ليلة العيد والاختبار الأول






كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمما لا شك فيه أن لشهر رمضان خصائص عظيمة ومزايا رفيعة، ففيه يتقرب المسلمون إلى ربهم بأنواع الطاعات والعبادات المختلفة، ما بين صيام وصلاة وصدقات وتلاوة للقرآن العظيم، يحافظ فيه معظم المسلمين على الصلوات الخمس في المسجد، ويتنافسون على إطعام الصائم وسد جوع الفقير، والقيام بحوائج المسكين، ويحرصون على تعليق الزينات في الشوارع والبيوت تعبيرًا عن فرحتهم بقدوم موسم الطاعات؛ فضلًا عن تركهم المعاصي والذنوب وأنواع اللهو المختلفة.

ثم بعد انتهاء الشهر المبارك وبغروب شمس يومه الأخير وظهور هلال شهر شوال، ترى التفاوت الكبير والفارق العظيم عند كثيرٍ مِن المسلمين؛ فهناك مَن يغلق المصاحف وهناك مَن يترك الصلاة في المسجد، وهناك مَن يتكاسل عن قيام الليل، وهناك مَن يغفل عن أنواع الذكر والدعاء، بل وهناك مَن يقضي ليلة العيد أمام المسلسلات والافلام ونحو ذلك، ولكن هناك صنف آخر مِن المسلمين يثبتون على ما كانوا عليه في رمضان مِن الذكر والدعاء والقيام وقراءة القرآن، ولا يغفلون عن ذلك، فتراهم يقيمون ليلة العيد ويحافظون على وردهم من القرآن الكريم، ويصلون فجر يوم العيد في المسجد كما كانوا يفعلون في رمضان.

لذا نقول: إن ليلة العيد هي بمثابة الاختبار الحقيقي الأول الذي يزن أحوال القلب: هل وصل القلب حقًّا إلى أعلى مراتب التقوى؟ هل عاش القلب حقًّا أحوال العارفين بالله في شهر رمضان؟ هل ذاق القلب طعم الإيمان؟ هل ذاق القلب حلاوة الطاعة؟ هل عاش القلب عظمة القرب مِن ربه؟ هل عاش القلب لذة المناجاة؟!

لذا فإن ليلة العيد بمثابة المقياس الحقيقي لمدى ما كان عليه العبد في شهر رمضان المبارك، ومِن هنا ذهب جمع مِن أهل العلم إلى استحباب إحياء ليلتي العيدين (الفطر والأضحى)، رغم ضعف الآثار التي رويت في هذه المسألة.

قال الإمام النووي: "اتفق أصحابنا على إحياء ليلتي العيدين" (المجموع).

وقال في مواهب الجليل: "استحب إحياء ليلة العيد بذكر الله -تعالى-، والصلاة، وغيرها" (انتهى).

وذهب الحنفية إلى أن إحياءها يكون بصلاة العشاء في جماعة والعزم على صلاة الفجر جماعة، فإحياء ليلة العيد عند القائلين بها يكون بجمع الطاعات من ذكر وقراءة قرآن وصلاة ودعاء.

وجاء في مغني المحتاج: "ويسن إحياء ليلتي العيد بالعيادة مِن صلاة، وغيرها مِن العبادات".

وقال ابن الحاج: "واعلم أنه لا يستحب لإحيائها الصلاة بالمسجد، ولا المواضع المشهورة كما يفعل في رمضان، بل كل إنسان في بيته لنفسه، ولا بأس أن يأتم به أهله وولده"(انتهى).

وفي الفتاوى السعدية للشيخ عبد الرحمن السعدي: "ما حكم إحياء ليلتي العيد؟ فأجاب: أما إحياؤها بأن يصلى الإنسان وحده، فهذا قد استحبه العلماء، وسواء كان سرًّا أو علنًا. وأما إحياؤها في المساجد جماعة بأن تصلى كما تصلى التراويح أو قيام رمضان، فهذا ليس بمشروع، بل هو بدعة مكروهة؛ لأن الاجتماع في غير ليلة من ليالي رمضان كليلة النصف من شعبان وليلة السابع والعشرين من رجب، وكذلك ليلة العيد؛ كل ذلك مِن البدع التي يُنهى عنها".


فعلينا أن ننتبه لهذا الأمر فإن لليلة العيد دلالة على ما حصَّله العبد في شهر رمضان.

والله المستعان.