صوم اللسان

الشيخ فايز النوبي

صوم اللسان كصيام القلب، ينبغي أن يكون فى رمضان وفى غير رمضان، لكنه يتأكد فى رمضان، فعلى المسلم الواعي أن يتعهد لسانه بالتهذيب والتأديب وتعويده حسن القول وزجره عن اللغو وفاحش الكلام : [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18}.

ففي حديث الترمذي وغيره عن معاذ بن جبل :قلت: يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول؟ فقال صلى البه عليه وسلم : يا ابن جبل وهل يكب الناس في النار على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم .

وكان ابن مسعود (رضي الله عنه) يقول: يالسان قل خيرا تغنم او اسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم.

وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت".

ولما سأل الصحابي الجليل عقبة بن عامر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجاة؟ قال له: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك.

وضمن صلى الله عليه وسلم الجنة لمن حفظ لسانه وفرجه ففي الحديث الصحيح: (من يتكفل لي ما بين لحييه ورجليه اتكفل له الجنة) وكان الصديق رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول :(هذا الذى أوردني الموارد).

وقال ابن مسعود رضي الله عنه :(والذى لا إله إلا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان) .

وقال طاووس:(لساني سبُع إن أرسلته أكلني) .

وقال الحسن:(ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه).

ومن حكم عمر بن عبد العزيز وجميل قوله: (من أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ومن عد كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما يعنيه)

ورسول الله العظيم ونبيه الكريم أخبرنا وأكد علينا بأن من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، وليس الصيام عن الأكل والشرب إنما الصيام عن اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم إني صائم.

ويقول عز وجل: [وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا] {الإسراء:53}

ويقول في كتابه" خلق المسلم": ما أكثر ما يدور بين الناس من كلام ويملأ مجالسهم من حديث، فإذا ذهبت تحصي ما قالوا وجدت أكثره اللغو الضائع أو الهذر الضار وما لهذا ركب الله الألسنة في الأفواه ولا بهذا تقدر الموهبة المستفادة [لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا] {النساء:114}

وقد عنى الإسلام عناية كبيرة بموضوع الكلام وأسلوب أدائه لأن الكلام الصادر عن إنسان ما يشير إلى حقيقة عقله وطبيعة خلقه، ولأن طرائق الحديث في جماعة ما تحكم على مستواها العام ومدى تغلغل الفضيلة في بيئتها، ولذا ينبغي على الإنسان أن يسائل نفسه قبل أن يحدث الآخرين :هل هناك ما يستدعى الكلام ؟فإن وجد داعيا إليه تكلم والا فالصمت أولى به وإعراضه عن الكلام حيث لا ضرورة له عبادة جزيلة الأجر، وأما الذين تقودهم ألسنتهم فيهرفون بما لا يعرفون ويثرثرون كثيراً ويتحدر الكلام منهم متتابعا دون وعى يقظ أو فكر عميق فإنما تقودهم ألسنتهم الى مصارعهم.

ولذا نتساءل ونقول: كيف يصوم من يطلق للسانه العنان؟

وكيف يصوم من يكذب ويغتاب ويكثر الشتم والسباب وينسى يوم الحساب؟

كيف يصوم من يشهد الزور ولم يكف عن المسلمين الشرور؟

كيف يصوم من يسخر من الناس ويهزء بهم ويقلل من شأنهم حسدا لهم وغيرة منهم أو رغبة في رفع نفسه وتضخيم ذاته فيحط من قدر غيره؟ .

كيف يصوم الإعلاميون الفسدة الكاذبون الذين يزورون الحقائق وينشرون الأباطيل ويروجون للفساد؟

لا خير في كل هؤلاء ولا في صومهم وأعمالهم ان لم يعودوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى ربهم ويصلحوا ما افسدوا ويردوا الحقوق لأصحابها، ويطهروا نفوسهم وينظفوا قلوبهم والسنتهم ويتداركوا أنفسهم قبل فوات الأوان يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، والسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور وفحش القول واجعلنا مؤمنين صادقين

وانصر عبادك المظلومين وانتقم من الظالمين إنك على ما تشاء قدير

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
بتصرف