ليلة القدر والحذر من منغصاتها
للشيخ وليد الشعبان


الحمد لله البر الرحيم، الجواد الكريم، ذي الفضل العظيم. والإحسان المتواتر العميم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالكمال وحسن الأفعال، والبر الجسيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هو بالمؤمنين رءوف رحيم، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم فسلك الصراط المستقيم.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى.
عباد الله قال تعالى في كتابه العزيز: {حم - وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ - إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ - فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ - أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ - رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الدخان: 1 - 6] وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ - وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ - لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ - تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ - سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1 - 5].
انظروا رحمكم الله فيما احتوت عليه هذه الآيات من فضيلة هذه الليلة وشرفها، وما تضمنته من برها وخيرها وتحفها، ليلة خصها الله بإنزال القرآن الكريم، الذي فيه الهدى والرحمة والفرقان، وفيه أنقذ الله العباد من الشقا والخسران. ليلة مباركة في كثرة خيراتها، مباركة في سعة فوائدها ومبراتها، من بركتها أنها تفوق ليالي الدهر، ليلة القدر خير من ألف شهر.
ومن بركتها أن مَنْ قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنوبه، ومَنْ قامها محتسبا أصلح الله أحواله وستر عيوبه، ومن دعا الله فيها بقلب حاضر خالص أجابه وآتاه مطلوبه. قالت عائشة - رضي الله عنها-: «يا رسول الله: إن وافقت ليلة القدر فبم أدعو؟ قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» ، فهكذا كانت حالة الصفوة الأخيار، ينافسون في هذه الليلة، ويلتجئون إلى الملك الغفار.
أما يحق لك أيها المؤمن أن تجرد قلبك في هذه الليلة من جميع الأشغال، وأن تقبل بكليتك إلى طاعة ذي العظمة والجلال، وأن تعترف بذنوبك وفاقتك وافتقارك، وأن تتوسل إليه مخلصا في خضوعك وانكسارك؟ تقول: يا رب قد عظمت مني الذنوب، يا رب قد تكاثرت علي الخطايا والعيوب، يا رب أنا الفقير المعدم المضطر إليك، يا رب لا ملجأ لي منك إلا إليك، إن رددتني من يقبلني؟ وإن خيبتني مَنْ يصلني؟ وإن حرمتني مَنْ يعطيني؟ وإن أبعدتني فمَنْ الذي يقربني ويدنيني؟ لا رب لي غيرك، ولا إله لي سواك، ولا أستعين بغيرك، ولا أعبد إلا إياك. أنت الذي خلقتني ورزقتني، وأنت الذي واليت علي النعم وعافيتني. آلاؤك تتوالى الليل والنهار، ونعمك ليس لها حد ولا منتهى ولا انحصار. أسألك في هذه الليلة الكريمة أن تغفر ذنوبي، وأن تصلح فاسدي وناقصي وعيوبي، وأن تسعفني يا مولاي بمطلوبي. ويحق لك أن تدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، الذي جمع خير الدنيا والآخرة. وشمل حصول النعم الباطنة والظاهرة؛ فتقول: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر. اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت " لعلك تصادف ساعة إجابة تسعد فيها سعادة لا تشقى بعدها، ولعلك توافق نفحة من نفحات الكريم تصلح أمورك بها.
فكم سعد في هذه الليلة أقوام؟ وكم لله فيها من جزيل الفضل وواسع الإنعام؟ وكم أعتق فيها المسرفون من النار؟ حين أخلصوا لربهم وأكثروا من التوبة والاستغفار، وكم صفى فيها للصفوة من قلوب نيرة وأسرار؟ وكم أغدق على قلوبهم من المعارف العالية؟ فصاروا من خيرة الأبرار.
اللهم وما قسمت في هذه الليالي المباركة من خير وبر وفضل وإحسان فاجعل لنا منه أوفر الحظ وأشمل الامتنان، وما قسمت فيها من شر وبلاء فاصرفه عنا في كل وقت وأوان، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا، يا أرحم الراحمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
عباد الله : احذروا نزغات الشيطان ومن تهوينه من شأن هذه الليالي، حيث يَكْثُر المنغصون لغنائم ليالي العشر، فمنهم من يُنغصها بتتبع الرؤى والأحلام لمعرفة ليلة القدر فينقُلها عن طريق جواله بأن الليلة الفلانية هي ليلة القدر فتضعف الهمم وتقل أو تذهب رغبات القائمين فاحذروهم وحذروا منهم .
ومما ينغص هذه الليالي الشريفة الانشغال بوسائل التقنية الحديثة بشتى صورها وأشكالها وأسمائها ، خصوصا من وفقه الله لعبادة الاعتكاف فيذهب اعتكافه بين تغريدة ورسالة، لا يعلم صدقها من كذبها فيخسر الآخرة والأولى .
ومن المنغصين لغنائم ليالي العشر ما نراه من بعض الناس - هدانا الله وإياهم- مِن ترك قيام هذه الليالي والانشغال بالسهرات واللعب واللهو والاستعداد للبيع والشراء والتشاغل بهذا عن طاعة الله، وإذا ما قرب رحيل الشهر شغلوا لياليهم بالتسوق إلى قريب الفجر بحجة شراء ما يحتاج إليه في العيد وهي كماليات يستطيع شراءها قبل دخول الشهر.
عباد الله احرصوا على قيام هذه الليالي العشر كلها، لعلكم توافقون تلك الليلة التي هي خير من ألف شهر، وأخفى الله علمها على العباد رحمة بهم وتنافساً في الخير واختباراً لهم. واعلموا أن أصح علامة لليلة القدر أن الشمس تطلع صبيحتها - يعني من الغد - لا شعاع لها.
اللهم كما بلغتنا رمضان فتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال وتجاوز عن تقصيرنا وذنوبنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم آمنّا في الأوطان والدور، واصرف عنا الفتن والشرور، اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم أنصارا لدينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين، اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، ï´؟ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ï´¾ .

*ملاحظة: الخطبة الأولى اقتبستها من خطب الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله