كسرة خبز


مياسة النخلاني - قاصة يمنية


«أمي! لماذا السماء واسعة؟!».
قالها وهو يحدق بنظرات بريئة في زرقة السماء الممتدة فوقه إلى ما لا نهاية.
«ربما هي كذلك لتسعنا جميعا عندما نموت وتصعد أرواحنا إلى هناك» ردت عليه بحروف شاردة وفكر تائه.
أفلتَ من يدها ووقف متجهما رافضا مواصلة المسير.
«ما بال حبيبي الصغير؟!»
جثت على ركبتيها وراحت تمسح على شعره وخديه بحنان.
«لا أحب هذا النوع من المزاح، لماذا تتعمدين إخافتي دائما!».
«آه».
خرجت من بين شفتيها دون إرادة منها، ضمته إلى صدرها وهي تقول متوسلة:
«آسفة يا حبيبي، تعرف أن أمك تحبك جدا، ولا ترغب بإخافتك، لكن...» صمتت قبل أن تكمل بصوت متحشرج:
«حقا آسفة!»
عندما أفلتته وحدق في عينيها الغارقتين بالدمع، شعر أنها تخفي أمرا لا ترغب بالبوح به، وإن كانت كلماتها تفعل أحيانا، لكنه لم يملك غير الصمت الصارخ يعبر به عن رفضه لتلك التلميحات.
واصلا المسير نحو مدرسته، تظللهما الأشجار المتوشحة رداء الخريف الموشى أطرافه بأوراق صفراء، لا تلبث أن تتهاوى على الرصيف، معلنة انتهاء دورة حياتها القصيرة.
أخبرته أن والده كان جنديا شجاعا، قدم حياته قربانا ليحيا هو بأمان، لكنه لم يعرف كيف يكون ذلك الشعور، وكيف له أن يفعل، وظل شبح مخيف يطغى سواده على بياض عيني والدته الواسعتين، يجبرها على ملازمة الفراش ليالي طويلة..
«أمي أنت ترهقين نفسك بالعمل».
«وماذا بيدي أن أفعل يا صغيري، لابد أن أتعب الآن لأجلك، وعندما يشتد عودك سأنسى تعبي حين تسندني بيديك القويتين».
تنهد بأسى وهو يحملق في جدران دار رعاية الأيتام بنظرات تائهة، فقد صار حبيس جدرانها الصدئة بعد أن شارك الرجال بحمل نعشها الخشبي المصقول، وأهال على جسدها المسجى ترابا معجونا بدموع قلبه الصغير.
انسل من فراشه بهدوء، ومن نافذة غرفته الصغيرة راحت عيناه تتفحصان السماء الممتدة بلا نهاية:
«لا تزال السماء واسعة!»
تمتم بها وهو يمسح دموعه بكم قميصه المتسخ، وعلى إثر نداء مشرفة دار رعاية الأيتام أسرع لغرفة الطعام لتناول إفطاره قبل أن يلتهم رفاقه كسرة الخبز التي لن يتذوق سواها حتى المساء.