتعين الاغتسال في حقهم إذا أسلموا له وجه. أما قوله: (ألق عنك شعر الكفر) فقد يكون المقصود به الاستحداد، أي: حلق العانة، لكن كما هو معلوم أن هذه الأمور مطلوبة من المسلم والكافر كذلك إذا أسلم، لكن بعضهم قالوا: إن المقصود به الهيئة التي تخص الكفار، ولهذا قال: (شعر الكفر) ومن المعلوم أن الشعر موجود في حال الكفر، لكنه لا يلزم أن يزيل ما هو موجود في حال الكفر، وإنما الذي يزال هو علامة الكفر، وهو الهيئة المخصوصة للكفار في رءوسهم إذا كان لهم هيئة مخصوصة. والله تعالى أعلم.

    الأسئلة



    فضل شعبان وحكم الصيام فيه

    السؤال: هل يجوز الصيام يوم الجمعة والسبت في شهر شعبان؟ وهل لشهر شعبان فضيلة في صيامه؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الأشهر في شهر شعبان وفي المحرم، ولم يستكمل الرسول صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً إلا رمضان. وقد جاء في بعض الأحاديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، وهذا يحمل على ما إذا كان الإنسان يريد أن يحتاط لرمضان، ومن المعلوم أن هذا الاحتياط لرمضان لا يسوغ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) يعني: إذا كان الرجل من عادته أنه يصوم يوم الخميس أو الإثنين وقع يوم الخميس -مثلاً- موافقاً ليوم الثلاثين فإنه يصوم؛ لأنه ما احتاط لرمضان، بل هو شيء اعتاده، فشعبان هو أحد الشهرين اللذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيهما.


    حكم من أعاد الصلاة مع جماعة بعد أن أداها خلف متنفل

    السؤال: صلى مفترض خلف متنفل، وبعد أن انتهى مباشرة وجد جماعة أقيمت، فهل له الدخول مع تلك الجماعة؟

    الجواب: صلاته الأولى هي الفريضة التي أداها، أما الثانية فإنه إذا دخل معهم فهي نافلة، ولا بأس بذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما صلى بالناس في مسجد الخيف نظر فإذا اثنان قد جلسا في ناحية، فدعا بهما فأتيا ترتعد فرائصهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لماذا لم تصليا؟ قالا: إنا صلينا في رحالنا، قال: إذا أتيتما والإمام لم يصل فصليا معه تكون لكما نافلة)، فالفريضة هي الأولى والثانية نافلة.


    الرد على من اتهم الإمام الشوكاني بالسرقة عند التأليف والنقل

    السؤال: ما رأيكم فيمن يقول: إن الإمام الشوكاني سرق كتابه نيل الأوطار من فتح الباري، وكذلك حكمه على الأحاديث من تلخيص الحبير، وأما كتابه (إرشاد الفحول) -أيضاً- فهو مسروق من كتاب آخر؟

    الجواب: هذا تعبير لا يليق بالعلماء، وإذا كان الشوكاني استفاد من الحافظ ابن حجر أو من غيره فهذا شأن أهل العلم يستفيد بعضهم من بعض، ومن المعلوم أن الشوكاني عالم كبير، وليس مجرد ناقل أو مجرد معتمد على غيره، فله آراء وله نظر، وله عناية رحمه الله تعالى، وله خبرة في الحديث، وقضية الاستفادة من العلماء أمر لا يشك فيه فالمتأخر يستفيد من المتقدم، والحافظ ابن حجر نفسه قد استفاد من العلماء السابقين ومن الأئمة المتقدمين، وهكذا شأن أهل العلم يستفيد بعضهم من بعض، ولكن اتهام العلماء بالسرقة ليس من الأدب مع أهل العلم.


    الفرق بين الشروط والأركان والواجبات والمستحبات في العبادة

    السؤال: ماذا يقصد المالكية بقولهم: إن ستر العورة واجب وليس بشرط؟
    الجواب: كما هو معلوم أن الشرط فيه لزوم وفيه وجوب، لكن الشرط هو الذي يتقدم المشروط، وستر العورة في الصلاة هو من الشروط التي هي خارجة عن أجزاء الصلاة وعن أركان الصلاة، مثل استقبال القبلة، ونحوه. أما قولهم: (ستر العورة واجب وليس بشرط) فلا أعرف معنى هذا الكلام، لكن من المعلوم أن الشروط هي واجبة من حيث اللزوم ومتحتمة، وأنه لابد من أن يؤتى بها، فهناك واجب، وهناك شرط يتقدم المشروط، وهناك ركن يكون لازماً لا تصح الصلاة إلا به، والواجب: يجبر بسجود السهو. والشروط تكون خارج الماهية وخارج الشيء المعرف؛ لأن الصلاة تعرف بأنها أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، هذه الأقوال والأفعال منها ما هو أركان ومنها ما هو واجبات ومنها ما هو مستحبات، وهناك شيء يكون موجوداً قبل أن يدخل الإنسان في الصلاة، ككونه على وضوء، وكونه ساتراً للعورة، وكونه مستقبل القبلة، وهكذا بقية الشروط، فما أدري بمعنى قولهم: (إن ستر العورة ليس بشرط) ومعلوم أن الأشياء الموجودة في داخل الصلاة هي أقوال وأفعال وليس منها ستر العورة، ولكن ستر العورة من الأمور التي تشترط للصلاة، والإنسان لا يدخل في الصلاة إلا وقد ستر عورته.


    حكم المتاجرة بالكلاب للحراسة فقط

    السؤال: ما حكم المتاجرة بالكلاب، مع العلم أنها كلاب لا يُحصل عليها بدون مال، وتستخدم للحراسة فقط؟

    الجواب: لا تجوز المتاجرة بالكلاب وبيع الكلاب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب خبيث، وحلوان الكاهن خبيث، ومهر البغي خبيث) يعني: كل هذه الأمور محرمة. فالإنسان إذا احتاج إلى الكلب واضطر إليه يستفيد منه، وإذا استغنى عنه يتركه ويرسله أو يعطيه لمن يستفيد منه، أما أن يبيعه ويستفيد من ثمنه أو يتجر به فهذا غير سائغ وغير جائز.


    حكم الحج والعمرة عن الغير ومكان الإحرام للعمرة

    السؤال: جاء رجل من الجزائر لأداء العمرة وله أبوان متوفيان، وهما لم يحجا ولم يعتمرا ويريد أن يعتمر عنهما، فهل هذا جائز، ومن أين يحرم؟

    الجواب: الإنسان إذا اعتمر عن نفسه وحج عن نفسه له أن يعتمر ويحج عن غيره، لكن العمرة المشروعة هي التي يأتي بها الإنسان وهو متجه إلى مكة من خارج المواقيت، هذه هي العمرة المشروعة، فإذا تيسر للإنسان أنه يعتمر ثم جاء إلى المدينة فإنه إن أراد أن يعتمر عن نفسه أو عن غيره فله ذلك.


    حكم من نوى العمرة وأراد الإحرام من جدة

    السؤال: أريد أن أؤدي العمرة، إلا أني أريد أن أذهب إلى جدة في عمل ما، فهل علي أن أحرم من الميقات أم أحرم من جدة؛ لأني لم أقصد مباشرة الذهاب إلى العمرة؟

    الجواب: خرج الإنسان من المدينة -مثلاً- وهو يريد أن يعتمر فيها فلا يجوز له أن يتجاوز الميقات إلا وقد أحرم، ولو ذهب إلى جدة فإنه يبقى وعليه إحرامه، وإن كان سيبقى في جدة مدة ويرى أن بقاء الإحرام عليه في هذه المدة لا يعجبه ولا يناسبه فليذهب إلى مكة أولاً وينتهي من عمرته، ثم يذهب إلى جدة ويفعل ما يريد. والله تعالى أعلم."


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #86
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [055]
    الحلقة (86)

    شرح سنن أبي داود [055]


    إذا أصاب الحيض ثوب المرأة فإنها تدلكه وتفركه بأصابعها ثم تتبعه بالماء حتى يزول جرم النجاسة، فإن زال جرمها وبقي أثر فإنه لا يضر، ولها أن تغيره بشيء، ولها أن تجعل مع الماء مادة أخرى مزيلة للنجاسة، كالسدر، والصابون ونحوهما.

    المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها


    شرح حديث عائشة: (... كنت أحيض عند رسول الله ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها. حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثني أبي، حدثتني أم الحسن -يعني: جدة أبي بكر العدوي - عن معاذة قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها عن الحائض يصيب ثوبها الدم، قالت: تغسله فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة.
    قالت: ولقد كنت أحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً) ]. قوله: [ باب: المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها ] المقصود من هذه الترجمة أن المرأة في حال حيضها تغسل الثوب الذي يكون عليها إذا أصابه شيء من الدم، وأما إذا لم يصبه شيء من الدم فهو طاهر؛ لأن عرقها وكل شيء منها هو طاهر، وإنما النجاسة في الدم الذي يخرج من فرجها أو الذي يكون في فرجها، فإن خرج شيء من ذلك الدم على ثوبها فإنه يجب عليها أن تغسل ذلك الموضع الذي أصابه الدم، وإن لم يكن أصابه شيء من الدم فهو باق على طهارته. وسبق أن مر في بعض الأحاديث وفي الأبواب المتقدمة في كتاب الحيض ما يتعلق بأن مخالطة المرأة ومضاجعتها ومماستها ليس فيه شيء ولا مانع منه، وقد وسبق أن مر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : (ليست حيضتك في يدك) يعني أن كون المرأة تمس شيئاً أو تلمس شيئاً لا يؤثر؛ لأن حيضها إنما هو في فرجها، والنجاسة إنما هي في فرجها، وليست في يدها ولا في جسمها. وعلى هذا فالثياب التي تلبسها النساء في حال حيضهن إن وقع فيها شيء من الدم الذي يكون في فروجهن فإنه يجب غسل ذلك الدم وإزالة تلك النجاسة، وإن لم يقع شيء من ذلك فالأصل هو الطهارة. وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث في هذا الباب، أولها حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألتها معاذة العدوية عن الحائض يصيب ثوبها الدم، قالت:
    (تغسله فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة). أي: يجب عليها أن تغسل هذه النجاسة، فإذا غسلتها ولكن بقي شيء من الأثر فلتغيره بشيء من صفرة، أي: بزعفران أو ورس أو ما إلى ذلك، حتى يكون في ذلك المكان الذي فيه نجاسة تلك الرائحة الطيبة، وأيضاً حتى لا يكون في نفسها شيء من الوسواس بسبب هذا الأثر الذي بقي، وهو لا يضر مادام أنها قد قامت بأداء الواجب ولكنه لم يحصل الصفاء والنقاء كبقية أجزاء الثوب التي ما حصل فيها شيء من النجاسة.
    قولها: [ (ولقد كنت أحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً) ]. أي: إذا لم يقع عليه شيء من الدم. وعلى هذا فالغسل وعدم الغسل مبني على وجود النجاسة وعدمها، فما جاء من غسل ثوب الحائض فلأنه حصل فيه نجاسة, وما جاء من عدم غسله فلأنه لم يحصل فيه نجاسة، وعلى هذا فالنجاسة إذا وجدت تغسل، وإذا لم توجد النجاسة في ثوب الحائض فالأصل هو الطهارة.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... كنت أحيض عند رسول الله ثلاث حيضات جميعاً لا أغسل لي ثوباً)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي النكري ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وليعلم هنا أن أبا داود روى عن اثنين يقال لكل منهما: أحمد بن إبراهيم أحدهما أحمد بن إبراهيم الموصلي الذي هو أول واحد في كتاب التقريب؛ لأن الحافظ ابن حجر رحمه الله بدأ كتابه كتاب التقريب بمن اسمه أحمد؛ لأنه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك أتى بالأسماء التي أولها ألف بعد أن انتهى ممن اسمه أحمد، وكذلك في حرف الميم بدأ بمن اسمه محمد، ثم أتى بعد ذلك بالأسماء التي بدأت بحرف الميم، فأول الأحمدين هو أحمد بن إبراهيم الموصلي ، وله عند أبي داود حديث واحد، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير. أما أحمد بن إبراهيم بن كثير هذا فقد أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، وهو هذا الذي يروي عن عبد الصمد بن عبد الوارث .
    [ حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ]. هو عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ] هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثتني أم الحسن -يعني جدة أبي بكر العدوي - ]. أم الحسن جدة أبي بكر العدوي لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود وحده.
    [ عن معاذة ]. هي معاذة بنت عبد الله العدوية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
    [ قالت: سألت عائشة ]. هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما الحديث ففي إسناده تلك المرأة التي لا يعرف حالها وهي مجهولة، والحديث صححه الألباني ولعل ذلك لشواهده، أو لكونه يوافق الأحاديث الأخرى الدالة على معناه. أما بالنسبة لغسل النجاسة فالواجب هو إزالة العين، أما الأثر فينبغي للإنسان أن يبالغ في الغسل حتى يذهب الأثر مع العين، فإن بقي الأثر وضع مكانه شيئاً من صفرة يغاير اللون الأصلي، ولا يضر ذلك الأثر. أما بالنسبة لعدد الغسلات من النجاسة فليس هناك تحديد بعدد معين، بل الغرض إزالة النجاسة.
    شرح حديث: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي ، أخبرنا إبراهيم بن نافع ، قال: سمعت الحسن -يعني ابن مسلم - يذكر عن مجاهد أنه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها الذي تقول فيه: ( ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها ) وليس المقصود أن النجاسة تزال بالريق، وإنما المقصود أن ذلك يكون فيه تخفيف لها، ثم بعد ذلك تغسل بالماء؛ لأن إزالة النجاسة إنما تكون بالماء لا بغيره من المائعات من ريق أو غير ريق، وقد فسر ذكر البل بالريق والقصع بالريق بتفسيرين:
    الأول: أن المقصود من ذلك أن فيه تخفيفاً، وبعد ذلك يكون الغسل بالماء كما جاءت النصوص بذلك.
    الثاني: أن المقصود من ذلك أنه إذا كان شيئاً يسيراً من الدم فهو معفو عنه لو لم يغسل، فبلها إياه بالريق فيه إزالة تلك النقطة اليسيرة من الدم التي قد يكون في نفسها منها شيء إذا رأتها، فإذا بلتها بريقها وذهب ذلك الأثر أو ذلك المنظر الذي تراه، فإن ذلك يكون من أجل عدم تعلق النفس بشيء من أثر الدم وهو اليسير التافه المعفو عنه. إذاً: القصع بالريق أو البل بالريق لا يكون التطهير به من النجاسة؛ لأن تطهير النجاسة لا يكون إلا بالماء، فإنه هو الذي يطهر به، وقد جاءت النصوص بأن الحائض تغسل ثوبها بالماء وترشه بالماء وتنضحه بالماء، وجاء في بعض الروايات ذكر الريق، ولكنه محمول على إحدى هاتين الحالتين: إما أن المقصود من ذلك أنها تفعل ذلك ثم تتبعه بالماء فتغسله به، وإما أن المقصود من ذلك أنه شيء يسير معفو عنه لو لم يغسل، وبله بريقها هو لئلا ترى أثره الذي قد تتعلق نفسها به ويشوش عليها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير العبدي ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا إبراهيم بن نافع ]. إبراهيم بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ قال: سمعت الحسن -يعني ابن مسلم - ]. هو الحسن بن مسلم بن يناق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ قال: قالت عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وقد مر ذكرها.
    شرح حديث أم سلمة: (... قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي -، حدثنا بكار بن يحيى ، قال: حدثتني جدتي قالت: (دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فسألتها امرأة من قريش عن الصلاة في ثوب الحائض، فقالت أم سلمة : قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلبث إحدانا أيام حيضها ثم تطهر، فتنظر الثوب الذي كانت تقلب فيه، فإن أصابه دم غسلناه وصلينا فيه، وإن لم يكن أصابه شيء تركناه، ولم يمنعنا ذلك من أن نصلي فيه، وأما الممتشطة فكانت إحدانا تكون ممتشطة فإذا اغتسلت لم تنقض ذلك، ولكنها تحفن على رأسها ثلاث حفنات، فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر جسدها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألتها امرأة من قريش عن الصلاة في ثوب الحائض، فقالت:
    كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلبث إحدانا أيام حيضها ثم تطهر، فتنظر في ثوبها، فإن أصابه شيء من النجاسة غسلته وإلا تركته وصلت فيه.. وهذا فيه التفصيل الذي سبق أن أشرت إليه، وهو أنه إن كان هناك دم غسل، وإن لم يكن هناك دم فإنه باق على الطهارة وتصلي المرأة فيه. وقولها: [ (وأما الممتشطة فكانت إحدانا تكون ممتشطة فإذا اغتسلت لم تنقض ذلك) ]. في هذا الحديث أن الممتشطة منهن كانت عند اغتسالها لا تنقض رأسها، ولكنها تصب عليه الماء حتى يصل إلى أصوله. وقوله: [ (ولكنها تحفن على رأسها ثلاث حفنات، فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته، ثم أفاضت على سائر جسدها)] يعني أن الحائض لا تنقض رأسها، ولكن يستحب لها أن تنقض رأسها، وذلك أن مدة الحيض تطول،
    فهي بحاجة إلى تنظيف شعور رأسها، وإن لم تنقضه ولكنها صبت عليه الماء حتى وصل إلى أصوله وحركته فإن ذلك يكفي ويجزئ، لكن المغتسلة من الحيض يستحب لها أن تنقض شعرها، وهي أولى بالنقض من المغتسلة من الجنابة؛ لأن مدة الحيض تطول، وأما الجنابة فإنه لا يمضي عليها مدة طويلة. إذاً: يستحب للمغتسلة للحيض وللجنابة نقض الشعر، ولكنه آكد في حق الحائض؛ لأنها يمضي عليها وقت طويل، فنقضها إياه آكد وأولى من نقض المغتسلة من الجنابة، وإن لم تنقضه فإن ذلك كاف ومجز، بشرط أن يصل الماء إلى أصوله.
    تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (... قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله...)

    قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - ]. هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بكار بن يحيى ]. بكار بن يحيى مجهول، أخرج له أبو داود وحده.
    [ قال: حدثتني جدتي ]. جدته لا أعرف شيئاً عنها .
    قالت: [ دخلت على أم سلمة ]. هي أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها هند بنت أبي أمية ، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    حكم الحديث ومعناه مجملاً

    أما الحديث فقد ضعفه الألباني ، ولعل ذلك من أجل بكار بن يحيى ، والحديث -كما هو معلوم- معناه مطابق للأحاديث الأخرى التي فيها أن النجاسة تغسل، وأنه إذا كانت النجاسة غير موجودة في ثوب الحائض فإنه لا يحتاج إلى غسل، كما جاء في الحديث الأول من هذه الأحاديث التي مرت بنا، أما إذا كان الدم موجوداً فإنها تغسله بالماء.
    شرح حديث: (سمعت امرأة تسأل رسول الله: كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر، أتصلي فيه؟ قال: تنظر، فإن رأت فيه دماً فلتقرصه بشيء من ماء، ولتنضح ما لم تر ولتصل فيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند صلاة المرأة في الثوب إذا رأت الطهر، فقال: (تنظر فإن رأت فيه دماً فلتقرصه بالماء) يعني: تغسله بالماء. والقرص هو تحريك ودلك المكان الذي تعلم فيه النجاسة بأطراف الأصابع، فتدلكه حتى يخرج ما في داخله من الدم ويزول.
    وقوله: [ (ولتنضح ما لم تر) ] يعني: تنضح المكان الذي شكت أن فيه نجاسة، يعني: تغسله بالماء. ومعنى ذلك أنه إذا كانت النجاسة معلومة ومحققة فإنها تقرصها بالماء، أما إذا كان المكان ليس فيه نجاسة ولكنها تشك في أن النجاسة فيه وليس لها عين ترى ولا شكل فإنها تنضحه بالماء، أما إن كانت قد تحققت من أن النجاسة موجودة في الثوب ولكنها لا تعرف مكانها فيجب عليها أن تغسل الثوب كله، أما إذا كانت بقعة النجاسة تعرفها وكانت شاكة أن فيها نجاسة فإنها تغسل ذلك المكان خاصة.
    تراجم رجال إسناد حديث: ( سمعت امرأة تسأل رسول الله: كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر..)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
    [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني، ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن فاطمة بنت المنذر ]. هي فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام ، وهي زوجة هشام بن عروة ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أسماء بنت أبي بكر ]. هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها، وهي جدة هشام وجدة فاطمة أم أبويهما، و أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها صحابية، وهي أخت أم المؤمنين عائشة ، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (... إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: (سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ قال: إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه، ثم لتنضحه بالماء، ثم لتصل) ]. قوله: [(تقرصه)] يعني: تدلكه وتحركه بأصابعها. أي: المكان المتنجس، ثم تصب عليه الماء بعد ذلك حتى يطهر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن فاطمة بنت المنذر ]. فاطمة بنت المنذر بن الزبير هي زوجة هشام ، وهو يروي عنها، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أسماء بنت أبي بكر ]. مر ذكرها، وهي جدة هشام وجدة فاطمة .
    شرح حديث: (... حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد ، حدثنا حماد . ح: وحدثنا مسدد ، حدثنا عيسى بن يونس . ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد -يعني ابن سلمة - عن هشام بهذا المعنى، قال: (حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه) ]. هذا حديث أسماء من طريق أخرى، وفيه أنه أمرها بأن تحته إذا كان له جرم وإذا كان له جسم بارز، بحيث يحك أو يفرك فيتساقط؛ لأن هذا يخفف النجاسة، ثم بعد ذلك يُقَرص المكان المتنجس بالماء؛ لأنه لو غُسل والنجاسة فيه موجودة بكثافة ولها جرم فإن ذلك يزيد الطين بلة، حيث تنتشر النجاسة، لكن إذا حتت الثوب تساقط جَرم النجاسة إذا كان لها جرم، ثم بعد ذلك يغسل المكان.
    وقوله: [حتيه] يعني أنه يحت إما بعود أو بظفر أو بأي شيء يسقط ذلك الجرم، ثم بعد أن يزول جرم النجاسة ويذهب عينها من المكان المتنجس يقرص أثرها بالماء. فيكون له ثلاث حالات: أولاً: إزالة ذلك الجرم بالحت، وكذلك الفرك. ثانياً: القرص، وهو تحريكه بأطراف الأصابع. ثالثاً: النضح، وهو غسله بالماء.
    تراجم رجال إسناد حديث (... حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه)

    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا روى مسدد عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن زيد ، وإذا روى موسى بن إسماعيل عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن سلمة ، وإذا روى قتيبة عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن زيد . هكذا ذكر الحافظ المزي في آخر ترجمة حماد بن سلمة في تهذيب الكمال، وترجمة حماد بن زيد وترجمة حماد بن سلمة متجاورتين؛ لأن السين بعد الزاي.
    [ ح: وحدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس ]. قوله: [ح] هي التحول من إسناد إلى إسناد. وعيسى بن يونس هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ ح: وحدثنا موسى بن إسماعيل ] هو التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حماد -يعني ابن سلمة- ] حماد بن سلمة ثقة ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن هشام بهذا المعنى ]. هو هشام بن عروة .
    شرح حديث: (سألت النبي عن دم الحيض يكون في الثوب...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد القطان - عن سفيان ، حدثني ثابت الحداد ، حدثني عدي بن دينار ، قال: سمعت أم قيس بنت محصن رضي الله عنها تقول: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب قال: حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر) ]. أورد أبو داود حديث أم قيس بنت محصن ، وهي أخت عكاشة بن محصن الصحابي المشهور ذكره في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم، فقام عكاشة بن محصن فقال: (ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: أنت منهم.
    ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: سبقك بها عكاشة)، فعكاشة هذا مشهور، ولهذا يقال في ترجمتها: أخت عكاشة ؛ لأن الشخص إذا كان مشهوراً ثم يكون من أقربائه من يذكر فإنه ينسب إليه، فيقال: أخو فلان، أو: هو ابن أخي فلان إذا كان مشهوراً، فهذه أم قيس يقال في ترجمتها: أخت عكاشة ، وهي صحابية مشهورة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ (حكيه بضلع)] قيل: إن المقصود بالضلع العود الذي يكون مائلاً على هيئة الضلع، والضلع -كما هو معلوم- العظم، والعظام لا يستنجى بها ولا تلوث بالنجاسة؛ لأنها -كما ورد في الحديث- طعام إخواننا من الجن.
    إذاً: المقصود بالضلع هو العود يكون كهيئة الضلع، بحيث يحك به النجاسة إذا كان لها جرم، وإلا فبظفر أو أي شيء يزيل جرمها، ثم بعد ذلك يغسل ما بقي بماء وسدر. قوله: [(واغسليه بماء وسدر) ] يعني أن السدر يكون أكمل في النظافة، وإلا فإن الماء كاف دون أن يضاف إليه شيء، فإذا أضيف إليه سدر يكون أكمل في النظافة وأكمل في إزالة النجاسة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (سألت النبي عن دم الحيض يكون في الثوب...)

    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد القطان - ]. يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثني ثابت الحداد ]. هو ثابت بن هرمز الحداد ، وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ حدثنا عدي بن دينار ]. عدي بن دينار وثقه النسائي ، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ قال: سمعت أم قيس بنت محصن ]. أم قيس بنت محصن رضي الله عنها حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (قد كان يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قد كان يكون لإحدانا الدرع، فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة، ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة قالت: [ (قد كان لإحدانا الثوب فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة، فترى فيه القطرة من الدم فتقصعه بريقها) والقطرة هي: نقطة يسيرة، وقد سبق أن قلنا على أحد التفسيرين للغسل بالريق: إنه إذا كان شيئاً يسيراً فهو معفو عنه، فإزالة القطرة اليسيرة بالريق هي لئلا ا تتشوش بكونها تنظر إليها، وإلا فإنها معفو عنها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (قد كان لإحدانا الدرع فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة...)

    قوله [ حدثنا النفيلي ]. النفيلي مر ذكره، وهو عبد الله بن محمد .
    [ عن سفيان ] هو سفيان بن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن أبي نجيح ]. ابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو نجيح هو يسار المكي .
    [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ]. عائشة مر ذكرها.
    شرح حديث: (... يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عيسى بن طلحة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه. فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن خولة بنت يسار سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثوبها التي تحيض فيه يكون فيه الدم، قال: (إذا طهرت فاغسليه ثم صلي فيه) قالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: (يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره) يعني: إذا غسلت ما يجب عليها بالغسل ولم يكن المكان الذي غسل بالصفاء والنقاء مثل بقية الثوب فإنه يكفيها الغسل ولا يضرها أثره.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره)

    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ] هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا ابن لهيعة ]. ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري ، صدوق اختلط لما احترقت كتبه، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
    [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عيسى بن طلحة ]. هو عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي ، أبوه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والله تعالى أعلم.
    الأسئلة



    الجمع بين القول بعصمة الأنبياء وبين ما وقع منهم من ذنوب

    السؤال: نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه (فتح الباري) أن العلماء اتفقوا على أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر واختلفوا في عصمتهم من الصغائر، فهل الصواب أنهم معصومون من الكل؟

    الجواب: هذه المسألة -كما هو معلوم- فيها خلاف بين أهل العلم، والمشهور هو ما ذكره الحافظ ابن حجر وذكره غيره، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد ذكرت الأماكن التي ورد فيها هذا الكلام في مجموع الفتاوى وغيره في الفوائد المنتقاة من فتح الباري ومن كتب أخرى، فهي من جملة الأشياء التي ذكرتها وأحلت إلى أماكنها، فعلى القول بأن عندهم صغائر وأنهم يتوبون منها يكون ذلك فيه زيادة في حسناتهم ورفعة في درجاتهم. أما ما حصل من بعض الأنبياء مما ذكره الله في القرآن، موسى عليه السلام لذلك الرجل فالقتل حصل حين الدفع، فيكون ذنباً، وقد سأل الله أن يتوب عليه فتاب عليه.

    حكم الشرب حال القيام

    السؤال: ما حكم شرب المرء قائماً؟ وهل نقول لمن شرب قائماً: إنك آثم؟
    الجواب: لا نقول له: إنك آثم، بل نقول: إن الشرب حال الجلوس هو الأولى والأفضل، والشرب حال القيام جائز.

    وجه كون شروط (لا إله إلا الله) شروط صحة

    السؤال: هل شروط لا إله إلا الله شروط صحة أم شروط كمال؟
    الجواب: شروط (لا إله إلا الله) شروط صحة؛ لأن الإنسان لا يحصل منه الإيمان إلا بها كلها، مثل: القبول المنافي للرد واليقين المنافي للشك، فإذا حصل الرد أو حصل الشك أو حصل التكذيب فهذا يدل على عدم حصول الإيمان.

    حكم الصلاة في جماعة خلف إمام محدث يجهل حدثه

    السؤال: قال الزركشي رحمه الله: لو اقتدى المأموم بإمام محدث وهو جاهل حدثه فإن صلاته تصح وإن فاتته فضيلة الجماعة. فهل قوله صحيح بانتفاء فضيلة الجماعة عن المأموم؟

    الجواب: كيف تنتفي عنه فضيلة الجماعة؟! لو صلى إمام وهو محدث والناس يجهلون حدثه فالجماعة موجودة ولم تذهب فضيلتها، وهم قد أدوا ما عليهم وفعلوا ما يمكنهم، ففضيلة الجماعة لا وجه لذهابها؛ لأن الجماعة موجودة، وإنما النقص على من صلى محدثاً، فهو الذي يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة، وهم لا يعيدون الصلاة. وقد قال عليه الصلاة والسلام لما أخبر عن أمراء يأتون بعده: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم). ويقول عثمان رضي الله عنه كما في البخاري : (إن الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم).

    أذكار الصلوات المفروضة وترتيبها

    السؤال: الأذكار التي تقال بعد الصلوات هل ورد الترتيب فيها أم لا؟ وكيف يكون ذلك؟

    الجواب: معلوم أن الذكر بعد السلام هو الاستغفار ثلاثاً، ثم بعد التكبير والتسبيح والتحميد ثلاثاً وثلاثين لكل واحدة، ثم بعد ذلك قراءة آية الكرسي، و(قل هو الله أحد)، والمعوذتين على ما جاء في الأحاديث،إلا أن قراءة (قل هو الله أحد) والمعوذتين تكون ثلاث مرات بعد صلاتي الفجر والمغرب.


    حكم تطيب الرجل من طيب المرأة

    السؤال: هل يجوز للرجل أن يتطيب من طيب زوجته إذا لم يجد طيباً، ولو كان طيب زعفران لخصوصه بالمرأة دون الرجل، علماً بأن الزعفران ورد فيه النهي عن الاستعمال من قبل الرجال؟

    الجواب: لا يستعمل الشيء الذي ورد فيه المنع، ولكن يستعمل الشيء الذي هو من خصائص النساء، وهو الذي يظهر أثره ويخفى ريحه.

    حكم الصلاة وغيرها من العبادات لمن حيضتها مضطربة

    السؤال: امرأة حيضتها مضطربة غير منتظمة، فهي تأتيها مرة في أول الشهر ومرة في وسطه ومرة في آخره، ولا تميز الحيض، وفي شهر من الشهور جاءتها الصفرة والكدرة ولم تعلم هل كان ذلك في مدة الحيض أو قبله، فهل تمتنع عن الصلاة وتترك بعض الأفعال التعبدية من قراءة القرآن وغيره؟ ولو أنها أتتها في أول رمضان فماذا تصنع؟

    الجواب: إذا كانت تعرف العادة بلونها ورائحتها فهذا هو الحيض، وكذلك إذا كانت عادتها مضطربة تتقدم أو تتأخر ولكنه معروف عندها رائحته ولونه، فذلك حيض، أما إذا كان هناك صفرة أو كدرة ولكن ليس فيها رائحة الحيض التي تعرفها النساء ولا لون الحيض الذي تعرفه النساء فهذا لا يمنعها من الصلاة؛ لأنها ما عندها عادة مستقرة بحيث يقال: جاءت الصفرة أو الكدرة في عادتها؛ لأن الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض وفي زمن الطهر طهر، مثل ما قالت أم عطية في الحديث الذي سبق أن مر بنا: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً).

    حكم من أدركها رمضان الثاني ولم تستطع صوم ما عليها من شهر رمضان الأول

    السؤال: زوجتي لم تصم بعض الأيام من رمضان السابق، ولم تقض تلك الأيام، وهي الآن حامل ولا تتحمل الصوم، وسيدخل عليها رمضان الثاني ولم تقض ما عليها، فماذا تصنع؟

    الجواب: إذا كانت لا تتحمل الصوم ولا تستطيع الصيام فإنه يكون باقياً في ذمتها تلك الأيام التي مضت، فتصوم شهر رمضان الآتي، وبعد ذلك تقضي الأيام التي سبقت وتطعم عن كل يوم مسكيناً.
    حكم من بلغ من المسلمين ولم يختتن
    السؤال: يوجد رجل مسلم في الثلاثين من عمره ولم يختتن، والناس يتحرجون من تزويجه، فما توجيهكم؟

    الجواب: المسلم يجب عليه أن يبادر إلى الاختتان من حين يبلغ؛ لأن البلوغ إذا وجد وجب الاختتان، وقبل البلوغ لا يجب، ولكنه مستحب ومندوب، ولكن لا يجوز للإنسان أن يبقى بدون اختتان وقد وصل إلى سن البلوغ؛ لأن هذا فيه النظافة وفيه الطهارة، ولأن البول يكون في خارج الذكر في تلك القلفة التي تحيط به، والواجب هو إزالة تلك القلفة حتى تحصل الطهارة للإنسان، فهذا الأخ الواجب عليه أن يبادر إلى الاختتان.

    حكم لبس الحزام المخيط حال الإحرام

    السؤال: هل يجوز لبس الحزام الذي فيه مخيط في الإحرام؟
    الجواب: يجوز؛ لأن لبس الحزام ولو كان مخيطاً ولبس النعل ولو كان مخيطاً لا بأس به؛ لأن المخيط المحظور لبسه ما كان على هيئة اللباس، كالفنيلة وكالسراويل وكالقميص، أما الحزام المخيط -أو النعل المخيط- فلا يؤثر.

    حكم تطهير الثوب النجس بالماء والصابون

    السؤال: هل غسل الثوب بالماء والصابون يطهره إذا كان نجساً؟

    الجواب: نعم يطهره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحائض أن تطهر بنجاسة ثوبها بماء وسدر والسدر فيه زيادة في التطهير، وإلا فإن الماء وحده يكون كافياً.

    مقدار الدم المعفو عنه

    السؤال: ما مقدار الدم المعفو عنه؟
    الجواب: لا أعلم له تحديداً، إنما قالوا: شيء يسير.

    كيفية المحافظة على الثنتي عشرة ركعة يوم الجمعة كسائر الأيام


    السؤال: إذا قيل: إنه لا سنة قبل صلاة الجمعة راتبة فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الله عليه وسلم في يوم ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) ، أي: كيف يصلي أحدنا اثنتي عشرة ركعة في يوم الجمعة؟

    الجواب: يوم الجمعة يصلي فيه ما أمكنه، كما جاء في الحديث (ما قدر له) يعني: يصلي ما كتب له، وليس للجمعة سنة معينة محددة قبلها، ولكن الإنسان إذا دخل المسجد يوم الجمعة فله أن يصلى ما قدر له أو ما كتب له، وإذا فعل ذلك حصل على الخير الكثير وحصل على زيادة إن شاء الله، أما الثنتي عشرة ركعة -كما هو معلوم- فهي أربع قبل الظهر، فإذا جاء قبل الجمعة فله أن يصلي ما شاء وما أمكنه، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا إذا دخلوا المسجد يصلون ما أمكنهم أن يصلوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة إذا أقيمت.

    الحكم على حديث: (أقامها الله وأدامها)

    السؤال: هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يقول إذا سمع (قد قامت الصلاة): أقامها الله وأدامها؟

    الجواب: لم يثبت هذا، بل هو حديث ضعيف عند ابن ماجة ، ولكن يقول: (قد قامت الصلاة) عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) والإقامة أذان، فيقول مثل ما يقول المؤذن.

    حكم التوسل والدعاء بفضل الزمان أو المكان

    السؤال: هل يجوز التوسل والدعاء بفضل الزمان أو المكان، كأن يقول: اللهم! إني أسألك بفضل يوم عرفة. في يوم عرفة، أو يقول: اللهم! إني أسألك بفضل هذا المكان إن كان في أحد الحرمين؟

    الجواب: لا يصح أن يتوسل الإنسان بفضل زمان ولا مكان، وإنما يتوسل بما ورد التوسل به، إما بأسماء الله وصفاته، أو بعمل الإنسان، كما جاء في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار وتوسلوا إلى الله عز وجل بصالح أعمالهم ونجاهم الله عز وجل، أما أن يتوسل بفضل زمان أو فضل مكان فلا، لكن يمكن أن يتوسل بربوبية الله عز وجل لبعض خلقه، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل عالم الغيب والشهادة) أما أن يتوسل بفضل زمان أو مكان فلا، وإنما يأتي بالعبادة المشروعة في ذلك الزمان أو في ذلك المكان، ويسأل الله أن يتقبل منه.

    معنى قوله عائشة: (ثلاث حيض جميعاً)

    السؤال: ما المراد من قول عائشة رضي الله عنها: (ثلاث حيض جميعاً) ؟
    الجواب: تعني: ثلاث حيضات متوالية في ثلاثة أشهر، أي: إذا كانت تحيض كل شهر فلها أن تصلي في ذلك الثوب إذا لم تصبه نجاسة.


    إعراب كلمة (لتصل)

    السؤال: ما إعراب كلمة (لتصل)؟
    الجواب: اللام لام الأمر، و(تصل) فعل مضارع معتل مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وأصل الفعل (تصلي) فجزم بحذف حرف العلة.

    عدم اشتراط استعمال شيء آخر مع الماء في إزالة دم الحيض

    السؤال: هل يشترط في إزالة دم الحيض استعمال شيء كالأشنان أو غيره، أم يكفي استعمال الماء؟

    الجواب: لا يشترط، بل يكفي استعمال الماء، وإن استعمل معه شيئاً آخر جاز، مثل السدر مع الماء، كما في حديث أم قيس ، حتى وإن بقي الأثر، لكن يشترط ذهاب العين، وإذا استُعمِل مع الماء شيء آخر فلا بأس. والله تعالى أعلم."


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #87
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [056]
    الحلقة (87)

    شرح سنن أبي داود [056]

    من الأحكام المتعلقة بأفعال المكلفين: حكم صلاة الرجل في ثياب أهله من اللحف والشُعُر، وكذلك صلاته في ثوب وقع فيه مني، وكيفية إزالة القذر الحاصل من المني، وغير ذلك من الأحكام التي ينبغي للمسلم علمها ومعرفتها.

    الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه


    شرح حديث أم حبيبة في صلاة النبي في الثوب الذي يجامع فيه

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه. حدثنا عيسى بن حماد المصري ، أخبرنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سويد بن قيس عن معاوية بن خديج ، عن معاوية بن أبي سفيان (أنه سأل أخته أم حبيبة رضي الله عنهم أجمعين زوج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى) ]. ذكر في السند معاوية بن خديج بالخاء والصواب أنه معاوية بن حديج بالحاء المهملة. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب: الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه]. أي صلاة الرجل في الثوب الذي يجامع أهله فيه هل يسوغ ذلك أو لا يسوغ؟ ومقتضى هذه الترجمة أنه إن كان هناك أذى في ذلك الثوب الذي يجامع المرء أهله فيه من نجاسة فإنه يجب غسل النجاسة، وإن كان فيه مني فإن كان يابساً فإنه يفرك، وإن كان رطباً فإنه يغسل حتى يذهب المنظر غير الحسن، وليس ذلك الغسل للنجاسة، وإنما لذهاب المنظر الذي يستساغ كالبصاق، فإن البصاق طاهر ولكن وجوده على الثوب غير حسن، فإنه يزال حتى لا يبقى له أثر. والحاصل أن الثوب الذي يجامع الرجل أهله فيه إن كان فيه نجاسة فإنه يجب إزالتها، وإن كان الذي فيه منياً فإن كان يابساً فإنه يفرك ويكفي ذلك، وإن كان رطباً فإنه يغسل حتى يزول ذلك الذي يرى، ورؤيته غير مستساغة، هذا هو الذي يدخل تحت الترجمة. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها أن أخاها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سألها:
    (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ قالت: نعم. إذا لم يكن به أذى). يعني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيه إذا لم يكن به أذى، والأذى يحتمل النجاسة ويحتمل أن يكون منياً، والمني يفرك إن كان يابساً ويغسل إن كان رطباً، وأما إذا كان عليه شيء غير ذلك مما يجب غسله فإنه لابد من الغسل. والحاصل أن كلمة الأذى هذه التي في الحديث إن كان المراد بها شيئاً غير المني مما يجب التطهر منه، فإنه يجب غسله، أما إن كان منياً فإنه إن كان يابساً فإنه يفرك، وإن كان رطباً فإنه يغسل، لا لنجاسته، ولكن لإزالة المنظر الذي لا يحسن النظر إليه، والذي هو نظير البصاق والمخاط الذي يكون على ثوب الرجل، فإن تركه على هذه الهيئة غير مستساغ، بل عليه أن يزيله وأن يغسل ذلك الذي على ثوبه من المني، فالحكم في ذلك أن الرجل إذا جامع أهله في ثوب فإن كان ذلك الثوب لا نجاسة فيه فإنه لا يجب غسله.
    تراجم رجال إسناد حديث أم حبيبة في صلاة النبي في الثوب الذي يجامع فيه

    قوله: [ حدثنا عيسى بن حماد المصري ].
    هو عيسى بن حماد المصري التجيبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ أخبرنا الليث ].
    هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يزيد بن أبي حبيب ].
    هو يزيد بن أبي حبيب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سويد بن قيس ].
    هو سويد بن قيس المصري ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ عن معاوية بن حديج ].
    معاوية بن حديج صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ عن معاوية بن أبي سفيان ].
    هو معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ أنه سأل أخته أم حبيبة ].
    هي أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    مكانة وفضل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

    هذا الإسناد فيه ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض: معاوية بن حديج، وهو صحابي صغير يروي عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، و معاوية يروي عن أخته أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها. ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه هو أحد الأئمة الاثني عشر الذين قال فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أمر الإسلام عزيزاً ما وليهم اثنا عشر خليفة) أو (لا يزال الإسلام عزيزاً ما ولي الناس اثنا عشر خليفة)، فهو أحد الخلفاء الذين يدخلون تحت هذا الحديث، وهؤلاء الخلفاء الاثنى عشر هم من قريش، وللعلماء كلام في الثناء عليه وبيان منزلته وأنه لا يجوز التعرض له بسوء، وقد قيل لعبد الله بن المبارك : ماذا تقول في معاوية بن أبي سفيان فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام في الصلاة: (سمع الله لمن حمده)، فقال معاوية وراءه: (ربنا ولك الحمد). فهذا شيء ما حصل إلا للصحابة، و(سمع) بمعنى (استجاب)، فهذا ثناء على معاوية رضي الله عنه وأرضاه لكونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو -أيضاً- ممن كتبوا الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عباس أن يدعو له معاوية ، فذهب إليه فوجده يأكل، ثم أرسله إليه مرة أخرى فجاء وأخبره بأنه يأكل، فقال عليه الصلاة والسلام: لا أشبع الله بطنه)، وهذا الدعاء هو في الحقيقة دعاء له وليس دعاء عليه؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    (اللهم! من دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل فأبدل ذلك له رحمة وزكاء). والإمام مسلم رحمه الله أورد هذا الحديث بعد الأحاديث التي هي من هذا القبيل، والتي تتعلق بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على أشخاص لا يريد الدعاء عليهم وإنما هو دعاء لهم، ومن تلك الأحاديث التي أوردها الحديث الذي فيه: (أن أم سليم أرسلت يتيمة عندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد رآها وهي صغيرة، ثم إنه رآها تلك المرة وقد كبرت، فلما رآها قال: أنت هي؟ لا كبرت سنك. فانطلقت تلك اليتيمة إلى أم سليم تبكي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا عليها وقال فيها هذه المقالة، فجاءت أم سليم مسرعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لك يا أم سليم ؟ قالت:
    إنك دعوت على يتيمتي فقلت كذا. فقال عليه الصلاة والسلام: أما علمت يا أم سليم -أنني اشترطت على ربي وقلت: اللهم! من دعوت عليه بدعوة ليس لها بأهل فأبدل ذلك له رحمة وزكاء)، ولما ذكر مسلم رحمه الله هذا الحديث عقبه مباشرة بحديث: (لا أشبع الله بطنه). فيكون من هذا القبيل، وعلى هذا فإن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على معاوية بن أبي سفيان كان دعاءً له وليس دعاء عليه، وهذا من حسن تنظيم مسلم وترتيبه لصحيحه، وأنه يضع الحديث في مكانه المناسب، ولهذا فقد وضع هذا الحديث في هذا المكان المناسب الذي هو في الحقيقة يعتبر دعاء لمعاوية وليس دعاء عليه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    الصلاة في شعر النساء


    شرح حديث: (كان رسول الله لا يصلي في شعرنا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الصلاة في شعر النساء. حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي، حدثنا الأشعث ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شُعُرنا أو في لُحُفنا) قال عبيد الله : شك أبي ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي الصلاة في شُعُر النساء، والشُعُر: جمع شعار، وهي الثياب التي تلي الجسد، والدثار هو الثوب الذي وراءه. إذاً: الشعار يكون بين الجسد وبين الدثار، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما توفيت ابنته زينب أعطى من يغسلنها شعاره وقال: (أشعرنها إياه) فأعطاهن ثوبه الذي كان يلي جسده ليجعلنه مما يلي جسدها. وفي الحديث: (أن الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم في غزوة حنين لما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ولم يعطهم شيئاً من الغنائم وجدوا في أنفسهم، فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم فيهم وأثنى عليهم، وكان مما قاله عليه الصلاة والسلام:
    لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار) قوله: (الأنصار شعار) يعني: أنهم في قربهم منه كقرب الشعار من جسد الإنسان. وقوله: (والناس دثار) يعني الثوب الذي وراء الشعار. والحاصل أن شُعُر النساء جمع شعار، ككتب وكتاب، فالمفرد شعار والجمع شُعُر، كالكتاب والكتب، فالكتاب مفرد والكتب جمع. والترجمة معقودة في عدم الصلاة في شعر النساء؛ لأن الأحاديث التي أوردها أنه لا يصلى فيها، حيث قالت عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو في لحفنا) والشك هو من معاذ والد عبيد الله في الإسناد، حيث قال:
    (شعرنا، أو لحفنا) واللحاف هو الذي يكون فوق الشعار غالباً، أي: ما يلتحف به ويكون فوق الشعار، وقد يلتحف الإنسان بالشعار الذي يلي جسده. والجمع بين أحاديث النهي عن الصلاة في شعر النساء وأحاديث الجواز هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في شعر نسائه إذا كان فيها شيء من الأذى، بأن يكون فيها شيء من دم الحيض أو شيء من النجاسة، فعدم الصلاة فيها لما قد يكون فيها من أذى، أما إذا تحقق من أنها نظيفة وأنه ليس فيها شيء من النجاسات فإنه يصلى فيها؛ لأنه سيأتي في بعض الأحاديث في الترجمة التي بعدها ما يدل على جواز ذلك، وعلى هذا فيجمع بين الأحاديث التي فيها الصلاة في اللحف والشعر بأنه لم يكن فيها شيء من النجاسة، والنهي والامتناع من الصلاة فيها إذا كان فيها شيء من النجاسة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله لا يصلي في شعرنا)
    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ].
    هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا أبي ]. أبوه هو معاذ بن معاذ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا الأشعث ].
    هو الأشعث بن عبد الله . وقيل: هو الأشعث بن عبد الملك الحمراني ، لكني رأيت في تهذيب التهذيب في ترجمة أشعث بن عبد الله الحداني أنه روى عنه معاذ بن معاذ وروى هو عن محمد بن سيرين ، فإذا كان الحمراني أيضاً روى عنه معاذ بن معاذ فإنه يحتمل الاثنين. فيحتمل أن يكون المراد أشعث بن عبد الله الحداني الذي روى عنه معاذ بن معاذ ، وروى هو عن محمد بن سيرين ، ويحتمل أن يكون أشعث بن عبد الملك الحمراني، والحمراني ثقة، وأشعث بن عبد الله الحداني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن شقيق ].
    هو عبد الله بن شقيق العقيلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن عائشة ].
    هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، وهي من حفظة السنة وأوعيتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (أن النبي كان لا يصلي في ملاحفنا)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد ، عن هشام ، عن ابن سيرين عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا) والملاحف هي اللحف التي يلتحف بها في النوم على الفراش، فكان لا يصلي إذا كان فيها شيء، أما إذا لم يكن فيها شيء فإنه يصلي فيها كما سيأتي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان لا يصلي في ملاحفنا)
    قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].
    هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
    [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حماد ].
    هو حماد بن زيد ؛ لأن حماد بن زيد هو الذي روى عن سعيد بن أبي صدقة ، وحماد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن هشام ]
    هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن سيرين ] ابن سيرين مر ذكره.
    [ عن عائشة ].
    قد مر ذكرها. إذاً: فهشام بن حسان روى عن محمد بن سيرين ، وحماد بن زيد و حماد بن سلمة كلاهما يرويان عن هشام بن حسان، ويروي عنهما سليمان بن حرب ، ولكن سعيد بن أبي صدقة الذي سيأتي في كلام أبي داود بعد ذلك لم يرو عنه إلا حماد بن زيد . إذاً: هذا الرجل المبهم هو حماد بن زيد، و حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    رواية سعيد بن أبي صدقة لحديث: (أن النبي كان لا يصلي في ملاحفنا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال حماد : وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمداً عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا، فسلوا عنه. ]. ثم قال حماد : وسمعت سعيد بن أبي صدقة يقول: سألت محمداً عنه يعني محمد بن سيرين ؛ لأن حماد بن زيد رواه في الطريق الأولى عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ، وأن محمد بن سيرين رواه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقول سعيد بن أبي صدقة : سألت محمداً عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا، فسلوا عنه. أي: سلوا عن هذا الحديث غيري. ومعناه أنه من طريق سعيد بن أبي صدقة لا يذكر شيئاً، ولكنه من طريق هشام بن حسان -وهو من أخص أصحاب محمد بن سيرين- رواه عنه مسنداً. وقوله:
    [ وسمعت سعيد بن أبي صدقة ].
    هو سعيد بن أبي صدقة، ثقة، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة في التفسير.
    الرخصة في الصلاة في شعر النساء


    شرح حديث: (أن النبي صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرخصة في ذلك. حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق الشيباني ، سمعه من عبد الله بن شداد يحدثه عن ميمونة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط، وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض، وهو يصلي وهو عليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله [باب: في الرخصة في ذلك]. يعني: في جواز الصلاة في شُعُر النساء؛ لأن ذلك يرجع إلى الترجمة السابقة، وهي الصلاة في شعر النساء، وأورد حديثين في الترجمة السابقة في أنه كان لا يصلي فيها، ثم أورد أحاديث في هذه الترجمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الشيء الذي يمس جسد المرأة وهي حائض، فأورد فيه حديث ميمونة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط) والمرط هو ثوب يكون للرجل ويكون للمرأة.
    وقولها: (وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض، وهو يصلي وهو عليه ) معناه أنه إذا سجد يكون على جسدها وهي حائض شيء من ذلك الثوب الذي يصلي فيه، فهذا يدل على أن الشيء إذا علم أنه لا نجاسة فيه فإنه يصلى فيه حتى ولو وقع ذلك الثوب على جسد المرأة الحائض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يقع جزء من المرط الذي يصلي فيه على جسد امرأته وهي حائض، فدل على أن ملامسة الثياب لجسد المرأة وهي حائض لا يؤثر؛ لأنها طاهرة، والحيضة في فرجها وليست في يدها وليست في جسدها، فغير مكان النجاسة طاهر، إلا إذا وقع عليه نجاسة، وإلا فالأصل طهارته، ولهذا سبق أن مر في أحاديث المضاجعة والمخالطة والمباشرة للحائض أن ذلك لا يضر، فكونه يتصل جسده بجسدها لا مانع منه،
    وإنما الممنوع هو الجماع للحائض في فرجها، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح). فكونه صلى الله عليه وسلم يصلي في ذلك الثوب ومنه جزء على جسد المرأة وهي بجواره فهذا يدل على أن الممنوع ما إذا كان هناك نجاسة في الثوب الذي يكون على جسد المرأة، سواء أكان شعاراً أم لحافاً، وأنه إذا لم يكن فيه نجاسة فإنه يكون طاهراً ويصلى فيه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض ...)
    قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ].
    محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .
    [ حدثنا سفيان ].
    هو سفيان بن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي إسحاق الشيباني ].
    أبو إسحاق الشيباني هو سليمان بن أبي سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعه من عبد الله بن شداد ].
    هو عبد الله بن شداد الليثي، وهو ثقة، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من كبار ثقات التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ميمونة ].
    هي ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع بن الجراح ، حدثنا طلحة بن يحيى ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط لي وعليه بعضه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة ، وهو مثل حديث ميمونة المتقدم، ومعنى ذلك أنه كان على الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من المرط الذي على جسد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله يصلي بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض ...)
    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ حدثنا وكيع بن الجراح ].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا طلحة بن يحيى ].
    هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ].
    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، و عروة بن الزبير بن العوام ، و خارجة بن زيد بن ثابت ، و سليمان بن يسار ، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، و سعيد بن المسيب هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع اختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقيل: إن السابع هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. وقيل: إن السابع هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وقيل: السابع هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .
    [ عن عائشة ].
    عائشة مر ذكرها.

    حكم المني يصيب الثوب


    شرح حديث عائشة: (... لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: المني يصيب الثوب. حدثنا حفص بن عمر عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن همام بن الحارث (أنه كان عند عائشة رضي الله عنها فاحتلم، فأبصرته جارية لعائشة وهو يغسل أثر الجنابة من ثوبه -أو يغسل ثوبه-، فأخبرت عائشة رضي الله عنها فقالت: لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال أبو داود : ورواه الأعمش كما رواه الحكم ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب: المني يصيب الثوب]، يعني: ما حكم ذلك؟ هل يحتاج إلى تطهير أو لا يحتاج إلى تطهير؟ والواقع أن المني طاهر وليس بنجس، والدليل على طهارته أن عائشة رضي الله عنها كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلي فيه، ولو كان غير طاهر لما كفى الفرك؛ لأن الفرك يمكن أن يزيل ما له جسم وجرم، ولو كان غير طاهر مثل دم الحيض يكون على ثوب الحائض فإنها تفركه وتحكه ثم بعد ذلك لابد من غسله؛ لأن الحك والفرك من أجل التخفيف بالنسبة لدم الحائض الذي يكون على الثوب، وأما المني فإنه يفرك فقط ولا يغسل، ففركه وعدم غسله دليل على طهارته؛ لأن النجاسة لا يطهرها الفرك، وإنما الفرك يخفف إذا كان هناك جرم أو شيء شاخص بارز، فإنه يتساقط بالفرك وبالحك، ولكن لابد من الغسل، فلما كانت تكتفي بالفرك دل ذلك على طهارته وأن الغسل ليس بواجب.
    وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها أن همام بن الحارث النخعي الكوفي كان عند عائشة، وأنه احتلم، ورأته جارية لعائشة يغسل ثوبه أو يغسل منياً من ثوبه، فأخبرت عائشة بذلك، فحدثت عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث، وهو أنها كانت تفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أن غسله ليس بلازم، ولكنه يغسل إذا كان رطباً حتى يزول الأثر الذي لا يستحسن النظر إليه، أما إن كان يابساً فإنه يفرك ويكفي ذلك، وإذا كان له أثر أو تبين أنه شيء يستقذر فإنه يغسل، لا لنجاسته، ولكن لذهاب الشيء الذي يستقذر، مثل البصاق الذي يكون على الثوب، فالمنظر إليه غير مستساغ، ولكنه ليس بنجس، فهو يزال من أجل إذهاب الشيء الذي يستقذر حال إليه.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله)
    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ].
    هو حفص بن عمر بن الحارث بن سخبرة النمري الحوضي ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي .
    [ عن شعبة ].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الحكم ].
    هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن إبراهيم ].
    هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن همام بن الحارث ].
    هو همام بن الحارث النخعي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أنه كان عند عائشة ].
    عائشة مر ذكرها. قوله:
    [ قال أبو داود : رواه الأعمش كما رواه الحكم ].
    يعني: رواه عن إبراهيم الأعمش كما رواه عن إبراهيم الحكم .
    شرح حديث: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه). قال أبو داود: وافقه مغيرة و أبو معشر وواصل . ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه) أي: كانت تكتفي بالفرك ولا تغسل، وهو دليل على طهارة المني كما عرفنا.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله)
    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حماد ].
    هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن حماد بن أبي سليمان ].
    حماد بن أبي سليمان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن إبراهيم ].
    إبراهيم مر ذكره.
    [ عن الأسود ].
    الأسود هو ابن يزيد بن قيس النخعي، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ].
    عائشة مر ذكرها.
    قوله: [ قال أبو داود : وافقه مغيرة ].
    هو المغيرة بن مقسم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ و أبو معشر ].
    وأبو معشر هو زياد بن كليب الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ و واصل ].
    هو واصل بن حيان الأحدب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث عائشة في غسل المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم مع بقاء أثره

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا زهير. ح: وحدثنا محمد بن عبيد بن حساب البصري، حدثنا سليم -يعني ابن أخضر المعنى، والإخبار في حديث سليم - قالا: حدثنا عمرو بن ميمون بن مهران قال: سمعت سليمان بن يسار يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (إنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ثم أرى فيه بقعة أو بقعاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: (وأنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وترى فيه بقعة أو بقعاً)، وهذا الغسل ليس للنجاسة، وإنما لإزالة الأثر الذي لا يناسب أن يرى في الثوب، وهو من آثار الجماع، وغسله -كما عرفنا- لا لأن المني نجس، ولكن لإزالة ذلك الأثر الطاهر كالبصاق والمخاط، لكون النظر إليه لا يستساغ، فغسله وإزالته أمر مطلوب، وقد جاء أنه يفرك يابساً ويغسل رطباً، فإذا كان رطباً فإنه يغسل حتى يذهب أثره، وإذا كان يابساً فإنه يفرك حتى يذهب أثره. وقولها: (فأرى فيه بقعة أو بقعاً) أي: من أثر الغسل.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في غسل المني من ثوب النبي مع بقاء أثره
    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير ]
    هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ وحدثنا محمد بن عبيد بن حساب البصري ].
    محمد بن عبيد بن حساب البصري ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا سليم -يعني ابن أخضر- ].
    سليم بن أخضر ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    قوله: [ المعنى ].
    يعني أن الحديثين معناهما واحد. وهذه طريقة الإمام أبي داود رحمه الله عندما يذكر الحديث من طريقين أحياناً فيقول: المعنى. وفي بعض الأحيان يقول: المعنى واحد. وهنا زاد على كلمة المعنى قوله:
    [والإخبار في حديث سليم]
    يعني أن حديث سليم هو الذي فيه التصريح بالإخبار أو السماع، وليس فيه عنعنة، فهنا السياق على ما يظهر على رواية سليم فيه تحديث وسماع وليس فيه عنعنة، وليس فيه ألفاظ أخرى غير ما يفيد الاتصال وما يفيد السماع وما يفيد الإخبار. فقوله: [والإخبار في حديث سليم] يعني: هذه الروايات كلها فيها الإخبار، والمقصود بالإخبار ما كان سماعاً أو تحديثاً، فكل واحد يقول: سمعت، أو: حدثني، أو أخبرني.
    [ قالا: حدثنا عمرو بن ميمون بن مهران ].
    عمرو بن ميمون بن مهران ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ قال: سمعت سليمان بن يسار ].
    سليمان بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
    [ يقول: سمعت عائشة ].
    عائشة مر ذكرها. والله تعالى أعلم.
    الأسئلة


    حكم الإتيان بأذكار الصلاة بعد صلاة الجنازة أو بعد السنة
    السؤال: هل يمكن أداء الأذكار التي تكون عقب الصلاة بعد صلاة الجنازة أو بعد ركعتي السنة، أم يشترط أن تكون عقب الصلاة مباشرة؟

    الجواب: تكون عقب الصلاة مباشرة، وقبل أن يأتي الإنسان بالسنة، وأما الجنازة فإنها إذا أمكن أن يأتي بها قبلها فذاك، وإلا فإنه يصلي الجنازة ثم يكمل الأذكار؛ لأن الجنازة تفوت ويذهب وقت الصلاة عليها، ولأنه يصلى عليها ثم يذهب بها، وأما صلاة السنة فهي بيد الإنسان، فعندما يفرغ من الذكر يأتي بالسنة.
    حكم المرأة تقضي الصيام ثم تفطر بسبب المرض
    السؤال: امرأة أفطرت من رمضان بسبب الحيض، وعند القضاء كانت صائمة يوماً فأفطرت في النهار بسبب ألم ضرسها وتناولت، الدواء فماذا عليها؟

    الجواب: إذا كانت أفطرت في ذلك اليوم الذي صامته فإن عليها أن تقضي ذلك اليوم.
    سبب تسمية حمزة بسيد الشهداء ووجه ذلك
    السؤال: لماذا سمي حمزة رضي الله عنه بسيد الشهداء؟

    الجواب: معلوم أن حمزة أحد الشهداء، ولا شك في أنه سيد، والتسمية هذه لا أدري من أين جاءت، لكنه لا شك في أنه سيد، وأما كونه سيد الشهداء أو أنه أفضلهم أو كذا فلا أعلم له وجهاً، بل هناك من هو أفضل منه وهم شهداء كعمر و عثمان و علي، وكلهم شهداء. وأما حديث (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) فهو إن ثبت فالأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يعني ذلك تفضيله على الأربعة الخلفاء.

    حكم العمرة عن الوالد المتوفى وغيره
    السؤال: هل تجوز تأدية العمرة عن والدي المتوفى؟

    الجواب: يمكن للإنسان أن يعتمر عن والده أو غير والده إذا كان المعتمر قد اعتمر عن نفسه.
    حكم الاتكاء على الدواليب التي فيها المصاحف في المسجد
    السؤال: ما حكم الاتكاء على الدواليب الموجودة في المسجد التي وضعت فيها المصاحف؟

    الجواب: إذا اتكأ المرء على ظهور الدواليب فلا بأس بذلك، أما إذا اتكأ عليها من أمامها وكانت المصاحف وراءه مباشرة فالأولى أن لا يفعل ذلك.
    حكم دفع الزكاة للإخوة الذكور والإناث
    السؤال: ما حكم إعطاء زكاة المال لإخواني الذكور والإناث ممن هم أكبر مني أو أصغر الذين لا أعولهم بل هم يعولون أنفسهم؟

    الجواب: إذا كان عندهم ما يكفيهم وهم أغنياء فلا يجوز أن يعطوا من الزكاة، وإن كانوا فقراء وهم بحاجة إلى الزكاة فيعطوا من الزكاة، لكن ينبغي أن يعلم أن القريب له حق غير الزكاة، فلا يجعل الإنسان الزكاة وقاية لماله، بمعنى أنه يتخلص من الحقوق التي عليه للأقارب بإعطائهم الزكاة ويقول: إن الزكاة ستخرج، وإذا لم أعطهم من الزكاة فسأعطيهم من مالي، وبدلاً من أن أعطيهم من مالي أعطيهم من الزكاة. أقول: ليس للإنسان أن يفعل ذلك، أما إذا كان المال قليلاً والزكاة قليلة فإعطاؤها للقريب إذا كان فقيراً محتاجاً أولى من إعطائها للبعيد.
    حكم من أدرك الإمام بعد التكبيرة الثانية في صلاة الجنازة
    السؤال: رجل أدرك التكبيرة الثانية مع الإمام في صلاة الجنازة، فهل يقرأ الفاتحة أم الصلاة الإبراهيمية؟ وكيف يكون الإتمام؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وهذا يشمل الجنازة، لكن إذا دخل بعد التكبيرة الثانية التي هي محل الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وأمكنه أن يقرأ الفاتحة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا هو الذي ينبغي؛ لأن قراءة الفاتحة وقراءة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء المقصود منهما أنهما من أسباب قبول الدعاء؛ لكونه يسبق بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا تمكن من أن يأتي بالحمد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم فليفعل، وإذا لم يمكن إلا الدعاء فإنه يصار إلى الدعاء؛ لأن الدعاء هو الأصل، وصلاة الجنازة ما شرعت إلا من أجل الدعاء. أما إذا كان سيقرأ الحمد والصلاة على الرسول ويفوته الدعاء فليقرأ الدعاء ولو فات الحمد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المقصود من الصلاة هو الدعاء للميت.
    المقصود بالثوب الذي يجامع فيه المرء زوجته
    السؤال: ما المقصود بالثوب الوارد ذكره في الحديث الذي كان يجامع فيه النبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: يمكن أن يكون المراد به الثوب الذي يكون على جسده، ويمكن أن يراد به الثوب الذي يلتحفان به، كل ذلك يقال له: ثوب؛ لأن الثوب ليس المقصود به القميص، بل القطعة من القماش يقال لها: ثوب.
    حكم إطلاق لفظ (لوطي) على من يفعل فعل قوم لوط
    السؤال: أنكر علينا بعض الإخوان إطلاقنا على من يفعل فعل قوم لوط بأنه لوطي، وقالوا: إن ذلك إساءة إلى نبي الله لوط عليه الصلاة والسلام. فهل هذا الإنكار في مكانه؟

    الجواب: لا أدري، لكن من المعروف أن ذلك الفعل يقال له: اللواط، والشخص يقال له: لوطي، نسبة إلى اللواط، وليس نسبة إلى لوط، وليس هو مضافاً إلى لوط، وإنما مضاف إلى قوم لوط وإلى فعل قوم لوط، لا أدري هل ينكر أو لا ينكر.
    حكم إلقاء نصيحة وكلمة في مناسبة العرس
    السؤال: هل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مناسبة العرس إلقاء كلمة نصح عامة لأصحابه؟

    الجواب: ما أعلم في ذلك شيئاً، لكن كون المرء يتكلم بنصيحة في مناسبة اجتماع الناس، وكونه يذكرهم بالخير لا بأس به، وما هناك مانع يمنع منه، لكن لا يقال: إن هذا سنة. ولكنه من الأمور السائغة التي فيها تذكير للناس عند الحاجة إلى ذلك.
    حكم تحريك السبابة في التشهد في الصلاة
    السؤال: هل ثبت تحريك السبابة في التشهد في الصلاة؟

    الجواب: تحريك السبابة ثابت في التشهد عند قول: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وعند ذكر الله عز وجل، مثل: (اللهم! صل على محمد)، (اللهم! بارك على محمد)، (اللهم! إني أعوذ بك من عذاب جهنم)، فيحركها ويدعو بها عند التشهد وعند الدعاء.
    حكم الدخول في البرلمانات
    السؤال: ما حكم الدخول في البرلمان، بل زعم بعضهم أنه يجب على المسلمين الدخول في برلمان إحدى الدول الكافرة؟

    الجواب: الدخول في هذه البرلمانات إذا كان يترتب عليه مضرة لا يجوز أبداً، ولا يجوز للمسلم أن يقدم على شيء فيه مضرة عليه في دينه أو مضرة على المسلمين، أما إذا كان الدخول فيها لا يلحق الإنسان فيه مضرة، وإنما يحصل فيه جلب خير للمسلمين أو دفع ضرر عن المسلمين فالعبرة بالمصالح والفوائد التي تترتب على ذلك، بشرط أن لا يلحق الإنسان ضرر في ذلك العمل.
    حكم تكرار العمرة من مكة
    السؤال: أنا زائر من غير أهل المملكة، وأريد أن أعتمر عدة مرات وأنا في مكة، فهل يجوز ذلك لي؟

    الجواب: ما أعلم شيئاً يدل على ذلك، فكونه يتردد بين التنعيم وبين الكعبة ما نعلم شيئاً يدل على هذا الفعل الذي هو التردد، لكن لو أنه جاء من المدينة أو خرج خارج المواقيت ورجع إلى مكة مرة أخرى فله أن يعتمر.
    حد النفاس الأدنى والأعلى وحكمه
    السؤال: هل هناك حد أدنى وحد أعلى للنفاس؟

    الجواب: النفاس له حد أعلى وهو أربعون يوماً، وليس له حد أدنى، فإذا طهرت المرأة في أي وقت وانقطع عنها الدم فإنها تعتبر طاهرة، وعليها أن تصلي وتصوم وتفعل الأفعال التي تفعلها الطاهرات، وأعلاه أربعون، بحيث إذا بلغ النفاس أربعين يوماً أو امتد إلى الأربعين فهو نفاس، وإذا تجاوزها فإنه دم فساد.
    حكم صلاة المذاء في ثوب النوم
    السؤال: هل للمذاء أن يصلي في ثوب النوم؟

    الجواب: إذا كان ثوب النوم فيه مذي فليس له أن يصلي فيه؛ لأن المذي نجس، ولا يصلى في ثوب نجس، فإذا كان ثوبه وقع عليه مذي وهو يعلم أنه لا يسلم من المذي لكونه مذاء كثير المذي فإنه لا يجوز له أن يصلي فيه.
    حكم الوضوء للمستحاضة قبل دخول وقت الصلاة بشيء يسير
    السؤال: هل للمستحاضة أن تتوضأ قبل دخول الوقت بشيء يسير، خاصة إذا كان يشق عليها أحياناً الوضوء بعد دخول الوقت؟

    الجواب: ليس لها أن تتوضأ إلا إذا دخل الوقت، وكيف يشق عليها بعد دخول الوقت ولا يشق عليها قبله؟
    حكم السباحة للمرأة في بيتها

    السؤال: ما حكم ممارسة المرأة للسباحة إذا كان المسبح في بيتها مستوراً؟

    الجواب: لا بأس إذا كانت المرأة في مسبح لا يراها فيه أحد، ولا ما نع من ذلك.
    حكم أخذ المني من الزوج بالحقن ووضعه في رحم زوجته
    السؤال: في بعض المستشفيات الآن يستخدمون الحقن في التوليد، وذلك بأن يؤخذ المني من الرجل عن طريق الحقنة ونحقن به زوجته، وذلك لأن بعض النساء لا يلدن، أو عندهن صعوبة في الولادة، فهل هذا العمل جائز؟

    الجواب: إذا كان محققاً أن هذا من الرجل وهذا من المرأة، وأنه ليس شيئاً من رجل آخر أو من امرأة أخرى فجائز، لكن الشبهة قائمة؛ لأنه يمكن أن يؤتى بالمني من رجل آخر ويجمع مثلاً في هذه الأنبوبة، وفي النفس منه شيء، فالأولى الابتعاد عنه وتركه والاعتماد على الله عز وجل وسؤاله أن يحقق للإنسان ما يريد بغير هذه الطريقة؛ لأن المسألة فيها ريبة، ومن يضمن أن هذا الماء من الرجل الذي هو الزوج وأنه لم يكن من رجل آخر، لاسيما مع قلة الأمانات عند كثير من الناس؟! والله تعالى أعلم."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #88
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [057]
    الحلقة (88)

    شرح سنن أبي داود [057]

    جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرش من بول الصبي الذي لم يأكل الطعام، ويغسل من بول الجارية، وإذا وقع البول على الأرض فإنه يطهر بالمكاثرة وصب الماء عليه حتى تذهب النجاسة.

    حكم بول الصبي إذا أصاب الثوب


    شرح حديث: (... فأجلسه رسول الله في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: بول الصبي يصيب الثوب. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب في بول الصبي يصيب الثوب ] يعني: ماذا يصنع فيه؟ وكيف يتم تطهيره من هذا البول الذي وقع عليه؟ وحكم بول الصبي حين يقع على الإنسان أنه يطهر بالرش وبالنضح، ولا يحتاج إلى أن يغسل كما تغسل النجاسات؛ فإنه جاء التخفيف في إزالة هذه النجاسة، وقد جاء في عدة أحاديث، منها حديث أم قيس بنت محصن الأسدية رضي الله تعالى عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) أي أنه رشه رشاً ولم يغسله غسلاً، وهذا فيه تخفيف على الناس في التطهر من بول الغلام، وأنه يكون بهذا الوصف الذي هو الرش والنضح، ولا يلزم فيه أن يغسل وأن يدلك ويعصر كما يفعل بالنجاسات الأخرى، وكما يكون في بول الجارية الصغيرة، فإنها تختلف عن الصبي في ذلك الحكم، كما سيأتي في الأحاديث: (أنه يرش من بول الغلام ويغسل بول الجارية).
    وهذه المسألة من المسائل التي يفترق الذكور والإناث فيها، والأصل هو التساوي في الأحكام بين الذكور والإناث إلا فيما جاءت به الشريعة من التفريق بين الذكور والإناث، فإنه عند ذلك يصار إلى التفريق الذي جاء في بعض المسائل، ومن ذلك هذه المسألة، وهي تطهير بول الصبي والصبية، فإن الصبي يرش بوله والصبية يغسل بولها. ولقد ذكرت جملة من الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى من المسائل التي يفترق فيها الذكور والإناث، ولم أعز هذه المسألة إلى كتاب، وهي المسألة الوحيدة التي لم تعز، وذلك لأنها مسائل مجمعة فيما يتعلق في الفرق بين الذكور والإناث، وليست مأخوذة من كتاب معين، ولكنني جمعتها في أوقات مختلفة وفي مناسبات مختلفة، فجمعت بعضها إلى بعض وأودعتها في ذلك الكتاب غير معزوة إلى كتاب، بخلاف المسائل الأخرى، وهي مسائل عديدة يختلف فيها الرجال عن النساء، أو يختلف فيها الذكور عن الإناث.
    رش بول الصبي ونضحه مالم يأكل طعاماً
    قوله: [ عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) ]. هذا التقييد بقوله: (لم يأكل الطعام) يفيد أنه صغير، وأنه إذا أكل الطعام يختلف الحكم، ولهذا سيأتي في بعض الأحاديث: (ما لم يطعم) أي: ما لم يأكل الطعام. إذاً: مادام أنه يتغذى باللبن ولم يتغذ بالطعام فإنه يرش من بوله، وأما إذا أكل الطعام فإنه يغسل، وأما الجارية فإنه يغسل بولها أكلت الطعام أو لم تأكل، كذلك الصبي إذا أكل الطعام فإنه يتساوى حكمه مع الأنثى فيغسل بوله غسلاً ولا ينضح نضحاً. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يأتون بأولادهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكهم، وذلك بأن يمضغ تمرة ثم يخرجها إذا تفتت وذابت فيجعلها في حنك الصبي ويدلكه بها، فيصل إلى جوفه تلك الحلاوة، وتكون هذه الثمرة مما مسه جسد الرسول صلى الله عليه وسلم ومما اختلط بلعابه صلى الله عليه وسلم، وكانوا يتبركون بلعابه وبتحنيكه للصبيان،
    ويتبركون بشعره، ويتبركون بفضل وضوئه، ويتبركون ببصاقه ومخاطه صلى الله عليه وسلم، لكن هذا خاص به عليه الصلاة والسلام، فلا يذهب إلى أحد ليحنك من أجل التبرك به، وإنما الرجل يحنك ولده والمرأة تحنك ولدها، ولكن لا يذهب إلى أحد من أجل تحصيل بركة ريقه؛ لأن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم لم يكونوا بعد ذلك يذهبون إلى أبي بكر أو عمر أو عثمان و علي ، وهم خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل صنيع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على أن هذا يخصه، ولا يكون لغيره من الناس، كما كانوا يتبركون بشعره إذا حلق، وكذلك ببصاقه وبمخاطه وبعرقه وبفضل وضوئه صلى الله عليه وسلم، فهذا من خصائصه. وأما قول الإمام النووي عليه رحمة الله: فيه استحباب التبرك بأهل الفضل فغير صحيح؛ لأن التبرك بشخص النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ثبت، وأما غيره فلا. ولهذا ذكر الشاطبي في كتابه (الاعتصام) بأن كون الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا ذلك مع أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذا العمل إنما هو خاص به صلى الله عليه وسلم، ولا يتعداه إلى غيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما مس جسده فهو مبارك، وقد جاء ما يدل عليه، ولم يأت شيء يدل على أن يعامل غيره بهذه المعاملة.
    فوائد الحديث

    في هذا الحديث كمال خلقه صلى الله عليه وسلم ولطفه بالصبيان وحمله لهم وإجلاسهم في حجره صلى الله عليه وسلم. وفيه -أيضاً- ما ترجم له المصنف من أنه يرش من بول الغلام، وأنه لا يحتاج إلى أن يغسل، ولكن هذا في حالة كونه لم يطعم الطعام ولم يتغذ بالطعام، فإذا تغذى بالطعام فإنه يغسل بوله كما يغسل بول غيره، وإنما خص الذكور دون الإناث لكثرة افتتان الرجال بهم، وكونهم يكونون معهم ويصطحبونهم ويحصل منهم ذلك البول على ثيابهم، فخفف التطهير لتلك النجاسة، وليس الرش لبول الغلام لأنه ليس بنجس، بل هو نجس، ولكنه خفف في إزالة تلك النجاسة لكثرة اصطحاب أو احتكاك أو اختلاط أو حمل الرجال للأطفال من الذكور، حيث يحصل منهم وقوع مثل هذه النجاسة، فجاءت الشريعة مخففة لتطهيرها بأن ترش رشاً ولا يحتاج فيها إلى أن تغسل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فأجلسه رسول الله في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله)
    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ].
    عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [ عن مالك ].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب ].
    ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه بأن يدون السنة وأن يدون الحديث، وهذا التدوين باعتبار التكليف من ولي الأمر، وإلا فإن التدوين بالجهود الفردية والشخصية وعمل الأفراد كان موجوداً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان بعض الصحابة يكتب الحديث، كما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه كان يكتب، وغيره كذلك كان يكتب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اكتبوا لأبي شاه) يعني الحديث الذي حدث به وسمعه وأراد أن يكتب له، فقد كانوا يكتبون. ولكن الزهري دون الحديث بتكليف من ولي الأمر عمر بن عبد العزيز رحمة الله، ولهذا يقول السيوطي في الألفية: أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمراً له عمر . يعني: بأمر عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.
    [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ].
    عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، و عروة بن الزبير بن العوام ، و خارجة بن زيد بن ثابت ، و سليمان بن يسار ، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، و سعيد بن المسيب ، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب . وقيل: السابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . وقيل: السابع أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . وهؤلاء الفقهاء السبعة أطلق عليهم هذا اللقب، ولهذا في بعض المسائل التي يتفقون عليها يأتي ذكرهم بهذا اللقب، فيقال: هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة. فبدل أن يقال: فلان وفلان وفلان يؤتى بهذه الكلمة لتغني عن عندهم؛ لأنها لقب لهم، ولهذا في بعض المسائل التي يحصل اتفاق عليها -مسألة زكاة عروض التجارة- يقولون: وهذه المسألة قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة. فالأئمة الأربعة هم: أبو حنيفة ، و مالك ، و الشافعي ، و أحمد ، والفقهاء السبعة هم هؤلاء الذين ذكرتهم، فعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا هو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
    [ عن أم قيس بنت محصن الأسدية ].
    هي أخت عكاشة بن محصن الأسدي الصحابي المشهور الذي هو من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قام عكاشة بن محصن فقال: (يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: أنت منهم. فقام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: سبقك بها عكاشة) فعكاشة هذا هو أخو أم قيس ، ولهذا فإن الشخص إذا كان مشهوراً ينسب إليه بعض أقاربه أو بعض من له به صلة حتى يعرف؛ لأنه قرن بمعروف وبمشهور. و أم قيس بنت محصن الأسدية صحابية أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (كان الحسين بن علي في حجر رسول الله فبال عليه ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد و الربيع بن نافع أبو توبة المعنى، قالا: حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن قابوس ، عن لبابة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: (كان الحسين بن علي رضي الله عنهما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبال عليه، فقلت: البس ثوباً وأعطني إزارك حتى أغسله. قال: إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر) ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث لبابة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره -وكان صغيراً- فبال في حجره على إزاره، فقالت: البس ثوباً وأعطني إزارك لأغسله. فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر) يعني: الجارية يغسل بولها دائماً وأبداً، وأما الصبي الذكر فإنه ما لم يطعم الطعام فإنه ينضح بوله نضحاً ويرش رشاً ولا يغسل، وهذا فيه تخفيف للتطهير ولإزالة النجاسة من بول الغلام، وهذا فيه التنصيص على التفريق بين الذكر والأنثى؛ لأن الذكر ما لم يطعم الطعام يرش من بوله، وأما الأنثى فإنها دائماً وأبداً أكلت الطعام أو لم تأكل يغسل بولها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان الحسين بن علي في حجر رسول الله فبال عليه ...)
    قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد ].
    هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ و الربيع بن نافع أبو توبة ].
    هو الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    قوله: [ المعنى ]. يعني: أن الألفاظ مختلفة في رواية مسدد و أبي توبة والمعنى واحد.
    [ حدثنا أبو الأحوص ].
    أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سماك ].
    هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن قابوس ].
    هو قابوس بن مخارق ، لا بأس به، أي: صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ عن لبابة بنت الحارث ].
    هي لبابة بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، وهي أم الفضل بن العباس وأم عبد الله بن عباس وزوجة العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهي التي حجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ولما كان الناس بعرفة وتماروا واختلفوا فقال بعضهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم صائم في ذلك اليوم، ومنهم من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مفطر، قالت لبابة : أنا أبين لكم هل هو صائم أو مفطر، فأخذت قدحاً من لبن، وقالت: ناولوه إياه.
    وكان على ناقته صلى الله عليه وسلم، فأخذه وشرب والناس يرون، فعرف الناس أنه مفطر وليس بصائم صلى الله عليه وسلم، وهذا من ذكائها وفطنتها، حيث أرادت أن يعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم صائم أو مفطر دون أن يُسأل هل هو صائم أو مفطر. ولهذا فإن يوم عرفة لا يصومه الحجاج اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما غير الحجاج فإن صيامهم له هو خير التطوع وأفضل صيام التطوع؛ لأنه يكفر السنة الماضية والسنة الآتية، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. و لبابة بنت الحارث الهلالية أم الفضل رضي الله عنها وأرضاها حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (... يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)
    قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا مجاهد بن موسى و عباس بن عبد العظيم العنبري المعنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثني يحيى بن الوليد ، حدثني محل بن خليفة ، حدثني أبو السمح رضي الله عنه قال: (كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك. فأوليه قفاي فأستره به، فأتي بحسن أو حسين رضي الله عنهما فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام) قال عباس : حدثنا يحيى بن الوليد . قال أبو داود : وهو أبو الزعراء .
    قال هارون بن تميم : عن الحسن قال: الأبوال كلها سواء ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، (أنه كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: (ولني قفاك) يعني: اصرف عني وجهك وولني قفاك. وذلك ليستره حتى لا يُنظر إليه، وبهذا العمل يكون أبو السمح لا يراه؛ لأنه قد ولاه خلفه وقفاه، وأيضاً يستر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: (فجاء حسن أو حسين فبال على صدره ، فجئت أغسله) -يعني: يغسل بول الحسن أو الحسين ، فقال عليه الصلاة والسلام: (يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام). يعني أن بول الغلام لا يحتاج إلى غسل كما يحتاج بول الجارية إلى غسل، ولكنه يكفي فيه الرش والنضح.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)
    قوله:[ حدثنا مجاهد بن موسى ].
    هو مجاهد بن موسى الخوارزمي ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [ و عباس بن عبد العظيم العنبري ].
    هو عباس بن عبد العظيم العنبري البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    قوله:[ المعنى ]. يعني: أن هذين الشيخين ألفاظهما مختلفة ومعنى روايتهما واحد.
    [ قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].
    هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثني يحيى بن الوليد ].
    يحيى بن الوليد أبو الزعراء ، لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ حدثني محل بن خليفة ].
    محل بن خليفة ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ حدثني أبو السمح ].
    هو أبو السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة وليس له إلا هذا الحديث الواحد. قوله:
    [ قال عباس : حدثنا يحيى بن الوليد ].
    يعني أن عباساً شيخ أبي داود الثاني في الإسناد المتقدم لفظه (حدثنا يحيى بن الوليد ) أي أن تعبير عباس يختلف عن تعبير مجاهد بن موسى ؛ لأن مجاهد بن موسى قال: (حدثني) بالإفراد، وأما عباس بن عبد العظيم العنبري فقال:
    (حدثنا)، فالفرق بين هذا وذاك أن ذاك قال: (حدثني)، وهذا قال:
    (حدثنا)، فهذا هو وجه التفريق بين صيغة التحمل من عباس بن عبد العظيم العنبري ومن مجاهد بن موسى ، فمجاهد قال: (حدثني)، يعني أنه سمع من عبد الرحمن بن مهدي وحده؛ لأنه إذا كان سمع وحده يقول: (حدثني)، أما إذا كان حدثه ومعه غيره فإنه يقول: (حدثنا)، هذا هو الفرق بين (حدثني) و(حدثنا)، وقد يأتي يقول الراوي: (حدثنا) وهو مفرد على ما يجري في التخاطب، بأن يقول الواحد عن نفسه: (نحن)، أو يقول: (حدثنا) أو: (أخبرنا) أو: (فعلنا) أو: (تركنا)، لكن الغالب أن (حدثني) تكون للإفراد و(حدثنا) تكون إذا حدثه ومعه غيره. قوله: [ قال أبو داود : وهو أبو الزعراء ]. أي: يحيى بن الوليد هو أبو الزعراء ، فهذا تعريف به أنه يكنى بأبي الزعراء .
    معنى قول الحسن: الأبوال كلها سواء
    قوله: [ قال هارون بن تميم : عن الحسن قال: الأبوال كلها سواء ]. يعني أن الأبوال للكبار والصغار والذكور والإناث هي سواء، فإن كان المراد بأنها كلها نجسة فهذا صحيح، وإن كان المراد أن حكمها واحد في الغسل فهذا ليس بصحيح؛ لأن الحديث فرق بين بول الجارية وبول الغلام، بأن الجارية يغسل غسلاً وحول الغلام ينضح نضحاً ويرش رشاً. وبعض أهل العلم ذهب إلى مقتضى الحديث من حيث التفريق بين الجارية والغلام بأن يرش بول الغلام ويغسل بول الجارية، وبعضهم سوى بين بول الجارية والغلام فذهب إلى أن كليهما يغسل غسلاً، ولكن الأخذ بما دل عليه الحديث والعمل بمقتضى الحديث هو الذي يصار إليه وينفذ؛ لأن التفريق جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فقول الحسن البصري : (الأبوال كلها سواء)، إن كان المقصود به النجاسة فنعم كلها سواء، وإلا فإن أبوال الحيوانات منها ما يكون طاهراً ومنها ما يكون نجساً؛ لأن ما يؤكل لحمه بوله طاهر وليس بنجس، كالإبل والبقر والغنم، فكل ما يؤكل لحمه بوله طاهر ليس بنجس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين الذين جاءوا واجتووا المدينة أن يذهبوا إلى إبل الصدقة فيشربون من أبوالها وألبانها، فإذنه لهم بأن يشربوا من أبوالها يدل على أن بول مأكول اللحم طاهر وليس بنجس؛
    لأنه لو كان نجساً لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بشربه؛ لأنه لا يتداوى بحرام كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتغذى بحرام كما جاء بذلك الكتاب والسنة، إلا ما دعت إليه الضرورة مثل أكل الميتة من أجل إنقاذ النفس عندما يشرف المرء على الهلاك أو يخشى الهلاك وليس هناك إلا الأكل من الميتة، فيأكل بمقدار ما يسد حاجته، فهذا جاء به الكتاب والسنة وجاءت به الشريعة. وأما الآدميون فأبوالهم نجسة، ولكن فرق بين الغلام والجارية، فالغلام الذي لم يأكل الطعام يكفي في إزالة نجاسة بوله الرش والنضح، وهذا تخفيف وتيسير في إزالة تلك النجاسة، بخلاف غيرها من النجاسات، فإنها تحتاج إلى غسل ولا يكفي فيها الرش، إلا فيما يتعلق بالمذي على الثوب فإنه يرش تخفيفاً. قوله: [ قال هارون بن تميم عن الحسن ]. هارون بن تميم ما وقفت له على ترجمة. و الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر علي: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم)
    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: (يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام ما لم يطعم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن علي رضي الله عنه أنه قال: (يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام ما لم يطعم) أي: ما لم يعطعم الطعام ينضح من بوله، فإذا طعم الطعام صار بوله مثل بول الجارية يغسل، فبول الجارية يغسل دائماً وأبداً طعمت أو لم تطعم، والغلام ينضح ويرش بوله ما لم يطعم، فإذا طعم صار الحكم الغسل.

    تراجم رجال إسناد أثر علي: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم)

    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ].
    هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن أبي عروبة ].
    هو سعيد بن أبي عروبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قتادة ].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي حرب بن أبي الأسود ].
    أبو حرب بن أبي الأسود ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أبيه ]. هو أبو الأسود الديلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن علي ].
    هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو الحسنين و أبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أفضل من مشى على الأرض بعد أبي بكر و عمر و عثمان رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. وأهل السنة والجماعة ينزلونه وينزلون غيره من أهل البيت المنازل التي يستحقونها بالعدل والإنصاف كما جاءت بذلك النصوص. وأهل السنة والجماعة يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان منهم صحابياً يحبونه لصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان منهم غير صحابي فإنهم يحبونه لإيمانه وتقواه إذا كان من المؤمنين المتقين ويحبونه أيضاً لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يسيرون في عقيدتهم طبقاً لما تأتي به النصوص من التفضيل ومن التقديم والتأخير، فهم يقدمون ويؤخرون طبقاً للنصوص وتبعاً للنصوص ليست للأهواء ولا للشهوات والرغبات، وإنما المعول في ذلك على الدليل، وقد جاءت الأدلة بتفضيل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
    شرح حديث: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعما الطعام ...)
    قال المنصف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، .. فذكر معناه ولم يذكر: (ما لم يطعم) زاد: قال قتادة : (هذا ما لم يطعما الطعام، فإذا طعما غسلا جميعاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى وهو مرفوع وأورد الأول موقوفاً، والموقوف في معنى المرفوع، إلا أنه ليس في المرفوع: (ما لم يطعما الطعام) يعني: بالتنصيص على الغلام كما مر في الأثر الموقوف، ولكنه جاء هنا: (إذا طعما غسلا جميعاً) يعني: إذا طعما استوى الذكر والأنثى، ولكن قبل أن يطعما الطعام، فإن الذكر يرش بوله رشاً والأنثى يغسل بولها غسلاً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعما الطعام ...)
    قوله: [ حدثنا ابن المثنى ].
    هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ حدثنا معاذ بن هشام ].
    هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبي ] هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب ].
    قد مر ذكرهم جميعاً.
    شرح أثر أم سلمة في صبها الماء على بول الغلام ما لم يطعم
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، عن يونس ، عن الحسن ، عن أمه: (أنها أبصرت أم سلمة رضي الله عنها تصب الماء على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل بول الجارية) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تصب على بول الغلام ما لم يطعم. أي: ترشه رشاً وتصب عليه الماء صباً ولا تفركه وتدلكه، وهذا إذا لم يطعم، فإذا طعم غسلته كما تغسل النجاسات الأخرى. قولها: [ وكانت تغسل بول الجارية ]. أي: وكانت تغسل بول الجارية مطلقاً طعمت أو لم تطعم.
    تراجم رجال إسناد أثر أم سلمة في صبها الماء على بول الغلام ما لم يطعم
    قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ].
    عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا عبد الوارث ].
    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يونس ].
    هو يونس بن عبيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الحسن عن أمه ].
    الحسن مر ذكره، وأمه هي خيرة ، وهي مقبولة، أخرج حديثها مسلم وأصحاب السنن.
    [ أنها أبصرت أم سلمة ].
    أم سلمة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها هند بنت أبي أمية ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    حكم الأرض التي يصيبها البول


    شرح حديث: (... صبوا عليه سجلاً من ماء)

    قال المنصف رحمه الله تعالى: [ باب: الأرض يصيبها البول. حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح و ابن عبدة في آخرين -وهذا لفظ ابن عبدة - قال: أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فصلى -قال ابن عبدة : ركعتين- ثم قال: اللهم! ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعاً. ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء -أو قال: ذنوباً من ماء-) ].
    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب: الأرض يصيبها البول]. يعني أن تطهر الأرض إذا أصابها البول بأن يكاثر عليها الماء ويصب عليها الماء، فتطهر بذلك، ولا يحتاج إلى أن يحفر التراب الذي وقع فيه البول ويخرج من المسجد، ويؤتى بتراب آخر أو يؤتى بشيء بدل الذي ذهب به، وإنما يكاثر الماء عليها حتى تطهر بذلك، وهذا يدلنا على أن الأرض تطهر بمكاثرة الماء عليها، بحيث يُصَب ويُكْثرَ من صبه كما جاء في هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أعرابياً دخل المسجد وصلى ركعتين ودعا، وقال: [اللهم! ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً] فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (لقد تحجرت واسعاً) ] يعني أن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء، يقول الله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]، فكونه يدعو بهذا الدعاء الذي يطلب فيه أن يحصل له ولرسول الله صلى الله عليه وسلم المغفرة دون غيرهما فيه حجر؛ ولذلك قال له: [ (لقد تحجرت واسعاً) ] يعني: أتيت بكلام فيه المنع. لأن الحجر هو المنع، ومعناه أنك ضيقت رحمة الله الواسعة، وطلبت قصرها، أو أردت أن لا تتعدى إلى أحد غيري وغيرك.
    فهذا هو معنى قوله: [ (لقد تحجرت واسعاً) ]. قوله: [ (فما لبث أن بال في المسجد) ] وذلك لجهله، كما هو معلوم أن الأعراب يغلب عليهم الجهل، ولهذا فإن أهل الحاضرة يكون عندهم من العلم ومن المعرفة أكثر مما يكون عند أهل البادية، ولهذا جعل الله الأنبياء كلهم من أهل الحاضرة، وما جعل نبياً من البادية، فالأنبياء كلهم من الحضر وليسوا من البدو، وذلك لما عند الحاضرة من الكمال، بخلاف البدو، فإن فيهم الجهل وهو يغلب عليهم، ولهذا جاء أن الأنبياء من أهل القرى، أي أنهم من الحضر وليسوا من البدو. فلما بال في المسجد رأى الصحابة رضي الله عنهم أمراً خطيراً، رأوا النجاسة توضع في المسجد فأسرعوا، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: [ (بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء -أو قال: ذنوباً من ماء-) ].
    والسجل هو الدلو الكبيرة وكذلك الذنوب. والشك حاصل في كونه قال: (سجلاً) أو قال: (ذنوباً) والحديث يدل على أن الأرض تطهر من النجاسة بالصب والمكاثرة للماء عليها.
    الحكمة من نهي الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة عن الإساءة إلى الأعرابي

    إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن أن يسيئوا إلى الأعرابي أو يعنفوه لأن الأمر قد وقع؛ لأنه لو كان قبل أن يبول لأمكن التدارك، لكن بعد أن وجد البول فإنهم إن منعوه من البول فقد يقوم ويذهب فيتطاير البول يميناً ويساراً، وتتلوث أماكن متعددة من المسجد، وكذلك جسده وثيابه، لكن ما دام أن البول وقع فيبقى في مكان واحد حتى يكمل بوله، ثم تطهر البقعة التي حصل فيها البول، بخلاف ما لو قام قبل أن يكمل بوله، فإن البول يتقاطر هنا وهنا في بقع من المسجد يصعب تطهيرها، ويصعب الاهتداء إليها، وكذلك أيضاً يلوث جسده وثيابه، وهذا فيه دليل لقاعدة من قواعد الشريعة، وهي أنه يرتكب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما؛ لأن البول ووقوعه في المسجد ضرر، لكن كونه يقوم ويقطع بوله وينتشر البول في أماكن متعددة أشد ضرراً.
    فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبقى على أحد الضررين، وهو الأخف منهما، بحيث يمكن تطهير المكان في سبيل التخلص من أشدهما. إذاً: فالضرر الأخف أهون من الضرر الأشد، ولهذا جاءت الشريعة بهذه القاعدة التي هي ارتكاب أخف الضررين في سبيل التخلص من أشدهما، وهذا الحديث دليل لهذه القاعدة. وكان فيما قاله قوله صلى الله عليه وسلم للصحابة حين أرادوا منعه : (لا تزرموه) يعني: لا تعنفوه ولا تجعلوه ينطلق فيتناثر بوله هنا وهنا.
    تراجم رجال إسناد حديث (صبوا عليه سجلاً من ماء)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ].
    هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم ، و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ و ابن عبدة ].
    هو أحمد بن عبدة الآملي ، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي . وهناك شخص آخر هو أحمد بن عبدة بن موسى الضبي ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. فـ أحمد بن عبدة الآملي يكنى أبا جعفر ، وهو صدوق من الحادية عشرة. أما أحمد بن عبدة بن موسى الضبي من العاشرة. والاثنان يعتبران من شيوخ أبي داود ، ففي عون المعبود قال: (أحمد بن عبدة) ولم يذكر شيئاً آخر وراء هذا. إذاً: فيحتاج الأمر إلى أن يعين أحدهما، وذلك بمعرفة الشيخ الذي روى عنه، وهو هنا سفيان بن عيينة ، لكن هل الاثنان رويا عنه أو أحدهما؟ إن رويا عنه فإنه يحتمل أن يكون المراد هذا وذاك؛ لأن أبا داود روى عن الاثنين، وإن كان أحدهما هو الذي روى عن ابن عيينة دون الآخر فيتعين أنه أحدهما. قال في تهذيب التهذيب: إن أحمد بن عبدة الضبي هو الذي يروي عن ابن عيينة ، وليس الآملي ، و الضبي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. قوله: [ في آخرين، وهذا لفظ ابن عبدة ]. أي: أن الحديث رواه أبو داود عن ابن السرح وعن أحمد بن عبدة وأناس آخرين، وأتى بلفظ ابن عبدة الذي هو الشيخ الثاني.
    [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري ].
    الزهري مر ذكره. وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري غير منسوب فالمراد به ابن عيينة .
    [ عن سعيد بن المسيب ].
    سعيد بن المسيب ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة ].
    أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
    شرح حديث ابن معقل في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير -يعني ابن حازم - قال: سمعت عبد الملك -يعني ابن عمير - يحدث عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: (صلى أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم -بهذه القصة-. قال فيه: وقال -يعني النبي صلى الله عليه وسلم-: خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماء). قال أبو داود : وهو مرسل، ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ].
    أورد أبو داود رحمه الله الحديث -وهو مرسل- من طريق عبد الله بن معقل بن مقرن وهو من التابعين، وفيه مخالفة للحديث السابق؛ لأن الحديث السابق فيه أنه يكاثر الماء على المكان المتنجس فتزول النجاسة بذلك، وهذا هو الذي جاء في الصحيحين وفي غيرهما، وأما الحديث الثاني الذي فيه أنهم يأخذون التراب ويلقونه ثم يصبون عليه ماءً فهو حديث مرسل، وهو مخالف لما صح وثبت من أنهم صبوا ذنوباً من ماء أو سجلاً من ماء، وأيضاً من حيث المعنى هو غير واضح؛ لأنهم إذا كانوا أخذوا التراب الذي فيه النجاسة فلماذا يصبون الماء في مكان ليس فيه نجاسة؟! فلا حاجة إلى أن يصبوا الماء، ما دام أنهم قد حفروا المكان المتنجس وأخرجوا التراب خارج المسجد، فلا حاجة إذاً إلى أن يصب الماء في ذلك المكان. إذاً: الحديث -كما هو واضح- مرسل؛ لأن ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مخالف لما صح من أن التراب لا يحمل ولا يزال ولا يخرج، وإنما يصب عليه الماء.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن معقل في قصة الأعرابي
    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جرير -يعني ابن حازم - ].
    جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الملك -يعني ابن عمير - ].
    عبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن معقل بن مقرن ].
    عبد الله بن معقل بن مقرن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث تفرد به أبو داود .
    معنى قوله تعالى: (وجاء بكم من البدو) ووجه استشكال معناها
    أما من استشكل قول يوسف عليه السلام: وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [يوسف:100] في كون يعقوب بدوياً لا حضرياً فهذه الآية الكريمة وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ليس معناها أنهم بدو، إذ معلوم أن أهل الحاضرة إذا ذهبوا إلى البادية لم يخرجوا عن كونهم حاضرة، كما أن البدوي لو جاء إلى الحاضرة للبلد ومكث فيها أياماً أو أشهراً ثم رجع لا يقال: إنه حضري. فيعقوب وأولاده ليسوا من سكان البادية، ولكنهم خرجوا إلى البادية ثم جاءوا من البادية."
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #89
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    المواضع التي نهي عن البول فيها
    شرح سنن أبي داود [058]
    الحلقة (89)

    شرح سنن أبي داود [058]

    لتطهير النجاسة كيفيات تختلف بحسب ما تصيبه، فقد تقع النجاسة على الأرض وقد تصيب ذيول ثياب النساء عند المشي، وقد تصيب النعال، فكل ذلك له كيفية خاصة في تطهيره.

    طهور الأرض إذا يبست


    شرح حديث ابن عمر: (وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في طهور الأرض إذا يبست. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، وكنت فتى شاباً عزباً، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب: في طهور الأرض إذا يبست].
    هذه الترجمة -كما هو واضح- تتعلق بطهارة الأرض إذا يبست، ومن المعلوم أن الأرض قد تكون مكشوفة للسماء وينزل المطر عليها، فتطهر بذلك؛ لأن نزول المطر على الأرض المتنجسة يحصل به الطهارة لها، وقد تكون غير مكشوفة وتعلم النجاسة فيها، فإنه لا يطهرها حينئذٍ إلا الماء، بحيث يصب عليها ويكاثر حتى تحصل الطهارة بذلك، وقد سبق أن مر في الحديث في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بعد أن فرغ من بوله بأن يصب عليه سجل من ماء أو ذنوب من ماء تحصل به الطهارة، فالأرض إذا كانت متنجسة وأصابها المطر فإنها تطهر بذلك، وإن كانت متنجسة وعلمت النجاسة في مكان لا يتعرض للمطر، كأن تكون في حجرة من الحجر أو في جزء من البيت مستور ومسقوف، فإن مجرد يبسها لا يجعلها طاهرة، بل يصب عليها الماء ويكاثر حتى تحصل طهارتها. فهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: إنه كان شاباً عزباً، وكان يبيت في المسجد، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد، ولم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك.
    والذي يتبادر من الحديث هو أن الكلاب كانت تبول في المسجد، لكن الصحيح أنها ما كانت تترك تبول في المسجد، لكن لو بالت في المسجد فإن الحكم هو أن يطهر ذلك المكان الذي بالت فيه، كما حصل بالنسبة للأعرابي الذي بال في المسجد وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصب عليه ذنوب من ماء، فلو تحقق وجود النجاسة في المسجد بسبب الكلاب أو غيرها في بقعة من الأرض معلومة فإنه يجب تطهيرها بالماء وصب الماء عليها، والذي يظهر من الحديث أنها كانت تبول خارج المسجد، وتدخل المسجد وتخرج مارة مسرعة، والناس لا يتركونها تمكث في المسجد، لكن يمكن أن تمر ذاهبة وآيبة، ولا تعلم نجاسة حصلت للمسجد بسببها، وإذا علمت بقعة من الأرض وقع عليها بول من الكلاب أو غيرها في المسجد فيتعين غسلها، ولا يكفي أن تطهر بيبسها، فإن مجرد يبس النجاسة لا يدل على طهارتها، كالثوب تقع فيه النجاسة وتيبس يجب غسله، وكذلك الأرض تكون فيها النجاسة وتيبس وهي غير مكشوفة للسماء بحيث لا ينزل عليها المطر فيطهرها، فإنها تحتاج إلى غسلها بالماء.
    إذاً: فالحديث ليس فيه أنهم كانوا يرشون المسجد لإقبال الكلاب وإدبارها فيه، لكن لو حصل أن النجاسة علمت في مكان من المسجد فلا تترك حتى يطهرها اليبس، وإنما يصب عليها ماء، كما فعل ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في البول الذي حصل من الأعرابي، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يصب عليه ذنوب من ماء، وبذلك حصلت طهارته. إذاً: إذا يبست النجاسة ففيها تفصيل: إن كانت الأرض مكشوفة وينزل عليها المطر فطهارتها بالمطر الذي ينزل عليها، وإن كانت غير مكشوفة وقد يبست وبها نجاسة فإنها لا تطهر بذلك، وإنما يجب غسلها.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].
    هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل.
    [ عن عبد الله بن وهب ].
    هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يونس ].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب ].
    ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حمزة بن عبد الله بن عمر ].
    حمزة بن عبد الله بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    حكم الأذى يصيب الذيل


    شرح حديث أم سلمة في تطهير ذيل المرأة
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الأذى يصيب الذيل. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة باب: [ في الأذى يصيب الذيل ]. والأذى هو ما يحصل من نجاسة أو غير نجاسة، والذيل هو ثوب المرأة الذي ترخيه وتجره وراءها، فهذا هو المقصود بالذيل الذي يصيبه الأذى، تعني: أنها كانت تمشي وترخي ذيل ثوبها بحيث تجره على الأرض وراءها، فيمر على الأرض وقد يكون فيها أذى. فأم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قالت لأم سلمة : (إني امرأة أطيل ذيلي) أي أنها تطيل الثوب بحيث تجره وراءها فيصيبه الأذى. فقالت أم سلمة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    (يطهره ما بعده)، وهذا محمول على أن المقصود بذلك الأرض اليابسة، بحيث إذا علق بذيلها تراب فيه نجاسة ومرت بمكان ليس فيه نجاسة فإنه يطهر بذلك، أما إذا كانت الأرض رطبة وكانت النجاسة محققة ثم انسحب عليها ذيل المرأة فإنه لا يطهره إلا الغسل، ولا يطهر بكون المرأة تمشي وهو متنجس فتسحبه على الأرض فيكون طاهراً؛ لأن النجاسة تكون في داخله وظاهره. وإذا مرت بماء في الطريق ولم يُتَحقق من أنه نجس فالأصل طهارة المياه التي تكون في الطرقات، ولكن إذا علم وتحقق من أن تلك المياه نجسة فعند ذلك يكون ما يصيبها متنجساً، فإذا كانت رطبة وأصابها البلل بتلك النجاسة فعند ذلك يتعين غسلها، ولا يطهرها كونها تنتقل من مكان إلى مكان؛ لأن النجاسة موجودة فيها.

    تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في تطهير ذيل المرأة
    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
    هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [ عن مالك ].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم ].
    محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب السنن.
    [ عن محمد بن إبراهيم ].
    هو محمد بن إبراهيم التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ].
    أم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال عنها في التقريب: إنها مقبولة، ولكن رمز لها بغير أبي داود . واسمها حميدة، وهي مقبولة، أخرج حديثها في مسند مالك . فما أدري هل هي هذه وسقط رمز الدال لأبي داود أم أنها امرأة أخرى وهي آخر امرأة في كتاب التقريب، فآخر واحدة هي أم ولد عبد الرحمن بن عوف، وقد رمز لها بالدال، وقال: لا تعرف؟! لكن الأخيرة هي أم ولد عبد الرحمن بن عوف، وهذه أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وأم ولد عبد الرحمن رمز لها بالدال، وتروي عن أم سلمة ، أما التي في الإسناد فهي أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهي -أيضاً- هنا تروي عن أم سلمة ، لكن سقط الرمز. فيرجع إلى تهذيب الكمال؛ لأنه هو الذي يسمي الذين خرجوا للراوي من الأئمة. [ عن أم سلمة ]. أم سلمة هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا مطرنا...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي و أحمد بن يونس قالا: حدثنا زهير حدثنا عبد الله بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بني عبد الأشهل رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله ! إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى. قال: فهذه بهذه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث امرأة من بني عبد الأشهل -وهي صحابية- سألت الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: [(إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة)]. تعني: فيها رائحة كريهة، وقد تكون تلك الرائحة الكريهة في نجاسة، وقد تكون في غير نجاسة. وقولها: [ (فكيف نفعل إذا مطرنا؟) ] يعني: كيف نفعل إذا جاء المطر وصارت الأرض مبتلة. فقال صلى الله عليه وسلم: [ (أليس بعدها أرض هي أطيب منها؟) ] قالت: بلى. [ (قال: فهذه بهذه) ]، يعني أن الأرض إذا كان فيها أذى من نجاسة أو غير نجاسة وحصل المطر فمن المعلوم أن المطر إذا نزل على الأرض فإنه يطهرها، والذيل إذا سحب على ذلك المكان الذي فيه الأذى ثم انتقل إلى مكان آخر فإنه يطهر بذلك، ولكنه -كما عرفنا- إذا كان المطر قد نزل على مكان متنجس فإنه يطهره وإن لم يحصل انتقال إلى مكان آخر، لكن إذا كانت الأرض فيها أذى وفيها أماكن أخرى ليس فيها أذىً وحصل الانتقال من مكان إلى مكان والأرض ممطورة فإن الذي لامس الأرض -سواء أكان نعلاً أم ذيلاً- يكون طاهراً ولا يكون نجساً.

    تراجم رجال إسناد حديث (إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا مطرنا...)

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].
    عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
    [ و أحمد بن يونس ].
    هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن زهير ].
    هو زهير بن معاوية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن عيسى ].
    هو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن موسى بن عبد الله بن يزيد ].
    هو موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و ابن ماجه .
    [ عن امرأة من بني عبد الأشهل ].
    هذه المرأة من بني عبد الأشهل صحابية، وحديثها أخرجه أبو داود و ابن ماجه .

    حكم الأذى يصيب النعل


    شرح حديث (إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأذى يصيب النعل. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو المغيرة. ح: وحدثنا عباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي. ح: وحدثنا محمود بن خالد حدثنا عمر -يعني ابن عبد الواحد- عن الأوزاعي -المعنى- قال: أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدث عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب: في الأذى يصيب النعل ].
    فالمقصود من هذه الترجمة أن النعل إذا أصابه شيء من الأذى فإنه يطهر بالتراب إذا كان في أسفل النعل، أما إذا كان الأذى أصاب النعل في داخله وظاهره، فإنه يحتاج إلى أن يطهره، وأن تغسل النجاسة التي أصابت أسفل النعل وأعلاه. إذاً: إذا كان الأذى أسفل النعل وحصل السير عليه ودلكه فإنه يطهر بذلك؛ لأن الأذى الذي علق بالنعل أتى بعده شيء يزيله وينهيه، لاسيما إذا كان مر بماء بعد ذلك، فلا شك في أنه يطهر. وقد أورد فيه أبو داود . حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور) بمعنى أنه إذا مشى من مكان إلى مكان ودلك نعله على الأرض فإنه يطهر بذلك، وقد جاء -أيضاً- ما يدل على أن الإنسان عندما يأتي المسجد وفي نعله أذى فإنه يدلكه بالأرض، أو يدلك النعلين بعضهما ببعض، ثم بعد ذلك يصلي بهما.

    تراجم رجال إسناد حديث (إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور)

    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].
    هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أبو المغيرة ].
    أبو المغيرة هو عبد القدوس بن الحجاج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ ح: وحدثنا عباس بن الوليد بن مزيد ].
    عباس بن الوليد بن مزيد صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
    [ عن أبيه ].
    أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [ ح: وحدثنا محمود بن خالد ].
    هو محمود بن خالد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجه .
    [ عن عمر -يعني ابن عبد الواحد- ].
    عمر بن عبد الواحد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجه .
    [ عن الأوزاعي ].
    الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ المعنى ].
    يعني أن هؤلاء الذين مر ذكرهم في ثلاث طرق فيها ثلاثة شيوخ رواياتهم متفقة في المعنى مع اختلافها في الألفاظ. [ قال: أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد ]. قوله: معناه أن هناك واسطة محذوفة، وتلك الواسطة غير معروفة في هذا الإسناد، ولكن جاء في الإسناد الذي بعده أنه يروي عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد، فتكون تلك الواسطة التي كانت غير معلومة علمت من الإسناد الثاني، وهو محمد بن عجلان المدني . و سعيد بن أبي سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو كيسان المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

    شرح حديث (إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني محمد بن كثير -يعني الصنعاني - عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال: (إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب)
    قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ].
    هو أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي . وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه .
    [ عن محمد بن كثير -يعني الصنعاني - ].
    محمد بن كثير الصنعاني صدوق كثير الغلط، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ عن الأوزاعي ].
    الأوزاعي مر ذكره.
    [عن ابن عجلان ].
    هو محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ].
    قد مر ذكر الثلاثة.

    إسناد آخر لحديث تطهير النعل من الأذى وتراجم رجاله
    قال رحمه الله تعالى:
    [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا محمد -يعني ابن عائذ - حدثني يحيى -يعني ابن حمزة - عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد أخبرني -أيضاً- سعيد بن أبي سعيد عن القعقاع بن حكيم عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم بمعناه ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة، وهو بمعنى الحديث المتقدم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
    قوله: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا محمد -يعني ابن عائذ ].
    محمود بن خالد مر ذكره. و محمد بن عائذ صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
    [ عن يحيى -يعني ابن حمزة- ].
    يحيى بن حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد ].
    الأوزاعي مر ذكره. و محمد بن الوليد هو الزبيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ أخبرني -أيضاً- سعيد بن أبي سعيد عن القعقاع بن حكيم ].
    سعيد بن أبي سعيد مر ذكره. و القعقاع بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    الإعادة من النجاسة تكون في الثوب


    شرح حديث عائشة (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه شعارنا...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الإعادة من النجاسة تكون في الثوب. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثتنا أم يونس بنت شداد قالت: حدثتني حماتي أم جحدر العامرية أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن دم الحيض يصيب الثوب، فقالت: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا، وقد ألقينا فوقه كساء، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة ثم جلس، فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم؟ فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليها فبعث بها إلي مصرورة في يد الغلام، فقال: اغسلي هذه وأجفيها، ثم أرسلي بها إلي، فدعوت بقصعتي فغسلتها ثم أجففتها فأحرتها إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه) ].
    أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب: الإعادة من النجاسة تكون في الثوب ]. هذه الترجمة لا أدري ما المقصود بالإعادة فيها، هل هي إعادة الصلاة بسبب كون المصلي صلى وعليه ثوب متنجس؟ فإن هذا الحال لا تعاد فيه الصلاة؛ لأن الإنسان إذا صلى وعليه ثوب متنجس ولم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة فإن صلاته صحيحة، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه النعلان وفيهما أذى، فجاء جبريل فأخبره في الصلاة فنزع النعلين وأتم الصلاة، فلو كانت الصلاة لا تصح في الثوب الذي فيه نجاسة لأعاد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة من أولها. فدل هذا على أن من صلى وعليه ثوب متنجس ولم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة فإن صلاته صحيحة. إذاً: الإعادة هنا لا أدري ما المراد بها، أو أن المراد بها إعادة الثوب الذي تنجس ليغسل، فهذا يطابق الترجمة إذا كان المقصود بها إعادة الثوب المتنجس ليغسل، لكن إن كان المقصود بالإعادة إعادة الصلاة فليس في الحديث ما يدل على إعادة الصلاة، بل وجد في الأحاديث ما يدل على أن الصلاة لا تعاد إذا صلى الإنسان في ثوب متنجس، وإنما تعاد الصلاة لو صلى وهو على غير وضوء؛ لأن الإنسان لو صلى وهو على غير وضوء فلا تصح صلاته، أما كونه يصلي وعليه ثوب متنجس ولم يعلم إلا بعد أن فرغ من الصلاة فصلاته صحيحة وليس عليه الإعادة. تقول عائشة رضي الله عنها قالت:
    [ (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا، وقد ألقينا فوقه كساءً) ]. الشعار: هو الذي يلي الجسد، أما الكساء فهو الذي فوق الشعار. وقالت: [ (فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة، ثم جلس فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم) ] فخلع ذلك الكساء وقبض على المكان المتنجس وصره بيده وأعطاه غلاماً وأمره أن يذهب به إلى عائشة لتغسله وتجففه ثم تعيده، فغسلته وجففته وأحارته -أي: أعادته- إليه، فجاء في نصف النهار وهو عليه. لكن ليس فيه شيء يدل على أنه أعاد الصلاة، وقد عرفنا أن الحكم أن الصلاة لا تعاد إذا كان الإنسان صلى وفي ثوبه نجاسة. وقولها: [ (فقال رجل: يا رسول الله! هذه لمعة من دم) ]. أي: أن هذا من دم الحيض الذي حصل من عائشة .
    وقولها: [ (فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليها فبعث بها إلي مصرورة في يد الغلام) ]. أي: أنه قبض أطرافه بحيث كان المتنجس بارزاً، وهو الذي يغسل. وقوله: [ (أجفيها) ] يعني: جففيه حتى ييبس. وقولها: [ (فأحرتها إليه) ]. أي: أعدتها إليه. فالحور هو الرجوع، كقوله تعالى: (( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ))[ الانشقاق:14]، يعني: ظن أن لن يرجع. وقولها: [ (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه) ]. أي: تلك التي غسلت وأعيدت إليه. والحاصل أن الترجمة غير واضحة، وإن كان المراد بها إعادة الصلاة فليس فيها شيء يتعلق بذلك، وإن كان المقصود إعادة الثوب بعد غسله فهذا الأمر فيه واضح، والحديث ضعيف؛ لأن فيه امرأتين مجهولتين في الإسناد.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه شعارنا...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ].
    هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. ويأتي ذكره في بعض الأسانيد (محمد بن يحيى النيسابوري)، وهو نيسابوري، وفي بعضها:
    (محمد بن يحيى بن عبد الله)، وفي بعضها:
    (محمد بن يحيى بن فارس) و (فارس) جد من أجداده؛ لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس، وهو هو الذهلي ، فيأتي بصيغ مختلفة وهو شخص واحد.
    [ عن أبي معمر ].
    أبو معمر هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المقعد، كذا قال المزي في تحفة الأشراف. فما دام أن صاحب تحفة الأشراف عينه بهذا فيكون المقصود به عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الوارث ].
    هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أم يونس بنت شداد ].
    أم يونس بنت شداد لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود .
    [ قالت: حدثتني حماتي أم جحدر العامرية ].
    قولها: [حماتي] تعنى به أم زوجها، وأم جحدر العامرية أيضاً مجهولة، أخرج حديثها أبو داود .
    [ عن عائشة ].
    عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها. ففي الحديث امرأتان مجهولتان، والحديث ضعيف.

    حكم البصاق يصيب الثوب


    شرح حديث (بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه وحك بعضه ببعض)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: البصاق يصيب الثوب. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت البناني عن أبي نضرة قال: (بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه وحك بعضه ببعض) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب: في البصاق يصيب الثوب ]. يعني أنه شيء من القذر، ولكنه ليس بنجس، وإنما منظره كريه ولا يستحسن أن يرى ويشاهد؛ لأن منظره مستقذر، وحكمه أن يحك الثوب ويدلك بعضه ببعض حتى يذهب أثره، ولو كان نجساً لاحتاج الأمر إلى أن يغسل، فدلكه يدل على طهارته، وأنه ليس بنجس.

    تراجم رجال إسناد حديث (بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه وحك بعضه ببعض)

    قوله: [ قال: حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حماد ].
    هو حماد بن سلمة، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن ثابت البناني ].
    هو ثابت بن أسلم البناني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي نضرة ].
    أبو نضرة هو المنذر بن مالك، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. والحديث مرسل هنا، لكن الحديث الذي بعده موصول، وهو دال على ما دل عليه. والبزاق والبصاق بمعنى واحد.

    إسناد آخر لحديث (بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه) وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ]. ثم أورد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل المتن السابق، وهو أنه بصق أو بزق في ثوبه فحك بعضه ببعض، فالحديث هذا متصل، وهو دال على ما دل عليه الأول. قوله:
    [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد عن حميد ].
    حميد هو حميد بن أبي حميد الطويل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أنس ].
    هو أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من الأسانيد الرباعية لأبي داود ، وهو أعلى الأسانيد عند أبي داود، حيث يكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وبهذا يكون قد انتهى كتاب الطهارة. والله تعالى أعلم.

    الأسئلة


    حكم النظر إلى المخطوبة عبر الصورة الفوتوغرافية
    السؤال: شخص يريد أن يخطب امرأة، ولكن لا يستطيع الذهاب إلى بلاده لرؤيتها، فهل يجوز في هذه الحالة أن ترسل له صورة شمسية حتى يتمكن من النظر إليها؟

    الجواب: لا يجوز، وإنما إذا أراد أن يذهب لينظر إليها فليذهب وينظر إليها هو إذا كان يريد النظر، أما أن ترسل له الصورة فلا يصلح أن تؤخذ صور النساء وتعطى للأزواج؛ لأن الصورة تبقى وقد يستنسخ منها وتنتشر، أما إذا رآها فإن رؤيته لها تنتهي، فإن أعجبته تزوجها وإلا تركها، أما أن تكون الصورة بيد الرجل فيحتفظ بها أو يعطيها لغيره ويطلع غيره عليها فلا يجوز ذلك.

    موضع التورك في الصلوات المكتوبة
    السؤال: متى يشرع التورك في الصلاة؟

    الجواب: التورك في الصلاة يكون في الصلاة التي لها تشهدان وفي التشهد الأخير منهما، ويكون في جميع الصلوات المكتوبة ما عدا صلاة الفجر، فالتورك يكون في التشهد الأخير من الرباعية والثلاثية.

    حكم خروج المذي أثناء الصوم

    السؤال: هل خروج المذي يبطل الصوم؟

    الجواب: خروج المذي لا يبطل الصوم، وإنما الذي يبطله خروج المني.

    حكم تحية المسجد عند طلوع الشمس وعند غروبها
    السؤال: ما حكم صلاة تحية المسجد عند طلوع الشمس وعند غروبها؟

    الجواب: وقت طلوع الشمس ووقت غروبها وعند قيام قائم الظهيرة هذه الأوقات الضيقة لا يصلى فيها ولا يدفن فيها الموتى، وهو وقت يسير جداً.

    الحكم على حديث: (لا تنسنا يا أخيّ من دعائك)
    السؤال: ما مدى صحة الحديث الذي فيه أنه عندما أراد عمر رضي الله عنه العمرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنسنا يا أخيّ من دعائك).

    الجواب: الحديث فيه كلام، لكن لا أدري بدرجة هذا الحديث، وأذكر أن فيه ضعفاً.

    حكم خطأ ابن حجر والنووي وأمثالهما في بعض مسائل العقيدة
    السؤال: هل الحافظ ابن حجر والإمام النووي وأمثالهما من الأئمة ممن أخطأ في بعض مسائل العقيدة يعدون من أئمة أهل السنة والجماعة؟
    لاشك في أنهم من أئمة أهل السنة والجماعة، وأخطاؤهم التي حصلت مغمورة في جنب صوابهم الكثير، والعلماء يعولون على كلامهم ويرجعون إلى كلامهم، فهم من أهل السنة الذين أخطئوا وحصل منهم أخطاء، والله تعالى يتجاوز عنهم، وقبلهم البيهقي رحمه الله صاحب السنن، فعنده أخطاء في العقيدة وهو من أهل السنة.
    معنى حديث ابن عمر في دخول الكلاب المسجد وتركهم رش أثرها

    السؤال: في حديث ابن عمر الذي فيه أنه كان يبيت في المسجد قلتم: إن حديث ابن عمر لا يدل على أن الكلاب تبول في المسجد، وظاهر الحديث: أنها كانت تبول وتقبل وتدبر فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك)؟

    الجواب: ليس هناك نص على أنها كانت تبول في المسجد، ولو بالت في المسجد فلا يعقل أن الناس يتركون البول ولا يطهرونه بالماء، وقد طهر النبي صلى الله عليه وسلم بول الأعرابي بالماء، والكلب أخبث نجاسة وأشد نجاسة من الإنسان. أما قول ابن عمر : (فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك) فظاهره -والله أعلم- أنهم لم يكونوا يرشون المكان الذي تمر فيه؛ لأن النجاسة غير متحققة. ثم إن الكلاب لا تترك لتدخل وتبول في المسجد، لكن قد تكون بالت خارج المسجد وبقي فيها آثار شيء يتقاطر، لكن كونها تقف وتبول في المسجد بعيد، ولو حصل ذلك فإنه لا يقال: إنه يترك بولها حتى ييبس ويطهر؛ لأنه لو كان اليبس لترك الرسول صلى الله عليه وسلم بول الأعرابي حتى ييبس.

    موضع بصر المصلي عند الركوع وغيره
    السؤال: أين يقع بصر المصلي عند الركوع؟

    الجواب: يكون بصر المصلي إلى موضع سجوده عند الركوع وغير الركوع.

    حكم تزوج الرجل بمن حملت منه من الزنا وإلحاق الولد به
    السؤال: إذا تزوج الرجل بامرأة وهي حبلى من الرجل نفسه من الزنا فهل يصح نكاحهما؟ وهل لهما أحكام الإرث؟

    الجواب: من زنى بامرأة وحملت منه ثم أراد أن يعقد عليها أو عقد عليها فالولد ليس له ولا ينسب إليه؛ لأنه ابن زنا، ولا يعتبر من أولاده، ولا توارث بينه وبينه، وأما زواج الزاني من الزانية فيصح وذلك لقوله تعالى: الزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ [النور:3] الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً [ النور:3]، فكل واحد منهما يصلح للثاني، فبدلاً من أن يفعلا الحرام فليكن ذلك في الحلال، لكن كونه يتزوج وهي حبلى منه من الزنا ويقول: إن الولد هذا له غير صحيح، فليس الولد له أبداً، ولا يصلح أن يتزوج بها وهي حبلى، وإنما يتزوجها بعد ذلك. والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #90
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [059]
    الحلقة (90)
    شرح سنن أبي داود [059]

    لقد فرض الله عز وجل الصلوات الخمس في السماء خمسين صلاة، ثم خففت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة مع بقاء أجر الخمسين. والصلاة هي أعظم ركن بعد الشهادتين، وهي عمود الدين، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وهي آخر وصية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي حق لازم محتم على العبد لله تعالى، فعلى العبد أن يقدرها قدرها، ويؤديها في وقتها؛ لينال بذلك رضى الله تعالى عنه.

    كتاب الصلاة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الصلاة]. هذا هو الكتاب الثاني من الكتب التي اشتمل عليها كتاب السنن لأبي داود ، وأول كتاب هو كتاب الطهارة، وكما قد عرفنا فيما مضى أن الأبواب المتعلقة بالطهارة -سواءٌ كانت إزالة نجاسة أم رفع الحدث الأصغر أم رفع الحدث الأكبر أم الاغتسال من الحيض- كلها أوردها تحت هذا الكتاب الذي هو كتاب الطهارة، وبعض أهل العلم يقسم هذا الكتاب إلى عدة كتب، فيذكر كتاب الوضوء على حدة، وكتاب غسل الجنابة على حدة، وكتاب الحيض على حدة، كما فعل الإمام البخاري رحمه الله تعالى. وجرت عادة العلماء من محدثين وفقهاء أنهم في كتب الأحكام يبدءون بالطهارة؛ ولأنه شرط للصلاة، ولأنها لا تصح الصلاة إلا إذا وجدت الطهارة من رفع الحدث الأصغر بالماء الذي هو الوضوء، أو الأكبر بالاغتسال، أو التيمم عندما لا يوجد الماء، أو يوجد ولكن يكون هناك ضرر باستعماله، ثم إنه بعد ذلك أتى بكتاب الصلاة، وهو الكتاب الثاني كما قد عرفنا.

    معنى الصلاة لغة واصطلاحاً
    الصلاة في اللغة: الدعاء، والدعاء لا شك في أنه من جملة ما اشتملت عليه الصلاة، فالتعريف اللغوي تعريف للصلاة بذكر شيء مما هو موجود تحتها، وقد تكون المعاني اللغوية أوسع وأعم وتكون المعاني الشرعية جزءاً من جزئيات المعاني اللغوية، وقد يكون المعنى الشرعي مشتملاً على المعنى اللغوي وزيادة على ذلك؛ لأن الصلاة هنا في اللغة الدعاء، والصلاة الشرعية -كما هو معلوم- هي أفعال وأقوال تشتمل على الدعاء وعلى غير الدعاء، لكن الدعاء موجود فيها بكثرة، فعند دخول الإنسان في الصلاة يقول: (الله أكبر)، وهو دعاء وعبادة، ثم يأتي بالاستفتاح، وهو دعاء وعبادة، أو دعاء مسألة، مثل قوله: (سبحانك -اللهم- وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) فهذا دعاء عبادة، وقوله: (اللهم! باعد بيني وبين خطاياي ...) هذا دعاء مسألة، ثم بعد ذلك الركوع فيه دعاء، والرفع من الركوع فيه دعاء، والسجود فيه دعاء، وبين السجدتين هناك دعاء، وفي التشهدين دعاء عبادة ودعاء مسألة، فالدعاء في الصلاة يوجد بكثرة، بل إن أقوال الصلاة هي إما دعاء عبادة وإما دعاء مسألة. أما الصلاة في الاصطلاح فهي أقوال وأفعال مخصوصة مبتدأة بالتكبير ومختتمة بالتسليم. هذا هو تعريف الصلاة الشرعي. فهي مبدوءة بـ (الله أكبر) ومختومة بـ (السلام عليكم ورحمة الله)، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم). أما المعنى الثاني -وهو كون المعاني اللغوية واسعة، بحيث يكون المعنى الشرعي جزءاً من جزئيات المعنى اللغوي- فمثل الصيام، فالصيام في اللغة: الإمساك، فأي إمساك يقال له: صيام.
    وفي الشرع: إمساك مخصوص وهو الامتناع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وفي اللغة يقال لأي إمساك: صيام، فالإمساك عن الكلام صيام، والإمساك عن الأكل صيام، والدواب إذا أمسكت يقال عنها: إنها صيام، كما قال الشاعر: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وخيل تعلك اللجما فالصيام في اللغة لفظ عام يشمل كل إمساك، وفي الشرع إمساك مخصوص. والحج لغة: القصد مطلقاً، فأي قصد يقال له: حج. وفي الشرع: قصد مخصوص، وهو قصد البيت للإتيان بأعمال مخصوصة.
    والعمرة لغة: الزيارة. فأي زيارة يقال لها: عمرة، وفي الشرع: زيارة البيت لأفعال مخصوصة، وعلى هذا فإن المعاني اللغوية أحياناً تكون أشمل وأوسع، ويكون المعنى الشرعي جزءاً من جزئيات المعنى اللغوي، وأحياناً يكون المعنى الشرعي أشمل أوسع ويكون أطلق عليه المعنى الشرعي لأن المعنى اللغوي موجود فيه، فالدعاء موجود في الصلاة بكثرة في ركوعها وسجودها وجلوسها وقيامها.
    مكانة الصلاة وعظمتها في الإسلام
    إن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والإسلام بني على خمسة أركان،كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل وفي حديث ابن عمر وغيرهما، ففي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان). وفي حديث جبريل أنه قال: (أخبرني عن الإسلام. قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)، فالصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والشهادتان هما الأساس وهما الركن الركين الذي كل عمل أو كل ركن سواه لا ينفع إلا إذا كان مستنداً إليه مبنياً عليه؛ لأنه إذا لم توجد الشهادتان فأي عمل من الأعمال لا قيمة له، أو وجدت شهادة أن لا إله إلا الله ولم توجد شهادة أن محمداً رسول الله معها من حين بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة؛
    فإن أي عمل لا ينفع صاحبه ما دام أنه لم يستند على هذا الأساس الذي هو الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، والصلاة شأنها عظيم في الإسلام، وقد جاءت آيات وأحاديث تدل على عظم شأنها وأن شأنها أركان الإسلام بعد الشهادتين. فمما ورد في بيان عظم شأنها: أن الله تعالى فرضها على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو في السماء، ولم يفرضها عليه وهو في الأرض وإنما فرضت عليه وهو في السماء -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه- ليلة المعراج، وفرضت عليه أولاً خمسين صلاة، وقد استسلم وانقاد وسلم الأمر لله ونزل لينفذ الذي أمر به، ولكنه لما مر بموسى بن عمران وهو في السماء السادسة عرض عليه وأشار عليه بأن يرجع إلى الله عز وجل ويسأله التخفيف، وقال: إنه قد كُلِّف بنو إسرائيل بأشياء ومع ذلك ما قاموا بها، فأشار عليه أن يرجع ويسأل التخفيف، فحصل ذلك، وتكررت المراجعة حتى صارت خمساً، وقال الله عز وجل:
    (هن خمس في العمل وخمسون في الأجر)، وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها، فيصلي الإنسان خمس صلوات في اليوم والليلة وتكون عن خمسين صلاة. إذاً: فرضت عليه وهو في السماء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ونسخ العدد من خمسين إلى خمس قبل التمكن من الامتثال، وهذا يبين مدى استسلام الرسول صلى الله عليه وسلم وانقياده لأمر ربه، وأنه لما فرض عليه خمسين صلاة استعد للتنفيذ، ولكن الله خفف قبل أن يحصل التكليف على الناس، فخففت من خمسين إلى خمس والرسول صلى الله عليه وسلم في السماء قبل أن ينزل إلى الأرض، ففي هذا دليل على النسخ قبل التمكن من الامتثال. ومثل هذا قصة الذبيح إسماعيل، حيث نسخ الأمر بالذبح قبل التمكن من الامتثال وقد حصل الاستسلام والانقياد من الذابح والمذبوح، وكل منهما استسلم لله عز وجل، ففائدة ذلك هو حصول وظهور استسلام الرسولين المكلفين بذلك، وهما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام حيث استسلم وانقاد للقيام بخمسين صلاة فرضت عليه، وكذلك إبراهيم الخليل حيث أمر بذبح ابنه فأقدم على ذلك ونسخ الحكم قبل التنفيذ. إذاً: فائدة ذلك -كما عرفنا- هو الاستسلام والإذعان والاستعداد للتنفيذ، وظهور الطاعة والقيام بتنفيذ ما طلب تنفيذه،
    فمما يدل على عظم شأن الصلاة أنها فرضت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في السماء. ومما يدل على عظم شأنها أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأنها عمود الإسلام، وذلك في حديث معاذ بن جبل الطويل الذي فيه عدة أمور، حيث قال له: (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)، وقوله: إنها عمود الإسلام يدل على عظم شأنها؛ إذ أن البنيان لا يتم ولا يقوم إلا على عمد، وكذلك الخيمة لا تقوم إلا على عمود أو على أعمدة، وإذا نزع العمود أو سقط العمود سقط البناء الذي عليها، كل هذا يدلنا على عظم شأن الصلاة في الإسلام.
    ومما يدل على عظم شأنها أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنها آخر ما يفقد من الدين في هذه الحياة، حيث يقول: (أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة) والشيء إذا فقد أوله بقي منه شيء، لكن إذا فقد آخره لا يبقى منه شيء. ومما يدل على عظم شأن الصلاة: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، حيث يقول: (أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة)، فإن حصل النجاح في تلك المحاسبة فما سواها تابع لها، وإن حصلت خسارة فإنه يكون فيما سوى ذلك أخسر. ومما يدل على عظم شأن الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى بها في آخر حياته، يقول علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرض موته: (الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم) يعني أنه يحث ويحرض على القيام بالصلاة وعلى الإحسان إلى من هم في ملك اليمين. ثم يقول علي رضي الله عنه: (وهؤلاء الكلمات هن آخر شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: أن علياً رضي الله عنه بعد أن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام لم يسمعه بعد ذلك. ومما يدل على عظم شأن الصلاة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) فهذا يدل على عظم شأن الصلاة وأن تركها كفر.
    ومما يدل على عظم شأنها أن الله تعالى أخبر أن الذين يدخلون سقر عندما يدخلون فيها ويسألون: ما الذي أوصلكم إلى سقر؟ يجيبون في أول ما يجيبون بأنهم لم يكونوا يصلون، قال عز وجل: (( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:38-43]، فهذا من الأسباب التي توصل إلى سقر والعياذ بالله.
    والحاصل أن أمر الصلاة عظيم وشأنها كبير، وقد جاءت النصوص الكثيرة الدالة على عظم شأنها، ثم هي تكون في اليوم والليلة خمس مرات، وهي صلة وثيقة بين العبد وبين ربه، وهي علامة الإيمان وعلامة الاستسلام والانقياد لأمر الإسلام، والإنسان إذا صاحب إنساناً يستطيع أن يعرف أنه من أولياء الله أو أنه من أعداء الله خلال أربع وعشرين ساعة،
    فإن رآه يصلي فهي علامة خير، وإن رآه لا يصلي فهي علامة شر، بخلاف بقية الأركان، فإنه لا يعرف حال الإنسان فيها كما يعرف في الصلاة؛ لأن الزكاة لا تجب في السنة إلا مرة واحدة، ولا تجب إلا على الأغنياء، والصيام لا يجب في السنة إلا شهراً واحداً، والحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة، لكن الصلاة في اليوم والليلة خمس مرات، فهي صلة وثيقة بين العبد وبين ربه، فهذا كله يبين لنا عظم شأن الصلاة وأهميتها، وأنها رأس مال المسلم، وأن عليه أن يحافظ عليها وأن يعنى بها وأن لا يتهاون فيها؛ لأنها أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد عرفنا جملة من الأدلة الدالة على عظيم شأنها وعظم منزلتها في الإسلام.
    فرض الصلاة


    شرح حديثي طلحة بن عبيد الله في فرض الصلاة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الصلاة. باب: فرض الصلاة. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يقول: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة. قال: هل عليّ غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع. قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام شهر رمضان، قال: هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوع. قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة، قال: فهل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع. فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق).
    حدثنا سليمان بن داود حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر بإسناده بهذا الحديث، قال: (أفلح -وأبيه- إن صدق، دخل الجنة -وأبيه- إن صدق) ]. قوله: [باب فرض الصلاة] المقصود بفرض الصلاة بيان أنها مفروضة، وليس المقصود بفرض الصلاة ابتداء فرضها؛ لأن ابتداء فرضها حصل ليلة المعراج، ولكن المقصود بالترجمة التي عقدها المصنف وأورد الحديث تحتها بيان أنها مفروضة وأن الله عز وجل فرضها، وأنها حق لازم متحتم لله تعالى، بل هي -كما عرفنا- أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
    قوله: [ (جاء رجل من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة.
    قال: هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع) ] بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، وبين له أن الذي يبدأ به بعد الدخول في الإسلام هو الصلاة، ولهذا جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يبدأ بدعوتهم إلى الصلاة بعد الدخول في الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، فبدأ بالصلاة.
    إذاً: أول شيء يدعى إليه بعد التوحيد هو الصلاة التي هي عمود الإسلام، وهذا -أيضاً- مما يبين لنا عظم شأن الصلاة وأنها أول شيء يدعى إليه بعد الدخول في الإسلام. فهي خمس صلوات فرضها الله عز وجل في اليوم والليلة، فقال لهذا الرجل: [ (خمس صلوات في اليوم والليلة. قال: هل علي غيرهن؟ فقال: لا، إلا أن تطوع)] وهذا فيه دليل على أن الفرض الذي فرضه الله هو هذه الصلوات الخمس، وأن الوتر ليس بواجب محتم، ولكنه من آكد النوافل، ومن المعلوم أن الإنسان إذا تهاون بالنوافل فإنه يتهاون بالفرائض، والنوافل هي كالسياج وكالوقاية للفرائض، فينبغي أن لا يحصل تساهل فيها وتهاون، بل يؤدي الإنسان الفرائض ويأتي بالنوافل، والنوافل تكمل بها صلاة الفرض إذا حصل فيها نقص، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى الإنسان أن يحافظ على الفرائض ويحرص على النوافل، وقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي
    : (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)، ومن المعلوم أن الاقتصار على الفرائض هو الاقتصاد، ولكن السبق بالخيرات يكون بالإتيان بالواجبات وبالمفروضات وبالمنافسة في الخير وبالإتيان بالنوافل التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به..) إلى آخر الحديث، فالإنسان عليه أن يحرص على الفرائض ويحرص على النوافل، ولا يتهاون بالنوافل؛ لأن التهاون بالنوافل قد يؤدي إلى التهاون بالفرائض، وقد جاء في الحديث: (أن الإنسان إذا كان في صلاته نقص فإنه وكان له نوافل فإنه يكمل بها ذلك النقص الذي حصل في صلاته. إذاً: فالصلوات المفروضة في اليوم والليلة خمس صلوات، والحديث يدل على أن الوتر ليس بفرض، ولكنه متحتم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الوتر وعلى ركعتي الفجر في الحضر والسفر، فما كان يترك الوتر ولا ركعتي الفجر حتى في أسفاره صلى الله عليه وسلم، ويقول الإمام أحمد : إن الذي لا يصلي الوتر رجل سوء. وفي الحديث -أيضاً- دليل على أن الجمعة فرض وأنها لازمة؛ لأنها من صلوات اليوم والليلة؛ [ (خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة) ] والجمعة هي فرض ذلك اليوم الذي هو يوم الجمعة. قوله رسول الله صلى الله عليه وسم: [ (وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام رمضان،
    قال: هل علي غيره؟ قال: لا، إلا أن تطوع، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع، فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. معناه أنه يقتصر على الواجبات. وقوله: [ (أفلح إن صدق) ] يدل على أن القيام بالواجبات هو الذي يسلم به الإنسان من الوقوع في الإثم؛ لأن الواجب يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وأما المندوب فيثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، فقوله: [ (أفلح إن صدق) ] يعني:
    أتى بما يؤدي به إلى الفلاح، وبما يسلم به من عذاب الله عز وجل، ولكنه إذا زاد على ذلك بأن أتى بالنوافل يكون خيراً له وبركة، ويكون نوراً مضافاً إلى نور، وخيراً إلى خير، وقوله: [ (أفلح إن صدق) ] معناه: إن صدق فيما يقول وفيما حلف عليه أنه يأتي بما فرض الله عليه لا يزيد ولا ينقص فإنه يكون مفلحاً وآخذاً بسبب الفلاح، وهو القيام بما أوجبه الله جل وعلا عليه.
    أقوال العلماء في معنى: (أفلح وأبيه) وحكمها
    جاء هنا في الحديث: [ (أفلح وأبيه إن صدق، دخل الجنة وأبيه إن صدق) ]، وهذا فيه لفظ قسم، وقد جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الحلف بغير الله عز وجل، حيث قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، وقوله: (ولا تحلفوا إلا بالله) يعني: قصر الحلف على الله تعالى وأسمائه وصفاته، وليس المقصود أن يكون بلفظ الجلالة فقط، وإنما المقصود أن يكون الحلف بالله وبالرحمن وبالرحيم وبالسميع وبالبصير، فهذا حلف بالله؛ لأن من حلف بأسمائه فهو مثل الحالف بالله؛ لأن الله تعالى من أسمائه الرحمن، و(الرحيم) و(السلام) و(القدوس) وهكذا، فأي اسم ثبت لله عز وجل فإن الإنسان يجوز له أن يحلف به، فيحلف بالله وأسمائه وصفاته، ولا يحلف بغير ذلك، ولهذا قال: (ولا تحلفوا إلا بالله) يعني: لا تحلفوا بغير الله؛ لأن كل ما سوى الله مخلوق، والحلف إنما هو بالخالق دون المخلوق. وقد جاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) يعني:
    لا يحلف، وإن كان حالفاً فحلفه يجب أن يكون بالله عز وجل. وهنا يقول: [ (أفلح وأبيه إن صدق) ]، وقد أجاب العلماء عما ورد في هذا الحديث بأن قالوا: إن هذا كان قبل النهي. ومنهم من قال: إن هذا من الألفاظ التي هي جارية على الألسنة ولا يراد بها القسم، وإنما هي من لغو اليمين، مثل قول القائل: لا والله، وبلى والله. فهذه اليمين لا تنعقد إلا إذا أرادها الإنسان وعزم عليها، كأن يقول: والله لأفعلن كذا وكذا. أما إذا كان اليمين شيئاً ما قصده الإنسان وما أراده، وإنما جرى على لسانه مثل: (لا والله) فـ )بلى بالله) فإن هذا من لغو اليمين الذي ليس فيه كفارة ولا تنعقد معه اليمين، فكذلك كلمة (وأبيه) يقال:
    إنها من الشيء الذي يجري على الألسنة ولا يراد به اليمين ولا يراد به القسم، مثل ما جرى في كلمات أخرى، كقوله: (عقرى حلقى) وقولهم: (تربت يمينك) و(تربت يداك)، فهو شيء يجري على الألسنة ولا يراد، ومن العلماء من قال: إن هذه الرواية شاذة مخالفة للروايات التي لم يذكر فيها (وأبيه)، فهي زيادة شاذة. والحاصل أن الحلف بغير الله لا يجوز، وأن ما ورد في الحديث لا يقال: إنه دليل على جواز الحلف بغير الله؛ لأنه قد جاء ما يدل على المنع من ذلك؛ حيث قال: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، وقال ذلك لما سمع عمر يقول: (وأبي)، فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، فقال عمر رضي الله عنه: (والله لا أحلف بذلك ذاكراً ولا آثراً) يعني:
    لا يحلف ذاكراً بأن يكون منه ولا آثرا ذلك عن غيره. وهذا فيه استسلام الصحابة وانقيادهم لما يأتي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الأحكام. ثم إن الحلف بغير الله أمره خطير، فقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً) وذلك لأن الحلف بالله توحيد والكذب معصية، والحلف بغير الله شرك، ومن المعلوم أن المعصية دون الشرك، والذنب الذي يوصف بأنه شرك أو كفر يكون أعظم من غيره وأشد.
    تراجم رجال إسناد حديثي طلحة في فرض الصلاة
    قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
    هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [ عن مالك ].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمه أبي سهيل بن مالك ].
    وعمه أبو سهيل هو نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو مالك بن أبي عامر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أنه سمع طلحة بن عبيد الله ].
    طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سليمان بن داود ].
    هو أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [عن إسماعيل بن جعفر المدني ]. إسماعيل بن جعفر المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر بإسناده بهذا الحديث].
    قد مر ذكره."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #91
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [060]
    الحلقة (91)

    شرح سنن أبي داود [060]

    لقد جعل الله تعالى للصلاة مواقيت مخصوصة وأناطها بأمارات يعرفها الناس ويدركونها، ولكل فرض من فروض الصلاة وقت مخصوص له بداية ونهاية، والوقت بينهما، ولبعض الفروض وقت اختياري ووقت آخر اضطراري يصلي فيه من زال عذره من أهل الأعذار وتكون صلاته أداءً، وليحرص المرء على الصلاة أول الوقت، ولا ينبغي له أن يؤخر فرضاً إلى آخر وقته؛ لأن ذلك قد يكون سبباً في خروج الوقت قبل أداء الصلاة.

    ما جاء في المواقيت


    مقدمة فيما جاء في المواقيت

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: ما جاء في المواقيت]. هذا باب ما جاء في المواقيت، وقد عرفنا أن الله عز وجل جعل مواقيت العبادة أموراً معلومة مشاهدة معاينة يعرفها الخاص والعام، وليست بحاجة إلى حذق وإلى فطنة وإلى دقة وإلى ذكاء، وإنما هي أمور معلومة معروفة مشاهدة للخاص والعام وللحاضر والبادي، يعرف ذلك الحضري في قريته والبدوي في فلاته، وليس فيها خفاء، ومن هذه العبادات الصلوات الخمس، فقد حددت أوقاتها بأمور مشاهدة معاينة، فالظهر إذا زالت الشمس وتحول الظل من جهة الغرب إلى جهة الشرق، فعندما يحصل انكسار الفيء بعد انتصاف النهار يبدأ وقت الظهر إلى أن يكون ظل الشيء مثله، وكان عليه الصلاة والسلام يأمر بتأخير صلاة الظهر إذا اشتد الحر حتى تنكسر حدة الشمس، والعصر يصليها إذا انتهى وقت الظهر بحيث يكون ظل كل شيء مثله، وانتهاء وقت صلاة العصر حين يكون ظل الشيء مثليه، أو ما لم تصفر الشمس،
    أو كون الشمس حية مرتفعة نقية، وهذا هو الوقت الاختياري الذي للإنسان أن يؤخر إليه، ولكن -كما هو معلوم- ينبغي للإنسان ألا يعرض نفسه لتأخير الصلاة عن وقتها الاختياري؛ لأن تأخيرها إلى قرب الوقت قد يحصل معه الفوات، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه ويأتي بالصلاة في أول وقتها أو بعد ما يمضي شيء من الوقت، لكن لا يكون الوقت قريباً من الانتهاء والانصرام؛ لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، والذي يقرب من انتهاء الوقت قد يحصل منه الخروج من الوقت، فالاحتياط للإنسان في دينه أن لا يؤخرها، وأما وقت الاضطرار فإنه من حين اصفرار الشمس إلى الغروب، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    (من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك الصلاة) يعني: أدركها مؤداة في وقتها، ما دام أنه أدرك منها مقدار ركعة، وكذلك من أدرك قبل طلوع الشمس ركعة يكون قد أدرك الفجر، أما المغرب فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصليها إذا غربت الشمس وجاء وقت إفطار الصائم، وجاء أن آخر وقتها إذا غاب الشفق أو ما لم يغب الشفق، ويأتي بعدها وقت صلاة العشاء مباشرة من غير فاصل، ويمتد وقتها إلى نصف الليل، وهذا هو الوقت الاختياري، وليس للإنسان أن يؤخرها إلى آخر الوقت بحيث يكون الوقت عرضة للخروج، ولكن ما دام أنه صلاها قبل نصف الليل فإنه يكون بذلك قد أداها، ومن نصف الليل إلى طلوع الفجر يكون الوقت الاضطراري؛ لأن الإنسان إذا نام ولم يستيقظ إلا بعد انتصاف الليل فإنه يصليها، وتكون مؤداة؛ لأنه أداها في الوقت الاضطراري. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة).
    وكل الصلوات أوقاتها متصلة بعضها ببعض إما اختياراً وإما اضطراراً إلا الفجر، فإن آخر وقتها طلوع الشمس، والزمن من طلوع الشمس إلى الزوال ليس وقتاً لأي صلاة من الصلوات، ولا للظهر؛ لأن صلاة الظهر لا بد من أن تكون بعد الزوال، وصلاة الفجر لا يجوز أن تؤخر عن طلوع الشمس، ولو أخرت عن طلوع الشمس -سواءٌ أكان ذلك اختياراً أم اضطراراً- فإنها تعتبر مقضية؛ لأنها فعلت في غير وقتها، إلا أن الإنسان إذا صلى بعد طلوع الشمس مضطراً غير مفرط فإنه يكون قد أدى ما عليه قضاءً، ولكنه لا يأثم، أما إذا كان مفرطاً وحصل التأخير عن طلوع الشمس بتفريط منه فإن عليه أن يصلي، ولكنه أثم بكونه قصد التأخير أو أنه وجد منه التفريط الذي حصل بسببه التأخير.

    شرح حديث ابن عباس في المواقيت
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني عبد الرحمن بن فلان بن أبي ربيعة -قال أبو داود : هو عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة - عن حكيم بن حكيم عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمّني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي -يعني المغرب- حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر،
    ثم التفت إلي فقال: يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين) ]. هذه الأوقات التي تؤدى فيها الصلاة، ولا تؤدى قبلها ولا بعدها، إلا إذا كانت قضاءً بحيث يكون الإنسان قد حصل له نوم أو حصل له نسيان، فإنه يصلي الصلاة إذا ذكرها، وإلا فإن الواجب إيقاع الصلاة في أوقاتها، والله عز وجل لما شرع العبادات جعل لها مواقيت واضحة بينة لا تحتاج إلى أن يعرفها أناس مختصون، بل جعلت المواقيت للعبادات من الأمور المشاهدة التي يعرفها الحاضر والبادي؛ لأنها منوطة بطلوع الفجر، وبالزوال، وبكون ظل الشيء مثله أو مثليه، وبغروب الشمس، وبمغيب الشفق. إذاً: المواقيت ليست من الأمور الدقيقة التي لا يعرفها إلا أناس عندهم حذق وعندهم فطنة، بل كل الناس يعرفونها؛ لأنها أمور مشاهدة ومعاينة.
    فالصلوات حددت أوقاتها بأمور مشاهده تحصل في اليوم والليلة، فهي تتعلق بالشمس وبطلوعها وغروبها، وكذلك الشفق الذي يكون وراءها، وبطلوع الفجر، وكذلك بالنسبة لرمضان، فهو شهر يعرف دخوله عن طريق رؤية الهلال في السماء، والصيام يبدأ من طلوع الفجر وينتهي بغروب الشمس. والحج كذلك يكون في أوقات معلومة، وتكون مبنية على معرفة الشهر ودخوله، بحيث يكون الوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة ويوم النحر يوم العاشر،
    والأيام التي بعده شأنها كذلك. إذاً: المواقيت تعرف عن طريق المشاهدة والمعاينة، وعن طريق رؤية الهلال، والمواقيت أمور مشاهدة يعرفها الخاص والعام والحضري في الحضر والبدوي في الفلاة، فإذا غابت الشمس جاء وقت الإفطار، وإذا طلع الفجر جاء وقت الإمساك وجاء وقت صلاة الفجر، وإذا زالت الشمس جاء وقت الظهر، وإذا كان ظل الشيء مثله انتهى وقت الظهر وبعد ذلك يبدأ وقت العصر، وهكذا.

    أول مواقيت الصلوات الخمس
    قوله: [ (أمني جبريل عند البيت مرتين) ] أي: مرة في اليوم الأول، وكان ذلك في أول الوقت، ومرة في اليوم الثاني، وكان ذلك في آخر الوقت. قوله: [ (الصلاة بين هذين الوقت) ] يعني: هذا أول الوقت وهذا آخره، ووقت الصلاة من هذه البداية إلى هذه النهاية. فجبريل أم النبي صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة في أول الوقت ومرة في آخر الوقت، والصلاة تؤدى بين الوقتين الذين هما بداية الوقت ونهايته، فمن أوله إلى آخره تؤدى بين ذلك. وكان مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعدما فرضت عليه الصلوات الخمس في السماء، فنزل عليه جبريل وصلى به الظهر في يوم من الأيام حتى جاء الفجر في أول الوقت،
    وفي اليوم الثاني بدأ بالظهر حتى الفجر في آخر الوقت، وفي هذا بيان أول الوقت وآخر الوقت. قوله: [ (عند البيت)] المقصود بالبيت الكعبة. قوله: [ (فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك) ]. الشمس تطلع من جهة الشرق والفيء يكون إلى جهة الغرب، فإذا توسطت واتجهت إلى جهة الغرب بدأ الظل يتجه إلى جهة الشرق، فإذا زالت الشمس عن الرأس وانكسر الفيء بحيث يصير الظل إلى جهة الشرق عند ذلك يبدأ وقت الظهر. قوله: [ (وكانت قدر الشراك) ] يعني أن ظلها يكون شيئاً يسيراً تحت الجدران مثل سير النعل الذي يكون على ظاهر النعل، وهذا هو أول وقت الظهر. قوله: [ (وصلى بي العصر حين كان ظله مثله) ].
    يعني: عند انتهاء وقت الظهر؛ لأن أول وقت العصر إذا كان ظل الشيء مثله، بحيث تكون الصلاة بعد ذلك، وأما الظهر فيكون قبله، وصلاة العصر متصلة بصلاة الظهر ليس بينهما وقت، فإذا خرج وقت هذه دخل وقت هذه؛ لأنه لا فاصل بينهما، فصلاة الظهر ما لم تحضر العصر، كما جاء في بعض الأحاديث: (ما لم تحضر العصر). وقوله: [ (حين كان ظل الشيء مثله) ]، ليس معنى ذلك أن وقت صلاة العصر يوافق آخر الظهر، بل إذا انتهى وقت الظهر دخل وقت العصر، لا أن الصلاتين متداخلتان، بحيث تكون هذه تؤدى في وقت هذه، وإنما إذا صار ظل الشيء مثله يكون الإنسان قد انتهى من صلاة الظهر. قوله: [ (وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم) ].
    يعني: عندما غربت الشمس؛ لأن إفطار الصائم يكون عند غروب الشمس. قوله: [ (وصلى بي العشاء حين غاب الشفق) ]. الشفق هو الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس، بحيث يأتي الظلام الذي يكون بعد النهار، فإذا جاء ذلك الوقت دخل وقت العشاء. قوله: [ (وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم) ].
    يعني: عند طلوع الفجر؛ لأن طلوع الفجر تدخل به الصلاة ويحرم الأكل والشرب للصائم؛ لأن الأكل والشرب قبل طلوع الفجر جائز، والصلاة لا يؤتى بها قبل طلوع الفجر، وإنما يؤتى بها بعد طلوع الفجر، ومعنى هذا أن طلوع الفجر تحل به صلاة الفجر ويحرم به الأكل والشرب في حق الصائم؛ لأن عليه الإمساك من حين يدخل الوقت حين يوجد انفلاق الصبح الذي هو طلوع الفجر الثاني المعترض في الأفق الذي يستمر شيئاً فشيئاً حتى طلوع الشمس، فعندما يوجد ذلك الوقت يأتي أول وقت صلاة الفجر، وعنده ينتهي الأكل والشرب في حق من يريد الصيام.
    إذاً: هذه مواقيت الصلوات التي صلاها في اليوم الأول، ففي اليوم الأول صلى الظهر عند زوال الشمس بعد الزوال حين صار الظل قدر الشراك، والعصر حين صار ظل الشيء مثله، والمغرب حين غربت الشمس، والعشاء حين غاب الشفق، والفجر حين طلع الفجر، هذه هي بداية الأوقات.
    آخر مواقيت الصلوات الخمس
    قوله: [ (فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله) ]. يعني: عندما يكون ظل الشيء مثله، بحيث يبدأ وقت العصر، وليس معنى ذلك التداخل بحيث يكون وأن آخر وقت هذه هو أول وقت هذه، بل عندما تنتهي هذه تبدأ هذه. قوله: [ (وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه) ]. يعني: أن العصر يبدأ من كون الظل مثله إلى كون الظل مثليه. قوله: [ (وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم) ]. ليس في هذا الموضع ذكر للوقت الثاني؛ لأنه في اليوم الأول صلى حين أفطر الصائم وفي اليوم الثاني صلى حين أفطر الصائم، ومن هنا أخذ بعض العلماء أن صلاة المغرب ليس لها إلا وقت واحد، وأن وقتها ليس بطويل،
    ولكن جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن وقت المغرب إلى وقت العشاء، ووقت العشاء إذا غاب الشفق، فدلت الأحاديث الأخرى على أن صلاة المغرب لها وقت له بداية وله نهاية، فبدايته غروب الشمس ونهايته مغيب الشفق وحضور وقت صلاة العشاء، كما سيأتي في بعض الأحاديث الدالة على ذلك. قوله: [ (وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل) ]. في هذه الرواية ذكر ثلث الليل ولكن جاء في الروايات الأخرى أنها إلى نصف الليل، وسيأتي ذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك، ولعل التفاوت بين الثلث والنصف سببه أن شخصاً قدر بالثلث وشخصاً آخر قد بالنصف،
    لكن جاءت الروايات المتعددة محددة ذلك بنصف الليل، وهذا هو الوقت الاختياري، ولكن -كما هو معلوم- ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يؤدي الصلاة في أول الوقت؛ لأن تأخيرها إلى آخر الوقت قد يؤدي إلى خروجها عن وقتها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، والذي يحوم حول آخر الوقت يوشك أن يخرج الوقت وهو لم يصل، فيكون بذلك قد أخرج الصلاة عن وقتها ويكون مفرطاً، ولكنه إذا بادر إلى الصلاة في أول وقتها يكون بذلك قد بادر إلى الشيء الذي كلف به. قوله: [ (وصلى بي الفجر فأسفر) ]. يعني: صلى حتى حصل الإسفار، وجاء في بعض الأحاديث: أن وقت الفجر ما لم تطلع الشمس، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن تطلع الشمس فليضف إليها أخرى) يعني: ويكون بذلك قد أدى الصلاة في وقتها، فوقت الفجر إلى طلوع الشمس، ولكن ينبغي للإنسان المسلم أن يؤديها بغلس وأن يؤديها في أول وقتها كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكنها حيث أديت من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس تكون قد أديت في وقتها.
    إذاً: على الإنسان أن لا يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت؛ لأن ذلك فيه قرب من النهاية، وقد يؤدي ذلك إلى التفريط وإخراج الصلاة عن وقتها، ثم إن من الصلوات ما لها وقت اضطراري ووقت اختياري، فصلاة العصر لها وقت اختياري ووقت اضطراري، فالاختياري يمتد إلى أن يكون ظل الشيء مثليه أو إلى اصفرار الشمس، أما الاضطراري فإلى غروب الشمس، بمعنى: أنه لو نام إنسان ولم يستيقظ إلا قبل غروب الشمس فإنه يصلي العصر في وقتها،
    وهو الوقت الاضطراري، وكذلك بالنسبة للعشاء، فامتداد وقتها إلى نصف الليل اختياري، وبعده إلى طلوع الفجر اضطراري؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة التي بعدها). قوله: [ (ثم التفت إلي فقال: يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين) ]. أي: وقت الصلاة بين هذين الوقتين: الوقت الأول الذي حصل في اليوم الأول، والوقت الثاني الذي حصل في اليوم والثاني، فوقت الصلاة بين هذين الوقتين، وهي أوقات اختيارية كما هو واضح.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في المواقيت
    قوله: [ حدثنا مسدد ].
    هو مسدد بن مسرهد ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ عن يحيى ].
    هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سفيان ].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الرحمن بن فلان بن أبي ربيعة ].
    هو عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [ عن حكيم بن حكيم ].
    حكيم بن حكيم صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
    [ عن نافع بن جبير بن مطعم ].
    نافع بن جبير بن مطعم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس ].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره أن عمر بن عبد العزيز كان قاعداً على المنبر فأخر العصر شيئاً، فقال له عروة بن الزبير : أما إن جبريل صلى الله عليه وسلم قد أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بوقت الصلاة، فقال له عمر . اعلم ما تقول، فقال عروة : سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نزل جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه،
    ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه ثم صليت معه -يحسب بأصابعه خمس صلوات-، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس، وربما أخرها حين يشتد الحر، ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصفرة، فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس، ويصلي المغرب حين تسقط الشمس، ويصلي العشاء حين يسود الأفق، وربما أخرها حتى يجتمع الناس، وصلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، ولم يعد إلى أن يسفر) ].
    قوله: [ أخبره أن عمر بن عبد العزيز كان قاعداً على المنبر فأخر العصر شيئاً -يعني: بعض التأخير- فقال له عروة بن الزبير : أما إن جبريل قد أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بوقت الصلاة. فقال له عمر: [ اعلم ما تقول ] يعني: ينبغي أن تكون متحققاً مما تقوله ومتثبتاً منه. ولعل المقصود من قوله: (اعلم ما تقول) يتعلق بذكر إخبار جبريل، وإلا فإن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه لا يخفى عليه أن الصلاة لها وقت له بداية وله نهاية، وأن تأخيره إنما هو تأخير مبني على أن الوقت باق، فقوله: [ اعلم ما تقول ] قيل: إنه يتعلق بكون عروة أخبر أن جبريل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقت الصلاة، فعند ذلك حدث عروة بن الزبير بإسناده إلى أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
    قوله: [ قال عروة : سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نزل جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبرني بوقت الصلاة، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه) ]. يعني أنه أخبره بالفعل وبالقول؛ لأنه أمه في أول الوقت في اليوم الأول وفي اليوم الثاني أمه في الصلوات الخمس في آخر الوقت، أي: الوقت الاختياري بالنسبة للصلاة التي لها وقت اختياري ووقت اضطراري.
    ففيه إخبار بالقول وإخبار بالفعل؛ لأنه صلى به وقال له: (الوقت ما بين هذين الوقتين) وهنا ذكر الصلوات الخمس وعدها ولم يذكر التفصيل، وإنما ذكر ذلك مجملاً بقوله: [ (صليت معه ثم صليت معه ...) ]. فتحقق الإخبار من جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم قد حصل، وأنه أخبره بالوقت وصلى معه، وإخباره به كان قولاً وفعلاً. قوله: [ (فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم) ] يعني: فرآه يصلي الأوقات على هذا النحو الذي ذكره، وهذا ليس فيه بيان الشيء الذي فعله جبريل، وإنما فيه إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن جبريل أخبره بالوقت وأنه صلى معه خمس صلوات، ثم قال أبو مسعود : رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل كذا وكذا. أي: مما شاهده وعاينه، ومن المعلوم أن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مبني على ما علّمه جبريل وبما أوحى الله إليه بعد ذلك فيما فيه زيادة على ما حصل في تعليم جبريل له صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد جاء في حديث جبريل أنه صلى المغرب وقتاً واحداً،
    ولكن جاء من قوله صلى الله عليه وسلم: (وقت المغرب ما لم يغب الشفق -أو: ما لم يحضر وقت العشاء-) فدل ذلك على أن هناك زمناً أطول من الزمن الذي ذكر فيه أنه صلى المغرب عند غروب الشمس في اليومين الأول والثاني، وعلى هذا فحديث أبي مسعود فيه الإخبار بصلاة جبريل به وإخبار جبريل له بوقت الصلاة، ثم إن أبا مسعود أخبر عما شاهده وعاينه من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس) ].
    يعني: حين يحصل الزوال، وهو رجوع الفيء من جهة الغرب إلى جهة الشرق، وإن كان شيئاً يسيراً، كما سبق أن مر في حديث ابن عباس أنه مثل شراك النعل. والمهم أنه إذا وجد الزوال وتحقق وجود الفيء وإن كان شيئاً يسيراً فذلك هو بداية صلاة الظهر، ولا يجوز أن تؤدى قبل الزوال، ولو أديت قبل الزوال لكانت باطلة غير صحيحة، ومن صلاها قبل الزوال فتبين له أن الزوال لم يحصل يجب عليه أن يعيدها؛ لأن الصلاة قبل وقتها لا تصح ولا تعتبر. قوله: [ (وربما أخرها حين يشتد الحر) ].
    يعني أنه كان يؤخرها إذا اشتد الحر، وقد جاء ذلك من فعله، وجاء من قوله: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة -أو عن الصلاة-؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم). قوله: [ (ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصفرة) ] يعني: لم تقرب من الغروب ولم يتغير لونها، بل لونها على صفائه وعلى بياضه لم يتغير بصفرة للقرب من الغروب، وإنما هي بيضاء في شدة وهجها مع وجود حرارتها، وهذا هو آخر الوقت الاختياري. قوله: [ (فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس) ]. يعني: يمشي إلى ذي الحليفة قبل غروب الشمس، وهذا فيه تقدير بالسير.
    قوله: [ (ويصلي المغرب حين تسقط الشمس) ]. يعني: يصلي المغرب حين تغيب وتذهب عن الأبصار، وهو الوقت الذي يحل فيه الأكل للصائم حيث يفطر، ويحل فيه أداء صلاة المغرب. قوله: [ (ويصلي العشاء حين يسود الأفق) ]. يعني: يصلي العشاء حين تذهب حمرة الشفق الذي كان من آثار النهار، ويسود الأفق بالظلام الدامس الذي ليس معه شيء من علامات النهار، والشفق هو الذي يأتي بعد غروب الشمس ويتبعها ويذهب بضوئها شيئاً فشيئاً حتى يأتي الظلام الشديد. قوله: [ (وربما أخرها حتى يجتمع الناس) ]. كان من هديه صلى الله عليه وسلم في العشاء أنه إذا رآهم بكروا وعجلوا بالحضور عجل حتى لا يشق عليهم، وإذا رآهم أخروا أو لم يكتمل حضورهم فإنه يؤخر، وقد جاء في بعض الأحاديث أن وقتها إلى ثلث الليل، وفي بعضها إلى نصف الليل، أي: خروج الوقت الاختياري.
    قوله: [ (وصلى الصبح مرة بغلس) ]. يعني: في الظلام بعد طلوع الفجر في أول الوقت. قوله: [ (ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها) ]. يعني: حين وضح النهار وتبين الإسفار. قوله: [ (ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد إلى أن يسفر) ]. يعني أنه كان يحافظ على الصلاة في أول وقتها ولم يعد إلى الإسفار، وإنما فعله في بعض الأحيان لبيان الجواز ولبيان أن ذلك سائغ، ولكن الذي داوم عليه والمعروف من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصليها بغلس.
    تراجم رجال إسناد حديث: (نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة)

    قوله: [حدثنا محمد بن سلمة المرادي ].
    هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجه .
    [ عن ابن وهب ].
    هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أسامة بن زيد الليثي ].
    أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن ابن شهاب ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عروة بن الزبير ].
    هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن بشير بن أبي مسعود ].
    بشير بن أبي مسعود له رؤية، وقيل: إنه من ثقات التابعين. أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ عن أبيه ].
    أبوه هو أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    حديث (نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة ...) من طرق أخرى وتراجم رجال الإسناد

    قوله: [ قال أبو داود : روى هذا الحديث عن الزهري معمر و مالك و ابن عيينة و شعيب بن أبي حمزة و الليث بن سعد وغيرهم، لم يذكروا الوقت الذي صلى فيه ولم يفسروه ]. أي: روى هذا الحديث عدد من أصحاب الزهري ، وهم: معمر و الليث ، و مالك ، و ابن عيينة ، و شعيب بن أبي حمزة لم يذكروا الوقت ولم يفسروه، أي: لم يبينوا أنه من كذا إلى كذا، وإنما ذكروه مجملاً، لا كما مر في أول الحديث في قوله: [ (صليت معه ثم صليت معه ...) ].
    قوله: [روى هذا الحديث عن الزهري معمر ]. معمر هو معمر بن راشد الأزدي البصري ، ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ مالك ].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ و ابن عيينة ].
    هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و شعيب بن أبي حمزة ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ و الليث بن سعد ].
    هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ وكذلك -أيضاً- روى هشام بن عروة و حبيب بن أبي مرزوق عن عروة نحو رواية معمر وأصحابه، إلا أن حبيباً لم يذكر بشيراً ]. أي أن هشام بن عروة رواه عن أبيه نحو رواية معمر ، وكذلك حبيب بن أبي مرزوق رواه عن عروة نحو رواية معمر وأصحابه، يعني الذين ذكرهم بعده كما مر ذكرهم، إلا أن حبيباً لم يذكر بشير بن أبي مسعود ، بل رواه عن عروة عن أبي مسعود. [ وكذلك -أيضاً- روى هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. قوله: [و حبيب بن أبي مرزوق ]. حبيب بن أبي مرزوق ثقة، أخرج حديثه الترمذي و النسائي ، وما ذكر رواية أبي داود عنه، ولعل الرواية التي تذكر في التعليقات لا يرمز لرواتها، وإنما يرمز للذين رووا في الأصول.
    ذكر روايات متعلقة بمواقيت الصلاة وتراجم رجالها

    قوله: [وروى وهب بن كيسان عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المغرب، قال: (ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس -يعني من الغد- وقتاً واحداً)]. رواية وهب بن كيسان عن جابر هي فيما يتعلق بالمغرب، حيث جاءه في اليوم الثاني وصلى به المغرب وقتاً واحداً كما صلى في اليوم والأول. إذاً: رواية جابر رضي الله عنه فيها أن وقت المغرب وقت واحد في اليومين الأول والثاني، وقد عرفنا أنه جاء في الأحاديث ما يدل على أن المغرب ليس وقته واحداً، بل وقته ممتد ما لم يحضر وقت العشاء حين مغيب الشفق. قوله: [ وهب بن كيسان ]. وهب بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جابر ].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : وكذلك روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثم صلى بي المغرب -يعني من الغد- وقتاً واحداً) ]. هذا الذي جاء عن أبي هريرة هو -كذلك- فيما يتعلق بصلاة المغرب، وأن اليومين اللذين صلى فيهما جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم المغرب كان وقتهما واحداً.
    قوله: [ عن أبي هريرة ].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
    قوله: [ وكذلك روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص من حديث حسان بن عطية عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أي: وكذلك روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص مثل الذي جاء عن جابر وعن أبي هريرة ، وهو أن وقت المغرب كان واحداً، وقال: إنه من رواية حسان بن عطية عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قوله: [ من حديث حسان بن عطية ]. حسان بن عطية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمرو بن شعيب ].
    هو عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن.
    [ عن أبيه ].
    أبوه شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، صدوق أيضاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن جده ].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وعلى هذا فهؤلاء الثلاثة الذين هم جابر و أبو هريرة و عبد الله بن عمرو بن العاص جاء عنهم ما يدل على أن وقت المغرب واحد. وقد سبق أن مر في حديث ابن عباس أيضاً أنه قال: (وقتاً واحداً)، وقد جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص -وسيأتي-: (أن وقت المغرب ما لم يحضر وقت العشاء -أو ما لم يغب الشفق-).
    شرح حديث: (الوقت فيما بين هذين)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود حدثنا بدر بن عثمان حدثنا أبو بكر بن أبي موسى عن أبي موسى رضي الله عنه: (أن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئاً، حتى أمر بلالاً رضي الله عنه فأقام الفجر حين انشق الفجر، فصلى حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه، أو أن الرجل لا يعرف من إلى جنبه، ثم أمر بلالاً فأقام الظهر حين زالت الشمس، حتى قال القائل: انتصف النهار. وهو أعلم، ثم أمر بلالاً فأقام العصر والشمس بيضاء مرتفعة، وأمر بلالاً فأقام المغرب حين غابت الشمس، وأمر بلالاً فأقام العشاء حين غاب الشفق، فلما كان من الغد صلى الفجر وانصرف، فقلنا:
    أطلعت الشمس؟ فأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله، وصلى العصر وقد اصفرت الشمس -أو قال: أمسى-، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ الوقت فيما بين هذين)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقت فلم يجبه بالقول والتفصيل، ولكنه أراد أن يوقفه بالفعل على أوقات الصلاة، فهو تعليم بالفعل، وبعد ذلك قال له:
    [ (الوقت بين هذين الوقتين) ] بعد أن صلى معه يومين وشاهد وعاين وعرف الوقت الذي يصلى فيه، فكان بيانه صلى الله عليه وسلم له بالفعل، بحيث يشاهد ويعاين صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت في أوله وفي آخره، ثم بعد ذلك قال له: [ (الصلاة بين هذين الوقتين) ].

    وقت الصلوات في اليوم الأول
    قوله: [ (أمر بلالاً فأقام الفجر حين انشق الفجر) ]. يعني: في اليوم الأول حين طلع الفجر وبدأ أول الوقت أمره بأن يقيم الصلاة فأقام وصلى. قوله: [ (وصلى حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه، أو أن الرجل لا يعرف من إلى جنبه) ]. يعني أنه من الظلام كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه، حيث صلى مبكراً في أول الوقت.
    قوله: [ (ثم أمر بلالاً فأقام الظهر حين زالت الشمس، حتى قال القائل: انتصف النهار) ]. يعني أنه صلى في أول الوقت، وليس معناه الشك أو التردد في كون النهار قد انتصف، ولكن هذا إشارة إلى أنه صلى في أول الوقت. قوله: [ (وهو أعلم) ] المقصود بذلك أنه يعلم أنه قد انتصف النهار، وليس هناك تردد في أنه انتصف أو لم ينتصف؛ لأنه لا يجوز أن تصلى الصلاة في وقت مشكوك فيه، بل الواجب أن يؤتى بالصلاة بعد تحقق دخول الوقت وليس في الشك، وإنما هذا فيه إشارة إلى المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت، مثل ما جاء في قضية صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في مزدلفة، حيث قيل في حديثها (هل طلع الفجر -أو أطلع الفجر-) وكذلك قول عائشة :
    (كان يصلي ركعتي الفجر حتى أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن؟) وهذه إشارة إلى تقليلها، وليس معنى ذلك الشك في أنه أكمل الفاتحة أو لم يكملها، فهذه العبارات يراد بها الإشارة إلى التقليل. قوله: [ (ثم أمر بلالاً فأقام العصر والشمس بيضاء مرتفعة، وأمر بلالاً فأقام المغرب حين غابت الشمس) ]. يعني أنه صلاهما في أول الوقت. قوله: [ (وأمر بلالاً فأقام العشاء حين غاب الشفق) ]. يعني: حين ذهب ذهبت الحمرة التي بعد غروب الشمس وجاء الظلام الشديد.
    وقت الصلوات في اليوم الثاني
    قوله: [ (فلما كان من الغد صلى الفجر وانصرف فقلنا: أطلعت الشمس؟) ]. يعني: كادت أن تطلع بعد فراغه من الصلاة، وهذا في آخر الوقت. قوله: [ (فأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله) ]. يعني أول الوقت، وليس المقصود منه تداخل الوقتين، وإنما المقصود منه أنه بعد انتهاء وقت الظهر دخل وقت العصر؛ لأن الوقتين لا فاصل بينهما، وليس هناك تداخل في الوقت بحيث يكون آخر الظهر وقتاً لصلاة الظهر ولصلاة العصر معاً، بل حين ينتهي وقت صلاة الظهر يدخل مباشرة وقت صلاة العصر بدون فاصل من الوقت بينهما. ومعناه أنه أخر الظهر إلى آخر وقت الظهر الذي يليه مباشرة أول وقت العصر. قوله: [ (وصلى العصر وقد اصفرت الشمس) ]. يعني: في آخر وقتها الذي هو الوقت الاختياري.
    قوله: [ (أو قال: أمسى) ]. يعني أنه جاء المساء. قوله: [ (وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق) ]. يعني: قرب صلاة العشاء؛ لأن وقت العشاء عند مغيب الشفق، وهذا فيه أن المغرب لها وقت طويل. قوله: [ (وصلى العشاء إلى ثلث الليل) ]. يعني: صلى العشاء إلى ثلث الليل، وجاء في بعض الروايات الصحيحة الثابتة أنه إلى نصف الليل، فيكون الوقت الاختياري منتهياً بنصف الليل، ونصف الليل يتحدد بغروب الشمس وطلوع الفجر، ويطول الليل ويقصر، والحد الذي يمكن أن يعرف به مقدار الليل ومقدار نصفه بمقدار المدة التي بين غروب الشمس وطلوع الفجر، فنصفها نصف الليل، سواءٌ أطال الليل أم قصر،
    ولا تؤخر عن نصف الليل إلا إذا كان الإنسان مضطراً إلى ذلك بسبب نوم أو نسيان أو غفلة، وإلا فلا يجوز للإنسان أن يتعمد تأخيرها عن نصف الليل الذي هو آخر الوقت الاختياري. قوله: [ (ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ الوقت فيما بين هذين) ]. أي: لما سأل ذلك السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجبه بتفصيل وبيان لفظي أراد أن يوقفه على ذلك بالفعل، وصلى معه يومين، ففي اليوم الأول صلى في أول الوقت، وفي اليوم الثاني صلى في آخر الوقت، ثم قال له: (الوقت فيما بين هذين الوقتين).

    تراجم رجال إسناد حديث: (الوقت فيما بين هذين)
    قوله: [ حدثنا مسدد ].
    هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ حدثنا عبد الله بن داود ].
    هو عبد الله بن داود الخريبي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [ حدثنا بدر بن عثمان ].
    بدر بن عثمان ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجه في التفسير.
    [ حدثنا أبو بكر بن أبي موسى ].
    أبو بكر بن أبي موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي موسى ].
    هو أبو موسى الأشعري ، واسمه عبد الله بن قيس الأشعري ، صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    طريق أخرى عن جابر في المواقيت، وتراجم رجال إسنادها

    [ قال أبو داود : روى سليمان بن موسى عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب بنحو هذا، قال: (ثم صلى العشاء)، قال بعضهم: إلى ثلث الليل، وقال بعضهم: إلى شطره) ]. قوله: [ في المغرب بنحو هذا ]. يعني أنه صلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وهذا يدل على أن لها وقتاً طويلاً. قوله: [ (وقال بعضهم: إلى شطره) ]. يعني: نصف الليل. قوله: [ روى سليمان بن موسى ]. هو سليمان بن موسى الأشدق ، صدوق في حديثه بعض لين، أخرج حديثه مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جابر ].
    جابر قد مر ذكره. قوله: [ وكذلك روى ابن بريدة رضي الله عنه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني: روى ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم في وقت المغرب ووقت العشاء. وقوله: [ ابن بريدة ] لا أدري هل هو عبد الله أو سليمان ، و عبد الله و سليمان كل منهما ثقة، إلا أن عبد الله أخرج له أصحاب الكتب الستة، و سليمان أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو بريدة بن الحصيب الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (وقت الظهر ما لم تحضر العصر...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن قتادة سمع أبا أيوب عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وقت الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل، ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وفيه بيان أواخر الأوقات، و بقوله صلى الله عليه وسلم: [ (وقت الظهر ما لم تحضر العصر) ]. يعني أن وقت الظهر متصل بوقت العصر، فإذا انتهى وقت الظهر دخل وقت العصر، فالوقتان متصلان وليسا متداخلين. قوله: [ (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس) ].
    يعني أن الوقت الاختياري ما لم تصفر الشمس، أي: ما دامت بيضاء مرتفعة نقية قبل أن يحصل اصفرارها وتغير لونها، فهذا هو آخر الوقت الاختياري للعصر. قوله: [ (ووقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق) ]. فور الشفق شدته، وهو الحمرة. قوله: [ (ووقت العشاء إلى نصف الليل) ]. هذا هو آخر الوقت الاختياري. قوله: [ (ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس) ]. يعني: إلى طلوع الشمس. فهذا بيان أواخر الأوقات.
    معنى أثر: (لا يستطاع العلم براحة الجسد)
    هذا الحديث في مواقيت الصلاة رواه مسلم في صحيحه من عدة طرق من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، ثم بعد ذلك روى أثراً بإسناده عن يحيى بن يحيى التميمي عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير اليمامي قال: سمعت أبي يقول: (لا يستطاع العلم براحة الجسم). فهذا الأثر جاء في كتاب الصلاة عند ذكر المواقيت، وبعد ذكر الطرق المتعددة لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في بيان الأوقات. قال النووي في الشرح: ولعل مسلماً لما رأى هذه الطرق المتعددة لحديث عبد الله بن عمرو تذكر أن العناية بالعلم والاشتغال به وتحصيل الطرق الكثيرة إنما يحصل بالتعب والنصب والمشقة روى هذا الأثر عن يحيى بن أبي كثير حيث قال:
    لا يستطاع العلم براحة الجسم. يعني: من أراد أن يحصل علماً فإنه لن يحصله بالإخلاد إلى الراحة وبالكسل والخمول، وإنما يحصله بالجد والاجتهاد ويحصله بالنصب والتعب، كما يقولون: ملء الراحة لا يدرك بالراحة. أي أن الشيء القليل لا يحصل بدون مقابل وبدون بذل جهد وبدون جد واجتهاد، فلا بد من النصب ومن التعب، ولا بد من المشقة، فمن أراد أن يحصل شيئاً فليبذل أشياءً، ومن أراد أن يحصل العلم فليبذل النفس والنفيس، ويشغل الوقت بالتحصيل ويجد ويجتهد، وبذلك يحصل العلم، ويقول الشاعر: لولا المشقة ساد الناس كلهو الجود يفقر والإقدام قتال فقوله: (لولا المشقة) يعني: لولاها لصار كل الناس سادة، وإذا كان السؤدد يحصل بدون تعب ومشقة فلن يبقى أحد غير سيد، بل كل يصير سيداً، لكن لما كان السؤدد لا يحصل إلا بالمشقة وليس كل واحد يصبر على المشقة تميز بذلك من هو سيد ومن ليس بسيد، وتميز بذلك من يكون سيداً ومن يكون مقدماً ومرجعاً يستفاد منه، وكل ذلك لا يحصل إلا بالتعب والنصب والمشقة: وقوله: (الجود يفقر) يعني أن الإنسان عندما يكون عنده المال يخشى الفقر فلا يبذل،
    فليس كل واحد يصبر على هذا ويقدم على هذا؛ لأن من الناس من يكون عنده المال ولكنه يمسكه خشية الفقر. وقوله: (والإقدام قتال) أي أن الإقدام في الوغى فيه الموت، وليس كل واحد يعرض نفسه للموت. والحاصل أن هذا الأثر عن يحيى بن أبي كثير اليمامي رحمة الله عليه يدل على أن تحصيل العلم لا يحصل إلا بالتعب، ومن المعلوم أن من عرف بالعلم من المتقدمين الذين خلد الله ذكرهم ونفع الله بعلمهم وبمؤلفاتهم ما حصلوا ما حصلوا إلا بتعب ونصب ومشقة، وما خلفوا ما خلفوا من التراث والعلم إلا بتعب ونصب ومشقة، ويختلف التعب في ذلك الزمن والنصب والمشقة عن هذا الزمن؛ إذ ما كان عند الناس وسائل الراحة، وما كان عندهم تصوير الكتب، وليس عندهم المطابع، وإنما يعولون على الكتابة ويكتبون بأيديهم، ومع الكتابة مقابلة،
    حتى يتحقق بأن الفرع مطابق للأصل، ومع ذلك كتبوا هذه الكتب العظيمة الواسعة الكثيرة التي لا نستطيع أن نقرأها مجرد قراءة، وهم قاموا بجمعها وترتيبها وتنظيمها وتدقيقها وتحقيقها، وأعمارهم مثل أعمارنا، فلم تكن عندهم أعمار طويلة بذلوها في ذلك، لكن ليس إلا التوفيق من الله عز وجل، والجد والاجتهاد وبذل الوسع والنفس والنفيس، بل إن منهم من ألف المؤلفات وخلف من العلم الواسع وعمره ليس بطويل، كما ذكروا عن أبي بكر الحازمي أنه توفي وعمره خمس وثلاثون سنة، وعنده المؤلفات العظيمة الكثيرة، منها: (كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار)، ومنها: (شروط الأئمة الخمسة)، وله كتب متعددة.
    قال عنه الذهبي لما ذكره في كتابه: (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) مات وعمره خمس وثلاثون سنة، مات شاباً طرياً. ومثله في المعاصرين الشيخ حافظ الحكمي رحمة الله عليه، مات وعمره خمس وثلاثون سنة وعنده المؤلفات الواسعة نظماً ونثراً في الفقه وفي العقيدة وفي المصطلح وفي الحديث، وكذلك الإمام النووي له المؤلفات الواسعة، منها المجموع، وهو من أوسع كتب الفقه، أي: من الكتب التي جمعت فقه الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، فكتابه (المجموع شرح المهذب)،
    وكتاب المغني لابن قدامة من أوسع الكتب التي تعنى بالفقه وجمع كلام الفقهاء من صحابة وتابعين وغيرهم، والمجموع هو كتاب واسع، ولم يتمه، وله المؤلفات الكثيرة الواسعة، ومات وعمره خمس وأربعون سنة. وكذلك الإمام الشافعي مات وعمره أربع وخمسون سنة، وكذلك عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه معروف في فضله وفي علمه وفي عدله، ومات وعمره أربعون سنة. فالحاصل أن العلم يحصل بالجد والاجتهاد، والأمر كما قال يحيى بن أبي كثير اليمامي : لا يستطاع العلم براحة الجسم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (وقت الظهر ما لم تحضر العصر...)
    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ].
    هو عبيد الله معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا أبي ].
    أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا شعبة ].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قتادة ].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سمع أبا أيوب ].
    أبو أيوب هو يحيى بن مالك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ عن عبد الله بن عمرو ].
    هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره، والله تعالى أعلم."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #92
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [061]
    الحلقة (92)

    شرح سنن أبي داود [061]


    في هذه الأحاديث بيان وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للصلوات الخمس، وأنه كان يراعي حال الناس ولا يشق عليهم، فكان في العشاء إذا تأخروا عنها أخر حتى يجتمعوا، وإن تقدموا وكثروا عجل بها، وكان يصلي الفجر في الغلس، وكان يصلي الظهر في أول وقتها بعد الزوال ويبرد بها ويأمر بذلك في شدة الحر، وكان يصلي العصر في أول وقتها والشمس حية، وكان يصلي المغرب في أول وقتها فينصرف الصحابة وإن أحدهم ليرى موضع نبله من التبكير بها، فعلى العبد أن يعلم هذه المواقيت وأن يبادر بالصلاة في أول وقتها ليحصل له الأجر الجزيل من الله تعالى.
    وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصليها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصليها. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عمرو -وهو ابن الحسن بن علي بن أبي طالب - قال: (سألنا جابراً عن وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس حية، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء إذا كثر الناس عجل وإذا قلوا أخر، والصبح بغلس) ]. قوله: [ باب: في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصليها ] هذه الترجمة تتعلق بالأوقات، والمصنف رحمه الله على طريقته في ذكر التراجم المختلفة واختيارها وإيراد الأحاديث تحتها أتى بهذه الترجمة، وهي تتعلق بالأوقات، وكان يمكن أن تدخل تحت ما تقدم في أوقات الصلاة؛ لأن الأحاديث مشتملة على أوقات الصلاة،
    ولكن لأنه جاء فيها ذكر وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالترجمة من أجل ذلك، وإلا فإنها مثل الترجمة السابقة المتعلقة بمواقيت الصلاة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه سأله محمد بن عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب عن وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال(كان يصلي الظهر بالهاجرة) يعني: في وسط النهار عندما تزول الشمس. قوله: (والعصر والشمس حية) يعني: بيضاء نقية من شدة وهجها وصفاء لونها.
    قوله: (والمغرب إذا غربت الشمس). يعني: إذا غربت الشمس وغاب قرصها فإنه يصليها، وهذا أول وقتها. قوله: (والعشاء إذا كثر الناس عجل). يعني: إذا كثر الناس بعد دخول وقتها -هو مغيب الشفق- عجل. قوله: (وإذا قلوا أخر) يعني: لانتظارهم، وذلك لأن وقتها موسع، وتأخيرها ورد ما يدل على فضله، فكان إذا كثروا عجل حتى لا يشق عليهم، وإذا قلوا فإنه يؤخرها قليلاً. قوله: (والصبح بغلس). يعني: في الظلام بعد طلوع الفجر في أول وقتها.

    تراجم رجال إسناد حديث: (سألنا جابراً عن وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ...)
    قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].
    هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا شعبة ].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعد بن إبراهيم ].
    عن سعد بن إبراهيم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن عمرو ].
    هو محمد بن عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ قال: سألنا جابراً ].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي المنهال عن أبي برزة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلي العصر وإن أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس حية، ونسيت المغرب، وكان لا يبالي تأخير العشاء إلى ثلث الليل.
    قال: ثم قال: إلى شطر الليل. قال: وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان يصلي الصبح وما يعرف أحدنا جليسه الذي كان يعرفه، وكان يقرأ فيها من الستين إلى المائة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه في بيان وقت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس) ]. يعني: عندما يوجد الزوال في أول وقتها. قوله: (ويصلي العصر وإن أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس حية). يعني: أنه يصليها في أول وقتها ويذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس حية. يعني أنه ما زال وقت العصر موجوداً. قوله: (قال: ونسيت المغرب). يعني أنه نسي الوقت الذي كان يصليها فيه، والذي نسب إليه النسيان هو أحد الرواة، وهو أبو المنهال سيار بن سلامة كما جاء في بعض الروايات. قوله: (قال: وكان لا يبالي تأخير العشاء إلى ثلث الليل). يعني أنه كان يستحب تأخيرها، ولكن خشية أن يشق على الناس كان إذا رآهم كثروا عجل. قوله: (قال: ثم قال: إلى شطر الليل).
    يعني: إلى نصف الليل، وشطر الليل الذي هو نصفه هو حد الوقت الاختياري لصلاة العشاء، ونصف الليل يكون تقديره بمعرفة وقت الغروب ووقت طلوع الفجر، ومجموع ما بين هذين الوقتين نصفه هو منتصف الليل. قوله: (قال: وكان يكره النوم قبلها). يعني: قبل صلاة العشاء، وذلك لأن النوم قبلها يؤدي إلى تفويت صلاة العشاء، إما تفويتها بأن يخرج وقتها الاختياري، أو تفويت صلاة الجماعة.
    قوله: (والحديث بعدها) يعني السمر والحديث بعدها إذا كان لغير فائدة ولغير مصلحة، كعلم أو أمر فيه مصلحة تعود على الناس بالخير، فإذا كان الأمر كذلك فإنه لا بأس، لكن المهم هو أن لا يكون ذلك سبباً في التأخر عن صلاة الفجر، وذلك بأن ينام ثم لا يقوم لصلاة الفجر، فإذا كان الأمر كذلك فإن الحديث بعدها ولو كان في أمر مستحب لا يسوغ؛ لأن الاشتغال بما هو نافلة إذا كان سيفوت فريضة لا يجوز. وقد قال بعض أهل العلم: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور. بمعنى أن الإنسان بعد صلاة العشاء لو كان في أمر مستحب من علم أو مصلحة عامة وكان ذلك يؤدي إلى فوات الفجر فإن ذلك لا يجوز، بل على الإنسان أن ينام مبكراً حتى يستيقظ مبكراً ويؤدي صلاة الفجر في وقتها مع جماعة المسلمين. قوله: (وكان يصلي الصبح وما يعرف أحدنا جليسه الذي كان يعرفه).
    يعني أنه يدخل في الصلاة مبكراً ويخرج منها وقد حصل الإسفار، بحيث يحصل معرفة الإنسان جليسه الذي كان يعرفه. قوله: (وكان يقرأ فيها من الستين إلى المائة). يعني: كان يقرأ فيها من ستين آية إلى مائة آية.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس...)
    قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ].
    هو حفص بن عمر بن الحارث بن سخبرة، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا شعبة عن أبي المنهال ].
    شعبة قد مر ذكره، و أبو المنهال هو سيار بن سلامة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي برزة ].
    هو أبو برزة الأسلمي، وهو نضلة بن عبيد الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا من الأسانيد الرباعية، فبين أبي داود ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أربعة أشخاص، وهم: حفص بن عمر ، و شعبة ، وأبو المنهال ، و أبو برزة الأسلمي .
    وقت صلاة الظهر


    شرح حديث: (كنت أصلي الظهر مع رسول الله فآخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في وقت صلاة الظهر. حدثنا أحمد بن حنبل و مسدد قالا: حدثنا عباد بن عباد حدثنا محمد بن عمرو عن سعيد بن الحارث الأنصاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كنت أصلي الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر) ]. قوله: [ باب: في وقت صلاة الظهر ].
    لما ذكر فيما مضى جملة من الأحاديث التي فيها ذكر الصلوات الخمس وبيان مواقيتها ابتداء وانتهاء، ثم ذكر وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جملة من الأحاديث بدأ بذكر الأبواب لكل صلاة من الصلوات الخمس، فبدأ بالظهر، وختم بالفجر، وبدأ بالظهر لأن جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس بدأ بالظهر وختم بالفجر، وذلك بعد أن عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس، فنزل جبريل في وقتها وبدأ بها، حيث صلى في اليوم الأول في أول الوقت وفي اليوم الثاني صلى في آخر الوقت بدءاً بالظهر وختماً بالفجر، فهذا هو السبب الذي جعل العلماء عندما يذكرون الصلوات يبدءون بالظهر فيقدمونها على غيرها، ولا يبدءون بالفجر مع أن الفجر هي أول صلوات النهار، ولا يبدءون بالمغرب مع أنها أول صلوات الليل، وإنما يبدءون بالظهر لأنها هي أول ما صلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم من الصلوات. ثم بعد ذلك أورد بعض الأحاديث في وقت صلاة الظهر،
    فأورد حديث جابر رضي الله تعالى عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الأرض شديدة الحرارة، وكان يشق عليهم السجود على الأرض، فكان يأخذ قبضة من الحصباء ويقبض عليها بيده حتى تبرد وتذهب حرارتها ثم يلقيها في موضع سجوده، وذلك لتخف عليه الحرارة؛ لأنه إذا سجد والحرارة شديدة يشغله ذلك عن الصلاة وعن الخشوع في الصلاة، فكان يفعل ذلك، وقد جاء في بعض الأحاديث أنهم كانوا يسجدون على أطراف ثيابهم يتقون حرارة الشمس.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كنت أصلي الظهر مع رسول الله فآخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي...)
    قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].
    هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ و مسدد ].
    هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ حدثنا عباد بن عباد ].
    هو عباد بن عباد المهلبي، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا محمد بن عمرو ].
    هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن الحارث الأنصاري ].
    سعيد بن الحارث الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جابر بن عبد الله ].
    جابر بن عبد الله قد مر ذكره.

    شرح حديث: (كانت قدر صلاة رسول الله في الصيف ثلاثة أقدام...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبيدة بن حميد عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق عن كثير بن مدرك عن الأسود أن عبد الله بن مسعود قال: (كانت قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام) ]. قوله: (كانت قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام). يعني: كان يصلي الظهر عليه الصلاة والسلام في الصيف من ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي الشتاء من خمسة إلى سبعة؛ لأن الظل يطول في الشتاء ويقصر في الصيف.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كانت قدر صلاة رسول الله في الصيف ثلاثة أقدام...)
    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
    عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ حدثنا عبيدة بن حميد ].
    عبيدة بن حميد صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [ عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق ].
    أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن كثير بن مدرك ].
    كثير بن مدرك وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ عن الأسود ].
    هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن مسعود ].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (... إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)
    قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة أخبرني أبو الحسن -قال أبو داود : أبو الحسن هو مهاجر - قال: سمعت زيد بن وهب يقول: سمعت أبا ذر يقول: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر فقال: أبرد. ثم أراد أن يؤذن فقال: أبرد. مرتين أو ثلاثاً، حتى رأينا فيءَ التلول، ثم قال: إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه، وهو يتعلق بالإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر، وذلك بأن تؤخر ولا تصلى في أول الوقت، وعلى هذا فإن الظهر تصلى في أول وقتها إلا إذا اشتد الحر فإنه يبرد بها، وكذلك العشاء تصلى في أول وقتها إلا أنه إذا أمكن أن تؤخر ولم يكن هناك مشقة فلا بأس، وبقية الصلوات تصلى في أول وقتها، فالفجر في أول وقتها، والعصر في أول وقتها، والمغرب في أول وقتها، والتأخير إنما جاء للعشاء وللظهر.
    وحديث أبي ذر رضي الله عنه جاء في أن المؤذن أراد أن يؤذن كالعادة في أول الوقت، فقال له صلى الله عليه وسلم: [ (أبرد) ] يعني: أخر الأذان حتى يحصل الإبراد وتخف الحرارة. قوله: (حتى رأينا فيء التلول) التلول هي الرمال المنبطحة التي ليست قائمة كالجدار، ومن المعلوم أن ظلها إذا وجد فمعناه أنه مضى شيء من الوقت؛ لأن الذي يأتي ظله بسرعة هو القائم كالجدار، وأما التلول -وهي الكثير من الرمل وشبهه- فإنه لا يأتي ظلها إلا بعد وقت طويل. قوله: (إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة) يعني أنها تؤخر عن أول وقتها الذي فيه شدة الحرارة وكون الشمس على الرءوس حتى تميل بعد ذلك، والإبراد بها حتى تخف الحرارة عن الناس أمر مطلوب. قوله: (إن شدة الحر من فيح جهنم) فسر هذا القول بتفسيرين: أحدهما: أن ذلك حقيقة، وأن هذا الذي يوجد من شدة الحر إنما هو من جهنم، وما يوجد من شدة البرودة في الشتاء إنما هو من زمهرير جهنم.
    وقيل: إن المقصود من ذلك التشبيه، أي أن ذلك يشبه فيح جهنم، وهو ما يظهر وينتشر، فإن ذلك فيه حرارة كما أن ذاك فيه حرارة، لكن -كما هو معلوم- قد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نار جهنم أعظم من نار الدنيا بسبعين مرة، بمعنى أن النار التي عند الناس في هذه الحياة الدنيا جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم في الحرارة، أي أن حرارتها في غاية الشدة وفي أعلى ما يكون من الشدة، وإذا كانت هذه النار التي في الدنيا يشاهدها الناس جزءاً من سبعين جزءاً من نار جهنم فكيف تكون نار الآخرة مع أنها تعدل سبعين ضعفاً بنار الدنيا؟!
    تراجم رجال إسناد حديث: (...إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة)
    قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].
    هو هشام بن عبد الملك، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا شعبة ]. شعبة مر ذكره.
    [ أخبرني أبو الحسن -قال أبو داود : أبو الحسن هو مهاجر- ].
    أبو الحسن مهاجر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [ سمعت زيد بن وهب ].
    زيد بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعت أبا ذر ].
    هو أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه جندب بن جنادة ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    طريق أخرى لحديث: (إذا ا شتد الحر فأبردوا بالصلاة...) وتراجم رجال إسنادها
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الهمداني و قتيبة بن سعيد الثقفي أن الليث حدثهما عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب و أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة -قال ابن موهب: بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة، وهو مثل حديث أبي ذر المتقدم، وذكره عن شيخين: أحدهما يزيد بن خالد بن موهب، والثاني قتيبة بن سعيد، وأحدهما قال: (فأبردوا عن الصلاة) وهو قتيبة ، والثاني قال: (فأبردوا بالصلاة) وهو ابن موهب .
    قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الهمداني ].
    يزيد بن خالد بن موهب الهمداني ، أبو داود رحمه الله أحياناً يذكره ويقلل نسبه، وأحياناً يطوله، كما سبق أن مر في بعض الأحاديث أنه قال: (حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن يزيد بن موهب الهمداني)
    وهنا قال: [حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني]
    وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أن الليث حدثهما ].
    هو الليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن المسيب ].
    سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة.
    [ وأبي سلمة ]
    هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وعلى هذا فالإسناد فيه واحد من الفقهاء السبعة باتفاق، وواحد من الفقهاء السبعة على قول في السابع منهم،
    وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .
    [عن أبي هريرة ] هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
    شرح حديث: (أن بلالاً كان يؤذن الظهر إذا دحضت الشمس)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما (أن بلالاً رضي الله عنه كان يؤذن الظهر إذا دحضت الشمس) ]. أورد المصنف رحمه الله حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه [(أن بلالاً كان يؤذن الظهر إذا دحضت الشمس) ] يعني: إذا زالت الشمس.. فالمقصود بالدحوض هنا الزوال، يعني أنه كان يؤذن في أول وقتها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن بلالاً كان يؤذن الظهر إذا دحضت الشمس)
    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
    هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حماد ].
    هو حماد بن سلمة، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن سماك بن حرب ].
    سماك بن حرب صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن جابر بن سمرة ].
    جابر بن سمرة رضي الله عنه حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والإسناد رباعي، حيث يروي فيه موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة.
    وقت صلاة العصر


    شرح حديث: (أن رسول الله كان يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة حية...) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في وقت صلاة العصر. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة حية، ويذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب: في وقت صلاة العصر ] وفيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس بيضاء مرتفعة حية، ويذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة)] يعني أنه كان في العصر يذهب الذاهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس مرتفعة. قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن شهاب عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والباقون مر ذكرهم.
    شرح أثر الزهري في مقدار مسافة العوالي ومكانها وتراجم رجاله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال: والعوالي على ميلين أو ثلاثة. قال: وأحسبه قال: أو أربعة ]. ذكر في الحديث السابق العوالي، وأن الرجل عندما كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر قد يذهب بعدها إلى العوالي والشمس مرتفعة، فأراد الزهري أن يبين مقدار مسافة العوالي، والعوالي هي أعلى المدينة من جهة نجدها، أي: من جهة الأماكن العالية؛ لأن النجد المقصود به المكان المرتفع، وهو في الجهة الشرقية الجنوبية، وتهامتها أسفلها الذي في الجهة الشمالية الغربية، فبين الزهري مقدار مسافة العوالي أنها على ميلين أو ثلاثة من المدينة. قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري مر ذكره.
    شرح أثر خيثمة في معنى (والشمس حية) وتراجم رجال إسناده
    قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن منصور عن خيثمة قال: حياتها أن تجد حرها ]. أورد المصنف أثراً عن خيثمة بن عبد الرحمن ، وقد أورد أولاً أثراً عن الزهري بين فيه مسافة العوالي، ثم أورد أثراً عن خيثمة بين فيه معنى (والشمس حية)، حيث قال: [حياتها أن تجد حرها] يعني أن تكون الحرارة موجودة.
    قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى ].
    يوسف بن موسى صدوق أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة .
    [ حدثنا جرير ].
    هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن منصور ].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن خيثمة ].
    هو خيثمة بن عبد الرحمن، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (أن رسول الله كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي قال: قرأت على مالك بن أنس عن ابن شهاب: قال عروة : (ولقد حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة>(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر) أي: أنها لم ترتفع، وذلك أنه كان يصليها في أول وقتها، وكانت الحجرة صغيرة وجدرانها قصيرة، فكانت الشمس تدخلها ثم يصلي العصر والشمس لم ترتفع منها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر)
    قوله: [ حدثنا القعنبي ].
    هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
    [ قال: قرأت على مالك بن أنس ].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
    [ عن ابن شهاب ].
    ابن شهاب مر ذكره.
    [ قال عروة ].
    هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ ولقد حدثتني عائشة ].
    هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (قدمنا على رسول الله المدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير حدثنا محمد بن يزيد اليمامي حدثني يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه عن جده علي بن شيبان قال: [(قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن شيبان رضي الله عنه الذي قال فيه: (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية) يعني أنه عليه الصلاة والسلام كان يؤخر العصر ما لم تصفر الشمس؛ لأنه إذا جاءت الصفرة فإنه يبدأ الوقت الاضطراري، وكون الشمس بيضاء نقية هو الوقت الاختياري.
    تراجم رجال إسناد حديث: (قدمنا على رسول الله المدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية)
    قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري ].
    محمد بن عبد الرحمن العنبري ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير ].
    إبراهيم بن أبي الوزير صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [ حدثنا محمد بن يزيد اليمامي ].
    محمد بن يزيد اليمامي مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ حدثني يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان ].
    يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان مجهول أيضاً، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ عن أبيه ].
    أبوه هو عبد الرحمن بن علي بن شيبان، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و ابن ماجة .
    [ عن جده علي بن شيبان ].
    علي بن شيبان رضي الله عنه هو صحابي، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و ابن ماجة.
    شرح حديث: (حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة و يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: حبسونا) أي: المشركون من الأحزاب الذين تجمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قوله: (حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر) هذا فيه بيان أن الصلاة الوسطى هي العصر، وهي التي ورد الحديث فيها ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها العصر، وهناك أقوال بأنها الظهر وبأنها العصر وبأنها العشاء وبأنها مجموع الصلوات، ولكن أصحها هو الذي جاء في هذا الحديث أنها صلاة العصر. قوله: (ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً) هذا دعاء عليهم بأن يصيبهم العذاب في الدنيا وفي الآخرة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر...)
    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. مر ذكره.
    [ حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ].
    يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ و يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن هشام بن حسان ].
    هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمد بن سيرين ].
    محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبيدة ].
    هو عبيدة بن عمرو السلماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن علي ].
    هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله وصلاة العصر قانتين...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة رضي الله عنها أنه قال: (أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً، وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]. فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله وصلاة العصر قانتين. ثم قالت عائشة : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه: أنها أملت على مولاها: (فأملت علي: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله وصلاة العصر قانتين). وذلك أن عائشة أمرت مولاها أبا يونس أن يكتب لها مصحفاً، وأمرته إذا وصل إلى قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] بأن يخبرها، فلما وصل إلى الآية أعلمها فأملت عليه وأضافت [ (وصلاة العصر) ] وهذا فيه التنصيص على صلاة العصر والقيام لها، وقالت: إنها سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن هذه القراءة شاذة وليست متواترة، والذي أثبت في المصحف: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].

    تراجم رجال إسناد حديث: (حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وقوموا لله وصلاة العصر قانتين...)
    قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم ].
    زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن القعقاع بن حكيم ].
    القعقاع بن حكيم وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أبي يونس مولى عائشة ].
    أبو يونس مولى عائشة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أمرتني عائشة ]. عائشة قد مر ذكرها.
    شرح حديث: (كان رسول الله يصلي الظهر بالهاجرة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة حدثني عمرو بن أبي حكيم قال: سمعت الزبرقان يحدث عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشدَّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها؛ فنزلت: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه الذي فيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشدّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها). يعني أنه لم تكن صلاة أشد على أصحاب الله صلى الله عليه وآله وسلم منها؛ لأنها في وقت شدة الحرارة.
    قوله: (فنزلت: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، وقال: قبلها صلاتين وبعدها صلاتين). هذا يفهم منه أن الصلاة الوسطى هي الظهر، لكن الذي ثبت النص فيها هي صلاة العصر، كما في الحديث الذي سبق أن مر، وهو قوله: (حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر) وهذا ليس فيه تنصيص على أنها صلاة الظهر، بل هي صلاة العصر، ولكن السياق قد يفهم منه ذلك. قوله: (قبلها صلاتين وبعدها صلاتين) إذا كان المقصود بذلك الظهر فإن قبلها صلاة نهارية وهي الفجر؛ لأنها من النهار، والنهار يبدأ بطلوع الفجر، وصلاة ليلية، وهي العشاء، وبعدها صلاة نهارية، وهي العصر، وصلاة ليلية، وهي المغرب؛
    لأنها في أول الليل بعد غروب الشمس، لكن الوسطى هي صلاة العصر. ولعل المقصود بكونها وسطى الإشارة إلى تعظيم شأنها وأنها فضلى، وأنها أفضل من غيرها وأعظم من غيرها، أو أنها الصلاة الوسطى بعد فرض الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بالليل، لأنه يكون قبلها صلاتان وبعدها صلاتان، قبلها الفجر والظهر وبعدها المغرب والعشاء، فهي الوسطى بالنسبة للصلوات بعد الفرض، ولكن عرفنا أن جبريل ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم إلا في الظهر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصلي الظهر بالهاجرة...)
    قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ].
    هو محمد بن المثنى العنزي الملقب بالزمن أبو موسى البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [ حدثني محمد بن جعفر ].
    هو محمد بن جعفر الملقب غندر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا شعبة ].
    شعبة مر ذكره.
    [ حدثني عمرو بن أبي حكيم ]
    عمرو بن أبي حكيم ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [ سمعت الزبرقان ].
    هو الزبرقان بن عمرو وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ عن عروة بن الزبير ].
    عروة بن الزبير مر ذكره.
    [ عن زيد بن ثابت ].
    زيد بن ثابت رضي الله عنه، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن الربيع حدثني ابن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك، ومن أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك) ]. هذا الحديث فيه بيان لآخر وقت العصر وآخر وقت الفجر، ووقت العصر هنا هو الوقت الاضطراري، فالإنسان إذا أدرك ركعةً قبل أن تغرب الشمس يكون قد أدرك وقت صلاة العصر، ويصلي بعدها ثلاثاً. قوله: (ومن أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك) يعني أنه أدرك صلاة الفجر مؤداة، ويضيف إليها أخرى.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك...)
    قوله: [ حدثنا الحسن بن الربيع ].
    الحسن بن الربيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثني ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن معمر ]. معمر مر ذكره.
    [ عن ابن طاوس ]. هو عبد الله بن طاوس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبيه ] هو طاوس بن كيسان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم،
    وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره.
    شرح حديث: (تلك صلاة المنافقين...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال: (دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر فقام يصلي العصر، فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة -أو ذكرها- فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين؛ يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان -أو على قرني الشيطان- قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً) ].
    أورد المصنف حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان عنده جماعة بعد الظهر وقام لصلاة العصر في أول وقتها، فلما ذكروا التعجيل أشار إلى أن التعجيل هو الذي ينبغي؛ لأن فيه المبادرة إلى إبراء الذمة، وأما التأخير إلى أن يخرج الوقت الاختياري ويبدأ الوقت الاضطراري الذي هو عند اصفرار الشمس فقال عنه:
    سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تلك صلاة المنافقين) يعني: الذين يفرطون ويقصرون ويخرجون الصلاة عن وقتها، فإذا اصفرت الشمس وكانت قريبة من الغروب قام الواحد منهم ونقر صلاة العصر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً. قوله: (يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان). فسر هذا بأن الشيطان يكون عند غروبها مقارناً لها؛ ليكون سجود من يسجد لها له، ومن المعلوم أن من يعبد غير الله إنما يعبد الشيطان، وعبادته عبادة لغير الله عز وجل، والذين يعبدون الشمس هم يعبدون غير الله، ولكنه يريد من الذين يسجدون للشمس أن يكون سجودهم له، ولهذا جاء النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند قيامها في الظهيرة وعند غروبها، وذلك لأنها تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان، ففسر ذلك بهذا، وفسر بغير هذا أيضاً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (تلك صلاة المنافقين...)
    قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن ].
    العلاء بن عبد الرحمن الحرقي وهو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ دخلنا على أنس بن مالك ]. قد مر ذكره، والحديث رباعي.
    شرح حديث: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر الذي فيه: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)، يعني: سلبهم وأخذوا منه وبقي وحيداً فرداً ليس له أهل ولا مال، ومعنى هذا أنه كما أن المرء يحذر من أن يفقد أهله وماله، ويهمه ذلك كثيراً، فعليه أن يحذر من أن يتهاون بصلاة العصر حتى تفوته.
    والمقصود هو إما أن تفوته بخروج وقتها الاختياري، وإما أن تفوته بخروج وقتها الاضطراري. ويمكن أن يكون المقصود أنه تفوته صلاة الجماعة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)
    قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك ].
    عبد الله بن مسلمة ومالك مر ذكرهما.
    [ عن نافع ] هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر ] هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة من الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    اختلاف الرواة في لفظة (وتر) وتراجم رجال الإسناد
    [ قال أبو داود : وقال عبيد الله بن عمر :(أوتر) واختلف على أيوب فيه، وقال الزهري : عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وتر) ] قوله: (أوتر) هو بدل (وتر)، وجاء بحذف الواو (أتر)، وهي مثل: (أقت) و(وقت)، و(أرخ) و(ورخ)، و(أكد) و(وكد)، فالهمزة تأتي بدل الواو. قوله: [ عبيد الله بن عمر ].
    هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ واختلف على أيوب فيه ]. أي: أيوب السختياني اختلف عليه فيه، فروي عنه (أوتر) وروي عنه (وتر) بالهمزة وبالواو، فجاء عنه هذا وجاء عنه هذا. قوله: [ وقال الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وتر) ]. قوله: [ (وتر) ] بالواو، والمقصود من هذا ترجيح رواية (وتر) على (أتر)؛ لأن الرواة لها أكثر. وقوله: [ عن سالم ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر الأوزاعي في تفسير فوات صلاة العصر
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد قال: قال أبو عمرو -يعني الأوزاعي -: وذلك أن ترى ما على الأرض من الشمس صفراء ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن الأوزاعي في تفسير الفوات؛ لأن قوله: [ وذلك ] أي: فوات العصر. قوله: [ بأن ترى ما على الأرض من الشمس صفراء ]. يعني أنه يصفر ما تقع عليه الشمس من الأرض، والمقصود من ذلك فوات الوقت الاختياري لصلاة العصر، بحيث تصلى في حال اصفرار الشمس بعد خروج وقتها الاختياري، فيكون ما جاء في الحديث من بيان الخسارة الفادحة والمضرة الكبيرة التي حصلت لمن فاتته صلاة العصر أن ذلك في حق من فاته أداؤها في الوقت الاختياري، وذلك أن الأوزاعي رحمه الله: [ وذلك ] أي: الفوات الذي مر في الحديث السابق.
    [ أن ترى ما على الأرض من الشمس صفراء ] يعني: أن الشمس قد اصفرت وأن ما على الأرض يكون مصفراً باصفرارها. ومعنى هذا أن الإنسان إذا أدى الصلاة في الوقت الاضطراري وأخرجها عن الوقت الاختياري يكون آثماً؛ لأنه أخرجها عن الوقت الذي حدد لها، وهو ما لم تصفر الشمس.
    تراجم رجال إسناد أثر الأوزاعي في تفسير فوات صلاة العصر
    قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ قال: قال أبو عمرو -يعني: الأوزاعي- ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، كنيته أبو عمرو، واسم أبيه عمرو ، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهو نوع من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع من علوم الحديث أن لا يظن التصحيف فيما لو جاء (ابن) بدل (أبو) أو (أبو) بدل (ابن)، فلو جاء في بعض الروايات عبد الرحمن أبو عمر فذلك صحيح؛ لأن كنيته أبو عمرو واسمه عبد الرحمن بن عمرو . فالذي لا يعرف أن كنيته أبو عمرو لو وجده مكتوباً (عبد الرحمن أبو عمرو) سيقول: (أبو) مصحفة عن (ابن)؛ لأنه عبد الرحمن بن عمرو ، مع أنها ليست مصحفة؛ لأن كنيته أبو عمرو، واسم أبيه عمرو ، فلا تصحيف. وهو ثقة، فقيه الشام ومحدثها، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    وقت صلاة المغرب


    شرح حديث: (كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نرمي فيرى أحدنا موضع نبله)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في وقت المغرب. حدثنا داود بن شبيب حدثنا حماد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: (كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نرمي فيرى أحدنا موضع نبله) ]. قوله: [ باب: في وقت المغرب ].
    عرفنا فيما مضى أن وقت صلاة المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق حيث يحضر وقت العشاء، وعرفنا أنه ليس هناك فاصل بين وقت المغرب ووقت العشاء، بل إذا خرج وقت هذه دخل وقت هذه، كما أن العصر وقتها متصل بوقت الظهر، فإذا خرج وقت هذه دخل وقت هذه. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نرمي فيرى أحدنا موضع نبله) يعني: بعد فراغهم من الصلاة يكون هناك ضياء النهار، ومعناه أنهم يبادرون بأدائها في أول وقتها، بحيث يفرغون منها وإن الواحد منهم إذا أرسل السهم يرى المكان الذي يقع فيه، وذلك لوجود الضياء الذي يكون موجوداً بعد غروب الشمس، وهذا فيه إشارة إلى أن الأولى والأفضل أنه يبادر بها في أول وقتها، وأما الوقت فإنه ليس وقتاً واحداً، بل هو وقت واسع، ولكنه من غروب الشمس إلى ما قبل مغيب الشفق الأحمر الذي يأتي عند سقوطه ومغيبه وقت صلاة العشاء، وقد سبق أن مرت بنا الأحاديث العديدة في ذلك الدالة على أول الوقت وعلى آخره.
    ومما يدل على سعة وقت المغرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ مرة فيها بالأعراف، والأعراف جزء وربع، وقراءة الرسول صلى الله عليه وسلم مرتلة، ومعنى هذا أن وقتها طويل؛ لأن إيقاعها فيها وهي جزء وربع، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم أداها في يوم من الأيام على هذا النحو يدلنا على أن وقتها واسع، وأنه ليس وقتاً واحداً كما جاء في بعض الروايات في حديث جبريل أنه في اليومين صلاها بعد غروب الشمس، بل قد جاء في الأحاديث بعد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن وقتها إلى مغيب الشفق.
    تراجم رجال إسناد حديث: ( كنا نصلي المغرب مع النبي ثم نرمي فيرى أحدنا موضع نبله )
    قوله: [ حدثنا داود بن شبيب ]. داود بن شبيب وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و ابن ماجة .
    [ حدثنا حماد ]. حماد هنا غير منسوب، ويحتمل أن يكون أحد الحمادين: حماد بن زيد و حماد بن سلمة ، وذلك لأن داود بن شبيب يروي عنهما جميعاً، وهما جميعاً يرويان عن ثابت بن أسلم البناني، لكن حماد بن سلمة معروف بالإكثار عن ثابت البناني، فيحتمل أن يكون هو، وعلى كل حال فإن كلاً منهما ثقة، فسواء علم أحدهما وعين أو لم يعلم ولم يعين، فما دام أن الأمر دائر بين الحمادين وكل منهما ثقة فلا يضر عدم معرفة أحدهما، وإنما الذي يضر لو كان أحد الراويين ثقة والثاني ضعيفاً، هذا هو الذي يضر؛ لأنه يحتمل أن يكون الضعيف، لكن حيث يكون المروي عنهما هما حماد بن زيد و حماد بن سلمة وكل منهما ثقة فإن ذلك لا يؤثر.
    ولا أدري هل جاء في بعض الطرق أو الروايات الأخرى تسمية أحدهما أم لا، ومعلوم أن من الطرق التي يمكن أن يعرف بها تعيين أحد الشخصين أن ينظر في الأسانيد في الكتب المختلفة، فإنه قد يأتي تسمية أحدهما عند بعض المؤلفين الذين يروون هذا الحديث نفسه، بأن يذكر أحدهما فيقال: حماد بن زيد، أو: حماد بن سلمة. وما دام أن تعين أنه حماد بن سلمة وهو مكثر من الرواية عن ثابت بن أسلم البناني، فيكون المقصود حماد بن سلمة، و حماد بن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك ] هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي، وأعلى الأسانيد عند أبي داود الرباعيات، وهذا منها.

    شرح حديث: ( كان النبي يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن علي عن صفوان بن عيسى عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس، إذا غاب حاجبها)]. أورد أبو داود رحمه الله حديث سلمة بن الأكوع ، وهو يدل على المبادرة بصلاة المغرب، وفيه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها) يعني: حاجبها الأخير؛ لأنها عند طلوعها يبدو حاجبها المقدم، وعند غروبها يغيب حاجبها المؤخر؛
    لأنه يغيب بعضها ثم يبقى بعضها، أو يطلع بعضها ثم يلحقه بعضها الآخر فتظهر كلها، فعند طلوعها يظهر حاجبها المقدم، وعند غروبها يغيب أو يسقط حاجبها المؤخر، وهو طرفها أو مؤخرها، والمقصود هو المبادرة إلى الإتيان بالصلاة، وأنها حين تغرب الشمس ويسقط حاجبها، أي: يذهب آخرها وهو حاجبها الذي يكون آخر شيء يغيب منها.
    تراجم رجال إسناد حديث: ( كان النبي يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها )
    قوله: [ حدثنا عمرو بن علي ]. هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
    [ عن صفوان بن عيسى ]. صفوان بن عيسى ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن يزيد بن أبي عبيد ]. يزيد بن أبي عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سلمة بن الأكوع ]. هو سلمة بن الأكوع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا يزيد بن زريع حدثنا محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله قال: (لما قدم علينا أبو أيوب رضي الله عنه غازياً و عقبة بن عامر رضي الله عنه يومئذ على مصر فأخر المغرب، فقام إليه أبو أيوب فقال له: ما هذه الصلاة يا عقبة؟! فقال: شغلنا. قال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال أمتي بخير -أو قال: على الفطرة- ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم)].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث مرثد بن عبد الله أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه قدم مصر و عقبة بن عامر أمير عليها، فأخر المغرب، فقال له أبو أيوب : ما هذه الصلاة؟ فقال: شغلنا. فقال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم) يعني: إلى أن تظهر النجوم وتبدو لوجود الظلام، ومن المعلوم أن النجوم تتضح قبل دخول وقت العشاء، لكن المقصود من ذلك هو المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها،
    وإلا فإن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق، ولكن الذي أنكره أبو أيوب هو تأخير الصلاة عن أول وقتها وعن المبادرة إليها في أول وقتها. وقول عقبة : [ (شغلنا) ] يعني: عن المبادرة إليها في أول وقتها. وليس المقصود إخراجها عن وقتها، وإنما تأخيرها عن أول وقتها الذي هو الأولى.
    تراجم رجال إسناد حديث: ( ... لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم )
    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر ]. هو عبيد الله بن عمر القواريري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ حدثني يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن مرثد بن عبد الله ]. هو مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو ثقة، وكنيته أبو الخير ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ قدم علينا أبو أيوب ] هو أبو أيوب الأنصاري، وهو خالد بن زيد رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #93
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [062]
    الحلقة (93)

    شرح سنن أبي داود [062]

    لقد جاءت أحاديث كثيرة تحض على المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وقد رتب الشرع على ذلك أحكاماً، منها: أن من حافظ عليها لوقتها كان له عند الله عهد أن يغفر له، أما من لم يحافظ عليها فليس له عند الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، وكذلك وردت أحاديث تبين فضل الصلاة في أول وقتها، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون بعده أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، وأرشد المتبع لهديه أن يصليها في وقتها ثم يصليها معهم لتحصل الفضيلتان: فضيلة الصلاة في أول وقتها، وفضيلة جمع الكلمة ووحدة الصف.

    وقت صلاة العشاء


    شرح حديث: (... كان رسول الله يصليها لسقوط القمر لثالثه)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في وقت العشاء الآخرة. حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة -صلاة العشاء الآخرة-، (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [ باب: في وقت صلاة العشاء الآخرة ] وكلمة (الآخرة) المقصود بها تمييزها عن المغرب؛ لأن المغرب تكون في وقت العشي، والعشي يقال للوقت الذي بين العشاءين، فهي العشاء الآخرة بالنسبة للعشاء التي هي المغرب. وأورد أبو داود رحمه الله حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة -صلاة العشاء الآخرة- (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها عند سقوط القمر لثالثة) يعني: إذا غاب القمر في ليلة الثالث فقد دخل وقت العشاء، فهذا تحديد وتقدير بالقمر ومغيبه، وذلك في أول الشهر حين يكون ابن ثلاث ليال، فإذا غاب فإنه يدخل وقت صلاة العشاء. وقد عرفنا في الأحاديث الماضية أنه إذا غاب الشفق الأحمر -وهو الحمرة التي تكون بعد مغيب الشمس عندما تذهب ويكون الظلام الدامس الشديد- عند ذلك يبدأ وقت صلاة العشاء.
    وفي حديث النعمان بن بشير هذا بيان من وجه آخر لوقت العشاء، وأنه عند مغيب القمر ليلة الثالث من الشهر. وهذا في أول الوقت، وإلا فإن آخر الوقت الاختياري هو نصف الليل، وآخر الوقت الاضطراري طلوع الفجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة التي بعدها). ومن المعلوم أن تأخير الصلاة عن نصف الليل هو تفريط؛ لأنه لا يجوز تأخيرها عن نصف الليل إلا في حال الاضطرار، فإنها في حال الاضطرار تقع مؤداة إلى طلوع الفجر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... كان رسول الله يصليها لسقوط القمر لثالثة)
    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ عن أبي عوانة ]. هو وضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته.
    [ عن أبي بشر ]. أبو بشر هو جعفر بن إياس المشهور بابن أبي وحشية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن بشير بن ثابت ]. بشير بن ثابت وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي.
    [ عن حبيب بن سالم ]. حبيب بن سالم لا بأس به، أي: صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن النعمان بن بشير ]. النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وقد توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، فهو من صغار الصحابة، ولكنه تحمل عن النبي صلى الله عليه وسلم في حال صغره وأدى في حال كبره، وعند المحدثين إذا تحمل الصغير في حال الصغر وأدى في حال الكبر فهو معتبر. وكذلك الكافر إذا تحمل في حال كفره وأدى في حال إسلامه، فإن ذلك معتبر، كما جاء في قصة أبي سفيان مع هرقل عظيم الروم، فإنه حكى ما حصل له معه في حال كفره، وقد حكاه في حال إسلامه، وكذلك النعمان بن بشير تحمل في حال صغره وأدى في حال كبره، وقد جاء عنه بعض الأحاديث التي يصرح فيها بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك الحديث المشهور الذي في صحيح البخاري و مسلم وغيرهما يقول فيه النعمان بن بشير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحرام بين).
    شرح حديث: (مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله لصلاة العشاء فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن الحكم عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شغله أم غير ذلك، فقال حين خرج: أتنتظرون هذه الصلاة؟ لولا أن تثقُل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة. ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
    [ مكثنا ذات ليلة ] يعني: ليلة من الليالي، [ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شغله أم غير ذلك] يعني: هل شغل عليه الصلاة والسلام أو أنه أراد التأخير ولم يشغله شاغل. فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليهم وسلم وقال: [ (أتنتظرون هذه الصلاة؟ لولا أن تثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة) ] يعني: لولا أن يكون في ذلك مشقة عليهم بالتأخير لصلاها في وقت متأخر، في وقتها الاختياري؛
    لأن الوقت إلى نصف الليل كله داخل في الوقت الاختياري الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دليل على أن تأخير الصلاة إذا لم يكن فيه مشقة جائز، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من ذلك إلا حصول المشقة وخشية المشقة على أمته صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم -كما مر معنا- أن النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للعشاء كان إذا رآهم في العشاء كثروا عجل وإذا رآهم قلوا أخر، من أجل انتظارهم، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله لصلاة العشاء فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ...)
    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثم الرازي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة
    [ عن عبد الله بن عمر ] عبد الله بن عمر رضي الله عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (اعتموا بهذه الصلاة؛ فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا أبي حدثنا حريز عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني أنه سمع معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: (أبقينا النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة، فأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج، والقائل منا يقول: صلى.
    فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له كما قالوا، فقال لهم: اعتموا بهذه الصلاة؛ فإنكم قد فُضَّلتم بها على سائر الأمم، ولم تصلها أمة قبلكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: [ (أبقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني: انتظرناه لصلاة العشاء. قوله: [ في صلاة العتمة ] وهي العشاء، وقد جاء ما يدل على أنه لا يقال للعشاء: العتمة. وإنما يقال لها: العشاء، كما جاء ذلك في القرآن وكما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونهم يقولونه يدل على الجواز، لكن إطلاق العشاء هو الأولى. [ فأخر حتى ظن الظان أنه ليس بخارج ]. يعني: حتى ظن الظان أنه ليس بخارج عليهم.
    قوله: [ والقائل منا يقول: صلى ] يعني أنه مر وقت طويل، ولم يكن معهوداً عنه صلى الله عليه وسلم أن يؤخر هذا التأخير. قوله: [ فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له كما قالوا ] أن واحداً قال كذا، وواحداً قال كذا. قوله: [ (اعتموا بهذه الصلاة) ] يعني: أخروها في العتمة، والعتمة وهي الظلام، أي: مضي شيء من الليل. قوله: [ (فإنكم قد فضلتم على سائر الأمم بهذه الصلاة، ولم تصلها أمة قبلكم) ]. يحتمل أن يكون المقصود أنهم فضلوا بصلاة العشاء، وأن تلك الأمم لم تفرض عليهم صلاة العشاء، ويحتمل أن يكون المقصود التأخير إلى هذا الوقت، وقد سبق أن مر في حديث جبريل لما ذكر له الأوقات أنه قال: (هذا وقت الأنبياء من قبلك) وهذا يدلنا على أن الصلوات الخمس فرضت على الأمم السابقة، ولكن كيفيتها الله تعالى أعلم بها.
    فهذا الذي جاء في الحديث -وهو أن هذه الأمة فضلت بها- إذا فسر بأنها تعتم بها وتؤخرها فلا تنافي بينه وبين الحديث الذي سبق أن مر، ومعنى هذا أن هذه الصلاة كانت على الأمم السابقة، ولكن فضلت هذه الأمة بها بكونهم يؤخرونها، بخلاف الأمم السابقة، فإنها لم تكن تؤخرها مثل هذا التأخير.
    تراجم رجال إسناد حديث: (اعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ...)
    قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي ، صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجه .
    [ حدثنا أبي ] هو عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجه .
    [ حدثنا حريز ]. هو حريز بن عثمان الحمصي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
    [ عن راشد بن سعد ]. هو راشد بن سعد الحمصي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [ عن عاصم بن حميد السكوني ]. عاصم بن حميد السكوني صدوق مخضرم، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجه .
    [ أنه سمع معاذ بن جبل ]. هو معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وكان قد سكن الشام ومات بها سنة ثمان عشرة من الهجرة، ورجال الاسناد كلهم شاميون، والذين قبل معاذ كلهم حمصيون، ولا أدري هل معاذ سكن حمص فيكون رجال الاسناد كلهم حمصيين أم لا.
    شرح حديث: (صلينا مع رسول الله صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عن قال: (صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة، فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل، فقال: خذوا مقاعدكم. فأخذنا مقاعدنا، فقال: إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل) ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة، فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل) . يعني: قريب من نصف الليل في آخر وقتها الاختياري. وقوله: [فقال: خذوا مقاعدكم، (فأخذنا مقاعدنا) ] يعني: استووا للصلاة. قوله: [فقال: (إن الناس قد صلوا ) ] يعني: غيركم. قوله: [ (وأخذوا مضاجعهم) ] يعني: ناموا. قوله: [ (وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة) ]. يعني: هذه المدة التي تنتظرون فيها الصلاة أنتم بها في صلاة، والإنسان إذا دخل المسجد وجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما انتظر الصلاة. قوله: [ (ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل) ]. هذا مثل الذي تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن تثقل على أمتي لأخرتها إلى هذه الساعة).

    تراجم رجال إسناد حديث: (صلينا مع رسول الله صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل ...)
    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا داود بن أبي هند ]. داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أبي نضرة ]. أبو نضرة هو المنذر بن مالك ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    وقت صلاة الصبح


    شرح حديث: (إن كان رسول الله ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في وقت الصبح. حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس) ]. قوله: [ باب: في وقت الصبح ] يعني: باب في وقت صلاة الصبح، وهذه آخر الصلوات، وذكر وقتها آخر الأوقات لأنه بدأ بالظهر كما سبق أن مر، وقلت: إن السبب في ذلك أن جبريل أول ما نزل صلى بالرسول صلى الله عليه وسلم الظهر، فبدأ بالظهر وانتهى بالفجر، وهذه آخر الأحاديث المتعلقة بأوقات الصلوات الخمس. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه : [ (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن أحد من الغلس) ] أي: أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي الصلاة في أول وقتها، وأن النساء كن ينصرفن بعد الصلاة وهن ملتفات بثيابهن ما يعرفهن أحد من الغلس؛
    لأن الظلام موجود. وقد سبق أن مر أن الواحد كان يعرف جليسه، وهنا قالت: [ (ما يعرفن من الغلس) ]، ومن المعلوم أن هناك فرقاً بين من يكون إلى جانب المرء ومن يكون بعيداً منه. وهذا الحديث يدل على أن الصلاة تصلى في أول وقتها، وفيه جواز خروج النساء للصلاة في الليل والنهار.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن كان رسول الله ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس)
    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمرة بنت عبد الرحمن ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث: (أصبحوا بالصبح؛ فإنه أعظم لأجوركم)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصبحوا بالصبح؛ فإنه أعظم لأجوركم -أو أعظم للأجر-) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث رافع بن خديج [ (أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم أو أعظم للأجر) ] وقد ورد في بعض الروايات: (أصبحوا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر) وهي مروية بالمعنى،
    وقوله: [ (أصبحوا بالصبح) ] قال بعض أهل العلم: هذا يوافق الأحاديث الدالة على أن الصلاة تصلى في أول وقتها؛ لأنه قال: [ (أصبحوا) ] يعني: صلوها في وقت الصبح، والصبح إنما يكون بطلوع الفجر، أي أن الصلاة تصلى في أول وقتها باعتبار أن القراءة تطال فيها، فيدخل فيها في أول الوقت، وإذا أطال القراءة فلا يخشى خروج وقتها عند الفراغ منها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم)
    قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل ]. هو إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عبد الله المدني ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان ]. عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محمود بن لبيد ]. محمود بن لبيد صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن رافع بن خديج ] رافع بن خديج رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    المحافظة على وقت الصلوات


    شرح حديث: (خمس صلوات افترضهن الله تعالى)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في المحافظة على وقت الصلوات. حدثنا محمد بن حرب الواسطي حدثنا يزيد -يعني ابن هارون - حدثنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن الصنابحي قال: (زعم أبو محمد أن الوتر واجب، فقال عبادة بن الصامت : كذب أبو محمد ؛ أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (زعم أبو محمد خمس صلوات افترضهن الله تعالى، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد،
    إن شاء غفر له وإن شاء عذبه) ]. قوله: [ باب في المحافظة على وقت الصلوات ] يعني: المحافظة على الإتيان بالصلاة في أوقاتها وعدم تأخيرها عن أوقاتها، والمقصود من ذلك الحث والترغيب على المحافظة على الأوقات. وقد أورد أبو داود رحمه الله جملة من الأحاديث، أولها حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه لما بلغه أن أبا محمد -وهو رجل من الأنصار قيل: إنه صحابي- كان يقول: إن الوتر واجب قال: [ كذب أبو محمد) ] والمقصود بقوله: [ كذب ] أي: أخطأ، وليس المقصود أنه أتى بشيء خلاف الواقع وأنه أخبر بخبر غير مطابق للواقع، وإنما اجتهد في زعمه أن الوتر واجب، لكنه -كما هو معلوم- ليس واجباً كوجوب الصلوات، وإنما هو من الأمور المتأكدة التي كان عليه الصلاة والسلام لا يتركها في حضر ولا في سفر، وكذلك ركعتا الفجر ما كان يتركهما في حضر ولا في سفر. ولاشك في أن الوتر ليس من الصلوات المفروضة اللاتي فرضهن الله،
    وهن خمس صلوات فرضن ليلة المعراج، وهن خمس في العمل وخمسون في الأجر، ولكن الوتر متأكد، وهو آكد السنن مع ركعتي الفجر. وقد جاء عن الإمام أحمد أنه قال: إن الذي لا يصلي الوتر رجل سوء. ومن المعلوم أن من يتهاون بالنوافل قد يتهاون بالفرائض، ومن يحافظ على النوافل من باب أولى أن يحافظ على الفرائض، فهي كالسياج للفرائض، فلا يتساهل المرء فيها؛ لئلا يحصل التساهل فيما وراءها، أي: الفرائض. والحاصل أن (كذب) تأتي بمعنى (أخطأ) وليست بمعنى الافتراء والكذب، وقد جاء في الحديث: (صدق الله وكذب بطن أخيك) في قصة الذي شرب العسل. وقد جاء في مواضع منها حديث عائشة رضي الله عنها: (من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد كذب) تعني: أنه قد أخطأ، وهناك عبارات تأتي من هذا القبيل. قوله: [ قال عبادة : كذب أبو محمد ؛ أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات افترضهن الله تعالى) ].
    يعني: خمس صلوات ليس فيهن الوتر. إذاً: هو ليس بواجب، ولكنه متأكد، بل هو آكد النوافل مع ركعتي الفجر. قوله: [ (من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له) ]. يعني كونه أتى بالشرط الذي هو الوضوء، بحيث أحسنه وأتقنه وأتى به على الوجه المطلوب. قوله: [ (وصلاهن لوقتهن وأتم ركعهن سجودهن وخشوعهن) ]هو محل الشاهد، وهو المحافظة على وقت الصلاة، يعني: لم يؤخرهن عن أوقاتهن. قوله: [ (كان له عهد على الله أن يغفر له، ومن لم يفعل) ] يعني: لم يحصل منه ذلك (فليس له على الله عهد) يعني: كالأول [ (إن شاء غفر له وإن شاء عذبه) ].
    تراجم رجال إسناد حديث: (خمس صلوات افترضهن الله تعالى)

    قوله: [ حدثنا محمد بن حرب الواسطي ]. محمد بن حرب الواسطي صدوق، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود.
    [ حدثنا يزيد -يعني ابن هارون - ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا محمد بن مطرف ]. محمد بن مطرف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن الصنابحي ]. عبد الله الصنابحي قيل: هو صحابي. وقيل: هو عبد الرحمن بن عسيلة المخضرم الذي قال عنه بعض أهل العلم كاد أن يكون صحابياً؛ لأنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما كان في الجحفة في الطريق إلى الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه الخبر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، فلم يكن بينه وبين الصحبة إلا شيء يسير.
    والأحاديث التي باسم عبد الله الصنابحي جاءت عند أبي داود و النسائي و ابن ماجه. وأما عبد الرحمن بن عسيلة الذي هو أبو عبد الله الصنابحي فحديثه عند أصحاب الكتب الستة. فقال: [ عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الصامت رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    وجه الاحتجاج على عدم كفر تارك الصلاة بقوله: (ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه)
    [ (ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه) ]. هذا لا يدل على عدم كفر تارك الصلاة؛ لأنه ذكر أموراً فيها الإحسان وفيها إتمام الركوع والسجود، فمعناه أن الذي يحصل منه التمام والكمال هو الذي له عهد عند الله أن يغفر له، أما من لم يحصل منه التمام والكمال وحصل منه الإخلال فليس له ذلك العهد عند الله، بل أمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
    شرح حديث: (سئل رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي و عبد الله بن مسلمة قالا: حدثنا عبد الله بن عمر عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة رضي الله عنها قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها). قال الخزاعي في حديثه: عن عمة له يقال لها: أم فروة قد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم فروة الأنصارية رضي الله تعالى عنها قالت: [ (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها) ]. وهذا يدل على المحافظة على الصلاة في وقتها، بل في أول وقتها؛ لأن الإنسان إذا أداها في أول وقتها فقد بادر إلى إبراء الذمة، بخلاف الإنسان الذي يؤخرها إلى آخر الوقت، فقد تخرج عن الوقت، فيكون بذلك قد عرض صلاته لخروجها عن الوقت. إذاً: المبادرة إليها فيها إبراء للذمة، وعدم تعريض الصلاة للتأخير عن وقتها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها)
    قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي ]. هو محمد بن عبد الله بن عثمان الخزاعي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجه . [ و عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، مر ذكره.
    [ حدثنا عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري ، وهو ضعيف، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن القاسم بن غنام ]. القاسم بن غنام صدوق مضطرب الحديث، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي .
    [ عن بعض أمهاته ]. أي: أمهات القاسم بن غنام ، وهذا على رواية القعنبي . وفي رواية محمد بن عبد الله الخزاعي
    [ عن عمة له يقال لها: أم فروة ، ومعنى هذا: أن القاسم بن غنام يروي عن أم فروة وأنها عمة له. وقال الحافظ : لا يعرف اسمها ولا حالها، وأخرج لها أبو داود وحده. [ عن أم فروة ]. أم فروة أنصارية أخرج حديثها أبو داود و الترمذي .

    شرح حديث: (لا يلج النار رجل صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد حدثنا أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة عن أبيه رضي الله عنه قال: (سأله رجل من أهل البصرة فقال: أخبرني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: (لا يلج النار رجل صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب) قال: أنت سمعته منه -ثلاث مرات-؟ قال: نعم. كل ذلك يقول: سمعته أذناي، ووعاه قلبي. فقال الرجل: وأنا سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق صحابيين أحدهما: عمارة بن رؤيبة ، والثاني: رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم
    . قوله: [ سأله رجل من أهل البصرة فقال: أخبرني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يلج النار رجل صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب) ] أراد بذلك صلاة العصر وصلاة الفجر. قوله: [ أنت سمعته منه -ثلاث مرات-؟ قال: نعم. كل ذلك يقول: سمعته أذناي ووعاه قلبي ] يعني أنه متأكد وأنه ضابط للشيء، ومثل هذه العبارات تدل على الضبط والإتقان، ومثله حديث أبي شريح الخزاعي لما جاء إلى عمرو بن سعيد الأشدق وهو يجهز الجيوش لغزو ابن الزبير فقال: (ائذن لي -أيها الأمير- أن أحدث بحديث سمعته أذناي ووعاه قلبي ورأته عيناي وهو يحدث به...) وذكر حديث حجة الوداع وما قال صلى الله عليه وسلم في يوم النحر من أن الله حرم مكة، فهذا يدل على التثبت.
    قوله: [ فقال الرجل: وأنا سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ] أي أنه لا أراد أن يتأكد منه أنه سمعه، وعند ذلك قال: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: جاء هذا الحديث من طريق صحابيين صحابي معلوم، وهو عمارة بن رؤيبة والصحابي الآخر الذي سأله، وقال: إنه -أيضاً- سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو يتعلق بصلاة الفجر وصلاة العصر والمحافظة عليهما، فهما الصلاتان قبل طلوع الشمس وقبل غروبها.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يلج النار رجل صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب)
    قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن إسماعيل بن أبي خالد ]. إسماعيل بن أبي خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة ]. أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة مقبول، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي.
    [ عن أبيه ]. أبوه هو عمارة بن رؤيبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    شرح حديث: (... حافظ على العصرين ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه رضي الله عنهما قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان فيما علمني: وحافظ على الصلوات الخمس. قال: قلت: إن هذه ساعات لي فيها أشغال، فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني. فقال: حافظ على العصرين. وما كانت من لغتنا، فقلت: وما العصران؟! فقال: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها) ]
    . أورد أبو داود رحمه الله حديث فضالة الليثي رضي الله تعالى عنه أنه قال: [ علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما علمني: [ (وحافظ على الصلوات الخمس) ]. قال: قلت: يا رسول الله! إن هذه ساعات لي فيها أشغال؛ فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني. فقال عليه الصلاة والسلام: [ (حافظ على العصرين )]. قال: وما كانت من لغتنا. فقلت: وما العصران يا رسول الله؟ فقال: [ (صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها) ] يعني بذلك صلاتي الفجر والعصر، والحديث -كما ترجم له المصنف- دال على المحافظة على الصلوات.
    حيث قال له: [ (حافظ على الصلوات الخمس) ] فلما قال: [ إن هذه ساعات لي فيها أشغال فمرني بأمر جامع ] أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أفضل الصلوات، وليس المقصود من ذلك أن الصلوات الأخرى يتهاون بها، ولكنه ذكر المحافظة على الجميع، ثم أرشد إلى ما له ميزة وفضل على غيره من الصلوات الخمس، وهما العصر والفجر، وذلك لأن هاتين الصلاتين هما اللتان تجتمع فيهما ملائكة الليل وملائكة النهار الذين ينزلون ويصعدون، ويجتمع الصاعدون والنازلون في صلاة العصر وصلاة الفجر.
    ولهذا جاءت أحاديث كثيرة تدل على فضل هاتين الصلاتين، وهما صلاة العصر وصلاة الفجر. [وما كانت من لغتنا] يعني أنه ما فهم لفظ العصرين، ومن المعلوم أن بعض الكلمات قد تخفى على بعض العرب، ويكون عندهم كلمة مشهورة حيث يكون لها معنى آخر عند بعض القبائل العربية، فلما قال: [ (حافظ على العصرين) ] لم يفهم المراد بهما، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأنهما الفجر والعصر. وقيل للفجر والعصر: العصران تغليباً لإحدى الكلمتين على الأخرى، كما يقال:
    العُمَرَان ويراد بذلك أبو بكر و عمر ، ويقال: الأبوان ويراد بذلك الأب والأم، ويقال: القمران ويراد بذلك الشمس والقمر. فيغلب أحد اللفظين فتحصل التثنية به، وإن كانت الكلمة الأخرى تطلق بلفظ آخر، أعني الشمس و أبا بكر والأم والفجر، فصار التغليب لأحد اللفظين فقيل: العصران؛ لأن هذه تكون في أول النهار وهذه في آخره. والعصر هو متكون من الليل والنهار، فقيل لهما: العصران لأن هذه تقع في آخر النهار وهذه تقع في أول النهار.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... حافظ على العصرين ...)
    قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. هو عمرو بن عون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا خالد ] هو خالد بن عبد الله الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن داود بن أبي هند ]. داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أبي حرب بن أبي الأسود ]. أبو حرب بن أبي الأسود ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن عبد الله بن فضالة ]. عبد الله بن فضالة له رؤية، أخرج له أبو داود وحده.
    [ عن أبيه ]. أبوه هو فضالة الليثي ، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود .
    شرح حديث: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري حدثنا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد حدثنا عمران القطان حدثنا قتادة و أبان كلاهما عن خليد العصري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه، وأدى الأمانة، قالوا: يا أبا الدرداء ! وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة) ] يعني: من جاء بهذه الخمس وهو مؤمن.
    لأن أي عمل من الأعمال بدون الإيمان لا عبرة به ولا قيمة له، كما قال الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، ويحتمل أن يكون المقصود بالإيمان هو التصديق، مثل قوله: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). ثم ذكر الخمس : [ (من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن) ] والمقصود من الترجمة قوله: [ (مواقيتهن) ] أي: المحافظة عليها في أوقاتها، ثم ذكر صيام شهر رمضان والحج والزكاة وأداء الأمانة، فهذه هي الخمس. قوله: [ (وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه) ]. يعني أنه يؤديها وهو منشرح الصدر طيبة بها نفسه، ولا يؤديها وهو كاره، أو يؤديها وفي نفسه شيء من إخراجها. وسئل أبو الدرداء عن الأمانة فقال: [ (الغسل من الجنابة) ] والغسل من الجنابة هو جزء من جزئيات الأمانة، وهذا -كما يقولون-: تفسير بالمثال؛ لأنه ليس المقصود بأداء الأمانة الغسل من الجنابة فقط، بل هذا مما هو داخل تحت الأمانة، وهو من النوع الذي يسمونه التفسير بالمثال وليس التفسير بالحصر، وكثير من تفسيرات السلف لآيات القرآن الكريم هي من قبيل اختلاف التنوع،
    إما تفسير بالمثال وإما بلفظ مقارب يؤدي المعنى ويوضحه، فإذا جاء هذا بلفظ وهذا بلفظ وهذا بلفظ كان ذلك كله حقاً. إذاً: فقول أبي الدرداء : [ (الغسل من الجنابة) ] هو من الأمثلة التي تندرج تحت أداء الأمانة، وليس المقصود من ذلك أن غسل الجنابة هو الأمانة أو أداء الأمانة؛ لأن أداء الأمانات يكون في حقوق الله عز وجل وحقوق العباد، فهذه كلها أمانات، يقول عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58] فهو شامل لكل ما هو أمانة، وليس بمقصور على شيء دون شيء.
    تراجم رجال إسناد حديث: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة)

    قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري ]. محمد بن عبد الرحمن العنبري ثقة، أخرج له أبو داود وحده.
    [ حدثنا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد ] أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا عمران القطان ]. هو عمران بن داور القطان ، صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
    [ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ و أبان ]. هو أبان بن أبي عياش ، متروك، أخرج له أبو داود وحده.
    [ عن خليد العصري ]. هو خليد بن عبد الله العصري منسوب إلى جماعة من بني عبد القيس بن ربيعة ، وهو صدوق يرسل، أخرج حديثه مسلم و أبو داود .
    [ عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ]. أم الدرداء هي الصغرى، واسمها هجيمة ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة وأما أم الدرداء الكبرى فليس لها رواية في الكتب الستة، فإذا جاء ذكر أم الدرداء في الكتب الستة فالمقصود بها أم الدرداء الصغرى واسمها هجيمة .
    [ عن أبي الدرداء ] وهو عويمر رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إني فرضت على أمتك خمس صلوات ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح الحمصي حدثنا بقية عن ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني أخبرني ابن نافع عن ابن شهاب الزهري قال: قال سعيد بن المسيب : إن أبا قتادة بن ربعي رضي الله عنه أخبره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهداً أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، وهو حديث قدسي يقول الله عز وجل فيه مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: [ (إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهداً أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي) ] والمقصود منه المحافظة على الصلاة في أوقاتها، والحديث دال على ذلك، وهو من الأحاديث القدسية.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إني فرضت على أمتك خمس صلوات ...)
    قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح الحمصي ]. حيوة بن شريح الحمصي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه.
    [ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد الحمصي ، وهو صدوق كثير التدليس على الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني ]. ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني مجهول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجه.
    [ أخبرني ابن نافع ]. ابن نافع هو دويد بن نافع ، مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجه .
    [ عن ابن شهاب الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ قال سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [إن أبا قتادة بن ربعي ]. هو الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    حكم تأخير الإمام الصلاة عن الوقت


    شرح حديث: (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت. حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران -يعني الجوني - عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر ! كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة، -أو قال: يؤخرون الصلاة؟- قلت: يا رسول الله! فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلها فإنها لك نافلة) ]. قوله: [ باب: إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت ] يعني: فما الحكم؟ هل يؤخر المرء الصلاة إلى أن يصلي مع الإمام، أم أنه يصلي الصلاة في وقتها ويصلي معه، وتكون الصلاة الأخيرة نافلة؟ والمقصود بالتأخير عن الوقت هو التأخير عن الوقت الاختياري إلى الوقت الاضطراري، كأن تؤخر صلاة العصر إلى اصفرار الشمس، وتؤخر صلاة العشاء إلى ما بعد نصف الليل، وليس المقصود التأخير بها عن وقت الصلاة، كأن يؤخرون صلاة الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس،
    أو العصر يؤخرونه إلى ما بعد الغروب، وإنما المقصود أنهم يؤخرونها عن الوقت الاختياري ويوقعونها في الوقت الاضطراري، والسنة جاءت بأن الإنسان يصلي الصلاة لوقتها وتكون هي الفريضة، وإذا أدركها معهم فإنه يصليها معهم نافلة، ويكون في ذلك جمع بين الإتيان بالصلاة في وقتها الاختياري وبين جمع الكلمة وعدم الفرقة ومتابعة الأئمة في الصلاة.
    فالأولى هي الفريضة والثانية هي النافلة، وكون الإنسان يؤدي الفرض ثم يصلي الصلاة مرة أخرى لسبب من الأسباب كوجود جماعة ثانية لا بأس بذلك؛ لأن السنة جاءت بأن الإنسان إذا صلى صلاة ثم وجدت جماعة فإنه يصلي معها ولو كان ذلك الوقت وقت نهي، مثل بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر، وقد جاء في الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الفجر، فلما صلى رأى رجلين لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما فجيء بهما ترتعد فرائصهما، فقال: (ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا.
    فقال: لا تفعلا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه، فإنها له نافلة) أما كون الإنسان يصلي صلاتين متعمداً بحيث يزيد عن الخمس الصلوات فهذا لا يجوز؛ لأن الصلوات خمس، ولكن حيث يصلي الفرض ثم يجد جماعة ويصلي معها فإن تلك تكون له نافلة. إذاً: هذه الصلاة الأخرى إذا كان لها سبب سائغ لا بأس بها ولو كان ذلك في أوقات النهي؛ لأن هذا مما يستثنى من قوله: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس). وقوله [ (أو قال: يؤخرون الصلاة؟) ] هو شك من الراوي، ومعنى: (يميتونها) يؤخرونها عن وقتها الاختياري.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة ...)
    قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي عمران -يعني الجوني -]. أبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن الصامت ]. عبد الله بن الصامت ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أبي ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني حسان -يعني ابن عطية - عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قدم علينا معاذ بن جبل رضي الله عنه اليمن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا، قال: فسمعت تكبيرة مع الفجر رجل أجش الصوت، قال: فألقيت عليه محبتي، فما فارقته حتى دفنته بالشام ميتاً، ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده، فأتيت ابن مسعود رضي الله عنه فلزمته حتى مات، فقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله؟! قال: صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة) ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهو مثل حديث أبي الدرداء أن الأمراء إذا صلوا الصلاة لغير ميقاتها -يعني الاختياري- فينبغي للإنسان أن يصلي الفرض في الوقت ويصلي معهم، وتكون سبحة، يعني: نافلة، ولهذا يقال: (سبحة الضحى) ويقال: (جمع بين الصلاتين ولم يسبح بينهما) أي: ولم يتنفل؛ لأن السبحة هي النافلة.
    إذاً: قوله: [ (واجعل صلاتك معهم سبحة) ] يعني: نافلة، وذلك فيه جمع بين المصلحتين: بين مصلحة أداء الصلاة في وقتها، وبين جمع الكلمة وعدم الفرقة ومتابعة الأئمة. قوله: [ (فسمعت تكبيرة مع الفجر رجل أجش) ] يعني: غليظ الصوت. قوله: [ (فألقيت عليه محبتي) يعني: ألقى الله تعالى محبته في قلبه فلازمه حتى مات ودفنه بالشام، ثم بحث عن رجل يكون فقيهاً، فسار إلى عبد الله بن مسعود ولازمه حتى مات، وكان مما حدثه به ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟! )] قال: قلت: فما تأمرني يا رسول الله؟ قال: [ (صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة ) ].
    تراجم رجال سناد حديث: (كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ ...)
    قوله [ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي ]. دحيم هذا لقب، فالمصنف رحمه الله ذكر اسمه ولقبه، و(دحيم) مأخوذ من (عبد الرحمن)؛ لأن بعض الألقاب تؤخذ من الأسماء، فيقال: دحيم بن عبد الرحمن، وعباد بن عبد الله، وكذلك عبدان بن عبد الله، وهكذا تجد بعض الألقاب تؤخذ من الأسماء، ودحيم ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجه .
    [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثني حسان -يعني ابن عطية -]. حسان بن عطية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الرحمن بن سابط ]. عبد الرحمن بن سابط صدوق ثقة، أخرج له مسلم و أصحاب السنن.
    [ عن عمرو بن ميمون الأودي ]. عمرو بن ميمون الأودي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن مسعود ]. ابن مسعود رضي الله تعالى عنه صحابي جليل مشهور من فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وكانت وفاة معاذ في الشام سنة ثماني عشرة، ووفاة عبد الله بن مسعود سنة اثنتين وثلاثين.
    شرح حديث: (إنها ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين حدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى عن ابن أخت عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن سفيان -المعنى- عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى الحمصي عن أَبي أُبيَّ ابن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها. فقال رجل: يا رسول الله! أصلي معهم ؟ قال: نعم إن شئت) وقال سفيان : (إن أدركتها معهم أأصلي معهم؟ قال: نعم إن شئت) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، وهو مثل ما تقدم من الأحاديث، وفيه أن الإنسان يصلي الصلاة لوقتها إذا أخرها الأمراء عن وقتها الاختياري، وأنه إذا أدركها معهم فإنه يصليها، ولكنها تكون له نافلة. وقوله: [ ( فقال رجل: يا رسول الله أأصلي معهم؟ قال: نعم إن شئت) ] الذي يبدو أنه إذا لم يترتب على تركها معهم مضرة فالأمر إليه؛ لأنه أدى الواجب الذي عليه، ولكن إذا كان يترتب على تركها معهم مضرة فإنه يصلي معهم وتكون له نافلة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنها ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها ...)


    قوله: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ]. هو محمد بن قدامة بن أعين المصيصي ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن منصور ]. هو منصور بن معتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن هلال بن يساف ]. هلال بن يساف ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن أبي المثنى ]. هو ضمضم أبو المثنى الأملوكي الحمصي ، وثقه العجلي ، وأخرج له أبو داود و ابن ماجه .
    [ عن ابن أخت عبادة بن الصامت ]. في الإسناد الذي سيأتي أنه ابن امرأته، وهو أبو أبي بن أم حرام ، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجه .
    [ عن عبادة بن الصامت ] عبادة بن الصامت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. قوله: [ ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود وحده.
    [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    قوله: [ المعنى ] يعني أن المعنى واحد والألفاظ مختلفة.
    [ عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى الحمصي عن أبي أبي ابن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت ]. قد مر ذكرهم جميعاً.

    شرح حديث: (يكون عليكم أمراء بعدي يؤخرون الصلاة فهي لكم وهي عليهم ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا أبو هاشم -يعني الزعفراني - حدثني صالح بن عبيد عن قبيصة بن وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث قبيصة بن وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ (يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة فهي لكم وهي عليهم) ] أي: إذا كنتم تصلون الصلاة لوقتها وتصلون معهم فهي لكم نافلة وعليهم إثم التأخير؛ لأنهم إن أحسنوا فالإحسان لكم ولهم، وإن أساءوا فالإساءة عليهم وليس عليكم، وقد جاء مثل هذا عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كما جاء في صحيح البخاري في (باب إمامة المفتون والمبتدع) أنه لما كان محصوراً في داره قيل له: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فماذا تأمرنا؟ قال:
    يا ابن أخي! الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم). وكذلك ورد في الحديث الآخر مثل هذا الحديث: (يصلون لكم -يعني الأمراء- فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم). وقوله: [ (فصلوا معهم ما صلوا القبلة) ] يعني: ما دام أنهم مسلمون ويصلون إلى القبلة فصلوا معهم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (يكون عليكم أمراء بعدي يؤخرون الصلاة فهي لكم وهي عليهم ...)
    قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أبو هاشم -يعني الزعفراني -]. هو عمار بن عمارة لا بأس به، أخرج حديثه أبو داود .
    [ حدثني صالح بن عبيد ]. صالح بن عبيد مقبول، أخرج له أبو داود .
    [ عن قبيصة بن وقاص ]. قبيصة بن وقاص صحابي، أخرج حديثه أبو داود ."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #94
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [063]
    الحلقة (94)


    شرح سنن أبي داود [063]


    من نام عن الصلاة أو نسيها فليؤدها حين يذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، حتى وإن كان وقت ذكرها من أوقات النهي، فهي مستثناة من النهي عن الصلاة في أوقات النهي، ويشرع الأذان والإقامة للفائتة، وصلاة السنة الراتبة.

    من نام عن الصلاة أو نسيها


    شرح حديث أبي هريرة: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال: (أقم الصلاة لذكري)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: فيمن نام عن الصلاة أو نسيها. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلةً حتى إذا أدركنا الكرى عرس، وقال لبلال : اكلأ لنا الليل. قال: فغلبت بلالاً عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى إذا ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا بلال ! فقال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فاقتادوا رواحلهم شيئاً، ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالاً فأقام لهم الصلاة وصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]). قال يونس : وكان ابن شهاب يقرؤها كذلك، قال أحمد : قال عنبسة -يعني عن يونس - في هذا الحديث: (لِذِكْرِي) قال أحمد : الكرى: النعاس ].
    قوله: [ باب من نام عن الصلاة أو نسيها ]. يعني: الإنسان إذا نسي الصلاة أو نام عنها فإنه يصليها حين يذكرها، ومعناه أن الصلاة لا يتأتى تأخيرها أو عدم فعلها من المسلم إلا لنوم أو نسيان، أما أن يتركها متعمداً فهذا لا يليق بالمسلم ولا يحصل من المسلم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرّس ] يعني أدركهم النوم وأصابهم النعاس، فنزل صلى الله عليه وسلم ليستريح هو ومن معه، ولكن خشوا أن يغلبهم النوم وتفوت عليهم صلاة الفجر، فقال لبلال : [ (اكلأ لنا الليل) ] يعني: راقب لنا الليل وكن مستيقظاً حتى إذا جاء وقت الفجر فأيقظنا.
    قوله: [ (فغلبت بلالاً عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى إذا ضربتهم الشمس) ] يعني: أن بلالاً جاءه النوم وهو مستند إلى راحلته حين غلبته عيناه ونام من غير اختياره، وبقي الناس نائمين حتى طلعت الشمس وأصابهم حر الشمس. قوله: [ (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً) ] يعني أنه أول من استيقظ. قوله: [ (ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا بلال!) ] يعني: ما الذي حصل؟ يعاتبه على نومه. قوله: [ (فقال: يا رسول الله! أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك) ] يعني: النوم الذي حصل لك حصل لي. وقوله: [ (بأبي أنت وأمي يا رسول الله) ] يعني: أنت مفدىً بأبي وأمي. قوله: [ (فاقتادوا رواحلهم شيئاً) ]. وجاء في بعض الروايات أنهم أمروا بأن ينتقلوا عن المكان الذي أصابتهم فيه الغفلة. قوله: [ (ثم توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بلالاً فأقام لهم الصلاة وصلى بهم الصبح) ]. يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وأقام بلال وصلى بهم الصبح صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس فيه ذكر الأذان، لكن في الأحاديث الأخرى عن أبي قتادة وغيره ذكر الأذان، وكذلك -أيضاً- جاء عن أبي هريرة في بعض الروايات ذكر الأذان. قوله: [ (فلما قضى الصلاة قال: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها) ].
    يعني: مثل ذلك النوم الذي حصل له، ولا يحصل عدم الإتيان بالصلاة إلا للنوم أو النسيان، وورد في بعض الأحاديث (من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك). قوله: [ (فإن الله تعالى قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِى [طه:14]) ]. هذه قراءة شاذة، والقراءة المتواترة هي: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14]. قوله: [ قال يونس : وكان ابن شهاب يقرؤها كذلك ]. يعني: كان يقرؤها على هذه القراءة الشاذة. قوله: [ قال أحمد : قال عنبسة -يعني عن يونس - في هذا الحديث ((لِذِكْرِي)) ]. قال أحمد هو أحمد بن صالح، أحد الرواة في الإسناد. وعنبسة هو ابن خالد الأيلي . وقوله: [ لِذِكْرِي ] يعني: على القراءة المتواترة الصحيحة. أما [ للذكرى ] فهذه قراءة شاذة، والقراءة المتواترة هي: (لِذِكْرِي).

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال: (أقم الصلاة لذكري)

    قوله: [ قال عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد الأيلي، صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود .
    [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل.
    [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب مر ذكره.
    [ عن ابن المسيب ]. سعيد بن المسيب مر ذكره.
    [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخرالدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

    إسناد آخر لحديث أبي هريرة، وتراجم رجال الإسناد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذا الخبر قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة. قال: فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه أنه أمر بتحولهم من مكانهم الذي أصابتهم فيه الغفلة، وفي الحديث الأول قال: (فاقتادوا رواحلهم شيئاً) ولم يذكر السبب، وهنا ذكر سبب التحول، وهو أنه أصابتهم في ذلك المكان الغفلة، وفيه أنه أذن وأقام، فيكون ذكر الأذان مع الإقامة، وذكر الأذان مع الإقامة جاء -أيضاً- عن أبي قتادة وغيره من الصحابة، أي أنه يؤذن للفائتة ويقام. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [ حدثنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ]. قد مر ذكرهم جميعاً.

    حكم الأذان والإقامة للمنفرد داخل المدينة
    لو كان الإنسان منفرداً وفاتته الصلاة فالذي يبدو أنه يؤذن ويقيم حتى ولو كان وحده، لكن يؤذن بخفض صوت داخل المدينة، أما ما ورد عن أنس بن مالك من أنه أذن وأقام فمعناه أنه لا يكون برفع صوت.

    بيان من ذكر الأذان للفائتة من الرواة وتراجم رجال الإسناد
    [ قال أبو داود : رواه مالك و سفيان بن عيينة و الأوزاعي و عبد الرزاق عن معمر و ابن إسحاق، لم يذكر أحد منهم الأذان في حديث الزهري هذا، ولم يسنده منهم أحد إلا الأوزاعي و أبان العطار عن معمر ]. يعني أن الأوزاعي و أبان العطار هما اللذان ذكرا الأذان. قوله: [ رواه مالك و سفيان بن عيينة و عبد الرزاق ]. مالك هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور. و سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و عبد الرزاق بن همام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر و ابن إسحاق ]. معمر مر ذكره. و ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق، صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم و أصحاب السنن.

    شرح حديث: (... إنه لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري حدثنا أبو قتادة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر له، فمال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وملت معه، فقال: انظر. فقلت: هذا راكب، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثة. حتى صرنا سبعة، فقال: احفظوا علينا صلاتنا -يعني صلاة الفجر-، فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حرَّ الشمس، فقاموا فساروا هُنَيَّة ثم نزلوا فتوضئوا، وأذن بلال رضي الله عنه، فصلوا ركعتي الفجر، ثم صلوا الفجر وركبوا، فقال بعضهم لبعض: قد فرطنا في صلاتنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة، فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها، ومن الغد للوقت) ]. أي أن الحكم في ذلك أنه يأتي بها ويصليها إذا ذكرها،
    وأنه لا كفارة لها إلا ذلك، وذلك في أي وقت يذكرها فيه ولو كان في وقت نهي؛ لأن قضاء الفوائت في أوقات النهي جاء في السنة ما يدل عليه، وهو هذه الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها: (من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)، وقد سبق ذكر حديث أبي هريرة من طريقين، وفي أحد الطريقين ذكر الأذان مع الإقامة، وفي الآخر لم يذكر الأذان وإنما ذكرت الإقامة، وكل من الأذان والإقامة ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قد جاء في حديث أبي هريرة من بعض الطرق، وجاء عن غير أبي هريرة كأبي قتادة وغيره. وقد أورد أبو داود رحمه الله هنا حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه [ (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر له، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم وملت معه، فقال: انظر.
    فقلت: هذا راكب، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثة. حتى صرنا سبعة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: احفظوا علينا صلاتنا) ] يعني: من يكون منتبهاً يحفظ لنا الصلاة حتى لا يخرج وقت الصلاة. فناموا وما أيقظهم إلا حر الشمس، فمشوا، وبعد ذلك نزلوا وتوضئوا وصلوا الركعتين اللتين هما السنة الراتبة، ثم صلى بهم الصبح صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (فقال بعضهم لبعض: قد فرطنا في صلاتنا) ] أي: حيث نمنا عنها وأتينا بها في غير الوقت. فقال عليه الصلاة والسلام: [ (إنه لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة) ] يعني بذلك كون الإنسان يؤخر الصلاة وهو مستيقظ، فهذا هو المفرط، وأما من يؤخر الصلاة وهو نائم كهذا النوم الذي ناموه بعد التعب، وكانوا حريصين على أن لا تفوتهم الصلاة؛ حيث طلب منهم صلى الله عليه وسلم أن يحفظوا عليهم الصلاة -أي: أن يكونوا متنبهين حتى لا يغلبهم النوم ويتأخرون عن الصلاة، أو يخرج وقت الصلاة- فيؤدونها في غير وقتها، من كان ذلك حاله فإنه ليس بمفرط، فمن نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها.

    أقوال العلماء في معنى قوله: (ومن الغد للوقت)
    قوله: [ (ومن الغد للوقت) ]. قال بعض العلماء: إن الإنسان إذا صلى الصلاة المقضية التي نام عنها أو نسيها في غير وقتها فإنه يصليها في الوقت من الغد عند الذكر، ويكون ذلك للاستحباب. قال الخطابي : فلا أعلم أحداً من الفقهاء قال بها وجوباً. وقال بعض أهل العلم: إن الحديث ليس فيه دلالة على أن الصلاة تصلى مرة ثانية في الوقت، وإنما المقصود من قوله: [ (ومن الغد للوقت) ] أي أنه يحافظ عليها من الغد في وقتها، أي: هذه الصلاة التي حصل النوم عنها وأدوها في غير وقتها يحافظ عليها في وقتها، وأيضاً قالوا: يحتمل أن يكون المراد بقوله: [ (ومن الغد للوقت) ] أن وقتها ثابت، وأنهم وإن أدوا الصلاة في غير وقتها للأمر الطارئ فإن هذا الذي فعلوه قضاء في غير الوقت، وهو الذي أمكنهم فعله، وهو الذي لم يستطيعوا سواه، ولكن من الغد تؤدى في وقتها، فلا يفهم أن الوقت تغير وأنه تحول،
    وإنما الوقت على ما هو عليه، وكذلك ما يستقبل من الأيام. فقال بعض أهل العلم: ليس في هذا الحديث ما يدل على أن الصلاة تصلى مرتين مرة عندما تذكر ومرة أخرى إذا جاء الوقت من الغد، وإنما تؤدى حيث يذكرها الإنسان، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث: (لا كفارة لها إلا ذلك) يعني: ليس هناك شيء يلزم ويتعين للقيام بالواجب إلا أن يؤديها الإنسان إذا ذكرها، فليس هناك شيء وراء ذلك، ولا يقضيها من الغد ولا يكون عليه كفارة مالية كما يكون بالنسبة للأمور التي فيها كفارات، وإنما كفارتها هو أن يقضيها الإنسان إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك.
    إذاً: فقوله: [ (ومن الغد للوقت) ] لا يكون فيه دليل على أن الصلاة تصلى مرتين مرة إذا ذكرت ومرة أخرى في الوقت الذي يأتي لتلك الصلاة التي نيم عنها أو نسيت وقضيت في غير وقتها، فتصلى في غير وقتها قضاءً ثم تفعل في وقتها مرة أخرى، ليس في الحديث دليل واضح على ذلك، وقد قال الخطابي : لم يقل أحد من أهل العلم بوجوب أداء الصلاة مرتين مرة عند ذكرها ومرة عند مجيء الوقت من الغد.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( ... إنه لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة... )
    قوله: [حدثني موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن ثابت البناني ]. هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن رباح الأنصاري ]. عبد الله بن رباح الأنصاري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
    [ حدثنا أبو قتادة ]. هو الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: ( بعث رسول الله جيش الأمراء ... )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن نصر حدثنا وهب بن جرير حدثنا الأسود بن شيبان حدثنا خالد بن سمير قال: قدم علينا عبد الله بن رباح الأنصاري من المدينة وكانت الأنصار تفقهه، فحدثنا قال: حدثني أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء -بهذه القصة-، قال: فلم توقظنا إلا الشمس طالعة، فقمنا وهلين لصلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رويداً رويداً. حتى إذا تعالت الشمس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما. فقام من كان يركعهما ومن لم يكن يركعهما فركعهما، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادى بالصلاة فنودي بها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا، فلما انصرف قال: ألا إنا نحمد الله أنا لم نكن في شيء من أمور الدنيا يشغلنا عن صلاتنا، ولكن أرواحنا كانت بيد الله عز وجل، فأرسلها أنى شاء، فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحاً فليقض معها مثلها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه من طريق أخرى،
    وفيه: [ (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء) ]، وجيش الأمراء هو الجيش الذي ذهب في غزوة مؤتة، وسمي جيش الأمراء لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأمراء وهم: زيد بن حارثة ، و جعفر بن أبي طالب ، و عبد الله بن رواحة، وكلهم استشهدوا رضي الله عنهم وأرضاهم، وعند ذلك أخذ الراية خالد بن الوليد، فقيل له: جيش الأمراء. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يذهب في ذلك الجيش، وإنما بعثه. وهذا ا لحديث فيه أمور مشكلة، منها: ذكر جيش الأمراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه ولم يكن فيه، ومنها التخيير بين أن يركعوا ركعتي الفجر، ومنها: ما جاء في آخره من أنه إذا جاء من الغد يصلون معها مثلها. فهذه مخالفة لما جاءت في الروايات الأخرى. ولهذا قيل: إن الحديث شاذ. أو: إن فيه وهناً بسبب بعض رواته،
    وهو الذي يروي عن عبد الله بن رباح، وهو خالد بن سمير الذي ذكر هذه الأمور الثلاثة، مع أن غيره لم يذكرها من الذين رووا عن أبي قتادة هذه الأمور. فقالوا: إن هذه من أوهامه، وإن هذا خطأ حصل منه لم يكن عند غيره في هذه الرواية، بل الرواة الآخرون ما جاء عنهم ذلك، فتكون هذه الأمور الثلاثة خطأ، والشيخ الألباني قال: إن الحديث شاذ؛ لما فيه من المخالفات، فهو إما أن يكون شاذاً على اعتبار أنه ثقة خالف الثقات، أو أن فيه ضعفاً بسبب أن أحد رواته -وهو خالد بن سمير يهم-، ويكون هذا من أوهامه ومن أخطائه. وقوله: [ قدم علينا عبد الله بن رباح الأنصاري من المدينة وكانت الأنصار تفقهه ].
    أي: تصفه بالفقه. [ (فقمنا وهلين) ]. يعني: فزعين؛ لأن الشمس طلعت وهم لم يصلوا الفجر. قوله: [ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رويداً رويداً) ]. يعني: أمرهم بأن يمشوا شيئاً فشيئاً. قوله: [ (حتى إذا تعالت الشمس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما) ]. ومعنى هذا أن هناك تخييراً في ركعتي الفجر، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يترك ركعتي الفجر في حضر ولا في سفر، وإنما كان يداوم على ركعتي الفجر وعلى الوتر. قوله: [ (ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادى بالصلاة فنودي بها) ]. هذا فيه ذكر الأذان، وهو مثل ما جاء في الأحاديث الأخرى عن أبي قتادة . قوله: [ (ولكن أرواحنا كانت بيد الله عز وجل فأرسلها أنى شاء) ]. يعني أن الله توفاها حيث شاء، ثم أرسلها في الوقت الذي شاء الله أن تعود فيه. قوله: [ (فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحاً فليقض معها مثلها) ].
    يعني أنه يصلي الفجر ويصلي معها الفجر مرة أخرى عن هذا اليوم، لكن هذا مثل ما ذكرت في قوله: [ (ومن الغد للوقت) ] أي: ليس المقصود منه أنه يأتي بالصلاة مرتين، وإنما معناه أن الوقت مستقر، وأنه يحافظ على الصلاة في وقتها، وأنها من الغد تصلى في وقتها، لا أنه يقضي مثلها. فالذي جاء في هذا الحديث فيه توضيح بأن الذي يؤتى به من الغد في الوقت إنما هو صلاة مقضية بالإضافة إلى الصلاة المؤداة، وتكون الصلاة فعلت مرتين، مرة عند الاستيقاظ من النوم، ومرة عند أداء الصلاة من الغد، فتكون صلاة الفجر تلك التي نيم عنها فعلت مرتين. ولكن هذا الذي جاء في هذا الحديث فيه خالد بن سمير، وهو يهم، فتكون هذه الزيادة إما شاذة وإما ضعيفة. وكذلك ذكر قصة الأمراء، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في جيش الأمراء، وإنما بعثه وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكذلك التخيير بين ركعتي الفجر، مع أن ركعتي الفجر من آكد الرواتب، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتركهما في حضر ولا في سفر، وكذلك الوتر.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( بعث رسول الله جيش الأمراء ... )
    قوله: [ حدثنا علي بن نصر ]. هو علي بن نصر بن علي بن نصر الجهضمي، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ حدثنا وهب بن جرير ]. هو وهب بن جرير بن حازم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا الأسود بن شيبان ]. الأسود بن شيبان ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجه.
    [ حدثنا خالد بن سمير ]. خالد بن سمير صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجه .
    [ قدم علينا عبد الله بن رباح قال: حدثني أبو قتادة الأنصاري ]. عبد الله بن رباح و أبو قتادة قد مر ذكرهما.

    حديث (بعث رسول الله جيش الأمراء ...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد عن حصين عن ابن أبي قتادة عن أبي قتادة رضي الله عنه في هذا الخبر، قال: فقال: (إن الله قبض أرواحكم حيث شاء، وردها حيث شاء قم فأذن بالصلاة. فقاموا فتطهروا، حتى إذا ارتفعت الشمس قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة من طريق أخرى وهو مختصر، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من يؤذن بقوله: [ (قم فأذن) ]. ثم صلى بالناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. هو عمرو بن عون الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حصين ]. هو حصين بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن أبي قتادة ]. هو عبد الله بن أبي قتادة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي قتادة ]. قد مر ذكره.

    حديث (بعث رسول الله جيش الأمراء ...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد حدثنا عبثر عن حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، قال: (فتوضأ حين ارتفعت الشمس فصلى بهم) ]. ذكر هنا الحديث عن أبي قتادة مختصراً. قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد بن السري أبو السري، ثقة، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبثر ]. هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه ]. قد مر ذكر الثلاثة.

    حديث (بعث رسول الله جيش الأمراء ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا العباس العنبري حدثنا سليمان بن داود -وهو الطيالسي - قال: حدثنا سليمان -يعني ابن المغيرة - عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة من طريق أخرى، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: [ (ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة، أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى) ] وهذا دليل على أن كل صلاة يمتد وقتها إلى وقت التي بعدها إما اختياراً وإما اضطرراً، ويستثى من ذلك الفجر، فإنها تنتهي بطلوع الشمس، ثم إن طلوع الشمس إلى الزوال لا يعتبر وقتاً للصلاة. فكل صلاة متصلة بالتي بعدها إما اختياراً وإما اضطراراً، فالظهر وقتها إلى العصر اختياراً، والعصر إلى اصفرار الشمس وقتها اختياري، ومن وقت الاصفرار إلى الغروب وقت اضطراري؛ لأنه جاء في الحديث: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة) يعني: أدركها في الوقت، ولكنه اضطرار. والمغرب وقتها متصل بوقت العشاء اختياراً، وأما صلاة العشاء فمن مغيب الشفق إلى نصف الليل اختياراً، ومن نصف الليل إلى طلوع الفجر اضطراراً، وأما الفجر فإنها تنتهي بطلوع الشمس، أما ما بعد طلوع الشمس إلى الزوال فليس وقتاً لصلاة من الصلوات.
    قوله: [ حدثنا العباس العنبري ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ حدثنا سليمان بن داود -وهو الطيالسي- ]. سليمان بن داود الطيالسي ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ حدثنا سليمان -يعني ابن المغيرة- ]. سليمان بن المغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة ]. قد مر ذكر الثلاثة."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #95
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [064]
    الحلقة (95)

    شرح سنن أبي داود [064]

    الصلاة شأنها عظيم وخطرها كبير، ولذا لم يسقطها زوال مناط التكليف حال النوم والنسيان، حيث أوجب الشرع على النائم عن الصلاة أو الناسي لها أن يصليها متى ما ذكر، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بفعله لتتأسى به الأمة في ذلك.

    تابع حكم من نام عن الصلاة أو نسيها


    شرح حديث: ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها) ] يعني: حين يذكرها يبادر إلى فعلها ولو كان في وقت نهي؛ لأنها مستثناة من النهي. قوله: [ (لا كفارة لها إلا ذلك) ] يعني: ليس هناك شيء سوى أن تؤدى عند الذكر، وليس هناك كفارة مالية، وليس لأحد يصلي عن أحد، وإنما الواجب على من نسي الصلاة ثم ذكرها أن يبادر إلى فعلها، ولا يؤخر القضاء إلى وقت الغد بحيث إذا كان الإنسان عليه فوائت يصلي بعد كل صلاة صلاة، بل يسردها كلها في وقت واحد.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك )

    قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرنا همام ]. هو همام بن يحيى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ].
    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود .

    حديث (أن رسول الله كان في مسير له فناموا عن صلاة الفجر...) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مسير له فناموا عن صلاة الفجر، فاستيقظوا بحر الشمس، فارتفعوا قليلاً حتى استقلت الشمس، ثم أمر مؤذناً فأذن فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم أقام ثم صلى الفجر) ].
    أورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين وفيه نفس القصة التي ذكرت في أحاديث أبي قتادة وغيره، وفيه ذكر الأذان وسنة الفجر التي هي الراتبة قبل الصلاة، ثم بعد ذلك الصلاة.

    حديث عمرو بن أمية الضمري في نوم النبي والصحابة عن صلاة الفجر وتراجم رجال إسناده


    قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ عن خالد ]. هو خالد الواسطي، وقد مر ذكره.
    [ عن يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين رضي الله عنه هو صحابي مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    حديث ذي مخبر الحبشي في نوم النبي والصحابة عن صلاة الفجر وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس العنبري . ح: وحدثنا أحمد بن صالح -وهذا لفظ عباس - أن عبد الله بن يزيد حدثهم عن حيوة بن شريح عن عياش بن عباس -يعني القتباني - أن كليب بن صبح حدثهم أن الزبرقان حدثه عن عمه عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تنحوا عن هذا المكان. قال: ثم أمر بلالاً فأذن، ثم توضئوا وصلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن أمية الضمري وفيه ما في الحديث الذي قبله من كونهم لما حصل لهم النوم وخرج وقت صلاة الفجر واستيقظوا بحر الشمس أذنوا ثم ركعوا ركعتي الصبح، أي: السنة الراتبة، ثم بعد ذلك صلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم الفجر، فكل هذه الأحاديث دالة على وجود الأذان وعلى ركعتي الفجر وعلى قضاء الصلاة بعد قيامهم بقليل، وفي هذا الحديث أنهم تنحوا عن المكان الذي أصابهم النوم فيه،
    وقد سبق أن مر في بعض الأحاديث أنهم تحولوا واقتادوا رواحلهم شيئاً. قوله: [ حدثنا عباس العنبري وحدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل.
    قوله: [ وهذا لفظ عباس ]. يعني أنه لفظ الشيخ الأول، وهو عباس العنبري .
    [ أن عبد الله بن يزيد حدثهم ]. هو عبد الله بن يزيد المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عياش بن عباس -يعني القتباني- ]. عياش بن عباس القتباني ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ أن كليب بن صبح حدثهم ]. كليب بن صبح صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ أن الزبرقان حدثه ]. هو الزبرقان بن عبد الله الضمري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود وحده.
    [ عن عمه عمرو بن أمية الضمري ]. عمرو بن أمية الضمري صحابي مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    إسناد رابع لحديث نوم رسول الله والصحابة عن صلاة الفجر وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج - يعني: ابن محمد - حدثنا حريز .
    ح: وحدثنا عبيد بن أبي الوزير حدثنا مبشر -يعني الحلبي - حدثنا حريز -يعني ابن عثمان - حدثني يزيد بن صالح عن ذي مخبر الحبشي رضي الله عنه -وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم- في هذا الخبر، قال: (فتوضأ -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- وضوءاً لم يلث منه التراب، ثم أمر بلالاً فأذن، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعتين غير عجل، ثم قال لبلال : أقم الصلاة. ثم صلى الفرض وهو غير عجل). قال: عن حجاج عن يزيد بن صليح حدثني ذو مخبر رجل من الحبشة.
    وقال عبيد : يزيد بن صالح ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ذي مخبر الحبشي رضي الله عنه، وفيه مثل ما في قبله، من أنه حصل الأذان، وأنه صلى الركعتين وهو غير عجل، ثم صلى بالناس وهو غير عجل، يعني أنه لم يستعجل فيهما وأنه لم يخففهما.
    قوله: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن ]. هو إبراهيم بن الحسن المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا حجاج -يعني ابن محمد- ]. هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حريز ]. هو حريز بن عثمان الحمصي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
    [ ح: وحدثنا عبيد بن أبي الوزير ]. عبيد بن أبي الوزير لا يعرف حاله، أخرج حديثه أبو داود وحده.
    [ حدثنا مبشر -يعني الحلبي- ]. هو مبشر بن إسماعيل الحلبي، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حريز -يعني ابن عثمان- عن يزيد بن صالح ]. يزيد بن صالح -ويقال أيضاً: ابن صليح- أخرج حديثه أبو داود .
    [ عن ذي مخبر الحبشي ]. ذو مخبر الحبشي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يخدم النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أبو داود و ابن ماجه .
    وقوله: [ عن حجاج عن يزيد بن صليح ]. يعني: أن حجاجاً قال: يزيد بن صليح . وقال الشيخ الثاني الذي هو عبيد بن أبي الوزير : يزيد بن صالح . إذاً: بعض الرواة قال: صالح. وبعضهم قال: صليح. ولا فرق بينهما، ويقال له: صليح أكثر من (صالح).

    إسناد آخر لحديث نومه صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر وذكر زيادته وتراجم رجاله


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد عن حريز -يعني ابن عثمان - عن يزيد بن صليح عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي رضي الله عنه في هذا الخبر، قال: (فأذن وهو غير عجل) ].
    قوله: [ (وأذن وهو غير عجل) ] ذكر الأذان وهو غير عجل فيه إشكال؛ لأن الأذان حالته واحدة، وليس فيه استعجال، إنما الاستعجال في الإقامة، فهي التي تحدر حدراً. قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل ]. مؤمل بن الفضل صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي .
    [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حريز -يعني ابن عثمان - عن يزيد بن صليح عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي ]. مر ذكرهم.
    وهنا قال: (صليح) بتصغير (صالح).

    شرح حديث: ( أقبلنا مع رسول الله زمن الحديبية فقال: من يكلؤنا؟)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن جامع بن شداد سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يكلؤنا ؟ فقال بلال : أنا. فناموا حتى طلعت الشمس، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: افعلوا كما كنتم تفعلون. قال: ففعلنا، قال: فكذلك فافعلوا لمن نام أو نسي) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود أنه قال: [ أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ] وهذا يخالف ما تقدم في الروايات السابقة التي فيها أنه كان في غزوة خيبر، وأنه قفل من غزوة خيبر، وأما ما ذكر أنه كان في جيش الأمراء فهذا غير صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان في تلك الغزوة. وأما ذكر الحديبية فإنه يحمل على تعدد القصة، أو أن في ذلك وهماً، فإما أن تكون الحادثة متعددة، وإما أن تكون واحدة وفي الحديث وهم.
    وقوله: [ (من يكلؤنا؟) ] يعني: من يكون متنبهاً بحيث لا تفوتنا صلاة الفجر.
    قوله: [ (فقال بلال : أنا. فناموا حتى طلعت الشمس) ]. هذا مثل ما تقدم في قصة خيبر؛ لأن بلالاً هو الذي كان مستنداً إلى راحلته وأخذه النوم، وبعد ذلك حصل ما حصل، حيث فاتتهم الصلاة وصلوها بعد طلوع الشمس.
    قوله: [ (فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (افعلوا ما كنتم تفعلون) ] يعني أنهم يصلون الصلاة في ذلك الوقت كما كانوا يؤدونها في وقتها.
    قوله: [ (قال: فكذلك فافعلوا لمن نام أو نسي) ]. يعني أن النائم أو الناسي يفعل في القضاء كما كان يفعل في الأداء، وذلك عند ذكره وعند تنبهه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أقبلنا مع رسول الله زمن الحديبية فقال: من يكلؤنا؟)


    قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا محمد بن جعفر ]. هو محمد بن جعفر الملقب بغندر البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جامع بن شداد ]. جامع بن شداد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة ]. عبد الرحمن بن أبي علقمة يقال: له صحبة. ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وأخرج حديثه أبو داود و النسائي.
    [ سمعت عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من المهاجرين، وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    الأسئلة



    الكشف والمكاشفات

    السؤال: قضية الكشف والمكاشفات قضية خطيرة تثيرها الصوفية وتدعيها لمشايخها وأقطابها، ويستدلون بقول عمر رضي الله عنه: (يا سارية! الجبل) فما هو الرد على هذه الشبهة؟

    الجواب: أولياء الله عز وجل إذا حصل لهم شيء من الكرامات لا يتبجحون بها، ولا يذكرونها، ولا يشغلون الناس بها، وإنما يتواضعون لله عز وجل ويخفونها، هذا شأن أولياء الله، وأما الذين أضلهم الله عز وجل فهم يتخذون مما يحصل إذا حصل وسيلة لتقديسهم ولتعظيمهم ولجلب الأموال لهم بسبب ذلك، وقد يختلقون كرامات ويأتون بأشياء ليس لها أساس وليس لها وجود، وإنما يأتون بها من أجل أن يعظمهم الناس ويتبعهم الناس، وأما من يكون ولياً لله عز وجل حقيقة فإنه إذا حصل له شيء من الكرامة لا ينشره ولا يتبجح ولا يتعاظم ولا يترفع على الناس به، أما من يريد من الناس أن يقدسوه ويعظموه ويحققوا له ما يريد فهذا ليس شأنه شأن أولياء الله حقاً، ولهذا فإن ما يحصل من الصوفية ومن أهل البدع في السلوك وفي العقائد من ذلك فهو مما أضلهم الله عز وجل به، ومن الانحراف عن الجادة، ومن المعلوم أنهم يدعون دعاوى بحصول أشياء لا أساس لها ولا حقيقة لها، ولو وُجِدَ شيء من ذلك حقيقة لكان الذي يجب هو أن مثل ذلك يخفى ولا يبين ولا يظهر، وأما قصة (يا سارية! الجبل) فما أدري عن ثبوتها، ولكن إذا ثبتت فإنها من الكرامات التي يجريها الله عز وجل على يد بعض أوليائه، ولا شك في أن عمر رضي الله عنه من خيار الأولياء، بل هو أفضل ولي بعد الأنبياء والمرسلين وبعد أبي بكر رضي الله عنه، فهو أفضل هذه الأمة بعد أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

    حقيقة حدثاء الأسنان الذين نهي عن أخذ العلم عنهم
    السؤال: جاء كثير من العبارات عن السلف في النهي عن أخذ العلم عن حدثاء الأسنان، مع أننا نرى أن كثيراً من الأئمة تصدر للفتوى في سن مبكرة، فما هو معنى حدثاء الأسنان؟

    الجواب: لعل المقصود من ذلك الناس الذين يستعجلون في الفتوى قبل أن يتمكنوا من العلم الشرعي، أما من تمكن وصار يستفاد منه ولو كان في سن مبكرة فلا بأس بذلك، وإنما المقصود من ذلك الذين يستعجلون أن يبرزوا وأن يظهروا، فهؤلاء هم الذين يذمون، وأما من يوفقه الله عز وجل وكان في صغره أو في سن مبكرة ممن يستفاد منه فلا بأس بذلك، ولاسيما إذا كان لا يوجد غيره في البلد والناس يحتاجون إليه، فمثل هذا لا بأس به.


    الصلاة مع الجماعة بعد أدائها في الرحال

    السؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين صليا في رحالهما: (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم) فهل هذا خاص بالجماعة التي تقام في المسجد دون غيرها؟

    الجواب: ليس هذا خاصاً بجماعة المسجد، بل لو أن الإنسان وجد جماعة أخرى تصلي فله أن يصلي معها، فقد دخل رجل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قضيت صلاة الجماعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه)، لأن هذا الذي سيتصدق قد صلى، فصلاته نافلة، فلو وجد المرء جماعة تصلي فصلى معهم فله ذلك. وهذا لا يعارض حديث: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)؛ لأن المنع فيما إذا كان الإنسان يؤديها بدون سبب، أما هذا فإنه بسبب، وهو وجود جماعة.

    ما يدعى به في السجود وبعد التشهد

    هل يشترط للدعاء عند السجود أو بعد التشهد أن يكون من الأدعية المأثورة؟

    الجواب: لا يشترط، ولكن كونه يأتي بالأدعية المأثورة ومما ثبتت به السنة هو الذي ينبغي، والإنسان إذا أتى بدعاء ليس بمأثور قد يقع منه الخطأ والزلل، وقد يكون الدعاء غير مستقيم، لكن إذا كان دعاء واضحاً ليس فيه إشكال فهذا هو الذي ينبغي، كأن يسأل الإنسان ما يريد من خيري الدنيا والآخرة، أو يسأل شيئاً يريده ويخصه ويدعو به بخصوصه فله ذلك، لكن الحرص على الأدعية المأثورة التي جاءت عن الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأفضل والذي ينبغي.

    حكم انتفاع المرتهن بالرهن مع رضا الراهن
    السؤال: هل يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن؟ علماً بأن الراهن قد رضي بذلك؟

    الجواب: إذا كان الانتفاع بمقابل شيء، مثل الشاة يعلفها ويحلبها فهذا لا بأس به، فكون العلف يكون مقابل الحليب لا بأس به.

    تعريف الرهن
    السؤال: ما هو الرهن؟

    الجواب: الرهن هو توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها. فهو دين في الذمة، وهذا الرهن يوضع عند المرتهن حتى يطمئن صاحب الدين بأن حقه مقيد بهذه العين، بحيث إنه لو لم يحصل السداد فإنه يحصله عن طريق هذه العين.

    حكم ترك الأسباب المؤدية للاستيقاظ للصلاة استدلالاً بحديث: ( ليس في النوم تفريط )

    الجواب: هل صحيح أنه لا يجب على المسلم توقيت الساعة على وقت صلاة الفجر استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس في النوم تفريط) مع أنه قد لا يستيقظ؟

    الجواب: فعل الأسباب التي تؤدي إلى التنبه مطلوب، ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من يكلؤنا) يعني: من يكون مستيقظاً حتى ينبههم. وليس في النوم تفريط إذا كان الإنسان لم يحصل منه تفريط، لكن بعض الناس يفرطون، مثل الذين يسهرون الليل وإذا أقبل وقت الفجر ناموا ولا يقومون إلا بعد طلوع الشمس، فهؤلاء مفرطون.

    حكم أكل الحلويات المصنوعة في بلاد اليهود والنصارى وفيها مخ عظام البقر

    السؤال: اشتريت من السوق بعض حلويات صنعت في أمريكا ووجدت أن فيها جلاتيناً بقرياً، فهل يجوز أكل هذه الحلويات؟

    الجواب: ليس هناك مانع يمنع من هذا؛ لأن ذبائح اليهود والنصارى حلال لنا.

    حكم التحول عن المكان الذي نام فيه المسافر عن الصلاة

    السؤال: هل يقال فيمن نام عن الصلاة في مكان وهو مسافر: إن السنة أن يتحرك من مكانه الذي نام فيه ويسير قليلاً. أم يصلي في نفس مكانه الذي فاتته فيه الصلاة؟

    الجواب: التحول عن ذلك المكان قليلاً هو الذي ينبغي.

    الجمع بين كونه صلى الله عليه وسلم نام عن الصلاة وبين قوله: ( تنام عيناي ولا ينام قلبي )

    السؤال: كيف نجمع بين هذا الحديث الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نام ولم يستيقظ حتى طلعت الشمس)، وبين حديث: (تنام عيناي ولا ينام قلبي) ؟

    الجواب: لا تنافي بينهما؛ لأن قوله: (تنام عيناي ولا ينام قلبي) يتعلق بالحدث، يعني: لا يحصل منه الحدث حال النوم، أما كونه يحصل منه النوم حتى تطلع الشمس فهذا لا ينافي ذلك الحديث الذي فيه ارتفاع الحدث عنه في حال نومه صلى الله عليه وسلم.

    إعادة الطواف بعد الوضوء لمن أحدث أثناء الطواف

    السؤال: إذا أحدث الرجل أثناء الطواف، وذلك -مثلاً- بعد الشوط الثالث، فهل يعيد الطواف بعد الوضوء من أوله، أم يكمل الأشواط الأربعة الباقية في وقته؟

    الجواب: الذي ينبغي له والأولى في حقه أنه يعيده من أوله.

    حكم تحويل الوقف واستبداله للمصلحة

    السؤال: وهبت قطعة أرض ليقام عليها بالدور الأول مسجد، فهل يجوز استبدال هذه القطعة بقطعة أخرى في مكان آخر يحتاج فيه إلى مسجد وأبيع هذه القطعة؟

    الجواب: إن كان يريد وقفها فالأمر بيده، فله أن يحول؛ لأنه لم يتم الوقف، أما إن كان قد تم الوقف فلا يحول الوقف عن المكان الذي هو فيه، إلا إذا كان لم يبن المسجد، وكانت المصلحة بأن يحوله إلى مكان آخر فله ذلك، وأما إذا وجد المسجد وتم استعماله كمسجد فيبقى المسجد، وإذا كان هناك مسجد آخر وأراد أن يبني مسجداً فلا يجعله قريباً منه.


    حكم التراخي عن قضاء الفائتة بعد خروج وقتها

    السؤال: من استيقظ وقد فاتته صلاة الفجر فهل له أن يتراخى في الصلاة؛ لأن الأحاديث ورد فيها أنه صلى الله عليه وسلم قال: (رويداً رويداً)، وقال الراوي: (حتى تعالت الشمس)، وفيه أنه ليس قضاؤها على الفور؟

    الجواب: كان ذلك التراخي من أجل الانتقال، وهذه الفترة هي التي حصل فيها الانتقال.

    حكم من جمع بين الظهر والعصر في مكان العمل ثم دخل بلده قبل دخول وقت العصر
    السؤال: شخص يعمل في مكان يبعد عن المدينة مائة وستين كيلو متر، ويصل إلى المدينة قبل صلاة العصر بساعة تقريباً، والمدينة بلده، وهو يجمع الظهر والعصر في مكان عمله، فهل يصح ذلك؟

    الجواب: إذا كان يصل إلى المدينة قبل أن يدخل وقت العصر فلا ينبغي له أن يجمع، وإنما يصلي الظهر في وقتها مقصورة، وإذا جاء وقت العصر يصليها مع الناس في وقتها، ولا يجمع بينهما ثم يأتي وينام ويقول: أنا قد صليت.

    حكم من نام عن الوتر حتى طلع الفجر
    السؤال: من نام عن الوتر حتى طلع الفجر فهل يصليه قياساً على ركعتي الفجر اللتين صلاهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد طلوع الشمس؟

    الجواب: إذا نام الإنسان عن الوتر فإنه يصليه في الضحى، ولكن يضيف إليه ركعة حتى لا يؤدى وتراً في النهار، فإذا كان يصلي الوتر في الليل ثلاثاً فإنه إذا فاته يصليه أربعاً في الضحى، وإن كان يصلي خمساً يصلي ستاً في الضحى، وإن كان يصلي تسعاً يصلي عشراً في الضحى، وإن كان يصلي إحدى عشرة يصلي اثنتي عشرة في الضحى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل صلاته من الليل لمرض أو لغير ذلك صلى من النهار أو من الضحى اثنتي عشرة ركعة؛ لأنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة بالليل.

    حكم الأذان بغير وضوء
    السؤال: جاء في حديث عمرو بن أمية الضمري أن للمؤذن أن يؤذن بدون وضوء؛ حيث ورد فيه: (ثم أمر بلالاً فأذن، ثم توضوءا وصلوا ركعتي الفجر) فما حكم أذان المؤذن وهو على غير وضوء؟

    الجواب: بإمكانه أن يؤذن وهو على غير وضوء، لكن الحديث ليس فيه دليل يدل على ذلك؛ لأنه يحتمل أن يكون الذي أذن قد توضأ، لكن يصح أن يؤذن المؤذن وهو على غير وضوء.

    كيفية إخراج زكاة العنب الذي يباع
    السؤال: نرجو منكم توضيح كيفية زكاة العنب، فهل هي بالخرص، أم بما ينتج عنه من قيمة؟

    الجواب: هي زكاة العنب بالخرص كما هو معلوم، لكن إذا كان الناس يبيعونها وأراد أن يخرج زكاته فإن زكاته تدور بين نصف العشر أو العشر على حسب سقيه، فإن سقي بماء المضخات أو الآبار وما إلى ذلك؛ فإنه يخرج نصف العشر، أما إن سقي بماء العيون أو بماء الأنهار فإنه يكون عليه العشر، هذا إذا كان يباع كله، فيمكن أن يخرج نصف عشر القيمة أو عشر القيمة."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #96
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [065]
    الحلقة (96)

    شرح سنن أبي داود [065]

    للمساجد في الشريعة الإسلامية مكانتها العظيمة وأحكامها الشرعية وآدابها الخاصة، وذلك لأنها دور عبادة الله تعالى، ومن أحكامها وآدابها: الاعتناء بنظافتها وتبخيرها وتطييبها، وأن يخصص مدخل للنساء بعيداً عن مدخل الرجال؛ لتفادي الاختلاط والفتنة، وقد ندب الشرع إلى الإكثار من بنائها حتى يسهل على الناس أداء الصلاة في الجماعة في المساجد.

    اتخاذ المساجد في الدور


    شرح حديث: ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور ... )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب اتخاذ المساجد في الدور. حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور، وأن تُنظَّف وتُطيَّب) ]. لما ذكر أبو داود رحمه الله في ترجمته السابقة ما يتعلق ببناء المسجد، وأورد الأحاديث في ذلك عقَّبه بهذه الترجمة، وهي: [ اتخاذ المساجد في الدور ]. والمقصود بالدُّور الأحياء والمحلات والمناطق من البلد، بمعنى أن كل حي أو كل محلة من البلد يكون فيها مسجد، ولا يلزم أن يكون في البلد الواحد مسجد واحد، ولو كان كبيراً، وإنما يمكن أن تتعدد المساجد، وأن تكون الأحياء والمحلات فيها مساجد، لكن لا تكون متقاربة تقارباً شديداً، وإنما يكون بينها مسافة، وهذا هو المقصود بالدور، وهي جمع دار، و(الدار) كما أنه يطلق على البيت الواحد ويطلق على المحلة وعلى الحي من المكان، فليس مقصوراً على المنازل،
    وهذا هو المقصود من أمره صلى الله عليه وسلم باتخاذ المساجد في المحلات والأحياء، حتى يتيسر لأهل تلك الأحياء شهود الجماعة وحضورها، بخلاف ما لو كان المسجد بعيداً، فقد يشق على بعض الناس شهود الجماعة لبُعد المسجد. أما إذا كان المسجد قريباً، وكانت كل محلة فيها مسجد، فإن الإنسان يذهب إلى المسجد بسهولة ويرجع بسهولة، وذلك أدعى لعدم فوات الصلاة جماعة للرجال الذين يجب عليهم أن يصلوا جماعة في المساجد. قوله: [ (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تُنظَّف وتُطَّيب) ] فيه ثلاثة أمور: الأول: اتخاذ المساجد في الدور، وهي المحلات والأحياء من البلد،
    حتى يسهل للناس حضور صلاة الجماعة، ولئلا يشق عليهم الذهاب إليها في مكان بعيد من البلد. الثاني: أن تُنظَّف، فيزال عنها الأوساخ والقذر، وتصان وتحفظ، وإذا وقع فيها شيء من الأوساخ فإنه يزال. الثالث: أن تُطيَّب، أي: يؤتى بالطيب فيها، حتى يشمّ الناس فيها رائحة طيبة. وقد جاء في التراجم لرجال الحديث اسم: نعيم المجمر ، ويسمى المجمر ؛ أخذاً من تجمير المسجد، وهو الاتيان بالجمر الذي يوضع عليه العود من الطيب، فتفوح الرائحة الطيبة في المسجد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور .. )

    قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حسين بن علي ]. هو حسين بن علي الجعفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن زائدة ]. هو زائدة بن قدامة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبيه ]. أبوه هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والفقهاء السبعة هم: عروة بن الزبير بن العوام ، و خارجة بن زيد بن ثابت ، و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، و سعيد بن المسيب ، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و سليمان بن يسار هؤلاء الستة متفق على عدّهم، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: الأول: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، والثاني: أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ،
    والثالث: أنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب . وهؤلاء السبعة اشتهروا بهذا اللقب في المدينة النبوية المباركة في عصر التابعين، وكانوا في زمن متقارب، ويطلق عليهم هذا اللقب. وأحياناً يأتي ذكرهم بهذا اللقب دون ذكر أسمائهم، كما إذا كان هناك مسألة اتفقوا عليها، فيقال: هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة فبدل أن يقال: فلان وفلان و فلان وفلان يطلق عليهم هذا اللقب: (الفقهاء السبعة)، مثل مسألة (زكاة عروض التجارة)، فعندما يذكرونها يقولون: قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة. والأئمة الأربعة هم: أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد ، والفقهاء السبعة هم هؤلاء الذين سبق ذكرهم، فإنهم جميعاً يقولون بوجوب الزكاة في عروض التجارة.
    [ عن عائشة ]. وهي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بن الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة, وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهي من أوعية السّنّة وحَفَظَتها، لاسيما في الأمور المتعلقة بما يجري في البيوت بين الرجل وأهل بيته، فإن هذا مما روي كثيراً من طريقها؛ لأنها روت الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا ... )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا يحيى -يعني ابن حسان - حدثنا سليمان بن موسى حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن أبيه سمرة أنه كتب إلى ابنه: (أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا، ونصلح صنعتها، ونطهرها)].
    قوله: [ (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا)]. أي: نبنيها في الديار، أي: في المَحِلات. فالديار المقصود بها الدور، والمقصود بالدور المحلات، أي: المناطق والأحياء. قوله: [ (ونصلح صنعتها) ]. أي أنهم يبنونها ويحسنون بناءها، لكن على وجه ليس فيه غلو وليس فيه زيادة عن قدر الحاجة، كما سبق الحديث في التشييد: (ما أُمرت بتشييد المساجد) أي: تشييدها على وجه زائد عن قدر الحاجة، أما بناؤها وإصلاحها على وجه يكون فيه بقاؤها وقوة بنائها وعدم تعرضها للتداعي والسقوط فإن هذا أمر مطلوب، ولكن المحذور أن يزاد على ذلك، وأن يُتجاوز الحد المطلوب، مثل أن تُزركش وتُزخرف ونحو ذلك مما جاء المنع فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (ونطهرها) ]. تطهيرها المقصود به تنظيفها من الأوساخ،
    وعدم تعريضها للنجاسات، وما إلى ذلك، وكل ذلك يدخل تحت تطهيرها. وهذا الحديث دالّ على ما دل عليه الحديث الذي قبله من بناء المساجد في الدُور والأمر بتطهيرها وتنظيفها، سواءٌ أكان من تطهيرها من الأنجاس أم من الأوساخ والأقذار التي ليست بنجاسة ولكنها مما يستقذر ويُكره النظر إليه وإن لم يكن نجساً.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا .. )

    قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ]. محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج حديثه أبو داود .
    [ حدثنا يحيى حدثنا -يعني ابن حسان -]. يحيى بن حسان ؟ أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [ حدثنا سليمان بن موسى ]. سليمان بن موسى فيه لين، أخرج له أبو داود وحده.
    [ حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة ]. جعفر بن سعد بن سمرة ليس بالقوي، أخرج له أبو داود وحده .
    [ حدثني خبيب بن سليمان ]. خبيب بن سليمان مجهول، أخرج له أبو داود وحده .
    [ عن أبيه سليمان بن سمرة ]. سليمان بن سمرة مقبول، أخرج له أبو داود وحده.
    [ عن أبيه سمرة ]. هو سمرة بن جندب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه من هو مقبول، وفيه من هو مجهول، ولكن الحديث الأول يدل على ما دل عليه من حيث بناء المساجد في الدور والأمر بتطهيرها.
    السرج في المساجد


    شرح حديث: ( .. فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في السرج في المساجد. حدثنا النفيلي حدثنا مسكين عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس؟ فقال: ائتوه فصلوا فيه- وكانت البلاد إذ ذاك حرباً- فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله) ].
    قوله: [ باب في السرج في المساجد. يعني إضاءتها وإنارتها، وهذا أمر مطلوب في المساجد، والقيام بذلك من الأمور المطلوبة في المساجد؛ لأن كل ما فيه مصلحة ومنفعة في المسجد للناس أمر مطلوب، ومن قبل كانت تُتخذ السرج، ويستعملون الزيت لإيقادها. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: [يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس؟ ] والمقصود: المسجد الأقصى. قولها: [ فقال: (ائتوه وصلوا فيه) ]. أي: اذهبوا إليه فصلوا فيه. وهذا فيه شد الرحل إليه، وقد جاء في الحديث الصحيح: (لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا) فالمسجد الأقصى هو أحد المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها. فليس هناك مسجد أو بقعة من الأرض تشدّ الرحال إليها من أجل التعبد فيها إلا هذه المساجد الثلاثة،
    ولا يقال: إن المقصود هو النهي عن شد الرحال إلى المساجد الأخرى فقط، أما الذهاب إلى أماكن أخرى غير المساجد، كالمقابر أو غيرها للعبادة والتبرك جائز؛ لأن الحديث إنما جاء في النهي عن شد الرحال إلى المساجد! هذا الكلام باطل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) أي: لا تُشد إلى بقعة من أجل التقرب إلى الله عز وجل فيها، أو من أجل ميزتها وفضلها وشرفها إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، فهي التي تشد الرحال إليها. ولهذا روى النسائي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع أن فلاناً ذهب إلى مشاهدة الطور، فقال: لو كنت رأيته لما ذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد). قوله: [ (فإن لم تأتوه فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله) ] معناه: إضاءة القناديل بذلك الزيت؛ لأن الزيت هو مادة الإضاءة. وإسراج المساجد وإضاؤتها من الطاعات والقربات، ولا شك في أن المسجد كلّما كان أفضل فإن العناية به تكون أهم، والإنفاق عليه يكون أكثر أجراً؛ لأن ذلك يتعلق بشيء فاضل، فالإنفاق عليه يكون له ميزة على غيره.
    قولها: [ وكانت البلاد إذ ذاك حرباً ]. من المعلوم أن بيت المقدس لم يُفتح إلا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا يعني أنه كان في ذاك الوقت لم يدخل تحت البلاد الإسلامية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصل إلى تبوك، وكان الشام لم يُفتح بعد، فهو في زمنه صلى الله عليه وسلم في بلاد حربٌ؛ لأن الذين فيها هم محاربون، ولم يكن تحت ولاية المسلمين، وإنما كانت بيد الكفار، ولم تفتح إلا في زمن عمر رضي الله عنه وأرضاه.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( .. فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله )

    قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
    [ حدثنا مسكين ]. هو مسكين بن بكير ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
    [ عن سعيد بن عبد العزيز ]. هو سعيد بن عبد العزيز الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن زياد بن أبي سودة ]. زياد بن أبي سودة ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجه .
    [ عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم ]. ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن. والحديث ضعفه الألباني ، وفي إسناده مسكين بن بكير صدوق يخطئ. ولا أدري هل فيه علة أخرى غير هذه، لكن اتخاذ السرج مطلقاً وإضاءة المساجد أمرٌ مطلوب، ولا إشكال فيه، وإنما الإشكال في كون ذلك الأمر صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة لبيت المقدس أم لا. والحديث عزاه المنذري إلى ابن ماجه من طريق زياد بن أبي سودة عن أخيه عثمان عن ميمونة ، وهو في الصحيح، كما قاله المزي في تهذيب الكمال، وتبعه تلميذه العلائي في جامع التحصيل و ابن حجر في تهذيبه، ولفظ البوصيري في مصباح الزجاجة. إسناد طريق ابن ماجه صحيح رجاله ثقات، وهو أصح من طريق أبي داود ، وعلى هذا يكون فيه اتصال، ولكن إسناد ابن ماجه فيه عثمان .
    حصى المسجد


    شرح حديث ( مطرنا ذات ليلة، فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته ... )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في حصى المسجد. حدثنا سهل بن تمام بن بزيع حدثنا عمر بن سليم الباهلي عن أبي الوليد : سألتُ ابن عمر عن الحصى الذي في المسجد، فقال: (مُطرنا ذات ليلة، فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: ما أحسن هذا !) ]. قوله: [ باب: في حصى المسجد ]، أي: المسجد يُتخذ فيه الحصى، ويتخذ فيه التراب، وهل يخرج أو لا يخرج؟ وهل ينقل من مكان إلى مكان ليفترش؟ فهذه الترجمة تتعلق بهذه الأمور.
    قوله: [ فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته ] أي: على البلل وعلى الرطوبة التي في الأرض. وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (ما أحسن هذا) ] أي: ما أحسن هذا العمل الذي هو اتخاذ الحصى ليتقى به البلل عند الصلاة على الأرض المبتلة التي يحصل بها ابتلال الثياب، فيكون ذلك الحصى الذي وضع في مكان ذلك البلل واقياً منه. ولا بأس باتخاذ الشيء ليمنع من وصول ما يشوش على الإنسان صلاته، أو يلوث ثيابه؛ لأن ذلك أمر مطلوب، كأن يوضع الفراش على مكان مبلول، أو يوضع أي شيء يُتقى به الماء والبلل الذي يكون في الأرض، فلا بأس بذلك. وأما الحديث ففي رجال إسناده من هو مجهول، وعلى هذا فهو غير ثابت، ولكن لا بأس باتخاذ الشيء ليمنع مما فيه أذى وضرر، وليس هناك مانع يمنع منه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة)


    قوله: [ حدثنا سهل بن تمام بن بزيع ]. سهل بن تمام بن بزيع ثقة وصدوق يخطئ، أخرج له أبو داود وحده.
    [ حدثنا عمر بن سليم الباهلي ]. عمر بن سليم الباهلي صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و ابن ماجه .
    [ عن أبي الوليد ]. أبو الوليد هو الذي يروي عن ابن عمر ، وهو مجهول، أخرج له أبو داود وحده.
    [ سألت ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي المشهور، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح أثر: ( إن الرجل إذا أخرج الحصى من المسجد يناشده )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا: حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال : كان يقال: إن الرجل إذا أخرج الحصى من المسجد يناشده ]. قوله: [ يناشده ] أي: يسأله أو يطلب منه أن لا يخرجه، وذلك حتى يبقى في تلك البقعة الطيبة. هذا هو المقصود من الأثر، وهو مقطوع كما هو معلوم؛ لأنه كلام تابعي، وهو صحيح إليه، ولكن لا تثبت به حجة، ولا يثبت به حكم، ولا بأس بإخراج الحصى الذي في المسجد عند الحاجة إلى إخراجه وإبداله، وكذلك البلاط الذي يبلط به المسجد إذا احتيج إلى تغييره وتبديله والإتيان بشيء تدعو الحاجة إليه،
    ولم يثبت شيء في المنع من إخراجه، ولو ثبت شيء لحُمل ذلك على أنه إذا لم يكن هناك أمر يقتضيه، أما إذا وجد شيء يقتضيه مثل أن يكون منظره قبيحاً أو غير مستحسن، أو أنه صار متسخاً، فإن إخراجه في هذه الحالة لا بأس به، وعلى كل حال فإن إخراج الحصى وإدخاله وتبديله لا بأس به، وليس هناك مانع يمنع منه.

    تراجم رجال إسناد أثر: ( إن الرجل إذا أخرج الحصى من المسجد يناشده )

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [ حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
    [ و وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
    [ عن أبي صالح ]. اسمه: ذكوان ، ولقبه السمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    شرح أثر: ( إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن إسحاق أبو بكر -يعني الصاغاني- حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد ، حدثنا شريك ، حدثنا أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه -قال أبو بدر : أُراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد) ]. أورد أبو داود رحمه الله الأثر من طريق أخرى، وهو إلى أبي هريرة ، وأحد رواته -هو أبو بدر - يشك في أنه مرفوع، حيث قال: [ أُراه قد رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ] أي: أظن أنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو مثل الأثر الذي قبله من حيث إن الحصى يناشد من يخرجه من المسجد، أي: يسأله أو يطلب منه أن لا يخرجه من ذلك المكان الفاضل إلى مكان مفضول.

    تراجم رجال إسناد أثر: ( إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد )

    قوله: [ حدثنا محمد بن إسحاق أبو بكر يعني الصاغاني ]. محمد بن إسحاق أبو بكر الصاغاني ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
    وجملة: [ يعني الصاغاني ] قالها من دون أبي داود ؛ لأن هذا شيخ أبي داود ، وعلى هذا فكلمة [ يعني ] التي أُتي بها لتوضيح من هو محمد بن إسحاق ، وأنه الصاغاني هي ممن دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يحتاج إلى أن يقول: [يعني] وإنما كان سيقول: الصاغاني بدون كلمة [يعني]، وهذه الكلمة لها قائل، فقائلها هو مَن دون أبي داود . وفي هذا ما يوضح أن بعض هذه الألفاظ -مثل كلمة (يعني) أو كلمة: (هو) قد تكون ممن دون صاحب الكتاب؛ لأن صاحب الكتاب لا يحتاج إلى أن يعبر بهذه الألفاظ، فهو يأتي بالعبارة كما يريد، فله أن يطيل وله أن يقصر في ذكر النسب، ولكن الاحتياج إلى ذلك يكون ممن دون المؤلف.
    [ حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد ]. أبو بدر شجاع بن الوليد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي شك في أن أبا هريرة رفع الأثر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
    [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم قال في السنن .
    [ حدثنا أبو حصين ] هو عثمان بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي صالح ]. أبو صالح هو ذكوان السمان، وقد مرّ ذكره. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. والحديث ضعفه الألباني .
    كنس المسجد


    شرح حديث: ( عُرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد .. )

    قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب: في كنس المسجد. حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الخزاز أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عُرضت علي أجور أمتي، حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها) ]. قوله: [ باب في كنس المسجد ]. أي: تنظيفه وإزالة ما يكون فيه من أوساخ، وهذا من الأمور المطلوبة، وقد سبق في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ المساجد في الدور وأن تُنظّف وتُطيّب، وتنظيفها هو كنسها وإزالة ما يكون فيها من أوساخ، وكذلك كل ما هو مستقذر، سواءٌ أكان نجساً أم غير نجس.
    وهذه الترجمة في كنس المسجد أورد فيها أبو داود رحمه الله حديثاً ضعيفاً، ولكن معنى الترجمة قد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، ومنها الحديث المتقدم، وهو حديث: (وأن تُنظّف)، والحديث الذي بعده (وأن تُطهر)، وهي تدل على أهمية تنظيف المساجد، وقد جاءت أحاديث في حرمة البصاق في المساجد. قوله: (عُرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد). أي: حتى أجر إخراج القذاة من المسجد. وقوله: [ (أوتيها) ] ليس الحديث خاصاً بالرجال، بل والنساء كذلك، ولكن ذكر الرجال؛ لأن الخطاب كان معهم، فذِكْر الرجل لا مفهوم له، بل المرأة كذلك حكمها حكم الرجل، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاء نص خاص يميز الرجل عن المرأة في حكم من الأحكام، بأن يكون هذا الحكم للرجال وهذا الحكم للنساء، عند ذلك يتم التفريق، وإلا فإن الأحكام التي تكون للرجال هي للنساء، والأحكام التي للنساء هي للرجال، وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد هو خطاب للجميع، والتفريق يكون بالنصوص الخاصة، فذكر الرجل هنا لا مفهوم له، مثل ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:
    [ (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصُمه) ] فكذلك المرأة مقصودة في هذا الحديث. وهذا الحديث فيه عرض الأعمال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: إنها عُرضت عليه ليلة المعراج. ويحتمل أن يكون ذلك في المنام. ومن المعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي وحق، وهذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه انقطاعاً بين المطلب بن عبد الله بن حنطب و أنس بن مالك ، و المطلب كثير التدليس والإرسال، وهذا من إرساله؛ لأنه لم يسمع من أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه -أيضاً- عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، وفيه كلام. قوله: [ (فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها) ]. هذا فيما إذا كان الإنسان قد أعرض عن القرآن ورغب عنه، أما إذا حصل منه ذلك نسياناً، كأن يحصل منه كسل أو تغافل أو طول ترك من غير قصد فإنه لا حرج على الإنسان في ذلك، ولكنه يخسر خسارة كبيرة، حيث يفوته مغنم كبير؛ لأنه كان سيتمكن من قراءة القرآن عند نومه غيباً، وفي سيره وفي جميع أحواله؛ لأنه إذا كان محفوظاً عنده فإنه يتمكن من ذلك، بخلاف ما إذا كان غير محفوظ، فإنه حينئذٍ لا بد من المصحف،
    والمصحف لا يتيسر له أن يقرأ به في كل أحواله، فلو كان مضجعاً أو في ظلام فإنه لا يتمكن من القراءة في المصحف، وإنما يقرأ من صدره ومن حفظه إذا كان حافظاً، فلاشك في أنه خسر خسارة عظيمة وفاته خير كثير، أما إذا كان الإنسان قد أعرض عنه عمداً فإنه قد ارتكب خطأً كبيراً. ومن المعلوم أن حفظ القرآن ليس بواجب، ولكنه من الأمور المستحبة، ومن الأمور التي يحتاج إليها الإنسان؛ وذلك حتى يتمكن من القراءة في أي وقت شاء وعلى أي حال شاء.

    تراجم رجال إسناد حديث (عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد .. )

    قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الخزاز ]. عبد الوهاب بن عبد الحكم الخزاز ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ]. عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد صدوق يخطئ، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن .
    [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة .
    [ عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ]. المطلب بن عبد الله بن حنطب صدوق كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن . [ عن أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    اعتزال النساء في المساجد عن الرجال


    شرح حديث: ( لو تركنا هذا الباب للنساء )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال. حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركنا هذا الباب للنساء) قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. وقال غير عبد الوارث : قال: عمر ، وهو أصح ]. قوله: [ اعتزال النساء في المساجد عن الرجال ]. يستفاد من هذه الترجمة عدم الاختلاط بين الرجال والنساء، بحيث تكون النساء متميزات عن الرجال، ويكون الرجال متميزين عن النساء، سواءٌ أكان ذلك في الدخول من الأبواب أم في المكث في المسجد. والذي أورده أبو داود هنا يتعلق بالدخول من الأبواب؛ لأن الأحاديث التي أوردها كلها تتعلق بالباب الذي يدخل منه النساء، ولكن قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على تميزهن عن الرجال أثناء الصلاة، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، حيث قال عليه الصلاة والسلام:
    (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) . فصفوف الرجال كانت متميزة عن صفوف النساء، والصف الأول للرجال هو خير الصفوف؛ لأنه أبعد عن النساء، وآخر صفوف الرجال هو شر الصفوف؛ لأنه قريب من النساء، وأول صفوف النساء هو شر الصفوف؛ لأنه قريب من الرجال، وآخر صفوف النساء هو الذي يكون أفضل؛ لأنه أبعد عن الرجال. وهذا عند عدم وجود حاجز يحجب الرؤية والأصوات، أما إذا كان هناك حاجز أو كان مكان النساء غير مكان الرجال، فلا بأس بأن يتقدمن في الصفوف؛ لأن المحذور حيث يمكن أن يرى الرجال النساء والنساء الرجال. وحديث أبي هريرة الذي عند مسلم يدلّ على فضل ابتعاد النساء عن الرجال، وابتعاد الرجال عن النساء. قوله: [ (لو تركنا هذا الباب للنساء) ].
    أي: تدخل منه النساء فقط. وهذا فيه دليل على مشروعية تخصيص بعض الأبواب لدخول وخروج النساء، حتى لا يحصل الاختلاط بين الرجال والنساء. فالسنة جاءت بتمييزهن في المكث في المسجد، كما جاء في حديث أبي هريرة ، وكذلك -أيضاً- في الدخول إلى المسجد، كما في حديث ابن عمر الذي أورده أبو داود هنا. وقد سبق بيان أنه عند وجود الحاجز أو البنيان بين الرجال والنساء، بنتفي به المحذور من حيث النظر أو سماع الأصوات لا تكون الخيرية في آخر صفوف النساء، وإنما حيث يكون هناك إمكان أن يفتتن الرجال بالنساء والنساء بالرجال، أما حيث لا يكون هناك فتنة فإنهن لا يتكدسن في آخر الصفوف وإنما يتقدمن للصفوف الأولى.

    اختلاف الرواة في إضافة الحديث إلى عمر أو إلى ابنه عبد الله

    قوله: [ (قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات) ]. أي: هذا الباب الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: [(لو تركنا هذا الباب للنساء)] لم يدخل منه ابن عمر حتى مات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنه يترك للنساء. قوله: [ وقال غير عبد الوارث : قال: عمر . وهو أصح] سيذكر في الأحاديث التي بعده إسناده إلى عمر ، ولكنه يكون بذلك منقطعاً؛ لأن نافعاً لم يدرك عمر ولم يرو عنه، وأما الاتصال فهو بين نافع وبين ابن عمر ، فنافع يروي عن ابن عمر ، وهو كثير الرواية عنه، بل أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر عند البخاري . وإنما الانقطاع بين نافع و عمر ؛ لأن عمر رضي الله عنه توفي سنة (23هـ) ونافعاً توفي سنة (117هـ) أو (119هـ) أو (120هـ) أي أن بين وفاتيهما ما يقرب من مائة سنة. وأما حديث ابن عمر فهو متصل، والحديث صحيح إلى ابن عمر ، وكون ابن عمر يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح وثابت. و عبد الوارث ثقة، وإن كان غيره أضافه إلى عمر ولم يروه عن ابن عمر ، إلا أن عبد الوارث ثقة، وما جاء عنه يُعوّل فيه عليه ويحتمل تفرده.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( لو تركنا هذا الباب للنساء )

    قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر ]. هو أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج التميمي المنقري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع هو مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
    [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر ، وقد مرّ ذكره .

    شرح أثر عمر: ( لو تركنا هذا الباب للنساء )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. -بمعناه-، وهو أصح ]. ثم أورد أبو داود الحديث من طريق عمر ، وهو موقوف عليه. قوله: [ وهو أصح ]. أي: أن هذا الإسناد أصح، ولكن الطريق الأولى صحيحة أيضاً، و عبد الوارث بن سعيد وإن خالفه غيره لا يؤثر ذلك في روايته. ومن هذا الأثر يتبين أن عمر هو الذي اقترح ترك هذا الباب للنساء، وهو الذي قال هذا، وجاء في الأثر الآخر أن عمر كان ينهى نفسه.

    تراجم رجال إسناد أثر عمر: ( لو تركنا هذا الباب للنساء )

    قوله: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ]. محمد بن قدامة بن أعين ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة.
    [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية .
    [ عن أيوب عن نافع عن عمر ]. أيوب و نافع قد مرّ ذكرهما، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، هو الصحابي الجليل ثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمّة والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه. و نافع لم يدرك عمر ، فروايته عنه منقطعة، ولهذا ضعفّه الألباني ؛ والسبب في ذلك هو الانقطاع بين نافع وبين عمر .

    شرح أثر عمر أنه كان ينهى أن يُدخَل من باب النساء

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة -يعني ابن سعيد - حدثنا بكر -يعني ابن مضر - عن عمرو بن الحارث عن بكير عن نافع قال: إن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يُدخَل من باب النساء ]. أورد المصنف ذلك الأثر عن عمر من طريق أخرى أنه (كان ينهى أن يُدخَل من باب النساء)، وفيه ما في الذي قبله من جهة الانقطاع بين نافع و عمر رضي الله تعالى عنه .

    تراجم رجال إسناد أثر عمر أنه كان ينهى أن يُدخَل من باب النساء

    قوله: [ حدثنا قتيبة -يعني ابن سعيد - ]. قتيبة بن سعيد يقال فيه مثل ما مرّ في الصاغاني ، أي أن جملة ( يعني ابن سعيد ) هذه قالها من دون أبي داود ، أما أبو داود فهو ينسب شيخه كما يريد، وإنما الذي يحتاج إليها مَن دون تلميذ الشيخ. ثم إنه ليس هناك أحد يماثل قتيبة في اسمه في رجال الكتب الستة، فليس هناك التباس، ولكن هذا من زيادة الإيضاح والبيان، ولا يوجد في التقريب من يُسمى قتيبة غير قتيبة بن سعيد . وعلى هذا فإنه لو لم ينسب فليس له مشارك في اسمه حتى يلتبس به، فقوله:
    ( يعني ابن سعيد ) يس من أجل أن يميزه عن غيره، ولكن هذا من باب زيادة الإيضاح.
    [ حدثنا بكر -يعني ابن مضر - ]. بكر بن مضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [ عن عمرو بن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن بكير ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
    [ عن نافع أن عمر ... ]. نافع و عمر قد مرّ ذكرهما .
    الأسئلة


    حكم صيام يوم السبت
    السؤال: ما حكم صيام يوم السبت منفرداً أو موصولاً؟

    الجواب: اختلف العلماء في صيام يوم السبت، فمنهم من قال: يُصام مطلقاً، ولا مانع من صيامه."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #97
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [066]
    الحلقة (97)

    شرح سنن أبي داود [066]


    يشرع لمن دخل المسجد أن يقول الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول والخروج، وتشرع تحية المسجد لمن أراد الجلوس في المسجد، وهناك فضل عظيم للجلوس في المسجد للعبادة من صلاة وذكر وتسبيح وقراءة قرآن وغير ذلك، ويكره إنشاد الضالة في المساجد.

    فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد



    شرح حديث: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم .. )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد. حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي حدثنا عبد العزيز -يعني الدراوردي - عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد قال: سمعت أبا حميد أو أبا أسيد الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك) ]. قوله: [ باب ما يقوله عند دخوله المسجد]. أي: ما يشرع للإنسان أن يدعو به وأن يذكره عند دخوله أي مسجد من مساجد الأرض، فإن الإسلام يشرع له أن يأتي بذلك الذكر عند دخوله المسجد وعند الخروج منه، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. للمسجد آداب، منها: أن يأتي المسلم بالذكر المشروع عند دخول المسجد وعند الخروج منه، ولا يختص ذلك بمسجد معين، وإنما في المساجد كلها، فعندما يدخل المسجد عليه أن يصلي ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأل الله أن يفتح له أبواب رحمته، وعند خروجه يفعل مثل ذلك،
    إلا أنه يسأل الله من فضله. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله تعالى عنهما وهو واحد منهما، إما أبو حميد أو أبو أسيد . قوله: (إذا دخل أحدكم المسجد). أي: إذا أراد الدخول، وليس المقصود من ذلك أنه بعد دخوله يقول ذلك، وإنما عند الدخول وهذا مثل قوله: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6] يعني: أن الإنسان يتوضأ إذا أراد القيام للصلاة. قوله: (فليسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم). أي: إذا أراد أحدكم دخول المسجد، فإنه يأتي بهذا الذكر، وهو الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك). أي: أنه إذا دخل المسجد يريد التقرب إلى الله عز وجل بالعبادات التي شُرعت في المسجد، فهو يسأل الله أن يفتح له أبواب رحمته، وأن يوفقه لكل خير، وأن يرحمه ويرفع درجته عنده. وأما إذا أراد الإنسان أن يخرج من المسجد ويذهب إلى بيته أو إلى عمله فإنه يصلي ويسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام،
    ويسأل الله من فضله، فناسب عند الدخول أن يسأل الله أن يفتح له أبواب رحمته، وعند الخروج أن يسأل الله من فضله، فيقول: (اللهم إني أسألك من فضلك) أي: أنه عندما يخرج يسأل الله الرزق الحلال من فضله، والله عز وجل يقول: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10] يعني: يسألون الله من رزقه ومن فضله عندما يخرجون من المسجد عند الانتهاء من الصلاة، وقوله: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فالرحمة تأتي ويراد بها أثر الصفة، ومن آثار هذه الصفة: الجنة؛ فإنها من رحمة الله عز وجل، وقد جاء في الحديث القدسي: (أن الله عز وجل قال للجنة: إنك رحمتي أرحم بكِ من أشاء، وقال للنار: إنك عذابي أعذب بك من أشاء). وكذلك المائة الرحمة التي خلقها الله هي من آثار الصفة، فهناك صفة قائمة بالله عز وجل وهي الرحمة، وهناك آثار للصفة وهو ما خلقه الله عز وجل، مما يكرم به أولياءه، ومما خلقه الله عز وجل من الرحمة التي يتراحم بها الناس، وكذلك أيضاً الجنة التي هي من آثار رحمة الله كما جاء بذلك الحديث القدسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم .. )

    قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي ]. محمد بن عثمان الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .
    [ حدثنا عبد العزيز -يعني الدراوردي - ]. عبد العزيز الدراوردي صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ]. ربيعة بن أبي عبد الرحمن هو المشهور بربيعة الرأي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الملك بن سعيد بن سويد ]. عبد الملك بن سعيد بن سويد ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة.
    [ قال: سمعت أبا حميد أو أبا أسيد ]. [ أبو حميد هو المنذر بن سعد بن منذر ، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وأبو أسيد هو مالك بن ربيعة الساعدي ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ومن المعلوم أن الجهل بالصحابي لا يؤثر، فسواء كان هذا أو هذا لا يضر، بل إن الاحتمال في الرواة غير الصحابة فيما إذا كانوا ثقات مثل أن يشك الراوي بين ثقتين فإن ذلك لا يؤثر؛ لأنه حيثما دار فهو يقدّر على ثقة، وإنما الاختلال فيما إذا كان الشك بين ضعيف وثقة، فهذا هو الذي يؤثر فيه الشك، وأما بالنسبة للصحابة فالمجهول فيهم في حكم المعلوم، وسواء يكون هذا أو هذا أو لا يعرف اسمه فلا يؤثر هذا، بل يكفي أن يُعرف أنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي أن يقال: عن رجل صَحِبَ النبي صلى الله عليه وسلم، وأما غير الصحابة فلا يكفي أن يقال: عن رجل؛ لأن هذا يصير مبهماً، ولا يُعوّل على الحديث الذي يكون فيه رجل مبهم سوى الصحابة رضي الله عنهم.

    شرح حديث: ( أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم .. )
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: (بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال: أقطّ؟ قلتُ: نعم. قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفظ مني سائر اليوم) ]. قوله: (قال أقط؟). يعني: أهذا الذي بلغك فقط؟ لأن الهمزة للاستفهام؛ لأنه يوجد في الحديث زيادة على ذلك. قوله: (قلت: نعم). يعني: هذا هو الذي بلغني فقط، وهذا هو ما سمعت فقط. قوله: (فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم). أي: فإذا قال ذلك من يدخل المسجد قال الشيطان: حُفظ مني سائر اليوم؛ لأن من قال ذلك استعاذ بالله متوسلاً بأسمائه وصفاته بأن يعيذه من الشيطان الرجيم، فيقول الشيطان: حفظ مني سائر اليوم، يعني:
    باقي اليوم أو كل اليوم لأن كلمة (سائر) قيل: إن المقصود بها الباقي، أي: أنه يذكر شيئاً ثم يعبّر عن باقيه بكلمة (سائر). وقيل: إن المقصود بها جميعاً؛ لأنها ليست مقصورة على الباقي الذي هو بمعنى السؤر، وهو الزائد الذي كان خارجاً عن الشيء الذي قد مضى، أو زائداً عن الشيء الذي مضى، وإنما يقصد به اليوم كله، فمعنى (سائر اليوم) يعني: جميع اليوم، وعلى أحد المعنيين في اللغة: أن سائر يراد بها الباقي، يعني إذا قالها في أي وقت من النهار فإنه يحفظ سائر اليوم، سواء كان في أوله أو في وسطه أو في آخره، فإذا قالها عند المغرب أو قالها عند العشاء أو قالها عند الفجر أو قالها عند الظهر، فمعناه أنه يحفظ سائر اليوم أو الليلة، ومعنى هذا: أن في ذلك حفظاً من الشيطان، وأنه يترتب على هذا الدعاء العظيم منفعة عظيمة، وهي الحفظ من الشيطان.
    قوله: [ (وسلطانه القديم) ]. السلطان صفة من صفات الله، وهي صفة سلطته وملكوته وعظمته وغلبته؛ لأنه لا يُستعاذ بمخلوق، والحديث جاء فيه الاستعاذة بالله عز وجل وبصفاته، وأما كلمة (القديم) فالمقصود بها الأزلي، يعني: الذي صفاته وقدرته وغلبته وقهره ليس لها بداية، فهو متّصفٌ بذلك أزلاً، ولكن ليس من أسماء الله القديم، ولكن هذا وصفٌ لقهره وغلبته بأنها أزلية.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم )

    قوله: [ حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور ]. إسماعيل بن بشر بن منصور صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. هو عبد الرحمن بن مهدي ، وهو البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ لقيت عقبة بن مسلم ]. هو عقبة بن مسلم المصري وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهُمْ: عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن عمرو ، و عبد الله بن الزبير ، و عبد الله بن عباس . والعبادلة الأربعة فيهم اثنان معروفان بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهما: ابن عباس و ابن عمر ، وأما ابن الزبير و ابن عمرو فليسا من الذين بلغت أحاديثهم بالكثرة التي توصل إلى حد السبعة الذين عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم جميعاً يقال عنهم: العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم من صغار الصحابة، وسنهم متقارب، مع أنه يوجد في الصحابة كثيرون ممن يقال له: عبد الله، ولكنّ لَقَب العبادلة اشتهر به هؤلاء الأربعة؛ لأنهم متقاربون في السن؛ ولأنهم من صغار الصحابة وقد أدركهم من لم يدرك كبار الصحابة مثل: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي توفي سنة (32هـ) فإنه متقدم الوفاة ولم يدركه من أدرك ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير و عبد الله بن عمرو الذين هم من صغار الصحابة، وقد عاشوا بعد عبد الله بن مسعود . وهناك أيضاً غير عبد الله بن مسعود ممن يقال له: عبد الله كعبد الله بن قيس الذي هو أبو موسى الأشعري ، وعدد كبير من الصحابة ممن اسمه عبد الله، ولكن الذي اشتهر بلقب العبادلة هم هؤلاء الأربعة من الصحابة، وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد


    شرح حديث: (إذا جاء أحدكم المسجد فليصل سجدتين من قبل أن يجلس )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد. حدثنا القعنبي حدثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء أحدكم المسجد فليصلَّ سجدتين من قبل أن يجلس). ]. قوله: [ باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد ]. يعني: تحية المسجد، وأن الإنسان إذا دخل المسجد فإنه يصلي ركعتين قبل أن يجلس. قوله: [ (إذا جاء أحدكم المسجد فليصلَّ سجدتين من قبل أن يجلس) ] أي: المقصود بالسجدتين الركعتين، ويطلق على الركعة سجدة، ويقال لها أيضاً: ركعة، ويقال لها: سجدة تسمية للكل باسم البعض؛ لأن الركعة فيها السجود وفيها الركوع، لكن الذي غلب في الاستعمال ذكر الركعة، والمقصود بصلاة الركعتين هو: الحد الأدنى،
    وإذا أراد أن يصلي أكثر من ذلك فلا بأس، ولكنه لا يصلي أقل من ركعتين؛ لأنه لا يُتنفل بأقل من ركعتين إلا في الوتر، ولا تُصلَّى الركعة الواحدة إلا في الوتر، حيث يصلي الإنسان ما شاء من الليل مثنى مثنى ثم يختم ذلك بركعة؛ لتكون صلاته وتراً، وذهب بعض أهل العلم إلى عموم ذلك في جميع الأوقات، بل حتى في أوقات النهي، قالوا: لأن هذا لفظ عام يراد به أنه كلما دخل الإنسان المسجد فإنه يصلي هاتين الركعتين. وبعض أهل العلم قال: في أوقات النهي لا يصليهما؛ لعموم قوله: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس). فمنهم من رجّح عموم هذا الحديث، ومنهم من رجّح عموم الأمر بتحية المسجد، ومنهم من رأى أنه لا يصلى أي صلاة في أوقات النهي إلا ما ورد بخصوصه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الأمر بتحية المسجد.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( إذا جاء أحدكم المسجد فليصلَّ سجدتين من قبل أن يجلس )

    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة
    [ حدثنا مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور الفقيه المبجل، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عامر بن عبد الله بن الزبير ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمرو بن سليم الزرقي ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي قتادة ]. هو الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    طريق أخرى لحديث: ( إذا جاء أحدكم المسجد فليصلَّ سجدتين من قبل أن يجلس ) وتراجم رجال الإسناد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عتبة بن عبد الله عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن رجل من بني زريق عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، زاد: (ثم ليقعد بعد إن شاء أو ليذهب لحاجته) ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى عن أبي قتادة ، وهو نحو الذي تقدّم، فهو يتفق معه في المعنى ويختلف في بعض الألفاظ؛ لأن كلمة (نحو) تعني أنه يتفق معه في المعنى مع اختلاف في اللفظ، بخلاف (مثل) فإنها تعني المماثلة في اللفظ والمعنى.
    قوله: [ (ثم ليقعد بعد ذلك إن شاء أو ليذهب لحاجته) ]. يعني: من دخل المسجد فليصلَّ ركعتين ثم ليجلس أو ليذهب إلى حاجته إن شاء
    . قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
    [ حدثنا عبد الواحد ]. هو عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة .
    [ حدثنا أبو عميس عتبة بن عبد الله ]. هو عتبة بن عبد الله المسعودي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر بن عبد الله بن الزبير ]. عامر بن عبد الله بن الزبير قد تقدم ذكره.
    [ عن رجل من بني زريق ]. وهو هنا مبهم، ولكنه مذكور في الطريق الأولى، وهو عمرو بن سليم الزرقي.
    [ عن أبي قتادة ]. وقد مر ذكره.

    الأسئلة


    حكم من دخل المسجد ثم خرج دون أن يصلي تحية المسجد
    السؤال: إذا دخل الإنسان من أحد أبواب المسجد وخرج من الباب الآخر ولا يريد الجلوس فهل يسن له صلاة ركعتين؟

    الجواب: الذي ورد في بعض الروايات: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) فقوله: (لا يجلس) يفيد أن الإنسان إذا دخل المسجد ولا يريد أن يجلس، فإن له ألا يصلي، والحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة، أخرجه البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة وفيه ألفاظ مختلفة، ومن ألفاظه: (فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)، فمثلاً: عابر السبيل إذا دخل المسجد ماراً فلا يلزمه أن يصلي؛ لأنه ورد : (لا يجلس حتى يصلي ركعتين) فمعناه: أن الجلوس لابد أن يسبقه ركعتين ثم إن شاء أن يجلس جلس، وإن شاء أن ينصرف انصرف.

    فضل القعود في المسجد


    شرح حديث: ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه .. )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل القعود في المسجد. حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث أو يقم: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه) ]. قوله: [ باب في فضل القعود في المسجد ]. يعني: الجلوس فيه لذكر الله عز وجل وقراءة القرآن، فإن فيه فضلاً عظيم؛ لأنه في صلاة ما دام منتظراً للصلاة، وكذلك بعد صلاته إذا جلس فالملائكة تصلي عليه وتستغفر له ما لم يؤذِ أو يحدث، تقول: اللهم ارحمه اللهم اغفر له، فهذا يدل على فضل الجلوس في المساجد، حيث أن الجلوس فيها عبادة؛ لأنها خير البقاع كما جاء في صحيح مسلم : (أحب البقاع إلى الله مساجدها، وأبغضها أسواقها) .
    فأحسن مكان في البلد المسجد؛ لأنه مكان العبادة ومكان ذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، بخلاف الأسواق فإنها محل الصخب ومحل الأخذ والرد والكلام وعدم التمسك والتقيد بشرع الله. ولهذا فإن المساجد لا يشتغل فيها بأمور الدنيا، فلا ينشد فيها ضالة ولا يباع فيها ويشترى وإنما هي لذكر الله عز وجل وعبادته، فإذا جلس الإنسان في المسجد فهو على خير؛ لأنه في مكان عبادة وليس مكان انشغال بأمور الدنيا، سواء كان جلوسه قبل الصلاة أو بعد الصلاة، فهو في صلاة ما انتظر الصلاة. قوله: (الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه). أي: تدعو له وتقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه؛ لأن صلاة الملائكة للمؤمنين هي الدعاء، والله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56]. فصلاة الله عز وجل على نبيّه هي ذكره في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة هي الدعاء له، وصلاة المسلمين هي أن يقولوا: اللهم صلّ وسلم على رسول الله، أي:
    يدعون له بأن يصلي الله ويسلم عليه، فصلى الله عليه وسلم. فكذلك الملائكة يدعون ويصلون على الذين يجلسون في المساجد، سواءً كانوا ينتظرون الصلاة، أو كانوا قد فرغوا من الصلاة وجلسوا يذكرون الله، أو يقرءون القرآن، ما لم يحدث أحدهم أو يقم. من المعلوم أن الصلاة في اللغة: الدعاء، وسميت الصلاة المفروضة بهذا الاسم؛ لأن أكثر أعمالها وهيئاتها فيها دعاء، فالإنسان وهو قائم في الصلاة، فإنه يقول دعاء الاستفتاح، وكذا عند قراءة الفاتحة هي دعاء، وكذلك قراءة القرآن، وكذلك أيضاً عند الركوع والقيام منه ثناء ودعاء، وفي السجود وبين السجدتين وفي التشهد، فكل ذلك دعاء، فقيل للصلاة: دعاء. مع أن الصلاة المفروضة ليست مقصورة على الدعاء، بل هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، والأقوال التي تكون في الصلاة هي دعاء. قوله: (ما لم يحدث).
    يعني: مادام على طهارة ولم ينتقض وضوءه فإنه يحصل له هذا الفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما لم يحدث) فهو إذا كان على طهارة فهو يذكر الله أو يصلي أو يقرأ القرآن، فهو على خير بهذا الدعاء من الملائكة. قوله: (أو يقم) يعني: يترك مصلاه. أما الكلام في المسجد عن شئون الدنيا، كأن يتحدث الإنسان في المسجد عن العقار، فهذا يحصل إثماً.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه .. )
    قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد ]. أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان ، لقبه أبو الزناد ، وكنيته أبو عبد الرحمن ، فتسميته بأبي الزناد لقب على صفة الكنية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقب: الأعرج .
    [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

    الأسئلة


    حكم من قام من مصلاه في المسجد إلى مكان آخر

    السؤال: قوله: (في مصلاه الذي صلى فيه) هل المراد البقعة التي صلى فيها أو عموم المسجد؟

    الجواب: لاشك أن الإنسان إذا كان في المكان الذي صلى فيه فالأمر في ذلك واضح ليس فيه أي إشكال، وإنما الإشكال فيما إذا قام منه إلى مكان آخر، وما دام أنه موجود في المسجد فلا شك أنه على خير. فمن كان ينتظر الصلاة فهو في صلاة والملائكة تدعو له، ولو أنه خرج لتجديد الوضوء فهذا من الأمور الضرورية التي لابد منها، ولا يعني ذلك أنه يعدم الأجر، أو أن الملائكة لا تصلي عليه؛ لأن الحاجة طرأت عليه فخرج، والخير حصل له قبل أن يذهب، كما جاء في الحديث: (من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ...) الحديث، يعني: لو أن الإنسان قام ليحضر درساً أو قام من مكانه ليستند على عمود، فإن حضور الدرس لا يدخل في الحديث، وإن جلس في المصلى يذكر الله، وحديث: (من جلس بعد الفجر) فالذي يبدو أنه من جلس ليذكر الله أو يقرأ القرآن، أما كونه يحضر درساً فيبدو أنه يختلف عما جاء في الحديث، لكن الكل على خير بلا شك.

    شرح حديث: ( لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه .. )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة) . ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة وهو بمعنى الذي قبله. قوله: [ (لا يزال أحدكم في صلاة مادامت الصلاة تحبسه) ]. يعني: مادام ينتظر الصلاة. قوله: [ (لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة) ]. يعني: لا يمنعه أن ينصرف إلى أهله ويخرج من المسجد إلا انتظار الصلاة، فهو يؤجر كما يؤجر المصلي؛ لأنه في صلاة.


    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه ..)

    [حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكرهم جميعاً.

    شرح حديث: (لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلَّاة ينتظر الصلاة ..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال العبد في صلاة ما كان في مُصلَّاه ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف أو يحدث، فقيل: ما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط) ]. قوله: [ (لا يزال العبد في صلاة ما كان في مُصلَّاه ينتظر الصلاة) ]. وهذا الحديث مثل الذي قبله: (لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه).
    قوله: [ (تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه) ]. يعني: تدعو له وهو في هذه المدة التي هو فيها جالساً في المسجد ينتظر الصلاة. قوله: [ (حتى ينصرف أو يحدث) ]. يعني: حتى يخرج من المسجد أو يحصل منه الحَدَث. قوله: (فقيل: ما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط). هذا هو المقصود بالحدث لأنه قد يحتمل أكثر من معنى، فمثلاً: قد يكون بمعنى انتقاض الوضوء، أو حَدَث في الدين، أو حصول أمر منكر لا يسوغ، ففسّره بأنه ضراط أو فساء، والفساء: هو خروج الريحة التي ليس لها صوت، والضراط: هو خروج الريحة التي لها صوت، مثل ما جاء في الحديث الآخر: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) أي: حتى يسمع صوتاً للخارج من الريح، وهو الضراط أو يجد ريحاً للخارج من غير أن يكون له صوت وهو الفساء.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلَّاة ينتظر الصلاة .. )

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي رافع ]. هو نفيع الصائغ وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (من أتى المسجد لشيء فهو حظُّه)

    [ حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبي العاتكة الأزدي عن عمير بن هانئ العنسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى المسجد لشيء فهو حظُّه) ]. قوله: [ (من أتى المسجد لشيء فهو حظُّه) يعني: أن من نوى المجيء إلى المسجد لشيء فله ذلك الشيء الذي أراده من مجيئه للمسجد، فيكون حظه ونصيبه من مجيئه للمسجد هو ذلك الذي أراده، وهذا من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
    فمن جاء إلى المسجد من أجل أن يصلي فيه، أو من أجل أن يشهد الجماعة التي هي واجبة، أو من أجل أن يُحصّل الأجر في المسجد بالذكر وقراءة القرآن، فهو حظه وله ما أراد، ومن لم يدخل المسجد لهذا العمل العظيم، وإنما دخله لأمر من الأمور التي لا علاقة لها بالدين والطاعة فهو حظه، وله ما أراد من العمل بلا أجر؛ لكونه دخل لأجل حاجة معينة، ولم يدخل للصلاة ولا للطاعات. والأجر إنما يحصله إذا كان جاء من أجل أن يصلي -سواء كان فرضاً أو نافلة- أو لقراءة قرآن أو لذكر الله عز وجل، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديثه عن المنافقين قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما -أي: من الأجر- لأتوهما ولو حبواً)، معناه: أن بعض عباد الله عز وجل يعرفون قدر صلاة الجماعة وعظم شأن صلاة الجماعة، فهم لو لم يستطيعون أن يأتوا إلا حبواً لَفَعلوا؛ لمعرفتهم وإيمانهم بالأجر الذي وعد الله عز وجل به. والمنافقون لا تهمهم الآخرة وإنما تهمهم الدنيا، ولهذا قال بعد ذلك: (والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) أي: لو كان يعلم أن المسجد فيه لحم يُوزّع أو طعام يؤكل لجاء إلى العشاء ولحضر إلى المسجد من أجل أن يحصّل هذا الطعام في المسجد. أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الواحد منهم يصيبه المرض، ثم لا تسمح له نفسه أن يصلي في بيته، مع أنه معذور لو صلى في بيته، ولكنه يأتي إلى المسجد يُهادى بين الرجلين، أي: يمسك رجل عضده اليمنى، ويمسك رجل آخر عضده اليسرى،
    ورجله تخط بالأرض حتى يقام في الصف؛ كل هذا من أجل الأجر الذي وعد الله تعالى به، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) . وجاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث يُنادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق) . أي: علامة النفاق التخلف عن الصلاة، كما جاء أيضاً عن عبد الله بن عمر أنه قال: (كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه) يعني: اتهمناه بالنفاق، ثم قال: (ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف).

    تراجم رجال إسناد حديث: (من أتى المسجد لشيء فهو حظّه)

    قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
    [ حدثنا صدقة بن خالد ]. صدقة بن خالد ثقة، وحديثه أخرجه البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
    [ حدثنا عثمان بن أبي العاتكة الأزدي ]. عثمان بن أبي العاتكة الأزدي صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و ابن ماجة .
    [ عن عمير بن هانئ العنسي ]. عمير بن هانئ العنسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره.

    كراهية إنشاد الضالة في المسجد


    شرح حديث: (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا أدّاها الله إليك .. )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد. [ حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة - يعني ابن شريح - قال: سمعت أبا الأسود - يعني محمد بن عبد الرحمن بن نوفل - يقول: أخبرني أبو عبد الله مولى شداد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سمع رجلاً ينشُد ضالة في المسجد فليقل: لا أداها الله إليك؛ فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا) ]. إنشاد الضالة في المسجد هي: أن ينادي إنسان فيقول: من وجد لي كذا، أو ضاع مني كذا وكذا؟ هذا هو المقصود بإنشاد الضالة، قالوا: هي في الأصل تُطلق على الإبل، لكن المقصود بها هنا ما هو أعم من ذلك، سواء كانت من بهيمة الأنعام أو غيرها فليس للإنسان أن ينشد شيئاً ضائعاً له في المسجد مطلقاً؛ لأن المساجد ما بُنيت للكلام في أمور الدنيا، وإنما بُنيت لذكر الله عز وجل. قوله: [ (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا أداها الله إليك) ].
    أي: يعامل بنقيض قصده، فكما حرص على الدنيا يدعى بألا يحصل له مقصوده من الدنيا؛ لأنه فَعَل ذلك في مكان لا يسوغ له أن يفعله فيه. فهذا فيه دليل على منع ذلك في المسجد؛ لأنه لا يسوغ، ويدل أيضاً على أن الاشتغال بأمور الدنيا عموماً حكمه كذلك؛ لأن قوله: (فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا) يشمل ما يتعلق بالضالة وغير الضالة من أمور الدنيا، حيث أن المساجد بُنيت لذكر الله، ولتعلم العلم، ولقراءة القرآن، وللصلاة وعبادة الله عز وجل، وليس للحديث في أمور الدنيا وطلبها والاشتغال بها، ولا لإنشاد ضالة ولا غير ضالة. أي: ما بُنيت للاشتغال في أمور الدنيا، وإنما بنيت للاشتغال في أمور الآخرة. والضالة لا تُنشد في المسجد سواء ضاعت في المسجد أو خارج المسجد.

    تراجم رجال إسناد حديث: ( من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا أداها الله إليك .. )

    قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ]. عبيد الله بن عمر القواريري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي.
    [ حدثنا عبد الله بن يزيد ]. هو المقرئ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا حيوة - يعني ابن شريح - ]. حيوة بن شريح المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعت أبا الأسود - يعني محمد بن عبد الرحمن بن نوفل - ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرني أبو عبد الله مولى شداد ]. هو: سالم بن عبد الله وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة.
    [ أنه سمع أبا هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه قد مرّ ذكره.

    الأسئلة


    نشدان الضالة بطريقة نشر الأوراق

    السؤال: يستخدم بعض الناس الآن طريقة الإعلان عن الضالة في الأوراق، فأحياناً تلصق ورقة على الباب في داخل المسجد أو أحياناً في الخارج، وفيها مثلاً: ضاع مني تلفون جوال، فمن وجده فليؤده إلى إمام المسجد. وهكذا، فما حكم هذه الطريقة؟

    الجواب: إذا نصبت الورقة خارج المسجد فإن شاء الله ليس في ذلك بأس؛ لأن هذا ليس فيه نداء في المسجد، بل خارج المسجد، وأيضاً لو نشد الضالة خارج المسجد فما في ذلك بأس؛ لأنه خارج المسجد.

    حكم البحث عن الولد في المسجد

    السؤال: ما حكم إنشاد الولد في المسجد والبحث عنه؟

    الجواب: من ضاع له ولد فلا يصلح أن ينادي عليه في المسجد، لكن له أن يسأل عنه الجهات المختصة، فيذهب للشرطة ويسألهم أو يسأل أصحاب المحلات الخيرية التي في المسجد، والتي هي مظنة ذلك، فما في ذلك بأس؛ لأن المسجد في داخله جهة مخصصة لهذا، لكن لا يقوم وينادي في الناس أنه ضاع لي ولد أو ضاع لي كذا. وأما أن يسأل آحاد المصلين عن ولده فلا بأس؛ لأن الولد يختلف عن المال، فلا يقال: هذا حريص على الدنيا داخل المسجد، لكن البحث عن الولد يكون بدون إعلان أو تصويت.

    وجه عدم وجود حاجز بين الرجال والنساء في المسجد في عهد النبي

    السؤال: لماذا لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ستار حاجز بين الرجال والنساء في المسجد؟

    الجواب: يمكن أن يكون وضع شيء حاجز فيه مشقة، وأما إذا وجد فاصل فيكون ذلك أحسن، ولا ندري عن الذي حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، هل وجد فاصل أو لم يوجد فاصل، فقد يمكن أن يوجد فاصل وهو قصير يمكن أن يرى ما وراءه، ما عندنا في ذلك علم.

    حكم من بالغ في الاستنشاق في نهار رمضان
    السؤال: من بالغ في الاستنشاق في نهار رمضان ووصل الماء إلى حلقه، هل عليه إعادة ذلك اليوم؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه قال في الاستنشاق: (إلا أن تكون صائماً) لكن يبدو أنه لا يفطر؛ لأنه مثل الإنسان الذي دخل إلى حلقه شيء يسير غصباًَ عنه من غير اختياره فلا يضره."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #98
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [066]
    الحلقة (98)

    شرح سنن أبي داود [067]

    من محاسن الدين الإسلامي أن جعل لكل شيء أحكاماً وآداباً تنظم أحوال الناس فيه، ومن ذلك آداب المساجد؛ لأنها بيوت الله، ولها مكانتها، وهي لم تُبْنَ إلا للعبادة، فلا ينبغي أن تُدنس بشيء من رجس الدنيا، فلا يتفل ولا يتنخم فيها، ومن طرأ له شيء فليتفل عن يساره تحت قدمه اليسرى، ثم ليدفنها إن كان المسجد مفروشاً بالحصى، وإلا فليتفل في ثيابه.

    ما جاء في كراهية البزاق في المسجد


    شرح حديث: (التفل في المسجد خطيئة وكفارته أن تواريه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية البزاق في المسجد. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام و شعبة و أبان عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التفل في المسجد خطيئة، وكفارته أن تواريه) ]. قوله: [ باب في كراهية البزاق في المسجد ]. البزاق: هو ما يخرج من ريق الفم، وإذا كان من أدناه فهو تفل، وإذا كان من أقصاه يقال له: نخامة، ويقال له: بزاق ويقال له: بصاق، وكل ذلك مما لا يسوغ أن يفعل في المسجد؛ وذلك لكونه مستقذراً تشمئز منه النفوس، ومن أجل ذلك جاء ما يدل على النهي عنه في المساجد، وليس النهي لكونه نجساً؛ فإنه طاهر. أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، منها ما يتعلق بلفظ التفل، ومنها بلفظ البصاق، ومنها بلفظ النخامة، وغير ذلك، وكلها في معنى واحد، ولكنها تتفاوت في هيئتها وكيفيتها، فالتفل دون البزاق والنخامة؛ لأن الذي يخرج من الحلق ويخرج من الجوف غير الذي يكون في الفم من الريق إذا تفله الإنسان، فكل ذلك من الأمور المستقذرة. قوله: (التفل في المسجد خطيئة). أي: أنه سيئ وأنه إثم، ووقوع في أمر مكروه لا يسوغ، ولكنه إذا وُجد فإن عليه أن يدفنه وأن يواريه، وهذا يدل على طهارته؛ لأنه لو كان نجساً فلا يكفي فيه أن يوارى، فالنجس يغسل ويصبّ عليه الماء، كما جاء في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يراق عليه ذنوب من ماء حتى يطهر بذلك. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد في البزاق إلى مواراته ودفنه؛ وذلك حتى لا تقع إليه الأنظار وحتى لا تشمئز منه النفوس؛ لكونه شيئاً مستقذراً تنفر منه الطباع إذا رأته، فإن كون الإنسان يتخلص من مغبة ذلك بأن يواريه وأن يدفنه في تراب المسجد وهذا فيما إذا كان المسجد ترابياً أو فيه حصباء، أما إذا كان مفروشاً أو مبلطاً فإن الوسخ يظهر عليه سواء كان رطباً أو يابساً، ولا يمكن مواراته. وعلى كُلٍّ فعلى الإنسان في جميع الأحوال أن ينزه المسجد من هذه الأوساخ، ولا يأتي بشيء يسيء فيه إلى المصلين وإلى من في المسجد، بحيث تقع أبصارهم على شيء تشمئز منه نفوسهم وتنفر منه طباعهم، وإنما على الإنسان أن يبصق في ثوبه إذا كان مضطراً إلى ذلك، أو يبصق في التراب إذا كان المسجد ترابياً ثم يواريه، أو يبصق عن يساره ويدلكه برجله أو بنعله حتى لا يبقى له أثر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (التفل في المسجد خطيئة وكفارته أن تواريه)

    قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وُصِفَ بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و أبان ]. هو: ابن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأحد السبعة من الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    طريق أخرى لحديث: (البزاق في المسجد خطيئة) وتراجم رجال الإسناد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها) ]. أورد المصنف رحمه الله حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أنه بلفظ البزاق وهو اللفظ الذي في الترجمة، والكلام فيه كالذي قبله. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبو عوانة ، ويأتي ذكره كثيراً بهذه الكُنية. [ عن قتادة عن أنس ]. قتادة و أنس قد مرّ ذكرهما.

    أعلى الأسانيد عند أصحاب الكتب الستة

    الرباعيات هي من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، وليس عند أبي داود ثلاثيات. وكذلك النسائي ليس عنده ثلاثيات، وأيضاً الإمام مسلم رحمة الله عليه ليس عنده ثلاثيات، وإنما الثلاثيات عند الثلاثة الباقين من أصحاب الكتب الستة، فالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص، و الترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، و ابن ماجة عنده خمسة أحاديث ثلاثية كلها بإسناد واحد وهو إسناد ضعيف.

    شرح حديث: (النخاعة في المسجد ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد -يعني ابن زريع - عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النخاعة في المسجد) فذكر مثله ]. أورد المصنف رحمه الله حديث أنس بن مالك من طريق أخرى وفيه: [ (النخاعة في المسجد) ] يعني: خطيئة وكفارتها دفنها، حيث ذكر أنه مثل الحديث الذي قبله، إلا أنه بدل البزاق في المسجد قال: (النخاعة في المسجد)، والنخاعة: هي النخامة، والبزاق هو البصاق، كل ذلك بمعنى. قوله: [ (النخاعة في المسجد) ] أو (البصاق في المسجد) أو (التفل في المسجد) المقصود من الظرفية هو أن حصول ذلك في المسجد هو الشيء الممنوع والمحذور، وسواء كان ذلك ممن في المسجد أو ممن كان في غير المسجد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (النخاعة في المسجد ...)

    قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو: فضيل بن حسين الجحدري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا يزيد -يعني ابن زريع - ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد ]. هو: سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن أنس ]. قتادة وأنس قد مر ذكرهما.

    شرح حديث: (من دخل هذا المسجد فبزق فيه أو تنخم فليحفر ..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي حدثنا أبو مودود عن عبد الرحمن بن أبي حدرد الأسلمي سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دخل هذا المسجد فبزق فيه أو تنخم فليحفر فليدفنه، فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه ثم ليخرج به) ]. قوله: (فليحفر فليدفنه). أي: يخرج التراب ويضعه عليه، والحفر يكون بإخراج حفنة من التراب بيده، ويجعل ذلك البصاق في تلك الحفرة التي حفرها ويواريه بحيث يتغطى ولا تقع عليه الأبصار؛ وذلك لأنه مستقذر مع أنه ليس بنجس، وإنما المقصود من مواراته إزالة كل شيء مستقذر تشمئز منه النفوس وتنفر منه الطباع. قوله: (فإن لم يفعل). أي: فإن لم يحصل منه الدفن فإن عليه ألا يبصق في الأرض، بل يبصق في ثوبه ويخرج به معه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من دخل هذا المسجد فبزق فيه أو تنخم فليحفر ..)

    قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أبو مودود ]. هو عبد العزيز بن أبي سليمان وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الرحمن بن أبي حدرد الأسلمي ]. وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود . [ سمعت أبا هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق. والحديث هو بمعنى الأحاديث التي جاءت قبله عن أنس بن مالك ، وكذلك الأحاديث التي سوف تأتي، وهو وإن كان فيه مقبولان إلا أن هناك أحاديث كثيرة جاءت من طرق صحيحة تدل على ما دل عليه هذا الحديث.

    شرح حديث: (.. إذا صلى أحدكم فلا يبزق أمامه ولا عن يمينه ..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن منصور عن ربعي عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام الرجل إلى الصلاة أو إذا صلى أحدكم فلا يبزق أمامه ولا عن يمينه ولكن عن تلقاء يساره إن كان فارغاً أو تحت قدمه اليسرى، ثم ليقل به) ]. قوله: (ثم ليقل به). أي: وليدلكه، كما جاء في رواية عند النسائي : (وإلا فليقل هكذا، وبصق تحت رجله ودلكه) فقوله: [ (وليقل به) ] المقصود به أنه إشارة إلى فعل يفعله بهذا الذي وضعه تحت قدمه اليسرى، بمعنى أنه يدلكه بحيث يتلاشى ويضمحل ولا يبقى له أثر.


    تراجم رجال إسناد حديث: (.. إذا صلى أحدكم فلا يبزق أمامه ولا عن يمينه ..)

    قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن أبي الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي وهو ثقة، مشهور بكُنيته، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربعي ]. هو ربعي بن حراش وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طارق بن عبد الله المحاربي ]. وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد وأصحاب السنن الأربعة.

    شرح حديث: (.. إن الله تعالى قبل وجه أحدكم إذا صلى، فلا يبزق بين يديه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوماً إذ رأى نخامة في قبلة المسجد، فتغيظ على الناس، ثم حكّها، قال: وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به، وقال: إن الله تعالى قِبَلَ وجه أحدكم إذا صلى، فلا يبزق بين يديه) ]. قوله: (إذا رأى نخامة في قبلة المسجد) أي: في الجدار الأمامي الذي أمام الناس. قوله: [ (وأحسبه قال: فدعا بزعفران فلطخه به) ] لأن الزعفران فيه رائحة طيبة، فأراد أن يجعل مكان ذلك الأثر المستقذر زعفراناً له رائحة طيبة. قوله: [ (فتغيظ على الناس) ]. أي: حصل منه غضب، وظهر عليه التأثر لهذا الفعل الذي حصل، فحرمة المساجد عظيمة، فكيف يحصل لها مثل ذلك؟! فيجب أن تُصان وأن تُنّزه وأن تُنظّف، وألا يُفعل فيها شيء مما لا ينبغي، سواء كان ذلك يلصق في الجدار أو في الأرض، أو كان شيئاً منفصلاً كالقذارة التي سبق أن مر ذكرها في بعض الأحاديث. قوله: [ (.. ثم حكّها ..) ] أي: باشر ذلك بنفسه صلى الله عليه وسلم. قوله: (وقال: إن الله تعالى قبل وجه أحدكم) ]. أي: أن الله تعالى قِبَلَ وجهه، والمقصود أمامه. وهذا مثل الآية الكريمة: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، قال بعض أهل العلم: إن هذه الآية من آيات الصفات، والمقصود بالوجه هو وجه الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته، وبعض أهل العلم قال: إن المقصود بالوجه هنا الوجهة، وهي القبلة. ولكن كون المقصود بها آية من آيات الصفات هو الأوضح؛ لأنه قال: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] أي: أن الإنسان أينما اتجه فالله تعالى أمامه. والمقصود من ذلك أن الله عز وجل فوق كل شيء ومحيط به، والمخلوقات في قبضة الله عز وجل، كما قال ابن عباس : (كالخردلة في كف أحدنا) ومن المعلوم أن ما داخل الخردلة المقبوض عليها بالكف أينما اتجه فهو أمام قابضها، ولله المثل الأعلى، وهذا أصح ما قيل في معنى هذه الآية، وأصح ما يقال في معنى هذا الحديث، فنهي الإنسان أن يبصق أمامه، وكذلك أيضاً عن يمينه؛ لأن فيه الملك كما جاء ذلك في بعض الأحاديث التي ستأتي؛ ولأن جهة اليمين مُكَرّمة، وهي تُصان مما لا تُصان منه الشمال.

    تراجم رجال إسناد حديث: (.. إن الله قبل وجه أحدكم إذا صلى فلا يبزق بين يديه)

    قوله: [ حدثنا سليمان بن داود ]. هو أبو الربيع الزهراني وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . والظاهر أن هذا هو الذي شكّ في الحديث بقوله: (وأحسبه قال ..)، لأن حماداً من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، ويحتمل أن يكون الذي شك نافع ، ويحتمل غيره، والله أعلم. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    طريق أخرى لحديث: (.. إن الله قبل أحدكم إذا صلى فلا يبزق بين يديه)، وتراجم رجال الإسناد

    [ قال أبو داود : رواه إسماعيل و عبد الوارث عن أيوب عن نافع ، و مالك و عبيد الله و موسى بن عقبة عن نافع نحو حماد ، إلا أنه لم يذكروا الزعفران، ورواه معمر عن أيوب وأثبت الزعفران فيه، وذكر يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع : الخَلوق ]. أورد المصنف رحمه الله هذه المعلقات التي فيها الإشارة إلى أن جماعة رووه كما رواه حماد ولكنهم لم يذكروا الزعفران، وأن غير هؤلاء رواه وذكر الزعفران كما ذكره حماد ، وأن أحد رواته ذكر الخلوق بدل الزعفران. والخلوق: طيب فيه صفرة وحمرة، والزعفران أصفر. وإسناد حماد الذي مرّ جاء فيه على الشك، حيث قال: (أحسبه قال) يعني: أنه دعا بزعفران فلطخه به. قوله: [ رواه إسماعيل ]. هو إسماعيل بن جعفر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن نافع ]. أيوب و نافع قد مرّ ذكرهما. [ و مالك ]. مالك إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عمر العمري المصغّر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و موسى بن عقبة ]. هو موسى بن عقبة المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع نحو حماد ]. يعني: هؤلاء رووا نحو ما رواه حماد ، إلا أنهم لم يذكروا الزعفران الذي جاء في حديث حماد . [ ورواه معمر عن أيوب وأثبت الزعفران فيه ]. أي: أثبت الزعفران كما جاء في حديث حماد ، وحديث حماد على الشك. [ وذكر يحيى بن سليم ]. هو يحيى بن سليم الطائفي وهو صدوق سيئ الحفظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. عبيد الله قد مرّ ذكره. [ عن نافع : الخلوق ]. نافع قد مرّ ذكره، والخلوق أي: بدل الزعفران، وكلها طيب.

    شرح حديث: (إن أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربه عز وجل والملك عن يمينه، فلا يتفل عن يمينه ..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا خالد -يعني ابن الحارث - عن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب العراجين ولا يزال في يده منها، فدخل المسجد فرأى نخامة في قبلة المسجد، فحكها، ثم أقبل على الناس مغضباً، فقال: أيسر أحدكم أن يُبْصَق في وجهه؟ إن أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربه عز وجل والملك عن يمينه فلا يتفل عن يمينه ولا في قبلته، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه، فإن عجل به أمر فليقل هكذا) ، ووصف لنا ابن عجلان ذلك: أن يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب العراجين) ] المقصود بالعرجون: العود الذي تكون فيه الشماريخ، أو العود الأصفر الذي هو متصل بأصل النخلة وفي آخره الشماريخ التي فيها الرطب. والعرجون إذا يبس اعوجّ وانحنى، ولهذا جاء في القرآن في صفة منازل القمر: كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس:39]، يعني: الذي قد يبس ومضى عليه وقت طويل فصار منحنياً، فالهلال يكون كهذا العرجون. قوله: [ (فدخل المسجد فرأى نخامة في قبلة المسجد فحكها، ثم أقبل على الناس مغضباً ...) ]. أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما تكلم مع الناس كان يظهر عليه الغضب. قوله: [ (أيسر أحدكم أن يبصق في وجهه؟) ]، وهذه إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان إذا أراد أن يعرف مدى عدم مناسبة هذا الفعل الذي يفعله، فعليه أن يتصور ذلك في نفسه وفي حقه، هل يناسب في حقه أم لا؟ هل يناسبه أن يتفل أحد بين يديه وأمامه؟ وهذا الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من التنبيه إلى أن الإنسان عندما يتصور ما يحب أن يَعامَل به، فحينئذٍ يتضح له أن ذلك غير لائق، وأنه ليس من الأمور الحسنة، بل من الأمور السيئة؛ لأن الإنسان يجد من نفسه أنه إذا حصل ذلك بين يديه وأمامه فإن ذلك لا يعجبه. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أحاديث كثيرة، منها الأحاديث التي في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في حديث طويل، وفيه: قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم والآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه) أي: عامِل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به. فكما أن الإنسان يكره أن يتفل أحد بين يديه أو أمامه، فكذلك لا يجوز له أن يبصق أمامه لا في المسجد ولا في غير المسجد، وإذا كان في المسجد وهو يصلي وهو بين يدي الله عز وجل فذلك أعظم وأشد. قوله: (إن أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربه عز وجل). يعني: أنه متّجه إلى الله عز وجل يناجيه، وليس المقصود من ذلك أنه مستقبل للقبلة، وأن المقصود باستقبال الله استقبال القبلة، بل المقصود به أن الله تعالى أمامه كما قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، كما ذكرنا آنفاً. قوله: (والملك عن يمينه). يعني: والملك يكون عن يمينه، ثم إن اليمين مُكَرّمة ومُصانة. قوله: [ (فلا يتفل عن يمينه ولا في قبلته، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه) ]. وهذا لأن اليسار تختلف عن اليمين في الإكرام، ولهذا فإن هناك اختلافاً في استعمال اليد اليمنى واليسرى، اليسرى تستعمل في الأمور غير المناسبة واليمنى تصان عن ذلك. قوله: [ (فإن عجل به أمر) ]. أي: إذا كان قد عاجله البصاق أو نحوه، وهو يريد أن يخرجه ولم يجد بداً من إخراجه، فلا يبصق أمامه ولا عن يمينه، ولكن يكون عن يساره، كما مر في الحديث السابق: (فلا يبزق أمامه ولا عن يمينه، ولكن عن تلقاء يساره إن كان فارغاً أو تحت قدمه اليسرى) ]. قوله: [ (فليقل هكذا، ووصف لنا ابن عجلان ذلك: أن يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض) ]. معناه: أن يأخذ بثوبه ويبصق فيه، ويردّ بعضه على بعض.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربه عز وجل والملك عن يمينه، فلا يتفل عن يمينه ...)

    قوله: [ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ]. يحيى بن حبيب بن عربي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا خالد -يعني ابن الحارث - ]. هو خالد بن الحارث البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عياض بن عبد الله ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري ، مشهور بكنيته، ونسبته الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (أن رجلاً أمّ قوماً فبصق في القبلة ورسول الله ينظر ..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو عن بكر بن سوادة الجذامي عن صالح بن خيوان عن أبي سهلة السائب بن خلاد -قال أحمد : من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- (أن رجلا أمّ قوماً فبصق في القبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ: لا يصلي لكم، فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نعم، وحسبتَ أنه قال: إنك آذيتَ الله ورسوله) ]. قوله: [ (فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أي: لما أخبروه بقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قاله لهم، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليعرف السبب في ذلك، فقال: (نعم، إنك آذيت الله ورسوله). قوله: [ (لا يصلي لكم) ]. يعني: أن هذا الرجل لا يصلح أن يكون إماماً، فلما أراد أن يصلي بهم منعوه، وأخبروه بالسبب، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (لا يصلي لكم) ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ما ذكروا له فقال: (نعم، إنك آذيت الله ورسوله) أي: أن السبب هو حصول هذا العمل المنكر الذي فيه إيذاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أن الأذى بالنسبة لله عز وجل لا يصل إليه أحد ولا يناله أي أحد، ولكن هذا باعتبار صدور ذلك منه، وإلا فإن الله لا تنفعه طاعات المطيعين ولا تضره معاصي العاصين، بل هو النافع الضار، كما جاء في الحديث القدسي: (إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) . فقوله: (إنك آذيت الله ورسوله) لا يعني أن الأذى يصل إلى الله أو أن الضرر يحصل لله عز وجل بسبب هذا، وهذا من جنس ما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم: يسب الدهر، وأنا الدهر) فمعناه: أن من سبّ الدهر فإنما مسبّته تُوجّه إلى الله عز وجل؛ لأن الله تعالى في الحقيقة هو الذي يُسيّر الدهر، ولكن ليس معنى ذلك أن الله تعالى يناله ضرر، بل كما سبق في الحديث القدسي: (إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضرّي فتضروني) ، بل الله عز وجل هو الذي ينفع وهو الذي يضر، فهو النافع الضار سبحانه وتعالى. وهذا الحديث مثل ما جاء في القرآن: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب:57].

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً أمّ قوماً فبصق في القبلة ورسول الله ينظر ... )

    قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو ]. هو عمرو بن الحارث المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكر بن سوادة الجذامي ]. هو بكر بن سوادة الجذامي المصري وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن صالح بن خيوان ]. صالح بن خيوان وثّقه العجلي ، وأخرج حديثه أبو داود . [ عن أبي سهلة السائب بن خلاد ، قال أحمد : من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. أحمد المصري الذي هو شيخ أبي داود قال ذلك ويمكن أن يكون ذكر ذلك؛ لأنه ليس من مشاهير الصحابة رضي الله عنه، ولهذا قال عنه: من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى يبين أنه صحابي، وأن الحديث ليس مرسلاً. وأبو سهلة أخرج حديثه أصحاب السنن.

    شرح حديث: (أتيت رسول الله وهو يصلي فبزق تحت قدمه اليسرى)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن أبيه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فبزق تحت قدمه اليسرى) ]. قوله: (فبزق تحت قدمه اليسرى). تلك الأحاديث السابقة من أقواله عليه الصلاة والسلام وأما هذا فهو من فعله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أتيت رسول الله وهو يصلي فبزق تحت قدمه اليسرى)

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة وهو ثقة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا سعيد الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العلاء ]. هو يزيد بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن الشخير وهو صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

    حديث (أتيت رسول الله وهو يصلي فبزق تحت قدمه اليسرى) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد الجريري عن أبي العلاء عن أبيه بمعناه، زاد: (ثم دلكه بنعله) ] أورد المصنف رحمه الله حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه ولكنه من طريق أبي العلاء ، فهو هناك يروي عن أخيه عن أبيه وهنا يروي عنه مباشرة؛ لأن أبا العلاء و مطرفاً أَخَوَان، فالمصنف روى الحديث السابق عن مطرف عن أبيه، وهنا يروي عن أبي العلاء عن أبيه عبد الله بن الشخير ، فهو مثل الذي قبله، لكنه زاد: (ثم دلكه بنعله)، يعني: بزق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد الجريري عن أبي العلاء عن أبيه بمعناه ]. قد مرّ ذكر هؤلاء جميعاًَ.


    الأسئلة


    فضل قعود المصلي في مصلاه بعد الفجر
    السؤال: هناك من يرى أن من أراد أن يدرك فضل القعود بعد الفجر حتى تطلع الشمس، فعليه ألا يتحرك أبداً من مصلاه، ولا يقوم منه، فكان بعض من يرى هذا الرأي إذا سلّم على أحد بعد صلاة الفجر رأى أن الفضل قد فاته لاختلال الشرط، فما مدى صحة هذا القول؟

    الجواب: لاشك أن الذي يلزم مصلّاه قد قطع الشك باليقين، فليس فيه إشكال، أما لو قام إلى مكان آخر فإنه يحصل الإشكال، وأما من يلزم مصلاه ثم يجيء أحد ويسلم عليه أو يقوم ليصافحه، فلا يقال: إنه قد اختل الشرط؛ فإن فضل الله واسع.
    حكم الدعاء عند ختم القرآن في الصلاة قبل الركوع
    السؤال: ما حكم الدعاء عند ختم القرآن في الصلاة قبل الركوع؟

    الجواب: لا أعلم دليلاً يدل عليه، ولكن قد جاء عن بعض العلماء القول بجوازه، معلّلاً ذلك بأن هذا من جنس الدعاء الذي يكون في الصلاة في جميع الأحوال، ويستدلون على ذلك بفعل أبي بكر رضي الله عنه لما أراد أن يتأخر والنبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه بأن يبقى فرفع يديه وقال: اللهم لك الحمد وهو قائم يصلي، لكن لا أعلم نصّاً خاصّاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالدعاء في الصلاة. لكن من صلى وراء إمام يدعو عند ختم القرآن أو يقنت في صلاة الفجر فعليه أن يتابع الإمام في ذلك، ولا ينفصل عنه بحجة أنه يدعو بعد ختم القرآن، أو يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة. ومن المعلوم أن العلماء كانوا يختلفون في أمور أشد من ذلك، ومع ذلك يصلي بعضهم وراء بعض، مثل مسألة: الوضوء من لحم الإبل، بعض العلماء يرى أنه لا ينقض الوضوء، وبعضهم يرى أنه ينقض الوضوء، ويصلي الناس بعضهم وراء بعض؛ لأن هذه مسائل اجتهادية، والخلاف فيها سائغ بين أهل العلم.
    الموقف الحق من ابن حزم
    السؤال: ما هو موقفنا من ابن حزم رحمه الله؟

    الجواب: ابن حزم رحمة الله عليه من العلماء الذين حصل تباين في أمرهم، فإنه اتبع الظاهر في أمر ما كان ينبغي له أن يكون ظاهرياً فيه، وترك شيئاً ينبغي له أن يكون ظاهرياً فيه، فكان في العقيدة مؤوّلاً، وكان عليه أن يجري النصوص على ظاهرها، كما كان عليه السلف من غير تشبيه لله عز وجل، وكان في الفروع ظاهرياً لا يقول بالقياس، ولو عَكَسَ القضية لكان خيراً، أي: لو أجرى النصوص على ظاهرها في الصفات، وأخذ بالقياس في الأحكام الفقهية وبما تقتضيه النصوص، وألحق الشبيه بالشبيه والنظير بالنظير لكان أولى، وهو عنده صواب وعنده خطأ كغيره من العلماء.
    حكم تقليد ابن عمر في الأخذ من اللحية
    السؤال: يقول بعض الناس: إن أخْذ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مما بعد القبضة من لحيته تُعدّ تفسيراً للأحاديث الواردة في إعفائها، فهل هذا قول صحيح؟

    الجواب: لكن أباه عمر رضي الله عنه لا يفعل هذا الفعل، ومثله أكثر الصحابة لا يأخذون من اللحية شيئاً، والرسول صلى الله عليه وسلم -وهو القدوة والأسوة- هو الذي ما جاء عنه أنه أخذ من لحيته، والإنسان ما دام أنه يعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتعرض لها، فعلى الإنسان ألا يتعرض لها، وإذا كان حصل من ابن عمر رضي الله عنهما اجتهاد فإن العبرة بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بما جاء عن أحد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. ومن الممكن أن يقال: إنه اجتهاد منه رضي الله عنه، وقد أخطأ في ذلك؛ لمخالفته للأحاديث الصحيحة الصريحة.
    معنى قول الراوي: (كذا أو كذا)
    السؤال: مر معنا في الحديث: (إذا قام الرجل إلى الصلاة أو إذا صلى أحدكم)، فلماذا قال الراوي: (أو)؟
    الجواب: هذا شك في الرواية.
    حكم الإتيان بعمرة قبل موسم الحج لمن يحج متمتعاً
    السؤال: شخص يريد أن يحج متمتعاً فهل يجوز له أن يأتي الآن بعمرة على أن يأتي بعمرة التمتع في ذي الحجة؟ الجواب: يجوز، ولا مانع من ذلك.
    حكم نصب الأصم إماماً راتباً
    السؤال: هل يصح نصب الأصم إماماً راتباً؟ الجواب: الإمام الأصم فيه نقص؛ لأنه إذا حصل منه شيء كالسهو أو نحوه، فإذا ذكرّه الناس فإنه لا يسمعهم ولا يتجاوب معهم، فيكون هو في وادٍ وهم في وادٍ آخر، فمثله لا يصلح أن يكون إماماً راتباً، وإنما الأولى أن يوضع شخص يسمع الناس لو حصل منه خطأ أو نسيان.
    معنى قوله: (فإن الله قِبَل وجه أحدكم)
    السؤال: في عون المعبود عند شرح قوله: (فإن الله قِبَل وجه أحدكم) قال: هذا على سبيل التشبيه، أي: كأن الله تعالى في مقابل وجهه، فهل كلامه صحيح؟
    الجواب: لا ليس بصحيح.
    حكم تقيّد مساجد المدينة النبوية بالمسجد النبوي في الأذان والإقامة
    السؤال: هل يجب على مؤذني المساجد في المدينة النبوية أن يؤذّنوا ويقيموا الصلاة بعد المسجد النبوي وليس قبله؟
    الجواب: لا يجب ذلك، وإنما المهمّ أن يكون الأذان بعد دخول الوقت، وأما الإقامة فيمكنهم أن يقيموا قبل المسجد النبوي أو بعده، وليس هناك ما يوجب عليهم أن يكونوا بعده.
    شرح حديث واثلة بن الأسقع: (أنه بصق على البوري ثم مسحه برجله)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الفرج بن فضالة عن أبي سعيد قال: (رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق على البوري ثم مسحه برجله، فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله) ].
    أبو سعيد الحميري قوله: (بصق على البوري). المقصود بالبوري: الحصير الذي صُنع من القصب، ويقال له: بارية. قوله: (ثم مسحه برجله، فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله). قد سبق أن مرت الأحاديث المتعددة في كون الإنسان يدفن النخامة أو البصاق ويواريه في تراب المسجد، وأن ذلك يدل على طهارته وعدم نجاسته، ولكنه يُدفن؛ لأنه شيء مستقذر، ورؤيته تنفر منها النفوس، وليس ذلك لكونه نجساً؛ لأنه لو كان نجساً فلا يكفي أن يدفن، بل يحتاج الأمر إلى تطهيره بالغسل. والبصاق في المسجد على التراب معروف، ولكن الشيء الجديد الذي في هذا الحديث أنه على بساط قد يتبين فيه القذر. وهذا الحديث قد جاء من طريق غير صحيحة وغير ثابتة؛ لأن في سنده الفرج بن فضالة ، وهو ضعيف، وفيه أبو سعيد الذي هو صاحب واثلة بن الأسقع ، ولا أدري ما حاله، ولكن يكفي أن الذي روى عنه وهو الفرج بن فضالة وهو ضعيف. ولو كان الأمر مجرد البصاق في الأرض أو في تراب المسجد لم يكن هناك إشكال؛ لأن هناك نصوصاً صحيحة تدل على ما دل عليه، ولكن البصاق على بساط أو على حصير لم يأتِ فيه دليل صحيح، وعليه يؤثر فيه حتى ولو كان قد دلكه، فإنه قد يظهر الأثر عليه، ولا يمكن إزالة أثر البصاق بمجرد الدّلك.
    تراجم رجال إسناد حديث واثلة بن الأسقع: (أنه بصق على البوريّ ثم مسحه برجله..)
    قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا فرج بن فضالة ]. فرج بن فضالة ضعيف، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي سعيد ]. هو أبو سعيد الحميري الشامي وهو مجهول، روى له أبو داود . [ قال: رأيت واثلة بن الأسقع ]. واثلة بن الأسقع هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (... إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه..)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن الفضل السجستاني و هشام بن عمار و سليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان بهذا الحديث وهذا لفظ يحيى بن الفضل السجستاني قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: أتينا جابراً -يعني ابن عبد الله - وهو في مسجده، فقال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب فنظر فرأى نخامةً، فأقبل عليها فحتها بالعرجون، ثم قال: أيّكم يحب أن يعرض الله عنه بوجهه؟ ثم قال: إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبزق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة، فليقل بثوبه هكذا، ووضعه على فيه ثم دلكه، ثم قال: أروني عبيراً، فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله فجاء بخلوق في راحته، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله على رأس العرجون ثم لطخ به على أثر النخامة، قال: جابر فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في مسجدهم، وكان بيده عرجون من نخل ابن طاب، وهو نوع من النخل يعرف بابن طاب، وكان عندهم عدة أسماء لأنواع من التمر ومنها ابن طاب، والعرجون هو من هذا النوع من النخيل، والذي يفهم منه أنه كان يحك به النخامة من الجدار، وهذا معناه: أنه شيء صلب، وقد يكون رطباً ولكنه كان قوياً وقاسياً، المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حكه بهذا العرجون أو برأس هذا العرجون، وتكلم في الناس، وقال: (أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟! ثم قال: إذا قام أحدكم يصلي فلا يبصقن قبل وجهه؛ فإن الله قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبزق عن يساره تحت رجله) ثم إنه دعا بعبير، يعني: نوع من الطيب، فذهب غلام يجري ويركض فجاء بخلوق في راحته، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذه وجعله على رأس العرجون وجعل يلطخ به المكان أو الأثر الذي بقي بعد حك تلك النخامة التي في قبلة المسجد، قال: جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (فمن هذا جعلتم الخلوق، في مساجدكم) يعني: كونها تطيب ويجعل فيها الطيب هذا مستنده ووجهه هو كون النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالطيب وطيب هذا المكان. قوله: [ (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا وفي يده عرجون ابن طاب) ]. يعني: وفي يده هذا العود الذي يكون في أعلاه الشماريخ، ويقال له: القنو، والعرجون هو الذي يصل بين الشماريخ وبين أصل النخلة، وابن طاب نوع من النخل. قوله: [ (فنظر فرأى نخامة فأقبل عليها فحتها بالعرجون) ]. يعني: رأى نخامة في الجدار فحتها بالعرجون، وهذا يدل على طهارة البصاق؛ لأنه حين يحته يقع على الأرض، ولو كان ذلك نجساً ما كان يفعل ذلك، بل كان سيخرج النجاسة ويغسل أثرها، أو يأتي بشيء يغطي النجاسة ويغلبها. قوله: [ (ثم قال أيكم يحب أن يعرض الله عنه بوجهه، ثم قال: إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه) ]. ذكرنا في الدرس الماضي أن المقصود من ذلك أن الله عز وجل محيط بكل شيء وفوقه، وأن الإنسان أينما اتجه فالله تعالى أمامه؛ لقول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]، ويوضح ذلك الأثر الذي جاء عن ابن عباس : (إن السماوات والأرضين في كف الرحمن كالخردلة في كف أحدكم) ولله المثل الأعلى، فالذي يكون في داخل الخردلة فأينما اتجه الذي هو قابض لها وممسك بها فهو أمامه. قوله: [ (فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه) ]. مر في بعض الأحاديث السابقة: (فإن هناك ملكاً)، وأيضاً اليمين معلوم أنها تكرم عن الأشياء المستقذرة بخلاف الشمال. والإنسان معه كاتب للحسنات وكاتب للسيئات، فمن أهل العلم من قال: كاتب الحسنات هو الذي يكون موجوداً في الصلاة؛ لأن الصلاة هي عبادة وقربة وحسنات، لكن هذا غير واضح؛ لأنه يمكن أن يكون هناك تقصير، ويمكن أن يكون هناك إساءة في الصلاة فيكتبها كاتب السيئات. لكن الله تعالى أعلم بالحقيقة، وقال بعض أهل العلم: يمكن أن يكون الملك ليس موجوداً في جهة التفل، وإنما يكون متنحياً، فالله أعلم، ولكن هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (وليبزق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا). وهذا كما هو معلوم إذا كانت الأرض ترابية، وكان يتوارى فيها البصاق والنخام، ولكن استعمال ذلك في المناديل وفي أطراف الثياب وما إلى ذلك هو المناسب، لا سيما في الأماكن التي فيها فرش، فإن البصاق عليها يقذرها ولو دلك؛ لأنه يبقى أثره، بخلاف التراب فإن البصاق يتوارى ويذهب في التراب ويضمحل. قوله: [ (ووضعه على فيه ثم دلكه) ]. يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (هكذا) أخذ طرف ثوبه ووضعه على فيه، يعني: كأنه وضع فيه شيئاً ثم دلكه، وذلك بأن رد بعضه على بعض، وفعل هذا ليصف لهم بالفعل الطريقة التي يعملونها في وضع النخامة في الثياب. قوله: [ (ثم قال: أروني عبيراً) ]. يعني: أعطوني عبيراً، فذهب غلام يشتد ويجري؛ ليأتي بالعبير، فجاء بخلوق في راحته، والخلوق طيب فيه حمرة وصفرة، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم على رأس العرجون، وجعل يحركه على المكان الذي حتت منه النخامة. قوله: [ (فأخذه، فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله، فجاء بخلوط في راحته، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله على رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر النخامة، قال: جابر : فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم) ]. يعني: أن هذا هو الدليل على تطييب المساجد، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم طلب العبير، أو طلب الطيب، فجيء بالخلوق، فوضعه في المكان الذي حصل فيه الأذى الذي هو النخامة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... إن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه ...)
    قوله: [ حدثنا يحيى بن الفضل السجستاني ]. يحيى بن الفضل السجستاني مقبول، أخرج حديثه أبو داود . [ و هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ و سليمان بن عبد الرحمن ]. سليمان بن عبد الرحمن صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ الدمشقيان بهذا الحديث وهذا لفظ يحيى بن الفضل السجستاني ]. يعني: أن هشام بن عمار و سليمان بن عبد الرحمن دمشقيان، والشيخ الأول سجستاني وقوله: (بهذا الحديث) يعني: الذي سيسوقه، وقوله: وهذا لفظ يحيى بن الفضل، يعني: الشيخ الأول. [ قالوا: حدثنا حاتم بن إسماعيل ]. حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة ]. يعقوب بن مجاهد أبو حزرة صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود . [ عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ قال: أتينا جابراً يعني: ابن عبد الله ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #99
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [068]
    الحلقة (99)


    شرح سنن أبي داود [068]


    دخول المشرك إلى المسجد جائز للحاجة، وقد استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم وفوداً من المشركين في المسجد، وبهذا يتبين لنا أن نجاسة المشرك ليست في ذاته، ولا تجوز الصلاة في المقبرة والحمام؛ لأن الصلاة في المقبرة ذريعة إلى الشرك، أما الحمام فإنه محل للنجاسات والقاذورات.

    ما جاء في المشرك يدخل المسجد


    شرح حديث: (دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد؟ ..)

    قال رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد. حدثنا عيسى بن حماد حدثنا الليث عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول: (دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا له: هذا الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبدالمطلب! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، فقال له الرجل: يا محمد! إني سائلك..) وساق الحديث ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما جاء في دخول المشرك المسجد يعني: أن ذلك سائغ للحاجة، فيجوز أن يدخل الكافر المسجد للحاجة، وذلك أن الكافر ليست نجاسته نجاسة ذاتية، بمعنى أنه إذا دخل تحصل النجاسة في المسجد؛ لأن نجاسة الكافر حكمية، وهي نجاسة الكفر وخبث النحلة والعقيدة، وكونه يشرك بالله عز وجل ويعبد مع الله غيره ولا يؤمن بالله سبحانه وتعالى، وإنما يعبد مع الله غيره ويشرك بالله غيره، فهذه هي النجاسة التي في الكفار، وقد قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] والمقصود بالنجاسة هنا هي: النجاسة الحكمية، وهي نجاسة الكفر وليست نجاسة الذات، فليست ذواتهم نجسة بمعنى أنه إذا مس أحدهم شيئاً فإنه يكون نجساً، فدخوله المسجد سائغ وجائز، وقد جاءت في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر أبو داود جملة منها، وهناك أحاديث في غير أبي داود ، منها: قصة الرجل الذي ربطه النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم بعد ذلك فتح الله عليه ومنَّ الله عليه بالإسلام، فأطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم، وذهب واغتسل وجاء، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فكان قد ربطه في المسجد في سارية. أورد أبو داود رحمه الله جملة من الأحاديث، أولها حديث أنس بن مالك رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع أصحابه في المسجد بين ظهرانيهم وهم محيطون به أو حوله، فجاء رجل مشرك على راحلته، فأناخها في المسجد وعقلها، وجاء في الحديث الآخر الذي بعد هذا أنه أناخها على باب المسجد وعقلها، ودخول الدابة إلى المسجد للحاجة لا بأس به، مثلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وطاف بالبيت وهو راكب على بعير، ويمس صلى الله عليه وسلم الحجر بمحجن، أيضاً الإبل وغيرها مما يؤكل لحمه أرواثها وأبوالها لو وقعت فإنها طاهرة ليست نجسة، فالدخول للحاجة جائز، لكن هذا أدخل الراحلة إلى المسجد لغير حاجة، ولكن في الرواية الثانية أنه أناخها بالباب، ويحتمل أن تكون القصة واحدة، أو أن المقصود بالمسجد قرب المسجد أو في باب المسجد، فأطلق عليه أنه في المسجد. وفي الحديث: (أنه دخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذا هو محل الشاهد، يعني: كون الكافر يدخل المسجد، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه، فقال: (أيكم محمد؟ فقالوا: هو هذا المتكئ الأبيض)، وكان عليه الصلاة والسلام لتواضعه لا يعرف، فإذا كان بين أصحابه الذي لا يعرفه لا يميزه، فأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فخاطبه وقال: (يا محمد! فقال: قد أجبتك) يعني: قل ما تريد، فسأله وساق الحديث، يعني: أن أبا داود اختصر الحديث وأتى بأوله الذي يدل على محل الشاهد للترجمة، ثم أشار إلى أن الراوي ساق الحديث إلى آخره وسأله الأسئلة التي سأله إياها، ولكن المقصود من الحديث هو دخول المشرك المسجد، فإن هذا رجل كافر دخل المسجد، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه، والمتكي هو الذي يكون جالساً ومتمكناً في الجلوس، والمتربع يقال له: متكئ، وأيضاً يقال لمن كان معتمداً على أحد شقيه: متكئ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الثاني في حديث: (ألا أخبركم بأكبر الكبائر وكان متكئاً فجلس) يعني: أنه كان متمايلاً على شيء وبعدها جلس، أراد أن يبين لهم هذا الأمر الخطير وهذا الأمر العظيم وهذا الأمر الفظيع الذي هو قول الزور وشهادة الزور، قال: (فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)، فالمتكئ يطلق على الذي يجلس متربعاً أو متمكناً على وطاء أو على فراش، ويطلق على من كان متكئاً على أحد شقيه، فسواء كان الإنسان متكئاً على شيء أو متكئاً على ذراعه أو على مرفقه فإن هذا يقال له: اتكاء، يعني. معتمد على أحد جنبيه. والحاصل: أن الحديث دال على دخول المشرك أو الكافر إلى المسجد، وقد ذكرنا أن ذلك لا مانع منه، وأن نجاسة الكفار ليست عينية، وإنما هي حكمية. قوله: (فقال له الرجل: يا ابن عبدالمطلب!). يعني: أنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (قد أجبتك) يعني: هات ما عندك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد؟)

    قوله: [ حدثنا عيسى بن حماد ]. هو عيسى بن حماد التجيبي الأنصاري الملقب زغبة وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ]. شريك بن عبد الله بن أبي نمر صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي فإنه أخرج عنه في الشمائل وليس في السنن، ومن أخطائه التي جاءت في صحيح البخاري أخطاؤه في حديث الإسراء الطويل الذي ساقه البخاري ، وفيه أوهام جاء بها شريك ، واعتبروها من أخطائه ومن أوهامه، وهي من الأمور التي لم يوجد عنها جواب فيما أورد البخاري في صحيحه؛ لأن كثيراً من الأحاديث التي انتقدت على البخاري أجيب عنها بأجوبة والحق فيها أو في كثير منها مع البخاري ، لكن هذا الذي جاء في حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس في قصة الإسراء مشتمل على أوهام كثيرة انفرد بها شريك ، وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة الإسراء وقال: إن شريكاً وهم. يعني: أن فيها ضعفاً وأن ما جاء من طريق شريك هو مما انفرد به وهو ضعيف، أما مسلم رحمه الله فإنه أورد الحديث من طريق ثابت بن أسلم عن أنس ثم أتى بطريق شريك ولم يسق لفظه، وإنما قال: فزاد ونقص وقدم وأخر، يعني: أن مسلماً رحمه الله أشار إلى حديث شريك إشارة وأن فيه زيادات ونقصاناً وتقديماً وتأخيراً، ولم يسق لفظه، وإنما ساق لفظ ثابت البناني أما البخاري فإنه ساقه بلفظه، وهذا الحديث من الأحاديث التي خالف فيها غيره، وفيه أشياء حصروها وذكروها وعدوها، وهي مذكورة في تفسير ابن كثير في سورة الإسراء، وفي كتاب الحافظ ابن حجر فتح الباري. وكما هو معلوم أن شريك بن أبي نمر و شريكاً القاضي مختلفان في الطبقة؛ لأن هذا من طبقة التابعين يروي عن أنس وأما شريك القاضي فهو من طبقة شيوخ أصحاب الكتب الستة في طبقة متأخرة، فلا يلتبس هذا بهذا؛ لأن أحدهما يأتي في آخر الإسناد والآخر يأتي في أول الإسناد. [ أنه سمع أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


    شرح حديث: (بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عمرو حدثنا سلمة حدثني محمد بن إسحاق حدثني سلمة بن كهيل و محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن ابن عباس قال: (بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عليه فأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله، ثم دخل المسجد... فذكر نحوه، قال: فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب، قال: يا ابن عبد المطلب....) وساق الحديث ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأبو داود رحمه الله أورده بعد الحديث الأول، والذي يفهم منهما أن القصة واحدة إلا أن هذه الرواية جاءت عن ابن عباس والأولى جاءت عن أنس ، وهذه الرواية فيها أنه أناخ البعير في باب المسجد، بخلاف الرواية السابقة ففيها أنه أناخه في المسجد، وأنه دخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخاطبه، والحديث فيه أن الكافر دخل المسجد، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث تحت هذه الترجمة، ولم يسق باقي الحديث؛ لأن المقصود منه الاختصار والاقتصار على محل الشاهد للترجمة، وهو دخول الكافر أو المشرك المسجد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله ...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن عمرو ]. محمد بن عمرو الملقب زنيج ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا سلمة ]. هو سلمة بن الفضل وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة في التفسير. [ حدثني محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني سلمة بن كهيل ]. سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن الوليد بن نويفع ]. محمد بن الوليد بن نويفع مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    شرح حديث: (أن اليهود أتوا النبي وهو جالس في المسجد ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري حدثنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم! في رجل وامرأة زنيا منهم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في شأن رجل وامرأة زنيا منهم)، والمفهوم من ذلك أن اليهود دخلوا المسجد، وأنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث، يعني: أن الكافر المشرك دخل المسجد، وهذا الحديث دال على ما دل عليه الذي قبله، ولكن الحديث في إسناده رجل مبهم، وهو رجل من مزينة، والحديث ضعفه الألباني ، ولعله ضعفه بسبب هذا الرجل المبهم. وقصة اليهودي الذي زنى ثابتة في الصحيحين، ولكن الكلام في قصة الدخول في المسجد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن اليهود أتوا النبي وهو جالس في المسجد ...)

    قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا رجل من مزينة ]. لم نجد له تسمية، حتى في تهذيب التهذيب لما ذكر الزهري وذكر الذين روى عنهم مع الإبهام لم يذكر هذا معهم. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق فرضي الله عنه وأرضاه، و سعيد بن المسيب ليس من رجال الإسناد في الحديث، وإنما ذكر أنهم كانوا عنده.

    ما جاء في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة


    شرح حديث: (جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً)

    [ قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة، والأصل أن الأرض كلها مكان للصلاة، وأنه يصلى في أي مكان من الأرض إلا ما عرف أن فيه نجاسة وما عرفت نجاسته، أو ورد نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يصلى في هذا المكان، وإلا فإن الأصل هو صحة الصلاة في أي مكان، ولهذا سبق أن مر في حديث عثمان بن أبي العاص الذي قال فيه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طواغيتهم)، والحديث هذا في إسناده من ضعف به، ولكن كون الطواغيت هذه أزيلت، واتخذ مكانها مسجد لا بأس بذلك؛ لأن الأصل هو صحة الصلاة في أي مكان طاهر من الأرض، إلا ما جاء النهي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً)، يعني: يتيمم فيها وتكون الطهارة لأرضها وترابها أو أي شيء منها، وجعلت مسجداً يصلى فيه، وجاء في حديث آخر: (فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره) يعني: أنه يتيمم ويصلي أينما أدركته الصلاة. قوله: (جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً) هذا يفيد بأن أي جزء من الأرض يتيمم به، وأنه لا يختص الأمر بالتراب والأرض الترابية، وليس معنى ذلك أن الإنسان إذا كان في أرض جبلية وأرض حجرية أو أرض ليس فيها تراب أنه لا يتيمم حتى يحصل تراباً، بل يتيمم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً)، فيتيمم الإنسان على الحصى ويتيمم على الحجارة ويتيمم على أي شيء من الأرض، وعموم الحديث يدل على ذلك، وما جاء في بعض الأحاديث أنه قال: (تربتها) فهذا لا يدل على اختصاص الحكم بالتربة دون غيرها، لأن هذا يدخل تحت القاعدة المشهورة: إذا جاء لفظ عام ثم جاء فرد من أفراد العام بحكم العام فإنه لا يخصص العام؛ لأن قوله: (جعلت الأرض طهوراً وجعلت تربتها طهوراً)، يدل على أن التربة هي جزء من الأرض، يعني: أنه جاء حكم عام للأرض، وجاء حكم خاص لشيء من الأرض، ووجود هذا الخاص لا يبطل العموم، ولكن أكثر ما يمكن أن يقال: إن هذا الخاص ذكر مرتين: مرة مندرجاً تحت اللفظ العام الذي هو التراب، ومرة جاء منصوصاً عليه بخصوصه، ومن القواعد الأصولية: أن إفراد فرد من أفراد العام بحكم العام لا يقصر عمومه عليه، يعني: لا يلغي العموم ثم يقصر الحكم على هذا النوع الذي جاء ببعض الألفاظ، سواءً كان مخصصاً أو محدداً وهو هنا التربة، ولهذا اختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: التيمم لا يكون إلا بالتراب ولا يكون إلا بالصعيد، ومنهم من قال: التيمم يكون بجميع أجزاء الأرض وأن الإنسان في أي مكان كان فإنه يتيمم ويصلي، ولو لم يكن عنده في الأرض رمل وتراب، لو كانت الأرض حجرية، فإنه يتيمم بالغبار الذي على الحجارة، مما يعلق بها، فإنه يكفي. ومثل ذلك الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الشفعة في كل شيء) ثم جاء حديث يبين ما يتعلق بالأرض والحدود والطرق، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا وضعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فبعض العلماء يجعل الحكم بالشفعة إنما هو في العقار وفي الأرض، ومنهم من يرى عمومه في كل شيء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الشفعة في كل شيء)، أي: سواء كان عقاراً أو غير عقار، فإذا كان لشخصين سيارة وأحد الشريكين باع نصيبه من السيارة فللآخر حق الشفعة، وكذلك إذا كان لاثنين بعير مشترك بينهما وأحد الشخصين باع حصته من البعير على شخص آخر، فلشريكه حق الشفعة، لعموم قوله: (الشفعة في كل شيء)، وقوله: (إذا وضعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فالحديث الذي جاء في العقار لا يخصص الحكم بالعقار، وإنما أكثر ما في الأمر أن العقار ذكر في بعض الأحاديث، فلا يقصر عموم الشفعة في كل شيء عليه. وكذلك الحديث الذي فيه: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء)، هذا لفظ عام، وجاء في بعض الروايات: (إذا ابتاع الرجل سلعة ووجدها عند رجل قد أفلس فهو أحق بها من غيره) فقوله: (إذا ابتاع) يعني: أن السلعة دخلت عليه عن طريق البيع، وهذا لا يقصر الحكم قوله: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) يعني: أنه إذا كان وصل إليه عن طريق البيع فهذا هو الذي يصير أحق، وليس معنى ذلك أنه وصل إليه من أي طريق أخرى فإنه لا يكون أحق به، بل العموم باقٍ على عمومه، وإفراد فرد من أفراد العام لحكم العام لا يقصر عموم حكمه عليه. والخاص يخرج من العام، لكن هناك حمل المطلق على المقيد، لكن القاعدة هذه فيها ذكر الخاص، يعني: أنه أفرد لكنه داخل تحت اللفظ العام، فكأنه ذكر مرتين: مرة على سبيل الانفراد، ومرة على سبيل دخوله مع غيره، فإفراد فرد منه لا يقصر عمومه عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً)

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد بن عمير ]. عبيد بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إن حبي نهاني أن أصلي في المقبرة ...)
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود ، أخبرنا ابن وهب حدثني ابن لهيعة و يحيى بن أزهر عن عمار بن سعد المرادي عن أبي صالح الغفاري أن علياً رضي الله عنه مر ببابل وهو يسير، فجاءه المؤذن يؤذنه بصلاة العصر، فلما برز منها أمر المؤذن فأقام الصلاة، فلما فرغ قال: (إن حبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في المقبرة، ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي رضي الله عنه أنه قال: (إن حبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في المقبرة، ونهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة) والمقبرة جاء فيها حديث سيأتي، وفيه أنه لا يصلى في المقبرة، والنهي عن الصلاة في المقبرة هو لما يترتب على ذلك من التعلق بأصحاب القبور وصرف شيء لهم من دون الله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث: (أن البيوت لا تتخذ قبوراً)، يعني: أنها لا تكون مثل المقبرة لا يصلى فيها، بل الناس يصلون في بيوتهم ولا يجعلونها مثل المقبرة ليست مكاناً للصلاة، وهذا فيه دليل على أن المقبرة ليست مكاناً للصلاة، وأنه لا يصلى في المقبرة، وليس المقصود هو النجاسة، نعم إذا كان هناك أي مكان متنجس فإنه لا يصلى فيه، ولكن المقصود هو سد الذرائع التي توصل إلى الشرك؛ لأن المقبرة إذا صلي بها واتخذت القبور مساجد تكون مكاناً للصلاة، فمعنى هذا: أن هؤلاء الموتى يصرف لهم شيء من حق الله، أو أن ذلك الفعل قد يؤدي إلى أن يحصل ذلك الأمر المحذور، فالمقبرة جاء فيها شيء غير حديث علي رضي الله عنه، جاءت فيها أحاديث عديدة. وأرض بابل هي كغيرها من الأرض، والأصل في الأرض الطهارة، ولا يصار إلى ترك شيء إلا بدليل، وهذا الحديث الذي ورد فيه مقال من جهة أن أبا صالح الغفاري لم يسمع من علي رضي الله عنه، ففيه انقطاع، وعلى هذا فهو غير ثابت، هذا بالإضافة إلى الذين فيهم كلام في رجاله مثل ابن لهيعة وغيره ممن وصف بأنه مقبول، لكن العلة القوية هي علة الانقطاع.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن حبي نهاني أن أصلي في المقبرة ...)

    قوله: [ حدثنا سليمان بن داود ]. هو أبو الربيع المصري المهري وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني ابن لهيعة ]. هو عبد الله بن لهيعة المصري وهو صدوق، احترقت كتبه فتغير حفظه أو اختلط، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وأما النسائي فهو لم يخرج له، وقد مر بنا في سنن النسائي كثيراً أن النسائي إذا جاء معه غيره في الإسناد لا يسميه، وإنما يذكر من يريد أن يخرج عنه ويقول: أخبرنا أبو فلان ورجل آخر، فيحافظ على ذكر ما جاء في الإسناد فلا يحذف الشخص الذي جاء في الإسناد، ولكنه يبهمه، فيقول: ورجل آخر، وعمدته في ذلك الذي أظهره؛ لأنه لا يحتج بابن لهيعة ولا يروي عنه في كتابه، ولهذا لم يذكر فيمن خرج له النسائي . [ و يحيى بن أزهر ]. يحيى بن أزهر صدوق، أخرج له أبو داود. [ عن عمار بن سعد المرادي ]. عمار بن سعد المرادي مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود . [ عن أبي صالح الغفاري ]. هو سعيد بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ أن علياً ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو الحسنين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، فرضي الله تعالى عنه وأرضاه.


    طريق أخرى لحديث: (إن حبي نهاني أن أصلي في المقبرة ...) وتراجم رجال إسنادها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أزهر و ابن لهيعة عن الحجاج بن شداد عن أبي صالح الغفاري عن علي رضي الله عنه بمعنى سليمان بن داود قال: فلما خرج، مكان: فلما برز ]. أورد أبو داود الحديث عن علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وأحال فيها على الطريق السابقة، وذكر الفرق بين ما في الرواية الأولى وما في هذه الرواية وهي أن في الرواية الأولى (برز) وفي هذه الرواية (خرج) يعني: فلما خرج قال للمؤذن، وفي الأولى: لما برز قال للمؤذن. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أزهر و ابن لهيعة عن الحجاج بن شداد ]. الحجاج بن شداد مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أبي صالح الغفاري عن علي ]. قد مر ذكرهما.


    شرح حديث: (الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال موسى في حديثه فيما يحسب عمرو : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة). أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة)، وهذا فيه استثناء المقبرة والحمام، وقد ذكرنا أن المقصود من ذلك أنها ليست مكاناً للصلاة، وأنه منع من الصلاة فيها لما يترتب على ذلك من الأمور الخطيرة والأمور العظيمة، ويستثنى من ذلك صلاة الجنازة فإنه يمكن أن يصلى على الجنازة في المقبرة، وهذه الصلاة لا محذور فيها، لأن هذا شيء يتعلق بالميت والصلاة على الميت، وإنما المقصود هو الصلاة التي هي ذات ركوع وسجود، سواء كانت صلاة فرض أو نفل. والحمام هو مكان الاستحمام؛ فإنه يكون فيه غالباً النجاسات، وليس المقصود بالحمام مكان الخلاء؛ فإنه أيضاً لا يكون محلاً للصلاة، وإنما تكون الصلاة في الأماكن الطاهرة والأماكن النظيفة والتي هي بعيدة عن النجاسات.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة)

    قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا مسدد ]. ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، ومسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد ]. هو عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن يحيى ]. هو عمرو بن يحيى بن عمارة المازني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو يحيى بن عمارة المازني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه سعد بن مالك بن سنان وهو مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #100
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن أبي داود
    (عبد المحسن العباد)

    كتاب الصلاة
    شرح سنن أبي داود [069]
    الحلقة (100)


    شرح سنن أبي داود [069]


    للصلاة أحكام شرعية تخصها، منها: النهي عن أدائها في معاطن الإبل؛ لأنه لا يتمكن المصلي من الخشوع فيها لنفور الإبل وشدتها وغلظ طباعها، وقد يلحق به الضرر بذلك، ومن أحكامها أمر الصبيان بها عند بلوغ السابعة وضربهم عليها عند العاشرة، ليتعودوا عليها وليعلموا أحكامها قبل أن يكلفوا بها.

    النهي عن الصلاة في مبارك الإبل


    شرح حديث: (سئل رسول الله عن الصلاة في مبارك الإبل ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين. وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها؛ فإنها بركة). أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة، وهي: باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل، والمقصود من هذه الترجمة هو بيان أن الأماكن التي تبرك فيها الإبل وتكون مقراً لها وتعطن فيها لا يصلى فيها، وليس ذلك لنجاسة أبوالها وأرواثها، فإنها طاهرة، وبول وروث كل ما يأكل لحمه طاهر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم أرشد العرنيين إلى أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، وكذلك أدخل البعير في المسجد ليطوف عليه، وفي هذا دلالة على أن بوله وروثه ليس بنجس، ولكن المنع من ذلك والنهي عن ذلك إنما هو لما في الإبل من الشدة ولما فيها من الغلظة وأنها لو حصل منها شرود أو نفور فإنها تلحق الضرر بمن يصلي حولها، أو -على الأقل- تشوش عليه في صلاته، فيكون مشغولاً بما يحصل من نفورها أو شرودها، فيتشوش فكره وذهنه فينشغل عن صلاته، بخلاف الغنم فإنها ليست كذلك لهدوئها وسكينتها، ولو حصل منها نفور أو شرود فإنه لا يحصل الضرر لمن يصلي حولها، وإنما الضرر يكون من الإبل، ولهذا فإن أصحاب الإبل تغلب عليهم الشدة والغلظة، وتكون طباع الإبل وغلظتها وشدتها مؤثرة فيهم، بخلاف أصحاب الغنم، فإنه يكون عندهم السكينة والهدوء؛ لأن شأن الغنم كذلك. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: (لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين). وقوله: [(فإنها من الشياطين)] المقصود من ذلك ما في الإبل من الشدة والغلظة ونفرة الطباع، وهذه الشدة والغلظة صفات من صفات الشياطين، وليس معنى ذلك أن مادتها كمادة الشياطين؛ لأن الشياطين خلقت من نار والإنس أصل مادتهم من تراب. فإذاً: ليس كونها من الشياطين بمعنى أنها خلقت من مادة الشياطين، وإنما المقصود من ذلك أنها من جملة الشياطين أو من جنس الشياطين المتمردة، والمتمرد من الإنس والجن يقال له: شيطان، فالإنس فيهم شياطين والجن فيهم شياطين، وهم المتمردون الذين عندهم الخبث وعندهم السوء وعندهم الشدة وعندهم الغلظة وعندهم الأذى. فإذاً: هذا هو المقصود بكونها من الشياطين، ولهذا فإنه إذا حصل منها شيء والناس حولها يصلون في معاطنها وفي مباركها فإنه يحصل لهم بسببها ما يحصل من الضرر، وكذلك لو كانت ليست في مباركها ومعاطنها فيمكن أن تأتي والناس يصلون في معاطنها ومباركها فيحصل التأثير، وعلى هذا فإن المنع من الصلاة في مبارك الإبل ليس لنجاسة أبوالها وأرواثها، فإنها طاهرة، ولكن لما جاء فيها من وصف الشدة وأنها من الشياطين، أي: فيحصل منها الأذى ويحصل منها الضرر لمن يصلي في مباركها ومعاطنها، سواء أكانت موجودة فيها أم كانت في طريقها إليها أم كانت حولها، فإنه إذا صلى فيها أحد قد تأتي إلى مباركها فيحصل لمن يصلي حولها التشويش على الأقل في صلاته إن لم يحصل له شيء من الضرر بكونها تخبطه أو يحصل له ضرر بفعلها. وقوله: [(وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها فإنها بركة)] يعني أنها فيها الهدوء وفيها السكينة، ولا يحصل ضرر على من يصلي في أماكنها؛ لأنها ولو حصل منها نفور فلن يحصل منها أنها تؤذي صاحبها أو من يكون حولها، بخلاف الإبل، فإنها تقتله وتهلكه وتقضي عليه. والغنم وردت فيها بعض الأحاديث، ومنها الحديث الذي فيه ذكر العزلة، وأنه سيأتي زمان يكون فيه خير مال المرء غنيمة يتتبع بها شعف الجبال يفر من الفتن، ولكن المقصود هنا أن الغنم فيها هدوء وفيها سكينة وصاحبها يكون فيه تواضع، والإبل فيها شدة وأصحابها فيهم شدة، ولهذا جاءت الأحاديث في أصحاب الإبل تصفهم بالغلظة والشدة وتصف أصحاب الغنم بالهدوء والسكينة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (سئل رسول الله عن الصلاة في مبارك الإبل ...)

    قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عبد الله الرازي ]. عبد الله بن عبد الله الرازي صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء بن عازب ]. هو البراء بن عازب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    متى يؤمر الغلام بالصلاة


    شرح حديث (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى يأمر الغلام بالصلاة؟ حدثنا محمد بن عيسى -يعني: ابن الطباع - حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب متى يأمر الصبي بالصلاة؟] والمقصود من ذلك الوقت الذي يؤمر فيه الصغير بالصلاة، ولا فرق بين الذكر والأنثى، فإن ذكر الصبي أو ذكر الغلام ليس معناه اختصاص الأمر بالذكور دون الإناث، وإنما المقصود من ذلك الأولاد، ولهذا جاء في رواية أو في طريق من الطرق: (مروا أولادكم بالصلاة) والأولاد لفظ يشمل الذكور والإناث. والمقصود من قوله: [متى يأمر الغلام بالصلاة] يعني: حتى يتمرن وحتى يتعود وحتى يكون على علم بالصلاة وكيفيتها، وما هو مطلوب فيها وما مطلوب لها، وما يتعلق بشروطها وأركانها والأمور التي يكون بها أداؤها، حتى إذا جاء سن التكليف يكون على علم سابق بما هو مكلف به، لا أن يترك حتى يبلغ ثم يُعَلم ويمرن، وإنما يمرن قبل أن يبلغ، يمرن وهو صغير، لكن متى؟ هل يؤمر وهو صغير جداً أم أن هناك حداً جاء أمر الآباء والأمهات بأن يأمروا عنده أبناءهم أو أولادهم بالصلاة؟ وردت الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يؤمر وهو ابن سبع، فإذا بلغ سبعاً فإنه يأمره أبوه وأمه بالصلاة. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها) يعني أنه يؤمر كلاماً وترهيباًً وحثاً إذا بلغ سبع سنين، والأمر بالصلاة يكون بتعليمه إياها وكيفيتها وكذلك ما يسبقها من وضوء وما إلى ذلك، وإذا بلغ عشر سنين وحصل منه تهاون فيها أو امتناع عن أدائها فإنه يضرب على ذلك ضرباً غير مبرح ينفعه ولا يضره، ينفعه في الزجر والتخويف والردع، ولا يضره بأن يلحق به ضرراً في جسمه أو في أعضائه، فيضرب ضرباً غير مبرح ينفع ولا يضر؛ لأنه لا يكلف إلا إذا بلغ، ولكن هذا من أجل التعويد والتمرين والترويض حتى يكون على علم سابق قبل أن يصل إلى البلوغ، حتى إذا بلغ يكون قد عرف ما يتعلق بالصلاة وما هو مطلوب منه، فهو أمر للتمرين وللتعويد وليس لأنه مكلف؛ لأن القلم رفع عن الصغير حتى يبلغ، كما جاء في الحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: المجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ) يعني أن هؤلاء مرفوع عنهم القلم، وعلى هذا فأمر الصبي إنما هو من أجل تعويده لا من أجل أنه مكلف. قال بعض أهل العلم: وكون الغلام يضرب على الصلاة وهو لم يبلغ يدل على أن العقوبة إذا حصل البلوغ أشد. قالوا: وليس هناك أشد من الضرب إلا القتل. أي: أن القتل هو الذي يأتي وراء الضرب. وقد اختلف العلماء في حكم تارك الصلاة هل يقتل حداً أو يقتل ردةً أو أنه لا يقتل ولكنه يسجن، على أقوال في ذلك، ولكن أرجحها أن من ترك الصلاة متعمداً فإنه يكون كافراً، وقد جاءت في ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تدل على ذلك، ومنها قوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقوله: (بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة) وكذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج على الأئمة أنه لا يخرج عليهم إلا إذا وجد كفر بواح عند الناس فيه من الله برهان، وجاء أنهم لا ينابذوا ما صلوا، أي أنه إذا كانوا يصلون لا يخرج عليهم؛ لأنهم مسلمون، وإذا لم يصلوا فإنه يخرج عليهم، فكل هذه الأحاديث تدل على كفر تارك الصلاة. والحاصل أن ما جاء في الحديث من ذكر الضرب لمن بلغ العشر وهو غير مكلف يدل على أنه إذا كلف تكون العقوبة أشد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ...)
    قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى يعني: ابن الطباع ]. محمد بن عيسى بن الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و الترمذي في الشمائل و ابن ماجة . وكلمة [يعني: ابن الطباع] قالها من دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يحتاج إلى أن يقول: (يعني)، وإنما الذي يقول ذلك هو من دونه. [ حدثنا إبراهيم بن سعد ]. إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة ]. عبد الملك بن الربيع بن سبرة وثقه العجلي ، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أبوه هو الربيع بن سبرة، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن جده ]. جده هو سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه، صحابي، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.


    شرح حديث: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن هشام -يعني: اليشكري -حدثنا إسماعيل عن سوار أبي حمزة -قال أبو داود : وهو سوار بن داود أبو حمزة المزني الصيرفي -عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع). ] أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع)]. وهنا قال: [(مروا أولادكم)] وهذا يشمل الذكور والإناث، كما قال الله عز وجل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، فذكر الأولاد وأن ميراثهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وذكر الأولاد يشمل الذكور والإناث، فقوله: [(أولادكم)] يعني ذكورهم وإناثهم. وقوله: [(مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين)]، متفق مع حديث سبرة بن معبد الذي قبله، وهنا زيادة: [(وفرقوا بينهم في المضاجع)] يعني أنهم لا يضطجع بعضهم مع بعض؛ حتى لا يحصل شيء من دواعي الشر أو شيء من الشيطان بحيث يحرك بعضهم على بعض، فلا يكون هناك اضطجاع من بعضهم مع بعضهم، وإنما يكون هناك تفريق، سواء أكانوا ذكوراً وإناثاً أم ذكرواً فقط أم إناثاً فقط؛ لأنه عندما يحصل التقارب يحصل بسببه شيء من تحريك الشهوة أو الفتنة أو ما إلى ذلك، فجاءت السنة بأن يمرنوا على ذلك، وأن يعودوا على ذلك وهم صغار، بحيث يبتعد بعضهم عن بعض، ولا يكون هناك تلاصق وتقارب بحيث يحصل معه شيء لا تحمد عقباه.


    تراجم رجال إسناد حديث: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ...)

    قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام -يعني اليشكري- ]. مؤمل بن هشام اليشكري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . وكلمة [يعني: اليشكري] هي ممن دون أبي داود ؛ لأن مؤمل بن هشام شيخه، فلا يحتاج إلى أن يقول فيه (يعني) وإنما الذي يحتاج إليه هو من دونه. [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم، المشهور بابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سوار أبي حمزة- قال أبو داود : وهو سوار بن داود أبو حمزة المزني الصيرفي ]. لما ذكر أبو داود رحمه الله هذا الراوي الذي يروي عنه إسماعيل بن علية، وهو سوار أبو حمزة المذكور باسمه وكنيته أراد أن يوضح اسمه واسم أبيه ونسبته؛ لأنه حصل هناك اختلاف في ذكر اسمه في التقديم والتأخير، ووهم بعضهم في ذكر اسمه، فأراد المصنف أن يوضح اسمه ونسبه على الصواب؛ حتى يتبين بعد ذلك أن ما جاء خلاف ما نبه عليه غير صحيح، وأن الصحيح هو هذا، والذي جاء في هذه الرواية صحيح لكنه مختصر، ففي السند أنه سوار أبو حمزة ، ولم يذكر اسم أبيه ولا نسبته، فذكرها المصنف وقال: [ وهو سوار بن داود أبو حمزة الصيرفي ] فأبو داود أراد أن يوضح هذا الشخص الذي ذكر باسمه وكنيته فقط؛ لأنه سينبه فيما بعد على أنه حصل خطأ من بعض الرواة في ذكر اسمه بالتقديم والتأخير بينه وبين أبيه، وبعضهم، وهم في اسمه كما سينبه على ذلك، فهذا هو السبب الذي جعل أبا داود يذكر في الإسناد واسمه واسم أبيه وكنيته ونسبته. وهو صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و ابن ماجة. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن، وهو يروي عن أبيه شعيب بن محمد بن عبد الله ، وهو -أيضاً- صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وفي الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة، وهو يروي عن جده، والمراد بالجد هو عبد الله بن عمرو بن العاص ، والمقصود من ذلك أن شعيباً يروي عن جده وليس عن أبيه، والمقصود بالجد هو عبد الله بن عمرو جد شعيب ، وهو -أيضاً- يكون جد عمرو بن شعيب ، ولكن ليس المقصود أن الجد هو جد عمرو ؛ فإنه سيكون محمداً وليس عبد الله بن عمرو ، وإذا كان كذلك فإنه يكون مرسلاً؛ لأن محمداً تابعي، وليس له رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث متصل لا انقطاع فيه ولا إرسال، فعمرو يروي عن شعيب و شعيب يروي عن عبد الله، وليس عن محمد ، ولهذا قال الحافظ ابن حجر صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو . يعني: صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو ، و عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صحابي جليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس. ويقولون في الإسناد الذي فيه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إنه يكون حسناً إذا صح الإسناد إلى عمرو . فإذا صح الإسناد وإذا استقام الإسناد إلى عمرو فهو من قبيل الحسن؛ لأنه صدوق وأبوه صدوق، فالإشكال هو فيما إذا كان الضعف دون عمرو، وأما إذا وصل الإسناد إليه واستقام إليه فحديثه حسن.

    شرح حديث: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا وكيع حدثني داود بن سوار المزني بإسناده ومعناه وزاد: (وإذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة). قال أبو داود : وهم وكيع في اسمه، وروى عنه أبو داود الطيالسي هذا الحديث فقال: حدثنا أبو حمزة سوار الصيرفي ]. هنا وقع قلب في الإسناد، فداود بن سوار هو سوار بن داود ، ولهذا فإن أبا داود رحمه الله لما قال في أثناء الإسناد المتقدم: [ وهو سوار بن داود أبو حمزة الصيرفي ] أراد أن يبين أنه سيأتي في هذا الإسناد اسمه مقلوباً. وقوله: [ بإسناده ومعناه وزاد: (وإذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة) ]. يعني: أنه بمعنى الحديث المتقدم، وفيه زيادة: [(وإذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة)] لأن ذلك عورة، والمقصود بالخادم هنا الأمة، فإذا كان الإنسان له أمة وهي ملك يمين كما هو معلوم فله أن يجامعها وأن يستمتع بها ويطلع على عورتها وتطلع على عورته. فإذا زوجها: فلا ينظر إلى ما فوق الركبة ودون السرة؛ لأن بضعها خرج من ملكه، وانتقل من كونه حلالاً له إلى كونه حلالاً لغيره وحراماً عليه؛ لأن الأمة التي تكون في عصمته هي التي تكون عنده يجامعها، ثم بعدما يستبرؤها ويزوجها يحرم عليه الاستمتاع بها ويحرم عليه النظر إلى عورتها، وكذلك أيضاً يمكن أن يكون الضمير في قوله: [(لا ينظر)] عائداً على الخادم، يعني: لا تنظر إلى السيد؛ لأنه صار حراماً؛ لأن في الحديث: (احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك)، وهي بالنسبة لملك اليمين خرجت عنه من حيث منفعة الاستمتاع إذا زوجها، وإنما تكون منفعة الاستمتاع له حيث لا تكون مزوجة، فإذا كانت كذلك فهو الذي يستمتع بها ويرى عورتها وترى عورته، لكن إذا زوجها صار الزوج هو الذي حل محله في ذلك بحيث يرى عورتها وترى عورته. وقوله: (إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره) يعني: غلامه الذي هو مملوك له، أو شخصاً أجيراً عنده، أي أنه حر، لكنه استأجره ليخدمه بالأجرة، فإذا زوجه أمته فليس للسيد أن ينظر إلى عورة الأمة؛ وليس له أن ينظر إلى بضعها ولا إلى عورتها، وكذلك الأمة لا تنظر إلى عورة سيدها؛ لأن الاستمتاع ليس له وإنما هو لغيره.

    تراجم رجال إسناد حديث (مروا أولادكم بالصلاة ..) من طريق أخرى

    قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. زهير بن حرب هو أبو خيثمة النسائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وقد أكثر عنه الإمام مسلم ، قال الحافظ في التقريب : روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، والأحاديث التي رواها عنه مسلم تبلغ ألفاً ومائتين وزيادة، وأكثر منه أبو بكر بن أبي شيبة ، فإن مسلماً أكثر من الرواية عنه، والأحاديث التي رواها عنه تزيد على ألف وخمسمائة حديث. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني داود بن سوار المزني ]. داود بن سوار المزني هو سوار بن داود، وقد مر ذكره. وقوله: [ قال أبو داود : وهم وكيع في اسمه، وروى عنه أبو داود الطيالسي هذا الحديث فقال: حدثنا أبو حمزة سوار الصيرفي ]. يعني: وهم وكيع في اسمه حيث قلبه، فذكر أن اسمه داود، وهو ليس اسمه داود وإنما اسمه سوار ، واسم أبيه داود وليس سوار بن داود ، وهذا هو الذي جعل أبا داود في أثناء الإسناد المتقدم يذكر اسمه واسم أبيه ونسبته؛ حتى يبين الوهم الذي حصل ممن رواه مقلوباً، وذلك بعد ذكر اسمه على الصواب مختصراً. فإذاً: الذي في الإسناد داود بن سوار ، وهو سوار بن داود ، وإنما حصل خطأ، وليس هو شخصاً آخر غير الشخص الأول، وإنما هو الشخص الأول نفسه، ولهذا قال أبو داود : [ وهم وكيع في اسمه ] حيث قلبه وجعل اسمه لأبيه واسم أبيه له، فصار مقلوباً. والحديث فيه أن الأجير هو الذي تزوج، والعبد هو الذي تزوج، والمقصود بالخادم في هذا الحديث الأمة، والسيد لا ينظر إلى عورة العبد، ولكن ينظر إلى عورة الأمة، لأنها حلال له، فله أن ينكحها ويستمتع بها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك)، وكما قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:5-6] يعني: الزوجات والإماء. والسيد لا ينظر إلى عورة الأمة إذا تزوجت، والأمة كذلك لا تنظر إلى عورة السيد؛ لأن الاستمتاع بينهما انتهى، وصار الاستمتاع بين هذه الأمة المزوجة وزوجها، سواءٌ أكان ذلك الزوج عبداً مثلها أو أجيراً استأجره سيدها، ومن المعلوم أن الحر لا ينكح الأمة إلا بالشرط الذي ذكره الله عز وجل في القرآن: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:25]. وقوله: [ قال أبو داود : وهم وكيع في اسمه، وروى عنه أبو داود الطيالسي ]. يعني: رواه عن سوار ، و أبو داود الطيالسي هو سليمان بن داود أبو داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. فرواه على الصواب، ولكن فيه اختصار، حيث قال: [حدثنا أبو حمزة سوار الصيرفي وهذا صحيح مستقيم؛ لأنه هو أبو حمزة سوار الصيرفي ]، ولكن لم يذكر اسم أبيه، ولم يهم فيه كما وهم وكيع .

    شرح حديث: (... إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب حدثنا هشام بن سعد حدثني معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني قال: دخلنا عليه فقال لامرأته: متى يصلي الصبي؟ فقالت: كان رجل منا يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك فقال: (إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصبي متى يؤمر بالصلاة فقال: [(إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة)]، وهذا مخالف لما جاء في الأحاديث السابقة التي فيها أن الأمر منوط بالسن وليس بمعرفة اليمين والشمال؛ لأن معرفة اليمين والشمال يمكن أن تحصل قبل بلوغ السنة السابعة، فيمكن للإنسان أن يعرف اليمين من الشمال في سن مبكرة، فالعبرة ليست في تعليق ذلك بمعرفة اليمين من الشمال، وإنما هي ببلوغ سبع سنين كما جاء بذلك حديث سبرة وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما. فهذا الحديث فيه بيان أن الأمر بالصلاة منوط بمعرفة اليمين والشمال، ولكن الحديث غير صحيح وغير ثابت، والصحيح الثابت هو ما تقدم من إناطة ذلك بالسن وتعليقه بالسن وبلوغ الغلام سبع سنين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة)

    قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري هو أبو الربيع المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني ]. معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ قال: دخلنا عليه ]. في عون المعبود قال: إن هشاماً قال: دخلنا عليه. يعني: على معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني فقال لامرأته...، وعلى هذا فالمدخول عليه مسمى في الحديث، لكن فيه إشكال من حيث الإسناد؛ لأنه قال: حدثني معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني قال: دخلنا عليه فقال لامرأته .... ومعنى هذا أن معاذاً ليس من رجال الإسناد، وأنهم سمعوا من امرأته، وأن امرأته هي التي قالت كذا وكذا، والإسناد هو عن هذه المرأة، وهذه المرأة ترويه عن الرجل الذي منهم، فيكون المعنى أنهم دخلوا عليه وأنه قال لامرأته وأخبرهم بما قالت، يعني: ما كانوا يسمعون الكلام بينه وبين امرأته، وإنما سألها وأخبرهم، وعلى هذا يكون التحديث على بابه. لكن إذا كانوا دخلوا عليه وسأل امرأته فأجابت فهو إذاً ليس من رجال الإسناد، وإنما دخلوا عليه وهو سأل امرأته، وامرأته أخبرت عن رجل منهم -من جهينة- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: [(إذا عرف يمينه من شماله فإنه يؤمر بالصلاة)] فالعبارة فيها إشكال من ناحية قوله: (حدثني) فإذا كان المقصود أنه من رجال الإسناد وأنهم لم يسمعوا امرأته وإنما كان هو يخبرهم عما حصل بينه وبين امرأته فعند ذلك يكون حدث هو عن امرأته، وامرأته حدثت عن الرجل الذي أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك. وإذا كان ليس من رجال الإسناد فمعناه أنهم دخلوا عليه، وأنهم سمعوا كلامه من امرأته ورووا عن امرأته. وامرأته لا أعرف عنها شيئاً، والإسناد -كما هو معلوم- فيه هذا الخفاء وفيه هذا الإبهام، ثم إن هذا الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إناطة ذلك بالسن وليس بمعرفة الشمال من اليمين؛ لأن معرفة الشمال من اليمين قد تحصل في زمن مبكر قبل سن السابعة والسادسة، فقد يكون الولد يعرف اليمين من الشمال قبل ذلك، وعلى هذا فيكون الناس متفاوتين في ذلك، ولا يكون هناك ميزان متساوٍ بين الناس، بل كل واحد يُسأل: هل يعرف الشمال من اليمين؟ وعند ذلك يؤمر، وأما إذا كان الاعتبار بالسن لحديث: (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين) فكل من بلغه حديث السن يجعل الحد الفاصل هو العمر، وليس معرفة اليمين من الشمال.

    بدء الأذان


    شرح حديث: (اهتم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يجمع الناس للصلاة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب بدء الأذان. حدثنا عباد بن موسى الختلي و زياد بن أيوب -وحديث عباد أتم- قالا: حدثنا هشيم عن أبي بشر قال: قال زياد : أخبرنا أبو بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، قال: (اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً. فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع -يعني: الشبور، وقال زياد : شبور اليهود- فلم يعجبه ذلك وقال: هو من أمر اليهود. قال: فذكر له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى. فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له: يا رسول الله! إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً، قال: ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال ! قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله. قال: فأذن بلال رضي الله عنه، قال أبو بشر : فأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضاً لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً) ]. أورد أبو داود رحمه الله [باب: بدء الأذان] أي: حصول بدء الأذان، وكيف بدأ الأذان. والأذان في اللغة: الإعلام. وفي الشرع: الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة. والألفاظ المخصوصة هي: الله أكبر الله أكبر.. إلى آخره، فهذا هو المعنى اللغوي والمعنى الشرعي، والمعنى الشرعي هو جزء من جزئيات المعنى اللغوي، وغالباً ما تأتي المعاني الشرعية بصورة أجزاء من المعاني اللغوية، حيث إن المعنى اللغوي عام والمعنى الشرعي خاص، أي أنه جزء منه. مثل ذلك: الحج، فالحج لغة: القصد، وشرعاً: القصد إلى بيت الله الحرام لفعل أعمال مخصوصة. والعمرة لغة: الزيارة -أيّ زيارة-، وفي الشرع: زيارة البيت الحرام للطواف به والسعي بين الصفا والمروة. فالعمرة في الشرع: زيارة مخصوصة وليست كأي زيارة. وكذلك الصيام، فهو في اللغة: الإمساك، أي إمساك عن أي شيء كالكلام والأكل وغيرهما، فهذا يقال له في اللغة: إمساك. وفي الشرع: إمساك مخصوص عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. إذاً المعاني اللغوية أوسع في الغالب، والمعاني الشرعية تكون جزءاً من جزئيات المعنى اللغوي، وقد يأتي المعنى الشرعي أعم من المعنى اللغوي، مثل: الصلاة، فهي في الشرع أعم منها في اللغة؛ لأن الصلاة لغة: الدعاء، وأما في الشرع فهي أقوال وأفعال مخصوصة مبتدأة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، فـ(تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالأذان في اللغة: الإعلام وهو معنىً عام، وفي الشرع هو: الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة. وكيف بدأ الأذان؟ إن الأذان أول ما بدأ كان عندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ومكة لم يكن فيها أذان، بل كان هناك سرية بسبب الإيذاء، حيث كانوا إذا جهروا بالصلاة آذاهم المشركون، ولهذا جاء في القرآن: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [الإسراء:110]، فكانوا يؤذونهم إذا رفعوا أصواتهم بالقراءة، وبعدما جاءوا المدينة بدأ الأذان. وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر إعلام الناس بدخول الوقت، فتكلم مع أصحابه في ذلك، فبعضهم أشار بأن تنصب راية إذا دخل الوقت فإذا رآها الناس يخبر بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك، ومن المعلوم أن وضع الراية وإن كان يمكن أن يستفاد منه في النهار فلا يستفاد منه بالليل؛ لأن الراية لا تُرى في الليل، فذكر له ما كان يفعله اليهود فلم يعجبه، ثم ذكر له ما عند النصارى فلم يعجبه، وكان عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه قد اهتم كما اهتم الناس باهتمام النبي صلى الله عليه وسلم، فنام وجاءه في منامه آت وألقى عليه الأذان كما سيأتي مبيناً في الأحاديث القادمة أنه أخبره وقال: ألا أدلك على شيء. فألقاه عليه بهذه الألفاظ التي هي خمس عشرة جملة، والتي سيأتي بيانها في حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه في باب: (كيف الأذان) والذي فيه ذكر ألفاظه، وترتيبه، وبيان الرؤيا التي رآها، وكيف رآها. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها رؤيا حق إن شاء الله)، وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتبرها وجاءه الوحي في ذلك، فأمر عبد الله بن زيد بن عبد ربه أن يلقي ذلك على بلال ؛ لأنه أندى منه صوتاً، وليس لكون عبد الله بن زيد مريضاً كما جاء في آخر الحديث، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (القه على بلال ؛ لأنه أندى منك صوتاً)، فأذن بلال وجاء عمر وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى نفس الرؤيا، فتواطأت رؤياهما، فقال له: [(لماذا لم تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت)]. وقوله: [ قال: فذكر له القنع يعني: الشبور ]. القنع والشبور هو البوق، وهو من فعل اليهود. ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بلالاً بأن يأخذ ألفاظ الأذان من عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري رضي الله عنه فأذن في الناس. قوله: [ قال أبو بشر -وهو الراوي عن أبي عمير بن أنس بن مالك - : فأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذٍ مريضاً لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً ] ليس بصحيح، لكن الأمر كما في الرواية التي ستأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن بلالاً أندى منك صوتاً فألق الأذان عليه)، فأذن بلال رضي الله عنه بتلك الألفاظ التي أريها عبد الله بن زيد بن عبد ربه في المنام.

    تراجم رجال إسناد حديث: (اهتم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يجمع الناس للصلاة)

    قوله: [ حدثنا عباد بن موسى ]. عباد بن موسى الختلي ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ وزياد بن أيوب ]. زياد بن أيوب ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ وحديث عباد أتم ]. عباد هو الشيخ الأول، وقد ساق أبو داود الحديث على روايتي عباد و زياد . [ قالا: حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. أبو بشر هو جعفر بن أبي وحشية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال زياد : أخبرنا أبو بشر ]. هذا يعني أن عباداً جاء عنده الإسناد في رواية هشيم عن أبي بشر بالعنعنة فقال: عن أبي بشر وأما في رواية زياد فقال: أخبرنا أبو بشر . وذلك أن هشيماً مدلس، والأول روى بالعنعنة، والثاني صرح بالتحديث، فالتدليس هنا ليس فيه محذور ما دام أنه وجد التصريح بالتحديث أو بالإخبار في إحدى الطريقين، فهذا هو السبب الذي جعل أبا داود رحمه الله يبين اختلافهم في صيغة الأداء، وفيها فائدة، وهي أن التدليس لا يؤثر ما دام أنه قد وجد التصريح بالسماع. [ عن أبي عمير بن أنس ]. هو أبو عمير بن أنس بن مالك ، وقيل: اسمه: عبد الله وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عمومة له من الأنصار ]. لا أعرف من هم، ولكن ذلك لا يؤثر؛ لأنه غالباً يكون المقصود أنهم صحابة، وقوله: [عن عمومة له ..] المقصود به ابن أنس بن مالك، فهم صحابة وهو تابعي ابن صحابي. وكأنه يعني بالعمومة شخصاً واحداً من أعمامه.

    الأسئلة


    راوي حديث: (إذا عرف يمينه من شماله)

    السؤال: جاء في الحديث: كان رجل منا يذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك فقال: (إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة)، فمن هو راوي هذا الحديث، أو من هو هذا الرجل؟

    الجواب: هذا الرجل مجهول."

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •