كلام ابن سيدة في اعراب القران لعله يوضحه قال رحمه الله
لونها}: ذكروا في إعرابه وجوها: أحدها: أنه فاعل مرفوع بفاقع، وفاقع صفة للبقرة. الثاني: أنه مبتدأ وخبره فاقع. والثالث: أنه مبتدأ، و{تسر الناظرين} خبر.
وأنث على أحد معنيين: أحدهما: لكونه أضيف إلى مؤنث، كما قالوا: ذهبت بعض أصابعه. والثاني: أنه يراد به المؤنث، إذ هو الصفرة، فكأنه قال: صفرتها تسر الناظرين، فحمل على المعنى كقولهم: جاءته كتابي فاحتقرها، على معنى الصحيفة
والوجه الإعراب الأول، لأن إعراب لونها مبتدأ، وفاقع خبر مقدم لا يجيزه الكوفيون، أو تسر الناظرين خبره، فيه تأنيث الخبر، ويحتاج إلى تأويل، كما قررناه. وكون لونها فاعلا بفاقع جار على نظم الكلام، ولا يحتاج إلى تقديم، ولا تأخير، ولا تأويل، ولم يؤنث فاقعا وإن كان صفة لمؤنث، لأنه رفع السبي، وهو مذكر فصار نحو: جاءتني امرأة حسن أبوها، ولا يصح هنا أن يكون تابعا لصفراء على سبيل التوكيد، لأنه يلزم المطابقة، إذ ذاك للمتبوع. ألا ترى أنك تقول أسود حالك، وسوداء حالكة، ولا يجوز سوداء حالك؟ فأما قوله:
وإني لأسقي الشرب صفراء فاقعا
كأن ذكي المسك فيها يفتق فبابه الشعر، إذا كان وجه الكلام صفراء فاقعة وهذه الجملة صفة للبقرة، وقد تقدم قول من جعلها خبرا، كقوله: لونها، وفيه تكلف قد ذكرناه. وجاء هذا الوصف بالفعل، ولم يجيء باسم الفاعل، لأن الفعل يشعر بالحدوث والتجدد. ولما كان لونها من الأشياء الثابتة التي لا تتجدد، جاء الوصف به بالاسم لا بالفعل، وتأخر هذا الوصف عن الوصف قبله، لأنه ناشىء عن الوصف قبله، أو كالناشىء، لأن اللون إذا كان بهجا جميلا، دهشت فيه الأبصار، وعجبت من حسنه البصائر، وجاء بوصف الجمع في الناظرين، ليوضح أن أعين الناس طامحة إليها، متلذذة فيها بالنظر. فليست مما تعجب شخصا دون شخص، ولذلك أدخل الألف واللام التي تدل على الاستغراق، أي هي بصدد من نظر إليها سر بها، وإن كان النظر هنا من نظر القلب، وهو الفكر، فيكون السرور قد حصل من التفكر في بدائع صنع الله، من تحسين لونها وتكميل خلقها. والضمير في تسر عائد على البقرة، على تقدير أن تسر صفة، وإن كان خبرا، فهو عائد على اللون الذي تسر خبر عنه. وقد تقدم توجيه التأنيث، ولذلك من قرأ يسر بالياء، فهو عائد على اللون، فيحتمل أن يكون لونها مبتدأ، ويسر خبرا، ويكون فاقعا صفة تابعة لصفراء، على حد هذا البيت الذي أنشدناه وهو:
وإني لأسقي الشرب صفراء فاقعا
على قلة ذلك، ويحتمل أن يكون لونها فاعلا بفاقع، ويسر إخبار مستأنف.