يا أَوحَدَ الخَلقِ يا مَن في فَرائِدِهِ = قَد حَصحَصَ الحَقُّ إِجمالاً عَلى الأمَمِ
أَنتَ الَّذي طَلَّقَ الدُنيا بِعِفَّتِهِ = وَما لَدَيهِ التِفاتٌ قَطُّ لِلعَدَمِ
يا مَن هُوَ الفاعِلُ المَرفوعُ مَرتَبَةً = أَنتَ المُرَجّى لِرَفعِ الكربِ وَالنِقَمِ
وَإِن أَتى الخَوفُ كنّا في شَفاعَتِهِ = وَمن غَوى فَهوَ هاديهِ إِلى اللَقَمِ
حَمى من النارِ يَومَ الحَشرِ أُمَّتَهُ = بُشرى لَنا قَد أَمِنّا حادِثَ الضَرَمِ
يا نَفسُ مَدحُك مَن عَمَّ الوَرى كَرَما == بِالفَضلِ حَقَّقَ ما أَمَّلتِ مِن كَرَمِ
أَنا المُقِرُّ بِتَقصيري وَبي أَلَمٌ = يا نَفسُ مِنكِ وَأَرجو فَضلَ مُحتَرَمِ
تَجريدُهُ كانَ عَن دنيا لآخرةٍ = وَفيهِ حُكمٌ أفادَ العَدلَ من حَكَمِ
من كَفِّهِ وَمُحَيّاهُ وَمن فَمِهِ = بَحرٌ وَبَدرٌ وَدُرٌّ زَكي القِيَمِ
يا قَلب ماذا التَمادي في هَواك وَيا = نَفس ارجعي فَالتَواني جالِبُ الأَضَمِ
ما الذَنبُ عِندي لِنَفسي في تَشاغُلِها = أَنتَ الَّذي ملتَ نَحو اللَهوِ فَاِستَقِمِ
لا روحَ في الحُبِّ تُهديها وَلا مُقَلٌ = فَليُسعِفِ الدَمعُ إِن لَم تَتَّعِظ بِفَمِ
عَمِّم خَطايا وَخَصِّص بِالمَديحِ لَهُ = تَفُز وَتَأمَن بهِ يا خائِفَ النَدَمِ
مَن لَو حَكى القَمَرانِ وَالكَواكِبُ ما = في وَجهِهِ غُلّبوا عَجزاً لِضَعفِهِم
تَجاهَل العارِفُ الداري بِدارتهِ = فَقالَ ذا الشَمسُ أَم ذا البَدرُ في العِظَمِ
فَقُلتُ نورُ الهدى تَبَّت يَدا بَشَرٍ = عَنهُ تَناأى وَعَن مَرأى الحَبيبِ عَمي
وَجَّهتُ وَجهي لِفَردٍ ظاهِرٍ عَلَمٍ = مُمَيَّزٍ سالِم الأَفعالِ وَالكَلمِ
يا مَن تَعَجَّبَ من أَنوارِ طَلعَتِهِ = ما أَحسَن البَدرَ في داجٍ من الظُلَمِ
قالوا حَوى الحِجرَ في أُسلوب حكمَتِهِ = فَقُلتُ مَرباهُ عِند البَيتِ وَالحَرَمِ
وَسائِلٍ عَن بَهيم حيثُ لاذَ بِهِ = فَقُلتُ أحياهُ في الدُنيا عَلى قَدَمِ
كَم آيَةٍ فيهِ تَصريحاً وَتَوريَةٍ = من الإلهِ مع التَجريدِ وَالهِمَمِ
في السَيرِ وَالخَيرِ هادٍ من جَلالَتِهِ = لِمَن يَضِلُّ عَنِ الإِرشادِ في اللقَمِ
يا باذِلَ العَينِ في وَصل الحَبيبِ لَقَد = أَحسَنتَ في الحُبِّ لَم تَبخَل وَلَم تَنَمِ
قُطوفُ رَوضَتِهِ الزَهراء دانِيَةٌ = تُرَشِّحُ الفَضلَ لِلجاني مِن الحَرَمِ
وَكَم بِهِ صارَ لِلجاني عَلى كِبَرٍ = عَفوٌ وَصَفحٌ عَن الزَلاتِ وَالجُرُمِ
نورٌ مبينٌ كَسا شَمسَ الضُحى شَرَفاً = بِهِ الغَزالَةُ تَعلو البَدرَ في الغَسَمِ
كَذا الغَزالَةُ مُذ لاذَت بهِ أَمِنَت = من صائِدٍ دار حَول الوَحشِ في الرَنَمِ
تَهَيّأت سُنَّةُ العُشّاقِ حَيثُ قَضَوا = فَرضاً من الحُبِّ بَعدَ النَدبِ وَالنَدَمِ
وَفي القِيامَةِ قُل تُحمى العُصاةُ بِهِ = إِن هاجَت النارُ مِن وَبلٍ وَمن ضَرَمِ
في القَلبِ وَالطَرفِ مِن أَحبابِه قَمرٌ = قَد حَلَّ في بُرج حُبٍّ غَيرَ مُنقَسِمِ
سَما عَلى الأَرضِ وَالأَفلاكِ في شَرَفٍ = كَالبَدرِ يَجلو صَدى التَوهيم في الظُلمِ
فَمَدحُه كَيفَ لا يَعلو وَفيهِ أَتى = مَدحُ الإِلهِ لَهُ في نون وَالقَلَمِ
وَفاقَ في الخَلقِ حَتّى أَنَّ خالِقَهُ = أَثنى عَلَيهِ مِن الإِعزازِ بِالعِظَمِ
إِنَّ الضَعيفَ المُعَمّى عَن زِيارَتِهِ = لِمَورِدِ البَحرِ يُعطى النَهر وَهوَ ظَمي
كَساجِدٍ يَخدم الباري بِدَمعَتِهِ = مُلازِمُ الخَمسِ يُعطى وَهو في عَدَمِ
تَوَسُّلي لإِلهي سِتَّةٌ فبِهِ = تَوَصُّلي لِلَّذي أَرجو من النِعَمِ
عَدُّ اسمِهِ أَربَعٌ إِن فاتَ واحِدُها = يَبقى بِهِ أَحَدُ الأَعدادِ في الكَلمِ
مُحَمَّدٌ هو نورُ اللَهِ أَرسَلَهُ = بِالحَقِّ في هَيكَل الإِنسانِ لِلأُمَمِ
يا داخِلاً بابَهُ نعم المجاز إِلى = بَحرِ الغِنى وَالمُنى وَاسأَل عَن الهِمَمِ
سَهلٌ شَديدٌ عَلى سِلمٍ وَفي حَرَبٍ = مِن مثله وَحَوى التَكميل في الشِيَمِ
وَالبَدرُ في حالَةِ التَتميم شُقَّ لَهُ = فَخراً وَمُعجزَةً في حالِك الظلَمِ
من كانَ مُختَرعاً جِنسَ البَديع له = فَذا مُحِبّ رَعا مَحبوبَهُ بِفَمِ
بَرٌّ بِنا بَحرُ فَضلٍ يا لَهُ عَجَبٌ = فَردٌ هو البَرُّ وَهو البَحرُ كَالعَلَمِ
بِمَذهَبٍ مِن كَلامِ اللَهِ خالِقِهِ = أَقامَ لِلشَرعِ رُكناً غَيرَ مُنهَدِمِ
لَو لَم يَكُن جودُهُ بَحراً لَما شَمَلَت = يَداهُ لِلخَلقِ في الوجدانِ وَالعَدَمِ
مِن حُسنِ تَعليلِهِم أَوصافَ سَيِّدِهِم = قالوا حكاها الحَيا فَاِعتاد بِالكَرَمِ
يَستَتبعُ الفَضلَ مِن لَفظٍ بِراحَتِهِ = لِلطالِبينَ فَيُغني من يَدٍ وَفَمِ
فَتى قُرَيشٍ إِمامُ العُربِ حَيثُ رَفوا = أَزكى النَبِيّين خيرُ الرسل كُلِّهم
لَهم أَيادٍ وَلكِن فضلُ خاتِمِهِم = قَد فاقَهُم وَهو عُنوانٌ لِخَتمِهِم