واستغفروا ربكم في ختام شهركم
للشيخ وليد الشعبان



الحمد لله الذي كتب على عباده فريضة الصيام، وجعلها ركنا من أكان الإسلام، أحمده سبحانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرشد إلى كل سبيل موصلة إلى الجنة دار السلام، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه صلاة دائمة ما تعاقبت الليالي والأيام.
أما بعد عباد الله:
قال الله تعالى: ( وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ )
أيها المسلمون، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تنصرم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الله في الحياة، أيّام تمرّ وأعوام تكرّ، ( كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ). في تقلّب الدهر عِبر، وفي تغير الأحوال مدّكر.
إخوةَ الإيمان: شهرُ رمضان أوشك تمامُه، وقرُب إرسال كتابه، تقوَّضت خيامه، وتصرَّمت لياليه وأيامُه، قرُب رحيله، وأذن تحويلُه، ولم يبق منه إلا قليله، انتصف مودِّعا، وسار مسارعا، ولله الحمد على ما قضى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم. تنطوي صحيفة رمضان وتقوَّض سوقُه العامرة بالخيرات والحسنات، وقد ربح فيه من ربح وخسر من خسر.
فياويل من فيه حرم ! لأنه لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان من صيام وقيام وتفطير للصائمين وتخفيف عن المملوك، والصدقة والصلة والتلاوة والذكر وغيرها، كان الذي تفوته المغفرة فيه محروم غاية الحرمان مبعداً غاية البعد؛ كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وغيره بإسناد حسن "أن جبريل عليه السلام قال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر فأدخل النار فأبعده الله قل آمين، فقلت: آمين".
عباد الله: إن من أعظم ما يودع به الصائمون شهرهم ويختمون به صيامهم، الإكثار من كلمة التوحيد، لا إله إلا الله والاستغفار، فأما كلمة التوحيد كما قال ابن رجب رحمه الله: فهي تهدم الذنوب وتمحوها محواً، ولا تُبقِ ذنباً ولا يسبقها عمل، وهي تعدل عتق الرقاب الذي يوجب العتق من النار.
والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها، تختم به الصلاة استغفر الله ثلاثا والحج ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ) وقيام الليل وبه تختم به المجالس، فإن كانت ذكراً كانت كالطابع عليها، وإن كانت لغوا كانت كفارة لها، فكذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار وتأمل حال ابرهيم خليل الرحمن عليه السلام لما بنى بيت الرحمن بأمر من الرحمن خاف ألا يقبل منه فقال: ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).
إخوة الإيمان : ألا وإن من أنفع الاستغفار وأرجاه ما كانت التوبة النصوح مصاحبة له؛ فإن المستغفر بلسانه مع كونه عاقدا العزم على العودة إلى المعصية بعد شهر رمضان، ليس مستغفراً على الحقيقة بل هو مخادع نفسه متبع خطوات الشيطان.
ومن أعظم ما يختم به الصائم شهره أيضاً: سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار.
عباد الله: ولما كان الصائم ترجى إجابة دعوته لا سيما عند فطره فحريٌّ به أن يدعو بأهم الأمور وأعظمها وأجمعها لكل خير، ومنه تكبير الله تعالى وشكره عند إتمام عدة رمضان، فإنه لما كان كل من المغفرة والعتق من النار ثواباً مترتباً على الصيام والقيام، أمر سبحانه بتكبيره وشكره عند إكمال عدة رمضان فقال عز من قائل: ( وَلِتُكَبِّرُوا ْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ).
فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا وداع شهركم، واختموا بالحسنى فإن الأعمال بالخواتيم، واغتنموا ما بقي ولو كان يوما واحداً ، فأودعوه من الصالحات ما يكون خير شاهدا لكم يوم تقفون بين يديه سبحانه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أيّها المسلمون: ومِن لطيف حِكمة الله عزّ وجلّ، وتمامِ رحمته وكمالِ عِلمه وجميل عفوِه وإحسانه أن شرَع زكاةَ الفطر عند تمامِ عدّة الصيام؛ طُهرةً للصائم من الرّفث واللغو والمآثم، وجبرًا لما نقَص من صومه، وطُعمة للمساكين، ومواساةً للفقَراء، ومعونةً لذوي الحاجات، وشُكرًا لله على بلوغ ختامِ الشهرِ الكريم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرَض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أدّاها قبلَ الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومَن أدّاها بعدَ الصلاة فهي صدقة من الصدقات" أخرجه أبو داود وابن ماجه.
وتلزم الإنسانَ عن نفسِه وعلى كلّ من تجب عليه نفقتُه، ومقدارُها عن كلّ شخص صاعٌ من بُرّ أو شعير أو تمر أو زبيب أو أقط أو مما يقتاته الناس، كالأرز والدُّخن والذرة، والصاع يعادل ثلاثة كيلو جرام تقريباً فعن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر أن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة" متفق عليه. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نخرج زكاةَ الفطر إذ كان فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شَعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أَقِط" . متفق عليه
ويُستحبّ إخراجُها عن الحَمل وهو ما تم لحمله أربعة أشهر لفعلِ عثمان رضي الله عنه، ومن أخرجها نقودًا أو قيمَة أو كسوة لم تجزئه في أصحّ قولَي العلماء؛ لعدوله عن المنصوص عليه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويبدأ وقتُها من غروبِ شمسِ آخِر يوم من رمضان، وينتهِي بصلاةِ العيد، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين، والأفضل أن تخرَج يوم العيد قبل أن يخرجَ إلى صلاة العيد إن أمكنه ذلك، ومن أخّرها عن وقتها عامدًا أثم وعليه التوبة وإخراجُها فورًا، وإن كان ناسيًا فلا إثمَ عليه ويخرِجها متى ذكر.
وتُعطى فقراءَ المسلمين في بلدِ مُخرِجِها، ويجوزُ نقلها إلى فقراءِ بلد أخرى أهلُها أشدّ حاجة، ولا تُدفع لكافر، ولا حرَج في إعطاءِ الفقير الواحد فطرَتين أو أكثر .
ومن لم يكن لديه صاعٌ يومَ العيد وليلته زائدٌ عن قوته وقوت عياله وضروراته وحاجاته الأصليّة لم تجب عليه زكاة الفطر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صدقةَ إلا عن ظهر غنى" متفق عليه.
وإذا أخذ الفقيرُ زكاةَ الفطر من غيرِه وفضَل عنده منها صاعٌ وجَب عليه إخراجُه عن نفسه، فإن فضل منها عنده عدّة آصُع أخرَجها عمّن يمون وقدّم الأقربَ فالأقرب
فطيبوا بها نفسًا، وأخرجوها كاملةً غيرَ منقوصة، واختارُوا أطيَبها وأنفَسَها وأنفعها للفقراء.
أيّها المسلمون: ويُشرع التكبير ليلةَ عيد الفطر وصباحَ يومها إلى انتهاء خطبة العيد؛ تعظيمًا لله سبحانه وتعالى وشكراً على هدايته وتوفيقه ( وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا ْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا ) .
فاجهروا بالتكبير من غروب الشمس ليلةَ العيد إلى صلاةِ العيد في مساجِدكم وأسواقكم ومنازلكم وطرقكم، مسافرين كنتم أم مقيمين، وأظهروا هذه الشعيرةَ العظيمة، ولتكبِّر النساء سرًّا، وليقصُر أهلُ الغفلة عن آلاتِ الطرب والموسيقى والأغاني المحرمة الماجنة، ولا يُكدِّروا هذه الأوقات الشريفة بمزامير الشياطين وكلام الفاسقين
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداُ عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ، أما بعد
أيها المسلمون: صلاةُ العيد من أعلام الدين الظاهرة وشعائره العظيمة، فاخرجوا إليها متطيِّبين متجمِّلين متزيّنين، لابسين أحسنَ ثيابكم، حتى المعتَكِف يخرُج إلى صلاة العيد في أجمل ثيابه، وليس من السنّة خروجُه في ثياب اعتكافه.
ويخرج النساء إلى صلاةِ العيد، حتى الحُيَّض يشهَدن بركةَ ذلك اليوم وطهرتَه والخيرَ ودعوة المسلمين، ويخرُجن متستّرات محتشمات، غير متطيّبات ولا متبرّجات، ولا يلبسن ثياب زينة وليخرجن تفلات.
ويسنّ لمن فاتته صلاةُ العيد أو بعضُها قضاؤُها على صِفتها. ويسنّ الأكل يوم الفطر قبلَ الخروج لصلاة العيد، فعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يومَ الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترًا". أخرجه البخاري.
= فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد: اللهم وفّقنا في ختام هذا الشهر ، واجعل لنا من عِتقه وعفوه وبركته أوفر الحظ والنصيب.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وتجاوز عن تقصيرنا وزلاتنا، واجعلنا من عتقائك من النار، اللهم أعتقنا ووالدينا والمسلمين من النار يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنك عفُوٌّ تحب العفو فاعفو عنّا، اللهم إنك عفُوٌّ تحب العفو فاعفو عنّا.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ودمّر أعداء الدين، اللهم لا تجعل للكافرين منّة على المؤمنين، واجعلهم غنيمة سائغة لهم يا قوي يا عزيز. اللهم عليك بالرافضة المجوس وحزب البعث العلويين والشيوعيين الملحدين الذين آذوا إخواننا في بلاد الشام وسفكوا دماءهم وانتهكوا حرماتهم، اللهم وعليك باليهود الغاصبين الذين استحلوا بلادنا ودماء إخواننا في فلسطين، اللهم وعليك بالوثنيين البوذيين الذين استحلوا دماء وأعراض إخواننا في بورما، اللهم عليك بهم, فإنهم لا يعجزونك. اللهم زلزلهم وَزَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم، اللهم اشدد وطأتك عليهم وارفع عافيتك عنهم وأنزل نقمتك بهم، يا قوي يا متين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، واحفظه من كل شر ومكروه، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه صلاح العباد والبلاد، وهيئ له البطانة الصالحة يا رب العالمين.

اللهم كن للمستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم آمنهم في أوطانهم وأرغد عيشهم واكبت عدوهم. اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الحفيظ العليم أن تحقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين يا رب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.