كيف نعيد للعبادة معناها الحقيقي؟


بقلم : وجنى العجمي

قال الله -تعالى-: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 21). لعلكم تتقون الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتقون أنفسكم مما يضرها ويهلكها في الدنيا، ومما لا تطيق تحمّله من العذاب المهين في الدار الآخرة؛ فغاية العبادة في الإسلام وقاية النفس والمجتمع من كل الآفات والمهلكات، ومن تأمل في أمهات العبادات في الإسلام وجدها تستهدف تزكية النفس وتحليتها بكل فضيلة، وتطهيرها وتخليتها من كل رذيلة.

وبالرغم من هذه المكانة العظيمة للعبادة إلا أن بعض الناس يشكو من أنَّ عبادته من صلاةٍ وصوم، قد تحوَّلت إلى عادة وروتين، لا يشعرون معها بروحانيّةٍ، وتمضي بهم الأيام وقد تحولت هذه العبادة إلى عادة، يؤدونها بأجسامهم وشغلت عنها قلوبهم تتحرك شفاههم بالذكر لكن لا يتدبرونه ولا يشعرون بلذته، وهكذا في سائر العبادات.
من هنا لابد أن نتساءل كيف نعيد للعبادة معناها الحقيقي ونحقق ثمراتها ومقاصدها التي شرعت من أجلها؟
مفهوم العبادة
بداية لابد أن نعلم أن العبادة هي التذلل والخضوع والانقياد، والعبادة في اللغة من الذلة، يقال: طريق معبد، وبعير معبد، أي: مذلل.
ومفهوم العباده الاصطلاحي كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة» إذًا فمفهوم العبادة واسع وشامل، ولو تأملنا أنواع العبادة نجدها نوعين:
- الأول: عبادة قلبية: ومنها التوكل، والإخلاص، والمحبة، والإنابة، والرجاء، والخوف، والخشية، والرضى، والصبر.. وغيرها.
- والثاني: عبادة الجوارح: وهي قسمان، عبادة فعلية مثل الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وعبادة قولية مثل الذكر، وقراءة القرآن، والاستغفار، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم ».
حقيقة العبادة
ولو تأملنا عباداتنا فـمعنى الصلاة التي ينقرها بعضنا نقرا إلا من رحم الله، إنما هي صلتك بربك، فرصتك لمناجاته ودعائه وطلب المغفرة منه -سبحانه وتعالى-، إنها ليست ركوعا وسجودا وتسليما ولسانا يتحرك بأذكار فحسب دون فهم ووعي. وليس الصيام حرمانا من الطيبات، إنما استشعار لحال الفقراء وقيمة النعم التي من أبسطها الطعام والشراب. وليست الزكاة إخراج المال قهرا، إنما نماء للمال وتطهير له وإسعاد للفقراء، وليس الحج تعبا دون فائدة، بل هو سفر لقصد بيت الله الحرام طاعة لله ومحبته واقتداء بسنة نبيه، وتطهيرا من الذنوب راجعين وقد محيت ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، ولكل عبادة غاية لإظهار خالص محبة الله وطاعته والتذلل إليه -سبحانه- بمجاهدة أنفسنا وصبرنا على طاعته.
العبادات القلبية
كذلك الحال في العبادات القلبية، هل توكلنا على الله حق توكله؟ وهل استشعرنا الإخلاص في الطاعه، هل تركنا معصيته -عز وجل- خوفا من عقابه؟ هل صبرنا على الابتلاءات والمصائب؟ وهل رضينا بما قسمه الله لنا؟ وهل رجونا رحمة الله وعفوه؟ هل أمرنا بالمعروف وجاهدنا أنفسنا؟ وهل أنكرنا المنكر والزيف والبدع والضلالات وتجنبنا المعاصي؟
الغاية العظمى
قال -تعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162، 163)، وقال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) الذاريات، فهناك غاية عظيمة من خلق الله لهذا الكون التي من أجلها أرسل الله الرسل وأوحى للأنبياء. بل وأخرج ابليس من الجنة لتكبره عن هذه الغاية وهي الخضوع لله وعبادته وطاعته. إنه الله الكبير المتعال خالق الكون مدبر الامور الحي القيوم الاحد الصمد المبدئ المعيد وهو على كل شيء قدير.
إنه الله الذي نعبده، الذي أعطانا وهدانا وأطعمنا وسقانا وأغنانا، الذي يرحمنا ويعفو عنا ويبعد عنا السوء، الذي نجانا من كل كرب مرات ومرات كنا قاب قوسين أو أدنى من الهلاك، وهو الله -جل جلاله- الذي يهدينا إلى سواء الصراط المستقيم، ويهدينا السبيل للنجاة من النار والدخول الى جناته.