تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 13 من 24 الأولىالأولى ... 34567891011121314151617181920212223 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 241 إلى 260 من 470

الموضوع: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

  1. #241
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(227)
    الحلقة (241)
    صــ 388إلى صــ 395


    2637 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا معاذ قال : حدثنا أبي ، عن قتادة عن الحسن وجابر بن زيد وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا - في الرجل يوصي لغير ذي [ ص: 388 ] قرابته وله قرابة ممن لا يرثه قال : كانوا يجعلون ثلثي الثلث لذوي القرابة ، وثلث الثلث لمن أوصى له به .

    2638 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حميد عن الحسن أنه كان يقول : إذا أوصى الرجل لغير ذي قرابته بثلثه فلهم ثلث الثلث ، وثلثا الثلث لقرابته .

    2639 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : من أوصى لقوم وسماهم ، وترك ذوي قرابته محتاجين ، انتزعت منهم وردت إلى ذوي قرابته .

    وقال آخرون : بل هي آية قد كان الحكم بها واجبا وعمل به برهة ، ثم نسخ الله منها بآية المواريث الوصية لوالدي الموصي وأقربائه الذين يرثونه ، وأقر فرض الوصية لمن كان منهم لا يرثه .

    ذكر من قال ذلك :

    2640 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة في قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فجعلت الوصية للوالدين والأقربين ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك ، فجعل لهما نصيب مفروض ، فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون ، وجعل للوالدين نصيب معلوم ، ولا تجوز وصية لوارث .

    2641 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " إذ ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسخ الوالدان منها ، وترك الأقربون ممن لا يرث .

    2642 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج ، عن عكرمة عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين [ ص: 389 ] والأقربين " قال : نسخ من يرث ، ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون .

    2643 - حدثنا يحيى بن نصر قال : حدثنا يحيى بن حسان قال : حدثنا سفيان عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : كانت الوصية قبل الميراث للوالدين والأقربين ، فلما نزل الميراث ، نسخ الميراث من يرث ، وبقي من لا يرث . فمن أوصى لذي قرابته لم تجز وصيته .

    2644 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إسماعيل المكي عن الحسن في قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسخ الوالدين وأثبت الأقربين الذين يحرمون فلا يرثون .

    2645 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مبارك بن فضالة عن الحسن في هذه الآية : " الوصية للوالدين والأقربين " قال : للوالدين منسوخة ، والوصية للقرابة وإن كانوا أغنياء .

    2646 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم ، إلا وصية إن كانت للأقربين [ ص: 390 ] فأنزل الله بعد هذا : ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) [ سورة النساء : 11 ] ، فبين الله سبحانه ميراث الوالدين ، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت .

    2647 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فنسخ من الوصية الوالدين ، وأثبت الوصية للأقربين الذين لا يرثون .

    2648 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف " قال : كان هذا من قبل أن تنزل " سورة النساء " ، فلما نزلت آية الميراث نسخ شأن الوالدين ، فألحقهما بأهل الميراث ، وصارت الوصية لأهل القرابة الذين لا يرثون .

    2649 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا عطاء بن أبي ميمونة قال : سألت مسلم بن يسار والعلاء بن زياد عن قول الله تبارك وتعالى : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، قالا في القرابة .

    2650 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن إياس بن معاوية قال : في القرابة .

    وقال آخرون : بل نسخ الله ذلك كله وفرض الفرائض والمواريث ، فلا وصية تجب لأحد على أحد قريب ولا بعيد .

    ذكر من قال ذلك :

    2651 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : [ ص: 391 ] " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " الآية ، قال : فنسخ الله ذلك كله وفرض الفرائض .

    2652 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس عن ابن سيرين عن ابن عباس : أنه قام فخطب الناس هاهنا ، فقرأ عليهم " سورة البقرة " ليبين لهم منها ، فأتى على هذه الآية : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسخت هذه .

    2653 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، نسخت الفرائض التي للوالدين والأقربين الوصية .

    2654 - حدثني محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن جهضم ، عن عبد الله بن بدر قال : سمعت ابن عمر يقول في قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسختها آية الميراث . قال ابن بشار : قال عبد الرحمن : فسألت جهضما عنه فلم يحفظه .

    2655 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث .

    2656 - حدثني أحمد بن المقدام قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت أبي قال : زعم قتادة عن شريح في هذه الآية : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : كان الرجل يوصي بماله كله ، حتى نزلت آية الميراث .

    2657 - حدثنا أحمد بن المقدام قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت أبي قال : زعم قتادة : أنه نسخت آيتا المواريث في " سورة النساء " الآية في " سورة البقرة " في شأن الوصية .

    2658 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى [ ص: 392 ] عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : كان الميراث للولد ، والوصية للوالدين والأقربين ، وهي منسوخة .

    2659 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كان الميراث للولد ، والوصية للوالدين والأقربين ، وهي منسوخة ، نسختها آية في " سورة النساء " : ( يوصيكم الله في أولادكم ) [ سورة النساء : 11 ]

    2660 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، أما الوالدان والأقربون ، فيوم نزلت هذه الآية كان الناس ليس لهم ميراث معلوم ، إنما يوصي الرجل لوالده ولأهله فيقسم بينهم ، حتى نسختها " النساء " ، فقال : ( يوصيكم الله في أولادكم ) .

    2661 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا أيوب ، عن نافع : أن ابن عمر لم يوص ، وقال : أما مالي ، فالله أعلم ما كنت أصنع فيه في الحياة ، وأما رباعي فما أحب أن يشرك ولدي فيها أحد .

    2662 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا محمد بن يوسف قال : حدثنا سفيان ، عن نسير بن ذعلوق قال : قال عروة - يعني ابن ثابت - لربيع بن خثيم : أوص لي بمصحفك . قال : فنظر إلى أبيه فقال : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) [ سورة الأنفال : 75 ] .

    2663 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا يزيد ، عن سفيان عن الحسن بن عبد الله عن إبراهيم قال : ذكرنا له أن زيدا وطلحة كانا يشددان في الوصية ، فقال : ما كان عليهما أن يفعلا مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يوص ، وأوصىأبو بكر ، أي ذلك فعلت فحسن . [ ص: 393 ]

    2664 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن الحسن بن عبد الله ، عن إبراهيم قال : ذكر عنده طلحة وزيد فذكر مثله .

    وأما " الخير " الذي إذا تركه تارك وجب عليه الوصية فيه لوالديه وأقربيه الذين لا يرثون ، فهو : المال ، كما : -

    2665 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا " ، يعني مالا .

    2666 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " إن ترك خيرا " ، مالا .

    2667 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن أبي نجيح عن مجاهد : " إن ترك خيرا " ، كان يقول : الخير في القرآن كله : المال ( لحب الخير لشديد ) [ سورة العاديات : 8 ] ، الخير : المال - ( إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي ) [ سورة ص : 32 ] ، المال - ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) [ سورة النور : 33 ] ، المال و ( إن ترك خيرا الوصية ) ، المال .

    2668 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " إن ترك خيرا الوصية " ، أي : مالا .

    2669 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 394 ] أسباط عن السدي إن ترك خيرا الوصية " ، أما " خيرا " ، فالمال .

    2670 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " إن ترك خيرا " قال : إن ترك مالا .

    2671 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج عن عكرمة ، عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا " قال : الخير المال .

    2672 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى عن الضحاك في قوله : " إن ترك خيرا الوصية " قال : المال . ألا ترى أنه يقول : قال شعيب لقومه : ( إني أراكم بخير ) [ سورة هود : 84 ] يعني الغنى .

    2673 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا محمد بن عمرو اليافعي ، عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح تلا " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا " ، قال عطاء : الخير فيما يرى المال .

    ثم اختلفوا في مبلغ المال الذي إذا تركه الرجل كان ممن لزمه حكم هذه الآية .

    فقال بعضهم : ذلك ألف درهم .

    ذكر من قال ذلك :

    2674 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا همام بن يحيى عن قتادة في هذه الآية : " إن ترك خيرا الوصية " قال : الخير ألف فما فوقه .

    2675 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا هشام بن عروة ، عن عروة : أن علي بن أبي طالب دخل على ابن عم له يعوده ، فقال : إني أريد أن أوصي . فقال علي : لا توص ، فإنك لم تترك خيرا فتوصي .

    قال : وكان ترك من السبعمائة إلى التسعمائة . [ ص: 395 ]

    2676 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عثمان بن الحكم الحزامي وابن أبي الزناد عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن علي بن أبي طالب : أنه دخل على رجل مريض ، فذكر له الوصية ، فقال : لا توص ، إنما قال الله : " إن ترك خيرا " ، وأنت لم تترك خيرا . قال ابن أبي الزناد فيه : فدع مالك لبنيك .

    2677 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور بن صفية ، عن عبد الله بن عيينة - أو : عتبة ، الشك مني - : أن رجلا أراد أن يوصي وله ولد كثير ، وترك أربعمائة دينار ، فقالت عائشة : ما أرى فيه فضلا .

    2678 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : دخل علي على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم ، أو ستمائة درهم ، فقال : ألا أوصي؟ فقال : لا! إنما قال الله : " إن ترك خيرا " ، وليس لك كثير مال .

    وقال بعضهم : ذلك ما بين الخمسمائة درهم إلى الألف .

    ذكر من قال ذلك :

    2679 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة عن أبان بن إبراهيم النخعي في قوله : " إن ترك خيرا " قال : ألف درهم إلى خمسمائة .

    وقال بعضهم : الوصية واجبة من قليل المال وكثيره .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #242
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(228)
    الحلقة (242)
    صــ 396إلى صــ 403



    ذكر من قال ذلك : [ ص: 396 ]

    2680 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري قال : جعل الله الوصية حقا ، مما قل منه أو كثر .

    قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية " ما قال الزهري . لأن قليل المال وكثيره يقع عليه " خير " ، ولم يحد الله ذلك بحد ، ولا خص منه شيئا فيجوز أن يحال ظاهر إلى باطن . فكل من حضرته منيته وعنده مال قل ذلك أو كثر ، فواجب عليه أن يوصي منه لمن لا يرثه من آبائه وأمهاته وأقربائه الذين لا يرثونه بمعروف ، كما قال الله جل ذكره وأمر به .
    القول في تأويل قوله تعالى ( فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : فمن غير ما أوصى به الموصي - من وصيته بالمعروف لوالديه أو أقربيه الذين لا يرثونه - بعد ما سمع الوصية ، فإنما إثم التبديل على من بدل وصيته .

    فإن قال لنا قائل : وعلام عادت " الهاء " التي في قوله : " فمن بدله " ؟

    قيل : على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر . وذلك هو أمر الميت ، وإيصاؤه إلى من أوصى إليه ، بما أوصى به ، لمن أوصى له .

    ومعنى الكلام : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين " ، فأوصوا لهم ، فمن بدل ما أوصيتم به لهم بعد ما سمعكم توصون لهم ، فإنما إثم ما فعل من ذلك عليه دونكم . [ ص: 397 ]

    وإنما قلنا إن " الهاء " في قوله : " فمن بدله " عائدة على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر؛ لأن قوله : "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية " من قول الله ، وأن تبديل المبدل إنما يكون لوصية الموصي . فأما أمر الله بالوصية فلا يقدر هو ولا غيره أن يبدله ، فيجوز أن تكون " الهاء " في قوله : " فمن بدله " عائدة على " الوصية " .

    وأما " الهاء " في قوله : " بعد ما سمعه " ، فعائدة على " الهاء " الأولى في قوله : " فمن بدله " .

    وأما " الهاء " التي في قوله : " فإنما إثمه " ، فإنها مكني " التبديل " ، كأنه قال : فإنما إثم ما بدل من ذلك على الذين يبدلونه .

    وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    2681 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فمن بدله بعدما سمعه " قال : الوصية .

    2682 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

    2683 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، وقد وقع أجر الموصي على الله وبرئ من إثمه ، وإن كان أوصى في ضرار لم تجز وصيته ، كما قال الله : ( غير مضار ) [ سورة النساء : 12 ]

    2684 - حدثنا الحسين بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فمن بدله بعدما سمعه " ، قال : من بدل الوصية بعد ما سمعها ، فإثم ما بدل عليه . [ ص: 398 ]

    2685 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا : عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، فمن بدل الوصية التي أوصى بها ، وكانت بمعروف ، فإنما إثمها على من بدلها . إنه قد ظلم .

    2686 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن قتادة : أن عطاء بن أبي رباح قال في قوله : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، قال : يمضى كما قال .

    2687 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن الحسن : " فمن بدله بعدما سمعه " ، قال : من بدل وصية بعد ما سمعها .

    2688 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم عن الحسن في هذه الآية : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، قال : هذا في الوصية ، من بدلها من بعد ما سمعها ، فإنما إثمه على من بدله .

    2689 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عطاء وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهم قالوا : تمضى الوصية لمن أوصى له به إلى هاهنا انتهى حديث ابن المثنى وزاد ابن بشار في حديثه قال قتادة : وقال عبد الله بن معمر : أعجب إلي لو أوصى لذوي قرابته ، وما يعجبني أن أنزعه ممن أوصى له به . قال قتادة : وأعجبه إلي لمن أوصى له به ، قال الله عز وجل : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " .
    [ ص: 399 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله سميع عليم ( 181 ) )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : " إن الله سميع " لوصيتكم التي أمرتكم أن توصوا بها لآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم حين توصون بها ، أتعدلون فيها على ما أذنت لكم من فعل ذلك بالمعروف ، أم تحيفون فتميلون عن الحق وتجورون عن القصد؟ " عليم " بما تخفيه صدوركم من الميل إلى الحق ، والعدل ، أم الجور والحيف .
    القول في تأويل قوله تعالى ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ( 182 ) )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية .

    فقال بعضهم : تأويلها : فمن حضر مريضا وهو يوصي عند إشرافه على الموت ، فخاف أن يخطئ في وصيته فيفعل ما ليس له ، أو أن يعمد جورا فيها فيأمر بما ليس له الأمر به ، فلا حرج على من حضره فسمع ذلك منه أن يصلح بينه وبين ورثته؛ بأن يأمره بالعدل في وصيته ، وأن ينهاهم عن منعه مما أذن الله له فيه وأباحه له .

    ذكر من قال ذلك :

    2690 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " ، قال : هذا حين يحضر الرجل وهو يموت ، فإذا [ ص: 400 ] أسرف أمروه بالعدل ، وإذا قصر قالوا : افعل كذا ، أعط فلانا كذا .

    2691 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : هذا حين يحضر الرجل وهو في الموت ، فإذا أشرف على الجور أمروه بالعدل ، وإذا قصر عن حق قالوا : افعل كذا ، أعط فلانا كذا .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : فمن خاف - من أولياء ميت ، أو والي أمر المسلمين - من موص جنفا في وصيته التي أوصى بها الميت ، فأصلح بين ورثته وبين الموصى لهم بما أوصى لهم به ، فرد الوصية إلى العدل والحق ، فلا حرج ولا إثم .

    ذكر من قال ذلك :

    2692 - حدثني المثنى ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : " فمن خاف من موص جنفا " - يعني : إثما - يقول : إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها ، فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب .

    2693 - حدثنا الحسن بن يحيى حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : هو الرجل يوصي [ ص: 401 ] فيحيف في وصيته ، فيردها الولي إلى الحق والعدل .

    2694 - حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد عن قتادة قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، وكان قتادة يقول : من أوصى بجور أو حيف في وصيته فردها ولي المتوفى أو إمام من أئمة المسلمين ، إلى كتاب الله وإلى العدل ، فذاك له .

    2695 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، فمن أوصى بوصية بجور ، فرده الوصي إلى الحق بعد موته ، فلا إثم عليه - قال عبد الرحمن في حديثه : " فأصلح بينهم " ، يقول : رده الوصي إلى الحق بعد موته ، فلا إثم عليه .

    2696 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أبيه عن إبراهيم : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم " ، قال : رده إلى الحق .

    2697 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا إسرائيل عن سعيد بن مسروق ، عن إبراهيم قال : سألته عن رجل أوصى بأكثر من الثلث؟ قال : ارددها . ثم قرأ فمن خاف من موص جنفا أو إثما " .

    2698 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال : حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " ، قال : رده الوصي إلى الحق بعد موته ، فلا إثم على الوصي .

    وقال بعضهم : بل معنى ذلك : فمن خاف من موص جنفا أو إثما في عطيته [ ص: 402 ] عند حضور أجله بعض ورثته دون بعض ، فلا إثم على من أصلح بينهم يعني : بين الورثة .

    ذكر من قال ذلك :

    2699 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : الرجل يحيف أو يأثم عند موته ، فيعطي ورثته بعضهم دون بعض ، يقول الله : فلا إثم على المصلح بينهم . فقلت لعطاء : أله أن يعطي وارثه عند الموت ، إنما هي وصية ، ولا وصية لوارث؟ قال : ذلك فيما يقسم بينهم .

    وقال آخرون : معنى ذلك : فمن خاف من موص جنفا أو إثما في وصيته لمن لا يرثه ، بما يرجع نفعه على من يرثه ، فأصلح بين ورثته ، فلا إثم عليه .

    ذكر من قال ذلك :

    2700 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان يقول : جنفه وإثمه ، أن يوصي الرجل لبني ابنه ليكون المال لأبيهم ، وتوصي المرأة لزوج ابنتها ليكون المال لابنتها; وذو الوارث الكثير والمال قليل ، فيوصي بثلث ماله كله ، فيصلح بينهم الموصى إليه أو الأمير . قلت : أفي حياته أم بعد موته؟ قال : ما سمعنا أحدا يقول إلا بعد موته ، وإنه ليوعظ عند ذلك .

    2701 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم " ، قال : هو الرجل يوصي لولد ابنته .

    وقال آخرون : بل معنى ذلك : فمن خاف من موص لآبائه وأقربائه جنفا على بعضهم لبعض ، فأصلح بين الآباء والأقرباء ، فلا إثم عليه .

    ذكر من قال ذلك : [ ص: 403 ]

    2702 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " . أما " جنفا " : فخطأ في وصيته ، وأما " إثما " : فعمدا يعمد في وصيته الظلم . فإن هذا أعظم لأجره أن لا ينفذها ، ولكن يصلح بينهم على ما يرى أنه الحق ، ينقص بعضا ويزيد بعضا . قال : ونزلت هذه الآية في الوالدين والأقربين .

    2703 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " ، قال : " الجنف " أن يحيف لبعضهم على بعض في الوصية ، " والإثم " أن يكون قد أثم في أبويه بعضهم على بعض ، " فأصلح بينهم " الموصى إليه بين الوالدين والأقربين - الابن والبنون هم " الأقربون " - فلا إثم عليه . فهذا الموصى الذي أوصى إليه بذلك ، وجعل إليه ، فرأى هذا قد أجنف لهذا على هذا ، فأصلح بينهم فلا إثم عليه ، فعجز الموصي أن يوصي كما أمره الله تعالى ، وعجز الموصى إليه أن يصلح ، فانتزع الله تعالى ذكره ذلك منهم ، ففرض الفرائض .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #243
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(229)
    الحلقة (243)
    صــ 404إلى صــ 411



    قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل الآية أن يكون تأويلها : فمن خاف من موص جنفا أو إثما وهو أن يميل إلى غير الحق خطأ منه ، أو يتعمد إثما في وصيته ، بأن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه بأكثر مما يجوز له أن يوصي لهم به من ماله ، وغير ما أذن الله له به مما جاوز الثلث أو بالثلث كله ، وفي المال قلة ، وفي الورثة كثرة فلا بأس على من حضره أن يصلح بين الذين يوصى لهم ، وبين ورثة الميت ، وبين الميت ، بأن يأمر الميت في ذلك بالمعروف ويعرفه ما أباح الله له في ذلك وأذن له فيه من الوصية في ماله ، وينهاه أن يجاوز في وصيته المعروف الذي قال الله تعالى ذكره في كتابه : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ، وذلك هو " الإصلاح " الذي [ ص: 404 ] قال الله تعالى ذكره : " فأصلح بينهم فلا إثم عليه " . وكذلك لمن كان في المال فضل وكثرة وفي الورثة قلة ، فأراد أن يقتصر في وصيته لوالديه وأقربيه عن ثلثه ، فأصلح من حضره بينه وبين ورثته وبين والديه وأقربيه الذين يريد أن يوصى لهم ، بأن يأمر المريض أن يزيد في وصيته لهم ، ويبلغ بها ما رخص الله فيه من الثلث . فذلك أيضا هو من الإصلاح بينهم بالمعروف .

    وإنما اخترنا هذا القول ، لأن الله تعالى ذكره قال : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، يعني بذلك : فمن خاف من موص أن يجنف أو يأثم . فخوف الجنف والإثم من الموصي ، إنما هو كائن قبل وقوع الجنف والإثم ، فأما بعد وجوده منه ، فلا وجه للخوف منه بأن يجنف أو يأثم ، بل تلك حال من قد جنف أو أثم ، ولو كان ذلك معناه لقيل : فمن تبين من موص جنفا أو إثما - أو أيقن أو علم - ولم يقل : فمن خاف منه جنفا .

    فإن أشكل ما قلنا من ذلك على بعض الناس فقال : فما وجه الإصلاح حينئذ ، والإصلاح إنما يكون بين المختلفين في الشيء؟

    قيل : إن ذلك وإن كان من معاني الإصلاح ، فمن الإصلاح الإصلاح بين الفريقين ، فيما كان مخوفا حدوث الاختلاف بينهم فيه ، بما يؤمن معه حدوث الاختلاف . لأن " الإصلاح " ، إنما هو الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين ، فسواء كان ذلك الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين - قبل وقوع الاختلاف أو بعد وقوعه .

    فإن قال قائل : فكيف قيل : " فأصلح بينهم " ، ولم يجر للورثة ولا للمختلفين ، أو المخوف اختلافهم ذكر؟ [ ص: 405 ]

    قيل : بل قد جرى ذكر الذين أمر تعالى ذكره بالوصية لهم ، وهم والدا الموصي وأقربوه ، والذين أمروا بالوصية في قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف " ، ثم قال تعالى ذكره : " فمن خاف من موص " - لمن أمرته بالوصية له - " جنفا أو إثما فأصلح بينهم " - وبين من أمرته بالوصية له - " فلا إثم عليه " . والإصلاح بينه وبينهم ، هو إصلاح بينهم وبين ورثة الموصي .

    قال أبو جعفر : وقد قرئ قوله : " فمن خاف من موص " بالتخفيف في " الصاد " والتسكين في " الواو " - وبتحريك " الواو " وتشديد " الصاد " .

    فمن قرأ ذلك بتخفيف " الصاد " وتسكين " الواو " ، فإنما قرأه بلغة من قال : " أوصيت فلانا بكذا " .

    ومن قرأ بتحريك " الواو " وتشديد " الصاد " ، قرأه بلغة من يقول : " وصيت فلانا بكذا " . وهما لغتان للعرب مشهورتان : " وصيتك ، وأوصيتك "

    وأما " الجنف " ، فهو الجور والعدول عن الحق في كلام العرب ، ومنه قول الشاعر :


    هم المولى وإن جنفوا علينا وإنا من لقائهم لزور


    يقال منه : "جنف الرجل على صاحبه يجنف" - إذا مال عليه وجار - "جنفا" . [ ص: 406 ]

    فمعنى الكلام من خاف من موص جنفا له بموضع الوصية ، وميلا عن الصواب فيها ، وجورا عن القصد أو إثما بتعمده ذلك على علم منه بخطأ ما يأتي من ذلك ، فأصلح بينهم ، فلا إثم عليه .

    وبمثل الذي قلنا في معنى " الجنف " " والإثم " ، قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    2704 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس في قوله : " فمن خاف من موص جنفا " ، يعني بالجنف : الخطأ .

    2705 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن عبد الملك عن عطاء : " فمن خاف من موص جنفا " ، قال : ميلا .

    2706 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء مثله .

    2707 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا خالد بن الحارث ويزيد بن هارون قالا حدثنا عبد الملك ، عن عطاء مثله .

    2708 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا جويبر عن الضحاك قال : الجنف الخطأ ، والإثم العمد .

    2709 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا [ أبو أحمد ] الزبيري قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن عطاء مثله .

    2710 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، أما " جنفا " فخطأ في وصيته ، وأما " إثما " : فعمدا ، يعمد في وصيته الظلم .

    2711 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى [ ص: 407 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : خطأ أو عمدا .

    2712 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر عن أبي جعفر عن الربيع : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : الجنف الخطأ ، والإثم العمد .

    2713 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس مثله .

    2714 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان عن أبيه عن إبراهيم : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : الجنف : الخطأ ، والإثم العمد .

    2715 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية : " فمن خاف من موص جنفا " ، قال : خطأ " أو إثما " متعمدا .

    2716 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن عيينة عن ابن طاوس ، عن أبيه : " فمن خاف من موص جنفا ، قال : ميلا .

    2717 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " جنفا " حيفا " والإثم " ميله لبعض على بعض . وكله يصير إلى واحد ، كما يكون " عفوا غفورا " و" غفورا رحيما " .

    2718 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن [ ص: 408 ] جريج قال : قال ابن عباس : الجنف " الخطأ ، والإثم : العمد .

    2719 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قال : الجنف الخطأ ، والإثم العمد .

    وأما قوله : " إن الله غفور رحيم " ، فإنه يعني : والله غفور للموصي فيما كان حدث به نفسه من الجنف والإثم ، إذا ترك أن يأثم ويجنف في وصيته ، فتجاوز له عما كان حدث به نفسه من الجور ، إذ لم يمض ذلك فيغفل أن يؤاخذه به " رحيم " بالمصلح بين الموصي وبين من أراد أن يحيف عليه لغيره ، أو يأثم فيه له .
    [ ص: 409 ] القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( 183 ) )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا بهما وأقروا .

    ويعني بقوله : " كتب عليكم الصيام " ، فرض عليكم الصيام .

    و" الصيام " مصدر ، من قول القائل : " صمت عن كذا وكذا " - يعني : كففت عنه - " أصوم عنه صوما وصياما " . ومعنى " الصيام " ، الكف عما أمر الله بالكف عنه . ومن ذلك قيل : " صامت الخيل " ، إذا كفت عن السير ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :


    خيل صيام ، وخيل غير صائمة تحت العجاج ، وأخرى تعلك اللجما


    ومنه قول الله تعالى ذكره : ( إني نذرت للرحمن صوما ) [ سورة مريم : 26 ] يعني : صمتا عن الكلام .

    وقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، يعني فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين من قبلكم . [ ص: 410 ]

    قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا .

    فقال بعضهم : الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا ، أنه كمثل الذي كان عليهم ، هم النصارى . وقالوا : التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه ، هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه .

    ذكر من قال ذلك :

    2720 - حدثت عن يحيى بن زياد عن محمد بن أبان [ القرشي ] ، عن أبي أمية الطنافسي عن الشعبي أنه قال : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه ، فيقال : من شعبان ، ويقال : من رمضان . وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل . وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدون ثلاثين يوما . ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم ، فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما . ثم لم يزل الآخر يستن سنة القرن الذي قبله حتى صارت إلى خمسين . فذلك قوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، [ ص: 411 ]

    وقال آخرون : بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة . وذلك كان فرض الله جل ثناؤه على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم . ووافق قائلو هذا القول القائلي القول الأول : أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، النصارى .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #244
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(230)
    الحلقة (244)
    صــ 412إلى صــ 419




    ذكر من قال ذلك :

    2721 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، أما الذين من قبلنا : فالنصارى ، كتب عليهم رمضان ، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان . فاشتد على النصارى صيام رمضان ، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف . فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ، وقالوا : نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا! فجعلوا صيامهم خمسين . فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى ، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان ، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر . [ ص: 412 ]

    2722 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال : كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة .

    وقال آخرون : الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، أهل الكتاب .

    ذكر من قال ذلك :

    2723 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، أهل الكتاب .

    وقال بعضهم : بل ذلك كان على الناس كلهم .

    ذكر من قال ذلك :

    2724 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال : كتب شهر رمضان على الناس ، كما كتب على الذين من قبلهم . قال : وقد كتب الله على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر .

    2725 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، رمضان ، كتبه الله على من كان قبلهم .

    قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى الآية :

    يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب ، " أياما معدودات " ، وهي شهر رمضان كله . لأن من بعد إبراهيم [ ص: 413 ] صلى الله عليه وسلم كان مأمورا باتباع إبراهيم ، وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما ، وقد أخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفية المسلمة ، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به من قبله من الأنبياء .

    وأما التشبيه ، فإنما وقع على الوقت . وذلك أن من كان قبلنا إنما كان فرض عليهم شهر رمضان ، مثل الذي فرض علينا سواء .

    وأما تأويل قوله : " لعلكم تتقون " ، فإنه يعني به : لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه . يقول : فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين ، لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم .

    وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل :

    ذكر من قال ذلك :

    2726 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما قوله : " لعلكم تتقون " ، يقول : فتتقون من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا - يعني : مثل الذي اتقى النصارى قبلكم .
    القول في تأويل قوله تعالى ( أياما معدودات )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره ، كتب عليكم أيها الذين آمنوا - الصيام أياما معدودات .

    ونصب " أياما " بمضمر من الفعل ، كأنه قيل : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ، أن تصوموا أياما معدودات ، كما يقال : " أعجبني الضرب زيدا " . [ ص: 414 ]

    وقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " من الصيام ، كأنه قيل : كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم : أن تصوموا أياما معدودات .

    ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى الله جل وعز بقوله : " أياما معدودات " .

    فقال بعضهم : " الأيام المعدودات " ، صوم ثلاثة أيام من كل شهر . قال : وكان ذلك الذي فرض على الناس من الصيام قبل أن يفرض عليهم شهر رمضان .

    ذكر من قال ذلك :

    2727 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال : كان عليهم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، ولم يسم الشهر أياما معدودات . قال : وكان هذا صيام الناس قبل ، ثم فرض الله عز وجل على الناس شهر رمضان .

    2728 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " ، وكان ثلاثة أيام من كل شهر ، ثم نسخ ذلك بالذي أنزل من صيام رمضان . فهذا الصوم الأول ، من العتمة .

    2729 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة . عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ، ثم أنزل الله جل وعز فرض شهر رمضان ، فأنزل الله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " حتى بلغ : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " . [ ص: 415 ]

    2730 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قال : قد كتب الله تعالى ذكره على الناس ، قبل أن ينزل رمضان ، صوم ثلاثة أيام من كل شهر .

    وقال آخرون : بل الأيام الثلاثة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومها قبل أن يفرض رمضان ، كان تطوعا صومهن ، وإنما عنى الله جل وعز بقوله : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم . . . أياما معدودات ، أيام شهر رمضان ، لا الأيام التي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان .

    ذكر من قال ذلك :

    2731 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : حدثنا أصحابنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا لا فريضة . قال : ثم نزل صيام رمضان - قال أبو موسى : قوله : " قال عمرو بن مرة : حدثنا أصحابنا " [ ص: 415 ] يريد ابن أبي ليلى ، كأن ابن أبي ليلى القائل : " حدثنا أصحابنا " .

    2732 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة قال : سمعت عمرو بن مرة قال : سمعت ابن أبي ليلى ، فذكر نحوه . [ ص: 417 ]

    قال أبو جعفر : وقد ذكرنا قول من قال : عنى بقوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، شهر رمضان .

    وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال : عنى الله جل ثناؤه بقوله : " ( أياما معدودات ) ، أيام شهر رمضان . وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان ، ثم نسخ بصوم شهر رمضان ، وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية ، أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات ، بإبانته ، عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " . فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه - ثم نسخ ذلك - سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة ، إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر .

    وإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا للذي بينا ، فتأويل الآية : كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ، أياما معدودات هي شهر رمضان . وجائز أيضا أن يكون معناه : " كتب عليكم الصيام " ، كتب عليكم شهر رمضان .

    وأما " المعدودات " : فهي التي تعد مبالغها وساعات أوقاتها . ويعني بقوله : " معدودات " ، محصيات .
    [ ص: 418 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )

    قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فمن كان منكم مريضا " ، من كان منكم مريضا ، ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر ، " فعدة من أيام أخر " ، يقول : فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره ، " من أيام أخر " ، يعني : من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره .

    والرفع في قوله : " فعدة من أيام أخر " ، نظير الرفع في قوله : " فاتباع بالمعروف " . وقد مضى بيان ذلك هنالك بما أغنى عن إعادته .

    وأما قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فإن قراءة كافة المسلمين : " وعلى الذين يطيقونه " ، وعلى ذلك خطوط مصاحفهم . وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها ، لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن .

    وكان ابن عباس يقرؤها فيما روي عنه : " وعلى الذين يطوقونه " .

    ثم اختلف قراء ذلك : " وعلى الذين يطيقونه " في معناه .

    فقال بعضهم : كان ذلك في أول ما فرض الصوم ، وكان من أطاقه من المقيمين صامه إن شاء ، وإن شاء أفطره وافتدى ، فأطعم لكل يوم أفطره مسكينا ، حتى نسخ ذلك .

    ذكر من قال ذلك : [ ص: 419 ]

    2733 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ، ثم إن الله جل وعز فرض شهر رمضان ، فأنزل الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " حتى بلغ " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا . ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم ، فأنزل الله عز وجل : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر " إلى آخر الآية .

    2734 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال حدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة . قال : ثم نزل صيام رمضان . قال : وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام . قال : وكان يشتد عليهم الصوم . قال : فكان من لم يصم أطعم مسكينا ، ثم نزلت هذه الآية : " فمن شهد منكم فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فكانت الرخصة للمريض والمسافر ، وأمرنا بالصيام . قال محمد بن المثنى قوله : " قال عمرو : حدثنا أصحابنا " ، يريد ابن أبي ليلى . كأن ابن أبي ليلى القائل : " حدثنا أصحابنا " .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #245
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(231)
    الحلقة (245)
    صــ 420إلى صــ 427




    2735 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة قال : سمعت عمرو بن مرة قال : سمعت ابن أبي ليلى فذكر نحوه . [ ص: 420 ]

    2736 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم عن علقمة في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : كان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم نصف صاع مسكينا ، فنسخها : " شهر رمضان " إلى قوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

    2737 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم بنحوه - وزاد فيه ، قال : فنسختها هذه الآية ، وصارت الآية الأولى للشيخ الذي لا يستطيع الصوم ، يتصدق مكان كل يوم على مسكين نصف صاع .

    2738 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح أبو تميلة قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان من شاء منهم أن يصوم صام ، ومن شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه . ثم قال : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، ثم استثنى من ذلك فقال : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .

    2739 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا ابن إدريس قال : سألت الأعمش عن قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فحدثنا عن إبراهيم عن علقمة . قال : نسختها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

    2740 - حدثنا عمر بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : نسخت هذه الآية - يعني : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " - التي بعدها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان [ ص: 421 ] مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .

    2741 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

    2742 - حدثنا الوليد بن شجاع أبو همام قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عاصم عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، كان الرجل يفطر فيتصدق عن كل يوم على مسكين طعاما ، ثم نزلت هذه الآية : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر .

    2743 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عاصم [ ص: 422 ] عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية للناس عامة : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، وكان الرجل يفطر ويتصدق بطعامه على مسكين ، ثم نزلت هذه الآية : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، قال : فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر .

    2744 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى قال : دخلت على عطاء وهو يأكل في شهر رمضان ، فقال : إني شيخ كبير ، إن الصوم نزل ، فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ، حتى نزلت هذه الآية : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فوجب الصوم على كل أحد ، إلا مريض أو مسافر أو شيخ كبير مثلي يفتدي .

    2745 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : قال الله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال ابن شهاب : كتب الله الصيام علينا ، فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر ، ولم يكن عليه غير ذلك . فلما أوجب الله على من شهد الشهر الصيام ، فمن كان صحيحا يطيقه وضع عنه الفدية ، وكان من كان على سفر أو كان مريضا فعدة من أيام أخر . قال : وبقيت الفدية التي كانت تقبل قبل ذلك للكبير الذي لا يطيق الصيام ، والذي يعرض له العطش أو العلة التي لا يستطيع معها الصيام .

    2746 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قال : جعل الله في الصوم الأول فدية طعام مسكين ، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر ، كان ذلك رخصة له . فأنزل الله في الصوم الآخر : " فعدة من أيام أخر " ، ولم يذكر الله في الصوم الآخر فدية طعام مسكين ، فنسخت الفدية ، وثبت في الصوم الآخر : [ ص: 423 ] " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ، وهو الإفطار في السفر ، وجعله عدة من أيام أخر .

    2747 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال : أخبرني عمي عبد الله بن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث قال : بكير بن عبد الله ، عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع ، عن سلمة بن الأكوع أنه قال : كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ، ومن شاء أفطر وافتدى بطعام مسكين ، حتى أنزلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

    2748 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم الأحول عن الشعبي في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " [ ص: 424 ] قال : كانت للناس كلهم : فلما نزلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، أمروا بالصوم والقضاء ، فقال : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .

    2749 - حدثنا هناد قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن الأعمش عن إبراهيم في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها الآية التي بعدها : وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون .

    2750 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن محمد بن سليمان ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها الآية التي تليها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

    2751 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قوله : " كتب عليكم الصيام " الآية ، فرض الصوم من العتمة إلى مثلها من القابلة ، فإذا صلى الرجل العتمة حرم عليه الطعام والجماع إلى مثلها من القابلة . ثم نزل الصوم الآخر بإحلال الطعام والجماع بالليل كله ، وهو قوله : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) إلى قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ، وأحل الجماع أيضا فقال : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) ، وكان في الصوم الأول الفدية ، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر فعل ذلك ، ولم يذكر الله تعالى ذكره في الصوم الآخر الفدية ، وقال : " فعدة من أيام أخر " ، فنسخ هذا الصوم الآخر الفدية .

    وقال آخرون : بل كان قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، حكما خاصا للشيخ الكبير والعجوز الذين يطيقان الصوم ، كان مرخصا لهما [ ص: 425 ] أن يفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا ، ثم نسخ ذلك بقوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم ، فيكون ذلك الحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتا لهما حينئذ بحاله .

    ذكر من قال ذلك .

    2752 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم ، رخص لهما أن يفطرا إن شاءا ويطعما لكل يوم مسكينا ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ، إذا كانا لا يطيقان الصوم ، وللحبلى والمرضع إذا خافتا .

    2753 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عروة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " وعلى الذين يطيقونه " ، قال : الشيخ الكبير ، والعجوز الكبيرة ثم ذكر مثل حديث بشر عن يزيد . [ ص: 426 ]

    2754 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة عن عكرمة قال : كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويطعما بقوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " . قال : فكانت لهم الرخصة ، ثم نسخت بهذه الآية : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كانا يطيقان الصوم ، وبقيت للحامل والمرضع أن يفطرا ويطعما .

    2755 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا همام بن يحيى قال : سمعت قتادة يقول في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : كان فيها رخصة للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا ويفطرا ، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها فقال : " شهر رمضان " إلى قوله : " فعدة من أيام أخر " ، فنسختها هذه الآية . فكان أهل العلم يرون ويرجون الرخصة تثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا الصوم أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكينا ، وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها ، وللمرضع إذا ما خشيت على ولدها .

    2756 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان الشيخ والعجوز يطيقان صوم رمضان ، فأحل الله لهما أن يفطراه إن أرادا ذلك ، وعليهما الفدية لكل يوم يفطرانه طعام مسكين ، فأنزل الله بعد ذلك : [ ص: 427 ] " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، إلى قوله : " فعدة من أيام أخر " .

    وقال آخرون ممن قرأ ذلك : " وعلى الذين يطيقونه " ، لم ينسخ ذلك ولا شيء منه ، وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة ، وقالوا : إنما تأويل ذلك : وعلى الذين يطيقونه - في حال شبابهم وحداثتهم ، وفي حال صحتهم وقوتهم - إذا مرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم ، فدية طعام مسكين لا أن القوم كان رخص لهم في الإفطار - وهم على الصوم قادرون - إذا افتدوا .

    ذكر من قال ذلك :

    2757 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : أما الذين يطيقونه ، فالرجل كان يطيقه وقد صام قبل ذلك ، ثم يعرض له الوجع أو العطش أو المرض الطويل ، أو المرأة المرضع لا تستطيع أن تصوم ، فإن أولئك عليهم مكان كل يوم إطعام مسكين ، فإن أطعم مسكينا فهو خير له ، ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #246
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(232)
    الحلقة (246)
    صــ 428إلى صــ 435



    2758 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن عزرة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إذا خافت الحامل على نفسها ، والمرضع على ولدها في رمضان ، قال : يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ، ولا يقضيان صوما . [ ص: 428 ]

    2759 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، . . . ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنه رأى أم ولد له حاملا أو مرضعا ، فقال : أنت بمنزلة الذي لا يطيقه ، عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينا ، ولا قضاء عليك .

    2760 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن سعيد ، عن نافع ، عن علي بن ثابت ، عن نافع عن ابن عمر مثل قول ابن عباس في الحامل والمرضع . [ ص: 429 ]

    2761 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن ابن عباس قال : لأم ولد له حبلى أو مرضع : أنت بمنزلة الذين لا يطيقونه ، عليك الفداء ولا صوم عليك . هذا إذا خافت على نفسها .

    2762 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، هو الشيخ الكبير كان يطيق صوم شهر رمضان وهو شاب ، فكبر وهو لا يستطيع صومه ، فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أفطره ، حين يفطر وحين يتسحر .

    2763 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن منصور عن مجاهد ، عن ابن عباس نحوه - غير أنه لم يقل : حين يفطر وحين يتسحر .

    2764 - حدثنا هناد قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه قال في قول الله تعالى ذكره : " فدية طعام مسكين " ، قال : هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه ، وهي الحامل التي ليس عليها الصيام . فعلى كل واحد منهما طعام مسكين : مد من حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان .

    وقرأ ذلك آخرون : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " ، وقالوا : إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم ، فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه ، فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينا . وقالوا : الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت ، لم تنسخ ، وأنكروا قول من قال : إنها منسوخة .

    ذكر من قال ذلك :

    2765 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا ابن جريج [ ص: 430 ] عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : " يطوقونه " .

    2766 - حدثنا هناد قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عصام ، عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " ، قال : فكان يقول : هي للناس اليوم قائمة .

    2767 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : "وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين" ، قال : وكان يقول : هي للناس اليوم قائمة .

    2768 - حدثنا هناد قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : "وعلى الذين يطوقونه " ، ويقول : هو الشيخ الكبير يفطر ويطعم عنه .

    2769 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب عن عكرمة أنه قال في هذه الآية : " وعلى الذين يطوقونه " ، - وكذلك كان يقرؤها - : إنها ليست منسوخة ، كلف الشيخ الكبير أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا .

    2770 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير أنه قرأ : " وعلى الذين يطوقونه " .

    2771 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة قال : " الذين يطيقونه " يصومونه ، ولكن الذين " يطوقونه " ، يعجزون عنه .

    2772 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : حدثني محمد بن عباد بن جعفر ، عن أبي عمرو مولى عائشة أن عائشة كانت تقرأ : " يطوقونه " .

    2773 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء أنه كان يقرؤها " يطوقونه " . قال ابن جريج : وكان مجاهد يقرؤها كذلك . [ ص: 431 ]

    2774 - حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا خالد عن عكرمة : " وعلى الذين يطيقونه " قال : قال ابن عباس : هو الشيخ الكبير .

    2775 - حدثنا إسماعيل بن موسى السدي قال : أخبرنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " وعلى الذين يطوقونه " قال : يتجشمونه يتكلفونه .

    2776 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن مسلم الملائي ، عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكينا .

    2777 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس في قول الله : " وعلى الذين يطيقونه " ، قال : يكلفونه ، فدية طعام مسكين واحد . قال : فهذه آية منسوخة لا يرخص فيها إلا للكبير الذي لا يطيق الصيام ، أو مريض يعلم أنه لا يشفى .

    2778 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء عن ابن عباس قال : " الذين يطيقونه " ، يتكلفونه ، فدية طعام مسكين واحد ، ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم ، أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى - هذا عن مجاهد .

    2779 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن [ ص: 432 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه كان يقول : ليست بمنسوخة .

    2780 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، يقول : من لم يطق الصوم إلا على جهد ، فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ، والحامل والمرضع والشيخ الكبير والذي به سقم دائم .

    2781 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبيدة ، عن منصور ، عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : هو الشيخ الكبير ، والمرء الذي كان يصوم في شبابه فلما كبر عجز عن الصوم قبل أن يموت ، فهو يطعم كل يوم مسكينا - قال هناد : قال عبيدة : قيل لمنصور : الذي يطعم كل يوم نصف صاع؟ قال : نعم .

    2782 - حدثنا هناد قال : حدثنا مروان بن معاوية عن عثمان بن الأسود قال : سألت مجاهدا عن امرأة لي وافق تاسعها شهر رمضان ، ووافق حرا شديدا ، فأمرني أن تفطر وتطعم . قال : وقال مجاهد : وتلك الرخصة أيضا في المسافر والمريض ، فإن الله يقول : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " .

    2783 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : الحامل والمرضع والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، يفطرون في رمضان ، ويطعمون عن كل يوم مسكينا ، ثم قرأ : " [ ص: 433 ] وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " .

    2784 - حدثنا علي بن سعيد الكندي قال : حدثنا حفص عن حجاج ، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا .

    2785 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء عن ابن عباس قال : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه ، الشيخ والشيخة .

    2786 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، عن أبي إسحاق عن الحارث ، عن علي قال : هو الشيخ والشيخة .

    2787 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة أنه كان يقرؤها : " وعلى الذين يطيقونه " فأفطروا .

    2788 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم عمن حدثه عن ابن عباس قال : هي مثبتة للكبير والمرضع والحامل ، وعلى الذين يطيقون الصيام .

    2789 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد قال : حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما قوله : " وعلى الذين يطيقونه " ؟ قال : بلغنا أن الكبير إذا لم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بمسكين . قلت : الكبير الذي لا [ ص: 434 ] يستطيع الصوم ، أو الذي لا يستطيعه إلا بالجهد؟ قال : بل الكبير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشيء ، فأما من استطاع بجهد فليصمه ، ولا عذر له في تركه .

    2790 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن أبي يزيد : " وعلى الذين يطيقونه " الآية ، كأنه يعني الشيخ الكبير - قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول : نزلت في الكبير الذي لا يستطيع صيام رمضان ، فيفتدي من كل يوم بطعام مسكين . قلت له : كم طعامه؟ قال : لا أدري ، غير أنه قال : طعام يوم .

    2791 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى عن الضحاك في قوله : " فدية طعام مسكين قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ، يفطر ويطعم كل يوم مسكينا .

    قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، منسوخ بقول الله تعالى ذكره : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

    لأن " الهاء " التي في قوله : " وعلى الذين يطيقونه " ، من ذكر " الصيام " ومعناه : وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن من كان مطيقا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان ، فغير جائز له الإفطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين - كان معلوما أن الآية منسوخة .

    هذا ، مع ما يؤيد هذا القول من الأخبار التي ذكرناها آنفا عن معاذ بن جبل وابن عمر وسلمة بن الأكوع : من أنهم كانوا - بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه [ ص: 435 ] وسقوط الفدية عنهم ، وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم; وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فألزموا فرض صومه ، وبطل الخيار والفدية .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #247
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(233)
    الحلقة (247)
    صــ 436إلى صــ 443



    فإن قال قائل : وكيف تدعي إجماعا من أهل الإسلام على أن من أطاق صومه ، وهو بالصفة التي وصفت ، فغير جائز له إلا صومه وقد علمت قول من قال : الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما ، لهما الإفطار ، وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما ، مع الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي :

    2792 - حدثنا به هناد بن السري قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى ، فقال : " تعال أحدثك ، إن الله وضع عن المسافر والحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة " ؟ [ ص: 436 ]

    قيل : إنا لم ندع إجماعا في الحامل والمرضع ، وإنما ادعينا في الرجال الذين [ ص: 437 ] وصفنا صفتهم . فأما الحامل والمرضع ، فإنما علمنا أنهن غير معنيات بقوله : ( وعلى الذين يطيقونه ) وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به ، لأنهن لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال ، لقيل : وعلى اللواتي يطقنه فدية طعام مسكين ، لأن ذلك كلام العرب ، إذا أفرد الكلام بالخبر عنهن دون الرجال . فلما قيل : " وعلى الذين يطيقونه " ، كان معلوما أن المعني به الرجال دون النساء ، أو الرجال والنساء . فلما صح بإجماع الجميع - على أن من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صوم شهر رمضان ، فغير مرخص له في الإفطار والافتداء ، فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية ، وعلم أن النساء لم يردن بها لما وصفنا : من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بالخبر عنهن : " وعلى اللواتي يطقنه " ، والتنزيل بغير ذلك .

    وأما الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه إن كان صحيحا ، فإنما معناه : أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه ، حتى تطيقا فتقضيا ، كما وضع عن المسافر في سفره ، حتى يقيم فيقضيه - لا أنهما أمرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء ، ولو كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم " ، دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله : " وعلى الذين يطيقونه [ ص: 438 ] فدية طعام مسكين " ، لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء ، وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حكمه وبين حكم الحامل والمرضع . وذلك قول ، إن قاله قائل ، خلاف لظاهر كتاب الله ، ولما أجمع عليه جميع أهل الإسلام .

    وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله : " وعلى الذين يطيقونه " ، وعلى الذين يطيقون الطعام . وذلك لتأويل أهل العلم مخالف .

    وأما قراءة من قرأ ذلك : " وعلى الذين يطوقونه " فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلاف ، وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نقلا ظاهرا قاطعا للعذر . لأن ما جاءت به الحجة من الدين ، هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله . ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله ، بالآراء والظنون والأقوال الشاذة .

    وأما معنى " الفدية " فإنه : الجزاء ، من قولك : " فديت هذا بهذا " ، أي جزيته به ، وأعطيته بدلا منه .

    ومعنى الكلام : وعلى الذين يطيقون الصيام جزاء طعام مسكين ، لكل يوم أفطره من أيام صيامه الذي كتب عليه .

    وأما قوله : " فدية طعام مسكين " ، فإن القرأة مختلفة في قراءته . فبعض يقرأ بإضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، وخفض " الطعام " - وذلك قراءة عظم قراء أهل المدينة - بمعنى : وعلى الذين يطيقونه أن يفدوه طعام مسكين . [ ص: 439 ] فلما جعل مكان " أن يفديه " " الفدية " أضيف إلى " الطعام " ، كما يقال " لزمني غرامة درهم لك " ، بمعنى : لزمني أن أغرم لك درهما .

    وآخرون يقرأونه بتنوين " الفدية " ، ورفع " الطعام " ، بمعنى الإبانة في " الطعام " عن معنى " الفدية " الواجبة على من أفطر في صومه الواجب ، كما يقال : " لزمني غرامة ، درهم لك " ، فتبين " بالدرهم " عن معنى " الغرامة " ما هي؟ وما حدها؟ وذلك قراءة عظم قراء أهل العراق .

    قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بين الصواب قراءة من قرأ " فدية طعام " بإضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، لأن " الفدية " اسم للفعل ، وهي غير " الطعام " المفدي به الصوم .

    وذلك أن " الفدية " مصدر من قول القائل : " فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين أفديه فدية " ، كما يقال : " جلست جلسة ، ومشيت مشية " . " والفدية " فعل ، و" الطعام " غيرها . فإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن أصح القراءتين إضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، وواضح خطأ قول من قال : إن ترك إضافة " الفدية " إلى الطعام ، أصح في المعنى ، من أجل أن " الطعام " عنده هو " الفدية " . فيقال لقائل ذلك : قد علمنا أن " الفدية " مقتضية مفديا ، ومفديا به ، وفدية . فإن كان " الطعام " هو " الفدية " " والصوم " هو المفدي به ، فأين اسم فعل المفتدي الذي هو " فدية " إن هذا القول خطأ بين غير مشكل .

    وأما " الطعام " فإنه مضاف إلى " المسكين " . والقرأة في قراءة ذلك مختلفون .

    فقرأه بعضهم بتوحيد " المسكين " ، بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام [ ص: 440 ] مسكين واحد لكل يوم أفطره ، كما : -

    2793 - حدثني محمد بن يزيد الرفاعي قال : حدثنا حسين الجعفي عن أبي عمرو أنه قرأ : " فدية " - رفع منون - " طعام " - رفع بغير تنوين - " مسكين " ، وقال : عن كل يوم مسكين . وعلى ذلك عظم قراء أهل العراق .

    وقرأه آخرون بجمع " المساكين " ، " فدية طعام مساكين " بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين عن الشهر ، إذا أفطر الشهر كله ، كما : -

    2794 - حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي ، عن يعقوب ، عن بشار ، عن عمرو ، عن الحسن : " طعام مساكين " ، عن الشهر كله .

    قال أبو جعفر : وأعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من قرأ : " طعام مسكين " على الواحد ، بمعنى : وعلى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين . لأن في إبانة حكم المفطر يوما واحدا ، وصولا إلى معرفة حكم المفطر جميع الشهر - وليس في إبانة حكم المفطر جميع الشهر ، وصول إلى إبانة حكم المفطر يوما واحدا ، وأياما هي أقل من أيام جميع الشهر - ، وأن كل " واحد " يترجم عن " الجميع " ، وأن " الجميع " لا يترجم به عن " الواحد " . فلذلك اخترنا قراءة ذلك بالتوحيد .

    واختلف أهل العلم في مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون في ذلك إذا أفطروا .

    فقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم الواحد نصف صاع من قمح .

    وقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم ، مدا من قمح ومن سائر أقواتهم . [ ص: 441 ]

    وقال بعضهم : كان ذلك نصف صاع من قمح ، أو صاعا من تمر أو زبيب .

    وقال بعضهم : ما كان المفطر يتقوته يومه الذي أفطره .

    وقال بعضهم : كان ذلك سحورا وعشاء ، يكون للمسكين إفطارا .

    وقد ذكرنا بعض هذه المقالات فيما مضى قبل ، فكرهنا إعادة ذكرها .
    القول في تأويل قوله تعالى ( فمن تطوع خيرا فهو خير له )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم بما : -

    2795 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس : " فمن تطوع خيرا " ، فزاد طعام مسكين آخر ، " فهو خير له وأن تصوموا خير لكم " .

    2796 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس مثله .

    2797 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن سفيان ، عن خصيف عن مجاهد في قوله : " فمن تطوع خيرا " ، قال : من أطعم المسكين صاعا .

    2798 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه : " فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، قال : إطعام مساكين عن كل يوم ، فهو خير له .

    2799 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن حنظلة ، عن طاوس : " فمن تطوع خيرا " ، قال : طعام مسكين .

    2800 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن [ ص: 442 ] حنظلة ، عن طاوس نحوه .

    2801 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ليث عن طاوس : " فمن تطوع خيرا " ، قال : طعام مسكين .

    2802 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد ، عن ليث عن طاوس مثله .

    2803 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عمرو بن هارون قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء أنه قرأ : " فمن تطوع " - بالتاء خفيفة [ الطاء ] - " خيرا " ، قال : زاد على مسكين .

    2804 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، فإن أطعم مسكينين فهو خير له .

    2805 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه : " فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، قال : من أطعم مسكينا آخر .

    وقال آخرون : معنى ذلك ، فمن تطوع خيرا فصام مع الفدية .

    ذكر من قال ذلك :

    2806 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، يريد أن من صام مع الفدية فهو خير له .

    وقال آخرون : معنى ذلك : فمن تطوع خيرا فزاد المسكين على قدر طعامه .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #248
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(234)
    الحلقة (248)
    صــ 444إلى صــ 451



    ذكر من قال ذلك : [ ص: 443 ]

    2807 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قال : مجاهد : " فمن تطوع خيرا " ، فزاد طعاما ، " فهو خير له " .

    قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره عمم بقوله : " فمن تطوع خيرا " ، فلم يخصص بعض معاني الخير دون بعض . فإن جمع الصوم مع الفدية من تطوع الخير ، وزيادة مسكين على جزاء الفدية من تطوع الخير . وجائز أن يكون تعالى ذكره عنى بقوله : " فمن تطوع خيرا " ، أي هذه المعاني تطوع به المفتدي من صومه ، فهو خير له . لأن كل ذلك من تطوع الخير ، ونوافل الفضل .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ( 184 ) )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وأن تصوموا " ، ما كتب عليكم من شهر رمضان ، " فهو خير لكم " من أن تفطروه وتفتدوا ، كما : -

    2808 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وأن تصوموا خير لكم " ، ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له .

    2809 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس عن ابن شهاب : " وأن تصوموا خير لكم " ، أي : إن الصيام خير لكم من الفدية .

    2810 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى [ ص: 444 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وأن تصوموا خير لكم " . . . .

    وأما قوله : " إن كنتم تعلمون " ، فإنه يعني : إن كنتم تعلمون خير الأمرين لكم أيها الذين آمنوا ، من الإفطار والفدية ، أو الصوم على ما أمركم الله به .
    القول في تأويل قوله تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )

    قال أبو جعفر : " والشهر " ، فيما قيل ، أصله من " الشهرة " . يقال منه : " قد شهر فلان سيفه " - إذا أخرجه من غمده فاعترض به من أراد ضربه - " يشهره شهرا " . وكذلك " شهر الشهر " ، إذا طلع هلاله " وأشهرنا نحن " ، إذا دخلنا في الشهر .

    وأما " رمضان " ، فإن بعض أهل المعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمى بذلك لشدة الحر الذي كان يكون فيه ، حتى ترمض فيه الفصال ، كما يقال للشهر الذي يحج فيه " ذو الحجة " ، والذي يرتبع فيه " ربيع الأول ، وربيع الآخر" .

    وأما مجاهد فإنه كان يكره أن يقال : " رمضان " ، ويقول : لعله اسم من أسماء الله .

    2811 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن [ ص: 445 ] مجاهد : أنه كره أن يقال : " رمضان " ، ويقول : لعله اسم من أسماء الله لكن نقول كما قال الله : " شهر رمضان " .

    وقد بينت فيما مضى أن " شهر " مرفوع على قوله : " أياما معدودات " ، هن شهر رمضان . وجائز أن يكون رفعه بمعنى : ذلك شهر رمضان ، وبمعنى : كتب عليكم شهر رمضان .

    وقد قرأه بعض القراء " شهر رمضان " نصبا ، بمعنى : كتب عليكم الصيام أن تصوموا شهر رمضان . وقرأه بعضهم نصبا بمعنى : أن تصوموا شهر رمضان خير لكم إن كنتم تعلمون وقد يجوز أيضا نصبه على وجه الأمر بصومه ، كأنه قيل : شهر رمضان فصوموه . وجائز نصبه على الوقت ، كأنه قيل : كتب عليكم الصيام في شهر رمضان .

    وأما قوله : " الذي أنزل فيه القرآن " ، فإنه ذكر أنه نزل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، في ليلة القدر من شهر رمضان . ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنزاله إليه ، كما : -

    2812 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن حسان بن أبي الأشرس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أنزل القرآن جملة من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان ، فجعل في بيت العزة - قال أبو كريب : حدثنا أبو بكر ، وقال ذلك السدي .

    2813 - حدثني عيس بن عثمان قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن حسان عن سعيد بن جبير قال : نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في شهر رمضان ، فجعل في سماء الدنيا . [ ص: 446 ]

    2814 - حدثنا أحمد بن منصور قال : حدثنا عبد الله بن رجاء قال : حدثنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن أبي المليح عن واثلة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان .

    2815 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " . أما " أنزل فيه القرآن " ، فإن ابن عباس قال : شهر رمضان ، والليلة المباركة ليلة القدر ، فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة ، وهي في رمضان ، نزل القرآن جملة واحدة من الزبر إلى البيت المعمور ، وهو " مواقع النجوم " في السماء الدنيا حيث وقع القرآن ، ثم نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الأمر والنهي وفي الحروب رسلا رسلا .

    2816 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال : أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه ، فهو قوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) [ سورة القدر : 1 ] . [ ص: 447 ]

    2817 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن داود عن عكرمة ، عن ابن عباس فذكر نحوه - وزاد فيه : فكان من أوله وآخره عشرون سنة .

    2818 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان ، إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه ، حتى جمعه .

    2819 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء جملة واحدة ، ثم فرق في السنين بعد . قال : وتلا ابن عباس هذه الآية : ( فلا أقسم بمواقع النجوم ) [ سورة الواقعة : 75 ] ، قال : نزل مفرقا .

    2820 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن داود عن الشعبي قال : بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا .

    2821 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، قرأه ابن جريج في قوله : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، قال : قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة على جبريل في ليلة القدر ، فكان لا ينزل منه إلا بأمر . قال ابن جريج : كان ينزل من القرآن في ليلة القدر كل شيء ينزل من القرآن في تلك السنة . فنزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا ، فلا ينزل جبريل من ذلك على محمد إلا ما أمره به ربه . ومثل ذلك ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) و ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) [ سورة الدخان : 3 ] . [ ص: 448 ]

    2822 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل عن السدي ، عن محمد بن أبي المجالد ، عن مقسم عن ابن عباس قال له رجل : إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، وقوله : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) وقوله ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ، وقد أنزل الله في شوال وذي القعدة وغيره! قال : إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدة ، ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام .

    وأما قوله : " هدى للناس " ، فإنه يعني رشادا للناس إلى سبيل الحق وقصد المنهج .

    وأما قوله : " وبينات " ، فإنه يعني : وواضحات " من الهدى " - يعني : من البيان الدال على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه .

    وقوله : " والفرقان " يعني : والفصل بين الحق والباطل ، كما : -

    2823 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " وبينات من الهدى والفرقان " ، فبينات من الحلال والحرام .
    [ ص: 449 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " شهود الشهر " .

    فقال بعضهم : هو مقام المقيم في داره . قالوا : فمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم في داره فعليه صوم الشهر كله ، غاب بعد فسافر ، أو أقام فلم يبرح .

    ذكر من قال ذلك :

    2824 - حدثني محمد بن حميد ومحمد بن عيسى الدامغاني قالا حدثنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، قال : هو إهلاله بالدار . يريد : إذا هل وهو مقيم .

    2825 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عمن حدثه عن ابن عباس أنه قال . في قوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فإذا شهده وهو مقيم فعليه الصوم ، أقام أو سافر . وإن شهده وهو في سفر ، فإن شاء صام وإن شاء أفطر .

    2826 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد عن عبيدة - في الرجل يدركه رمضان ثم يسافر - قال : إذا شهدت أوله فصم آخره ، ألا تراه يقول : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ؟

    2827 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام القردوسي عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة : عن رجل أدرك رمضان وهو مقيم؟ قال : من صام أول الشهر فليصم آخره ، ألا تراه يقول : فمن شهد منكم الشهر فليصمه "؟ . [ ص: 450 ]

    2828 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : أما " من شهد منكم الشهر فليصمه " ، فمن دخل عليه رمضان وهو مقيم في أهله فليصمه ، وإن خرج فيه فليصمه ، فإنه دخل عليه وهو في أهله .

    2829 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا قتادة ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة السلماني عن علي - فيما يحسب حماد - قال : من أدرك رمضان وهو مقيم لم يخرج ، فقد لزمه الصوم ، لأن الله يقول : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .

    2830 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة السلماني عن قول الله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، قال : من كان مقيما فليصمه ، ومن أدركه ثم سافر فيه فليصمه .

    2831 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين عن عبيدة ، قال : من شهد أول رمضان فليصم آخره .

    2832 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن عليا كان يقول : إذا أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر ، فعليه الصوم .

    2833 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد الرحيم ، عن عبيدة الضبي عن إبراهيم قال : كان يقول : إذا أدركك رمضان فلا تسافر فيه ، فإن صمت فيه يوما أو اثنين ثم سافرت ، فلا تفطر ، صمه .

    2834 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري . قال : كنا عند عبيدة فقرأ هذه الآية : [ ص: 451 ] " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، قال : من صام شيئا منه في المصر فليصم بقيته إذا خرج . قال : وكان ابن عباس يقول : إن شاء صام وإن شاء أفطر .

    2835 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب - وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية - قالا جميعا ، حدثنا أيوب ، عن أبي يزيد ، عن أم ذرة قالت : أتيت عائشة في رمضان ، قالت : من أين جئت؟ قلت : من عند أخي حنين . قالت : ما شأنه؟ قالت : ودعته يريد يرتحل . قالت : فأقرئيه السلام ومريه فليقم ، فلو أدركني رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت له .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #249
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(235)
    الحلقة (249)
    صــ 452إلى صــ 459



    2836 - حدثنا هناد قال : حدثنا إسحاق بن عيسى ، عن أفلح ، عن عبد الرحمن ، قال : جاء إبراهيم بن طلحة إلى عائشة يسلم عليها ، قالت : وأين تريد؟ قال : أردت العمرة . قالت : فجلست حتى إذا دخل عليك الشهر خرجت فيه! قال : قد خرج ثقلي! قالت : اجلس ، حتى إذا أفطرت فاخرج - يعني شهر رمضان . [ ص: 452 ]

    وقال آخرون : معنى ذلك : فمن شهد منكم الشهر فليصم ما شهد منه .

    ذكر من قال ذلك :

    2837 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق : أن أبا ميسرة خرج في رمضان ، حتى إذا بلغ القنطرة دعا ماء فشرب .

    2838 - حدثنا هناد قال : حدثنا جرير عن مغيرة قال : خرج أبو ميسرة في رمضان مسافرا ، فمر بالفرات وهو صائم ، فأخذ منه كفا فشربه وأفطر .

    2839 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق عن مرثد : أن أبا ميسرة سافر في رمضان ، فأفطر عند باب الجسر - هكذا قال هناد عن مرثد ، وإنما هو أبو مرثد .

    2840 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مرثد : أنه خرج مع أبي ميسرة في رمضان ، فلما انتهى إلى الجسر أفطر . [ ص: 453 ]

    2841 - حدثنا هناد وأبو هشام قالا حدثنا وكيع ، عن المسعودي ، عن الحسن بن سعد ، عن أبيه قال : كنت مع علي في ضيعة له على ثلاث من المدينة ، فخرجنا نريد المدينة في شهر رمضان ، وعلي راكب وأنا ماش ، قال : فصام - قال هناد : وأفطرت - قال أبو هشام : وأمرني فأفطرت .

    2842 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد الرحيم عن عبد الرحمن بن عتبة ، عن الحسن بن سعد ، عن أبيه قال : كنت مع علي بن أبي طالب وهو جاء من أرض له ، فصام ، وأمرني فأفطرت ، فدخل المدينة ليلا وكان راكبا وأنا ماش .

    2843 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع - و حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن مهدي - قالا جميعا ، حدثنا سفيان ، عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي : أنه سافر في شهر رمضان فأفطر عند باب الجسر .

    2844 - حدثني ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : قال لي سفيان : أحب إلي أن تتمه .

    2845 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة قال : سألت الحكم وحمادا وأردت أن أسافر في رمضان فقالا لي : اخرج . وقال حماد قال إبراهيم : أما إذا كان العشر ، فأحب إلي أن يقيم .

    2846 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا حماد ، عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا من أدركه الصوم وهو مقيم رمضان ثم سافر ، قالا إن شاء أفطر . [ ص: 454 ]

    وقال آخرون : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، يعني : فمن شهده عاقلا بالغا مكلفا فليصمه .

    وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه ، كانوا يقولون : من دخل عليه شهر رمضان وهو صحيح عاقل بالغ فعليه صومه ، فإن جن بعد دخوله عليه وهو بالصفة التي وصفنا ، ثم أفاق بعد انقضائه ، لزمه قضاء ما كان فيه من أيام الشهر مغلوبا على عقله ، لأنه كان ممن شهده وهو ممن عليه فرض .

    قالوا : وكذلك لو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون ، إلا أنه ممن لو كان صحيح العقل كان عليه صومه ، فلن ينقضي الشهر حتى صح وبرأ ، أو أفاق قبل انقضاء الشهر بيوم أو أكثر من ذلك ، فإن عليه قضاء صوم الشهر كله ، سوى اليوم الذي صامه بعد إفاقته ، لأنه ممن قد شهد الشهر .

    قالوا : ولو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون ، فلم يفق حتى انقضى الشهر كله ، ثم أفاق لم يلزمه قضاء شيء منه ، لأنه لم يكن ممن شهده مكلفا صومه .

    قال أبو جعفر : وهذا تأويل لا معنى له ، لأن الجنون إن كان يسقط عمن كان به فرض الصوم ، من أجل فقد صاحبه عقله جميع الشهر ، فقد يجب أن يكون ذلك سبيل كل من فقد عقله جميع شهر الصوم . وقد أجمع الجميع على أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغماء أو برسام ، ثم أفاق بعد انقضاء الشهر ، أن عليه قضاء الشهر كله . ولم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به على الأمة . وإذ كان إجماعا ، فالواجب أن يكون سبيل كل من كان زائل العقل جميع شهر الصوم سبيل المغمى عليه . وإذ كان ذلك كذلك ، كان معلوما أن تأويل الآية غير الذي تأولها قائلو هذه المقالة : من أنه شهود الشهر أو بعضه مكلفا صومه . وإذا بطل ذلك ، فتأويل المتأول الذي زعم أن معناه : فمن شهد أوله مقيما حاضرا [ ص: 455 ] فعليه صوم جميعه ، أبطل وأفسد ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج عام الفتح من المدينة في شهر رمضان بعد ما صام بعضه ، وأفطر وأمر أصحابه بالإفطار .

    2847 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو الأحوص عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : " سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة إلى مكة ، حتى إذا أتى عسفان نزل به ، فدعا بإناء فوضعه على يده ليراه الناس ، ثم شربه .

    2848 - حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه

    2849 - حدثنا هناد ، حدثنا عبيدة ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .

    2850 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره عام الفتح لعشر مضين من رمضان ، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه ، حتى إذا أتى الكديد - ما بين عسفان وأمج - أفطر .

    2851 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا عبدة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال خرج رسول الله [ ص: 456 ] صلى الله عليه وسلم لعشر - أو لعشرين - مضت من رمضان عام الفتح ، فصام حتى إذا كان بالكديد أفطر .

    2852 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا سالم بن نوح قال : حدثنا عمر بن عامر ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لثمان عشرة مضت من رمضان ، فمنا الصائم ومنا المفطر ، فلم يعب المفطر على الصائم ، ولا الصائم على المفطر .

    فإذ كانا فاسدين هذان التأويلان ، بما عليه دللنا من فسادهما - فبين أن الصحيح من التأويل هو الثالث ، وهو قول من قال : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، جميع ما شهد منه مقيما ، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر .
    [ ص: 457 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ومن كان مريضا أو على سفر في الشهر فأفطر ، فعليه صيام عدة الأيام التي أفطرها ، من أيام أخر غير أيام شهر رمضان .

    ثم اختلف أهل العلم في المرض الذي أباح الله معه الإفطار وأوجب معه عدة من أيام أخر .

    فقال بعضهم : هو المرض الذي لا يطيق صاحبه معه القيام لصلاته .

    ذكر من قال ذلك :

    2853 - حدثنا معاذ بن شعبة البصري قال : حدثنا شريك ، عن مغيرة ، عن إبراهيم وإسماعيل بن مسلم عن الحسن أنه قال : إذا لم يستطع المريض أن يصلي قائما أفطر .

    2854 - حدثني يعقوب قال حدثنا هشيم ، عن مغيرة - أو عبيدة - عن إبراهيم في المريض إذا لم يستطع الصلاة قائما فليفطر . يعني : في رمضان .

    2855 - حدثنا هناد قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن إسماعيل قال : سألت الحسن : متى يفطر الصائم؟ قال : إذا جهده الصوم . قال : إذا لم [ ص: 458 ] يستطع أن يصلي الفرائض كما أمر .

    وقال بعضهم : وهو كل مرض كان الأغلب من أمر صاحبه بالصوم الزيادة في علته زيادة غير محتملة . وذلك هو قول محمد بن إدريس الشافعي ، حدثنا بذلك عنه الربيع .

    وقال آخرون : وهو [ كل ] مرض يسمى مرضا .

    ذكر من قال ذلك :

    2856 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا الحسن بن خالد الربعي قال : حدثنا طريف بن شهاب العطاردي : أنه دخل على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل ، فلم يسأله . فلما فرغ قال : إنه وجعت إصبعي هذه .

    قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن " المرض " الذي أذن [ ص: 459 ] الله تعالى ذكره بالإفطار معه في شهر رمضان ، من كان الصوم جاهده جهدا غير محتمل ، فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر . وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر ، فإن لم يكن مأذونا له في الإفطار فقد كلف عسرا ، ومنع يسرا . وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه بقوله : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " . وأما من كان الصوم غير جاهده ، فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم ، فعليه أداء فرضه .

    وأما قوله : " فعدة من أيام أخر " ، فإن معناها : أياما معدودة سوى هذه الأيام .

    وأما "الأخر" ، فإنها جمع "أخرى" كجمعهم "الكبرى" على "الكبر" و" القربى " على " القرب " .

    فإن قال قائل : أوليست " الأخر " من صفة الأيام؟

    قيل : بلى .

    فإن قال : أوليس واحد " الأيام " " يوم " وهو مذكر؟

    قيل : بلى .

    فإن قال : فكيف يكون واحد " الأخر " " أخرى " ، وهي صفة ل " اليوم " ، ولم يكن " آخر " ؟

    قيل : إن واحد " الأيام " وإن كان إذا نعت بواحد " الأخر " فهو " آخر " ، فإن " الأيام " في الجمع تصير إلى التأنيث ، فتصير نعوتها وصفاتها كهيئة صفات المؤنث ، كما يقال : " مضت الأيام جمع " ، ولا يقال : أجمعون ، ولا أيام آخرون .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #250
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(236)
    الحلقة (250)
    صــ 460إلى صــ 467



    فإن قال لنا قائل : فإن الله تعالى قال : " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " [ ص: 460 ] ، ومعنى ذلك عندك : فعليه عدة من أيام أخر ، كما قد وصفت فيما مضى . فإن كان ذلك تأويله ، فما قولك فيمنكان مريضا أو على سفر فصام الشهر ، وهو ممن له الإفطار ، أيجزيه ذلك من صيام عدة من أيام أخر ، أو غير مجزيه ذلك ، وفرض صوم عدة من أيام أخر ثابت عليه بهيئته ، وإن صام الشهر كله؟ وهل لمن كان مريضا أو على سفر صيام شهر رمضان ، أم ذلك محظور عليه ، وغير جائز له صومه ، والواجب عليه الإفطار فيه ، حتى يقيم هذا ويبرأ هذا؟

    قيل : قد اختلف أهل العلم في كل ذلك ، ونحن ذاكرون اختلافهم في ذلك ، ومخبرون بأولاه بالصواب إن شاء الله .

    فقال بعضهم : الإفطار في المرض عزمة من الله واجبة ، وليس بترخيص .

    ذكر من قال ذلك :

    2857 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي - وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية - جميعا ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس وقال : الإفطار في السفر عزمة .

    2858 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا وهب بن جرير قال : أخبرنا شعبة ، عن يعلى ، عن يوسف بن الحكم قال : سألت ابن عمر - أو : سئل - عن الصوم في السفر فقال : أرأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها عليك ، ألم تغضب؟ فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم . [ ص: 461 ]

    2859 - حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا المحاربي عن عبد الملك بن حميد قال : قال أبو جعفر : كان أبي لا يصوم في السفر ، وينهى عنه .

    2860 - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد عن الضحاك : أنه كره الصوم في السفر .

    وقال أهل هذه المقالة : من صام في السفر فعليه القضاء إذا قام .

    ذكر من قال ذلك :

    2861 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، عن أبيه ، عن رجل : أن عمر أمر الذي صام في السفر أن يعيد . .

    2862 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن سعيد [ ص: 462 ] بن عمرو بن دينار ، عن رجل من بني تميم عن أبيه قال : أمر عمر رجلا صام في السفر أن يعيد صومه .

    2863 - حدثني ابن حميد الحمصي قال : حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم عن عطاء عن المحرر بن أبي هريرة قال : كنت مع أبي في سفر في رمضان ، فكنت أصوم ويفطر . فقال لي أبي : أما إنك إذا أقمت قضيت .

    2864 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا سليمان بن داود قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم مولى قريبة ، قال : سمعت عروة يأمر رجلا صام في السفر أن يقضي .

    2865 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا شعبة عن عاصم مولى قريبة : أن رجلا صام في السفر ، فأمره عروة أن يقضي .

    2866 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن صبيح قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، عن أبيه كلثوم : أن قوما قدموا على عمر بن الخطاب وقد صاموا رمضان في سفر ، فقال لهم : والله لكأنكم كنتم تصومون! فقالوا : والله يا أمير المؤمنين [ ص: 463 ] لقد صمنا! قال : فأطقتموه! قالوا : نعم . قال : فاقضوه ، فاقضوه .

    وعلة من قال هذه المقالة : أن الله تعالى ذكره فرض بقوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " صوم شهر رمضان على من شهده مقيما غير مسافر ، وجعل على من كان مريضا أو مسافرا صوم عدة من أيام أخر غير أيام شهر رمضان بقوله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " . قالوا : فكما غير جائز للمقيم إفطار أيام شهر رمضان وصوم عدة أيام أخر مكانها - لأن الذي فرضه الله عليه بشهوده الشهر صوم الشهر دون غيره - فكذلك غير جائز لمن لم يشهده من المسافرين مقيما ، صومه . لأن الذي فرضه الله عليه عدة من أيام أخر . واعتلوا أيضا من الخبر بما : -

    2867 - حدثنا به محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، عن أسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر . "

    2868 - حدثني محمد بن عبيد الله بن سعيد قال : حدثنا يزيد بن عياض [ ص: 464 ] عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر .

    وقال آخرون : إباحة الإفطار في السفر رخصة من الله تعالى ذكره ، رخصها لعباده ، والفرض الصوم . فمن صام فرضه أدى ، ومن أفطر فبرخصة الله له أفطر . قالوا : وإن صام في سفر فلا قضاء عليه إذا أقام .

    ذكر من قال ذلك : [ ص: 465 ]

    2869 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب قال : حدثنا عروة وسالم : أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز إذ هو أمير على المدينة فتذاكروا الصوم في السفر ، قال سالم : كان ابن عمر لا يصوم في السفر . وقال عروة : وكانت عائشة تصوم . فقال سالم : إنما أخذت عن ابن عمر . وقال عروة : إنما أخذت عن عائشة . حتى ارتفعت أصواتهما . فقال عمر بن عبد العزيز : اللهم عفوا ! إذا كان يسرا فصوموا ، وإذا كان عسرا فأفطروا .

    2870 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية عن أيوب قال : حدثني رجل قال : ذكر الصوم في السفر عند عمر بن عبد العزيز ثم ذكر نحو حديث ابن بشار .

    2871 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق - وحدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس حدثنا ابن إسحاق - عن الزهري عن سالم بن عبد الله قال : خرج عمر بن الخطاب في بعض أسفاره في ليال بقيت من رمضان ، فقال : إن الشهر قد تشعشع - قال أبو كريب في حديثه : أو : تسعسع ، ولم يشك يعقوب - فلو صمنا! فصام وصام الناس معه . ثم أقبل مرة قافلا حتى إذا كان بالروحاء أهل هلال شهر رمضان ، فقال : إن الله قد [ ص: 466 ] قضى السفر ، فلو صمنا ولم نثلم شهرنا! قال : فصام وصام الناس معه . .

    2872 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير قال : حدثني أبي - وحدثنا محمد بن بشار قال : أخبرنا عبيد الله قال : أخبرنا بشير بن سلمان - عن خيثمة قال : سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر ، قال : قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى . قلت : فأين هذه الآية : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر "؟ قال : نزلت ونحن يومئذ نرتحل جياعا وننزل على غير شبع ، وإنا اليوم نرتحل شباعا وننزل على شبع .

    2873 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن بشير بن سلمان عن خيثمة عن أنس نحوه .

    2874 - حدثنا هناد وأبو السائب قالا حدثنا أبو معاوية عن عاصم [ ص: 467 ] عن أنس : أنه سئل عن الصوم في السفر فقال : من أفطر فبرخصة الله ، ومن صام فالصوم أفضل .

    2875 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو أسامة عن أشعث بن عبد الملك عن محمد بن عثمان بن أبي العاص قال : الفطر في السفر رخصة ، والصوم أفضل .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #251
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(237)
    الحلقة (251)
    صــ 468إلى صــ 475



    2876 - حدثني المثني قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا أبو الفيض قال : كان علي علينا أميرا بالشام فنهانا عن الصوم في السفر ، فسألت أبا قرصافة - رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني ليث قال عبد الصمد : سمعت رجلا من قومه يقول : إنه واثلة بن الأسقع - قال : لو صمت في السفر ما قضيت . . [ ص: 468 ]

    2877 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن بسطام بن مسلم عن عطاء قال : إن صمتم أجزأ عنكم ، وإن أفطرتم فرخصة .

    2878 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن كهمس قال : سألت سالم بن عبد الله عن الصوم في السفر ، فقال : إن صمتم أجزأ عنكم ، وإن أفطرتم فرخصة .

    2879 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد الرحيم عن طلحة بن عمرو عن عطاء قال : من صام فحق أداه ، ومن أفطر فرخصة أخذ بها .

    2880 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير قال : الفطر في السفر رخصة ، والصوم أفضل .

    2881 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن عطاء قال : هو تعليم ، وليس بعزم - يعني قول الله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، إن شاء صام وإن شاء لم يصم .

    2882 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو أسامة عن هشام عن الحسن : في الرجل يسافر في رمضان ، قال : إن شاء صام وإن شاء أفطر .

    2883 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا سفيان بن حبيب قال : حدثنا العوام بن حوشب قال : قلت لمجاهد : الصوم في السفر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فيه ويفطر . قال : قلت : فأيهما أحب إليك؟ قال : إنما هي رخصة ، وأن تصوم رمضان أحب إلي .

    2884 - حدثنا ابن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة [ ص: 469 ] عن حماد عن سعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد أنهم قالوا : الصوم في السفر ، إن شاء صام وإن شاء أفطر ، والصوم أحب إليهم .

    2885 - حدثنا ابن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : قال لي مجاهد في الصوم في السفر - يعني صوم رمضان - : والله ما منهما إلا حلال ، الصوم والإفطار ، وما أراد الله بالإفطار إلا التيسير لعباده .

    2886 - حدثنا ابن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم قال : صحبت أبا الأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون وأبا وائل إلى مكة وكانوا يصومون رمضان وغيره في السفر .

    2887 - حدثنا علي بن حسن الأزدي قال : حدثنا معافى بن عمران عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير : الفطر في السفر رخصة ، والصوم أفضل .

    2888 - حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال : حدثنا يعقوب قال : حدثنا صالح بن محمد بن صالح عن أبيه قال : قلت للقاسم بن محمد : إنا نسافر في الشتاء في رمضان ، فإن صمت فيه كان أهون علي من أن أقضيه في الحر! فقال : قال الله : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ما كان أيسر عليك فافعل . [ ص: 470 ]

    قال أبو جعفر : وهذا القول عندنا أولى بالصواب ، لإجماع الجميع على أن مريضا لو صام شهر رمضان - وهو ممن له الإفطار لمرضه - أن صومه ذلك مجزئ عنه ، ولا قضاء عليه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر ، فكان معلوما بذلك أن حكم المسافر حكمه في أن لا قضاء عليه إن صامه في سفره . لأن الذي جعل للمسافر من الإفطار وأمر به من قضاء عدة من أيام أخر ، مثل الذي جعل من ذلك للمريض وأمر به من القضاء . ثم في دلالة الآية كفاية مغنية عن استشهاد شاهد على صحة ذلك بغيرها . وذلك قول الله تعالى ذكره : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ، ولا عسر أعظم من أن يلزم من صامه في سفره عدة من أيام أخر ، وقد تكلف أداء فرضه في أثقل الحالين عليه حتى قضاه وأداه .

    فإن ظن ذو غباوة أن الذي صامه لم يكن فرضه الواجب ، فإن في قول الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، ما ينبئ أن المكتوب صومه من الشهور على كل مؤمن ، هو شهر رمضان مسافرا كان أو مقيما ، لعموم أمر الله تعالى ذكره المؤمنين بذلك بقوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " " شهر رمضان " وأن قوله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " معناه : ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر برخصة الله ، فعليه صوم عدة أيام أخر مكان الأيام التي أفطر في سفره أو مرضه ثم في تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله - إذ سئل عن الصوم في السفر : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر* " - الكفاية الكافية عن الاستدلال على صحة ما قلنا في ذلك بغيره .

    2889 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد الرحيم ووكيع وعبدة عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة : أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر - وكان يسرد الصوم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن [ ص: 471 ] شئت فصم وإن شئت فأفطر . .

    2890 - حدثنا أبو كريب وعبيد بن إسماعيل الهباري قالا حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه . . [ ص: 472 ]

    2891 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال : أخبرنا حيوة بن شريح قال : أخبرنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن أبي مراوح عن حمزة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا رسول الله ، إني أسرد الصوم ، فأصوم في السفر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هي رخصة من الله لعباده ، فمن فعلها فحسن جميل ، ومن تركها فلا جناح عليه . فكان حمزة يصوم الدهر ، فيصوم في السفر والحضر . وكان عروة بن الزبير يصوم الدهر ، فيصوم في السفر والحضر ، حتى إن كان ليمرض فلا يفطر . وكان أبو مراوح يصوم الدهر ، فيصوم في السفر والحضر . .

    ففي هذا ، مع نظائره من الأخبار التي يطول باستيعابها الكتاب ، الدلالة الدالة على صحة ما قلنا : من أن الإفطار رخصة لا عزم ، والبيان الواضح على صحة ما قلنا في تأويل قوله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " . [ ص: 473 ]

    قال أبو جعفر : فإن قال قائل : إن الأخبار بما قلت وإن كانت متظاهرة ، فقد تظاهرت أيضا بقوله : " ليس من البر الصيام في السفر " ؟

    قيل : إن ذلك إذا كان الصيام في مثل الحال التي جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك لمن قال له .

    2892 - حدثنا الحسين بن يزيد السبيعي قال : حدثنا ابن إدريس عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في سفره قد ظلل عليه ، وعليه جماعة ، فقال : " من هذا؟ قالوا : صائم . قال : ليس من البر الصوم في السفر .

    قال أبو جعفر : أخشى أن يكون هذا الشيخ غلط ، وبين ابن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن شعبة . .

    2892 م - حدثنا ابن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي عن جابر بن عبد الله قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه ، فقالوا : هذا رجل صائم! فقال رسول الله صلى الله [ ص: 474 ] عليه وسلم : ليس من البر أن تصوموا في السفر . .

    فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ، ذلك ، فليس من البر صومه . لأن الله تعالى ذكره قد حرم على كل أحد تعريض نفسه لما فيه هلاكها ، وله إلى نجاتها سبيل . وإنما يطلب البر بما ندب الله إليه وحض عليه من الأعمال ، لا بما نهى عنه .

    وأما الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " فقد يحتمل أن يكون قيل لمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظلل عليه ، إن كان قبل ذلك . وغير جائز عليه أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، إن كان قيل ذلك؛ لأن الأخبار التي جاءت بذلك عن رسول الله صلى [ ص: 475 ] الله عليه وسلم واهية الأسانيد ، لا يجوز الاحتجاج بها في الدين .

    فإن قال قائل : وكيف عطف على " المريض " ، وهو اسم بقوله : " أو على سفر " و" على " صفة لا اسم . . .

    قيل : جاز أن ينسق ب " على " على " المريض " ، لأنها في معنى الفعل . وتأويل ذلك : أو مسافرا ، كما قال تعالى ذكره : ( دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ) [ يونس : 12 ] ، فعطف ب " القاعد ، والقائم " على " اللام " التي في " لجنبه " ، لأن معناها الفعل ، كأنه قال : دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما .
    القول في تأويل قوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : يريد الله بكم ، أيها المؤمنون - بترخيصه لكم في حال مرضكم وسفركم في الإفطار ، وقضاء عدة أيام أخر من الأيام التي أفطرتموها بعد إقامتكم وبعد برئكم من مرضكم - التخفيف عليكم ، والتسهيل عليكم ، لعلمه بمشقة ذلك عليكم في هذه الأحوال " ولا يريد بكم العسر " ، يقول : ولا يريد بكم الشدة والمشقة عليكم ، فيكلفكم صوم الشهر في هذه الأحوال ، مع علمه شدة ذلك عليكم ، وثقل حمله عليكم لو حملكم صومه ، كما : -

    2893 - حدثني المثني قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ، قال : اليسر : الإفطار في السفر ، والعسر : الصيام في السفر .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #252
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(238)
    الحلقة (252)
    صــ 476إلى صــ 483


    2894 - حدثنا محمد بن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا [ ص: 476 ] شعبة عن أبي حمزة قال : سألت ابن عباس عن الصوم في السفر ، فقال : يسر وعسر . فخذ بيسر الله .

    2895 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد بن نصر . قال : أخبرنا ابن المبارك عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " يريد الله بكم اليسر " - قال : هو الإفطار في السفر ، وجعل عدة من أيام أخر - " ولا يريد بكم العسر " .

    2896 - حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ، فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم .

    2897 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن طاوس عن ابن عباس قال : لا تعب على من صام ولا على من أفطر - يعني في السفر في رمضان - " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " .

    2898 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضيل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك بن مزاحم في قوله : " يريد الله بكم اليسر " - الإفطار في السفر - " ولا يريد بكم العسر " ، الصيام في السفر .
    القول في تأويل قوله تعالى ( ولتكملوا العدة )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولتكملوا العدة " ، عدة ما أفطرتم ، من أيام أخر ، أوجبت عليكم قضاء عدة من أيام أخر بعد برئكم من مرضكم ، أو إقامتكم من سفركم ، كما : [ ص: 477 ]

    2899 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك عن جويبر عن الضحاك في قوله : " ولتكملوا العدة " ، قال : عدة ما أفطر المريض والمسافر .

    2900 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولتكملوا العدة " قال : إكمال العدة : أن يصوم ما أفطر من رمضان في سفر أو مرض [ إلى ] أن يتمه ، فإذا أتمه فقد أكمل العدة . .

    فإن قال قائل : ما الذي عليه بهذه " الواو " التي في قوله : " ولتكملوا العدة " عطفت؟ .

    قيل : اختلف أهل العربية في ذلك .

    فقال بعضهم : هي عاطفة على ما قبلها ، كأنه قيل : ويريد لتكملوا العدة ولتكبروا الله .

    وقال بعض نحويي الكوفة : وهذه " اللام " التي في قوله : " ولتكملوا " لام " كي " لو ألقيت كان صوابا . قال : والعرب تدخلها في كلامها على إضمار فعل بعدها ، ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفيها" الواو" ، ألا ترى أنك تقول : " جئتك لتحسن إلي " ، ولا تقول : " جئتك ولتحسن إلي " ، فإذا قلته فأنت تريد : ولتحسن جئتك . قال : وهذا في القرآن كثير ، منه قوله : ( ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ) [ سورة الأنعام : 113 ] ، وقوله : ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) [ سورة الأنعام : 75 ] ، ولو لم تكن فيه " الواو " كان شرطا على قولك : أريناه ملكوت السموات والأرض [ ص: 478 ] ليكون . فإذا كانت " الواو " فيها فلها فعل " مضمر " بعدها ، و" ليكون من الموقنين " ، أريناه . .

    قال أبو جعفر : وهذا القول أولى بالصواب في العربية . لأن قوله : " ولتكملوا العدة " ، ليس قبله " لام " بمعنى " اللام " التي في قوله : " ولتكملوا العدة " فتعطف بقوله : " ولتكملوا العدة " عليها - وإن دخول " الواو " معها ، يؤذن بأنها شرط لفعل بعدها ، إذ كانت " الواو " لو حذفت كانت شرطا لما قبلها من الفعل .
    القول في تأويل قوله تعالى ( ولتكبروا الله على ما هداكم )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : ولتعظموا الله بالذكر له بما أنعم عليكم به ، من الهداية التي خذل عنها غيركم من أهل الملل الذين كتب عليهم من صوم شهر رمضان مثل الذي كتب عليكم فيه ، فضلوا عنه بإضلال الله إياهم ، وخصكم بكرامته فهداكم له ، ووفقكم لأداء ما كتب الله عليكم من صومه ، وتشكروه على ذلك بالعبادة له .

    والذكر الذي حضهم الله على تعظيمه به ، " التكبير " يوم الفطر ، فيما تأوله جماعة من أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    2901 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك عن داود بن قيس قال : سمعت زيد بن أسلم يقول : " ولتكبروا الله على ما هداكم " [ ص: 479 ] ، قال : إذا رأى الهلال ، فالتكبير من حين يرى الهلال حتى ينصرف الإمام ، في الطريق والمسجد ، إلا أنه إذا حضر الإمام كف فلا يكبر إلا بتكبيره .

    2902 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت سفيان يقول : " ولتكبروا الله على ما هداكم " ، قال : بلغنا أنه التكبير يوم الفطر .

    2903 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كان ابن عباس يقول : حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم ، لأن الله تعالى ذكره يقول : " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم " . قال ابن زيد : ينبغي لهم إذا غدوا إلى المصلى كبروا ، فإذا جلسوا كبروا ، فإذا جاء الإمام صمتوا ، فإذا كبر الإمام كبروا ، ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبيره ، حتى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد . قال يونس : قال ابن وهب : قال عبد الرحمن بن زيد : والجماعة عندنا على أن يغدوا بالتكبير إلى المصلى .
    القول في تأويل قوله تعالى ( ولعلكم تشكرون ( 185 ) )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق ، وتيسير ما لو شاء عسر عليكم .

    و" لعل " في هذا الموضع بمعنى " كي " ولذلك عطف به على قوله : " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " .
    [ ص: 480 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ( 186 ) )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : بذلك وإذا سألك يا محمد عبادي عني : أين أنا؟ فإني قريب منهم أسمع دعاءهم ، وأجيب دعوة الداعي منهم .

    وقد اختلف فيما أنزلت فيه هذه الآية .

    فقال بعضهم : نزلت في سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله : " وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب " الآية .

    2904 - حدثنا بذلك ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عبدة السجستاني عن الصلب بن حكيم عن أبيه ، عن جده . . . [ ص: 481 ]

    2905 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال : سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم : أين ربنا؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " الآية . [ ص: 482 ]

    وقال آخرون : بل نزلت جوابا لمسألة قوم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : أي ساعة يدعون الله فيها؟

    ذكر من قال ذلك :

    2906 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال : لما نزلت : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [ سورة غافر : 60 ] قالوا : في أي ساعة؟ قال : فنزلت : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " إلى قوله : " لعلهم يرشدون " .

    2907 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء في قوله : " أجيب دعوة الداع إذا دعان " قالوا : لو علمنا أي ساعة ندعو! فنزلت : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " الآية .

    2908 - حدثني القاسم . قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : زعم عطاء بن أبي رباح أنه بلغه : لما نزلت : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) ، قال الناس : لو نعلم أي ساعة ندعو! فنزلت : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " .

    2909 - حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " ، قال : ليس من عبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له ، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق في الدنيا أعطاه الله ، وإن لم يكن له رزقا في الدنيا ذخره له إلى يوم القيامة ، ودفع عنه به مكروها .

    2910 - حدثني المثني قال : حدثنا الليث بن سعد عن ابن صالح عمن حدثه : أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما أعطى أحد الدعاء [ ص: 483 ] ومنع الإجابة ، لأن الله يقول : ( ادعوني أستجب لكم ) .

    ومعنى متأولي هذا التأويل : وإذا سألك عبادي عني : أي ساعة يدعونني؟ فإني منهم قريب في كل وقت ، أجيب دعوة الداع إذا دعان .

    وقال آخرون : بل نزلت جوابا لقول قوم قالوا - إذ قال الله لهم : ( ادعوني أستجب لكم ) - : إلى أين ندعوه!

    ذكر من قال ذلك :

    2911 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال مجاهد : ( ادعوني أستجب لكم ) ، قالوا : إلى أين؟ فنزلت : ( فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) [ سورة البقرة : 115 ] .

    وقال آخرون : بل نزلت جوابا لقوم قالوا : كيف ندعو؟

    ذكر من قال ذلك :


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #253
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(239)
    الحلقة (253)
    صــ 484إلى صــ 481



    2912 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أنه لما أنزل الله " ادعوني أستجب لكم " ، قال رجال : كيف ندعو يا نبي الله؟ فأنزل الله : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " إلى قوله : " يرشدون " .

    وأما قوله : " فليستجيبوا لي " ، فإنه يعني : فليستجيبوا لي بالطاعة . يقال منه : " استجبت له ، واستجبته " ، بمعنى أجبته ، كما قال كعب بن سعد الغنوي :


    وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب
    [ ص: 484 ]

    يريد : فلم يجبه .

    وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد وجماعة غيره .

    2913 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني الحجاج عن ابن جريج قال : قال مجاهد قوله : " فليستجيبوا لي " ، قال : فليطيعوا لي ، قال : " الاستجابة " ، الطاعة .

    2914 - حدثني المثني قال : حدثنا حبان بن موسى قال : سألت عبد الله بن المبارك عن قوله : " فليستجيبوا لي " ، قال : طاعة الله .

    وقال بعضهم : معنى " فليستجيبوا لي " : فليدعوني

    ذكر من قال ذلك :

    2915 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني منصور بن هارون عن أبي رجاء الخراساني قال " فليستجيبوا لي " ، فليدعوني .

    وأما قوله : " وليؤمنوا بي " فإنه يعني : وليصدقوا . أي : وليؤمنوا بي ، إذا هم استجابوا لي بالطاعة ، أني لهم من وراء طاعتهم لي في الثواب عليها ، وإجزالي الكرامة لهم عليها .

    وأما الذي تأول قوله : " فليستجيبوا لي " ، أنه بمعنى : فليدعوني ، فإنه كان يتأول قوله : " وليؤمنوا بي " ، وليؤمنوا بي أني أستجيب لهم .

    ذكر من قال ذلك :

    2916 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني منصور بن هارون عن أبي رجاء الخراساني : " وليؤمنوا بي " ، يقول : أني أستجيب لهم .

    وأما قوله : " لعلهم يرشدون " فإنه يعني : فليستجيبوا لي بالطاعة ، وليؤمنوا بي [ ص: 485 ] فيصدقوا على طاعتهم إياي بالثواب مني لهم ، وليهتدوا بذلك من فعلهم فيرشدوا ، كما : -

    2917 - حدثني به المثني قال : حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال : حدثنا أبو جعفر عن الربيع في قوله : " لعلهم يرشدون " ، يقول : لعلهم يهتدون .

    فإن قال لنا قائل : وما معنى هذا القول من الله تعالى ذكره ؟ فأنت ترى كثيرا من البشر يدعون الله فلا يجاب لهم دعاء ، وقد قال : " أجيب دعوة الداع إذا دعان " ؟

    قيل : إن لذلك وجهين من المعنى :

    أحدهما : أن يكون معنيا " بالدعوة " ، العمل بما ندب الله إليه وأمر به . فيكون تأويل الكلام؛ وإذا سألك عبادي عني فإنى قريب ممن أطاعني وعمل بما أمرته به ، أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني . فيكون معنى " الدعاء " : مسألة العبد ربه وما وعد أولياءه على طاعتهم بعملهم بطاعته ، ومعنى " الإجابة " من الله التي ضمنها له ، الوفاء له بما وعد العاملين له بما أمرهم به ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : " إن الدعاء هو العبادة " .

    2918 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جويبر عن الأعمش عن ذر عن يسيع الحضرمي عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الدعاء هو العبادة . ثم قرأ : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) [ سورة غافر : 60 ] . [ ص: 486 ] فأخبر صلى الله عليه وسلم أن دعاء الله إنما هو عبادته ومسألته ، بالعمل له والطاعة .

    وبنحو الذي قلنا في ذلك ذكر أن الحسن كان يقول :

    2919 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني منصور بن هارون عن عبد الله بن المبارك عن الربيع بن أنس عن الحسن أنه قال فيها : ( ادعوني أستجب لكم ) ، قال : اعملوا وأبشروا ، فإنه حق على الله أن يستجيب [ ص: 487 ] للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله .

    والوجه الآخر : أن يكون معناه : أجيب دعوة الداع إذا دعان إن شئت . فيكون ذلك ، وإن كان عاما مخرجه في التلاوة ، خاصا معناه .
    القول في تأويل قوله تعالى ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أحل لكم " ، أطلق لكم وأبيح .

    ويعني بقوله : " ليلة الصيام " ، في ليلة الصيام .

    فأما " الرفث " فإنه كناية عن الجماع في هذا الموضع ، يقال : " هو الرفث والرفوث " . .

    وقد روي أنها في قراءة عبد الله : " أحل لكم ليلة الصيام الرفوث إلى نسائكم " .

    وبمثل الذي قلنا في تأويل " الرفث " قال أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    2920 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال : حدثنا أيوب بن سويد عن سفيان عن عاصم عن بكر عن عبد الله المزني عن ابن عباس قال : الرفث ، الجماع ، ولكن الله كريم يكني . [ ص: 488 ]

    2921 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عاصم عن بكر عن ابن عباس مثله .

    2922 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : الرفث؛ النكاح .

    2923 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قال : الرفث : غشيان النساء .

    2924 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " قال : الجماع .

    2925 - حدثني المثني قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

    2926 - حدثني المثني قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قال : الرفث : هو النكاح .

    2927 - حدثني المثني قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الكبير البصري قال : حدثنا الضحاك بن عثمان قال : سألت سالم بن عبد الله عن قوله : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " ، قال : هو الجماع .

    2928 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " ، يقول : الجماع .

    " والرفث " في غير هذا الموضع ، الإفحاش في المنطق ، كما قال العجاج :

    عن اللغا ورفث التكلم
    [ ص: 489 ] القول في تأويل قوله تعالى ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : نساؤكم لباس لكم وأنتم لباس لهن .

    فإن قال قائل : وكيف يكون نساؤنا لباسا لنا ، ونحن لهن لباسا و" اللباس " إنما هو ما لبس؟

    قيل : لذلك وجهان من المعاني :

    أحدهما : أن يكون كل واحد منهما جعل لصاحبه لباسا ، لتجردهما عند النوم ، واجتماعهما في ثوب واحد ، وانضمام جسد كل واحد منهما لصاحبه [ ص: 490 ] بمنزلة ما يلبسه على جسده من ثيابه ، فقيل لكل واحد منهما : هو " لباس " لصاحبه ، كما قال نابغة بني جعدة :

    إذا ما الضجيع ثنى عطفها تداعت ، فكانت عليه لباسا

    ويروى : " تثنت " فكنى عن اجتماعهما متجردين في فراش واحد ب " اللباس " ، كما يكنى ب " الثياب " عن جسد الإنسان ، كما قالت ليلى وهي تصف إبلا ركبها قوم :

    رموها بأثواب خفاف ، فلا ترى
    لها شبها إلا النعام المنفرا

    يعني : رموها بأنفسهم فركبوها . وكما قال الهذلي تبرأ من دم القتيل ووتره
    وقد علقت دم القتيل إزارها [ ص: 491 ]

    يعني ب "إزارها" ، نفسها . وبذلك كان الربيع يقول :


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #254
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(240)
    الحلقة (254)
    صــ 484إلى صــ 499




    2929 - حدثني المثني قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعيد قال : حدثنا أبو جعفر عن الربيع : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ، يقول : هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن . .

    والوجه الآخر : أن يكون جعل كل واحد منهما لصاحبه " لباسا " ، لأنه سكن له ، كما قال جل ثناؤه : ( جعل لكم الليل لباسا ) [ سورة الفرقان : 47 ] ، يعني بذلك سكنا تسكنون فيه . وكذلك زوجة الرجل سكنه يسكن إليها ، كما قال تعالى ذكره : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) [ سورة الأعراف : 189 ] [ ص: 492 ] فيكون كل واحد منهما " لباسا " لصاحبه ، بمعنى سكونه إليه . وبذلك كان مجاهد وغيره يقولون في ذلك .

    وقد يقال لما ستر الشيء وواراه عن أبصار الناظرين إليه : " هو لباسه ، وغشاؤه " ، فجائز أن يكون قيل : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ، بمعنى : أن كل واحد منكم ستر لصاحبه - فيما يكون بينكم من الجماع - عن أبصار سائر الناس .

    وكان مجاهد وغيره يقولون في ذلك بما : -

    2930 - حدثنا به المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ، يقول : سكن لهن .

    2931 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ، قال قتادة : هن سكن لكم ، وأنتم سكن لهن .

    2932 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " هن لباس لكم " يقول : سكن لكم " وأنتم لباس لهن " ، يقول : سكن لهن .

    2933 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال عبد الرحمن بن زيد في قوله : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ، قال : المواقعة .

    2934 - حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إبراهيم عن يزيد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قوله : " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " قال : هن سكن لكم وأنتم سكن لهن .
    [ ص: 493 ] القول في تأويل قوله تعالى ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم )

    قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : وما هذه الخيانة التي كان القوم يختانونها أنفسهم ، التي تاب الله منها عليهم فعفا عنهم؟

    قيل : كانت خيانتهم أنفسهم التي ذكرها الله في شيئين ، أحدهما : جماع النساء ، والآخر : المطعم والمشرب في الوقت الذي كان حراما ذلك عليهم ، كما : -

    2935 - حدثنا محمد بن المثني قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : حدثنا ابن أبي ليلى : أن الرجل كان إذا أفطر فنام لم يأتها ، وإذا نام لم يطعم ، حتى جاء عمر بن الخطاب يريد امرأته ، فقالت امرأته : قد كنت نمت! فظن أنها تعتل فوقع بها . قال : وجاء رجل من الأنصار فأراد أن يطعم ، فقالوا : نسخن لك شيئا؟ . . . . . . قال : ثم نزلت هذه الآية : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " الآية . [ ص: 494 ]

    2936 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر ، فلما دخل رمضان كانوا يصومون ، فإذا لم يأكل الرجل عند فطره حتى ينام ، لم يأكل إلى مثلها ، وإن نام أو نامت امرأته لم يكن له أن يأتيها إلى مثلها . فجاء شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك فقال لأهله : أطعموني . فقالت : حتى أجعل لك شيئا سخنا! قال : فغلبته عينه فنام . ثم جاء عمر فقالت له امرأته : إني قد نمت! فلم يعذرها ، وظن أنها تعتل ، فواقعها . فبات هذا وهذا يتقلبان ليلتهما ظهرا وبطنا ، فأنزل الله في ذلك : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " ، وقال : " فالآن باشروهن " ، فعفا الله عن ذلك ، وكانت سنة .

    2937 - حدثنا أبو كريب قال حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال : كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا ، فإذا ناموا تركوا الطعام والشراب وإتيان النساء . فكان رجل من الأنصار يدعى أبا صرمة يعمل في أرض له ، قال : فلما كان عند فطره نام ، فأصبح صائما قد جهد . فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما لي أرى بك جهدا! فأخبره بما كان من أمره . واختان رجل نفسه في شأن النساء ، فأنزل الله " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " ، إلى آخر الآية . . [ ص: 495 ]

    2938 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثني أبي ، عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء - نحو حديث ابن أبي ليلى الذي حدث به عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى - قال : كانوا إذا صاموا ونام أحدهم ، لم يأكل شيئا حتى يكون من الغد . فجاء رجل من الأنصار وقد عمل في أرض له وقد أعيا وكل ، فغلبته عينه فنام ، وأصبح من الغد مجهودا ، فنزلت هذه الآية : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " . .

    2939 - حدثني المثني قال : حدثنا عبد الله بن رجاء البصري قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فنام قبل أن يفطر ، لم يأكل إلى مثلها ، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما ، وكان توجه ذلك اليوم فعمل في أرضه ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال : هل عندكم طعام؟ قالت : لا ولكن أنطلق فأطلب لك . فغلبته عينه فنام ، وجاءت امرأته قالت : قد نمت! فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت فيه هذه الآية : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " إلى " من الخيط الأسود " ففرحوا بها فرحا شديدا . [ ص: 496 ]

    2940 - حدثني المثني قال حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " ، وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة . ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن " يعني انكحوهن " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " .

    2941 - حدثني المثني قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن ابن لهيعة قال : حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة : أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال : كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام ، حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد . فرجع عمر بن [ ص: 497 ] الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده ، فوجد امرأته قد نامت ، فأرادها فقالت : إني قد نمت! فقال : ما نمت! ثم وقع بها . وصنع كعب بن مالك مثل ذلك . فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأنزل الله تعالى ذكره : " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن " . . . . الآية .

    2942 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا ثابت : أن عمر بن الخطاب واقع أهله ليلة في رمضان ، فاشتد ذلك عليه ، فأنزل الله : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) .

    2943 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : [ ص: 498 ] حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " إلى : " وعفا عنكم " . كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه ، حتى إذا أمسى طعم من الطعام فيما بينه وبين العتمة ، حتى إذا صليت حرم عليه الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة . وإن عمر بن الخطاب بينما هو نائم إذ سولت له نفسه فأتى أهله لبعض حاجته ، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه كأشد ما رأيت من الملامة . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة ، فإنها زينت لي فواقعت أهلي! هل تجد لي من رخصة يا رسول الله؟ قال : لم تكن حقيقا بذلك يا عمر ! فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن ، وأمر الله رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة فقال : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " إلى " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم " يعني بذلك : الذي فعل عمر بن الخطاب فأنزل الله عفوه . فقال : " فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن " إلى : " من الخيط الأسود " فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح . [ ص: 499 ]


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #255
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(241)
    الحلقة (255)
    صــ 500إلى صــ 507





    2944 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " قال : كان الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصوم الصيام بالنهار ، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء ، فإذا رقد حرم ذلك كله عليه إلى مثلها من القابلة . وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك ، فعفا الله عنهم ، وأحل [ ذلك ] لهم بعد الرقاد وقبله في الليل كله . [ ص: 500 ]

    2945 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الصائم في رمضان ، فإذا أمسى - ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو وزاد فيه : وكان منهم رجال يختانون أنفسهم ، وكان عمر بن الخطاب ممن اختان نفسه ، فعفا الله عنهم ، وأحل ذلك لهم بعد الرقاد وقبله ، وفي الليل كله .

    2946 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : أخبرني إسماعيل بن شروس عن عكرمة مولى ابن عباس : أن رجلا - قد سماه [ فنسيته ] - من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار ، جاء ليلة وهو صائم ، فقالت له امرأته : لا تنم حتى نصنع لك طعاما! فنام ، فجاءت فقالت : نمت والله! فقال : لا والله! قالت : بلى والله! فلم يأكل تلك الليلة ، وأصبح صائما فغشي عليه ، فأنزلت الرخصة فيه . [ ص: 501 ]

    2947 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم " وكان بدء الصيام أمروا بثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتين غدوة ، وركعتين عشية ، فأحل الله لهم في صيامهم - في ثلاثة أيام ، وفي أول ما افترض عليهم في رمضان - إذا أفطروا ، وكان الطعام والشراب وغشيان النساء لهم حلالا ما لم يرقدوا ، فإذا رقدوا حرم عليهم ذلك إلى مثلها من القابلة . وكانت خيانة القوم أنهم كانوا يصيبون أو ينالون من الطعام والشراب وغشيان النساء بعد الرقاد ، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم ، ثم أحل الله لهم [ بعد ] ذلك الطعام والشراب وغشيان النساء إلى طلوع الفجر .

    2948 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " قال : كان الناس قبل هذه الآية إذا رقد أحدهم من الليل رقدة ، لم يحل له طعام ولا شراب ولا أن يأتي امرأته إلى الليلة المقبلة ، فوقع بذلك بعض المسلمين ، فمنهم من أكل بعد هجعته أو شرب ، ومنهم من وقع على امرأته ، فرخص الله ذلك لهم .

    2949 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي قال : كتب على النصارى رمضان ، وكتب عليهم أن لا [ ص: 502 ] يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان ، فكتب على المؤمنين كما كتب عليهم ، فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة وكان يعمل في حيطان المدينة بالأجر فأتى أهله بتمر فقال لامرأته : استبدلي بهذا التمر طحينا فاجعليه سخينة ، لعلي أن آكله ، فإن التمر قد أحرق جوفي! فانطلقت فاستبدلت له ، ثم صنعت فأبطأت عليه فنام ، فأيقظته ، فكره أن يعصي الله ورسوله ، وأبى أن يأكل ، وأصبح صائما; فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشي ، فقال : ما لك يا أبا قيس ! أمسيت طليحا؟ فقص عليه القصة .

    وكان عمر بن الخطاب وقع على جارية له - في ناس من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم - فلما سمع عمر كلام أبي قيس ، رهب أن ينزل في أبي قيس شيء ، فتذكر هو ، فقام فاعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني أعوذ بالله إني وقعت على جاريتي ، ولم أملك نفسي البارحة! فلما تكلم عمر تكلم أولئك الناس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما كنت جديرا بذلك يا ابن الخطاب! فنسخ ذلك عنهم ، فقال : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم " ، - يقول : إنكم تقعون عليهن خيانة - " فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم " - يقول : جامعوهن ، ورجع إلى أبي قيس فقال - : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
    " .

    2950 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " قال : [ ص: 503 ] كانوا في رمضان لا يمسون النساء ولا يطعمون ولا يشربون بعد أن يناموا حتى الليل من القابلة ، فإن مسوهن قبل أن يناموا لم يروا بذلك بأسا . فأصاب رجل من الأنصار امرأته بعد أن نام ، فقال : قد اختنت نفسي! فنزل القرآن ، فأحل لهم النساء والطعام والشراب حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . قال : وقال مجاهد : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصوم الصائم منهم في رمضان ، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء ، فإذا رقد حرم عليه ذلك كله حتى كمثلها من القابلة : وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك ، فعفا عنهم وأحل لهم بعد الرقاد وقبله في الليل ، فقال : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " . . . الآية .

    2951 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج عن عكرمة أنه قال في هذه الآية : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " مثل قول مجاهد - وزاد فيه : أن عمر بن الخطاب قال لامرأته : لا ترقدي حتى أرجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرقدت قبل أن يرجع ، فقال لها : ما أنت براقدة! ثم أصابها ، حتى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فنزلت هذه الآية . قال عكرمة : نزلت : " وكلوا واشربوا " الآية في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج أكل بعد الرقاد .

    2952 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان أن صرمة بن أنس أتى أهله ذات ليلة وهو شيخ كبير ، وهو صائم فلم يهيئوا له طعاما ، فوضع رأسه فأغفى ، وجاءته امرأته بطعامه فقالت له : كل . فقال : إني قد نمت! قالت : إنك لم تنم! فأصبح جائعا مجهودا ، فأنزل الله : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " . [ ص: 504 ]

    فأما " المباشرة " في كلام العرب ، فإنه ملاقاة بشرة ببشرة ، و" بشرة " الرجل : جلدته الظاهرة .

    وإنما كنى الله بقوله : " فالآن باشروهن " عن الجماع . يقول : فالآن إذ أحللت لكم الرفث إلى نسائكم ، فجامعوهن في ليالي شهر رمضان حتى يطلع الفجر ، وهو تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر .

    وبالذي قلنا في " المباشرة " قال جماعة من أهل التأويل .

    ذكر من قال ذلك :

    2953 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان وحدثنا عبد الحميد بن سنان قال : حدثنا إسحاق عن سفيان وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أيوب بن سويد عن سفيان ، عن عاصم عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس قال : المباشرة الجماع ، ولكن الله كريم يكني .

    2954 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عاصم عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس نحوه .

    2955 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " فالآن باشروهن " انكحوهن .

    2956 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قال : المباشرة النكاح .

    2957 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : " فالآن باشروهن " قال : الجماع . [ ص: 505 ] وكل شيء في القرآن من ذكر " المباشرة " فهو الجماع نفسه ، وقالها عبد الله بن كثير مثل قول عطاء : في الطعام والشراب والنساء .

    2958 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا شعبة وحدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : المباشرة الجماع ، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء .

    2959 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال أبو بشر أخبرنا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله .

    2960 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فالآن باشروهن " يقول : جامعوهن .

    2961 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : المباشرة الجماع .

    2962 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء مثله .

    2963 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن الأوزاعي قال : حدثني عبدة بن أبي لبابة قال : سمعت مجاهدا يقول : المباشرة ، في كتاب الله ، الجماع .

    2964 - حدثنا ابن البرقي حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال : قال الأوزاعي : حدثنا من سمع مجاهدا يقول : المباشرة في كتاب الله ، الجماع . [ ص: 506 ]

    واختلفوا في تأويل قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " فقال بعضهم : الولد .

    ذكر من قال ذلك :

    2965 - حدثني عبدة بن عبد الله الصفار البصري قال : حدثنا إسماعيل بن زياد الكاتب عن شعبة عن الحكم عن مجاهد : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد .

    2966 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا سهل بن يوسف و أبو داود ، عن شعبة قال : سمعت الحكم : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد .

    2967 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة قال : حدثنا عبيد الله عن عكرمة قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد .

    2968 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا مؤمل حدثنا أبو مودود بحر بن موسى قال : سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول في هذه الآية : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد .

    2969 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وابتغوا ما كتب الله لكم " فهو الولد .

    2970 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثنا أبي قال : حدثني عمي قال : حدثنا أبي ، عن أبيه عن ابن عباس : " وابتغوا ما كتب الله لكم " يعني : الولد .

    2971 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثني [ ص: 507 ] عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد ، فإن لم تلد هذه فهذه .

    2972 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه .

    2973 - حدثنا الحسن بن يحيى أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عمن سمع الحسن في قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : هو الولد .

    2974 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : ما كتب لكم من الولد .

    2975 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الجماع .

    2976 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سلمان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : الولد .

    وقال بعضهم : معنى ذلك ليلة القدر .

    ذكر من قال ذلك :

    2977 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : ليلة القدر . قال أبو هشام : هكذا قرأها معاذ .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #256
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(242)
    الحلقة (256)
    صــ 508إلى صــ 515



    2978 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا الحسن بن أبي جعفر قال : حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن [ ص: 508 ] عباس في قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " قال : ليلة القدر .

    وقال آخرون : بل معناه : ما أحله الله لكم ورخصه لكم .

    ذكر من قال ذلك :

    2979 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " وابتغوا ما كتب الله لكم " يقول : ما أحله الله لكم .

    2980 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر قال : قال قتادة في ذلك : ابتغوا الرخصة التي كتبت لكم .

    وقرأ ذلك بعضهم : ( واتبعوا ما كتب الله لكم )

    ذكر من قال ذلك :

    2981 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح قال : قلت لابن عباس : كيف تقرأ هذه الآية : " وابتغوا " أو " اتبعوا " ؟ قال : أيتهما شئت! قال : عليك بالقراءة الأولى .

    قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره قال : " وابتغوا " - بمعنى : اطلبوا - " ما كتب الله لكم " يعني " الذي قضى الله تعالى لكم .

    وإنما يريد الله تعالى ذكره : اطلبوا الذي كتبت لكم في اللوح المحفوظ أنه يباح فيطلق لكم ، وطلب الولد إن طلبه الرجل بجماعه المرأة ، مما كتب الله له [ ص: 509 ] في اللوح المحفوظ ، وكذلك إن طلب ليلة القدر ، فهو مما كتب الله له ، وكذلك إن طلب ما أحل الله وأباحه ، فهو مما كتبه له في اللوح المحفوظ .

    وقد يدخل في قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " جميع معاني الخير المطلوبة ، غير أن أشبه المعاني بظاهر الآية قول من قال : معناه وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد ، لأنه عقيب قوله : " فالآن باشروهن " بمعنى : جامعوهن ، فلأن يكون قوله : " وابتغوا ما كتب الله لكم " بمعنى : وابتغوا ما كتب الله في مباشرتكم إياهن من الولد والنسل ، أشبه بالآية من غيره من التأويلات التي ليس على صحتها دلالة من ظاهر التنزيل ، ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
    القول في تأويل قوله تعالى ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل )

    قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " .

    فقال بعضهم : يعني بقوله : " الخيط الأبيض " ، ضوء النهار ، وبقوله : " الخيط الأسود " سواد الليل .

    فتأويله على قول قائلي هذه المقالة : وكلوا بالليل في شهر صومكم ، واشربوا ، وباشروا نساءكم مبتغين ما كتب الله لكم من الولد ، من أول الليل إلى أن يقع لكم ضوء النهار بطلوع الفجر من ظلمة الليل وسواده . [ ص: 510 ]

    ذكر من قال ذلك :

    2982 - حدثني الحسن بن عرفة قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا أشعث عن الحسن في قول الله تعالى ذكره : " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " قال : الليل من النهار .

    2983 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " قال : حتى يتبين لكم النهار من الليل ، " ثم أتموا الصيام إلى الليل " .

    2984 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل " فهما علمان وحدان بينان فلا يمنعكم أذان مؤذن مراء ، أو قليل العقل من سحوركم ، فإنهم يؤذنون بهجيع من الليل طويل . وقد يرى بياض ما على السحر يقال له : " الصبح الكاذب " كانت تسميه العرب ، فلا يمنعكم ذلك من سحوركم ، فإن الصبح لا خفاء به : طريقة معترضة في الأفق ، وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الصبح ، فإذا رأيتم ذلك فأمسكوا .

    2985 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " يعني الليل من النهار ، فأحل لكم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لكم الصبح ، فإذا تبين الصبح حرم عليهم [ ص: 511 ] المجامعة والأكل والشرب حتى يتموا الصيام إلى الليل . فأمر بصوم النهار إلى الليل ، وأمر بالإفطار بالليل .

    2986 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش وقيل له : أرأيت قول الله تعالى : " الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " ؟ قال : إنك لعريض القفا ، قال : هذا ذهاب الليل ومجيء النهار . قيل له : الشعبي عن عدي بن حاتم؟ قال : نعم ، حدثنا حصين .

    وعلة من قال هذه المقالة ، وتأول الآية هذا التأويل ما : [ ص: 512 ]

    2987 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا حفص بن غياث عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله ، قول الله : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " ؟ قال : هو بياض النهار وسواد الليل . .

    2988 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن نمير وعبد الرحيم بن سليمان عن مجالد بن سعيد عن عامر عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمني الإسلام ، ونعت لي الصلوات؛ كيف أصلي كل صلاة لوقتها ، ثم قال : إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، ثم أتم الصيام إلى الليل . ولم أدر ما هو ، ففعلت خيطين من أبيض وأسود ، فنظرت فيهما عند الفجر ، فرأيتهما سواء . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظت ، غير " الخيط الأبيض من الخيط الأسود " ! قال : وما منعك يا ابن حاتم؟ وتبسم كأنه قد علم ما فعلت . قلت : فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رئي نواجذه ، ثم قال : ألم أقل لك " من الفجر " ؟ إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل .

    2989 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مالك بن إسماعيل قال : حدثنا داود وابن علية جميعا ، عن مطرف عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما " الخيط الأبيض من الخيط الأسود " أهما [ ص: 513 ] خيطان أبيض وأسود؟ فقال : وإنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين . ثم قال : لا ولكنه سواد الليل وبياض النهار . .

    2990 - حدثني أحمد بن عبد الرحيم البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : حدثنا أبو غسان قال : حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد قال : نزلت هذه الآية : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود " فلم ينزل " من الفجر " قال : فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له . فأنزل الله بعد ذلك : " من الفجر " فعلموا إنما يعني بذلك الليل والنهار .

    وقال متأولو قول الله تعالى ذكره : " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " أنه بياض النهار وسواد الليل - : صفة ذلك البياض أن يكون [ ص: 514 ] منتشرا مستفيضا في السماء يملأ بياضه وضوءه الطرق ، فأما الضوء الساطع في السماء ، فإن ذلك غير الذي عناه الله بقوله : " الخيط الأبيض من الخيط الأسود " .

    ذكر من قال ذلك :

    2991 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال : حدثنا معتمر بن سليمان قال : سمعت عمران بن حدير عن أبي مجلز : الضوء الساطع في السماء ليس بالصبح ، ولكن ذاك " الصبح الكاذب " ، إنما الصبح إذا انفضح الأفق .

    2992 - حدثني سلم بن جنادة السوائي قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال : لم يكونوا يعدون الفجر فجركم هذا ، كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق .

    2993 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثام عن الأعمش عن مسلم : ما كانوا يرون إلا أن الفجر الذي يستفيض في السماء .

    2994 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا ابن جريج قال : أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول : هما فجران ، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا ، ولكن الفجر الذي يستبين على رءوس الجبال هو الذي يحرم الشراب .

    2995 - حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي قال : حدثنا أبو أسامة عن محمد بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] : الفجر فجران ، فالذي كأنه ذنب السرحان لا يحرم شيئا ، وأما [ ص: 515 ] المستطير الذي يأخذ الأفق ، فإنه يحل الصلاة ويحرم الصوم . .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #257
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(243)
    الحلقة (257)
    صــ 516إلى صــ 523




    2996 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع وإسماعيل بن صبيح وأبو أسامة عن أبي هلال عن سوادة بن حنظلة عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ، ولكن الفجر المستطير في الأفق " . [ ص: 516 ]

    2997 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا معاوية بن هشام الأسدي قال : حدثنا شعبة عن سوادة قال : سمعت سمرة بن جندب يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه وهو يقول : " لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر وينفجر " . [ ص: 517 ]

    وقال آخرون : الخيط الأبيض : هو ضوء الشمس ، والخيط الأسود : هو سواد الليل .

    ذكر من قال ذلك :

    2998 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عبيدة بن حميد عن الأعمش [ ص: 518 ] عن إبراهيم التيمي قال : سافر أبي مع حذيفة قال : فسار حتى إذا خشينا أن يفجأنا الفجر قال : هل منكم من أحد آكل أو شارب؟ قال : قلت له : أما من يريد الصوم فلا . قال : بلى! قال : ثم سار حتى إذا استبطأنا الصلاة نزل فتسحر .

    2999 - حدثنا هناد وأبو السائب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه ، قال : خرجت مع حذيفة إلى المدائن في رمضان ، فلما طلع الفجر ، قال : هل منكم من أحد آكل أو شارب؟ قلنا : أما رجل يريد أن يصوم فلا . قال : لكني! قال : ثم سرنا حتى استبطأنا الصلاة ، قال : هل منكم أحد يريد أن يتسحر؟ قال : قلنا أما من يريد الصوم فلا . قال : لكني! ثم نزل فتسحر ، ثم صلى .

    3000 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر قال : ربما شربت بعد قول المؤذن - يعني في رمضان - : " قد قامت الصلاة " . قال : وما رأيت أحدا كان أفعل له من الأعمش وذلك لما سمع ، قال : حدثنا إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنا مع حذيفة نسير ليلا فقال : هل منكم متسحر الساعة؟ قال : ثم [ ص: 519 ] سار ، ثم قال حذيفة : هل منكم متسحر الساعة؟ قال : ثم سار حتى استبطأنا الصلاة ، قال : فنزل فتسحر .

    3001 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال : حدثنا مصعب بن المقدام قال : حدثنا إسرائيل قال : حدثنا أبو إسحاق عن هبيرة عن علي : أنه لما صلى الفجر قال : هذا حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر . [ ص: 520 ]

    3002 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن الصلت قال : حدثنا إسحاق بن حذيفة العطار عن أبيه عن البراء قال : تسحرت في شهر رمضان ، ثم خرجت فأتيت ابن مسعود فقال : اشرب . فقلت : إني قد تسحرت! فقال : اشرب! فشربنا ، ثم خرجنا والناس في الصلاة .

    3003 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو معاوية عن الشيباني عن جبلة بن سحيم عن عامر بن مطر قال : أتيت عبد الله بن مسعود في داره ، فأخرج فضلا من سحوره ، فأكلنا معه ، ثم أقيمت الصلاة فخرجنا فصلينا .

    3004 - حدثنا خلاد بن أسلم قال : حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي [ ص: 521 ] إسحاق عن عبد الله بن معقل عن سالم مولى أبي حذيفة قال : كنت أنا وأبو بكر الصديق فوق سطح واحد في رمضان ، فأتيت ذات ليلة فقلت : ألا تأكل يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأومأ بيده : أن كف ، ثم أتيته مرة أخرى ، فقلت له : ألا تأكل يا خليفة رسول الله؟ فأومأ بيده : أن كف . ثم أتيته مرة أخرى ، فقلت : ألا تأكل يا خليفة رسول الله؟ فنظر إلى الفجر ثم أومأ بيده : أن كف . ثم أتيته فقلت : ألا تأكل يا خليفة رسول الله؟ قال : هات غداءك! قال : فأتيته به فأكل ، ثم صلى ركعتين ، ثم قام إلى الصلاة . [ ص: 522 ]

    3005 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال : الوتر بالليل والسحور بالنهار .

    وقد روي عن إبراهيم غير ذلك :

    3006 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن حماد عن إبراهيم قال : السحور بليل ، والوتر بليل .

    3007 - حدثنا حكام عن ابن أبي جعفر عن المغيرة عن إبراهيم قال : السحور والوتر ما بين التثويب والإقامة .

    3008 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة [ ص: 523 ] عن شبيب بن غرقدة عن عروة عن حبان قال : تسحرنا مع علي ، ثم خرجنا وقد أقيمت الصلاة ، فصلينا .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #258
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(244)
    الحلقة (258)
    صــ 524إلى صــ 531



    3009 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان عن [ ص: 524 ] شبيب عن حبان بن الحارث قال : مررت بعلي وهو في دار أبي موسى وهو يتسحر ، فلما انتهيت إلى المسجد أقيمت الصلاة .

    3010 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن أبي إسحاق عن أبي السفر قال : صلى علي بن أبي طالب الفجر ، ثم قال : هذا حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر .

    وعلة من قال هذا القول : أن القول إنما هو النهار دون الليل . قالوا : وأول النهار طلوع الشمس ، كما أن آخره غروبها . قالوا : ولو كان أوله طلوع الفجر ، لوجب أن يكون آخره غروب الشفق . قالوا : وفي إجماع الحجة على أن آخر النهار غروب الشمس دليل واضح على أن أوله طلوعها . قالوا : وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تسحر بعد طلوع الفجر أوضح دليل على صحة قولنا .

    ذكر الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك :

    3011 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر عن عاصم عن زر عن حذيفة قال : قلت : تسحرت مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم ، قال : لو أشاء لأقول هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع . [ ص: 525 ]

    3012 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر قال : ما كذب عاصم على زر ولا زر على حذيفة قال : قلت له : يا أبا عبد الله تسحرت مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع .

    3013 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان عن عاصم عن زر عن حذيفة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتسحر وأنا أرى مواقع النبل . قال : قلت أبعد الصبح؟ قال : هو الصبح ، إلا أنه لم تطلع الشمس .

    3014 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير قال : حدثنا عمرو بن قيس وخلاد الصفار عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال : أصبحت ذات يوم فغدوت إلى المسجد ، فقلت : لو مررت على باب حذيفة ! ففتح لي فدخلت ، فإذا هو يسخن له طعام ، فقال : اجلس حتى تطعم . فقلت : إني أريد الصوم . فقرب طعامه فأكل وأكلت معه ، ثم قام إلى لقحة في الدار ، فأخذ يحلب من جانب وأحلب أنا من جانب ، فناولني ، فقلت : ألا ترى الصبح؟ فقال : اشرب! فشربت ، ثم جئت إلى باب المسجد فأقيمت الصلاة ، فقلت له : أخبرني بآخر [ ص: 526 ] سحور تسحرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمس .

    3015 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده ، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه " . [ ص: 527 ]

    3016 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا حماد عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله - وزاد فيه : وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر .

    3017 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين وحدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت أبي قال : أخبرنا الحسين بن واقد قالا جميعا ، عن أبي غالب عن أبي أمامة قال : أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر قال : أشربها يا رسول الله؟ قال : نعم! ، فشربها . [ ص: 528 ]

    3018 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا يونس عن أبيه ، عن عبد الله قال : قال بلال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أوذنه بالصلاة وهو يريد الصوم ، فدعا بإناء فشرب ، ثم ناولني فشربت ، ثم خرج إلى الصلاة .

    3019 - حدثني محمد بن أحمد الطوسي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن معقل عن بلال قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أوذنه بصلاة الفجر وهو يريد الصيام ، فدعا بإناء فشرب ، ثم ناولني فشربت ، ثم خرجنا إلى الصلاة . [ ص: 529 ]

    قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية ، التأويل الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الخيط الأبيض " بياض النهار ، " والخيط الأسود " سواد الليل . وهو المعروف في كلام العرب ، قال أبو دؤاد الإيادي :

    فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا

    وأما الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرب أو تسحر ، ثم خرج إلى الصلاة ، فإنه غير دافع صحة ما قلنا في ذلك; لأنه غير مستنكر أن يكون صلى الله عليه وسلم شرب قبل الفجر ، ثم خرج إلى الصلاة ، إذ كانت الصلاة - صلاة الفجر - هي على عهده كانت تصلى بعد ما يطلع الفجر ويتبين طلوعه ويؤذن لها قبل طلوعه .

    وأما الخبر الذي روي عن حذيفة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسحر وأنا أرى مواقع النبل " ، فإنه قد استثبت فيه فقيل له : أبعد الصبح؟ فلم يجب [ ص: 530 ] في ذلك بأنه كان بعد الصبح ، ولكنه قال : " هو الصبح " . وذلك من قوله يحتمل أن يكون معناه : هو الصبح لقربه منه ، وإن لم يكن هو بعينه ، كما تقول العرب : " هذا فلان " شبها ، وهي تشير إلى غير الذي سمته ، فتقول : " هو هو " تشبيها منها له به ، فكذلك قول حذيفة : " هو الصبح " ، معناه : هو الصبح شبها به وقربا منه .

    وقال ابن زيد في معنى " الخيط الأبيض والأسود " ما :

    3020 - حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " قال : " الخيط الأبيض " الذي يكون من تحت الليل ، يكشف الليل - " والأسود " ما فوقه .

    وأما قوله : " من الفجر " فإنه تعالى ذكره يعني : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود الذي هو من الفجر . وليس ذلك هو جميع الفجر ، ولكنه إذا تبين لكم أيها المؤمنون من الفجر ذلك الخيط الأبيض الذي يكون من تحت الليل الذي فوقه سواد الليل ، فمن حينئذ فصوموا ، ثم أتموا صيامكم من ذلك إلى الليل .

    وبمثل ما قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول .

    3021 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " من الفجر " قال : ذلك الخيط الأبيض هو من الفجر نسبة إليه ، وليس الفجر كله ، فإذا جاء هذا الخيط ، وهو أوله ، فقد حلت الصلاة وحرم الطعام والشراب على الصائم .

    قال أبو جعفر : وفي قوله تعالى ذكره : " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل " أوضح [ ص: 531 ] الدلالة على خطأ قول من قال : حلال الأكل والشرب لمن أراد الصوم إلى طلوع الشمس; لأن الخيط الأبيض من الفجر يتبين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر ، وقد جعل الله تعالى ذكره ذلك حدا لمن لزمه الصوم في الوقت الذي أباح إليه الأكل والشرب والمباشرة .

    فمن زعم أن له أن يتجاوز ذلك الحد ، قيل له : أرأيت إن أجاز له آخر ذلك ضحوة أو نصف النهار؟

    فإن قال : إن قائل ذلك مخالف للأمة .

    قيل له : وأنت لما دل عليه كتاب الله ونقل الأمة مخالف ، فما الفرق بينك وبينه من أصل أو قياس؟

    فإن قال : الفرق بيني وبينه أن الله أمر بصوم النهار دون الليل ، والنهار من طلوع الشمس .

    قيل له : كذلك يقول مخالفوك ، والنهار عندهم أوله طلوع الفجر ، وذلك هو ضوء الشمس وابتداء طلوعها دون أن يتتام طلوعها ، كما أن آخر النهار ابتداء غروبها دون أن يتتام غروبها .

    ويقال لقائلي ذلك إن كان " النهار " عندكم كما وصفتم ، هو ارتفاع الشمس ، وتكامل طلوعها وذهاب جميع سدفة الليل وغبس سواده - فكذلك عندكم " الليل " : هو تتام غروب الشمس ، وذهاب ضيائها ، وتكامل سواد الليل وظلامه؟


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #259
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(245)
    الحلقة (259)
    صــ 532إلى صــ 539




    فإن قالوا : ذلك كذلك!

    قيل لهم : فقد يجب أن يكون الصوم إلى مغيب الشفق وذهاب ضوء الشمس وبياضها من أفق السماء! [ ص: 532 ]

    فإن قالوا : ذلك كذلك! أوجبوا الصوم إلى مغيب الشفق الذي هو بياض . وذلك قول إن قالوه مدفوع بنقل الحجة التي لا يجوز فيما نقلته مجمعة عليه الخطأ والسهو [ وكفى بذلك شاهدا ] على تخطئته .

    وإن قالوا : " بل أول الليل " ابتداء سدفته وظلامه ومغيب عين الشمس عنا .

    قيل لهم : وكذلك " أول النهار " : طلوع أول ضياء الشمس ، ومغيب أوائل سدفة الليل .

    ثم يعكس عليه القول في ذلك ، ويسأل الفرق بين ذلك ، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله .

    وأما " الفجر " فإنه مصدر من قول القائل : " تفجر الماء يتفجر فجرا " ، إذا انبعث وجرى ، فقيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلع الشمس " فجر " ، لانبعاث ضوئه عليهم ، وتورده عليهم بطرقهم ومحاجهم ، وتفجر الماء المتفجر من منبعه .

    وأما قوله : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " فإنه تعالى ذكره حد الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل - كما حد الإفطار وإباحة الأكل والشرب والجماع وأول الصوم بمجيء أول النهار وأول إدبار آخر الليل ، فدل بذلك على أن لا صوم بالليل ، كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم وعلى أن المواصل مجوع نفسه في غير طاعة ربه . كما : - [ ص: 533 ]

    3022 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ووكيع وعبدة ، عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عاصم بن عمر عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس ، فقد أفطر الصائم . .

    3023 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا أبو إسحاق الشيباني وحدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو عبيدة وأبو معاوية عن الشيباني وحدثنا ابن المثنى قال حدثنا أبو معاوية وحدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن إدريس عن الشيباني قالوا جميعا في حديثهم عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير وهو صائم ، فلما غربت الشمس قال لرجل : انزل فاجدح لي . قالوا : لو أمسيت يا رسول الله! فقال : انزل فاجدح . فقال الرجل : يا رسول الله لو أمسيت! قال : انزل فاجدح لي . قال : يا رسول الله إن علينا نهارا! فقال له الثالثة ، فنزل فجدح له . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أقبل الليل من هاهنا - وضرب بيده نحو المشرق - فقد أفطر الصائم . [ ص: 534 ]

    3024 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود عن رفيع قال : فرض الله الصيام إلى الليل ، فإذا جاء الليل فأنت مفطر إن شئت فكل ، وإن شئت فلا تأكل .

    3025 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود عن أبي العالية : أنه سئل عن الوصال في الصوم فقال : افترض الله على هذه الأمة صوم النهار ، فإذا جاء الليل فإن شاء أكل ، وإن شاء لم يأكل .

    3026 - حدثني يعقوب قال : حدثني ابن علية عن داود بن أبي هند قال : قال أبو العالية في الوصال في الصوم ، قال : قال الله : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " فإذا جاء الليل فهو مفطر ، فإن شاء أكل ، وإن شاء لم يأكل .

    3027 - حدثني المثنى قال : حدثنا ابن دكين عن مسعر عن قتادة قال : قالت عائشة : أتموا الصيام إلى الليل - يعني : أنها كرهت الوصال . [ ص: 535 ]

    قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فما وجه وصال من واصل؟ فقد علمت بما :

    3028 - حدثكم به أبو السائب قال : حدثنا حفص عن هشام بن عروة قال : كان عبد الله بن الزبير يواصل سبعة أيام ، فلما كبر جعلها خمسا ، فلما كبر جدا جعلها ثلاثا .

    3029 - حدثنا أبو السائب قال : حدثنا حفص عن عبد الملك قال : كان ابن أبي يعمر يفطر كل شهر مرة .

    3030 - حدثنا ابن أبي بكر المقدمي قال : حدثنا الفروي قال : سمعت مالكا يقول : كان عامر بن عبد الله بن الزبير يواصل ليلة ست عشرة وليلة سبع عشرة من رمضان لا يفطر بينهما ، فلقيته فقلت له : يا أبا الحارث ماذا تجده يقويك في وصالك؟ قال : السمن أشربه أجده يبل عروقي ، فأما الماء فإنه يخرج من جسدي .

    وما أشبه ذلك ممن فعل ذلك ، ممن يطول بذكرهم الكتاب؟

    قيل : وجه من فعل ذلك إن شاء الله تعالى على طلب الخموصة لنفسه والقوة لا على طلب البر لله بفعله . وفعلهم ذلك نظير ما كان عمر بن الخطاب يأمرهم به بقوله :

    " اخشوشنوا وتمعددوا ، وانزوا على الخيل نزوا ، واقطعوا الركب وامشوا حفاة " . [ ص: 536 ]

    يأمرهم في ذلك بالتخشن في عيشهم ، لئلا يتنعموا فيركنوا إلى خفض العيش ويميلوا إلى الدعة فيجبنوا ويحتموا عن أعدائهم .

    وقد رغب - لمن واصل - عن الوصال كثير من أهل الفضل :

    3032 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان عن أبي إسحاق : أن ابن أبي نعم كان يواصل من الأيام حتى لا يستطيع أن يقوم ، فقال عمرو بن ميمون : لو أدرك هذا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رجموه .

    ثم في الأخبار المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الوصال التي يطول بإحصائها الكتاب تركنا ذكر أكثرها استغناء بذكر بعضها ، إذ كان في ذكر ما ذكرنا مكتفى عن الاستشهاد على كراهة الوصال بغيره .

    3033 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال : أخبرني نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال ، قالوا : إنك تواصل يا رسول الله! قال : إني لست كأحد منكم ، إني أبيت أطعم وأسقى .

    وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الإذن بالوصال من السحر إلى السحر .

    3034 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال : حدثنا [ ص: 537 ] شعيب عن الليث عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر . قالوا : يا رسول الله ، إنك تواصل! قال : إني لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مطعم يطعمني ، وساق يسقيني .

    3035 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا أبو إسرائيل [ ص: 538 ] العبسي عن أبي بكر بن حفص عن أم ولد حاطب بن أبي بلتعة : أنها مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر ، فدعاها إلى الطعام فقالت : إني صائمة ، قال : وكيف تصومين؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أين أنت من وصال آل محمد صلى الله عليه وسلم من السحر إلى السحر . .

    فتأويل الآية إذا : ثم أتموا الكف عما أمركم الله بالكف عنه ، من حين يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى الليل ، ثم حل لكم ذلك بعده إلى مثل ذلك الوقت . كما :

    3036 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " قال : من هذه الحدود الأربعة ، فقرأ : " أحل لكم [ ص: 539 ] ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " فقرأ حتى بلغ : " ثم أتموا الصيام إلى الليل " وكان أبي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علينا .
    القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره - بقوله : " ولا تباشروهن " لا تجامعوا نساءكم .

    وبقوله : " وأنتم عاكفون في المساجد " يقول : في حال عكوفكم في المساجد ، وتلك حال حبسهم أنفسهم على عبادة الله في مساجدهم .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #260
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,347

    افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




    تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
    الإمام محمد بن جرير الطبري
    الجزء الثالث
    تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(246)
    الحلقة (260)
    صــ 540إلى صــ 547



    " والعكوف " أصله المقام ، وحبس النفس على الشيء كما قال الطرماح بن حكيم :


    فبات بنات الليل حولي عكفا عكوف البواكي بينهن صريع
    [ ص: 540 ]

    يعني بقوله : " عكفا " ، مقيمة ، وكما قال الفرزدق :

    ترى حولهن المعتفين كأنهم على صنم في الجاهلية عكف


    وقد اختلف أهل التأويل في معنى " المباشرة " التي عنى الله بقوله : " ولا تباشروهن " . فقال بعضهم : معنى ذلك الجماع دون غيره من معاني " المباشرة " .

    ذكر من قال ذلك :

    3037 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " - في رمضان أو في غير رمضان ، فحرم الله أن ينكح النساء ليلا ونهارا حتى يقضي اعتكافه .

    3038 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن ابن جريج قال : قال لي عطاء : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : الجماع . [ ص: 541 ]

    3039 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن الضحاك قال : كانوا يجامعون وهم معتكفون ، حتى نزلت : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " .

    3040 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن الضحاك في قوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء ، فقال الله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " يقول : لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في مسجد ولا غيره .

    3041 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن جويبر عن الضحاك نحوه .

    3042 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال : كان أناس يصيبون نساءهم وهم عاكفون فيها فنهاهم الله عن ذلك .

    3043 - وحدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف ولقي امرأته باشرها إن شاء ، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك ، وأخبرهم أن ذلك لا يصلح حتى يقضي اعتكافه .

    3044 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " يقول : من اعتكف فإنه يصوم ، لا يحل له النساء ما دام معتكفا .

    3045 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : الجوار ، فإذا خرج أحدكم من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء . [ ص: 542 ]

    3046 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كان ابن عباس يقول : من خرج من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء .

    3047 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " ، قال : كان الناس إذا اعتكفوا يخرج الرجل فيباشر أهله ثم يرجع إلى المسجد ، فنهاهم الله عن ذلك .

    3048 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته ، ثم اغتسل ، ثم رجع إلى اعتكافه ، فنهوا عن ذلك قال ابن جريج : قال مجاهد : نهوا عن جماع النساء في المساجد ، حيث كانت الأنصار تجامع ، فقال : " لا تباشروهن وأنتم عاكفون " قال : " عاكفون " الجوار قال ابن جريج : فقلت لعطاء : الجماع المباشرة؟ قال : الجماع نفسه! فقلت له : فالقبلة في المسجد والمسة؟ فقال : أما ما حرم فالجماع ، وأنا أكره كل شيء من ذلك في المسجد .

    3049 - حدثت عن حسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك : " ولا تباشروهن " يعني الجماع .

    وقال آخرون : معنى ذلك على جميع معاني " المباشرة " من لمس وقبلة وجماع .

    ذكر من قال ذلك :

    3050 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال مالك بن أنس : لا يمس المعتكف امرأته ، ولا يباشرها ، ولا يتلذذ منها بشيء ، قبلة ولا غيرها . [ ص: 543 ]

    3051 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : المباشرة الجماع وغير الجماع ، كله محرم عليه ، قال : " المباشرة " بغير جماع ، إلصاق الجلد بالجلد .

    قال أبو جعفر : وعلة من قال هذا القول : أن الله تعالى ذكره عم بالنهي عن المباشرة ، ولم يخصص منها شيئا دون شيء . فذلك على ما عمه ، حتى تأتي حجة يجب التسليم لها بأنه عنى به مباشرة دون مباشرة .

    وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال : معنى ذلك : الجماع ، أو ما قام مقام الجماع ، مما أوجب غسلا إيجابه . وذلك أنه لا قول في ذلك إلا أحد قولين :

    إما جعل حكم الآية عاما ، أو جعل حكمها في خاص من معاني المباشرة . وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن نساءه كن يرجلنه وهو معتكف ، فلما صح ذلك عنه ، علم أن الذي عنى به من معاني المباشرة البعض دون الجميع .

    3052 - حدثنا علي بن شعيب قال : حدثنا معن بن عيسى القزاز قال : أخبرنا مالك . عن الزهري عن عروة وعن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله . [ ص: 544 ]

    3053 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة : أن عائشة قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان ، وكان يدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله .

    3054 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه وهو مجاور في المسجد وأنا في حجرتي وأنا حائض ، فأغسله وأرجله .

    3055 - حدثنا سفيان قال : حدثنا ابن فضيل ويعلى بن عبيد عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عروة عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 545 ] يعتكف فيخرج إلي رأسه من المسجد وهو عاكف ، فأغسله وأنا حائض .

    3056 - حدثني محمد بن معمر قال : حدثنا حماد بن مسعدة قال : حدثنا مالك بن أنس عن الزهري وهشام بن عروة جميعا ، عن عروة عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه فأرجله وهو معتكف .

    فإذ كان صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا من غسل عائشة [ ص: 546 ] رأسه وهو معتكف ، فمعلوم أن المراد بقوله : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " غير جميع ما لزمه اسم " المباشرة " وأنه معني به البعض من معاني المباشرة دون الجميع . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان مجمعا على أن الجماع مما عني به ، كان واجبا تحريم الجماع على المعتكف وما أشبهه ، وذلك كل ما قام في الالتذاذ مقامه من المباشرة .
    القول في تأويل قوله تعالى ( تلك حدود الله فلا تقربوها )

    قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : هذه الأشياء التي بينتها : من الأكل والشرب والجماع في شهر رمضان نهارا في غير عذر ، وجماع النساء في الاعتكاف في المساجد ، يقول : هذه الأشياء حددتها لكم ، وأمرتكم أن تجتنبوها في الأوقات التي أمرتكم أن تجتنبوها ، وحرمتها فيها عليكم ، فلا تقربوها ، وابعدوا منها أن تركبوها ، فتستحقوا بها من العقوبة ما يستحقه من تعدى حدودي ، وخالف أمري وركب معاصي .

    وكان بعض أهل التأويل يقول : " حدود الله " : شروطه . وذلك معنى قريب من المعنى الذي قلنا ، غير أن الذي قلنا في ذلك أشبه بتأويل الكلمة .

    وذلك أن " حد " كل شيء : ما حصره من المعاني وميز بينه وبين غيره ، فقوله : " تلك حدود الله " من ذلك ، يعني به المحارم التي ميزها من الحلال المطلق فحددها بنعوتها وصفاتها ، وعرفها عباده . ذكر من قال إن ذلك بمعنى الشروط : [ ص: 547 ]

    3057 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي قال : أما " حدود الله " فشروطه .

    وقال بعضهم : " حدود الله " معاصيه .

    ذكر من قال ذلك :

    3058 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك : " تلك حدود الله " يقول : معصية الله - يعني المباشرة في الاعتكاف .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •