من بلاء بعضنا اليوم -وماأبرئ نفسي- أنه لا يحترم إلا ذوي الجاه والمال والأحساب ,حتى إنك لترى حامل القرآن وطالب العلم الذي قُدر عليه رزقه في أطراف المجالس لا يأبه به غاب أو حضر , ويتوسطها الفجار المجاهرون ,وربما دخل الغني فقام الناس إجلالا له وما فيهم من تخفى عليه فظائعه ومعاصيه وبوائقه التي يجاهر ويفاخر بها , ولَـذاك المجهول المنسي -وايم الله- خيرٌ من مِلئ الأرض من هذا, ولربما ترى الرجل ملتزماً في ظاهره يباسط جلسائه ويضاحكهم ويلين لهم الجانب ويخفض لهم الجناح , ولكن إن جالسه أو لاقاه ذو هيئة رثة ومظهر يدل على الفقر والضعف بالغ في الجفاء -وكأنه قاتل أبيه- وإن تعجب فعجبٌ ظلمُ بعض أولئك لمن تحت أيديهم من العمال والخدم وبخسهم حقوقهم واعتدائهم عليها , فأي التزامٍ هذا .؟!
أي التزام في جعل من ولدتهم أمهاتهم أحرارً يعيشون حياة الرق والعبودية في بيوت يزعم أربابها الالتزام والاستقامة.؟!
أي التزامٍ في أن يكون الرجل حسن الخلق مع الرجال وما حمله على ذلك إلا الجبن والخور , فإذا دخل على زوجه وبناته رأيت أسداً يزأر من كل صغير وكبير , تنزع الرحمة من قلبه لا ينطق إلا سوءاً وكانه مدرب عسكري يستعد لخوض حرب ضروس مع أحزاب الأعداء.؟!
أي التزام في إهانة الضعفاء الذين لا ناصر لهم إلا الله , وأي التزام في إجلال الفساق والعصاة الفجار وأكلة الربا المجاهرين بذلك الخزي الذين لا سيتحون من الله ولا من الناس.؟!
يقول شيخنا حفظه الله عن أمير المؤمنين في الحديث (شعبة) رحمه الله:

أثنى عليه العلماء وأثنى عليه الأجلاء وكان سُفيان الثورى -رحمه الله- يُعظِّمه ويُجِله ويقول : شُعبةُ أمير المؤمنين في الحديث ، وهو الذى يُحكى عنه من قوة حفظه أنه قال:" ما خططتُ سوداء في بيضاء ، ولا سألت رجلاً أن يُعيد حديثه علىَّ مرتين " ، وكان -رحمه الله- آيةً في الحفظ والإتقان وجمع الله له العلماء والأجلاء فروى عنهم وحدَّث حدَّث عن أكثر من ثلاثمائة من الأجلاء والتابعين وهذا فضلٌ عظيمٌ قلَّ أن يتيسَّر لغيره -رحمه الله برحمته الواسعة-.
هذا الإمام العظيم مع علمه بالحديث وروايته له كان من الأئمة النُقَّادِ فكان عالِماً بالجرح والتعديل حتَّى عدَّه الإمام يحيى القطَّانُ إمامَ الجرح والتعديل أي أول من جرَّح وعدَّل ومنه أخذ العلماء كثيراً من علم الجرح والتعديل ، فله بعد الله عز وجل في ذلك الفضل وكذلك كان رأساً في العلم والعبادة ، والخير والصلاح والزهادة كان كثير الصلاة والصيام ، حَسَنَ العبادةِ والقيام أُثرعنه -رحمه الله- أنَّه رُبَّما ركع حتى إذا رآه الإنسان ظَنَّ أنَّه نسى ، وذلك من طُول ركوعه-عليه رحمة الله-وكان كذلك يجلس بين السجدتين حتَّى يُظَنَّ أنَّه نسى ، وكان -رحمة الله-يُكثر الصيام حتَّى حُكى عنه أنه صام الدهر فإن صحَّ هذا عنه فالسُّنَّةُ على خلاف ذلك فلاأفضل من صيام نبىِّ الله داودَ -عليه الصلاة والسلام- يصومُ يوماً ، ويُفطر يوماً كما ثبت الخبر عن سيد البشر-صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين- ومع هذا العلم والفضل ، والخير والنَّوْل كان كثير العطف على الفقراْء والمساكين ، كثير الرحمة بالضعفاء والمحتاجين حتَّى قال عنه النَّضْرُ -رحمه الله-:"ما رأيتُ أرحمَ بالمساكين من شُعْبَة" ، وكذلك حكى عنه الإمام يحيى القطان-رحمه الله-" أنَّه كان لا يَرُدُّ أحداً سأله "وذلك من جوده -رحمة الله عليه -وكثير فضله وقلَّ أن يجتمع للإنسان هذا الخير أن يكون عالِمَاً حَسَنَ الأخلاق كريمَ العشرة كثير العطف على الضعفاء والفقراء إلاَّ كان ذلك من أصدق الدلائل على عُلُوَّ شأنه ورفعةِ مكانته عند ربِّه فلذلك جمع-رحمه الله-بين العلم والعمل ورُبَّما جاءه السائلُ وبكى عنده فقد ذكروا عنه أنَّه اشتكى له رجلٌ ذات يومٍ وبكى في مجلسه ، وأنَّه أضاع دابَّتَه وكانت بثلاثةِ دنانير فأدخل شُعبةُ -رحمه الله- يده وأخرج ثلاثة دنانير وقال : خُذْها ، والله إني لا أملك غيرها ..!! -رحمه الله برحمته الواسعة- وهكذا كان أئمة السلف يعطفون على الضعفاء ، ويُحسنون إلى الفقراء وذلك هو شأن الصالحين ودأب العلماء ، حتَّى قال القائل عن سفيان :ما رأيتُ الضعفاء والفقراء أجلَّ منهم في مجلس سُفيان -رحمه الله- فكانوا ينظرون إلى الضعفاء أكثر من نظرهم إلى الأغنياء والأقوياء جمعَ وحفظ ووعى وأصاب الخيرَ والهُدَى
وقد ورد إلى الشيخ هذاالسؤال في بَاب مَا جَاءَ فِي الْكَلاَمِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ من سنن الترمذي

السؤال:
استأجرت خادمة لمدة شهر بمبلغ وقدره ستمائة وخمسون ريالاً وبعد مضي ثلاثة أسابيع لم أرغب فيها فهل لزاماً علي أن أكمل الشهر ؟

الجواب :

في هذا السؤال جانبان :

الجانب قولك : لم أرغب فيها هل السبب تقصيرها في شرط من شروط العقد تقصيرها في القيام بما وجب عليها ، إذا كان الأمر كذلك فلا يخلو تقصيرها من حالتين :

الحالة الأولى : إما أن يمكن إصلاحه فتطلب إصلاح ذلك الخلل والخطأ منها وتتم العقد ، وإما ألا يمكن إصلاحه وهو يؤثر أو تخاف الضرر منه ، مثلاً إذا كانت الخادمة مهملة في أشياء يخشى منها لا قدر الله هي تطبخ ولكنها مهملة في الأشياء الخطرة وأغلب الظن أنها ربما تسبب في حريق أو تسبب في ضرر على البيت أو مهملة في حفظ الأشياء السامة أو مهملة في حفظ الأطفال من الوقوع في الأشياء الخطرة فهذا عيب ، عيب يختل به عقد الإجارة ؛ لأنه يفوت المقصود ، المقصود الحفظ والقيام بالحق ويحدث المفسدة والضرر ففي هذه الحالة إما أن تصلح المرأة وتصلح وحينئذٍ لا إشكال .

وإما أن يكون عيباً تقطع به الإجارة تعطيها الأجرة فيما مضي وتقطع الإجارة فيما بقي من حقك هذا إذا كان فيها عيب ، أما إذا كانت عدم الرغبة لأسباب كمالية هناك أسباب مهمة جوهرية في العقد إخلالها في العقد فحينئذٍ من حقك كما ذكرنا أما إذا كانت لأسباب كمالية يريد خدامة - مثلاً - على صفات معينة ، زوجة تبالغ في الخدمات تريد منهم كمالاً في التنظيف ، الخدامة تنظف وتطبخ وتقوم على الأولاد لكنها تريد الأكمل والأفضل وهي غالباً ما تكون ناقصة العمل فيريدها كاملة منذ أن تأتي فحينئذٍ نقول لك : اتقِ الله الذي بينك وبين هذه الخدامة العقد والاتفاق ، وتقصير الخدامة من أحد أمرين : إما تقصير عرفي أو تقصير شرطي ، التقصير العرفي في العقود أن يجري العرف بشيء معين في خدمة الخدامات ولو قصر الخادم أو السائق أو الحارس للعمارة أو الخدامة في البيت في القيام بهذا الشيء المتعارف عليه عند الخدامين فهذا يسمى خلل في العقد يمكن أن يؤثر في الأجرة وممكن أن يؤثر في العقد ، يؤثر في الأجرة بحيث أنه يكون من قصر هذا التقصير يكون أجرته خمسمائة فتقول له : إما أن تكمل أو أخصم من راتبك هذا القدر ومن حقك إذا كان تقصيراً بيناً ؛ لكن الأمر يتوقف على تقوى الله أن تتقي الله وتنصفه فإنه في ذمتك ورقبتك يوم القيامة ، التقصير الشرطي ، أن تشترط وهذا يؤثر في الكمالات يعني مثلاً السائق الشرط أن يسوق السيارة نقل الأغراض من السيارة إلى باب العمارة جرى العرف أنه ينقل لكن أنت ساكن في خامس دور أو سادس دور صعود هذا الدرج وتكبد هذه المشقة تحتاط وتشترط عليه هذا كمال لك صلب العقد أنه سائق أما إذا كان حارساً للعمارة وجرى العرف أنه يرفع هذه المقاضي تقول له : ترفع هذه المقاضي فإذا قصر فيها فحينئذٍ يصبح تقصير في العرف ؛ لكن السائق من الكمال أن يصعد بها خمسة أدوار فتقول له : أشترط عليك المقاضي إذا جئت بها ترفعها شرط الكمال - مثلاً - من عادة السائق أنه عند التاسعة مساءً أو جرى العرف أنه يخدم ثمانية ساعات أنت تأتيك مناسبات وتأتيك ظروف فتقول له : أن الشهر هذا عندي ثلاث مناسبات سأسهر أو يسهر ضيوفي أو تذهب بضيوفي في الساعات المتأخرة من الليل ، فإذا كان هذا فهذا شرط كمال من حقك لكن في صلب العقد لا تلزمه به فإذا جئت تلزمه بمناسبة زائدة عن عمله اليومي وهذا يحصل فيه ظلم كثير فتسهر الخدامة أو تأتي في الأعياد والمناسبات وتسهر إلى ساعات متأخرة ثم تلام على التقصير ولربما تؤذى ولربما تضرب-والعياذ بالله- كل هذه مظالم ، فإذا كان لها ثمان ساعات وأردت أن تزيد تشترط إذا كان له ثمان ساعات يخدم وأردت أن تزيد تشترط عليه ، هذا كله كمال اشتراطك للزائد كمال ، فإذا -رحمك الله- جاءت مناسبة واشتغل أكثر من العقد المتفق عليه ثماني ساعات تقول له : يا أخي جزاك الله خيراً أنك قمت بما يجب عليك وأنا أشكرك وهذه مائة ريال هذه خمسين ريال تقدر عمله وتنصفه ثم تطييب خواطر هؤلاء ، وبالمناسبة نقول :
إن المسلم يجب عليه أن يتقي الله في هؤلاء الضعفاء الواحد منا يسافر من المدينة إلى جدة ويسافر من جدة إلى الرياض فإذا بقلبه يتولع ويجد من الشجى أن فارق أولاده فلذات كبده فلا يملك كل ساعة وهو يتصل على أهله كيف حالهم ، فكيف هؤلاء الذين بينهم وبين أهليهم بحور ، وكيف حينما تسافر لا قدر الله يأتيك خبر أن ابنك فقط أصابته زكمه كيف يكون حالك فما بالك بأناس لا يسمعون أصوات قراباتهم إلا بالشهور وما بالك بالواحد منهم تأتيه النكبة في بيته ومع ذلك قل أن يجد من يقول له : عظم الله أجرك ، ولربما يأتيه الضائقة فقل أن يجد من يواسيه ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، الإنسان عنده الخدم وعنده من يقوم عليه ولا يفكر في عواطف هؤلاء ، من اشترى رحمة الله في هؤلاء الضعفاء رُحم ، ومن أحسن إلى هؤلاء أحسن الله له في الدنيا والآخرة هؤلاء هم الذين تشتري بهم رحمة الله لا رياء ولا سمعة ولا يعلم إلا الله وحده لا شريك له تحسن إليهم إذا حملتهم مثلاً يوم من الأيام كلفتهم بأمر قاموا بالأمر على أحسن الوجوه قلت له :بارك الله فيك وجزاك الله خيراً ووصيت الأولاد والزوجة مع الخادمة إذا طبخت ونفخت وتعبت أن تقول لها : جزاك الله خيراً يقولون : لا ، الحكمة والتدبير أنك ما تقول لها جزاك الله خيراً تخربه يقولون فزين لهم الشيطان أعمالهم أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً والخير شراً والشر خير ، إذا صاح وضرب خادمه وآذاه ، قالوا : هذا الحكيم ، هذا الرجل الذي يعرف كيف يدبر عائلته وهو من أظلم خلق الله ، ومع ذلك يصبح منكره معروفاً-والعياذ بالله- ولكن إذا جاء وقال له : جزاك الله خيراً وبارك الله فيك ، قالوا : هذا مسكين ، بعضهم يقول : درويش ، نعم (( أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين )) إذا كانت هذه المسكنة تعود برحمة الله فيا بخٍ بخٍ اللهم اجعلنا من هؤلاء المساكين الذين يَرحمون ويُرحمون ، فيتذكر الإنسان أمثال هؤلاء ويتذكرهم في الأعياد والمناسبات حينما يمر عليك عيد ولا تعيد بين أولادك وأهلك حينما تمر عليك المناسبة ولا تجد إخوانك يدخلون عليك في بيتك يذكروك بهذه المناسبة كيف هؤلاء يعيشون ينبغي أن نعيش كما يعيشون ، وأما أن نشدد عليهم ويأتي الإنسان بالخادم أو بالعامل ويجلس يدقق له في كل صغيرة وكبيرة دون أن يعيش مشاعره دون أن يعيش أحزانه وأشجانه ، كم من خادم قائم على عمل وكم من عامل قائم على عمل وجاء في ساعة من شدة العمل والضنك فقال له صاحب العمل كلمة جبرت خاطره أو أعطاه شيئاً جبر خاطره ودعا له دعوة فتحت لها أبواب السماوات هؤلاء الضعفاء هم الذين قال فيهم النبي : (( هل تنصرون إلا بضعفائكم )) أي هل بمعنى لا { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } لا تعلم له سمياً ، هل تنصرون أي لا تنصرون إلا بضعفائكم من أراد أن ينصره الله فلينظر إلى الضعفاء وإذا أردنا ألا يتسلط علينا أن لا يتسلط علينا الأعداء فلنرحم هؤلاء الضعفاء وننظر إلى حقوقهم وإلى ما لهم ، نجلس ندقق على الخمسين ريال ؛ لأن نرى الخمسين ليش يقولون هذا يضحك عليه بالخمسين والمائة ، ولا نعلم أن المائة والخمسين تسوى عنده شيئاً كثيراً ، ولا نعلم أن جبر الخواطر وأن الكلمة ربما تمسح الذي في القلوب ، دخل رسول الله على أحد الصحابة وهو يضرب عبداً من عبيده ، عبد ملك يمينه قال فضربته فإذا بصائح وراء ظهري يقول لي : (( اتقِ الله يا أوس ، لَلله أقدر عليك منك به )) فبكى أوس وقال : - يا رسول الله - أشهدك أنه حر لله ولرسوله ، وقال رجل : - يا رسـول الله - إن لي إماءً وعبيداً ملك يمين آمرهم فيعصونني فاضربهم وأشتمهم وهم ملك اليمين ومع ذلك أخطأوا فقال : (( إذا كان يوم القيامة نظر في ضربك لهم وشتمك لهم وعصيانهم لك فاقتص منك في ذلك )) ما في شيء يذهب هدر ، الواحد يجلس في البيت يصيح على الخدم يصيح السائق ثم يعلم أولاده كيف يصيحون ، فوالله ما رآك ابنك تسيئ إلى هؤلاء وفعل بهم مثل الذي كان لك مثل مالهم من الوزرٍ { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ } لأنك أنت الذي علمتهم ؛ ولكن إذا وجد ك تكرم المسلمين وتجعله يتأدب مع منه أكبر منه ويتعلم الإحسان الله ما أحسن إلا كان لك أجره فالنتقِ الله ولننتبه للحقوق هؤلاء وغيرهم-ونسأل الله بعزته وجلاله أن يسلمنا ويسلم منا ويتوب علينا وأن يتجاوز عنا.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــ
وورد إليه السؤال التالي في :باب ما ذُكِرَ من سِيمَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ من آثارِ السُّجودِ والطْهُورِ يومَ القيامةِ

السؤال:
عندي مجموعة من العمال إذا أخطأوا في عملهم أخصم من رواتبهم ؛ لكي ينتبهوا ويجدوا في عملهم مع العلم أنه لم يحصل بيني وبينهم اتفاق عند العقد بالعمل على هذا الخصم ، أرشدونا إذا كان هذا الخصم جائزاً أم لا ؟

الجواب :

لا يجوز الخصم من الرواتب إلا إذا قصر العامل في الزمان المتفق عليه ، أو في العمل ، أما إذا اتفق معه على إجارة بالشهر فغاب يوم يخصم عليه ، يومين ، أو ثلاثة أيام ، تأخر عن الدوام يخصم عليه يوماً كاملاً ويلزمه أن يتم بقية اليوم ولا يعطيه الأجرة كاملة ، إلى غير ذلك من الأفعال التي أخطأ ، مثلا في البيع في التصرف يخصم عليه راتب يوم ، هذا كله من الظلم ، ومن أكل أموال الناس بالباطل ، والسبب في هذا أن العامل إذا عمل تسعاً وعشرين يوماً كاملة ، وعمل ثلاثين يوماً من الشهر كاملة استحق الأجرة كاملة ، إن حصل منه تقصير في معاملته مع الناس أو في سوء عمله فحينئذٍ يحمِّله مسؤولية التقصير أو يعفو عنه أو يوجهه ، أما أن يتسلط على راتبه وعرق جبينه وتعبه ويقول له : اليوم باليومين والساعة باليوم ، فهذا من السحت والحرام ومثل هؤلاء عليهم أن يتذكروا حديث رسول الله : (( ثلاثة أنا خصمهم ومن كنت خصمه فقد خصمته يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر - هذا حديث قدسي يقول الله تعالى- ثلاثة أنا خصمهم - فهم خصوم لله-عز وجل فالله خصيمهم - رجل باع حر ثم أكل ثمنه ، ورجل أعطى بي ثم غدر - تقول له : يا فلان تعطيني يقول لك : والله ما تفعل لي شيء ، يقول : ما أفعل لك شيء ، بالله بالله ، أعطى بي ثم غدر ، فإذا تمكن منه غدر به وفعل إذا قال له : الله الله بيني وبينك الله قال : بيني وبينك الله فأمنه الرجل بهذه الكلمة فغدر به هذا أعظم الغدر-والعياذ بالله- وخصمه الله عز وجل وينبه الناس على الخطباء أن ينبهوا الناس على مثل هذه الانتهاكات لحدود الله ومحارمه والاستخفاف بعظمة الله .

الأمر الثالث : قال : (( ورجل استأجر أجيراً فلم يوفه أجره )) جعله يعمل عنده ويكدح ويتعب ، ثم يأتي يوماً كاملاً بمجرد أن تحصل عنده غلطة يسيرة قال له : مخصوم عنك اليوم كاملاً ، عامل يأتي جائع وتحضر ساعة الغذاء يعطيه مثلاً نصف ساعة يتغذي ، يتأخر عنها دقيقة أو نصف الدقيقة يقول له : مخصوم عليك راتب يومين ، بأي شرع ، بأي دين تخصم ، هذا ماله ، هذا عرق جبينه ، هذا شيء أراد به عفة نفسه ، تغرب به عن أهله وماله وولده تأتي تخصم عليه ، هذا ظلم وسحت ، والتأويلات والتعسفات في هذه لا دخل لها هذا نص (( أستأجر أجيراً فلم يوفه أجره )) إذا عمل يومين ما تخصم عليه راتب اليومين هذين إلا إذا لم يحضر في اليومين ولم يعمل حقيقة في اليومين ، إذا ضيع جزء من اليوم تخصم منه قدر الجزء الذي ضيعه ، أما أن تقول إذا أخطأ في تعامله مع الناس تخصم عليه قدر ، ولكن عليك أن تعلم أن العاقل الحكيم الموفق هو الذي ينظر إلى غالب الحال ، ليس هناك أحدٌ كاملاً ليس يا أخي تذكر أن متجرك وبيتك وسوقك ومزرعتك يخرج إليها هذا العامل كل يوم الفجر وكل يوم من الصباح يترك زوجته وأولاده من أجل أن يقيم لك عمل من أعمالك ما تحس بقيمة هذا ، تنظر على الرجل في بعض الأحيان يجلس في عز الظهيرة والشمس يصرِّف بضاعتك للناس كأنها بضاعته ، كل هذا ينسى ، أعوذ بالله من اللؤم ، ولذلك ضيق الناس على الضعفاء فضيق الله عليهم وكانت الناس ترى البركة في أرزاقها وترى العافية ، والنكبات والفجائع لا تسلط على أموالها ، أما اليوم فخذ من الفظائع والنكسات ، بل حتى ليجمع الملايين ثم تنتهي-والعياذ بالله- في علاجه في سرطان أو بلاء أو داء خبيث !! نعم من شدد على الناس شدد الله عليه ، ومن ضيق على عباد الله ضيق الله عليه جزاءً وفاقاً ، فارحم هؤلاء الغرباء ، وارحم هؤلاء الضعفاء ، وأحسن إليهم وخذ منهم على غالب حالهم ، واعلم أن الله عز وجل قبل منا أن تثقل موازيننا ولم يقبل منا أن تكمل ولم يفرض علينا أن تكمل المسلم قال الله-تعالى- : { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } ما قال : ( فمن كملت ) معناه عندنا التقصير وعندنا النقص ، تحاسب عامل جاء يرمي بزوجته وأولاده وراء ظهره ليس عنده سيارة ولا مركوب ، فجاء يلهث يجري على عمله ، وتأخر الخمس دقائق والعشر دقائق والربع ساعة تقول : ما لك شيء ، ثم أنت تتأخر عن الصلاة المفروضة وتتأخر عن الصلوات وتنام عنها ثم تأتي ولا ترى لنفسك خطأ ولا خللاً ، إنا لله وإنا إليه راجعون { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } لا يجوز التسلط على مال العامل ، وعلى كل مسلم أن يتقي الله وأن يوفي الأجير أجره - نسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يسلمنا وأن يسلم منا -
ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
وفي بَاب مَا جاَءَ في الإِشَارَةِ فِي الصَّلاَةِ وبَاب مَا جَاءَ أَنَّ التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ من سنن الترمذي:

تقول السائلة : إذا كان الزوج يغضب بمجرد سؤاله وطلب المصروفات والمستلزمات فكيف أستطيع التعامل معه إذ أني أخشى من الوقوع في الإثم ؟
الجواب :
إلى الله المشتكى ! مصيبة عظيمة إذا كان صاحب الحق لا يصل إلى حقه إلا بمهانة ولا يصل إلى حقه إلا بضيق وحرج ، ما هؤلاء بخيار الأمة ، إذا كان الزوج مع زوجته لا تستطيع زوجته أن تصل إلى حقها إلا وقد أحاطت بها الأمور المحرجة من كل جانب فأخذت تتلطف وتتملق حتى تصل إلى حقوقها فهذا-نسأل الله السلامة والعافية- يعني من حرمان الإنسان الخير ، فإن المؤمن الصالح الكامل الفاضل هو السهل المُسهَّل الموطأ كنفه ، الحبيب إلفه الذي يستطيع كل إنسان أن يصل إلى حقه عنده بدون صعوبة وبدون حرج وبدون ضيق .
الزوج إذا أراد أن يصل إلى مراتب الكمال هو الذي يسأل زوجته هل لك من خدمة أقدمها ويبذل لها حقها قبل أن تسأل فضلاً عن أنه يتنظر منها أن تسأل حقها ، وينتظر منها أن تسأل حقها بطريقة تتكلف فيها حتى لا تزعجه أو تقلقه على الإنسان أن يراجع نفسه وأن ينـزل نفسه منـزلة المرأة ، وهكذا بالنسبة للعمال والأجراء والضعفاء والموظفين والمستخدمين الذين هم تحت الإنسان إذا أراد الإنسان أن يسلك المسلك المحمود وأن ينجو في اللقاء المشهود فلينـزل نفسه منـزلة الضعفاء ، وإذا أرادت عيناك أن ترى رجلاً يسلم من حقوق الناس في هذا الباب فانظر إلى ذلك الذي يتقصى الحقوق التي عليه فيؤديها قبل أن يُسألها - نسأل الله أن يجعلنا ذلك الرجل - .
من أنصف الناس من نفسه سلم والمصاريف مصاريف البيت ينبغي للإنسان أن يحددها يحدد زمانها ويحدد قدرها ، فإذا أراد أن يؤديها أداها بدون منة وبدون تضييق وبدون إحراج وبدون إذلال لأن هذه حقوق واجبة فيؤديها بطيبة نفس برضى خاطر ، يؤديها دون أن يكون كلام بذيء أو جرح للمشاعر أو إهانة خاصةً في هذا الزمان وبالأخص للملتزم والخير الصالح ، فالحمد لله إذا رزق الله الإنسان امرأة صالحة ليتذكر أن الله عافاه من امرأة تجره إلى الأسواق ، وأن عافاه من امرأة تستنـزف ماله في أمور لاطائل تحتها ولا نائل ، فليحمد الله على العافية وليشكر فضل الله عز وجل عليه وليحسن من هذه المرأة الصالحة نعمة الله عز وجل عليه فيها ، فالمقصود أن التضييق على صاحب الحق يكون العامل يريد مكافأته فيتأخر صاحب العمل وينتظر من العامل أن يأتي إليه حتى يسأله أجرته (( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه فقد خصتمه - في الحديث القدسي أي أن الله خصم هؤلاء - رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل استأجر أجيراً فلم يوفه أجره )) إذا انتهى عمل العامل والمرأة وصفها النبي بالأسيرة (( إنهن عندكم عوان )) أسيرات فإذا جاء وقت الحق تذهب وتعطيه وتسدده ما ينتظر الإنسان تأتي المرأة تتذلل له يا فلان أعطنا المصروف لا ... هو الذي يسأل وهو الذي يباشر وهو الذي يأتي ويقدم بنفس طيبة وبنفس راضية حتى يُبارك للمرأة فيما تأخذه .
كذلك الأبناء والبنات الإبن يطرأ عليه شيء يريد أن يشتريه فيأتي إلى أبيه يقول : - يا أبت - أريد أن أشتري كذا طبعاً الشيطان دائماً يسول للإنسان الناس اليوم يقولون : إذا كان ولدك بمجرد ما يأتي ويطلب والزوجة بمجرد ما تأتي تطلب تعطيها إذاً تركب على الإنسان تركب عليه نعم هكذا يشعرون ، يشعرون أن الإنسان مغفل وأنه ساذج إذا كان كل ما جاءه ولده يطلبه وأعطاه يقولون : هذا مسكين وهل يدخل الجنة إلا المساكين ، فنقول مثل ما قال : اللهم أحيني مسكيناً إذا كان هذه مسكنة فنعم المسكنة { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } هذه المسكنة التي تراها مسكنة هي الطريق إلى الجنة ووصف أهل الجنة بأنهم (( ألا أنبئكم عن أهل النار ؟ كل عتل جواظ )) الخشين المتكبر متعجرف الذي لايوصل للحق معه إلا بإلحاح وأذية فإذا جاء الشخص يلين مع أهله قالوا : لا أنت مسكين هذا ما يصلح لابد أن تكون عندك شخصية { وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ } ما يأتي الشيطان بشيء يأتي بتزيين يأتي بأنك تصير شجاع أنك تصير قوي تكون لك شخصية في البيت ، والله إذا لم يهابوك محبة لم يهابوك بغيرها
أهابك إجلالاً وما بك قدرة علي *************** ولكن ملء عين حبيبها
تملك القلوب بالإحسان ، تملك البيت بالمحبة تملك البيت بالوفاء تملك البيت بأداء الحقوق ابنك إذا عاش في بيتٍ يرى الأب يخاف من الله عز وجل يؤدي حقه إليه تعلًّم كيف يؤدي إلى الناس الحقوق ؛ ولكن إذا نشأ عند أبٍ ظالم جائر ويصبح ويمسي وهو يسمع أمه تتأوه وتتألم وتتفجع وتتوجع من مهانة المصاريف وأذيتها فإنه إما أن يسلك سبيل الأب أو ينحرف-والعياذ بالله- ؛ لأن الإنسان مجبول على التأثر بغيره فما بالك إذا كان والداً له ، ومن هنا { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ } فعلى الأب أن ينتبه لهذا .
ومن الأهمية بمكان أن تعلم أنه إذا فرض عليك الحق عليك تؤديه بدون منة ، وإذا جئت تحسن إلى أولادك وزوجك في المصاريف وتعطيهم المصاريف تعطيهم بكلمات طيبة إذا اقالوا لك جزاك الله خيراً تقول لا بالعكس هذا شيء يفرحني ويرضيني أنتم مني إني أحمل من يد وأضع في أخرى ، من أنتم ما يحتاج هذا الشيء فإذا سمعوا منك هذه الكلمات ترضوا عليك وترحموا عليك وذكروك بالخير وأحبوك وملكت مشاعرهم هذه هي الشخصية ، وهذه هي المحبة لأنك أرضيت الله فرضي الله عنك وأرضاك وأرضى عنك خلقه ، أما أن تلتمس هذا بالقوة والعنف ويقول : أنا لايمكن أن أكون زوجاً إلا إذا كان أو أن الزوجة أمرها بأمر فلم تطعه أو مثلاً أراد أن يهينها ويذلهم يأتي عند المصاريف يأتي عند حقها فيذلها ، والله لو صب الذهب في حجرها وملأ حجرها ذهباً وفضة وهو يمتن ويذل فلا قيمة لمعروفه
معروف مَنْ مَنَّ به خداج ****************** ما طاب عذب شابه عجاج
كيف تستطيب شيء تقول : إنه حلو ما دام أنه مخلوط بالعجاج والمرارة ، ما يمكن هذا فعلى الإنسان أن يراجع نفسه ودائماً تتفكر أنك مقصر وتحس نفسك مقصر ، الزوج الكامل يعطي المرأة مصاريفها المائة والمائتين يعطيها الألف والألفين ثم يشك في نفسه لعله أن تأتيها حاجة فيقول : يا فلانة تحتاجين المرة الأولى والثانية والثالثة ثم تصبح المرأة تستحي من زوجها ؛ ولكن على المرأة - أيضاً - أن تعين زوجها ، وعلى الأولاد أن يعينوا والدهم وأن يكبروا من والدهم القيام عليهم فلا يحملوه مالايطيق والحقيقة مسألة القيام بالمصاريف مسألة مؤلمة وكم من بيوت هدمت وأسر شتت ، بل كم من أولاد أبناء وبنات وقعوا في الحرام بسبب تضييق الحقوق في المصاريف بسبب عدم عناية الوالد بالقيام بمصروف البيت ، الواحد منا ينفق عشرات الألوف في سفره ، وينفق عشرات الألوف في نزهه وتمشيته وتجده ينفق الأف والألفين على الضيف وهو خارج غريب عنه ولو أن هذا من طاعة الله ومرضاة الله ؛ ولكنه قد يتكلف نفاقاً ورياء ويتملق القريب والبعيد بمصاريف يقول له الضيف تكلفت يقول : لا والله ما تكلفت ، أما الابن المسكين إذا أخذ مصروفه يقول : يا بني أنت تريد أن تدمر البيت أنت كل شوي تأتي وتأخذ من عندي ما هذا ويقيم الدنيا ويقعدها ، فجبر القلوب وعدم كسر المشاعر وهذا مؤلم جداً وكسر المشاعر من الوالد والوالدة مؤلم وقد تكون الكلمة سهلة على لسان الإنسان ؛ لكنها جارحة مؤلمة في قلبه ، الابن لما يحس أن والده يمتن عليه أو أن والده تضايق من مصاريفه يحصل له من الضيق والهم والغم ما الله به عليم ، فعلينا أن نعيد النظر .
والكلمة الأخيرة : لا أعرف شيئاً يسدد الإنسان ويقومه بعد توفيق الله عز وجل ومعونته ويجعله مراقباً لله سبحانه وتعالى مؤدياً للحقوق على أتم وجوهها وأكملها لا أعلم شيئاً أجل ولا أكمل ولا أسمى من ذكر الآخرة ، الإنسان الذي يعلم أنه ينفق على ولده وأولاده وزوجه وأنه يريد وجه الله ، وأن القليل الذي يعطيه يرضي به الله وأن هذا كله مخلوف من ملك الملوك ومن بيده خزائن السموات والأرض لا تنفذ خزائنه طابت نفسه وارتاح قلبه ولربما جاءه ولده وهو أحوج ما يكون إلى المال فيؤثر ولده على نفسه التي بين جنبيه ، فلا يزال يرفل في الدرجات العلا من مرضات ربه عنه حتى يجعل الله له حسن العاقبة ، والله ما وجدنا أحداً أحسن لأهله وولده إلا أحسن الله إليه في ماله ونفسه وحاله فأصلح الله له أمره ، فعلى الإنسان أن يوطن نفسه بهذا الشعور وهو أنه ينفق على ولده لله لا لشيء سواه وأنه إذا أنفق على هذا الوجه أنه مضمون الخلف من ربه ، فتذكر كلمتين تذكر أنه جواد كريم ، وأنه يخلف على عبده { وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } وأفضل النفقة وأحبها إلى الله عز وجل أن تبدأ بولدك وبزوجك (( ابدأ بنفسك وبمن تعول )) قال : - يا رسول الله - عندي دينار قال : (( أنفقه على نفسك )) قال : عندي غيره قال : (( أنفقه على أهلك وولدك )) أول من تبدأ بهم وأول من تشتري به رحمة الله بعد نفسك التي بين جنبيك ابنك وبنتك وفلذة كبدك ، فلا تجعل عينه قاصرة ولا تجعل عينه مكسورة حينما ينظر إلى الناس وهو يرفلون في النعم دون إسراف وبذخ ولكن في الحدود الشرعية فوطنهم على ذلك-رحمك الله- واسأل ربك السداد فإنه نعم المولى ونعم النصير .