بيت الشاطىء


هيفاء الفريح

ترتفع همهمات النسيم العليل؛ لتدغدغ خصلات شعرها الأسود الذي لا تطلق فلوله إلا له هو..
والشمس ترسم أروع ابتسامة على صفحة البحر الغاضب، فتصفع أمواجه حواف الصخور والرمل.
جلس هو على كرسي غاصت أرجله في جوف الرمل، وبين يديه ديوان مالئ الدنيا وشاغل الناس.
توقف عند بيت؛ ليجهر به منشداً:
هو البحر غُص فيه إذا كنت ساكناً على الدرّ واحذره إذا كان مزبدا
استوقفته سائلة: هل الضمير يعود عليك أم على البحر الهائج أمامنا؟!
أجاب: بل يعود على سيف الدولة.
التفت نحوها؛ ليُسمعها المزيد من الشعر، فوجدها منهمكة في بناء بيت طيني عناصره رمل الشاطئ وماء البحر..
كان كبيراً، وغرفه كثيرة، وباحته واسعة..
نزل من كرسيه، سائراً بركبتيه نحو البيت، ثمَّ سألها مبتسماً:
ـ ألا ترينه كبيراً على زوج وامرأته؟!
ـ تقصد: لا أبناء يملؤون حجراته؟
ـ لا، لا.. لم أقصد ذلك يا نورة.. كنت أداعبك فقط.. لا مال عندي ليكفي تأثيث هذا البيت..
وأثناء حديثه المتعلثم، طفرت من عينها دمعة.
اقترب؛ ليمسحها، فصدَّته قائلة: إنك لا تعلم كم يعذبني هذا الحلم.. الحلم في مناغاة صغير يملأ عليَّ هذه الحياة، أو على الأقل يخرس ألسنة النَّاس بأسئلة سامة..
لمَ لمْ تجنبي إلى الآن؟
هل العيب منكِ أم من زوجك؟
هل عدتِ الطبيب الفلاني؟
هل رقيتِ عند الشيخ العلاني؟
وتلميحات أهلك بالزواج من أخرى؛ علَّ ذرية يحملون اسمك يأتون..
وأنا... قاطعها: وأنتِ يكفي أن تكوني سيدة هذا البيت، يا سيدة المستحيل والممكن.
اعتصرت مزيج الحزن والتشاؤم فسألته:
ـ ماذا لو أتت موجة عاتية وخمشت بأظافرها بيتنا الحالم؟!
أجابها بذكاء: وهل الخمش إلا خط بسيط يزول بعد مضي الوقت؟
ـ لنفترض أنَّ أثر هذه الموجة قوي جداً كالوشم يكبر مع الإنسان..، لنفترض أنما موجة مجنونة عاتية قوية.. قد تقضي على بيتنا تماماً!!
كان التشاؤم بادياً على كل أسئلتها المتسربة من قلب ملتهب.. محترق من نظرات الآخرين، وغمزاتهم، ولمزاتهم..
أدرك حجم الخوف الذي حاصرها، فحدَّثها كثيراً عن قناعات الإنسان الواعي الذي لا يبالي بكلام الآخرين، وحدَّثها أكثر عن التفاؤل بالخير، كانت تبتسم بشك تارة، وبثقة أخرى.
همست في أذنه: "أنت مبعث اغتباطي".
تعانقت الشمس والبحر.. وزال الخوف المحرِّق من قلبها.
لكن ....... موجة غجرية أعاد إليها الخوف مجدداً.. صرخت.. ستقضي هذه الموجة على بيتنا..
جذبها ليقفا في وجه المد.. أغمضت عينيها، سدَّت أذنيها..

وبلحظة ولَّت تلك الموجة مع الجزر.. طأطآ رأسيهما إلى البيت، ليريا ما حلَّ به.. انهدم جزء منه.
انهدم جزء كبير، لكن آثار البيت ما اندرست بعد..
جلسا على الرمل وأصلحا ما أفسده الموج، أو ربما.. ما أفسدته ألسنة النَّاس المتطفلة.