تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 5 من 7 الأولىالأولى 1234567 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 100 من 121

الموضوع: معاني وغريب القرآن " موضوع متجدد "

  1. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿أَم لَكُم أَيمانٌ عَلَينا بالِغَةٌ إِلى يَومِ القِيامَةِ إِنَّ لَكُم لَما تَحكُمونَ﴾ [القلم: 39].

    *قوله {أَم}:* شروع في حجة ودليل آخر؛ وذلك لما زعم المشركون أن لهم ما للمسلمين فاحتج الله عليهم بقوله ﴿أَفَنَجعَلُ المُسلِمينَ كَالمُجرِمينَ۝م ا لَكُم كَيفَ تَحكُمونَ﴾: أي أننا لم نفعل ولن نفعل ذلك، لن نجعل المسلمين كالمشركين، ولأن ما أوحي إليكم ناطق بغير بذلك، فما لكم كيف تقضون هذا القضاء الجائر؟!.

    ثم احتج عليهم بقوله (أَم لَكُم كِتابٌ فيهِ تَدرُسونَ۝إِنَّ لَكُم فيهِ لَما تَخَيَّرونَ﴾: أي هل لكم فيما تزعمون كتاب أنزل إليكم غير القرآن تقرؤون فيه أن للمجرمين ما للمسلمين؟، وأن فيه ما تتخيرون وتشتهون لأنفسكم من الكرامة؟.

    ثم احجتج عليهم بسؤال أخر (أَم لَكُم أَيمانٌ عَلَينا بالِغَةٌ إِلى يَومِ القِيامَةِ إِنَّ لَكُم لَما تَحكُمون)، وسيأتي تأويله في ثنايا هذا التفسير.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {أَم}: للانتقال إلى دليل آخر وهو نفي أن يكون مستند زعمهم عهداً أخذوه على الله لأنفسهم أن يعاملهم يوم القيامة بما يحكمون به لأنفسهم ، فالاستفهام اللازم تقديره بعد {أم} إنكاري.

    *قوله {لَكُم}:* في الكتاب المشار إليه في قوله (أَم لَكُم كِتابٌ فيهِ تَدرُسون).

    قال الطبري في تفسيره: {أَم لَكُم}: فيه.

    *قوله {أَيمانٌ}:* عهود ومواثيق مؤكدة بالأيمان، أي بالأقسام، والحلف. يريد: أي: هل حلفنا لكم في هذا الكتاب؟!.
    و "أيمان" جمع يمين، وهي القسم والحلف.

    قال أبو حيان في البحر المحيط: أم لكم أيمان: أي أقسام علينا.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {أيمان} أي أقسمناها لكم لإِثبات حقكم علينا.

    *فائدة:*

    قال الزمخشري في المخصص: واليمين من الحلف مؤنثة يقال حلفت على يمين فاجرة ويقال في جمعها أيمان.

    قال الرازي في مختار الصحاح: واليمين القسم، والجمع (أيمن) و (أيمان) قيل: إنما سميت بذلك لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم يمينه على يمين صاحبه.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {أم لكم أيمان} عهود ومواثيق.
    قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، وسراج الدين النعماني في اللباب، والخطيب الشربيني في السراج المنير، .

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: أم لكم أيمان علينا يعني ألكم عهود علينا.

    قال النسفي في مدارك التنزيل، والإيجي الشافعي في جامع البيان: (أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا): عهود مؤكدة بالأيمان.

    *قوله {عَلَينا}:* قد حملتمونا إياها.
    قاله الخطيب الشربيني في السراج المنير.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وقوله : {علينا} صفة ثانية ل {أيمان} أي أقسمناها لكم لإِثبات حقكم علينا .

    *قوله {بالِغَةٌ}:* وثيقة، مؤكدة متناهية في التوكيد عاهدناكم بها؟!.

    يريد: هل حلفنا لكم أيها المشركون على أن لكم ما للمؤمنين، فلكم علينا بذلك عهود ومواثيق ثابتة يجب علينا الوفاء بها؟!؛ فإننا لم نفعل ذلك، فمن أين لكم ما تزعمون؟!، (وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُون).

    وفيه دليل على أهمية اليمين وكيف هي ملزمة، فكأن الله يقول: هل وجدتم في هذا الكتاب أني حلفت لكم؟، لأننا إن أقسمنا لكم أن ندخلكم الجنة لوجب الوفاء علينا، ولكننا لم نفعل.

    قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: يقال: لفلان علي يمين بكذا إذا ضمنته منه وخلقت له على الوقاء به يعني أم ضمنا منكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: أيمان علينا بالغة أي: ألكم عهود على الله تعالى حلف لكم على ما تدعون بأيمان بالغة، أي: مؤكدة.

    قال الشوكاني في فتح القدير: أم لكم أيمان علينا بالغة أي: عهود مؤكدة موثقة متناهية، والمعنى: أم لكم أيمان على الله استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة.

    قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ قوله:} أيمان علينا بالغة {[القلم: 39] أي منتهية في التوكيد.

    قال أبو حيان في البحر المحيط: بالغة: أي متناهية في التوكيد. يقال: لفلان علي يمين إذا حلفت له على الوفاء بما حلفت عليه.

    قال الماوردي في النكت والعيون: والبالغة المؤكدة بالله.

    قال القرطبي في تفسيره: (علينا بالغة) مؤكدة. والبالغة المؤكدة بالله تعالى. أي أم لكم عهود على الله تعالى استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة.

    قال الزجاج في معانيا لقران واعرابه: {أم لكم أيمان علينا بالغة} معناه مؤكدة.

    قال السمعاني في تفسيره: وقوله تعالى: {أم لكم أيمان علينا بالغة} أي: مؤكدة، ومعنى البالغة في كلام العرب في مثل هذه المواضع: هو بلوغ النهاية، يقال: هذا شيء جيد بالغ، أي: بلغ النهاية في الجودة.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: أم لكم أيمان علينا بالغة؟ يعني: ألكم عهد عندنا وثيق؟ إلى يوم القيامة. يعني: في يوم القيامة.

    قال الواحدي في الوسيط: {أم لكم أيمان علينا بالغة}: يقول: ألكم عهود على الله بالغة؟

    قال البغوي في تفسيره: ( علينا بالغة ) مؤكدة عاهدناكم عليها فاستوثقتم بها منا فلا ينقطع عهدكم.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و {بالغة}مؤكَّدة . وأصل البالغة: الواصلة إلى ما يُطلب بها ، وذلك استعارة لمعنى مغلظة ، شبهت بالشيء البالغ إلى نهاية سيره وذلك كقوله تعالى: {قل فللَّه الحجة البالغة} [ الأنعام : 149 ] .

    *قوله {إِلى يَومِ القِيامَة}:* مخاطبة للكفار، كأنه يقول: هل أقسمنا لكم قسما فهو عهد لكم بأنا ننعمكم في يوم القيامة وما بعده؟.
    قاله ابن عطية في المحرر الوجيز.

    قال أبو حيان في البحر المحيط: ويوم القيامة متعلق بما تعلق به الخبر وهو لكم، أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة، أو ببالغة: أي تبلغ إلى ذلك اليوم وتنتهي إليه.

    قال الطبري في تفسيره: (أَم لَكُم أَيمانٌ عَلَينا بالِغَةٌ إِلى يَومِ القِيامَة) هل لكم أيمان علينا تنتهي بكم إلى يوم القيامة، بأن لكم ما تحكمون أي بأن لكم حكمكم.

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: إلى يوم القيامة يقول «حلفنا» لكم على يمين فهي لكم علينا بالغة لا تنقطع إلى يوم القيامة.

    قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)، متعلق إما بـ بالغة، أو بمتعلق لكم.

    *قوله {إِنَّ}:* معناه بأن.

    *قوله {لَكُم}:* في ذلك العهد.
    قاله البغوي في تفسيره.

    *قوله {لَما}:* بمعنى "ما" واللام زائدة.

    *قوله {تَحكُمونَ}:* تقضون. وقد سبق أن الحكم معناه: القضاء، وذكر نظائرها في كتاب الله عز وجل.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (إن لكم لما تحكمون) يعني: ما تقضون لأنفسكم في الآخرة؟.

    قال القاسمي في محاسن التأويل: {إن لكم لما تحكمون} أي تقضون من أمانيكم ومزاعمكم.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وقوله: (إن لكم) هو جواب القسم الذي يقتضيه الأيمان، ولذلك أكده بإن واللام وما تحكمون هو اسم إن دخلت عليه اللام المؤكدة.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} به لأنفسكم وهو جواب القسم لأن معنى أَمْ لَكُمْ أيمان علينا أم أقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد.

    قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ)، جواب القسم، فإن حاصله أم أقسمنا لكم.

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني ما تقضون لأنفسكم في الآخرة من الخير سلهم يا محمد.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: إن لكم لما تحكمون يعني: ما تقضون لأنفسكم في الآخرة؟.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون} أي: ما تحكمون، يقول: أم حلفا لكم بأن لكم ما تحكمون به. أي: لم نفعل.

    قال ابن كثير في تفسيره: {إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون} أي: أمعكم عهود منا ومواثيق مؤكدة، {إن لكم لما تحكمون} أي: إنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون.

    المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
    أم لكم علينا عهود مؤكدة بالأيمان مقتضاها أن لكم ما تحكمون به لأنفسكم؟!.
    .....................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  2. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} القلم: (40).

    *قوله {سَلْهُمْ}:* سؤال تبكيت، وتوبيخ، وتقريع.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {سَلْهُمْ} أي المشركين.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي يا محمد اسأل قريشا.

    قال أبو العباس ابن عجيبة في البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: {سَلْهُمْ} أي: المشركين، وهو تلوين للخطاب، وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاطهم عن رتبة الخطاب، أي: سَلْهم مبكتاً لهم.

    *قوله {أَيُّهُمْ}:* اسم استفهام مبتدأ مرفوع*...*و (هم) مضاف إليه.
    قاله الصافي في الجدول في إعراب القرآن.

    *قوله {بِذَلِكَ}:* الحكم الذي زعموه. وقد سبق أن الحكم معناه: القضاء.

    قال النسفي في مدارك التنزيل {أَيُّهُم بذلك} الحكم.

    قال الجلال المحلي في الجلالين: {سلهم أيهم بذلك} الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل من المؤمنين.

    *قوله {زَعِيمٌ}:* كفيل. قال المخزومي: قلت كفي لك رهن بالرضا ... وازعمي يا هند قالت قد وجب. أي: اكفلي.
    قاله بيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن.

    قال الفارابي في معجم ديوان الأدب: والزعيم: الكفيل، وفي الحديث: "الزعيم غارم". وزعيم القوم: سيدهم.

    قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: وزعمت به أزعم زعما وزعامة، أي كفلت. والزعيم: الكفيل: وفي الحديث: " الزعيم غارم ". والزعامة: السيادة. وزعيم القوم: سيدهم.

    قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر: الزعيم: الكفيل، والغارم: الذي يلتزم ما ضمنه وتكفل به ويؤديه.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {زَعِيمٌ}: كفيل.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم جمع.

    إلا أن الطبري قال: (زَعِيمٌ) يعني: كفيل به، والزعيم عند العرب: الضامن والمتكلم عن القوم.

    وقال النسفي: {زَعِيمٌ}: كفيل بأنه يكون ذلك.

    زاد ابن قتيبة: يقال: زَعَمْتُ به أزعُم زَعْمًا وزَعَامَةً؛ إذا كَفَلْت.

    قال أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {زعيم}: ضمين.

    قلت (عبدالرحيم): فيه مسائل:

    *المسألة الأولى:*

    قوله تعالى (زعيم): أي ضامن، وكفيل. ومنه الحديث الذي فيه: «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا...» (1)، زعيم أي ضامن.

    قال الخطابي في معالم السنن: الزعيم*الضامن*وا لكفيل والزعامة الكفالة ومنه قول الله سبحانه {وأنا به زعيم} [يوسف: ٧٢].

    قال في الغريبين في القرآن والحديث: زعيم: أي كفيل وضامن.

    قال في النظم المستعذب في شرح ألفاظ المهذب: أى كفيل وضمين، والزعامة: الكفالة.

    *المسألة الثانية:*

    قوله تعالى {زَعِيمٌ}: أي ضمين، وحميل، وكفيل، وكله من معاني الزعامة وهي: الكفالة، والضمان. لذا ستجد من أهل العلم من يجمع في تفسيرها بأكثر من معنى.

    قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: «زعيم»: أي ضمين وكفيل.

    قال الخطابي في غريب الحديث: الزعيم بمعنى الضمين والكفيل.

    *المسألة الثالثة:*

    قوله تعالى {زَعِيمٌ}: ضمين بمعنى ضامن. فهو فعيل بمعنى: فاعل، مثل: قدير يعني: قادر. وعليم يعني: عالم. ونصير يعني: ناصر. وشهيد: بمعنى شاهد.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: والنصير: فعيل بمعنى فاعل.

    قال أبو حيان في البحر المحيط: الشهيد فعيل بمعنى فاعل.

    قال البسيلي في التقيبد الكبير: ورحيم: فعيل بمعنى فاعل.

    قلت: ونظير ذلك في التنزيل كثير، من ذلك قوله تعالى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ): كَظِيمٌ: أي كاظم، أي يكتم حزنه الشديد.

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: وهو في موضع كاظم خرج مخرج عليم وعالم.

    قال محمد ثناء الله في التفسير المظهري: "فالكظيم محتبس النفس يعني الساكت، فهو فعيل بمعنى فاعل، والمعنى: كاظم غيظه وحزنه... ".

    ومنه {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي محبسا. من حصرت الشيء: إذا حبسته.فعيل*بمعنى *فاعل.

    ومنه (الله ولي الذين آمنوا): الولي فعيل بمعنى فاعل.
    قاله القرطبي في تفسيره.

    *المسألة الرابعة:*

    أن معنى قوله تعالى: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ}: يعني سل هؤلاء المشركين الذين يقضون لأنفسهم بأن لهم ما للمسلمين من الكرامة والنعيم يوم القيامة من يضمن لهم ذلك القضاء الجائر؟.
    هل الله يضمن لهم ذلك؟ - كلا -* (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ).

    أم المسلمون؟ - كلا - (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ).

    فلم يبق إذا إلا أهل الإشراك فهل يضمن بعضهم لبعض ذلك؟ - كلا - بل يكفر ويلعن بعضهم بعضا (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ).

    فلم يبق بعد إلا الأصنام التي كفروا من أجلها (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ)، لذا قال الله بعدها - من سورة القلم - (أَم لَهُم شُرَكاءُ فَليَأتوا بِشُرَكائِهِم إِن كانوا صادِقينَ). وسيأتي تأويله - إن شاء الله -.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ثم أمر تعالى نبيه محمدا على وجه إقامة الحجة، أن يسألهم عن الزعيم لهم بذلك من هو؟ والزعيم: الضامن للأمر والقائم به.

    قال الفراء في معاني القرآن: قوله: «سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ» يريد: سلهم ثُمَّ انظر أيهم يكفل بذلك.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {سلهم أيهم بذلك زعيم}: حميل يحمل عنا لهم بأن لهم ما يحكمون يوم القيامة لأنفسهم؛ هذا لقول أحدهم: {ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} للجنة إن كانت جنة.

    قال الواحدي في الوسيط، والبغوي في تفسيره: أيهم كفيل لهم، بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين؟.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: والمعنى: أيهم كفل بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير.

    قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (سلهم أيهم بذلك زعيم) أي سل يا محمد هؤلاء المتقولين علي: أيهم كفيل بما تقدم ذكره. وهو أن لهم من الخير ما للمسلمين.

    قال الزمخشري في الكشاف: أيهم بذلك الحكم زعيم أى قائم به وبالاحتجاج لصحته، كما يقوم الزعيم المتكلم عن القوم المتكفل بأمورهم.

    قال الشوكاني في فتح القدير: سلهم أيهم بذلك زعيم أي: سل يا محمد الكفار، موبخا لهم ومقرعا، أيهم بذلك الحكم الخارج عن الصواب، كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين فيها.

    قال السعدي في تفسيره: وقوله: {سلهم أيهم بذلك زعيم} أي: أيهم الكفيل بهذه الدعوى الفاسدة، فإنه لا يمكن التصدر بها، ولا الزعامة فيها.
    .....................
    (1): شطر من حديث رواه أبو داود (4800)، وأبو بشر الدولابي في الكنى والأسماء (1643)، والطبراني في الأوسط (4693)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم: 1464، وأوره في الصحيحة برقم: 273.
    ...................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  3. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿أَم لَهُم شُرَكاءُ فَليَأتوا بِشُرَكائِهِم إِن كانوا صادِقينَ﴾ [القلم: 41].

    *قوله {أَم لَهُم}:* أي ألهم فيما يدّعون، ويزعمون أن لهم ما للمسلمين يوم القيامة.

    قال القرطبي في تفسيره: (أم*لهم*شركاء) أي ألهم والميم صلة.

    *قوله {شُرَكاءُ}:* آلهة تكفل لهم بما يقولون.
    قاله الواحدي في الوجيز.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله عز وجل: (أم لهم شركاء) يعني: الأصنام التي جعلوها شركاء لله تعالى.

    *قوله {فَليَأتوا}:* يعني المشركين.

    *قوله {بِشُرَكائِهِم}:* أي بأصنامهم.

    والمعنى: فليأتيوا بأصنامهم يوم القيامة، لتضمن وتكفل لهم ما يزعمون.

    وهذا تعجيز المراد منه التوبيخ، وأنى لهم أن يأتوا بهذه الآلهة يوم القيامة، وهي لم تنفعهم بنافعة في الدنيا، فكيف بعدما فنيت وأبيدت؟.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: (أم لهم شركاء فليأتوا*بشركائه )*هذا تعجيز للكفار، ومعناه: إن كان لكم شركاء يقدرون على شيء فأتوا بهم.

    قال الواحدي في الوجيز: {فليأتوا*بشركائه م} لتكفل لهم.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي*فليأتوا*بشركا ئهم*يوم القيامة.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقرأ ابن أبي عبلة وابن مسعود: «أم لهم شركاء*
    فليأتوابشركهم» بكسر الشين دون ألف، والمراد بذلك على القراءتين الأصنام.

    *قوله {إِن كانوا صادِقينَ}:* في دعواهم بأن لهم ما للمسلمين في الآخرة.

    قال الشوكاني في فتح القدير: {إِن كانوا صادِقينَ} فيما يقولون، وهو أمر تعجيز.

    قال الزمخشري في الكشاف: (إن كانوا صادقين) في دعواهم.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: (فليأتوا*بشركائه م*إن كانوا صادقين) يعني: يشهدون أن لهم في الآخرة ما للمسلمين، فهذا كله لفظ الاستفهام، والمراد به الزجر واليأس، يعني: ليس لهم ذلك.

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: فليأتوا بشركائهم يعني بشهدائهم فيشهدوا لهم بالذي يقولون إن كانوا صادقين بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير.

    قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: ألهؤلاء القوم شركاء فيما يقولون ويصفون من الأمور التي يزعمون أنها لهم، فليأتوابشركائهم في ذلك إن كانوا فيما يدعون من الشركاء صادقين.

    المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

    ﴿أَم لَهُم شُرَكاءُ فَليَأتوا بِشُرَكائِهِم إِن كانوا صادِقينَ﴾ [القلم: 41]
    أم لهم شركاء من دون الله يساوونهم في الجزاء مع المؤمنين؟! فليأتوا بشركائهم هؤلاء إن كانوا صادقين فيما يدّعونه من أنهم ساووهم مع المؤمنين في الجزاء.
    .....................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  4. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى

    ﴿فَأَقبَلَتِ امرَأَتُهُ في صَرَّةٍ فَصَكَّت وَجهَها وَقالَت عَجوزٌ عَقيمٌ﴾ [الذاريات: 29].

    *قوله {فَأَقبَلَتِ}:* أخذت، وشرعت. وليس معناه إقبال من مكان إلى مكان.

    قال الفراء في معاني القرآن: ولم تقبل من موضع إلى موضع إنما هو، كقولك: أقبل يشتمني، أخذ*فيشتمي.

    *قوله {امرَأَتُهُ}:* يعني امرأة إبراهيم - عليه السلام -، وهي سارة.

    *قوله {صَرَّة}ٍ:* أي في صيحة.
    قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، ومكي في تفسير المشكل، والبغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط.

    إلا أن غلام ثعلب قال: {في*صرة} أي:*في صرخة وصيحة، وفي*صرة.

    وزاد القرطبي: وضجة.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وهو من*صر*القلم وغيره إذاصوت.

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: «في*صرة» شدة صوت، يقال: أقبل فلان يصطر أي يصوت صوتا شديدا.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ): فِيهَا صِرٌّ: أي فيها صوت شديد جراء لهيب النار.

    قال الشوكاني في فتح القدير: والصر: البرد الشديد، أصله: من الصرير الذي هو: الصوت، فهو*صوت*الريح الشديد.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وجعل*فيها*صر*أي*ص وت، وهذا يخرج في اللغة.
    وإنما جعل*فيها*صوتا لأنه جعل*فيها*نارا كأنها نار أحرقت الزرع - فالصر على هذا القول*صوت*لهيب النار، وهذا كله غير ممتنع.

    ومنه {إنا أرسلنا عليهم ريحا*صرصرا}: يقول تعالى ذكره: إنا بعثنا على عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحاصرصرا، وهي الشديدة العصوف في برد، التي لصوتها*صرير، وهي مأخوذة من شدةصوت*هبوبها إذا سمع*فيها.
    قاله الطبري في تفسيره.

    *قوله {فَصَكَّت وَجهَها}:* أي ضربت جبهتها بأصابعها.
    قاله مكي في تفسير المشكل.

    قال الفراء في معاني القرآن: أي جمعت أصابعها، فضربت جبهتها.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {فصكت وجهها} أي ضربت بجميع أصابعها جبهتها.

    قال*غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: {فصكت وجهها} أي: فضربت وجهها تعجبا.

    *قوله {وَقالَت}:* أتلد.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

    *قوله {عَجوزٌ عَقيمٌ}:* أي أألد وأنا عجوز عقيم لا ألد. ونظيرتها قوله تعالى (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ).

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: {عَجوزٌ عَقيمٌ} مختصر أي أنا عجوز عقيم.

    المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

    فلما سمعت امرأته البشارة أقبلت تصيح من الفرح، فلطمت وجهها، وقالت متعجبة: أتلد عجوز، وهي في الأصل عقيم!.
    .................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  5. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُه ُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} القلم: (44).

    *قوله {فَذَرْنِي}:* فاتركني، ودعني، وخلني. يقال: خذ أو ذر. يعني: خذ أو دع، واترك، وخله.

    ومنه ما رواه البخاري في صحيحه (5076)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ».

    فقوله (فَاخْتَصِ): من الاختصاء (1)، وقوله (أو ذر): يعني أو اترك. وفي رواية: "أو دَعْ". يعني: سواء اختصيت أم تركت فقدر الله نافذ فيك لا محالة.

    قال الكَرمانيّ الحنفي المشهور بـابن المَلَك في: شرح مصابيح السنة للإمام البغوي: "أو ذر"؛ أي: اترك الاختصاء.

    قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: وتقول: ذَرْهُ، أي دعه.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {فذرني}: فاتركني، ودعني، وخلني وهذا، وكِلْ أمره إليّ؛ فلا تنشغل به فأنا أكفيك أمره، وإليّ مرجعه أجازيه؛ فلدينا ما لا يقادر قدره، (إِنَّ لَدَينا أَنكالًا وَجَحيمًا۝وَطَع امًا ذا غُصَّةٍ وَعَذابًا أَليمًا﴾.

    قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (فذرني) أي دعني.

    قال أبو حيان في البحر: فذرني ومن يكذب بهذا الحديث، المعنى: خل بيني وبينه، فإني سأجازيه وليس ثم مانع.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ} وعيد ولم يكن ثم مانع، ولكنه كما تقول: دعني مع فلان، أي سأعاقبه.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: دع هؤلاء الذين لا يؤمنون بالقرآن.

    قال الواحدي في الوسيط: يقول: خل بيني وبين من يكذب بهذا القرآن.

    قال السمعاني في تفسيره: أي: خلني وإياه وكله إلي لأجازيه بعمله.

    قال البغوي في تفسيره: أي فدعني والمكذبين بالقرآن، وخل بيني وبينهم.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: والمعنى: خل بيني وبينه.

    قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كِلْ يا محمد أمر هؤلاء المكذبين بالقرآن إلي.

    قال التستري في تفسيره: قوله تعالى: (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) قال: يعني كله إلي، فإني أكفيك أمره، ولا تشغل به قلبك.

    قال الزمخشري في الكشاف: كأنه يقول: حسبك إيقاعا به أن تكل أمره إلى وتخلى بيني وبينه، فإني عامل بما يجب أن يفعل به مطيق له، والمراد: حسبي مجازيا لمن يكذب بالقرآن، فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل على في الانتقام منه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتهديدا للمكذبين.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {فذرني}: أي فاتركني، ودعني، وخلني. ومنه قوله تعالى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا): يعني اترك هذا الذي خلقته وحيدا، وفوض أمره إلي، وهو الوليد بن المغيرة؛ خلقه الله وحيدا بغير مال ولا ولد.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    ومنه (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ): أي لا تترك لهم عظما ولا لحما ولا دما إلا أحرقته. وكرر اللفظ تأكيدا.
    قاله القرطبي في تفسيره.

    قال الكفوي في الكليات: أي لا تبقي على شيء يلقى فيها، ولا تدعه حتى تهلكه.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي لا تدع غاية من العذاب إلا أذاقته إياها.

    ومنه (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ): يعني أتعبدون هذا الصن، وتتركون وتدعون عبادة الله؟!.

    قال الجلال المحلي في الجلالين: (وَتَذَرُونَ): تتركون.

    قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (وتذرون*أحسن*الخ لقين):تتركون*عبا دته.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: وتذرون*أحسن الخالقين*الذي خلقكم يعني:*تتركون*عبا ة الله.*

    ومنه {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ}: يقول: وتدعون الذي خلق لكم ربكم من أزواجكم من فروجهن، فأحله لكم.
    قاله الطبري في تفسيره.

    ومنه (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ): {فذرهم} اتركهم.
    قاله الجلال المحلي في الجلالين.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: فدع المكذبين.

    ومنه (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا أي يتركونه فلا يؤمنون به ولا يعملون له.
    قاله البغوي في تفسيره.

    قال الطبري في تفسيره: يقول: ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة، وما لهم فيه النجاة من عذاب الله يومئذ.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: يتركون العمل لما هو أمامهم يوما ثقيلا يعني: ليوم.

    ومنه (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ): يعني: خلوا عني، حتى أقتل موسى.
    قاله السمرقندي في البحر.

    قال ابن كثير في تفسيره: أي: قال لقومه: دعوني حتى أقتل لكم هذا.

    قال الخطيب في أوضح التفاسير: {ذَرُونِي} دعوني واتركوني.

    ومنه (اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا): وَذَرُوا: ودعوا، واتركوا، وخلوا.

    قال الطبري في تفسيره: وذروا يعني ودعوا ما بقي من الربا، يقول: اتركوا طلب ما بقي لكم من فضل على رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل أن تربوا عليها إن كنتم مؤمنين.

    ومنه (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ): وَذَرُوا: أي ودعوا، واتركوا.

    قال التستري في تفسيره: يعني اتركوا المعاصي بالجوارح، ومحبتها بالقلب، وبالإصرار عليها.

    ومنه (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا):
    يعني: لا تدع على ظهر الارض من الكافرين ديارا، يعني: أحدا منهم.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    ومنه (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ): {وذروا} أي:اتركوا*{الذين* يلحدون} أي: يميلون عن الحق. قاله الخطيب الشربيني في السراج المنير.

    ومنه (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ): وَذَرُوا الْبَيْعَ:*اتركو ا*التبايع في الأسواق حالة النداء لتدركوا الخطبة والصلاة.
    قاله الجرجاني في درج الدرر.

    ومنه {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}: أي يتركهم.
    قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ، والسمرقندي في بحر العلوم، والبقاعي في نظم الدرر، وغيرهم.

    إلا أن البقاعي قال: أي يتركهم على حالة قبيحة.

    و زاد السمرقندي: في ضلالتهم يترددون.

    ومنه {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ}: يعني: دعنا وائذن لنا نتخلف ونقعد مع القاعدين الذين تخلفوا في المدينة عن القاعدين.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    قال الطبري في تفسيره: (وقالوا ذرنا) ، يقول: وقالوا لك: دعنا، نكن ممن يقعد في منزله مع ضعفاء الناس ومرضاهم، ومن لا يقدر على الخروج معك في السفر.

    ومنه (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ):*{ لا*تذرني*فردا} أي*لا*تتركني*فرد *لا*ولد لي يرثني في نبوتي وعلمي وحكمتي ويرث ذلك من آل يعقوب حتى*لا*تنقطع منهم النبوة والصلاح.
    قاله أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير.

    ومنه (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا):* لا*تذرن*آلهتكم: أي*لا*تتركواعباد تها.
    قاله البغوي في تفسيره.

    انتهى

    *فائدة:*

    قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: {فذرني} منسوخ بآية السيف وكذلك {فاصبر لحكم ربك}.

    *قوله {وَمَنْ}:* مفعول معه أو معطوف على ضمير المتكلم.
    قاله القرطبي في تفسيره.

    *قوله {يُكَذِّبُ}:* يجحد. والتكذيب: الجحود. ونحوه (وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ): قال ابن كثير في تفسيره: أي ما*يكذببها ويبخس حقها ويردها إلا الظالمون.

    *قوله {بِهَذَا الْحَدِيثِ}:* يعني القرآن.
    قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن كثير في تفسيره، وغيرهم.

    إلا أن النسفي قال: {بهذا الحديث} بالقرآن والمراد كل أمره إليَّ وخل بيني وبينه فإني عالم بما ينبغي أن يفعل به مطيق له فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل عليّ في الانتقام منه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد المكذبين.

    وزاد ابن كثير: وهذا تهديد شديد أي دعني وإياه مني ومنه أنا أعلم به منه كيف أستدرجه وأمده في غيه وأنظر ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر.

    قال ابن عطية في المحرر: و «الحديث» المشار إليه هو القرآن المخبر بهذه الغيوب.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيث): دليل أن كلام الله يسمى حديثا، قال تعالى {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}: أي ومن أصدق منه كلاما.

    وقد سمى الله القرآن الذي تكلم به حديثا في غير موضع من كتابه، من ذلك قوله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا): قال الطبري في تفسيره، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه: يعني به القرآن.*

    ومنه (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا): أي القرآن.
    قاله يحيى بن سلام في تفسيره، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والبغوي في تفسيره.

    إلا أن يحيى بن سلام يقول: يعني: القرآن. أي: فلا تفعل. وفيها تقديم.

    ويقول الزجاج : يعنى بالحديث*القرآن.

    ومنه (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ): يعني:*القرآن. قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.

    قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: بعد*القرآن*إذ كذبوا به،*فبأي*شيء يؤمنون*بعده*إيما نا ينتفعون به؟!

    قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {فبأي*حديث*بعده*ي ؤمنون} أي: بأي كتاب بعد*القرآن*يؤمنو ن*إن لم يؤمنوا بهذا الحديث*بعد ظهور براهينه وقيام الدلائل على أنه من عند الله؟ !

    ومنه (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ): أفبهذا*الحديث، يعني*القرآن*أنتم ، يا أهل مكة،*مدهنون.
    قاله البغوي في تفسيره.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والحديث*المشار إليه هوالقرآن*المتضم البعث.

    ومنه (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ) : أي القرآن.
    قاله نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، والواحدي في الوجيز.

    قال البغوي في تفسيره: أفمن*هذا*الحديث، يعني*القرآن،*تعج بونوتضحكون، يعني الاستهزاء، ولا تبكون، مما فيه من الوعد والوعيد.

    ومنه (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ): أي فليأتوا بحديث مثل القرآن.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والهاء في*مثله*عائدة على*القرآن.

    ومنه (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ): مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى: يعني:*القرآن،*حد ثا*يفترى، أي: يختلق.
    قاله البغوي في تفسيره.

    قال الحوفي في البرهان في علوم القرآن: والضمير كناية عن القرآن، أي:*ما*كان*هذا*ال رآن*حديثا*يفترى.

    انتهى

    *قوله {سَنَسْتَدْرِجُ ُمْ}:* سنأخذهم بالعذاب.
    قاله البغوي في تفسيره.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجملة سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، بيان لمضمون فذرني ومن يكذب بهذا الحديث باعتبار أن الاستدراج والإملاء يعقبهما الانتقام فكأنه قال: سنأخذهم.

    قال الشريف الجرجاني في كتاب التعريفات: الاستدراج: الدنوّ إلى عذاب الله بالإمهال قليلًا قليلًا.

    قال الزمخشري في الكشاف: استدرجه إلى كذا: إذا استنزله إليه درجة فدرجة، حتى يورطه فيه.

    قال القشيري في لطائف الاشارات: والاستدراج: أن يريد الشيء ويطوى عن صاحبه وجه القصد فيه، ويدرجه إليه شيئا بعد شيء، حتى يأخذه بغتة.

    قال السمعاني في تفسيره: الاستدراج في كلام العرب هو الأخذ قليلا قليلا، ومنه درج الصبي إذا مشى قليلا قليلا.

    قال ابن عطية في المحرر: والاستدراج هو: الحمل من رتبة إلى رتبة، حتى يصير المحمول إلى شر وإنما يستعمل الاستدراج في الشر، وهو مأخوذ من الدرج.

    قال الشوكاني في فتح القدير: والاستدراج: ترك المعاجلة، وأصله النقل من حال إلى حال، ويقال: استدرج فلان فلانا، أي: استخرج ما عنده قليلا قليلا، ويقال: درجه إلى كذا واستدرجه، بمعنى، أي أدناه إلى التدريج فتدرج هو. ثم ذكر سبحانه أنه يمهل الظالمين، فقال: وأملي لهم أي: أمهلهم ليزدادوا إثما.

    وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: استدرجَ يستدرج، استدراجًا، فهو مُستدرِج، والمفعول مُستدرَج
    • استدرج اللهُ العبدَ: أخذه قليلاً قليلاً ولم يباغته، أمهله ولم يعجّل عذابَه " {سَنَسْتَدْرِجُ ُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} ".
    • استدرج فلانًا إلى كذا: خَدَعه حتى أطاعه، حمله على أن يفعل ما يريد بالإغراء أو الحيلة.

    *قوله {مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}:* أنه استدراج؛ أي من حيث لا يشعرون، ومن حيث لا يتوقعون أنه استتدراج.

    وكان من ذلك أن الله استدرجهم للقتال يوم بدر، وذلك أن* العير قد نجت، وكان عليهم العودة من حيث أتوا ولكنهم لم يفعلوا فتلهم الله ببدر. وهذا شيء من استدراج الله - جل ذكره - لهم، ولا منتهى لمكره واستدراجه، ولا قبل لأحد به. (لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ).

    قال القرطبي في تفسيره: ثم قال (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) معناه سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون، فعذبوا يوم بدر.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} من الجهة التي لا يعشرون انه استدراج.

    قال الواحدي في الوجيز: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} أَيْ: نأخذهم قليلاً قليلاً ولا نباغتهم.

    قال ابن كثير في تفسيره: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون): أي وهم لا يشعرون بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال تعالى: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون.

    تنبيه:

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}: هذا الكلام وإن كان قد ورد في شأن المشركين، إلا أنه ينبغي لأهل الإيمان أن يحذروا عقاب الله واستدراجه؛ فكم ممن يؤمل الستر فما يلبث إلا أن يفضحه الله، وكم ممن يرجو العفو فما يلبث وينقلب إلى الدار الآخرة فينصب عليه العذاب؛ فلا يغتر العبد وإن كان محسناً فليس بيننا وبين الله نسب، ولا طاقة ولا قبل لأحد بمكره وانتقامه؛ فليكن العبد دائما بين الخوف والرجاء (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا).

    قال الزمخشري في الكشاف: وقيل: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه.

    قال ابن عطية في المحرر: وفي معنى الاستدراج قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».

    قلت (عبدالرحيم): وأصله في الصحيحين، حديث أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله لَيُمْلِي للظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
    ......................
    (1): قال الضَّريرُ الشِّيرازي في المفاتيح في شرح المصابيح: (فاختَصِ) بصاد مكسورة من غير راء بعدها، وهو أمر مخاطب؛ أي: مِن اختَصَى: إذا جعل نفسه خَصِيًّا، وهو أن يقطع خصيتَهَ وذكره أو خصيتهَ دون ذَكَرِه.

    وقال أيضا - الشِّيرازي -: قوله: "فاختَصِ على ذلك أو ذَرْ"، وفي رواية: "أو دَعْ".
    ......................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  6. افتراضي

    كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

    قوله تعالى
    ﴿وَأُملي لَهُم إِنَّ كَيدي مَتينٌ﴾ [القلم: 45].

    قوله {وَ}: عطف على قوله ( سَنَسْتَدْرِجُه ُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ).

    قوله {أُملي لَهُم} : أمهلهم.
    قاله الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن، والنسفي في مدارك التنزيل، والقشيري في لطائف الإشارات، والقرطبي في تفسيره، والكفوي في الكليات، وأبو العلاء الحنفي في مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني، والجلال المحلي في الجلالين.

    زاد القرطبي: وأطيل لهم المدة. والملاوة: المدة من الدهر. وأملى الله له أي أطال له.

    وزاد أبو العلاء: موسعا عليهم.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي أُطيلُ لهم وأُمهلُهم.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَأُملي لَهُم} عطف على سنستدرجهم وهو داخل في حكم السين أي أمهلهم.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَأُملي لَهُم}: أي أمهلهم، وأؤخرهم، وأمد، وأنسأ لهم، يعني: أطيل لهم، وأنظرهم؛ إمهالا لا إهمالا.

    قال الأزدي في جمهرة اللغة: وأمليت له أملي، إذا أنسأته وأخرته إملاء.

    قال الواحدي في البسيط: الإملاء في اللغة الإمهال وإطالة المدة، وهو نقيض الإعجال.

    قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: وأملى الله تعالى له: أي أمهله وطول له.

    قال ابن منظور في لسان العرب: وأملى للبعير في القيد: أرخى ووسع فيه. وأملى له في غيه: أطال.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وأملي: مضارع أملى، مقصورا بمعنى أمهل وأخر وهو مشتق من الملا مقصورا، وهو الحين والزمن، ومنه قيل لليل والنهار: الملوان، فيكون أملى بمعنى طول في الزمان، ومصدره إملاء.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ): يعني سول لهم الشيطان، وأملى لهم الله، أي أمهلهم، وأمدهم.

    قال السمعاني في تفسيره: أي أمهلهم بالمد لهم في العمر، وهو راجع إلى الله تعالى ومعناه: وأملى لهم الله تعالى.

    قال النحاس في معاني القرآن: وَأَمْلَى لَهُم: المعنى وأملى الله لهم أي مد الله لهم في آجالهم ملاوة.

    قال الطبري في تفسيره: وقوله (وَأَمْلَى لَهُمْ)يقول: ومدّ الله لهم في آجالهم مُلاوة من الدهر، ومعنى الكلام: الشيطان سوّل لهم، والله أملى لهم.

    ومنه (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا): معناه: إنما نؤخرهم.
    قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

    قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: إِنَّمَا نُمْلِي: أي نطيل لهم المدة وندر عليه الأرزاق استدراجا لهم، والإملاء: الإمداد، ومنه قيل للمدة الطويلة ملاوة من الدهر، وملي من الدهر. قال تعالى: {واهجرني مليا} [مريم:٤٦] أي دهرا طويلا.

    ومنه (وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ): فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ: أي أمهلتهم.
    قاله في المغرب في ترتيب المعرب، والواحدي في الوجيز.

    قال البغوي في تفسيره: يعني: أمهلتهم وأخرت عقوبتهم.

    قال الطبري في تفسيره: يقول: فأمهلت لأهل الكفر بالله من هذه الأمم، فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب.

    ومنه (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ): أي أنسأت في أجلها وأمهلتها، قال أبو بكر: اشتقاقه من الملوة وهي المدة من الزمان؛ ملوة وملاوة وملاوة.
    قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.

    ومنه - من سورة الأعراف -: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ): أي أؤخرهم.
    قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب.

    قال الطبري في تفسيره: وقوله: {وأملي لهم إن كيدي متين} [الأعراف: 183] يقول تعالى ذكره: وأنسئ في آجالهم ملاوة من الزمان، وذلك برهة من الدهر على كفرهم وتمردهم على الله لتتكامل حجج الله عليهم.

    وقال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القران: أطيل المدّة وأتركهم ملاوة من الدهر.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {وَأُملي لَهُم}: أي: أمهل لهم وأؤخرلهم.
    قاله السمعاني في تفسيره.

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يقول لا أعجل عليهم بالعذاب.

    قال الشوكاني في فتح القدير: أي: أمهلهم ليزدادوا إثما.

    قال بيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن (وأملي لهم) انظرهم في الملاوة وهي الدهر.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي: أطيل لهم وأمهلهم؛ حتى يبلغ الوقت الذي يعذبهم فيه.

    قال الواحدي في الوجيز: أُمهلهم كي يزدادوا تمادياً في الشِّرك.

    قال القرطبي في تفسيره: أي أمهلهم وأطيل لهم المدة . والملاوة : المدة من الدهر . وأملى الله له أي أطال له . والملوان : الليل والنهار . وقيل : " وأملي لهم " أي لا أعاجلهم بالموت ; والمعنى واحد .

    قوله {لَهُم}: يعني المكذبين بالقرآن. إشارة إلى قوله (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُه ُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ).

    قوله {إِنَّ كَيدي}: بهم.

    وصفة الكيد ثابتة لله تعالى على ما يليق به، ولا تذكر إلا مقابلة، فهي من الصفات التي لا تثبت لله مطلقا، ولا تنفى عنه مطلقا وإنما تذكر مقيدة، على جهة المقابلة؛ فيقال يكيد بالكافرين، كما في قوله (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ): يعني يستهزئ بالمنافقين، فلا يقال: إن الله يستهزئ، أو يمكر، أو يكيد مجردا، ولا يشتق منها أسماء لله - جل ذكره -، بل تساق فينا سيقت من أجله. كما في قوله تعالى ﴿إِنَّهُم يَكيدونَ كَيدًا۝وَأَكيدُ كَيدًا﴾ [الطارق: 15-16].
    ونحوه قوله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). - وتفصيله في كتب العقائد -.

    فهو - تعالى شأنه - يكيد بالكافرين ويأتيهم من حيث لا يحتسبوا. والكيد من الله حق ومحمود لتمام عدله، ومن الخلق غير ذلك، لظلمهم وحيفهم.

    قال البغوي في تفسيره: والكيد من الخلق: الحيلة، ومن الله: التدبير بالحق.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات: (كيد): الكيد: ضرب من الاحتيال، وقد يكون مذموما وممدوحا، وإن كان يستعمل في المذموم أكثر، وكذلك الاستدراج والمكر، ويكون بعض ذلك محمودا، قال: {كذلك كدنا ليوسف}، وقوله: {وأملي لهم إن كيدي متين}.

    قال القاسمي في محاسن التأويل: (والكيد) : السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه. يقال: كاده يكيده، إذا سعى في إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه. أفاده الرازي.

    قال الشوكاني في فتح القدير: والكيد مبدؤه السعي فيالحيلة والخديعة، ونهايته إلقاء المخدوع من حيث لا يشعر في أمر مكروه لا سبيل إلى دفعه.

    قال الألوسي في روح المعاني: وأصل الكيد الاحتيال في إيجاد ما يضر مع إظهار خلافه.

    قوله {مَتينٌ}: شديد، قوي محكم، ونافذ وواقع لا محالة لا يفوت طالبه؛ لا كما يكيد البشر؛ فقد يكيد شخص لآخر ولا يصله منه شيء، فكم ممن يكيد وهو المكاد.

    فقوله تعالى {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي شديد.
    قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره.

    زاد الواحدي: لا يطاق.

    زاد ابن قتيبة: و "الكيد": الحيلةُ والمكر.

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني إن أخذي شديد.

    وزاد ابن أبي زمنين: وكيده: أخذه إياهم بالعذاب.

    قال الطبري في تفسيره - من سورة الاعراف -: {إن كيدي متين} [الأعراف: 183] يقول: {إن كيدي} [الأعراف: 183] بأهل الكفر قوي شديد.

    المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

    ﴿وَأُملي لَهُم إِنَّ كَيدي مَتينٌ﴾ [القلم: 45].
    وأمهلُهم زمنًا ليتمادوا في إثمهم، إن كيدي بأهل الكفر والتكذيب قوي، فلا يفوتونني، ولا يسلمون من عقابي.
    .........................

    كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

  7. افتراضي

    *نكات الكتاب العزيز:* *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424* قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمسِكُ السَّماواتِ وَالأَرضَ أَن تَزولا وَلَئِن زالَتا إِن أَمسَكَهُما مِن أَحَدٍ مِن بَعدِهِ إِنَّهُ كانَ حَليمًا غَفورًا﴾ [فاطر: 41]. *قوله {أَن تَزولا}:* أي لئلا تزولا. يعني: كي لا تزولا من أماكنها، وتسقط من علوها. و"أن" نصبا على المفعولية. قال النحاس في إعراب القرآن: «أن» في موضع نصب بمعنى كراهة. قال مكي بن حموش في مشكل إعراب القرآن: "أن" مفعول من أجله أي لئلا تزولا، أو عن. قال الصافي في الجدول في إعراب القرآن: {أَن تَزولا}: في محل نصب مفعول لأجله، بحذف مضاف أي كراهة أن تزولا. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَن تَزولا}: لئلا تزولا. قاله يحيى بن سلام في التصاريف، وابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، والطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي في مشكل إعراب القرآن، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره. زاد الطبري: من أماكنها. وزاد السمرقندي، وابن أبي زمنين: عن أماكنها. وزاد الواحدي: وتتحركا. قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {أَن تَزولا}: معناه: لئلا تزولا، ولكي لا تزولا. تقول: أطع ربك أن يغضب عليك: أي أطعه لئلا يغضب. يعني: لكي لا يغضب عليك. والعرب تقول: أسند الحائط أن يميل: أي أسنده لكي لا يقع. (1) ونظير ذلك في كتاب الله كثير، من ذلك قوله تعالى - من سورة الكهف - {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً*أَن*يَ فْقَهُوهُ}: أَن*يَفْقَهُوهُ: أي لئلا يفقهوه. يعني: جعل الله على قلوبهم أغطية لكي لا يفهموا القرآن؛ عقوبة لهم بسبب كفرهم وإعراضهم. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَن*يَفْقَهُوهُ }: لئلا يفقهوه. قاله يحيى بن سلام في التصاريف، والطبري في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وسراج الدين النعماني في اللباب، وصديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن، وغيرهم. إلا أن الطبري قال: يقول تعالى ذكره: إنا جعلنا على قلوب هؤلاء*الذين يعرضون*عن*آيات*ا له*إذا*ذكروا بها أغطية لئلا يفقهوه. قال البغوي في تفسيره: (أن يفقهوه): أي يفهموه. يريد: لئلا يفهموه. قال مجير الدين العليمي في تفسيره: {أن*يفقهوه} أي:*لئلا*يفهموا القرآن. ونظيرتها - من سورة الأنعام - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا}: أَنْ يَفْقَهُوه: لئلا يفهموه. قاله الواحدي في الوجيز، وابن أبي زمنين في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وابن كثير في تفسيره. إلا أن ابن كثير قال: (أن*يفقهوه)*أي*لئ ايفهموا القرآن. ونظيرتها - من سورة الإسراء - {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}؛ قال الشوكاني في فتح القدير: و "أن يفقهوه"*مفعول لأجله، أي: كراهة*أن*يفقهوه، أو*لئلا*يفقهوه، أي: يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم والمعاني. ومنه {وَهذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعوهُ وَاتَّقوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ * أَن تَقولوا إِنَّما أُنزِلَ الكِتابُ عَلى طائِفَتَينِ مِن قَبلِنا وَإِن كُنّا عَن دِراسَتِهِم لَغافِلينَ}: {أَن تَقولوا}: أي لئلا تقولوا. يعني: لكي لا تقولوا إنما أنزل الكتاب على اليهود والنصارى من قبلنا ونحن عن قراءة كتبهم لغافلين لعدم معرفتنا بلغتهم يتخذون ذلك حجة على الله؛ فلذا أنزل الله القرآن عربيا بلغتهم، ولتقام الحجة عليهم. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَن تَقولوا}: لئلا تقولوا. قاله ابن زنجلة في حجة القراءات، والطبري في تفسيره، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو العلاء الكرماني الحنفي في مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، وبه قال الجصاص في أحكام القرآن، والسمعاني في تفسيره، وابن عطية في المحرر الوجيز. إلا أن ابن زنجلة قال: أي لئلا تقولوا يوم القيامة. وقال نجم الدين: أن تقولوا: لئلا تقولوا، أو كراهة أن تقولوا. ويقول الطبري: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا. وقال أن ابن قتيبة قال: أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين يريد هذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على اليهود والنصارى قبلنا. فحذف «لا». وإن كنا عن دراستهم أي قراءتهم الكتب وعلمهم بها (غافلين). (أو) لئلا تقولوا: لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم. قال السمرقندي في البحر: يعني: أنزلنا هذا القرآن لكي لا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا يعني: اليهود والنصارى. قال السمعاني في تفسيره: ومعنى الآية: أنا إنما أنزلنا عليكم القرآن؛ لئلا تقولوا: إن الكتاب أنزل على من قبلنا بلغتهم ولسانهم فلم نعرف ما فيه، وغفلنا عن دراسته؛ فتمهدون بذلك عذرا لأنفسكم، وحجة على الله. قال ابن عطية في المحرر: فكأنه قال: وهذا القرآن يا معشر العرب أنزل حجة عليكم لئلا تقولوا إنما أنزلت التوراة والإنجيل بغير لساننا على غيرنا، ونحن لم نعرف ذلك، فهذا كتاب بلسانكم ومع رجل منكم. قال الأزدي في جمهرة اللغة: وقوله تعالى: {أن تقولوا إنمآ أنزل الكتاب على طآئفتين}: معناه: ألا تقولوا. ومنه {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}: (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ): أَنْ تَمِيدَ بِكُم: أي لئلا تميد بكم. يعني: لكي لا تتحرك، وتميل، وتضطرب بكم الأرض. والميد: الحركة والإضراب، والميل، والدوران. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}: أي: لئلا تميد بكم. قاله الفراء في معاني القرآن، وابن فورك في تفسيره، وابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي بم حموش في الهداية إلى بلوغ النهاية، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، وابن عطية في المحرر الوجيز، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل. إلا أن ابن فورك قال: وإلقاء الرواسي في الأرض لئلا تميد بأهلها. إلا أن ابن أبي زمنين، والواحدي، وابن عطية قالوا: لئلا تميد. وزاد الفراء: و (أن)*في*هذا الموضع تكفي*من (لا) كما قال الشاعر: والمهر يأبى*أن*يزال ملهبا. معناه: يأبى*أن*لا يزال. قال يحيى بن سلام في تفسيره: {أن*تميد*بكم} [النحل: ١٥]*لئلا*تحرك*بكم. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: (أن*تميد*بكم) يقول*لئلا*تزول*ب م*الأرض. ومنه {وَاتَّبِعوا أَحسَنَ ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذابُ بَغتَةً وَأَنتُم لا تَشعُرونَ ۝ أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتا عَلى ما فَرَّطتُ في جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السّاخِرينَ}: (أَن تَقولَ نَفس) : أي لئلا تقول نفس. يعني: لكي لا تقول نفس يا ندمي على ما تركت العمل به في الدنيا. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَن تَقولَ نَفس}: يعني: لئلا تقول نفس. قاله الطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وبيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن، والنسفي في مدارك التنزيل، والإيجي الشافعي في جامع البيان . إلا أن النسفي قال: {أَن تَقُولَ} لئلا تقول. وقال السمرقندي في بحر العلوم: أن تقول نفس يعني: لكي لا تقول نفس. قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى: لئلا تقول نقس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله. ومنه {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَرفَعوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ وَلا تَجهَروا لَهُ بِالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ أَن تَحبَطَ أَعمالُكُم وَأَنتُم لا تَشعُرونَ}: (أَن تَحبَطَ أَعمالُكُم): أي لئلا تحبط أعمالكم. يعني: اجتنبوا هذا الصنيع لكي لا تحبط حسناتكم. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}: أي لئلا تحبطَ أعمالكم. قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والبغوي في تفسيره، إلا أن الزجاج قال: وقوله: (أن تحبط أعمالكم): معناه لا تفعلوا ذلك فتحبط أعمالكم. والمعنى لئلا تحبط أعمالكم. وقال البغوي: لئلا تحبط حسناتكم. قال الثعلبي في الكشف والبيان، والواحدي في الوجيز: (أن تحبط أعمالكم): كي لا تبطل حسناتكم. زاد الثعلبي: تقول العرب: أسند الحائط أن يميل. وقال الأزدي في جمهرة اللغة: أي: ألا تحبط. قال الشنقيطي في أضواء البيان: وقوله: {أن تحبط أعمالكم} أي لا تفعلوا ذلك لئلا تحبط أعمالكم، أو ينهاكم عن ذلك كراهة أن تحبط أعمالكم، وأنتم لا تشعرون أي: لا تعلمون بذلك. ومنه {يا أَهلَ الكِتابِ قَد جاءَكُم رَسولُنا يُبَيِّنُ لَكُم عَلى فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَن تَقولوا ما جاءَنا مِن بَشيرٍ وَلا نَذيرٍ فَقَد جاءَكُم بَشيرٌ وَنَذيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ}: أن تقولوا ما جاءَنا مِن بَشيرٍ وَلا نَذيرٍ: أي لئلا تقولوا. يعني: لكي لا تقولوا محتجين على ربكم ما جاءنا من رسول يبشيرنا بالجنة، ولا نذير يخوفنا النار. فمعنى قوله تعالى {أن تقولوا}: أن تقولوا: يعني: لئلا تقولوا. قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والطبري في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في البسيط. إلا أن قال الطبري قال: ويعني بقوله: "أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير" أن لا تقولوا، وكي لا تقولوا. قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني لكي لا تقولوا: ما جاءنا من رسول بعد ما درس الدين ليبشرنا وينذرنا فقد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم بشير بالجنة ونذير من النار والله على كل شيء قدير من المغفرة والعذاب وبعث الرسل. ومنه (يَستَفتونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفتيكُم فِي الكَلالَةِ إِنِ امرُؤٌ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُختٌ فَلَها نِصفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِن لَم يَكُن لَها وَلَدٌ فَإِن كانَتَا اثنَتَينِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَإِن كانوا إِخوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُم أَن تَضِلّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ): يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُم أَن تَضِلّوا: أي لئلا تضلوا. يعني: يبين الله لكم قسمة المواريث لكي لا تضلوا؛ ولو وكل إليكم قستمتها لضللتم ضلالا بعيدا. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَن تَضِلّوا}: أي لئلا تضلوا. قاله يحيى بن سلام في التصاريف، والطبري في تفسيره، وابن خالويه في الحجة في القراءات السبع، والبغوي في تفسيره. إلا أن ابن خالويه قال: يريد*لئلا*تضلوا. إلا أن الطبري قال: بمعنى: أن لا تضلوا، وكي لا تضلوا. قال السمرقندي في بحر العلوم: لكي لا تضلوا ولا تخطئوا في قسمتها. قال الجصاص في أحكام القرآن: معناه أن لا تضلوا. ومنه (وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قالوا بَلى شَهِدنا أَن تَقولوا يَومَ القِيامَةِ إِنّا كُنّا عَن هذا غافِلينَ): {أن تقولوا}: أي لئلا تقولوا. يعني: لكي لا تقولوا* فمعنى قوله تعالى {أَن تَقولوا}: أي: لئلا تقولوا. قاله الجصاص في أحكام القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز. إلا أن الواحدي قال: {أن}: لا {تقولوا} لئلا تقولوا: أي لئلا يقول الكفار. قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: شهدنا عليكم أيها المقرُّون بأن الله ربكم، كيلا تقولوا يوم القيامة: إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، إنا كنا لا نعلم ذلك، وكنا في غفلة منه. ومنه {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}:أي لئلا تقع على الأرض. يعني: لكي لا تقع على الأرض؛ فيهلك من فيهما. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ}: يعني لئلا تقع على الأرض. قاله يحيى بن سلام في التصاريف، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية. إلا أن ابن أبي زمنين قال: يعني: لئلا تقع. وقال مكي: أي يمسكها بقدرته لئلا تقع على الأرض. قال النسفي في مدارك التنزيل: {رَحِيمٌ}: بإمساك السماء أن تقع على الأرض. ومنه {وَاسْتَشْهِدُو شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}: لئلا تضل. قاله الجصاص في أحكام القرآن. قال ابن زنجلة في حجة القراءات: المعنى عند الفراء لئلا تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى. قال الماوردي في النكت والعيون: فيه الوجهان: أحدهما: لئلا تضل، قاله أهل الكوفة. والثاني كراهة أن تضل، قاله أهل البصرة. ....................... (1): أنظر تفسير الطبري، والكشف والبيان للثعلبي، من تفسير سورة الحجرات (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية. ...................... *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  8. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (27).

    *قوله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ}:* أي ألم تعلم أن الله. يعني: اعلم، فالاستفهام هنا تقريري.

    قال ابن خالويه في كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم: ومعنى «ألم تر» في أول السورة وكل ما في كتاب الله تعالى: ألم تعلم.

    قال أبو حيان في البحر المحيط: {ألم*تر}، وهذا الاستفهام*تقرير ، ولا يكون إلا في الشيء الظاهر جدا.

    قلت (عبدالرحيم): من ذلك قوله تعالى {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}: ومعنى
    (ألم*تروا*كيف*خلق الله): اعملوا أن الله خلق ذلك.
    قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

    ومنه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}: فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟
    قاله الطبري في تفسيره.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معنى (ألم تر) ألم تعلم، أي ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء.

    ومنه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}: أَلَمْ تَرَ: ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصلح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية هاهنا على العلم.
    قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير.

    *قوله {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}:* يعني المطر.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    *قوله {فَأَخْرَجْنَا بِهِ}:* بذلك الماء.

    قال القرطبي في تفسيره {بِهِ}: أي بالماء وهو واحد، والثمرات مختلفة.

    قال القصاب في النكت: وقوله: {فأخرجنا به} أضاف الفعل إلى نفسه، وكان الأول بلفظ الغائب، لقوله: {ألم تر أن الله أنزل} ؛ لأن الضمير هو المظهر في المعنى فقام أحدهما مقام الآخر.

    *قوله {ثَمَرَاتٍ}:* تقديره: من الزروع ثمرات.

    يريد: فأخرجنا بذلك الماء الذي نزل من السماء زروعا فأثمرت ثمرات؛ فاستغني عنه لظهوره ووضوحه؛ إذ الثمرات نتاج الزروع، وهذا من المختصر المحذوف.

    ونظيرتها قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}: ولا تجهر بصلاتك: يعني ولا تجهر بقراءة صلاتك فيسمع المشركون، ولا تسر بها اسرارا لا يسمعها من خلفك من أصحابك؛ ولذن بين بين.

    قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك. ولا تخافت بقراءة صلاتك. وهو*من*المختصر.

    *قوله {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا}:* كالأبيض، والأحمر، والأسود، وغيرها.

    قال الماوردي في النكت والعيون: وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها.

    *قوله {ومن الْجِبَالِ جُدَدٌ}:* أي ومن بعض هذه الجبال أيضا جدد مختلفة ألوانها كاختلاف ألوان الثمرات.

    وليست كل الجبال كذلك، لأن من هذه الجبال الأبيض الخالص، والأحمر الخالص، والأسود الشديد السواد، لا لون فيه غير لونه، وبعضها مختلفة الألوان مما هو مشاهد.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:{مِنَ}: تبعيضية على معنى: وبعض تراب الجبال جدد.

    *قوله {جُدَدٌ}:* مفردها: جُدة. نحو: غُدَة، وغُدَد. وهي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال مختلفة الألوان.

    قال النحاس في إعراب القرآن: "جُدَدٌ" جمع جدّة.

    قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: و"الجُدَدُ" واحدتها "جُدَّةٌ" و"الجُدَدِ" هي الوان الطرائق التي فيها مثل "الغُدَّة" وجماعتها "الغُدَدُ".

    قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {جُدَدٌ}: أي خطوط وطرائق. واحدتها: جُدَة.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: {ومن الجبال جدد بيض} يعني: خلق من الجبال جددا.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: (ومن الجبال جدد بيض) أي: ومما خلقنا من الجبال جدد.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {جُدَدٌ}: يعني خطوطا، وطرقا تكون في الجبل الواحد، فاصله واحد والخطوط فيه مختلفة. فال/جُدَة: هي الخط، والطريق يكون ظاهرا في الشيء ظهورا واضحا.

    والمعنى: كما خلقنا ثمارا مختلفة ألوانها خلقنا في الجبال أيضا طرقا مختلفة الألوان، يخالف لونها لون الجبل؛ فكما أن الماء الواحد يخرج زرعا مختلفا ثماره، كذا خلق الله في الجبل الواحد خطوطا مختلفة الألوان.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {جدد}: أي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال؛ تكون كثيرة متفرعة كالعروق، وكالخطوط التي في الحمار الوحشي.

    قال امرؤ القيس (يصف حمارا):
    كأَن سَراتَهُ وجُدَّةَ مَتْنِه. . . كنائِنُ يَجْرِي فَوقَهُنَّ دَلِيصُ.

    فقوله - الشاعر -: "وجُدَّةَ مَتْنِه": يعني: وخط ظهره.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: " جُدَّةَ مَتْنِه " الخطَّة السوداء التي تراها في ظَهْرِ حِمارِ الوَحْشِ. وكل طريقةٍ جادَّة وجُدَّة.

    قال القصاب في النكت:* يعني بالجدة: الخطة السوداء التي في متن الحمار، والدليص: البراق.

    قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والجدة: الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه.
    قال الفراء في معاني القرآن: وقوله:*{جُدَدٌ*بِ يضٌ} الْخُطط والطرق تكون فِي الجبال كالعُروق،*بيض*وس ُود*وحمر، واحدها جُدّة.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجدد: جمع جدة بضم الجيم، وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه. يقال للخطة السوداء التي على ظهر الحمار جدة، وللظبي جدتان مسكيتا اللون تفصلان بين لوني ظهره وبطنه.

    *قوله {بِيضٌ}:* جمع أبيض. أي خطوط وطرائق بيض.

    يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أبيض.

    *قوله {وَحُمْرٌ}:* جمع أحمر. أي خطوط وطرائق حمر.

    يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أحمر.

    قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {وحمر}: أَي طرائق حمرة.

    *قوله {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}:* يعني جُدَدا مختلفة الألوان، غير الابيض والأحمر والأسود، وهذا تعميم بعد تخصيص.

    قال الطبري في تفسيره: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}: يعني: مختلف ألوان الجدد.

    *قوله {وَ}:* من هذه الطرق والخطوط التي تكون في تلك الجبال.

    *قوله {غَرَابِيبُ}:* مفردها: غِرْبِيبٌ. وهي الشديدة السواد.

    ومنه قول القائل، يصف العنب:
    ومن تعاجيب خلق الله غاطية ... يعصر منها ملاحي وغربيب.

    قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: وتقول: هذا أسود غِرْبِيبٌ، أي شديد السواد.

    قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: واشتقاقه من الغراب لشدة سواده. يقال: هو أسود من حلك الغراب.

    قال الواحدي في البسيط: {غرابيب سود}: وهو جمع غربيب، وهو الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب، يقال: أسود غربيب وغرابي.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والغِرْبِيبُ الشديد السوادِ.

    قال أبو حيان في تحفة الأريب: {وغرابيب}: شديدة السواد.

    *قوله {سُودٌ}:* مفردها: أسود. أي خطوط وطرائق سود.
    يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أسود حالك.

    وأصل الكلام: "وسودٌ غرابيبٌ": أي سوداء حالكة شديدة السواد. كما في قوله (صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا)، ففي الكلام تقديم وتأخير.

    والمعنى: ومن هذه الطرق والخطوط التي تكون في الجبال سود غرابيب، أي شديدة السواد.

    قال الطبري في تفسيره: {وغرابيب سود} [فاطر: ٢٧] ، وذلك من المقدم الذي هو بمعنى التأخير؛ وذلك أن العرب تقول: هو أسود غربيب، إذا وصفوه بشدة السواد، وجعل السواد ها هنا صفة للغرابيب.

    قال العكبري في التبيان في إعراب القرآن: (وغرابيب سود) : الأصل: وسود غرابيب؛ لأن الغربيب تابع للأسود، يقال: أسود غربيب، كما تقول: أسود حالك.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (وغرابيب سود): أي ومن الجبال غرابيب وهي الحرار، الجبال التي هي ذات صخور سود. والغربيب الشديد السواد.

    قال الخطيب الشربيني في السراج: يقال: أسود غربيب أي: شديد السواد تشبيها بلون الغراب أي: طرائق سود.

    قال السمين الحلبي في الدر المصون: وغرابيب: جمع غربيب وهو الأسود المتناهي في السواد فهو تابع للأسود كقان وناصع وناضر ويقق.

    قال الواحدي في الوجيز: {وغرابيب سود} وهي الجبال ذات الصُّخور السُّود.

    قال الخضيري في السراج: {وغرابيب سود}: شديدة السواد؛ كالأغربة.

    *نكتة:*

    قال ابن عرفة في تسيره: قوله تعالى: {وغرابيب سود } الأصل سود غرابيب، لكنه عكس إشارة لشدة السواد.

    قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} أي: وسود غرابيب، فهو مؤخر يراد به التقدم.

    قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: "غرابيب سود": مقدم، ومؤخر، معناه سود غرابيب.

    قال البغوي في تفسيره: وغرابيب سود، يعني سود غرابيب على التقديم، والتأخير.

    قال السمعاني في تفسيره: قَوْله: {مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود} أَي: سود غرابيب على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، يُقَال: أسود غربيب أَي: شَدِيد السوَاد، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن الله يكره الشَّيْخ الغربيب " أَي الَّذِي يسود لحيته، والخضاب بالحمرة سنة، أما بِالسَّوَادِ مَكْرُوه. وَمعنى الْآيَة أي: طرائق سود.

    قال بيان الحق الغزنوي النيسابوري في توضيح مشكلات القرآن: من شرط التأكيد أن يتقدم الأظهر، كقولك: أسود حالك، وأصفر فاقع، فكذلك ينبغي أن يجيء سود غرابيب، ولكن تقديم الغرابيب، لأن العرب ترغب عن اسم السواد، حتى يسمون الأسود من الخيل: الأدهم، والأسود من الإبل: الأصفر.

    قال الشوكاني في فتح القدير: قال الفراء:
    في الكلام تقديم وتأخير وتقديره: وسود غرابيب، لأنه يقال أسود غربيب، وقل ما يقال غربيب أسود.

    قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: أصله سود غرابيب حذف الموصوف ثم فسر به.

    انتهى

    *المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):*

    ﴿أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجنا بِهِ ثَمَراتٍ مُختَلِفًا أَلوانُها وَمِنَ الجِبالِ جُدَدٌ بيضٌ وَحُمرٌ مُختَلِفٌ أَلوانُها وَغَرابيبُ سودٌ﴾ [فاطر: 27].
    ألم تر - أيها الرسول - أن الله سبحانه أنزل من السماء ماء المطر، فأخرجنا بذلك الماء ثمرات مختلفًا ألوانها فيها الأحمر والأخضر والأصفر وغيرها بعد أن سقينا أشجارها منه، ومن الجبال طرائق بيض وطرائق حمر، وطرائق حالكة السواد.
    ........................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  9. افتراضي

    *لطائف الكتاب العزيز:*

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
    قوله تعالى
    ﴿أَفَمَن يَتَّقي بِوَجهِهِ سوءَ العَذابِ يَومَ القِيامَةِ وَقيلَ لِلظّالِمينَ ذوقوا ما كُنتُم تَكسِبونَ﴾ [الزمر: 24].

    *قوله {يَتَّقي بِوَجهِهِ}:* يعني يدفع النار بوجهه، ولا يتهيأ له أن يتقيها بغيره. فأين يداه إذاً؟.

    فإن قلت: لم يتق النار بيديه كما كان الحال في الدنيا، فمن خاف من شيء دفعه بيده؛ بدلا من وجهه الذي هو أكرم أعضاءه؟

    فالجواب: إنما يتقي النار بوجهه لأن يديه مغلولتان، أي مقيدتان، ومربوطتان؛ وذلك أن الكافر يلقى في النار مكتوفا مربوطة يداه إلى رجليه مع عنقه ويكب على وجهه، فليس له شيء يتقي به إلا الوجه الذي هو أشرف أعضائه.

    ألا ترى إلى قوله تعالى {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}: أي قيدوه بالأغلال، أي اجمعوا يديه إلى عنقه بالأغلال، يفسرها قوله تعالى {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ}.

    قال الواحدي في الوسيط، والبغوي في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، والمظهري في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والجلال المحلي في الجلالين، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والشوكاني في فتح القدير: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}: أي اجمعوا يديه إلى عنقه.

    زاد الشوكاني: بالأغلال.

    قال السمعاني في تفسيره: هو من غل اليد إلى العنق.

    قال السعدي في تفسيره: فجعل*يتقي بوجهه*الذي هو أشرف الأعضاء، وأدنى شيء من العذاب يؤثر فيه، فهو*يتقي*فيه*سوء لعذاب لأنه قد غلت يداه ورجلاه.

    انتهى

    فقوله تعالى {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ:} وهو المشرك الذي غلّت يداه.
    قاله الجرجاني في درج الدرر.

    قال أبو السعود في تفسيره: لكون يده التي بها كان*يتقي*المكاره والمخاوف مغلولة إلى عنقه.

    قال الزمخشري في الكشاف: ومعناه: أن الإنسان إذا لقى مخوفا من المخاوف استقبله بيده، وطلب أن يقي بها وجهه، لأنه أعز أعضائه عليه والذي يلقى في النار يلقى مغلولة يداه إلى عنقه، فلا يتهيأ له أن يتقى النار إلا بوجهه الذي كان يتقى المخاوف بغيره، وقاية له ومحاماة عليه.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: ومعنى {يتقي} يلقى النار بوجهه ليكفها عن نفسه، وذلك أن الإنسان إذا لقي شيئا من المخاوف استقبله بيديه، وأيدي هؤلاء مغلولة، فاتقوا النار بوجوههم.

    قال الواحدي في الوجيز: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} وهو الكافر يُلقي في النَّار مغلولاً فلا يتهيَّأ له أن يتَّقي النَّار إلاَّ بوجهه.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {يتقي بوجهه} : يلقى في النار مغلولا، فيتلقاها بوجهه.

    قال الراغب الاصفهاني في المفردات: ويقال: اتَّقَى فلانٌ بكذا: إذا جعله وِقَايَةً لنفسه، وقوله: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ} [الزمر/ 24] تنبيه على شدّة ما ينالهم، وأنّ أجدر شيء يَتَّقُونَ به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم، فصار ذلك كقوله: {وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: قوله عز وجل: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} يعني: أفمن يدفع بوجهه شدة سوء العذاب، وجوابه مضمر. يعني: هل يكون حاله كحال من هو في الجنة. يعني: ليس الضال الذي تصل النار إلى وجهه، كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه، ليسا سواء.

    قال الزجاج في معاني القران: وجاء في التفسير أن الكافر يلقى في النار مغلولا، لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه.

    استطراد:

    قال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ}: قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ: الغل: مختص بما يقيد به، فيجعل الأعضاء وسطه. والجمع أغلال.

    قال الواحدي في الوجيز: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} أراد: في أعناقهم وأيديهم لأنَّ الغلَّ لا يكون في العنق دون اليد.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: لا يكون الغل في العنق دون اليد ولا في اليد دون العنق، فالمعنى إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيمانهم أغلالا. (فهي إلى الأذقان).كناية عن الأيدي لا عن الأعناق، لأن الغل يجعل اليد تلي الذقن، والعنق هو مقارب للذقن، لا يجعل الغل العنق إلى الذقن.

    وكما قال {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ}: إذ الأغلال في أعناقهم يعني: ترد أيمانهم إلى أعناقهم والسلاسل يسحبون يعني: تجعل السلاسل في أعناقهم، يسحبون، ويجرون، في الحميم يعني: في ماء حار، قد انتهى حره.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات: فَالْغُلُّ مختصّ بما يقيّد به فيجعل الأعضاء وسطه، وجمعه أَغْلَالٌ، وغُلَّ فلان: قيّد به. قال تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}.

    المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

    ﴿أَفَمَن يَتَّقي بِوَجهِهِ سوءَ العَذابِ يَومَ القِيامَةِ وَقيلَ لِلظّالِمينَ ذوقوا ما كُنتُم تَكسِبونَ﴾ [الزمر: 24].

    أيستوى هذا الذي هداه الله، ووفقه في الدنيا وأدخله الجنة في الآخرة، ومن كفر ومات على كفره فأدخله النار مغلول اليدين والرجلين، لا يستطيع أن يتقي النار إلا بوجهه المُكَب عليه؟! وقيل للظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي على سبيل التوبيخ: ذوقوا ما كنتم تكسبون من الكفر والمعاصي، فهذا جزاؤكم.
    ............

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  10. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 25].

    *قوله {تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}:* أي واضعة ثوبها على وجهها، قد استترت به.

    قال الطبري في تفسيره: فجاءت موسى إحدى المرأتين اللتين سقى لهما تمشي على استحياء من موسى، قد سترت وجهها بثوبها.

    قال الجرجاني في درج الدرر: {تَمْشِي عَلَى اِسْتِحْياءٍ:} متستّرة بكمّها وذيلها.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير: قد سترت وجهها بكم درعها.

    قال الإيجي الشافعي في جامع البيان:* مستحيية متسترة بكم درعها.

    قال بن عجيبة في البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: {فجاءته تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ} قد سترت وجهها بكفها، واستترت بكُمِّ درعها. وهذا دليل على كمال إيمانها وشرف عنصرها.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله {على استحياء} أي خَفِرةٌ (1)، قد سترت وجهها بكم درعها قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال عمرو بن ميمون: لم تكن سلفعا (2) من النساء ولاجة خراجة.

    فائدة:

    قال القصاب في النكت: وقوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}
    دليل على أن من تطوع بعمل لآخر فعليه أن يعطيه أجره، إلا أن يمتنع من أخذه، ويحتمل أن لا يكون فرضا، ولكنه في أخلاق المروة والديانة أن يعرض عليه فإن امتنع العامل كان صاحبه قد قضى ما عليه من حق المروة والديانة.
    .......................

    (1): قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والأزدي في جمهرة اللغة: وامرأة خَفِرةٌ: حيية.

    إلا أن الخليل قال: الخفر: شدة الحياء، وامرأة خَفِرةٌ: حيية مُتَخَفِّرةٌ.

    قال ثعلب في الفصيح: وخفرت المرأة: إذا استحيت تخفر خفرا وخفارة.

    (2): السَلْفَعُ من النساء: الجريئة على الرجال.

    قال ابن السكيت في كتاب الألفاظ: السلفع: والجريئة البذيئة.

    وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: وامرأةٌ سَلْفَعٌ: أي سَليطةٌ.

    وفي شمس العلوم للحميري: السَلفع: المرأة الجريئة السليطة.

    وقال ابن قتيبة في غريب الحديث: والسلفعة: الجريئة واكثر مَا يُقَال: السلفع بِلَا هاء لِأَنَّهُ اكثر مَا يُوصف بِهِ.

    وقال الزبيدي في تاج العروس من جواهر القاموس: السَّلْفَعُ من النِّساءِ: الصَّخَّابَةُ البَذيئَةُ السَّيِّئَةُ الخُلُقِ.

    .....................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  11. افتراضي

    *تفسير غريب القرآن:*

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} يوسف: (66).

    *قوله {تُؤْتُونِ}:* تعطوني.
    قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وبه قال مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والحوفي في البرهان في علوم القرآن، ومكي بن حموش في الهداية إلى بلوغ النهاية، وغيرهم جمع.

    قلت (عبدالرحيم): ونظير ذلك في كتاب كثير، من ذلك قوله تعالى {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ}: وَآَتَتْ: أعطت.
    قاله الحوفي في البرهان في علوم القرآن، والبغوي في تفسيره، والجلال المحلي في الجلالين، والخطيب الشربيني في السراج المنير، وغيرهم.

    إلا أن الحوفي قال: وآتت*بمعنى*أعطت.

    ومنه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}: أي*أعطيت مهورهن.
    قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم.

    ومنه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءٌ}: تُؤْتِي الْمُلْك: تعطي الملك.

    قال الطبري في تفسيره: فإنه يعني:*تعطيالملك من تشاء فتملكه وتسلطه على من تشاء.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: تعطي*من تشاء النصيب الذي قسمت له من الملك.

    ومنه {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}: تُؤْتِي أُكُلَهَا: تعطي*ثمرها.
    قاله البغوي في تفسيره، وأبو السعود في تفسيره، والسيوطي في الجلالين.

    قال الواحدي في الوسيط: تعطي*هذه الشجرة،*أكلهاثم ها وما يؤكل منها.

    قال مجير الدين العليمي في تفسيره: {تؤتي*أكلها}*تعطي *جناها.

    *قوله {مَوْثِقًا}:* عهدا مؤكدا بالقسم. وكأنه قال لهم: عاهدوني، واحلفوا لي.

    قال السعدي في تفسيره: أي عهدا ثقيلا، وتحلفون بالله.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والمِيثاقُ: عقد مؤكّد بيمين وعهد.

    قال البغوي في تفسيره: والعهد الموثق: المؤكد بالقسم.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمَوثْق: أصله مصدر ميمي للتوثّق، أطلق هنا على المفعول وهو ما به التوثق، يعني اليمين.

    *قوله {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}:* إلا أن تهلكوا جميعا.
    قاله الواحدي في البسيط، وبيان الحق الغزنوي في باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن.

    قال ابن قتيبة في غريب القران: أي تشرفوا على الهلكة وتغلبوا.

    قال النحاس في معاني القرآن: أي إلا أن تهلكوا وتغلبوا.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله: إلا*أن*يحاط*بكم*ل فظ عام لجميع وجوه الغلبة والقسر والمعنى تعمكم الغلبة من جميع الجهات حتى لا تكون لكم حيلة ولا وجه تخلص.*

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى - على لسان شعيب عليه السلام - {ٍوَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ}: أحاط بهم العذاب فلم ينج منهم أحد.
    قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.

    قال الواحدي في الوجيز: يُوعدهم بعذابٍ يُحيط بهم فلا يفلت منهم أحدٌ.

    قال السمعاني في تفسيره: أي: محيط بكم فيهلككم.

    قال البغوي في تفسيره: يحيط بكم فيهلككم.

    ومنه {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}: أي: فأهلك جميع ماله.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن ذ، وابن أبي زمنين في تفسيره: {وَأُحِيطَ}: أهلك.

    قال الواحدي في الوجيز: {وأحيط بثمره} وأهلكت أشجاره المثمرة.

    قال البغوي في تفسيره: {وأحيط بثمره}، أي: أحاط العذاب بثمر جنته، وذلك أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأهلكتها وغار ماؤها.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} هو عبارة عن إهلاكه وأصله من أحاط به العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل أهلاك.

    ومنه {يَسْتَعْجِلُون كَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ }: أي تجمعهم فتحرقهم، وتهلكهم جميعا.

    قال البغوي في تفسيره: وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، جامعة لهم لا يبقى أحد منهم إلا دخلها.

    ومنه {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ: أي أيقنوا الهلكة.

    قال الطبري في تفسيره: يقول: وظنوا أن الهلاك قد أحاط بهم وأحدق.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: {وظنوا أنهم أحيط بهم} أي: دنوا للهلكة.

    زاد ابن قتيبة: وأصل هذا أن العدو إذا أحاط ببلد، فقد دنا أهله من الهلكة.

    *قوله {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ}:* أعطوه عهودهم.
    قاله البغوي في تفسيره.
    ......................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  12. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    {وَما يُغني عَنهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى} [الليل: 11].

    *قوله {تَرَدَّى}:* أي: سقط في النار.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن.

    إلا أن ابن قتيبة قال:*{تردى}: في النار، أي سقط.

    قال النحاس في إعراب القرآن: {وما يغني عنه ماله إذا*تردى}: "ما" في موضع نصب بيُغني، أي: وأي شيء يدفع عنه ماله إذا*سقط*في النار.

    قال الزبيدي في تاج العروس: وقوله تعالى: {وما يغني عنه ماله إذا {تردى}، أي سقط في هوة النار.

    قلت (عبدالرحيم): فيه مسائل:

    المسألة الأولى:

    قوله تعالى {إِذا تَرَدّى}: تَرَدّى: أي سقط. وإنما نبه على سقوطه، لشناعة عذابه، والمبالغة في اهانته.

    وهو من التردي: الذي هو السقوط، والوقوع. من قولهم: تردى فلان من رأس الجبل إذا سقط. وليس معناه: من الردى، الذي هو الهلاك. وإن كان قال به* جماعة من أهل العلم.

    قال الطبري في تفسيره - بعد أن ذكر أقوالا -: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إذا تردى في جهنم، لأن ذلك هو المعروف من التردي؛ فأما إذا أريد معنى الموت، فإنه يقال: ردي فلان، وقلما يقال: تردى.

    قال السمعاني في تفسيره: قوله تعالى: {وما يغني عنه ماله إذا تردى} معناه: إذا هلك، يقال: تردى أي: سقط في النار، وهو الأصح؛ لأن التردي في اللغة هو السقوط، يقال: تردى من مكان كذا أي: سقط.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {إِذا تَرَدّى}: إذا سقط، ووقع، وألقي، وطرح في الجحيم.

    ومنه ما رواه الشيخان من حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا،...»: يعني: ألقى ورمى بنفسه من الجبل متعمدا فسقط ميتا.

    قال ابن الجوزي في تفسير غريب ما في الصحيحين: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ* جَبَلٍ": أَي*سقط*بِقصد مِنْهُ والتردي*السُّقُ ط وتردى فِي النَّار*سقط*فِيه َا.

    ومنه قوله تعالى - في ذكر أصناف من المحرمات من المطعومات - {وَالْمُنْخَنِق ةُ وَالْمَوْقُوذَة ُ وَالْمُتَرَدِّي َةُ}: وَالْمُتَرَدِّي َةُ: أي وحرم عليكم أكل الساقطة من علو، أو الواقعة في بئر؛ ما لم تدركون ذكاتها.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وَالْمُتَرَدِّ َةُ} الواقعة من جبل أو حائط أو في بئر.

    قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: هي التي تردت: أي سقطت فماتت ولم تلحق ذكاتها.

    قال البغوي في تفسيره: والمتردية، هي التي تتردى من مكان عال، أو في بئر فتموت.

    ومنه ما رواه أبو داوود (1552)، والنسائي (5531)، من حديث أبي اليسر مرفوعا: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَالْهَدْمِ، وَالْغَرَقِ، وَالْحَرِيقِ ..." (1).

    قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير: (اللهم إني أعوذ بك من التردي) أي السقوط، من تردى في البئر إذا سقط فيها.

    قال التوربشتي في النيسر شرح مصابيح السنة: تردي*الرجل: إذا*سقط*في بئر، أو تهور من جبل.

    المسألة الثانية:

    قوله تعالى {وَما يُغني عَنهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى}: إِذا تَرَدّى: أي إذا سقط، وهذا غاية في العذاب، والإهانة والإذلال، والخزي، فمن عظم مقت الله لهم، وهوانهم عليه تساقطوا في النار، ونظيرتها قوله تعالى {وَأَمّا مَن خَفَّت مَوازينُهُ * فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ}: يعني: يسقط على أم رأسه في قعر الجحيم.

    قال الطبري في تفسيره: يقول: وأما من خف وزن حسناته، فمأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه في جهنم.

    قلت (عبدالرحيم): وقد ورد في غير ما آية أن أهل النار يُلْقَوْنَ، ويدفعون، ويطرحون، في جهنم، ويكبكبوا فيها - عياذا بالله -. كما قال تعالى {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ}: قال أبو حيان في البحر المحيط: إذا*ألقوا*فيها: أي*طرحوا، كما يطرح الحطب في النار العظيمة ويرمى به،*

    وكما قال {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وأبو حيان الاندلسي في تحفة الاريب بما في القران من الغريب، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والكفوي في الكليات: أي أُلقُوا على رءوسهم.

    إلا أن ابن الهائم قال: {فَكُبْكِبُوا}: أصله كبّبوا، أي ألقوا على رؤوسهم في جهنم، من قولك: كببت الإناء إذا قلبته.

    وزاد الكفوي: في جهنم.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات: والكَبْكَبَةُ: تدهور الشيء في هوّة.

    المسألة الثالثة:

    قوله تعالى {وَما يُغني عَنهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى}: أي وما يغني عنه ماله وإن كثر من عذاب الله من شيء إذا أُلقِي، وسقط في جهنم، كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: يقول: "لَوْ أَنَّ هذا مَعَهُم لِلفداء ما تُقُبِّلَ مِنْهُم".

    قال الطبري في تفسيره: لو أن لهم ملك ما في الأرض كلها وضعفه معه، ليفتدوا به من عقاب الله إياهم على تركهم أمره، وعبادتهم غيره يوم القيامة، فافتدوا بذلك كله، ما تقبل الله منهم ذلك فداء وعوضا من عذابهم وعقابهم، بل هو معذبهم في حميم يوم القيامة عذابا موجعا لهم.

    ونحوه قوله تعالى {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}: قال ابن كثير في أي: لا يقي المرء من عذاب الله ماله، ولو افتدى بملء الأرض ذهبا: {ولا بنون} ولو افتدى بمن في الأرض جميعا، ولا ينفع يومئذ إلا الإيمان بالله، وإخلاص الدين له، والتبري من الشرك.
    ....................
    (1): صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، بررقم (1282 ).
    ....................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  13. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ﴾ [الطارق: 6].

    *قوله {دافِقٍ}:* مدفوق. يعني: مدفوع مصبوب بشدة.
    وهو فاعل بمعنى مفعول، كما يقال: مكان عامر: يعني معمور. وغامر يعني: مغمور.

    قال الجرجاني في التعريفات: الدفق:*هو*الصب*بش دة.

    قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: دفق*الماء: صبه. يقال دفق الماء فهو مدفوق، أي*مصبوب.

    قال القرطبي في تفسيره: والدفق: صب الماء، دفقت الماء أدفقه دفقا: صببته، فهو ماء دافق، أي مدفوق، كما قالوا: سر كاتم: أي مكتوم، لأنه من قولك: دفق الماء، على ما لم يسم فاعله.

    قال البغوي في تفسيره: وأراد ماء الرجل وماء المرأة لأن الولد مخلوق منهما، وجعله واحدا لامتزاجهما.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {دافِقٍ}: مدفوق.
    قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والواحدي في الوجيز، والزركشي في البرهان في علوم القرآن، والسيوطي في الإتقان، والخطيب الشربيني في السراج المنير، وغيرهم جمع.

    إلا أن الواحدي قال: {خلق من ماء دافق}:*مدفوق*مصبو ب*في الرحم يعني: النطفة.

    وزاد البغوي: أي*مصبوب*في الرحم، وهو المني، فاعل بمعنى مفعول.

    وزاد غلام ثعلب: في معنى:*مدفوق، وهومما جاء على لفظ الفاعل وهو مفعول به.

    قال الطبري في تفسيره: يعني:*من*ماء*مدفو ق، وهو مما أخرجته*العرب بلفظ*فاعل، وهو بمعنى المفعول، ويقال: إن أكثر*من*يستعمل ذلك*من*أحياء العرب، سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت، كقولهم: هذا سر كاتم، وهم ناصب، ونحو ذلك.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {فَهُوَ في عيشَةٍ راضِيَةٍ}: راضِيَةٍ: مرضية.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والقشيري في لطائف الإشارات، والزركشي في البرهان، والشوكاني في فتح القدير.

    إلا أن الزركشي قال: أي: مرضية بها وقيل على النسب أي: ذات رضا وهو مجاز إفراد لا تركيب.

    إلا أن ابن أبي زمنين قال: أي:*مرضيةقد رضيها.

    وزاد البغوي: في*الجنة.

    ومنه {قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّهِ إِلّا مَن رَحِمَ}: لا عاصِمَ: لا عاصِمَ: لا معصوم.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والسيوطي في الإتقان.

    إلا أن ابن قتيبة قال: لا معصوم اليوم.

    ومنه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}: آَمِنًا: أي مأمونا فيه.
    قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، والزركشي في البرهان، والكفوي في الكليات.

    إلا أن الزركشي قال: وقوله: {أنا جعلنا*حرما*آمنا} أي:*مأمونا، وعكسه: {إنه كان وعده مأتيا} أي: آتيا.

    ومنه ما رواه مسلم (١٨٧٦)، من حديث أبي هريرة، قَال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّ*ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ،....» فَهُوَ عَلَيَّ*ضَامِنٌ: أي مضمون.

    قال في كشف المشكل من حديث الصحيحين: وقوله: ((فهو علي*ضامن)) أي*مضمون.
    ...........................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  14. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿وَكَذلِكَ بَعَثناهُم لِيَتَساءَلوا بَينَهُم قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا﴾ [الكهف: 19].

    *قوله {بَعَثناهُم}:* أحييناهم.
    قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والواحدي في الوسيط، والفخر الرازي في التفسير الكبير، وغيرهم.

    إلا أن أبا عبيدة قال: «وكذلك*بعثناهم»: أي*أحييناهم، وهو من يوم البعث.

    وزاد ابن قتيبة: من هذه النومة التي تشبه الموت.

    قال الجرجاني في درج الدرر: و (البعث) في اللغة تهييج وإثارة، وهو مستعمل في الإحياء وإنفاذ الرسول وتأمير الأمير وتوجيه الجند ونحوها.

    قال صديق حسن خان في فتح البيان: وأصل البعث الإثارة للشيء من محله وقد تكون عن إغماء ونوم، ولهذا قيد البعث بالموت.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: يعني بقوله: (ثم بعثناكم) ثم أحييناكم.
    قاله الطبري في تفسيره.

    ومنه {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}: (والمَوتَى يَبعَثُهم اللَّهُ): أي يحييهم.
    قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

    مسألة:

    قلت (عبدالرحيم): فإن قلت: ما وجه الإحياء هنا، وقد كانوا نياما، ولم يموتوا بعد؟

    قلت: ألم ترى أن الله قال: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ}: فقوله {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ}: يعني: ثم يحييكم بالنهار؛ ولأن النوم يشبه الموت. فعبر عن الإحياء بالبعث، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من نومه قال: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا...». شطر من حديث رواه مسلم (2711)، من حديث البراء بن عازب.

    فالبعث: الإحياء، ومنه سمي يوم القيامة يوم البعث، ومنه قوله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}: فهذا يوم الإحياء الذي كنتم تنكرون أن الله يحييكم ويجمعكم فيه.

    قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: البعث: الإحياء.

    قال في الغريبين في القرآن والحديث: وهو قوله تعالى: {ثم*يبعثكم فيه} أي*يحييكم.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {ثم*يبعثكم*فيه} أي:*يبعثكم*في النهار من نومكم.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: ثم*يبعثكمفيه*يعن ي: من النوم في النهار ويرد إليكم أرواحكم.

    *قوله {لِيَتَساءَلوا بَينَهُم}:* ليسأل بعضهم بعضا واللام فيه لام العاقبة لأنهم لم يبعثوا للسؤال.
    قاله البغوي في تفسيره.

    *قوله {لَبِثتُم}:* أي أقمتم، ومكثتم.

    واللُبْثُ: المكث، والإقامة. يقال: لبث في المكان أي مكث وأقام به.

    قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: لبث: اللَّبْث: المُكْثُ، ولَبِثَ لَبْثاً.

    قال ابن فارس في مقاييس اللغة: اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالثَّاءُ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّثٍ. يُقَالُ: لَبِثَ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ.

    قال الحميري في شمس العلوم: لبِثَ: اللبث: الإِقامة.

    قال الجمل في معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن: لبث في المكان: أقام به.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}: أي مقيمين، وماكثين، ومستقرين في جهنم أزمنة لا تنتهي.

    قال الألوسي في روح المعاني: أي مقيمين في جهنم ملازمين لها.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: {لابثين فيها أحقابا} يعني: ماكثين فيها أبدا دائما.

    ومنه {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَام}: كَمْ لَبِثْتَ: كم أقمت ومكثت ها هنا؟.
    قاله الواحدي في الوجيز.

    قال الجرجاني في درج الدرر: {كم لبثت}: أقمت بمكان أو على حال.

    وقال الكفوي في الكليات: كم مكثت.

    ومنه {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}: لَمْ يَلْبَثُوا: لم يقيموا في الدنيا.
    قاله أبو حيان في البحر المحيط.

    ومنه {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}: فَقَدْ لَبِثْتُ: أَي: فقد أَقمت.
    قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ}: من قبل نزول القرآن أي فقد أقمت فيما بينكم أربعين سنة ولم تعرفوني متعاطياً شيئاً من نحوه ولا قدرت عليه ولا كنت موصوفاً بعلم وبيان فتتهموني بإختراعه.

    ومنه {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}: لم يقيموا، أو لم يستقروا.
    قاله الجمل في معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن.

    ومنه {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ: أي أقام به مسجونا.
    قاله الجمل في معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن.

    ومنه{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}: يريد: أقام فيهم يدعوهم إلى الله.
    قاله الواحدي في البسيط.

    *قوله {بِوَرِقِكُم}:* بفضتكم.

    والورِق بكسر، وسكون الراء: الفضة. وكانت نقودهم يومئذ. والورق بفتح الراء: كورق الشجر.

    قال الجلال المحلي في الجلالين: بِوَرِقِكُم: بسكون الراء وكسرها بفضتكم.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: الورق: الفضة.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: (الورق) الفضة دراهم كانت أو غير دراهم.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {بِوَرِقِكُم}: فضتكم.
    قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن كثير في تفسيره، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والبقاعي في نظم الدرر، والإيجي الشافعي في جامع البيان، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن، وغيرهم.

    إلا أن العليمي قال: المعنى: فأرسلوا واحدا منكم بفضتكم.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {بورقكم} هي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة.

    قال الكفوي في الكليات: {بورقكم} : الوَرِق: الْفضة، مَضْرُوبَة كَانَت أَو غَيرهَا.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر، قال: اتَّخَذَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ...»: فقوله (من ورق): أي من فضة.
    قاله القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري.

    *قوله {أَزْكى طَعامًا}:* أَزْكى: أَي أحل.

    قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم.

    إلا أن المحلي قال: أي أي أطعمة المدينة أحل.

    قال مجير الدين العليمي في تفسيره: أحل وأطيب؛ لأنهم كان فيهم من يذبح للطواغيت.

    قال البغوي في تفسيره: أي : أحل طعاما، حتى لا يكون من غصب أو سبب حرام وقيل : أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن ولا يكون من ذبيحة من يذبح لغير الله وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم.

    قلت (عبدالرحيم): قوله {أَزْكى طَعامًا}: يعني أحل طعاما. فيه إشارة إلى إلى تطييب المطعم، وإشارة إلى صلاحهم وتقواهم، وذلك لأنهم تواصوا بأكل الحلال الطيب، وتناهوا عن أكل الخبيث، ووجه النهي هنا، أنهم أمروا بأزكى الطعام يعني: أحله وأطيبه، والأمر بالشيء نهي عن ضدده. وما ذاك إلا ببركة إيمانهم بالله، فالايمان له عمله وتأثيره في الجوارح. وهذا من علامة توفيق الله لهم، فلما آمنوا زادهم هدى وتقى، كما قال تعالى {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، وكذا أهل الإيمان إلى قيام الساعة، قال تعالى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}.

    *قوله {فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ}:* برزق: أي بطعام.

    قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والجرجاني في درج الدرر، وغيرهم.

    إلا أن الجرجاني قال: {فليأتكم برزق منه}: يقول: طعاما منه.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}: رِزْقُهُمْ: طعامهم.

    قال الطبري في تفسيره: «يقول:*ولهم طعامهم*وما يشتهون من المطاعم والمشارب...».

    قال السمرقندي في بحر العلوم: ولهم*رزقهم*فيها* كرة*وعشيا، يعني: طعامهم*على مقدار البكرة*والعشي، وليس هناك*بكرة*ولا عشي.

    *قوله {وَليَتَلَطَّف}:* أي وليترفق. يعني: يتكلف اللطف، ويحرص عليه. وأصل اللطف: الرفق. (1).

    والمعنى: وليترفق في أمره عامة، وأمر الشراء خاصة؛ كي لا يفطن إليكم أحد.

    قال الجرجاني في درج الدرر: {وَلْيَتَلَطَّف } في الشراء.

    قال الثعلبي في تفسيره، ومجير الدين العليمي في تفسيره : وليتلطف: وليترفق في الشراء، وفي طريقه، وفي دخول المدينة.

    زاد العليمي:* حتى لا يطلع عليه.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: وليتلطف، أي: وليرفق في السؤال.

    قال الجرجاني في درج الدرر: {وليتلطف}: وليتكلف اللطف في القول والعمل؛ كيلا نفتضح.

    قلت (عبدالرحيم): وفيه أنه ينبغي: إعمال اللطف، والرفق في الأمر كله عامة، وعند قضاء الحوائج خاصة، وأنه أدعى للسكون وعدم الجلبة.

    وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: تلطَّفَ الشَّخْصُ في الأمر: ترفَّق فيه وعالجه بأدب "تلطَّف في معالجة المشكلة- {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} ".

    *قوله {وَلا يُشعِرَنَّ}:* ولا يعلمنَّ. وأصل الإشعار: الإعلام.

    والمعنى: لا يُعْلِمَنَّ، ولا يُخْبِرَنَّ بكم، ولا بمكانكم أحدا من أهل المدينة، وإن أخذه الشُرَط، وكي لا يفتنا القوم في ديننا، فنفتن جميعا، كما قال تعالى - بعدها - {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}: أي إن يعلموا مكانكم إما يقتلوكم بالرجم، أو يردوكم إلى دينهم.

    ولعلهم أرسلوا أجلدهم وأقواهم، دينا وبدناً.

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: يقال: شعرت بالأمر، أي علمت به.

    قال الزبيدي في تاج العروس: أَصْلُ الإِشْعَار: الإِعْلام.

    قال ابن سيده في المحكم والمحيط الاعظم: وأشْعَرَه الأمْرَ وأشْعَرَه بِهِ: أعْلَمَهُ إِيَّاه.

    وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: أشعر فلانًا الأمرَ/ أشعر فلانًا بالأمرِ: أعلمه إيّاه " أشعرهُم بالخطر.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}:*لا يعلمن.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ويحيى بن سلام في تفسيره، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن،والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والسمرقندي في بحر العلوم.

    إلا أن مقاتلا، والسمرقندي قالا: أي لا يعلمن بمكانكم أحدا من الناس.

    وزاد أبو عبيدة، والزجاج: بكم.

    قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والجرجاني في درج الدرر، وابن كثير في تفسيره: أي ولا يعلمن بكم أحدا.

    إلا أن الجرجاني قال: {وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً}: يقول: لا يعلمنّ بكم أحدا من المجوس.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره، وابن الهائم في التبيان: يُشْعِرَنَّ: يعلمنّ.

    قال القرطبي في تفسيره: ولا يشعرن بكم أحدا أي لا يخبرن . وقيل : إن ظهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما وقع فيه.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعر بنا من غير قصد منه فسمى ذلك إشعاراً منه بهم لأنه سبب فيه.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {ولا يشعرن بكم أحد}: أي لا يعلمن، ويدرين. ومنه قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}: يشعركم: يدريكم.
    قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

    وقال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أَي: وَمَا يعلمكم.

    ومنه قوله تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}: شَعَائِرَ اللَّهِ: ما جعلها الله علامات على تقواه، ونسكه، وشرائعه.

    قال القاسمي في محاسن التأويل: جمع شعيرة وهي العلامة، مأخوذ من*الإشعار*الذي هو*الإعلام، ومنه قولك: شعرت بكذا أي علمت انتهى.

    ومنه {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}:* وسمي مشعرا، من الإشعار،*الإعلا *لأنه من معالم الحج،*وأصل الحرام: المنع فلا يفعل فيه ما نهي عنه.
    قاله مجير الدين العليمي في تفسيره.

    ومنه ما رواه البخاري (1491)، من حديث أبي هريرة* مرفوعا: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ»: أَمَا شَعَرْتَ: أي: أما علمت.
    قاله ابن المَلَك في شرح مصابيح السنة للإمام البغوي.

    قلت (عبدالرحيم): ويؤيده رواية مسلم (1069): "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟».

    ومنه ما رواه مسلم (983)، من حديث أبي هريرة مرفوعا: «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟»: أما شعرت: يعني: اما علمت.

    قال البيضاوي في تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة: قوله: " يا عمر! أما شعرت " أي: علمت " أن عم الرجل صنو أبيه؟ " أي: مثله.

    قال الضرير الشيرازي في المفاتيح في شرح المصابيح: قوله: "أما شعرت"؛ أي: أما علمتَ، الهمزة للاستفهام، وما للنفي.

    ومنه ما رواه البخاري (4178)، من حديث ، وفيه: فَلَمَّا أَتَى ذَا الحُلَيْفَةِ، قَلَّدَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ...». فقوله (وَأَشْعَرَهُ): أي علمه بعلامة، كي يعرف أنه مهدى للبيت الحرام، فلا يختلط بغيره، ولا يتعرض إليه أحد، كما قال تعالى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}: أي من علامات تعظيم أوامر الله.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: وإِشْعَارُ البُدْنِ: إذا أُهدِيت. وهو أن تطعن في سَنامها، وتُجَلِّلَها وتُقَلِّدَها، لأن ذلك من علامات إهْدَائها.

    قال محمد فؤاد عبدالباقي في شرحه على مسلم: وأصل الإشعار*والشعور* الإعلام*والعلام وإشعار الهدي لكونه علامة له ليعلم أنه هدي فإن ضل رده واحده وإن اختلط بغيره تميز.

    قال الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره:{من شعائر الله} أعلام دينه.

    قال الطبري في تفسيره: «يقول: من أعلام أمر الله الذي أمركم به في مناسك حجكم ...».

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {جعلناها لَكُمْ مّن شعائر الله} أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله وإضافتها إلى اسمه تعظيم لها.
    .............................. ....
    (1): أنظر المعجم الوسيط.
    .............................. ...

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  15. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿نَزّاعَةً لِلشَّوى﴾ [المعارج: 16].

    *قوله {نَزّاعَةً}:* أي قلّاعة.

    وأصل النزع: القلع. يعني: جهنم تقلع، وتجذب، وتزيل بقوة وشدة.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {نزاعة} يعني: أكالة.

    قال التوربيشتي في الميسر شرح مصابيح السنة: وأصل النزع: القلع. يقال: نزعت الشيء من مكانه أي: قلعته.

    قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: وأصل النزع جذب الأشياء من مقارها بقوةٍ.

    قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر، وابن منظور في اللسان، والزبيدي في تاج العروس: وأصل النزع: الجذب والقلع.

    زاد أبو السعادات: ومنه نزع الميت روحه. ونزع القوس، إذا جذبها.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {وَالنَّازِعَات غَرْقًا}: قسم بالملائكة تقلع وتجذب أرواح الكفار بقوة.

    قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: لأنها تقلع أرواح الكفارة بشدة.

    ومنه { تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}: أي تقلعهم، بعنف من مواضعهم فتطرحهم على رؤوسهم .

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {تَنْزِعُ النَّاسَ} أي تقلَعُهم من مواضعهم.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {تنزع الناس}: تقتلعهم من مواضعهم، وترمي بهم على رؤوسهم، فتدق أعناقهم، وتنفصل عن أجسادهم.

    *قوله {لِلشَّوى}:* جمع، مفردها: شواة. وهي: جلود الرؤوس، والأطراف من الآدميين، وكل ما ليس بمقتل من الجسم.

    والمعنى: إن لظى، أي: جهنم قلاعة للأطراف كاليدين والرجلين، وجلدة الرأس، أي تبريه وتكشطه دون العظم، فلا تترك بذلك لحما، ولا جلدا، فإذا ذهبت عادت كما كانت {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و: «الشوى» جلد الإنسان.

    قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: الشوى أطراف الجسد.

    قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: لجلدة الرأس.

    قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: واحدتها شواة وهى اليدان والرجلان والرأس من الآدميين.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: الشوى: الأطراف، كاليد، والرجل.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} يريد: جلود الرؤوس. واحدها: "شواة".

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: نزاعة*للشوى، وهي الأطراف: اليدان، والرجلان، وسائر الأطراف.
    قاله البغوي في تفسيره.

    قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره مخبرا عن لظى إنها تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: قلاعة للأعضاء.

    قال القشيري في لطائف الإشارات: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: قلاعة للأطراف. تكشط الجلد عن الوجه والعظم.

    قال الواحدي في الوجيز: {نزاعة للشوى} يعني: جلود الرأس تقشرها عنه.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {للشوى}: لأطراف الإنسان كاليدين والرجلين أوجمع شواة وهي جلدة الرأس تنزعها نزعا فتفرقها ثم تعود إلى ما كانت.

    قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي هي شديدة النزع لجلود الرؤوس بليغته فما الظن بغيره من الجلد.

    قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: واعلم أن النار إذا أفنت هذه الأعضاء، فالله تعالى يعيدها مرة أخرى، كما قال: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب [النساء: ٥٦].

    المعنى الاجمالي للآية ، من كتاب (المختصر في التفسير):
    ﴿نَزّاعَةً لِلشَّوى﴾ [المعارج: 16].
    تفصل جلدة الرأس فصلاً شديدًا من شدة حرّها واشتعالها.
    ........................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  16. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    {إِنَّ هذا أَخي لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكفِلنيها وَعَزَّني فِي الخِطابِ} [ص: 23].

    *قوله {إِنَّ هذا أَخي}:* يقول: أخي على ديني.
    قاله الطبري في تفسيره.

    قال القرطبي في تفسيره: {إن هذا أخي}: أي على ديني، وأشار إلى المدعى عليه.

    قال البغوي في تفسيره: فقال أحدهما: {إن هذا أخي} أي: على ديني وطريقتي.

    قال السعدي في تفسيره: نص على الأخوة في الدين أو النسب أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، وأن بغيه الصادر منه أعظم من غيره.

    قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

    المسألة الأولى: انظر إلى أدب صاحب الدعوى عندما عرض قضيته بأدب من القول حيث قال: "أخي"، فليتق الله عز وجل أقوام بينهم وبين اخوانهم خصومات، فليتلطفوا في عرضهم، ويتقوا الله في الخصومة عسى أن تكون سببا في رد الحقوق و التآلف بين الناس.

    أما السباب والفسوق والعصيان في الخصومات وغيرها لا تزيد الحق إلا ضياعا، والناس إلا فرقة.

    هذا ومما لا ريب فيه أنه لا بأس أن ينتصر المسلم لحقه ويسعى في تحصيله، كما قال تعالى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}، وسيأتي مزيد تفصيل عند تعرضنا لتأويل سورة الشوى (إن شاء الله)، ولكن هذه إشارة، ووصية عسى أن ينفع الله بها.

    المسألة الثانية:

    قوله تعالى {إنَّ هذا أَخي}: الأخوة في القرآن على ضربين: أخوة دين، وأخوة نسب.

    أما عن أخوة الدين:
    فعليها المعول في الولاء والبراء، وهي أثبت وأعظم من غيرها، فكل مؤمن بالله فهو أخ لك تجب موالاته، ومودته، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}،

    ومن كان كافرا بالله فلا* حظ له من الأخوة وإن كان من أبيك وأمك، وفي ذلك قال تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أولئك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}.

    وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم، فكان منهم تجاه أقربائهم المشركين ما هو معلوم. {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}. بغض النظر عن أن يبر المسلم قريبه الكافر إذا لم يكن محاربا. والتفصيل في موطنه.

    وأما عن قوله تعالى {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} وقوله {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ}، وقوله {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}: فعني بكل هذا أخوة النسب؛ ولأن كل هؤلاء كذبوا الرسل، كما قال تعالى {كذبت عاد المرسلين}.

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: ليس بأخيهم في الدين ولكن أخوهم في النسب.

    قال يحيى بن سلام في تفسيره: {إذ قال لهم أخوهم هود}: أخوهم في النسب وليس بأخيهم في الدين.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وإلى عاد} أي: وأرسلنا إلى عاد {أخاهم هودا} أخوهم في النسب، وليس بأخيهم في الدين.

    قال البغوي في تفسيره: أخاهم في النسب لا في الدين.

    *قوله {لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً}:* النعجة: أنثى الغنم. والجمع: نعاج.

    *قوله {وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ}:* فطمع فيها.
    قاله السعدي في تفسيره.

    *قوله {فَقالَ}:* أخي صاحب النعاج الكثيرة.

    *قوله {أَكفِلنيها}:* أي ضُمَّها إليَّ. يعني: إلى نعاجي. وأصل الكفالة: الضم.

    قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن : {فقال أكفلنيها}: أي ضمها إلي واجعلني كافلها.

    زاد ابن الهائم: أي الذي يضمها ويلزم نفسه حياطتها والقيام بها.

    قال الطبري في تفسيره: وقوله (فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا) يقول: فقال لي: انزل عنها لي وضمها إليّ.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: أي: ضمها إلي.

    قال النحاس في معاني القرآن: ومعنى (أكفلنيها) انزل لي عنها واجعلني كافلها.

    قال الواحدي في الوجيز: {فقال أكفلنيها} أي: انزل عنها واجعلني أنا أكلفها.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدى.

    قلت (عبدالرحيم): وأصل الكفالة: الضم. ومنه قوله تعالى - حكاية عن موسى عليه السلام -: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ}: يَكْفُلُهُ: يضمه، فيصلح شأنه.

    قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: ومعنى يكفله: يضمه إليه ويرضعه.

    ومنه {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}: أي ضَمَّها إليه.
    قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن.

    قال السمعاني في تفسيره: الكفالة: الضم، يعني: وضمها زكرياء إلى نفسه.

    قال الكفوي في الكليات: {كفلها زكريا} : ضمها إليه وحضنها.

    قال في طلبة الطلبة: الكفالة الضمان من حد دخل وأصلها الضم ومنه قولهم كفل فلان فلانا إذا ضمه إلى نفسه يمونه ويصونه قال الله تعالى {وكفلها زكريا}.

    ومنه {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}: يَكْفُلُ مَرْيَم: يضنها إليه، لأنها كانت بنت خيرهم.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون} فيها أيهم يضمها إليه.

    *قوله {وَعَزَّني}:* أي وغلبني.

    قال الراغب في المفردات في غريب القران: وعَزَّهُ كذا: غلبه.

    قال الفراهيدي في العين: والمُعازَّةُ: المُغالَبة في العِزِّ. وقوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ} أي غلبني.

    قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: وعزه يعزه عزا، قهره وغلبه، وفي التنزيل: (وعزني في الخطاب).

    قال في معاني كلمات الناس:* العزيز: معناه في كلام العرب: القاهر الغالب. من ذلك قول العرب: قد عز فلان فلانا يعزه عزا: إذا غلبه. قال الله عز وجل: {وعزني في الخطاب} فمعناه: غلبني في الخطاب.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {وَعَزَّنِي}: أي غلبني.
    قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والتستري في تفسيره، وابن فورك في تفسيره، وابن كثيري في تفسيره، وابن عطية في المحرر الوجيز، وبيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن، وابن الهائم في التبيان.

    إلا أن النسفي وابن الهائم قالا: وغلبني.

    وزاد ابن قتيبة: في القول. ويقال: صار أعز مني. يقال: عاززته فعززته وعزني.

    *قوله {فِي الخِطاب}:* الخِطاب: الكلام، والحوار.

    والمعنى: غلبني في الاحتجاج بكلامه، لأنه أقدر على البيان مني. وأصل الخطاب معناه: الكلام.

    قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: الخطاب: الكلام بين اثنين.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا}: خِطَابًا: كلاما.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {خطابا}: كلاما، وسؤالا إلا بإذنه.

    ومنه - حكاية عن داود عليه السلام -: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}: الْخِطَابِ: الكلام.

    قال برهان الدين الخوارزمي في المغرب في ترتيب المعرب: {وفصل الخطاب}: الكلام البين الملخص الذي يتبينه من يخاطب به ولا يلتبس عليه والفاصل بين الحق والباطل والصحيح والفاسد.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وفصل الخطاب: بلاغة الكلام وجمعه للمعنى المقصود بحيث لا يحتاج سامعه إلى زيادة تبيان، ووصف القول ب (الفصل) وصف بالمصدر، أي فاصل. والفاصل: الفارق بين شيئين، وهو ضد الواصل، ويطلق مجازا على ما يميز شيئا عن الاشتباه بضده.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {وَعَزَّني فِي الخِطاب}:* أي غلبني في الكلام.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل.

    زاد ابن جزي: والمحاورة يقال: عز فلان فلانا إذا غلبه.

    قال البغوي في تفسيره: وعزني، وغلبني، في الخطاب، أي في القول.

    قال أبو السعود في تفسيره: أي غلبنِي في مخاطبتِه إيَّاي محاجَّةً بأنْ جاء بحجاجٍ لم أقدرْ على ردِّه ...».


    قال الكفوي في الكليات: غلبني في مخاطبته.

    قال القاسمي في محاسن التأويل: أي غلبني في المكالمة.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (وعزني في الخطاب): غلبني في الخصومة، أي كان أقوى على الاحتجاج مني.

    المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

    ﴿إِنَّ هذا أَخي لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكفِلنيها وَعَزَّني فِي الخِطابِ﴾ [ص: 23].
    قال أحد الخصمين لداود عليه السلام: إن هذا الرجل أخي، له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة، فطلب مني أن أعطيه إياها، وغلبني في الحجة.
    .........................
    كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +*966509006424

  17. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿أَم تَسأَلُهُم أَجرًا فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلونَ﴾ [القلم: 46].

    *قوله {أَم}:* حرف استفهام.

    والاستفهام هنا: للتهكم (1)، والتقريع، أي التوبيخ (2).

    قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: [أم]:* حرف * استفهام* يعطف به.

    قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: والاستفهام* للتقريع (3) والتوبيخ* لهم، والمعنى أنك لم تسألهم ذلك ولم تطلبه منهم.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير - عند تأويله لسورة الطور -: والاستفهام المقدر بعد {أم} مستعمل في التهكم بهم بتنزيلهم منزلة من يتوجس خيفة من أن يسألهم الرسول صلى الله عليه وسلم أجراً على إرشادهم .

    *قوله {تَسأَلُهُم}: * أي تطلب منهم. يعني: تطلب منهم على* ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله، وتبليغ الرسالة.

    والسؤال هنا بمعنى: الطلب. ومنه قوله تعالى {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}: أي طلب طالب واستعجل العذاب، وهو واقع لا محالة.

    ومنه {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}: لِلسَّائِلِينَ: للطالبين الرزق، والقوت.

    قال ابن عجيبة في البحر المديد: أي قدر فيها*الأقوات*للط البين*لها والمحتاجين إليها.

    قال أبو هلال العسكري في الوجوه والنظائر: وقوله {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}: أي عدل لمن يطلب الرزق.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وإنما قيل (للسائلين) لأن كلا يطلب القوت ويسأله.

    قال الجمل في مخطوطته: السؤال:*الطلب.
    سؤال: (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) "٢٤/ص" أي بطلب نعجتك لتضم إلي نعاجه.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أم تسألهم} يقول للنبي: أم تسأل المشركين على القرآن.

    *قوله {أَجرًا}:* أي مالا.

    والمعنى: أم تطلب من هؤلاء المشركين على القرآن، وتبليغ الرسالة مالا دنيويا؟!، بل أنت المنفق في دعوتك من أجل إسلامهم.

    قال القرطبي في تفسيره:* {أَجْرًا} على تبليغ الرسالة.

    قال الألوسي في روح المعاني: (أم تسألهم) على الإبلاغ والإرشاد أجرا دنيويا.

    قال السعدي في تفسيره:*ليس الأمر كذلك، بل أنت الحريص على تعليمهم، تبرعا من غير شيء، بل تبذل لهم الأموال الجزيلة، على قبول رسالتك، والاستجابة لأمرك ودعوتك، وتعطي المؤلفة قلوبهم ليتمكن العلم والإيمان من قلوبهم.

    قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

    *المسألة الاولى: *

    قوله تعالى {أَم تَسأَلُهُم أَجرًا}: يريد: أسبب إعراضهم عنك أنك تطلب منهم مالا على دعوتك إياهم؟، يعني: لم تسألهم مالا على القرآن وتبليغ الرسالة ليعرضوا عنك، بل أنت المنفق من وسعك ليهتدوا.

    بل لو أثقلهم المغرم ليفتدوا من عذاب الجحيم لكان خيرا لهم وربحا عظيما، فكيف وأنت لم تطلب منه شيئا من ذلك؟!. قال تعالى {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ}: أي إن سألتكم أجرا على الإيمان بي فإنه يعود عليكم أنتم وحدكم، أما أنا فأجري علي ربي.

    بل وسيأتيهم يوم يعرضون فيه على النار ويودون لو افتدوا أنفسهم من عذابها بأموالهم، وما في الأرض ما نفعهم، وما تقبل منهم، كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

    ولن يجدوا جزاء لدعوتك ولو جمعوا لك الدنيا وما فيها؛ فأنت تدعوهم السعادة الأبدية، إلى الخلود الأبدي في الجنان، وهم يريدون الشقوة والخلود في الجحيم.

    وكذا يا محمد - صلى الله عليه وسلم - عادةُ الرسلِ قبلك يُبلِّغون ويَبْذُلُون النصح بلا مقابل، فلم يطلب أحد قط*ممن أرسلت قبلك أجرا على دعوته، وأخبروا أممهم وصرحوا به، حتى عُلم ذلك منهم، قال تعالى (اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ): يعني لا يسألوكم مالا على نصحه لكم.

    قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح: وأمره أن لا يأخذ منهم على ذلك أجرا ولا شيئا من متاع الدنيا بقوله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر} وكذلك سائر الرسل في كتاب الله كلهم يقول: لا أسألكم عليه مالا ولا أجرا إن أجري إلا على الله وهو الجنة.

    قلت (عبدالرحيم): وفيه دليل أن مدعي النبوة أرادوا المال والدنيا بدعوتهم الكفرية، فأثروا الدنيا على الآخرة، وفي غير ما آية يأمر الله نبيه التصريح* بأنه لا يريد عوضا عن دعوته إياهم، قال تعالى {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِي نَ}: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِي ن: أي لست من المتصنعين بما ليس فيه، حتى أتصنع وأدعي النبوة بالباطل.

    قال أبو السعود في تفسيره، وجماعة من أهل التأويل: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِي ن): أي المتصنعين مما ليسوا من أهله حتى أنتحل النبوة وأتقول القرآن.

    قال ابن كثير في تفسيره: {وما أنا من المتكلفين} أي: وما أزيد على ما أرسلني الله به، ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة.

    *المسألة الثانية:*

    قوله تعالى {أَم تَسأَلُهُم أَجرًا}: الأجر هنا: المال. وقد جاء التصريح به في غير ما آية، كما في قوله تعالى على لسان هود - عليه السلام - (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ): قال الطبري في تفسيره:* ومعنى الكلام: ويا قوم لا أسألكم عليه أجرا.

    ومنه {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}: أي أجرة على إبلاغك إياهم رسالة الله؟ أي : لست تسألهم على ذلك شيئا.
    قاله ابن كثير في تفسيره.

    ونظير ذلك في كتاب الله كثير، من ذلك قوله تعالى {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}: أي مالا يخرجونه إليك.
    قاله أبو علي الفارسي في الحجة للقراء السبعة.

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز: هذا توبيخ لهم كأنه قال: أم سألتهم مالا فقلقوا بذلك*واستثقلوا*م ن*أجله.

    ومنه {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}: ومن جملة اقتداءك بهم أنك لا تسأل على دعوتك أجرا، وأعلِم الناس بذلك.

    قال الواحدي في الوجيز: {أَجْرًا}: مالا تعطونيه.

    ومنه (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى): لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا: أي مالا.
    قاله السمعاني في تفسيره.

    ومنه {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}: أي لا أطلب مالا ولا نفعا يختص بي.
    قاله ابن عطية في المحرر الوجيز.

    *قوله {فَهُم}:* لأجل ذلك.
    قاله الألوسي في روح المعاني.

    *قوله {مِن}:* تعليلية. أي: للتعليل. بمعنى: من أجل.

    ومنه قوله {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة ُ مِنْ خِيفَتِهِ}: مِنْ خِيفَتِهِ: يعني يسبحون من أجل خيفته وهيبته.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومن للتعليل، أي ينزهون الله لأجل الخوف منه، أي الخوف مما لا يرضى به وهو التقصير في تنزيهه.

    ومنه قوله تعالى {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله}: أي من أجل خشية الله.

    قال أبو حيان في البحر المحيط: فكان المعنى: لمايهبط*من*أجل*أ يحصل لعباد*الله*تعالى .

    قال السمين الحلبي في الدر المصون، وسراج الدين النعماني في اللباب: قوله {مِنْ خَشْيَةِ الله}: منصوب المحل متعلق ب «يهبط». و «من» للتعليل.

    ومنه قوله تعالى {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}: أي يحسبهم الجاهل بحالهم أغنياء من أجل تعففهم الشديد.

    قال البسيلي فس التقييد المبير: و(مِنَ) للتعليل، وهي متعلقة ب(يحسب).

    ومنه {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}: مِنْ يَوْمِهِمُ: من للتعليل، أي من أجل يومهم.
    قاله الهرري في حدائق الروح والريحان فس روابي علوم القرآن.

    انتهى

    فقوله تعالى {مِن مغرم}: يعني: من أجل مغرم.

    قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و {مِن} للتعليل، أي مثقلون من أجل مغرم حُمل عليهم.

    *قوله {مَغرَمٍ}:* أي غرم. يعني: غرامة مالية.

    قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، وأبو علي القالي في البارع في اللغة العربية: والمغرم: الغُرم.

    إلا أن القالي قال: والمغرم: هو الغُرم.

    قال ابن فارس في مجمل اللغة: والمغرم: الثقل ديناً.

    قال النحاس في إعراب القرآن: مغرم: مصدر أي أم تسألهم مالا فهم من أن يغرموا شيئا {مثقلون} أي يثقل ذلك عليهم.

    قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: {من مغرم} أي غرم. والمعنى هل سألتهم أجرا فأثقلهم ذلك؟.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن. {مَغرَمٍ}: غرامة تلك الأجرة.

    قال أبو موسى المديني في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: أي غرم، وهو ما يلزم الإنسان نفسه، أو يلزمه غيره، وليس بواجب.

    *قوله {مُثقَلون}:* يعني: من أجل هذا المغرم مثقلون. أي محملون حملا ثقيلا، ثقل عليهم آدائه.

    قال الكفوي في الكليات: {مُثقَلون}: محملون الثقل.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {مُثقَلون}: مكلفون حملا ثقيلا.

    قال السمرقندي في بحر العلوم {فهم من مغرم مثقلون}: يعني: من أجل المغرم، يمتنعون عن الإيمان. يعني: لا حجة لهم في الامتناع، لأنك لا تسأل منهم أجرا، فيثقل عليهم لأجل الأجر.

    قال البغوي في تفسيره:* (فهم من مغرم مثقلون) أثقلهم ذلك المغرم الذي تسألهم ، فمنعهم من ذلك عن الإسلام .

    قال الألوسي في روح المعاني: (فهم من مغرم مثقلون) مكلفون حملا ثقيلا فيعرضون عنك.

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلون}: فيه مسألتان:

    المسألة الأولى:

    قوله تعالى {مُثقَلون}: المثقل: من تحمل ثقيلا. ومنه أثقلته الديون، وأثقلته الشيخوخة: أفقدته الخفة(4)، وامرأة مثقل: ثقلت من حملها، ومنه قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}: فَلَمَّا أَثْقَلَتْ: أي صارت ذات ثقل لأجل الحمل، وكبر الولد في بطنها.

    قال السمين الحلبي في الدر المصون: قوله {أَثْقَلَتْ}: أي صارت ذا ثقل.

    ومنه {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}: يقول تعالى: وإن تسأل*ذات*ثقل*من الذنوب من يحمل عنها ذنوبها، وتطلب ذلك لم تجد من يحمل عنها شيئا منها، ولو كان الذي*سألته ذا قرابة من أب أو أخ.
    قاله الطبري في تفسيره.

    المسألة الثانية:

    قوله {فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلون}: يريد: لم تطلب منهم مالا مقابل دعوتك، ليثقل عليهم، فالواقع ليس كذلك، فأنت تطلب منهم يسيرا هينا، أن يؤمنوا بالله فحسب، وأي شيء عليهم لو فعلوا ذلك {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: قوله {وماذا*عليهم} المعنى: أي شيء*عليهم؟.
    *
    قال السيوطي في الجلالين: أي أي ضرر*عليهم*في ذلك والاستفهام للإنكار ولو*مصدرية أي لا ضرر فيه وإنما الضرر فيما هم عليه.

    قلت (عبدالرحيم): وفي الصحيحين من حديث أنس، مرفوعا، أن الله يقول لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في*الأرض من شيء، كنت تفتدي به قال: نعم قال: لقد سألتك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم، أن لا تشرك بي،*فأبيت*إلا*ال رك.

    انتهى

    المعنى الإجمالي للآية:

    ﴿أَم تَسأَلُهُم أَجرًا فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلونَ﴾ [القلم: 46].

    يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين بالله على ما أتيتهم به من النصيحة، ودعوتهم إليه من الحقّ، ثوابا وجزاء (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ) يعني: من غرم ذلك الأجر مثقلون، قد أثقلهم القيام بأدائه، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك، وتجنبوا لعظم ما أصابهم من ثقل الغرم الذي سألتهم على ذلك الدخول في الذي دعوتهم إليه من الدين.
    قاله الطبري في تفسيره.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون): المعنى أن الحجة واجبة عليهم من كل جهة، لأنك أتيتهم بالبيان والبرهان ولم تسألهم على ذلك أجرا.

    قال السعدي في تفسيره: {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} أي: ليس لنفورهم عنك، وعدم تصديقهم لما جئت به، سبب يوجب لهم ذلك، فإنك تعلمهم، وتدعوهم إلى الله، لمحض مصلحتهم، من غير أن تطلبهم من أموالهم مغرما يثقل عليهم.
    ..................
    (1): قال في الفائق في غريب الحديث: التهكم: الاستهزاء والاستخفاف.

    قال الحميري في شمس العلوم: والتهكم: التهزؤ.

    (2): قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: وبخ:*التَّوبيخ: الملامةُ، وَبَّخُتُه بسوء فعله.

    قال في التوقيف على مهمات التعاريف: التوبيخ: اللوم الشديد العنيف وقيل التقريع على جهة الزجر.

    (3): قال الحميري في شمس العلوم: [التقريع]:*قرعه، أي وبخه وعنفه.

    قال الرازي في مختار الصحاح: و (التقريع) التعنيف.*
    *
    (4): أنظر: معجم اللغة العربية المعاصرة.
    ...................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  18. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿بَل تُؤثِرونَ الحَياةَ الدُّنيا﴾ [الأعلى: 16].

    *قوله {تُؤْثِرُونَ}:* أي تختارون، وتفضلون، وتقدمون، وتخصون.

    يعني: تخصون الحياة الفانية، وتقدمونها على الباقية الدائمة، والأحرى أن تختاروا ما يبقى. لذا قال بعدها: {وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقى}: أي أدوم من الدنيا. وتصديقه قوله تعالى {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}: الْحَيَوَانُ (1): بمعنى الحياة، أي الحياة الحقيقية، الدائمة، الباقية التي لا تزول.

    وأصل الإيثار: التفضيل، وهو أن تفضل، وتختار، وتقدم، وتخص نفساً دون أخرى. تقول: آثرت فلانا إيثارا: أي فضلته، واخترته، وقدمته على غيره، وجعلته أحق من غيره.

    قال الدَّمِيري في شرح لامية العجم: آثرت فلانا على نفسي: اخترته.

    قال الزبيدي في تاج العروس: وآثَرَ: اخْتارَ: وفَضَّلَ، وقَدَّمَ.

    قال الأزدي في جمهرة اللغة: وآثرتُ فلَانا بِكَذَا وَكَذَا أُوثره إيثاراً، إِذا فضّلته، فَهُوَ موثَر وَأَنا موثِر.

    قال أبو سهل الهروي في إسفار الفصيح: "وآثرت فلانا عليك " بالمد، ووزنه أفعلت، "فأنا أوثره إيثارا" : أي فضلته وقدمته واخترته.

    قال ابن منظور في اللسان: وأَثِرَ أَن يَفْعَلَ كَذَا أَثَراً وأَثَر وآثَرَ، كُلُّهُ: فَضّل وقَدّم. وآثَرْتُ فُلَانًا عَلَى نَفْسِي: مِنَ الإِيثار. الأَصمعي: آثَرْتُك إِيثاراً أَي فَضَّلْتُك.


    قال النحاس في معاني القرآن: يقال: لفلان عندي أثرة أو أثرة أي شئ أخصه به، ومنه آثرت فلانا على فلان.

    قال الواحدي في البسيط: واستأثر فلان بكذا، إذا اختص به دون غيره.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات: ويستعار الأثر للفضل، والإيثار للتفضل.

    وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: آثر الشَّيءَ: فَضَّله واختاره "آثر البقاءَ بجوار والديه- {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ".

    انتهى


    فمعنى قوله تعالى { تُؤْثِرُونَ}: تختارون.
    قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والإيجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

    إلا أن السمرقندي قال: يعني: تختارون عمل الدنيا على عمل الآخرة.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}: آثَرَكَ اللَّهُ: أي اختارك، وفضلك علينا.

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره، والجرجاني في درج الدرر، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن الجوزي في زاد المسير، وغيرهم: {تالله لقد آثرك الله علينا} أي: اختارك.

    إلا أن البغوي قال: أي واختارك الله وفضلك علينا.

    وزاد ابن الجوزي: *علينا بحسن الصورة وكمال السيرة.

    قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {آثرك}: فضلك.

    إلا أن أبا بكر قال: فضلك الله علينا.

    قال الطبري في تفسيره: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل.

    ومنه {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}: لن نختارك، ولن نفضلك على ما جاءنا من عند الله، فاصنع ما أنت صانع.

    قال ابن الجوزي في زاد المسير، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والكفوي في الكليات، وغيرهم: {قالوا لن*نؤثرك}*أي: لن*نختارك.

    قال الواحدي في البسيط: قوله تعالى: {قالوا لن*نؤثرك} أي: لن نفضلك*ولن*نختارك .

    قال السمرقندي في بحر العلوم: قوله: {قالوا لن*نؤثرك}، أي: لن نختار عبادتك وطاعتك ولن نتبع دينك على ما جاءنا من البينات، يعني: على دين الله بعد ما جاءنا من العلامات والذي فطرنا، يعني: ولا عبادتك على عبادة الذي خلقنا.


    ومنه {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}: أي يفضلون ويختارون حاجة اخوانهم على أنفسهم.

    قال الواحدي في الوجيز: {ويؤثرون على أنفسهم} أَي: يختارون إخوانهم المهاجرين بالمال على أنفسهم.

    قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ويؤثرون على أنفسهم} أي: يقدمون المهاجرين على أنفسهم.

    قال السمين الخلبي في عمدة الحفاظ: أي يفضِّلون غيرَهُم على أنفسهم.

    ومنه ما رواه الشيخان، من حديث أسيد بن حضير مرفوعا: (سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ): أي ستجدون بعدي من يفضل نفسه، وغيره عليكم في الدنيا، وأنت أحق وأولى بكل خير. يقول ذلك لأصحابه الانصار- رضي الله عنهم -.

    قال الحميدي في تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم: "أثرة" استئثارا عليكم وتفضيلا يفضل به غيركم من أراد من الفيء وأموال الله والأثرة اسم من اثر يؤثر إيثارا واستأثر الله بالبقاء أي انفرد به ويقال أثرة وإثر نحو بدرة وبدر.

    قال عياض اليحصبي السبتي في مشارق الأنوار على صحاح الآثار: قال الأزهري وهو الاستيثار أي يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل غيركم عليكم نفسه ولا يجعل لكم في الأمر نصيب.

    قال الفَتَّنِي الكجراتي في مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار: ستلقون بعدي "أثرة"- بفتحتين اسم من أثر يؤثر إيثاراً إذا أعطى- أراد أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء.
    ......................
    (1): قوله تعالى {لَهِيَ الْحَيَوَان}: أي الحياة الدائمة الباقية.
    قاله البغوي في تفسيره.

    قال أبو بكر السجستاني، والواحدي في الوجيز، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن: {لَهِيَ الْحَيَوَان}: أي الحياة.

    زاد الواحدي: الدائمة.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معناه: هي دار الحياة الدائمة.
    ...................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

  19. افتراضي

    كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

    قوله تعالى
    ﴿وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا﴾ [الجن: 13].

    قوله {وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا}: يعني الجن.

    قوله {الهُدى}: القرآن.
    قاله البغوي في تفسيره، والماوردي في النكت والعيون، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم.

    إلا أن الماوردي قال: {وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به}: يعني القرآن سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وصدقوه على رسالته، وقد كان رسول الله مبعوثا إلى الجن والإنس.

    قوله {فَلا يَخافُ بَخسًا}: بَخسًا: أي نقصانا.

    قال الخطابي في غريب الحديث: وأصل البخس: النقص.

    قال بطال في النظم المستعذب، وابن فارس في مجمل اللغة: البخس: النقصان.

    زاد بطال: بخسه فى البيع: إذا نقصه.

    قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

    المسألة الأولى:

    قوله تعالى {فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا}: أي نقصا.

    والمعنى: لا يخاف أن يُنْقِصَ اللهُ من أجره وحسناته شيئا، ولو كان طفيفا يسيرا، وذلك يوم القيامة، بل يضاعف الأجر والمثوبة فكيف ينقص من حسناته شيئا، وتصديقه قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}.

    وقوله {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}: فلا ظلم ولو كان قدر نقطة في ظهر نواة. والنقير: النقطة في ظهر النواة.

    ونبه على عدم البخس يوم الحساب الجزاء، لاشاعته في الدنيا. فكم ممن استوفى ولم يوف. كم ممن استوفى من أجير بعد كده وجهده ثم بخسه، أي نقصه في الأجر، ولا يخفى أن الله أنزل في المطففين ما أنزل.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والباخس: الشيء الطفيف الناقص.

    المسألة الثانية:

    قوله تعالى {فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا}: أي نقصا. ومنه قوله تعالى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}: بخس: ناقص.
    قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، والسيوطي المحلي في الجلالين، ومجير الدين العليمي في تفسيره.

    زاد ابن جزي: عن قيمته.

    وزاد العليمي: عن القيمة.

    قال الحوفي في البرهان في علوم القرآن: باعوه بدراهم غير موزونة، ناقصة غير وافية لزهدهم كان فيه.

    قال النسفي في مدارك التنزيل: {بثمن بخس} مبخوس ناقص عن القيمة نقصانا ظاهرا أو زيف.

    قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وقوله تعالى: {وشروه بثمن بخس} قيل: معناه: باخس، أي: ناقص، وقيل: مبخوس أي: منقوص، ويقال: تباخسوا أي: تناقصوا وتغابنوا فبخس بعضهم بعضا.

    ومنه {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا}: وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا: أي ولا ينقص من الحق شيئا ولو طفيفا يسيرا.

    فقوله {وَلَا يَبْخَسْ}: أي ولا ينقص.
    قاله الهروي في الغريبين في القرآن والحديث، والماوردي في النكت والعيون.

    إلا أن الماوردي قال: أي لا ينقص منه شيئا.

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي: لا ينقص من حق الطالب.

    قال الواحدي في الوجيز: وقوله: {ولا يبخس منه شيئا} البخس: النقصان، يقال: بخسه حقه. أي: نقصه، أمر من عليه الحق أن يقر بمبلغ المال الذي عليه ولا ينقص شيئا.

    ومنه {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}: أي ولا تنقصوا الناس أشياءهم، يعني: الذي لهم، وكانوا أصحاب تطفيف ونقص في الميزان.
    قاله يحيى بن سلام في تفسيره.

    ومنه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}: {وهم فيها لا يبخسون} أي: لا ينقصون.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {فَلا يَخافُ بَخسًا}: بَخسًا: أي: نقصا.
    قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن، والواحدي في الوجيز.

    إلا أن ابن قتيبة قال: أي نقصا من الثواب.

    قال الفراء في معاني القرآن: ينقص من ثواب عمله.

    قوله {وَلا}: يخاف.

    قوله {رَهَقًا}: أي ظلما.

    والمعنى: ولا يخاف نقصانا من حسناته، ولا يخاف زيادة في سيئاته؛ بل المغفرة والتجاوز من الله الكريم.

    قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم : والرهق: الظلم.

    زاد الخليل: وهو قوله: فلا يخاف بخسا ولا رهقا.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {رَهَقًا}: أي: ظلما.
    قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، وغيرهم، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وغيرهم.

    زاد ابن قتيبة: وأصل "الرهق": ما رهق الإنسان من عيب أو ظلم.

    قال الواحدي في الوجيز: والمعنى: لا نخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته.

    قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا} أي: نقصانا من حسناته ولا زيادة في سيئاته.

    قال الطبري في تفسيره: {فلا يخاف بخسا}: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها؛ {ولا رهقا}: ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره، أو سيئة لم يعملها.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: {فلا يخاف بخسا} يعني: نقصانا من ثواب عمله، {ولا رهقا} يعني: ذهاب عمله. وهذا كقوله تعالى (فلا يخاف ظلما ولا هضما).

    قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {فلا يخاف بخسا} يعني: أن ينقص من عمله {ولا رهقا} ظلما أن يزاد عليه ما لم يعمل.

    قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {ولا رهقا}: ولا ظلما يلحقه بزيادة في سيئاته.

    وفي كتاب اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري: (فلا يخاف بخسا ولا رهقا) بخسا: نقصا. رهقا: ظلما، بلغة قريش.

    المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

    ﴿وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا﴾ [الجن: 13].
    وأنَّا لما سمعنا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم آمنّا به، فمن يؤمن بربه فلا يخاف نقصًا لحسناته، ولا إثمًا يضاف إلى آثامه السابقة.
    ....................

    كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
    للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

  20. افتراضي

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

    قوله تعالى
    ﴿فَاصبِر لِحُكمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصاحِبِ الحوتِ إِذ نادى وَهُوَ مَكظومٌ﴾ [القلم: 48].
    ض
    *قوله {فَاصبِر}:* أي فاحبس نفسك.

    يعني: فاحبسها عن الغضب، والعجلة، والضجر أي ضيف النفس، والتبرم؛ عند تبلغك دين الله. أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على قومه، وأمره أن يصبر على امهال الله لهم، فإنه لحكمة عظيمة أمهلهم. وكما في قوله {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}: أي ولا تستعجل لهم العذاب.

    وأصل الصبر: الحبس. ومنه: قُتلَ صبرا: أي قتل حبسا. يعني: محبوسا. ومنه ما رواه الشيخان من حديث أنس، قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ.

    قال في أعلام الحديث: قوله: تُصْبَر: تُحبس على القتل. وأصل الصَّبر الحبس.

    قال النووي في شرحه لمسلم: قال العلماء صبر البهائم أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه.

    قال ابن حجر في الفتح: قوله «أن تصبر» بضم أوله أي تحبس لترمى حتى تموت.

    قال أبو عبيد في غريب الحديث: وأصل الصبر: الحبس، وكل من حبس شيئا، فقد صبره. والمصبورة التي نهي عنها في الحديث: (هي) المحبوسة على الموت.

    قال الكفوي في الكليات: الصبر: الحبس، صبر عنه يصبره: حبسه.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه ما رواه الشيخان، من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، مرفوعا: مَنْ حَلَفَ*يَمينٍ*صَ بْرٍ*لِيَقْتَطِ َ بِها مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ...».

    قال الخطابي في معالم السنن: اليمين المصبورة هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم فيصبر من أجلها أي يحبس وهي يمين الصبر، وأصل الصبر الحبس، ومن هذا قولهم قتل فلان صبرا ً، أي حبساً على القتل وقهراً عليه.

    *قوله {لِحُكمِ رَبِّكَ}:* لقضاء ربك. ونظيرتها قوله تعالى {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا}: أي فاصبر لقضاء ربك. وأصل الحكم: القضاء.

    قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم،والرازي في مختار الصحاح: الحكم القضاء.

    زاد ابن سيده: وجمعه أحكام.

    قال الجرجاني في درج الدرر: والحاكم الذي يمنع الخصمين بقضائه عن التعدي. والحكم القضاء الحتم.

    قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ): يقول: فاقض بيننا بالعدل.
    قاله الطبري في تفسيره.

    ومنه (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) : يقضى ما يشاء.
    قاله الفراء في معاني القرآن.

    ومنه (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ): وإذا حكمتم بين الناس: قضيتم.
    قاله النسفي في مدارك التنزيل، والخطيب الشربيني في السراج المنير.

    إلا أن الخطيب قال: أي: قضيتم بين من ينفذ عليه أمركم أو يرضى بحكمكم.

    قال الطبري في تفسيره: إن الله يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما أراد تحليله، وتحريم ما أراد تحريمه، وإيجاب ما شاء.

    ومنه (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ): تَحْكُمُونَ: تقضون.

    قال السمرقندي في بحر العلوم: ما لكم كيف تحكمون يعني: ويحكم كيف تقضون بالجور؟.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {فاصبر لحكم ربك}: أي لقضاء ربك.
    قاله القرطبي في تفسيره، والبغوي في تفسيره.

    إلا أن البغوي قال: اصبر على أذاهم لقضاء ربك.

    وزاد القرطبي: والحكم هنا القضاء.

    قال الطبري في تفسيره: فاصبر يا محمد لقضاء ربك وحكمه فيك، وفي هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا القرآن، وهذا الدين، وامض لما أمرك به ربك، ولا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك وأذاهم لك.

    *قوله {وَلا تَكُن}:* في الضجر والعجلة.
    قاله البغوي في تفسيره.

    *قوله {كَصاحِبِ الحوتِ}:* وصاحب النون. يريد: نبي الله يونس بن متى. وقد صح الخبر في تسميته - عليه السلام -.

    والمعنى لا تكن مثله حين ذهب مغاضبا على قومه، كما قال {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.

    فقوله {كَصاحِبِ الحوت}: يريد: فاصبر على إيذاء قومك، ولا تعجل كما عجل، ولا تغضب كما غضب، ولا تعرض عما أوكل إليك من التبليغ؛ فينالك منا كما نيل منه - عليه السلام - لما حبس في بطن الحوت.

    وهذا كله برهان بيّن أن هذا القرآن من عند الله، وما تقوَّلَه محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن السامع إذا تدبر آي القرآن وجد سلطان الله على نبيه في الحديث، خطاب الملك - جل شأنه - للملوك، والنصوص في ذلك كثيرة جدا، من ذلك قوله تعالى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} (الحاقة: 69).

    وقوله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}، نزلت هذه الآية لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم...» شطر من حديث رواه مسلم (1791)، من حديث أنس رضي الله عنه.

    وقوله {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}.

    وقوله {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

    وقوله {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}.

    وقوله {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

    وسيأتي تأويل هذه الآيات في موضعها، لاحقا (إن شاء الله).

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {كَصاحِبِ الحوتِ}: يعني يونس عليه السلام. أي لا تكن مثله في الغضب، والضجر، والعجلة.
    قاله القرطبي في تفسيره.

    قال ابن الجوزي في تذكرة الاريب: {ولا تكن كصاحب الحوت} في عجلته وغضبه.

    قال الطبري في تفسيره: وقوله: (وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) الذي حبسه في بطنه، وهو يونس بن مَتَّى صلى الله عليه وسلم فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك، كما عاقبه فحبسه في بطنه.

    قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: {وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ } كيونس صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لا تضجر بهم كما ضجر يونس حتَّى هرب من أصحابه فألقى نفسه فِي البحر حتَّى التقمه الحوت.

    قال النحاس في اعراب القران: ولا تكن كصاحب الحوت في ما عمله من خروجه عن قومه، وغمه بتأخر العذاب عنهم.

    لطيفة:

    قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَلا تَكُن كَصاحِبِ الحوتِ}: كلمة الحوتِ: يراد به جنس السمك مطلقا. وليس معناه: الدابة العظيمة التي تكون في البحر فحسب، مثل حوت العنبر - مثلا -، ففي الصحيحين من حديث أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قَامَ مُوسى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحى اللهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ ..." فالشاهد قوله (خذ حوتا في مكتل): أي سمكة في قفه فلا يتصور أن الله يأمره بأخذ هذا الحوت العظيم في مكتل!. والمكتل من القفة أو أكبر، وهي التي تكون من خوض، مثل المِشن.

    قال أبو عمرو الشيباني في الجيم: وقال العذري: القُفَّة: الزبيل الذي ليس بعظم، والمِكْتَلُ أكبر منه، والعرَق أكبر من المِكْتَل.

    قال في شرح ألفاظ المدونة: المكاتل: جمع مِكْتَل بكسر الميم ووقف الكاف - وهو ضرب من القفف يُكْتل فيها الطين والتراب أي يجمعان فيها.

    قال القاضي عياض في إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم: وقوله: " فحمل حوتاً فى مكتل ": المكتل، بكسر الميم: الزنبيل وهى القفة.

    انتهى

    فالحوت اذا اطلق فالمراد به جنس السمك. ومن ذلك قوله تعالى {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ}: قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: حيتان - جمع حوتٍ، وَأكْثرُ ما تسَمًي العربُ السمَك الْحِيتَانَ والنينان.

    *قوله {إِذ}:* منصوب*بمضاف*محذو ف، أي: ولا يكن حالك كحاله، أو قصتك كقصته في وقت ندائه، ويدل على المحذوف أن الذوات لا ينصب عليها النهي على أحوالها، وصفاتها.
    قاله سراج الدين النعماني في اللباب.

    *قوله {نادى}:**أي دعا ربه في بطن الحوت. وأصل النداء: الدعاء.

    وتصديقه {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين}: قال يحيى بن سلام في التصاريف: في ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت.

    فمعنى قوله تعالى {إِذ نادى}: دعا ربه.
    قاله الجلال المحلي في الجلالين.

    قال النسفي في مدارك التنزيل، والقاسمي في محاسن التأويل: {إِذ نادى}: دعا ربه في بطن الحوت.

    زاد النسفي: بلا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

    قلت (عبدالرحيم): وأصل النداء: الدعاء. ومنه قوله تعالى {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوح: أي دعانا نوح.
    قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل.

    قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي دعانا بأن ننقذه من الغرق.

    قال ابن فورك في تفسيره: النداء: الدعاء بطريقة يا فلان.

    ومنه - مخبرا عن زكريا عليه السلام -: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}: إِذْ نَادَى: دعا ربه، في محرابه، نِدَاءً خَفِيًّا: دعا سرا من قومه في جوف الليل.
    قاله البغوي في تفسيره.

    ومنه {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}: أي دعا ربه.
    قاله السمرقندي في بحر العلوم، والبغوي في تفسيره، والواحدي في الوسيط.

    *قوله {وَهُوَ}:* يعني يونس - عليه السلام -.

    *قوله {مَكظوم}:* مَكظوم: أي مملوء. وأصله من كظمت القربة، أي ملأتها.

    قال الزبيدي في التاج: وكظم القربة: ملأها وسد فاها.

    انتهى

    فمعنى قوله تعالى {وَهُوَ مَكظوم}: يعني: مملوء؛ ملئ قلبه غما، وحزنا، وذلك من عظيم الكرب. وتصديقه قوله تعالى {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ}.

    قال سراج الدين النعماني في اللباب: وقوله: {وهو مكظوم} . جملة حالية من الضمير في «نادى». والمكظوم: الممتلىء حزنا وغيظا، ومنه كظم السقاء إذا ملأه.

    قال الحميري في شمس العلوم: والمكظوم: المكروب.

    قال ابن الجوزي في تذكرة الاريب: والمكظوم المملوء غما وكربا.

    قال الزجاج في معاني القران: (إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ): أي مملوء غَمًّا وكرباً.

    قال الطبري في تفسره: {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} يقول: إذ نادى وهو مغموم، قد أثقله الغمّ وكظمه.

    قال مكي في الهداية الى بلوغ النهاية: واذكر {إذ نادى وهو مكظوم} أي: إذ نادى ربه من بطن الحوت وهو مغموم لا يجد من يتفرج إليه.

    قال القصاب في النكت: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} دليل على أن في أحكام الله على عباده محيرًا، تنبو عنه النفوس، ولا تهش لها العقول، فيحتاج النبي صلى الله عليه وسلم، في جلالته، ومعرفته، بالله -
    جل جلاله - أن يصبر عليها، ويحمل نفسه على تجرع مرارتها، ولا يستبطىء النصرعلى أعدائه، فتضيق نفسُه من ذلك.

    قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: فاصبر على الأذى لحكم ربك يعني لقضاء ربك والذي هو آت عليك ولا تكن كصاحب الحوت يعني يونس بن متى من أهل نينوي- عليه السلام- يقول لا تضجر كما ضجر يونس فإنه لم يصبر، يقول لا تعجل كما عجل يونس، ولا تغاضب كما غاضب يونس بن متى فتعاقب كما عوقب يونس إذ نادى ربه في بطن الحوت وكان نداؤه في سورة الأنبياء {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.

    قلت (عبدالرحيم): في هذه الآية من الأمر بالصبر على الدعوة خاصة، والصبر على قضاء الله وقدره عامة، فمن ابتلي بشيء فليصبر، وليفوض الأمر إلى الله، سيما إن بذل الأسباب، وعجز عن ادراك المراد.

    وهذه الآية وإن كانت خطابا للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن فيها عتاب من الله لنبيه يونس - عليه السلام -؛ على ما كان منه تجاه قومه، ولكن لا ضير فإن الله الذي يعاتبه هو الذي اصطفاه نبيا رسولا. وقد اجتباه ربه وتاب عليه، كما فعل من قبل مع أبيه آدم عليه السلام، {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}. وفيه: أن الله تعالى برحمته يدرك أولياءه بعد الزلل، فليبادر العبد بالتوبة بعد الزلة.

    وكذلك يجب الإيمان بأن الأنبياء جميعا منزلهم واحدة من حيث الخيرية، فهم أكمل الخلق كلهم. وفي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى.

    وفي البخاري منفردا (4805)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ "

    قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: وقوله: " ما ينبغي لأحد أن يكون خيرا " أي ما ينبغي لي أن أقول إني خير، والخيرية هاهنا القوة في الصبر على تبليغ الرسالة كقوله: {أهم خير أم قوم تبع} [الدخان: 37] أي: أقوى، فكأنه قال: لا ينبغي لي أن أقول إني أقوى من يونس في التبليغ، فربما يكون قد عانى من الشدائد ما لم أعانه، وفضيلتي التي نلتها كرامة من الله لا من قبل نفسي، ولا بلغتها بقوتي، فليس لي أن أفتخر بها، وإنما يجب علي أن أشكر ربي عليها. وإنما خص يونس لما ذكر عنه من قلة الصبر.

    قال مصطفى البغا في تعليقه على البخاري: (فقد كذب) أخبر بخلاف الحقيقة والمراد أن الأنبياء عليهم السلام من حيث كونهم أنبياء فهم في منزلة واحدة من الخيرية.

    المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
    ﴿فَاصبِر لِحُكمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصاحِبِ الحوتِ إِذ نادى وَهُوَ مَكظومٌ﴾ [القلم: 48].

    فاصبر - أيها الرسول - لما حكم به ربك من استدراجهم بالإمهال، ولا تكن مثل صاحب الحوت يونس عليه السلام في التضجر من قومه؛ إذ نادى ربه وهو مكروب في ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت.
    .......................

    *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
    *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •