من أحكام الأضحية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وسيد المرسلين نبينا محمد،وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فهذه نبذة جمعتها في أحكام الأضحية على عجالة، في وقت قديم، ولم يتسن لي مراجعتها كما ينبغي، راجيا الله تعالى أن ينفع بها، وعلى الله حسن القصد.
الأضحية: هي ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله تعالى .
وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وإجماع المسلمين.
وهي سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: : (ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (أقام النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة عشر سنين يضحي). رواه أحمد والترمذي، وقال حديث حسن.
فقد ضحى صلى الله عليه وسلّم وضحى أصحابه رضي الله عنهم، وأخبر أن الأضحية سنة المسلمين يعني طريقتهم، ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، كما نقله غير واحد من أهل العلم.

وذهب جمهور العلماء إلى أن الأضحية سنة مؤكدة، وذهب آخرون إلى أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة .

وذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها
لأنها شعيرة من شعائر الله ، والمطلوب من المسلم أن يعظم شعائر الله وأن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } سورة الحج الآية 32 .
وهو مذهب جمهور أهل العلم , روى عبد الرزاق بإسناده عن سعيد بن المسيب قال :[ لأن أضحي بشاة أحب إليَّ من أن أتصدق بمئة درهم ] .

فضلها :
روى الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا ". قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وضعفه الألباني.
فهذا الحديث وإن كان ضعيفاً فمعناه صحيح فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، وفي ذبح الأضحية تقرب إلى الله سبحانه وإظهار للتقوى من عدمها ، والمحبة له سبحانه وطاعته في ذلك ، وإتباعاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقد قال الله تعالى " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن ينال التقوى منكم ".
قال الشوكاني " وأحاديث الباب تدل على مشروعية الأضحية ولا خلاف في ذلك ، وأنها أحب الأعمال إلى الله يوم النحر ..

شروط الأضحية
يشترط للأضحية:

أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } وبهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم هذا هو المعروف عند العرب، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد.
قال القرطبي :[ والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر ].
ولا يصح في الأضاحي شيء من الحيوان الوحشي، كالغزال، ولا من الطيور كالديك خلافا لابن حزم.

وأن تبلغ السن المحدود شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن». رواه مسلم.
والمسنة: الثنية فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك.
والجذع من الضأن ما له ستة أشهر ودخل في السابع .
والثني من المعز ما أتم سنة ودخل في الثانية .
والثني من البقر ما أتم سنتين ودخل في الثالثة .
والثني من الإبل ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة
والالتزام بالسن المقرر شرعاً في الأضحية أمر مطلوب شرعاً، ولا تجوز مخالفته بالنقص عنه ، وتجوز الزيادة عليه.
فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن.

ويشترط أن تكون ملكاً للمضحي، فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته.
وتصح تضحية ولي اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية.
ويشترط في الأضحية أن تكون خالية من العيوب
لمَّا كانت الأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً ، فينبغي أن تكون الأضحية ، طيبة ، وسمينة ، وخالية من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها.
روى أصحاب السنن عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ ، الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم، وصححه الشيخ الألباني.
وحديث البراء هذا هو الأصل في باب العيوب في الأضحية.

فلا تجوز التضحية بـ:
العوراء والعمياء: وهذه باتفاق الفقهاء لأن العور قد أذهب عضواً منها ويقصر بها في الرعي فيقل لحمها.
أما الحولاء: وهي التي في عينها حول فتجزئ لأن الحول لا يؤثر عليها ولا يمنعها من الرعي .
ولا يجوز التضحية بالشاة التي خلقت بلا أذنين أو خلقت بأذن واحدة : وهذه لا تجزئ عند الحنفية والمالكية والشافعية، وتجزىء عند الحنابلة .
وقول الجمهور أقوى دليلاً وأحوط .
ومقطوعة الأذنين أو مقطوعة الأذن لا تجزئ عند الأئمة الأربعة .
هذا إذا كان القطع لجميع الأذن ، وأما إذا قُطِعَ بعضُ الأذن ، فقال الحنفية والحنابلة إذا قطع أكثر الأذن لا تجزئ ، ويؤيد قولهم حديث علي :( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِعَضْبَاءِ الْأُذُنِ وَالْقَرْنِ ) قالْ قَتَادَةَ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا الْأَعْضَبُ قَالَ النِّصْفُ فَمَا فَوْقَهُ) فقد اعتبر الأكثر .
وتجوز الجماء: وهي التي لم يخلق لها قرن وتسمى جلحاء أيضاً .
وأما مكسورة القرن: فتجزئ مع الكراهة .
وقال الحنابلة لا تجزئ مكسورة القرن .

والراجح أن مقطوعة الذنب لا تجزىء ، لأنه يعد عيباً فيها .
والمخلوقة بلا ألية أصلاً تجزئ عند أبي حنيفة والشافعية والحنابلة .
وأما مقطوعة الألية وهي التي كانت لها ألية فقطعت ، فلا تجزئ عند الفقهاء ، لأنها فقدت عضواً مأكولاً .
وتكره التضحية مع الإجزاء بـ :
المُقَابَلَةُ: وهي التي قطع من مقدم أذنها قطعة ، وتدلت في مقابلة الأذن ولم تنفصل .
فهذه تجزئ مع الكراهة
والمدابَرَة: وهي ما قطع من مؤخر إذنها قطعة وتدلت ولم تنفصل وهي عكس المقابلة وهذه تجزئ عند الجمهور مع الكراهة .
الشرقاء: وهي مشقوقة الأذن وتسمى عند أهل اللغة أيضاً عضباء ، وهذه تجزئ مع الكراهة عند الجمهور.
الخرقاء: وهي التي في إذنها خرق وهو ثقب مستدير وهذه تجزئ مع الكراهة عند الجمهور.
وروى الترمذي بإسناده عن علي رضي الله عنه قال: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ وَلَا شَرْقَاءَ وَلَا خَرْقَاءَ ) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
قال زهير ? أحد رجال السند ? فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء ؟ قال : لا .
قلت: فما المقابلة ؟ قال: يقطع طرف الأذن .
قلت: فما المدابرة ؟ قال: يقطع من مؤخر الأذن .
قلت: فما الشرقاء ؟ قال: تشق الأذن .
قلت: فما الخرقاء ؟ قال: تخرق أذنها للسِّمة ) .

ولو طرأ العيبِ المخلِّ على الأضحية بعد تعيينها ماذا يفعل ؟
إذا اشترى الأضحية المجزئة الخالية من العيوب ، ثم طرأ العيب بعد ذلك دون تقصير منه ، فلا يُكَلَف شراء أخرى ، لما في ذلك من المشقة .

وقت ذبح الأضحية :
يدخل وقت ذبح الأضحية بعد طلوع شمس اليوم العاشر من ذي الحجة ، وبعد دخول وقت صلاة الضحى ، ومُضي زمان من الوقت يسع صلاة ركعتين وخطبتين خفيفتين ، لا فرق في ذلك بين أهل الحضر والبوادي .
لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ) رواه البخاري ومسلم.

وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر :( من كان ذبح قبل الصلاة فليعد فقام رجل فقال يا رسول الله ? ) رواه البخاري ومسلم .
قالوا إن هذه الأحاديث تدل على أن وقت الأضحية يكون بعد الصلاة .
آخر وقت ذبح الأضحية ومدته :
الراجح أن آخر وقت لذبح الأضحية ينتهي بنهاية اليوم الثالث عشر من أيام التشريق وقبل غروب الشمس في ذلك اليوم ، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده كما هو مذهب الشافعي واختيار شيخ الإسلام وابن القيم وابن سعدي وابن عثيمين .
ودليلهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " كل أيام التشريق أيام ذبح " رواه أحمد وقال الشيخ الألباني : صحيح..
وقوله صلى الله عليه وسلم " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكرٍ لله " .
قال ابن القيم : إن الأيام الثلاثة تتفق في كونها أيام منى ، وأيام تشريق ، ويحرم صومها ، ويُشرع التكبير فيها ، فهي اخوة في هذه الأحكام ، فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نصٍّ ولا إجماع .

وأفضل وقت لذبح الأضحية : هو اليوم الأول وهو يوم الأضحى بعد فراغ الناس من الصلاة

والأفضل من الأضاحي جنساً: الإبل، ثم البقر إن ضحى بها كاملة، ثم الضأن، ثم المعز، ثم سُبع البدنة ثم سبع البقرة.
والأفضل من الأضاحي صفة: الأسمن، الأكثر لحماً، الأكمل خلقة، الأحسن منظراً.
واتفق أهل العلم على أنه يستحب أن تكون الأضحيةُ سمينةٌ .
وذهب جمهور العلماء إلى استحباب تسمين الأضحية .

أفضل الأضحية لوناً :
قال الإمام النووي :[ أفضلها ، البيضاء ثم الصفراء ثم الغبراء ، وهي التي لا يصفو بياضها ثم البلقاء ، وهي التي بعضها أبيض وبعضها أسود ثم السوداء ] .
وقال ابن قدامة :[ والأفضل في الأضحية من الغنم في لونها البياض ] .
ويدل على ذلك ما ورد في حديث أنس رضي الله عنه :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين فذبحهما بيده ) رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر :[ الأملح : هو الذي فيه سواد وبياض والبياض أكثر ]

مسائل:
- إذا ضحى الرجل بالواحدة من الغنم الضأن أو المعز عنه وعن أهل بيته أجزأ عن كل من نواه من أهل بيته من حي وميت، فإن لم ينو شيئاً يعم أو يخص دخل في أهل بيته كل من يشمله هذا اللفظ عرفاً أو لغة، وهو في العرف لمن يعولهم من زوجات وأولاد وأقارب، وفي اللغة: لكل قريب له من ذريته وذرية أبيه وذرية جده وذرية جد أبيه.

- واتفق أكثر أهل العلم على أن البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة .

- ولا تجزىء الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر يشتريانها فيضحيان بها؛ لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة، كما لا يجزىء أن يشترك ثمانية فأكثر في بعير أو بقرة؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها تعدي المحدود كمية وكيفية.

- ومن ضحّى بسبعة أكباش فهي أفضل من بعير واحد أو بقرة واحدة ، لكثرة إراقة الدم التي هي المقصود من ذبح الأضحية ، فكثرة الأضاحي دليل على زيادة التقوى ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أتقى الناس لربه ، وذبح وضحى وأهدى بالعديد من الإبل والأكباش والبقر ، فالمحب يقدم لحبيبه أكثر ما يستطيعه إجلالاً وتعظيماً له ، فالله تعالى أحق بذلك ممّا سواه من البشر ، تعالى وتقدس سبحانه في علاه .
والسبعة أكباش أفضل من بعير واحد لكثرة لحمها ووفرته ولذته ، لأنه أطيب من لحم البعير والبقر ، ولأنه أنفع للفقراء والمساكين ولأنها أغلى ثمناً من البعير الواحد في الغالب .

وينبغي لمن أراد أن يضحي أن يحذر الآتي :
إذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة إما برؤية هلاله، أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره، أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وفي لفظ: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره». رواه أحمد ومسلم، وفي لفظ: «فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي»، وفي لفظ: «فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً».
والحكمة في هذا النهي أن المضحي لما شارك الحاج في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله تعالى بذبح القربان شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه.
وهذا حكم خاص بمن يضحي، أما من يضحى عنه فلا يتعلق به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «وأراد أحدكم أن يضحي» ولم يقل أو يضحى عنه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.
وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من الشعر والظفر والبشرة.
ومما يطلب من المضحي عند الذبح :
أولاً : النية : أن ينوي عند شراء البهيمة أنها أضحية ، وهذه النية تكفي إن شاء الله .
ثانياً : أن يسوق الأضحية إلى محل الذبح سوقاً جميلاً لا عنيفاً .
ثالثاً : أن يحد السكين قبل الذبح ، لأن المطلوب إراحة الحيوان بأسرع وقت ممكن، وهذا من الإحسان الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه مسلم
رابعاً :أن لا يحد السكين أمام الحيوان الذي يريد ذبحه ، لأن ذلك من الإحسان المأمور به كما جاء في الحديث السابق .
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلاً أضجع شاة وهو يحد شفرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( أتريد أن تميتها موتات ؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟ ) رواه الحاكم وعبد الرزاق والبيهقي وصححه الشيخ الألباني .
خامساً : يستحب إضجاع الغنم والبقر في الذبح ، وأنها لا تذبح وهي قائمة ولا باركة بل مضجعة ، لأنه أرفق بها ، وتضجع على جانبها الأيسر لأنه أسهل في الذبح ، وأخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار .
وأما الإبل فالسنة أن تنحر قائمةً على ثلاث قوائم معقولة الركبة اليسرى .
وقد صح عن جابر رضي الله عنه :( أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمةً على ما بقي من قوائمها ) رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم ، قاله الإمام النووي.
وقد ثبت في الحديث عن زياد بن جبير قال :[ رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجل أناخ بدنته ينحرها . قال : ابعثها قياماً مقيدةً سنة محمد صلى الله عليه وسلم ] رواه البخاري ومسلم .
ثامناً : يُستحب للمضحي أن يتولىّ ذبح أضحيته بنفسه إن كان يُحسن الذبح ، لأن الذبح عبادة وقربة إلى الله تعالى ، فيُستحب مباشرة الإنسان لها بنفسه ، ولأن ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كان ينحر الإبل ويذبح البقر والغنم ، فلنا فيه صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة وقدوة طيبة .
وإن لم يكن المضحيّ ممن يُحسن الذبح دفعها إلى من يذبحها له.
تاسعاً : التسمية والتكبير عند الذبح:
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح قال :( باسم الله والله أكبر ) كما جاء ذلك في رواية لحديث أنس عند مسلم :( قال: ويقول باسم الله والله أكبر ).
عاشراً : الدعاء بعد التسمية والتكبير:
أما الدعاء كأن يقول : اللهم تقبل مني ، أو يقول اللهم تقبل من فلان ، فهذا مشروع ومستحب ، لما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها : يا عائشة هلمي المدية ، ثم قال : اشحذيها بحجر . ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به ) رواه مسلم وقد مضى .
وقال آخرون إنها ليست مشروعة لعدم ورود النصوص في ذلك .
وجاء في الأثر عن إبراهيم النخعي قال :[ إذا جزرت فلا تذكر مع اسم الله سواه ]

الاستعانة في ذبح الأضحية والإنابة في ذبحها :

يجوز لمن أراد أن يذبح أضحيته أن يستعين بغيره ، ويدل على ذلك ما جاء في الحديث عن أبي الخير :( أن رجلاً من الأنصار حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجع أضحيته ليذبحها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : للرجل أعنِّي على أضحيتي فأعانه ) رواه أحمد ، وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح . وقال الحافظ ابن حجر : ورجاله ثقات.
وذكر الإمام البخاري تعليقاً :[ وأعان رجل ابن عمر في بدنته ] .
عن عمرو بن دينار قال : رأيت ابن عمر ينحر بدنة بمنى وهي باركة معقولة ورجل يمسك بحبل في رأسها وابن عمر يطعن .
وأما الإنابة في ذبح الأضحية فجائزة ، وينبغي أن يوكل في ذبحها صاحب دين له معرفة بالذبح وأحكامه .
قال القرافي :[ كان الناس يتخيرون لضحاياهم أهل الدين ؛ لأنهم أولى بالتقرب ، فإن وكَّل تارك صلاة استحب له الإعادة للخلاف في حل ذكاته ].
ولا ينبغي أن يوكل فاسقاً في ذبحها ، ولا ذمياً ، فإن فعل جاز مع الكراهة على قول جمهور أهل العلم.
الأكل منها :
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأكل من الأضحية مندوب , واستدل الجمهور بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ? فكلوا وادخروا وتصدقوا ) متفق عليه .
وما ورد في حديث جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال :( ? كلوا وتزودوا ) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية أخرى عند مسلم :( ? كلوا وتزودوا وادخروا ).
وقد حمل الجمهور الأوامر في هذه الأحاديث على الندب ؛ لأن الأمر فيها جاء بعد الحظر فيحمل على الندب أو الإباحة .
قال الحافظ ابن عبد البر :[ وأما قوله :( فكلوا وتصدقوا وادخروا ) فكلام خرج بلفظ الأمر ، ومعناه الإباحة لأنه أمر ورد بعد نهي ، وهكذا شأن كل أمر يرد بعد حظر أنه إباحة لا إيجاب ] .
وأما مقدار الأكل فقال الحنفية والحنابلة : يأكل ثلثها ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها .
ولو أكل أكثر من الثلث جاز .
وجاء عن الشافعي أنه يستحب قسمتها أثلاثاً لقوله :( كلوا وتصدقوا وأطعموا ) .
واحتج ابن قدامة بما ورد عن ابن عباس قال :[ ويطعم أهل بيته الثلث ، ويطعم فقراء جيرانه الثلث ، ويتصدق على السؤَّال بالثلث ] رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف ، وقال : حديث حسن.

التصدق منها :

قال الشافعية والحنابلة والظاهرية يجب التصدق بشيء قلَّ أو كثر من الأضحية المسنونة .
والدليل على الوجوب قوله تعالى :( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ )
ويتصدق منها على المسلمين من الفقراء والمحتاجين ، ويهدي إلى الأقارب والأصدقاء والجيران وإن كانوا أغنياء .
و يجوز إطعام أهل الذمة منها ، وخاصةً إن كانوا فقراء أو جيراناً للمضحي أو قرابته أو تأليفاً لقلوبهم.

الهدية من الأضحية :
اتفق أهل العلم على أن الهدية من الأضحية مندوبة وليست واجبة .
وكثير من العلماء يرون أن يهدي ثلثاً منها ، كما مرَّ في حديث ابن عباس ، فإنه يجعل الأضحية أثلاثاً ، ثلث لأهل البيت ، وثلث صدقة ، وثلث هدية .

أجرة الجزَّار :
قال جمهور أهل العلم لا يجوز أن يُعطى الجزَّار شيئاً من الأضحية مقابل ذبحها وسلخها .
واحتجوا على ذلك بما جاء في الحديث عن علي رضي الله عنه قال :( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه ، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها ، وأن لا أعطي الجزَّار منها . وقال : نحن نعطيه من عندنا ) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية أخرى عند مسلم :( ولا يعطي في جزارتها منها شيئاً ) .
فهذا الحديث يدل على عدم جواز إعطاء الجزَّار منها ، لأن عطيته عوض عن عمله ، فيكون في معنى بيع جزء منها ، وذلك لا يجوز .
وأما إن كان الجزَّار فقيراً أو صديقاً ، فأعطاه منها لفقره ، أو على سبيل الهدية فلا بأس ، لأنه مستحق للأخذ فهو كغيره بل هو أولى ؛ لأنه باشرها وتاقت نفسه إليها .

بيع شيء من الأضحية والانتفاع بجلدها :

أجمع العلماء على أنه لا يجوز بيع لحوم الأضاحي أو الهدي .
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز أيضاً بيع جلودها وأصوافها وأوبارها وشعرها.
قال الإمام أحمد : لا يبيعها ولا يبيع شيئاً منها .
وقال أيضاً : سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله تبارك وتعالى ؟
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( من باع جلد أضحيته فلا أضحية له ) رواه الحاكم ، وقال : حديث صحيح . ورواه البيهقي وقال الشيخ الألباني : حسن.

وأما الانتفاع بجلدها فلا بأس به على أي وجه كان .

إذا اشترى أضحية فهل يجوز له أن يبدلها بخير منها ؟
يجوز إبدال الأضحية بخير منها ، إن كانت تطوعاً كأن أبدلها بأسمن منها أو أطيب منها ، فهذا لا بأس به إن شاء الله .
وأما إن نذر شاة بعينها أضحية ، فيلزمه أن يذبحها ولا يجوز له إبدالها ، والله أعلم .

نقل الأضحية :
اتفق العلماء على أن محل التضحية هو محل المضحي ، سواء كان بلده أو موضعه من السفر.
و الأصل أن لا تنقل الأضحية من بلد المضحي ، وأن توزع على فقراء بلده المحتاجين قياساً على الزكاة .
ويجوز نقلها إذا استغنى أهل بلد المضحي ، بأن كثرت الأضاحي ، وقلَّ عدد الفقراء فيصح نقلها إلى بلد آخر ، فيه المسلمون أكثر حاجة .

وكذلك يجوز للمضحي المغترب عن أهله ووطنه ، أن يوكل في شراء وذبح أضحيته في بلده ، وتوزيعها على أقاربه وأهكبته: ن.
جمع: د. محمد بن موسى الدالي