سردية للشمس والغيوم
محمد صادق عبدالعال


السماء القَفْرُ من بعد أعياد الربيع جاءتْ وهي تمور بعبابٍ وسحاب مَرْكوم، وآخَر مِن شكله منثور، يدعو بعضه بعضًا ليأتلف ويختلف؛ فيكون عارضًا محملًا بعطر الوَدق، وماء غدق، فيحتل ساحة الظهور لذات الظهير؛ فتبرق بعين المسترق ذهبيةً أبيَّةً ألا تغور بين طيات السحاب الثائر غور الفارِّين من الميدان.

وتسفر المعركة عن سقوطها أسيرةً في موقعة تسمى: "بالغيوم"، وتدق السماء أجراسها؛ كيما ينتبه الغافلون بالتغير وتحوُّل الدهور، فترسل لهم دفعة من زخات المطر، فتشرئب الأعناق، وتحدق الجفون، وتهتز الأرض وتربو، وتضيع خارطة الجفاف في ثورة الشقوق والثغور، وتتهيَّأ الأشجار والدُّور لطقس جديد، وينقسم الخَلْق على فِرَق، منهم من يرى أن الشمس كانت حنونًا، وآخرون قالوا: إنَّ الغيوم اليوم أولى بالحضور... فيختصمون!

والشاعر الكائن في الكُوَّة ولها مِشكاة من نور مصنوع - يدوِّن بأقلامه واقعةً للشمس والغيوم؛ ينبُش في رأسه عن تعبيرٍ ومجاز يُخرجانه من هذا المأزِق، ويحار لمن ينحاز: للشمس التي كانت تحبسه؛ فيقيم رهن المُكَيِّفات، وتقاسيم الجدران، وأجهزة "التلفاز" والحاسوب! أم للمطر الذي كان كثيرًا ما يصرفه عن التنزُّه والانطلاق؟! فيجزم أن كليهما جعلاه بالإقامة الجبريَّة مرهوناً.

وما زالت المعركة على أشُدِّها، والشمس قد استدعت من الريح جندها، فتصدر الصفير، وتدعو للنفير من بالشتات لتفرق الأمطار، وتكبِّد السماء خسارة الرُّكام المجموع.

والبرق والرعد قد جاءا تصعيدًا إعلاءً وتذكيرًا بالرجفة الكبرى، وتكاد الفكرة تدغدغ رأس الشاعر حيران لا يدري كيف العداوة قد آلت بينهما لهذا الحد؟! فيلقي الأقلام والأوراق من نافذته العليا، فتتخطَّفها الريح، ويرسلها البرق، ويثبِّطها المطر، وتعلق بالشجر؛ فينام الشاعر ساعةً غضبانَ ضَجِرًا، فيصحو ووجه الشمس قد عاد صبوحًا يبتسم، فيتتبع مسار وريقاته حتى يبدِّل أقواله، فيعثر عليها وقد مَحت الأمطار بممحاتها كلماتِه؛ فلم تترك منها غير سطر مقدَّس، أَبَت الريح أنْ تتركه يقع أو ينكس، طيبته الأمطار بعطرها، والشمس قد جففته بضوئها، ما إن تهجَّى حروفه حتى قال بخشوع: صدق الله العظيم.