السلام عليكم،

ماذا نعلم أولادنا الصغار؟
الشيخ خيرالدين عوير - الجزائر

الحمد لله حمدا يكافئ نعمه، ويوافي مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما مزيدا إلى يوم الدين، أما بعدفيقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ) أي: مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة، وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: علموهم وأدبوهم، وقال الحسن: مروهم بطاعة الله، وعلموهم الخير.
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته» رواه البخاري.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أَدِّب ابنك؛ فإنك مسؤول عنه، ماذا أدبته؟! وماذا علمته؟! وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك.
وقال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة، قبل أن يسأل الولد عن والده، فانه كما أن للأب على ابنه حقا، فللابن على أبيه حق، كما قال تعالى: (وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا)، وقال سبحانه: (قُوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة).
ويروى عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قالوا يا رسول الله، قد علمنا ما حق الوالد، فما حق الولد؟! قال: «أن يحسن اسمه، ويحسن أدبه» رواه البيهقي.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارا".
ماذا نعلّم الصغار؟
ليكن أول ما يحرص على تعليمهم توحيد الله تعالى، قال عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (211ه) (7976): باب ما يستحب للصبي أن يُعَلَّمَ إذا تكلم، وقال ابن أبي شيبة (235ه) (3498): ما يستحب أن يعلمه الصبي أول ما يتعلم، ثم أسندا عن عمرو بن شعيب قال: "كان الغلام إذا أفصح من بني عبد المطلب علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية سبع مرات : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) " (الإسراء111).
فتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار هذه الآية العظيمة؛ ليكون أول ما يتلقاه الصبي لما يتعلم الكلام والحديث، وما فيها تقرير من التوحيد، ونبذ الشرك، والثناء على الله بكمال وحدانيته، وغناه عن الولد والشريك، والنصير، والأمر بتعظيمه وتبجيله، لتستقر هذه المعاني في قلب الطفل، وتكون تعزيزا لفطرته، فينشأ على التوحيد، وتعظيم الله تعالى.
عن إبراهيم التيمي قال: "كانوا يستحبون أن يلقنوا الصلاة، ويعرب أول ما يتكلم يقول: لا إله إلا الله سبع مرات، فيكون ذلك أول شيء يتكلم به" رواه عبد الرزاق (7977)، وابن أبي شيبة (3500) واللفظ له.
وكان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعلم ولده يقول: «قل آمنت بالله وكفرت بالطاغوت» رواه ابن أبي شيبة (3499).
بل إنه يستحب أن يؤذن في أذن الطفل عند ولادته، فعن أبي رافع رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة» رواه أبو داود والترمذي، والحكمة من ذلك ـ والله أعلم ـ أمران:
الأول: أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات الأذان، المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها.
الثاني: طرد الشياطين؛ فإن الشيطان إذا سمع الأذان هرب، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإذا صار يعقل ويميز، يؤمر بالصلاة، ويعلم أحكامها من طهارة، وقراءة قرآن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها» رواه أبو داود وهو صحيح، قال الفقهاء: وهكذا في الصوم؛ ليكون ذلك تمرينا له على العبادة، لكي يبلغ وهو معتاد على العبادة والطاعة، قد ارتاضت عليها نفسه، وانشرح لها صدره.
وعن عمرو بن سلمة الجرمي ـ رضي الله عنهما ـ قال: لما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم ـ يعني سبقهم ـ فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقا، فقال: «صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا». فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني، لـِما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين" رواه البخاري (4302).
ثم يترقى معه، فيعلم شيئا من أصول الدين والاعتقاد، قال ابن السني في رياضة المتعلمين (ص136): فإذا كبر الصبي، وصار في حد العقل، فليلقنه التوحيد، والإيمان بالقدر، وحسن الطاعة لله عز وجل، والتوكل عليه" ثم أسند حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: «يا غلام، إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» رواه الترمذي وهو صحيح.
ويحرص على تعليمه القرآن الكريم؛ فإنه أصل العلوم النافعة، وهو من شعائر دين الإسلام، ومعلمه العظام، قال ابن خلدون في مقدمته المشهورة: "اعلم أن تعليم الوِلدان للقرآن، شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم؛ لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن، وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الكتاب، وسبب ذلك أن تعليم الصغر أشد رسوخا، وهو أصل لما بعده"انتهى.
فانظر رعاك الله كيف جعل تعليم القرآن أصلا لما بعده، مع تعليمه شيء من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وانظر في أحوالنا الآن؛ لتدرك سبب علو أسلافنا وعزهم، ونيلهم الحظ الوفير من المدنية والحضارة، وارتكاس أحوالنا، وبؤس أوضاعنا، وصار كثيرون يعتقدون أنه لا سبيل للرقي المادي، إلا بالانغماس في حمأة تقليد الغرب، فمن أجل متاع قليل من الدنيا، آثروا أن يكونوا ذيلا لعباد الصليب، على التمسك بدين الإسلام الصحيح، الذي لو ارتقوا إليه لنالوا عز الدنيا والأخرة، كما ناله أسلافهم أيام مجدهم وعزهم؛ بتمسكهم بدينهم، وافتخارهم به.
عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنهما ـ قال: ذهب أبي بي ـ والنعمان غلام صغير ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن ابني هذا قرأ سورة من القرآن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ، فقرأت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) حتى ختمتها، فجعل نبي الله صلى الله عليه وسلم يتبسم، فانظلق بي أبي حتى أتى أمي فقال: يا فلانة، هنيئا لك، قد قرأ ابنك على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورا من القرآن» رواه ابن السني في رياضة المتعلمين (23).
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ذُهِب بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجب بي، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «يا زيد، تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي»، قال زيد: فتعلمت له كتابهم، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب.رواه أحمد (21618)، وابن السني في رياضة المتعلمين (24) وإسناده حسن.
فانظر ـ رحمك الله ـ كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم رشحه لتعلم لغة اليهود؛ لما رأى فيه من النبوغ في حفظه جملة من سور القرآن الكريم؟ وصدقت فراسة النبي صلى الله عليه وسلم فتعلم هذه اللغة في نصف شهر، وصار بعد ذلك من كتبة الوحي، ومن علماء الصحابة رضي الله عنهم، وأعلمهم بالمواريث، وتولى جمع القرآن مرتين، في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم الجمع الثاني في خلافة عثمان الشهيد رضي الله عنه.
ويُعلّم الطفل أيضا الآداب السلوكية، كآداب الأكل برفق ولين، عن عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» متفق عليه، بل يحرص الوالدان على تعليمه وتربيته على الآداب الفاضلة، بالقدوة أولا، وبالتلقين ثانيا، فيعملان على غرس الخصال الكريمة في نفسه، وطبعه على الصفات الحميدة، وتقوية صلته بالله عن طريق حفظه للقرآن، وممارسة والده ووالدته العبادات، وتعليمه إياها وتعويده عليها؛ فإن المرحلة الأولى من مراحل الطفل هي أهم مرحلة في تربية الطفل جسميا وخلقيا، وفي تعويده أحسن العادات، وأكرم الأخلاق، في البيت، ومع الجيران، ومع القرابة، ومع الناس في الشارع، من يعرف ومن لا يعرف، ويعنى الوالدان بصحة الطفل وتغذيته تغذية صحية، وتعويده أدب الحديث، وأدب السؤال، بحيث يكون مهذبا في سؤاله، لطيفا في حديثه، يُحسن الوصول إلى ما يريد برفق وأدب، ويغرسا في نفسه كراهة الفحش والخنا، والبذاءة في الكلام، فيكبر عفَّ اللسان، طاهر الأعمال، مؤهلا للقيادة، يكره التبذل والابتذال، ذا همة عالية، وأهداف شريفة في الحياة،كما يحرص الوالدان الصالحان المسؤولان على أن يغرسا في أولادهم التواضع، والصدق، والوفاء بالعهد، والأمانة، والاستقامة، والشجاعة، والصبر، والحلم، والأناة، والرفق، والتقوى، والحياء، والورع، والتوكل على الله، والرحمة، والمحبة، والإيثار على النفس، وغير ذلك.
وينبغي أن يعوّد الطفل على النوم مبكرا، والاستيقاظ مبكرا، كما يعوّد على ممارسة الرياضة التي لا تتعارض مع الدين؛ ليقوى بها بدنه، ويعتاد على النشاط، والقدرة على الحركة، وعدم الكسل والخمول، وكلما تقدمت به السن تأكد العمل على حسن توجيهه وتربيته تربية كاملة: جسمية، وعقلية، وخلقية، واجتماعية، بحيث يُعد للحياة العملية التي تنتظره.
وينبغي أن تخص البنات بمزيد عناية ورعاية، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم تربيتهن ورعايتهن من أسباب دخول الجنة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال ثلاث بنات، فأدبهن، ورحمهن، وأحسن إليهن، فله الجنة» رواه أحمد (11924)، وأبو داود (5147)، وفي رواية لأبي داود (5148):«ثلاث أخوات، أو ثلاث بنات، أو ابنتان، أو أختان»، فيغرس فيها الحياء والطهارة، وعفة اللسان والجوارح، وتعلم ما يختص بها من أحكام الطهارة كالحيض ونحو ذلك، وتعود على الستر والحشمة في اللباس، وعدم إبداء المفاتن، ثم تعلم أن الحجاب والستر، طاعة وعبادة للرحمن، واقتداء بأمهات المؤمنين وبنات الرسول ـ رضي الله عنهن ـ، وأن الحجاب يحفظ المرأة من طمع الفجار، ويصونها عن نظر الأعين الخائنة، ويعلو بها عن أن تكون مجرد جسد للمتعة.
إن البنت تعدّ لتكون زوجة، وأمًّا تصنع القادة الشجعان، والعلماء العاملين، الذين يحيون الأمة، ويقودونها لعزتها ونهضتها، كما قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
الأم أستاذ أساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق
وأما إذا أهملت، فإنها ستكون نكبة ومصيبة على مجتمعها وأمتها، وعقبة في طريق نهضتها، ومعول هدم لمجدها، وصيرها شياطين الإنس والجن أحبولة وشركا لفتنة الشباب، وإشباع الشهوات بالفواحش، واللذة المحرمة، مع ما يتبع ذلك من الحمل المحرم، ثم الجناية عليه بقتله وإجهاضه، وإن ترك ألقت به أمه ليكون لقيطا لا يعرف له نسب، ولا يجد من يرعاه ويقوم على شؤونه الضرورية، وما ذنبه حينئذ، فيقع الفساد في المجتمع، ويتهدم بناء الأسرة، وتنتشر الأمراض الاجتماعية، وتضعف الأمة، ويضمحل أمرها.
قال العلامة الإبراهيمي (بتصرف):
لا تنس حوا إنها أخت الذكر
تحمل ما يحمل من خير وشر
تثمر ما يثمر من حلو ومر
وكيفما تكونت كان الثمر
وكل ما تضعه فيها استقر
وإنها إن أهملت كان الخطر
كان البلا كان الفنا كان الضرر
ولا يتأتى هذا التعليم، والتربية الصالحة، إلا في بيئة مؤهلة للتربية والتوجيه، وأول ذلك الأسرة، فمتى كان الوالدان على صلاح وتقوى، واعتزاز بالدين، وعلم بأصول الإسلام الحقة، وآدابه الخاصة والعامة، ومقاصده في التربية، صلح منهما البذر والغرس، وأنبتا للأمة النبات الحسن من البنين والبنات، بإذن رب العالمين، وأما إذا كانا خاليين من هذه الأركان، فيا بؤس وقبح ما يغرسان ويبذران، وصدق الله (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) (الأعراف الآية 58).
قال السعدي: "هذا مثال للقلوب حين ينزل عليها الوحي الذي هو مادة الحياة، كما أن الغيث مادة الحياة، فإن القلوب الطيبة حين يجيئها الوحي، تقبله وتعلمه، وتنبت بحسب طيب أصلها، وحسن عنصرها؛ وأما القلوب الخبيثة التي لا خير فيها، فإذا جاءها الوحي لم يجد محلا قابلا، بل يجدها غافلة معرضة، أو معارضة، فيكون كالمطر الذي يمر على السباخ والرمال والصخور، فلا يؤثر فيها شيئا".
ولكن مع الأسف أن غالب الخلل في التربية، يأتي من إهمال الوالدين في البيت؛ بسبب الجهل، وكثيرا أيضا بسبب ضعف التدين والاستقامة على الدين الصحيح، والشعور بالنقص أمام كل ما هو غربي، فكيف إذا انضاف إلى ذلك ضعف المدرسة، وبعدها عن وظيفتها التربوية والتوجيهية، لضعف المعلمين، وعدم شعورهم بالمسؤولية العظيمة الملقاة على أكتافهم، أو لانحراف المناهج عن التربية الإسلامية الحقة، يقول محمد أسد (ليوبولد فايس- 1900-1992): "وليس لأحد أن يتردد في الاعتراف، بأن الجو الديني في كثير من بيوت المسلمين، قد بلغ من التدني، والانحلال الفكري، حدًّا أخذ يثير في الأحداث الناشئين، عوامل الإغراء الأولى أن يولوا الدِّين ظهورهم،...وأما في حال تعليم ناشئة المسلمين على أسس غربية، فإن التأثير سيكون على الأرجح موقفا عدائيا!" الإسلام على مفترق الطرق (ص69).
وللحديث بقية إن شاء الله، فاللهم ألهمنا رشدنا، وأعنا على أنفسنا، وعلى القيام بما أوكلت إلينا من المسؤوليات، فلا حول لنا ولا قوة إلا بك، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

كتبه/ خيرالدين مبارك عوير - إمام وخطيب مسجد الرحمة سابقا بالجزائر العاصمة
في 27 ذي القعدة 1443هـ (26 جوان 2022م)