ترجمة شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي رحمه الله
أسمه: الشيخ: يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام ، الفقيه ، الحافظ ، الزاهد ، أحد الأعلام . شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا الحزمي بحذف الألف ؛ ويجوز إثباتها . الدمشقي .
مولده: ولد في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة .
طلبه للعلم: قرأ القرآن في بلده ، وختم وقد ناهز الاحتلام . قال ابن العطار
( 654 ـ 724هـ ) قال لي الشيخ: فلما كان لي تسع عشرة سنة ، قدم بي والدي إلى دمشق ، سنة تسع وأربعين ، فسكنت المدرسة الرواحية ، وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض ، وكان قوتي فيها جراية المدرسة لا غير ، وحفظت التنبيه في نحو أربعة أشهر ونصف ، قال: وبقيت أكثر من شهرين أو أقل لما قرأت : يجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج ، أعتقد أن ذلك قرقرة البطن وكنت أستحم بالماء البارد ، كلما قرقر بطني . قال: وقرأت حفظاً ربع المهذب في باقي السنة ، وجعلت أشرح وأُصحح على شيخنا كمال الدين إسحاق المغربي (المتوفى650هـ ) ولازمته فأعجب بي وأحبني ، وجعلني أعيد لأكثر جماعته . فلما كانت سنة إحدى وخمسين ، حججت مع والدي ... إلى أن قال: وذكر لي الشيخ: أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً وتصحيحاُ: درسين في الوسيط ، ودرساً في المهذب ، ودرساً في الجمع بين الصحيحين ، ودرساً في صحيح مسلم ، ودرساً في اللمع لابن جني ، ودرساً في إصطلاح المنطق لابن السكِّيت ، ودرساً في التصريف ، ودرساً في أصول الفقه ؛ تارة في اللمع لأبي إسحاق ، وتارة في المنتخب لفخر الدين ، ودرساً في أسماء الرجال ، ودرساً في أصول الدين . وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ، ووضوح عبارة وضبط لغة ، وبارك الله لي في وقتي ، وخطر لي الاشتغال بعلم الطب ؛ فاشتريت كتاب القانون فيه ، وعزمت على الاشتغال فيه فأظلم عَلَيَّ قلبي وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال بشيء ، ففكرت في أمري ، ومن أين دخل عَلَيَّ الداخل فألهمني الله أن سببه اشتغالي بالطب ، فبعت القانون في الحال فاستنار قلبي .
شيوخه: وقد سمع الحديث الكثير ، وأخذ علم الحديث على جماعة من الحفاظ فقرأ كتاب الكمال لعبد الغني ، على أبي البقاء خالد النابلسي (المتوفى 663هـ) وشرح مسلم ، ومعظم البخاري ، على أبي إسحاق المرادي ، واخذ أصول الفقه ، عن القاضي أبي الفتح التفليسي . وتفقه على الكمال إسحاق المغربي ، وشمس الدين عبد الرحمن بن نوح المقدسي ، وعزّ الدين عمر بن أسعد الإربلي (المتوفى 654هـ) وكمال الدين سلار الإربلي (المتوفى670 هـ) ، وقرأ على ابن مالك كتابا من تصانيفه ، وعلق عنه أشياء .
حرصه على الوقت: ثم قال ابن العطار أيضاً: ذكر لي شيخنا أنه كان لا يُضَيِّعُ له وقتاً في ليل أو نهار ؛ إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم ، حتى في ذهابه في الطريق ، يكرر أو يطالع ، وأنه بقي على هذا ست سنين ، ثم اشتغل بالتصنيف ، والاشتغال بالنصح للمسلمين وولاتهم ، مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه ، والعمل بدقائق الفقه ، والحرص على الخروج من خلاف العلماء ، والمراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من الشوائب ؛ يحاسب نفسه على الخطوة بعد الخطوة .
مكانته العلمية: وكان محققا في علمه وفنونه ، مدققاً في عمله وشئونه ، حافظاً لحديث رسول الله r عارفاً بأنواعه ؛ من صحيحه وسقيمه وغريب ألفاظه ، واستنباط فقهه ، حافظاً للمذهب وقواعده وأصوله وأقوال الصحابة والتابعين ، واختلاف العلماء ووفاقهم ، سالكاً في ذلك طريقة السلف .
وضعه الاجتماعي: قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل بالعلم ، وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة بعد عشاء الآخرة ، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السَّحَر ، ولم يتزوج .
مؤلفاته ؛ ومن تصانيفه: الروضة وشرح المهذب ، وصل فيه إلى أثناء الربا ، وقال الذهبي: وصل فيه إلى باب المصرَّاة وهو غلط ، سماه: المجموع ، والمنهاج ، وشرح مسلم ، وكتاب: الأذكار ، وكتاب: رياض الصالحين وكتاب: الإيضاح في مناسك الحج وهو الكتاب الذي هذا هو مختصره ، والذي قام باختصاره فضيلة شيخنا العلامة الشيخ: محمد هاشم المجذوب . حفظه الله والإيجاز في المناسك أيضا ، وله أربع مناسك أخر والخلاصة في الحديث ؛ لخَّص فيه الأحاديث المذكورة في شرح المهذب ، وكتاب: الإرشاد في علم الحديث ، وكتاب: التقريب والتيسير في مختصر الإرشاد ، وكتاب: التبيان في آداب حملة القرآن ، وكتاب: المبهمات ، وكتاب : التحرير في ألفاظ التنبيه ، ونكت التنبيه في مجلد ، والعمدة في تصحيح التنبيه ؛ وهما من أوائل ما صنف ؛ ولا ينبغي الاعتماد على ما فيهما من التصحيحات المخالفة للكتب المشهورة والفتاوى ؛ وقد رتبها تلميذه ابن العطار . والتحقيق ؛ وصل فيه إلى أثناء صلاة المسافر ، وذكر فيه غالب ما في شرح المهذب من الأحكام ، ومهمات الأحكام وهو قريب من التحقيق في كثرة الأحكام ، إلا أنه لم يذكر خلافاً ، وقد وصل فيه إلى أثناء طهارة البدن والثوب ، وشرح مطول على التنبيه وصل فيه إلى الصلاة ، سماه: تحفة طالب التنبيه ، ونكت على الوسيط في مجلدين ، وشرح على الوسيط سماه: التنقيح وصل فيه إلى كتاب شروط الصلاة . قال الإسنوي: وهو كتاب جليل من أواخر ما صنف جعله مشتملاً على أنواع متعلقة بكلام الوسيط ، ولم يتعرض فيه لفروع غير فروع الوسيط . وشرح قطعة من البخاري . وتهذيب الأسماء واللغات وطبقات الفقهاء الملخصة من طبقات ابن الصلاح ، والـمنتخب في مـختصر التذنيب للرافعي ، ورؤوس الـمسائل ، وتصنيف في الاستسقاء ؛ وفي نسخة في الاستثناء ؛ وفي استحباب القيام لأهل الفضل ونحوهم ؛ وفي قسمة الغنائم ؛ واختصره والأصول والضوابط ـ وهو مشتمل على كثير من قواعده وضوابطه ـ ألَّفَ منه أوراقَ قلائل . وكتاب على الروضة كالدقائق على المنهاج سماه: الإشارات إلى ما وقع في الروضة من الأسماء والمعاني واللغات ، وهو كثير الفائدة وصل فيه إلى أثناء الصلاة . قال الإسنوي : وينسب إليه تصنيفان ليسا له أحدهما مختصر لطيف يسمى النهاية في اختصار الغاية ، والثاني أغاليط على الوسيط مشتملة على خمسين موضعاً ، بعضها فقهية وبعضها حديثية ، وممن نسب هذا إليه: ابن الرفعة في شرح الوسيط ؛ فاحذره فإنه لبعض الحمويين ، ولهذا لم يذكره ابن العطار حين عدد تصانيفه واستوعبها . وهناك كتاب قد انتشر حفظه عند المبتدئين من طلبة العلم وهو كتاب : متن الأربعين النووية ، ويشتمل على أربعين حديثا عليها مدار الإسلام . [ومما قيل فيه رحمه الله من الأشعار:
لقيت خيرا يا نوى .... ووقيت من ألم الجوى
ولقد نشا بك عالم ......... لله أخلص ما نوى
وقال السيوطي عندما زار دار الحديث النووية بدمشق ، بعد وفاة النووي رحمهما الله تعالى:
وفي دار الحديث لطيف معنىً ..... إلى بسط لها أصبو وآوي
لعلي أن أنال بحر وجهي ............. مكانا مسه قدم النواوي
وفاته: لقد ولي (رحمه الله رحمة واسعة) دار الحديث الأشرفية ، بعد موت أبي شامة( ) (متوفى 665هـ) إلى أن توفي ـ رحمه الله ـ ، ولم يأخذ لنفسه شيئا من معلومها ، وترجمته طويلة ، أفردها تلميذه ابن العطار بالتصنيف . مات في بلده نوى (من أرض حوران في بلاد الشام) وذلك بعدما زار القدس والخليل في رجب سنة سبع وسبعين وستمائة ، ودفن فيها ـ تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنَّته ـ والله تعالى الموفق ، والهادي إلى سواء السبيل . ( 1 ) .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ
( 1 ) آخر من نعرف ممن ولي دار الحديث هذه هو شيخنا العلامة الشيخ: أحمد بن أحمد سليم قويدر (صما دية) المعروف بالشيخ: أحمد العربيني رحمه الله ، وكان إمامها من زمن شيخه الشيخ: بدر الدين رحمه الله ثم وليها من بعده الشيخ: محمود الرنكوسي (رحمه الله) وهذا مبلغ علمي . وكان من قبلهما الشيخ بدر الدين الحسني محدث الشام (رحمة الله تعالى عليه) يقدم الشيخ: أحمد للإمامة كما روى لي ذلك الشيخ ياسين المالح رحمه الله . إ . هـ : صلاح كرنبه .
ـ قال صلاح: نقلته بتصرف بسيط ـ وفيه بعض إضافاتي ـ عن كتاب طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة [ورقم الترجمة 454 ( ج3 : 9-13 ) ] . ـ وهذه الترجمة أيضا كنت قد ضمنتها في كتابي: تهذيب السيرة للإمام: النووي (رحمه الله) . إ . هـ ..