من مزالق كتابة الرسائل العلمية (1)

تشابه أسماء الأعلام وكناهم وألقابهم
د. عصام فاروق

يعد تشابه أسماء الأعلام وكناهم وألقابهم من المزالق التي يقع فيها بعضُ الباحثين خلال إعدادهم رسائلَ الماجستير والدكتوراه، بل والأبحاث الأكاديمية الأعلى مستوى.

وكان كاتبُ هذه السطور - في غفلةٍ منه - فريسةً للوقوع في براثنِ هذا المَزلَق في وقتٍ ما، والأعجب من ذلك أنه اكتشف ذلك بنفسه، فعَضَّ على يديه؛ لوقوعه في مثل هذا الخطأ الذي يبدو صغيرًا، من حيث طريقة إصلاحه في طبعات أخرى أو أثناء تصويب الأخطاء في الرسائل العلمية، لكنَّه كبيرٌ من حيث وقوع كاتِبه في مَزلَق ما فتئ ينبه إليه طلابَه في قاعات الدرس والمناقشات العلمية، وغيرها من اللقاءات الأكاديمية، وجلَّ من لا يسهو، كما يقال.

والمزلق الذي يخصني فيما يتعلق بالأسماء المتشابهة، حينما خلطتُ في بحثٍ لي بين (الفارابي): أبي نصر محمد بن محمد بن طرخان الفارابي الفيلسوف، المتوفى عام 339هـ، صاحب مؤلفات المنطق المتعددة التي شرح فيها كتب أرسطو وغيره. وأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي، اللغوي، المتوفى عام 350هـ، صاحب معجم ديوان الأدب). وكان حديثي عن الأول، فذكرتُ الثاني.

وبعد مدة من الزمن حينما طالعتُ حديثَ د. أحمد مختار عمر، محقق (ديوان الأدب) عن صاحب هذا المعجم، وجدت أنني لستُ الوحيد الذي خلط بينهما، يقول: "تخبَّط كثيرٌ من المؤرخين في كتاباتهم عنه... وخلطوا بينه وبين الفارابي الفيلسوف، فنسبوا إلى الفيلسوف أنه ألَّف (ديوان الأدب)، وسمَّى بعضهم الفارابيَّ اللغويَّ بالمعلِّم الأولِ، وهو لقب الفيلسوف، وكناه بعضهم بأبي نصر، وهي كنية الفيلسوف"[1].

ومن الواضح أن السببَ في هذا الخلط هو انتماؤهما إلى مكان واحد، يسمَّى (فاراب) وهي مدينة قريبة من خراسان - تقع حاليًا في كازاخستان، وراء نهر سيحون - فنُسبا إليه ولُقِّبا به.

وممن تتفق نسبتهم إلى موطنهم، ولكل منهم إسهامه الكبير في مجال من المجالات، كلٌّ من: أبي محمد القاسم بن فيرُّه بن خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي (590ه) القارئ الشهير، صاحب (حرز الأماني ووجه التهاني)، وأبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي (790ه) الأصولي، صاحب كتابي (الموافقات) و(الاعتصام)، و محمد بن يحيي الشاطبي (547ه)، ومحمد بن علي الشاطبي (684ه)، ومحمد بن سليمان الشاطبي (672ه).

وكلهم ممن ينسب إلى (شاطبة) بالأندلس.

وعلى هذا المنوال فهناك الكثير من الأعلام ممن يتفقون في اللقب أو الكنية أو حتى الاسم، مما يجب التنبه إليه، وعدم التسليم بالمعرفة الذاتية لعدم الوقوع في الخطأ اعتمادًا على الإلف، أو اشتهار أحد الأعلام اشتهارًا يطغى فيه على غيره من العلماء.

وقد استبد بي العجبُ مرةً حينما وجدتُ أنَّ هناك (الخليل بن أحمد) غير الفراهيدي عالم العربية المعروف، كالخليل بن أحمد أبو القاسم 358هـ، والخليل بن أحمد بن محمد بن الخليل المعروف بابن جَنْك 378هـ، بحسب ما أورد الزركلي[2]وأنَّ هناك (ابن جني) غير عبقري اللغويين، صاحب (الخصائص).

وأرى دفعًا للوقوع في مثل هذا الخطأ:
عدم الاعتماد على المعرفة الذاتية والارتكان إلى الإلف والاشتهار في مثل هذه الأحوال، فلا بد أن يعود الباحثُ منا - إنْ كان يتحدث عن كتابٍ لأحدهم - إلى كتب المصنفات؛ ليقف على المؤلِّف، باسمه، وتاريخ وفاته.

أنْ لا يوردَ الباحثُ اسمَ أحدِ هؤلاء الأعلامِ إلا وهو مسبوقٌ بكنيته، ومتلوًّا بنَسَبِه، وتاريخِ وفاته.

[1] مقدمة محقق (ديوان الأدب) لأبي إبراهيم إسحاق الفاربي، تح.د. أحمد مختار عمر، ط مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1975م.

[2] يُنظر: الأعلام (2 /314).