الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
فإن الناظر بعين النقد والتمحيص للتوراة يجدها توراة كاذبة محُرفة مُختلقة ، بل تتأكد أنها ليست من الله _ سبحانه وتعالى _ كما يزعم الأنجاس ، بل هي من صُنع واختلاق أفاكين حاولوا من خلال ذلك أن يسودوا العالم بثالوثهم الحلولى ( الرب ، الشعب المختار ، أرض الميعاد ) وسُمي حلولي _ حسب زعمهم _ لأن الرب تنازل عن جُزء من روحه وأودعها أو أحلها فيهم ! ... ، وفي هذا المقال سأنسف هذه التوراة المختلقة نسفاً تعجزُ على أن ترفع لها عوداً بعدها ... وإليك أخي في الله ، بعض الأدلة التي استطعتُ جمعها :
1_ من المعلوم أن الله _ عزوجل _ واعد موسى _ عليه السلام _ أربعين ليلة على جبل الطور ، وذهب موسى لميقات ربه _ سبحانه وتعالى ، قال تعالى : " وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَ ا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ " .
2_ اتجه موسى _ عليه السلام _ لميقات ربه _ عزوجل _ وأنزل الله عليه الألواح التى فيها شريعة الله تعالى والتى سيحكم بها موسى _ عليه السلام _ قومه ، قال تعالى : " قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ، وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ " .
3_ بينما كان موسى _ عليه السلام _ في ميقات ربه _ سبحانه وتعالى _ ، اتخذ قومه عجلاً يعبدونه ، قال تعالى : " وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ " .
4_ وعندما علمَ موسى _ عليه السلام _ بذلك رجع غضباً أَسِفاً ، قال تعالى : " وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " ،
لاحظ أخي في الله أن موسى _ عليه السلام _ ألقى الألواح ، فهذا دليل على أنها تكسرت ... ثم تتابع الآيات بقوله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ " ، فعندما سكن موسى _ عليه السلام _ و زال غضبه أخذَّ ما تبقى من الألواح التى كُسرت .
وهُنا أخي في الله ، نكتة لطيفة : حيثُ قال تعالى في آخر الأيات : " وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ " فالألواح التي أُنزلت على موسى _ عليه السلام _ هدى ورحمة للذين يرهبون الله _ سبحانه وتعالى _ فهل يهود اليوم _ على اعتبار أنهم يهود _ يرهبون الله تعالى ، أم أن في توراتهم هدى ورحمة ! .
5_ بعد ذلك رجع موسى _ عليه السلام _ إلى ربه _ عزوجل _ غضباً أَسِفاً على تكسير الألواح ، فأمره الله تعالى أن يكتب كلمات ، عُرفت باسم الوصايا العشر ، وهي موجودة في سفر الخروج والتثنية ، وأمر موسى _ عليه السلام _ اللاويين حاملي التابوت بأن يضعوا الوصايا العشر _ التوراة _ بجانب تابوت عهد الرب ، ففعلوا .
6_ بعد مُدة مات موسى _ عليه السلام _ وتولى تلميذه يوشع بن نون _ عليه السلام _ قيادة بني إسرائيل من بعده ، وتوالت الأحداث ومات يوشع _ عليه السلام _ إلى أن جاء عهد القُضاة ، وفي عهدهم قامت معركة بين بني إسرائيل والفلسطينين _ وخصوصاً أهل إسدود _ في معركة سُميت باسم أفيق أو رأس العين ، وكان بني إسرائيل يأخذون في حروبهم ومعاركهم تابوت الرب ، طبعاً انهزم بنوا إسرائيل واستولى الفلسطينيون على الغنائم وكان من ضمنها تابوت الرب والذي به التوراة كما سبق .
7_ وفي نهاية عهد القضاة وبداية عهد الملوك ، أراد بنوا إسرائيل القتال في سبيل الله ، قال تعالى مخبراً عن ذلك : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ " ، هذا النبي الذي ذهب لهُ بنوا إسرائيل هو شموئيل أو صموئيل ... ، الآن اختار لهم النبي صموئل ، طالوت _ أو شاؤل بالعبراني _ ليكون ملكاً عليهم " وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا " ، فلم يُرضوا به وقالوا " .. أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ " ، فرد عليهم النبي صموئيل بقوله " .. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " ، الآن ركز أخي في الله ، الآن سيقول النبي صموئيل علامة مُلك طالوت " وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ".
إذاً آية مُلك طالوت هي أن يأتي التابوت وفيه التوراة ، ولكن هل آتى كما هو كامل وسليم ؟! ، طبعاً ؛ لا ، ركز في قوله تعالى : " وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ " ، بقية ، فهذا يدل على أن أغلب التوراة فقدت ، تأمل !!! .
8_ ثم عمت الفوضى في بني إسرائيل على إثر انقسامهم لمملكتين مُتناحرتين ، هما : مملكة يهوذا في القدس ، ومملكة السامرة في نابلس ، ولم يُعمل بالتوراة في ذلك الوقت واتجه بنوا إسرائيل للزندقة والوثنية .
9 _ في أواخر عهد الملك يوشيا ، أراد هذا الملك أن يعمل بما في التوراة ، فدعا الكاهن الأعظم في عهده ويُدعى حلقيا ، فأخبره الملك بما يُريد ، بعد أيام قلية أقل من اسبوع ، ادعى حلقيا أنهُ عثر على التوراة ! ، الأمر غريب التوراة فُقدت أثناء مُنازعات ممالك بني إسرائيل ولم تُكتب ، فكيف عثر عليها حلقيا ! ، أظن أنهُ كتب ما يستطيع كتابته مما يحفظ منها .
10 _ من المعلوم أن الآشوريين دمروا مملكة السامرة ، والبابليين دمروا مملكة يهوذا وسبوا بني إسرائيل ، في هذه الأجواء ولد هناك الكثير من أولاد المسبيين وكان منهم عُزرا البابلي الذي كتب التوراة والتي هي موجودة الآن ! ، وقد كتبها بأمر من الملك الفارسي أرتحشتا ! ، مع العلم أن بين وفاة موسى _ عليه السلام _ وكِتابة عِزرا للتوراة أكثر من 600 سنة ! .
11_ ومما يؤكد أيضاً أن هذه التوراة ليست التي أُنزلت على موسى _ عليه السلام _ أن تجد فيها أسفاراً كثيرة ، فمثلاً لو قارنت ما أُنزل على موسى _ عليه السلام _ مع ما هو موجود الآن ستتعجب ، لأن الذي اُنزل على موسى _ عليه السلام _ الألواح وهي ليست كثيرة ، ومما يؤكد بعدم كثرتها أن موسى _ عليه السلام _ كان يحملها ، فلو كانت كثيرة لاحتاج لمن يحملها معه ، تم ألقها فكُسرت ، تم أخذ الوصايا العشر وقد اندثرت وعادت بقية منها ، ولكن انظر للتوراة الحالية ستجد سفر لكل عهد بل لكل ملك أو بغي ، فإذا نظرت ستجد سفر اسمه ( إستر ) وذلك نسبة لتك البغي التى قُتل يخيى _ عليه السلام _ بسببها ! ، فهل الله _ سبحانه وتعالى _ سيُنزل ذلك ! ، وستجد سفر اسمه ( عِزرا ) وهو الذي كتب التوراة الحالية ، فإذا كان هو كاتب التوراة كما يدعي ، فماذا الله أنزل ؟! ، طبعاً ، علمنا ما أنزل الله تعالى على سيدنا موسى _ عليه السلام _ وما سوى ذلك فباطل ومكذوب .
12 _ جاء في سفر [ التثنية ] : ( وقد كتب موسى التوراة ) ! ، لا يمكن أن يقول موسى _ عليه السلام _ ذلك إن كان هو كاتبها ! .
13 _ ثمَّ إن التوراة منذ وفاة موسى _ عليه السلام _ حتى إلى أن كتبها ذلك الخبيث عِزرا كانت مُشافهة ، فلا بُد أن يقع تصحيف وتحريف وإضافة وحذف ! .
14 _ كما أن التوراة مُتناقضة ، ومما يُدلل على كلامي ، أن اسم الله _ جل جلاله _ يرد في التوراة أحياناً ( يهوه ) وأحياناً ( إيلوهيم ) ! ... وفي الحديث عن بدء الخلق نجد العديد من الاختلافات والتناقضات ، ففي سفر واحد ، هو [ سفر التكوين ] نجد :
* أن النور قد خلق في اليوم الأول .
* ثم نجد أنه قد خلق في اليوم الرابع ! .
لو كان الله _ عزوجل _ هو كاتب ومُنزل هذه التوراة ، أكان سُيخطئ هكذا ! ، حاشا لله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً ...
وأخيراً ؛ لو أردت أن أتتبع التناقضات في التوراة المُحرفة لألفت في ذلك كتاباً ... ولكن يكفي قوله تعالى : " مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ " .
_ كتبه : أبو الليث الصنهاجي ...
12 / جمادي أول / 1436 هـ .
3 / 3 / 2015 م .