المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسـامة
والبيان:
قوله: (
أتوجه إليك بنبيك محمد) ليس فيه دلالة قطعية للمجيزين كما قد يُتَوهم، بسبب حذف المضاف، وكما هو معلوم في لغة العرب كقوله تعالي (
واسأل القرية التي كنا فبها) الآية؛ أي: أهل القرية.
والباء هاهنا (
بـ نبيك ) :
فالباء هاهنا للتعدية وليست للقسم ولا السببية.
فالخلاف على تقدير المحذوف، فليعلم.
فالمخالف يقول:
أتوجه إليك بـ(ذات) نبيك - أتوجه إليك بـ(جاه) نبيك
ونقول:
أتوجه إليك بـ(دعاء) نبيك - أتوجه إليك بـ(شفاعة) نبيك
فأي الفريقين؟
يتضح هذا من دلالة الأحاديث الواردة في الباب.
فالترجيح لأحد التقديرين يحتاج إلى دليل يدل عليه.
فالمخالف:
ليس عنده دليل للتقدير بـ(جاه) ولا بـ(ذات) نبيك، بل وليس في القرآن ولا في السنة ولا في فعل الصحابة دليل على التوسل بالذات ولا بالجاه.
وأما أدلتنا:
قول عمر في حديث الاستسقاء: (
اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك) والاستسقاء معلوم أنه يحتاج فيه إلى دعاء وتأمين، فعلم أنه
الدعاء.
قول الضرير: (
ادع الله لي أن يعافيني) فعلم أنه
الدعاء.
قول الضرير: (
ادعه) فعلم أنه
الدعاء.
قول الضرير: (
فشفعه في) فعلم أنها
الشفاعة.
جاه النبي لا ينقطع بموته، ولكن عدل الصحابة عن التوسل برسول الله
بالعباس ولم يتوسل أحدهم بالجاه أو بالذات.
فعلم خطأ من قال أنه الجاه أو الذات.
عدول الصحابة عن التوسل برسول الله
باليزيد بن الأسود ولم يتوسل أحدهم بالجاه أو بالذات.
فعلم خطأ من قال أنه الجاه أو الذات.
قول الضرير: (
اللهم فشفعه في) فلا يعقل أن الضرير كان يتوسل لرسول الله عند ربه ليقبل شفاعته، فمن يتوسل لمن؟ فعلم أنه كان
دعاء النبي.
قول الضرير: (
اللهم فشفعه في) إن قال المجيز أنه قصد الذات، لعطل الشفاعة لانقضاء الحاجة بالتوسل بذات النبي عند ربه، ولا يعقل أن يخيره رسول الله
بين الدعاء والصبر... وحين يُصِّر الضرير على الدعاء فلا يجيبه. فعلم أن
دعاء النبي وشفاعة النبي ما قد نفعه.
قول الضرير: (
إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى) وقوله: (
يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي) وتبعه بقوله: (
اللهم فشفعه في) فعلم أنه دعاء للتشفع، والتشفع تباعًا لدعاء النبي له، فالشفاعة: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره؛ وشفع إليه: في معنى طلب إليه؛ والشافع الطالب لغيره، يتشفع به إلى المطلوب. كما ذكره ابن الأثير عن المبرد وثعلب في لسان العرب.
قول الضرير: (
إني توجهت بك) وفي الرواية الأخرى (
يا محمد إني قد توجهت بك) فيظهر أن الكلام موجه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - على طريق الالتفات.
والتوجه يخصه بسبب (
في حاجتي هذه لتقضى) والتوجه يخصه بمطلوبه (
فشفعه في).
فيكون (
توجهت بك) أي: (استشفعت بك).
قول الضرير (
بِكَ) فهي باء الاستعانة ويُظهرها ويجليها قوله: (
فشفعه في). أي: استعنت بدعاءك وشفاعتك.
استخدام الضرير صيغة المجهول في قوله (
إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى) ثم استخدم طريق الالتفات مرة أخرى في قوله: (
اللهم فشفعه في) فوجود الالتفات في الخطاب ذاته مرتين إنما يدل على أن الضرير قد توجه إلى ربه بالدعاء ثم التفت للنبي طالبا الشفاعة منه ثم إلى ربه - عز وجل - في أن يتقبل تشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - له.
إجماع الصحابة إجماعًا سكوتيا على العدول بالتوسل بالنبي بعد وفاته بغيره، وإجماعهم أيضًا على الجواز بالتوسل بمن يُظن قبول دعوته، وكليهما لا يمكن أن يكون إلا لضرورة وعلة، وهي
الدعاء.
إذ جاه النبي لا ينقطع بموته، على خلاف الدعاء.
الإجماع الإقراري على فعل عمر ومعاوية من الصحابة بالعدول، فلا يعقل أن يكون التوسل بذات النبي ثم يبتغى غيره، ويتوسل بمن هو أقل منه سيد ولد ابن آدم وأعظمهم جاهًا.
فإن كان التوسل بالدعاء، فأصبح لا محالة التوسل بمن هو دونه وأقربهم إلى استجابة الدعاء.
وهذا هو (
الظاهر ) و (
ما قامت عليه الدلائل ) من الأحاديث.
والله الموفق.