قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى : 28/236-238]:
فمن الناس : من يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه وعشائره ، مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون ، أو فيه بعض ما يقولون . لكن يرى أنه لو أنكر عليهم لقطع المجلس ، واستثقله أهل المجلس ، ونفروا عنه ، فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة وطيب المصاحبة ، وقد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم .

ومنهم : من يخرج الغيبة في قوالب شتى ، تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول : ليس لي عادة أن أذكر أحداً إلا بخير ، ولا أحب الغيبة ولا الكذب ، وإنما أخبركم بأحواله . ويقول : إنه مسكين ، أو رجل جيد ، ولكن فيه كيت وكيت . وربما يقول : دعونا منه ، الله يغفر لنا وله ، وإنما قصده استنقاصه وهضم لجنابه ، ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة ، يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقاً ، وقد رأينا منهم ألواناً كثيرة من هذا وأشباهه .

ومنهم : من يرفع غيره رياء فيرفع نفسه . فيقول : لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان ، لما بلغني عنه كيت وكيت ، ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده ، أو يقول : فلان بليد الذهن قليل الفهم وقصده مدح نفسه ، وإثبات معرفته ، وأنه أفضل منه .

ومنهم : من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين : الغيبة والحسد ، وإذا أثنى عليه شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح ، أو في قالب حسد وفجور وقدح ، ليسقط ذلك عنه .

ومنهم : من يخرج الغيبة في قالب تمسخر ولعب ، ليضحك غيره باستهزائه ومحاكاته واستصغار المستهزأ به ، ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب ، فيقول تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت ؟ ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت ؟ وكيف فعل كيت وكيت ، فيخرج اسمه في معرض تعجبه .

ومنهم : من يخرج الاغتمام ، فيقول مسكين فلان ، غمّني ما جرى له وما تم له ، فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف ، وقلبه منطو على التشفي به ، ولو قدر لزاد على ما به ، وربما يذكره عند أعدائه ليتشفوا به ، وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه .

ومنهم : من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر ، فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول ، وقصده غير ما أظهر . والله المستعان