وسواس الدعاء على الأهل
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
السؤال:
الملخص:
فتاة لديها وسواس في الدعاء؛ إذ بدلًا من الدعاء لأهلها تدعو عليهم، ولا تستطيع دفع أو تجاهل هذا الوسواس، وقد أصابها ذلك بالحزن والفتور في العبادة، وتسأل: كيف أتخلص منه؟
التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ أن كنت صغيرة بعمر ثماني سنوات، وأنا أعاني من وسواس الفقد والموت، ولم أُخبر والديَّ بتلك المشكلة، دائمًا أخاف على أمي وأبي وإخوتي، لكنها حالة تذهب وتعود من تلقاء نفسها، وقد استفحلت في هذه الأيام نتيجة للأزمة الحالية، فأصبحت أخاف جدًّا فأُكثِّف الدعاء لي ولعائلتي، وذات يوم كنت أوتِرُ، وكان صوت والدي مرتفعًا قليلًا، فدعوت عليه بقلبي، وقطعت صلاتي من فوري، واستغفرتُ الله، وشعرت بالخوف أن يقبل الله هذه الدعوة.
أصبح الدعاء هاجسي الوحيد، فأصبحت أدعو على أهلي في قلبي بدلًا من الدعاء لهم، ولا سيما أمي، والله إن قلبي لَينفطرُ من هذا الأمر، ولم أعُدْ أستطيع الصلاة جيدًا بسبب تلك الدعوات، حتى إنني أشعر أحيانًا أني سأنطق بها، وأن الله سيستجيب لأني أُحرِّكُ لساني أحيانًا وأنا أدعو، وأشعر أن هذه الدعوات مني وليست من الشيطان؛ لأنه في بداية المشكلة كنت أخاف، والآن أشعر فقط بتأنيب الضمير، وليس ذلك الخوف الشديد، ولأنني أحيانًا أكون جالسة فأتذكر الأدعية، وأشعر بالخوف، وأحيانًا أشعر أنني مَن يجلب هذه الأفكار لأنني اعتدتُ عليها، أصبحت حياتي بلا معنًى؛ فشعور تأنيب الضمير وأنني سببُ الأذى لعائلتي لا يفارقني، والله إني لأُفضل الموت على أن أضُرَّ أحدًا من أهلي، ولا سيما أمي، أشعر أنني مَن سيجلب السوء لعائلتي بسبب دعواتي، لا أدري لماذا أتاني الوسواس في أحب الأعمال إلى قلبي، وهو الدعاء، فأنا أحب أن أدعوَ الله كثيرًا، لكني الآن بتُّ خائفة، وأشعر بفتور في عباداتي، رغم أنني كنت محافظة على الفروض والنوافل، والأذكار وقراءة القرآن، والآن لم أعُدْ كذلك، حاولت أن أتجاهل ذلك الوسواس، فلم أستطع، أفيدوني، فأنا أصبحت بلا رغبة في أي شيء، فهاجسي - الدعاء على أهلي - يلاحقني، ولا سيما عند الغضب؛ إذ أشعر بأن ثَمَّةَ شيئًا يخبرني بأن أدعو عليهم، فتظل الدعوة عالقة في لساني، كيف أتخلص منه؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: وساوس الشيطان والنفس لا يُؤاخَذ عليها الإنسان، ولا يُعاقَب عليها، ولا يترتَّب عليها شيء، ما دام يكرهها، ولا يسترسل معها، ويجاهد نفسه في ردِّها، وتزول وسوسة الشيطان بالاستعاذة وذكر الله، ووسوسة النفس تزول أيضًا بالاستعاذة، وبتقوية الصلة بين العبد وربِّهِ بفعل الطاعات وترك المنكرات؛ قال الله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7]
وقال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم يتكلموا أو يعملوا به))؛ [البخاري: (4968)، ومسلم: (127)].

قال ابن كثير في قوله: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 284]؛ "أي: هو وإن حاسب وسأل، لكن لا يُعذِّب إلا بما يملك الشخص دفعه، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها، فهذا لا يكلف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان"؛ [تفسير ابن كثير: (1/ 343)].
وفي الفرق بين وسوسة الشيطان، ووسوسة النفس، معنًى لطيف ذكره ابن تيمية عن بعض العلماء؛ قال: "وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان، فقال: ما كرهته نفسك لنفسك، فهو من الشيطان، فاستعذ بالله منه، وما أحبَّته نفسك لنفسك، فهو من نفسك، فانْهَها عنه"؛ [مجموع الفتاوى: (17/ 529 - 53)]
أي: إن النفس غالبًا توسوس فيما يتعلق بالشهوات التي يرغب فيها الناس عادة.
وذكر بعض العلماء فرقًا آخر مهمًّا؛ وهو أن وسوسة الشيطان هي بتزيين المعصية حتى يقع فيها المسلم، فإن عجز الشيطان انتقل إلى معصية أخرى، فإن عجز فإلى ثالثة وهكذا، فهو لا يهمه الوقوع في معصية معينة، بقدر ما يهمه أن يعصيَ المسلم ربه، يستوي في هذا فعل المنهي عنه وترك الواجب، فكلها معاصٍ، وأما وسوسة النفس، فهي التي تحث صاحبها على معصية بعينها، تحثه عليها وتُكرر الطلب فيها.
وأنتِ في طوايا رسالتكِ أكدتِ كُرهكِ لهذه الخواطر والوساوس، فلا شيء عليكِ، واستمري في الطاعة، ولا تتركيها أبدًا، فهذا ما يريده الشيطان منا، وهو ترك الطاعة والانشغال بالمعاصي.
ثم إن الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم لا يُستجاب؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم))؛ [رواهمسلم: (7036)].
فهوني عليكِ، بارك الله فيكِ.
ثالثًا: لعلاج هذه الوساوس، عليكِ بتجاهلها وعدم الاسترسال معها، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والإكثار من ذكر الله، وإذا كنتِ في الصلاة ووسوس لكِ الشيطان بشيء، فلا تتركي الصلاة واتْفُلي عن يساركِ ثلاثًا، وقولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: ((أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلبِسها عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان، يُقال له: خَنْزَبٌ، فإذا أحسسته، فتعوَّذ بالله منه، واتْفُل على يساركِ ثلاثًا، قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني))؛ [مسلم: (2203)].
وأنصحكِ بمراجعة استشارتنا:
تسلط الجن والأفكار الكفرية.
وسواس في الاعتقاد.
أشك في عقيدتيالرضا بالقضاء والقدر.
وساوس قهرية وخوف مستمر.
وسواس قهري متعلق بالدين والقرآن.
أعاني من وساوس تتعلق بالآخرة.
وساوس قهرية مستمرة.
أفتقد لذة الإيمان.
الحكمة من الابتلاءات.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/146717/#ixzz6uE2XPzaY