تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 97

الموضوع: دروس في شرح متن لب الأصول في علم الأصول للمتوسطين.

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    39

    افتراضي

    الدرس الحادي والعشرون- مباحث الكتاب

    أنواع المجاز


    أولا: المجاز نوعان: مجاز في الإفراد، ومجاز في الإسناد، فالمجاز في الإفراد هو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة، كالأسد للرجل الشجاع، والمجاز في الإسناد هو: إسناد الكلمة إلى غير من هي له، نحو: بنى الأميرُ المدينةَ، فالبنيان والأمير والمدينة مستعملات في معانيها الحقيقية، والمجاز هو في إسناد البناء إلى الأمير، والمعنى هو بنى العمال المدينة بأمره.
    ثانيا: العلاقة في المجاز هي:
    1- المشابهة، نحو رأيتُ أسدًا يحمل سيفه، أي رجلا شجاعا، والعلاقة بين الحيوان المفترس والرجل الشجاع هي المشابهة في الشجاعة أي الجرأة، ومن المشابهة قولنا: هذا زيدٌ لصورته على الورق؛ لأن الصورة تشبه الحقيقة، ويسمى هذا النوع- أي ما كانت علاقته المشابهة- عند علماء البلاغة بالاستعارة.
    2- اعتبار ما سيكون ويسمى مجاز الأَوْل، مثل: ( إنّك ميّتٌ وإنهم ميتون ) أي ستموت ويموتون، وهذا سيكون قطعا، ومثل ( إني أراني أعصرُ خمرًا ) أي عصيرا سيكون خمرا ظنا، فهذا هو المعتبر لا ما يحتمل أن يكون احتمالا مرجوحا أو مساويا كإطلاق لفظ الحر على العبد باعتبار أنه سيعتق فيكون حرًا فلا يجوز.
    3- اعتبار ما كان، مثل: ( وآتوا اليتامى أموالهم ) فمن المعلوم أنه يدفع إليهم أموالهم بعد بلوغهم الحلم، ولا يتم بعد حلم، فالمقصود وآتوا الذين كانوا يتامى أموالهم.
    4- إطلاق الضد على ضده، كإطلاق المفازة على البرية المهلكة، تفاؤلا في الفوز بالنجاة منها.
    5- المجاورة، مثل: جرى الميزابُ، أي جرى الماء المجاور للميزاب، والميزاب هو جزء من معدن ونحوه يثبت في أعلى السطح ينزل منه ماء المطر كي لا يتجمع الماء على السطح، ويسمى عندنا في العراق بالمرزيب.
    6- الزيادة، مثل: ( ليسَ كمثله شيء ) أي ليس مثله شيء فالكاف زائدة للتوكيد.
    7- النقصان، ويسمى مجاز الحذف مثل: ( واسأل القرية ) أي أهلها.
    8- إطلاق السبب على المسبب، مثل: للأمير يد أي قدرة لأن اليد سبب القدرة.
    9- إطلاق المسبب على السبب، مثل: أمطرت السماء نباتا أي ماء ينبت به النبات.
    10- إطلاق الكل على الجزء، مثل: ( يجعلونَ أصابعهم في آذانهم ) أطلق الأصابع على الأنامل.
    11- إطلاق الجزء على الكل، مثل: لفلان ألفُ رأس من الغنم أي هو يملك ألفا من الغنم لا رؤوسها فقط.
    12- إطلاق المتعلِّق على المتعلَّق، كما في قوله تعالى: ( هذا خلقُ اللهِ ) أي مخلوقه، فأطلق الخلق وأراد المخلوق؛ لأن الخلق متعلِّق بالمخلوق؛ فإن المصدر كالخلق يتعلق باسم المفعول كالمخلوق، ويتعلق باسم الفاعل كتعلق العدل بالعادل في قولنا: زيدٌ عدلٌ أي عادل.
    13- إطلاق المتعلَّق على المتعلِّق، كقولك: ما أسرعَ مكتوبَ زيدٍ! أي ما أسرع كتابته فأطلق المفعول وأريد المصدر.
    14- إطلاق ما بالفعل على ما بالقوة، كإطلاق المسكر على الخمر، فإن الخمر مسكر بالقوة ولا يكون مسكرا بالفعل إلا بعد تناوله.
    ثالثا: يشترط سماع العلاقة عن العرب لصحة التجوز، بمعنى أنه من المتفق عليه وجوب وجود العلاقة في المجاز كالمشابهة والمجاورة والسببية وغيرها مما سبق، فلا يجوز أن نقول: جرى الماء في الميزابِ مثلا إلا إذا سمعنا أنهم تجوزوا في المجاورة، ومن المتفق عليه كذلك عدم وجوب السماع في آحاد المجاز، ففي جرى الماء في الميزاب صح التجوز وإن لم نسمع أنهم تجوزوا فيه بذاته.
    رابعا: المجاز يجري في المشتقات، كالأفعال فإنها مشتقات من مصادرها، مثل قوله تعالى: ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) أي سيأتي فعبر عن المستقبل بالماضي لتحققه.
    خامسا: المجاز يجري في الحروف، مثل قوله تعالى: ( فهل ترى لهم من باقية ) أي ما ترى فعبر بالاستفهام عن النفي.
    سادسا: المجاز لا يجري في الأعلام، سواء أكانت مرتجلة كسعاد أم منقولة كفضل وحارث؛ لأن الأعلام وضعت للتمييز بين الذوات، فمثلا الحارث هو الذي يحرث الأرض فإذا نقل وسمي به شخص لم يكن ذلك النقل من معناه الحقيقي إلى معناه العلَمي مجازًا.
    سابعا: للمجاز علامات يعرف بها هي:
    1- تبادر غيره إلى الفهم لولا وجود القرينة، فالمتبادر من قولك: رأيت أسدًا، أنك رأيت الحيوان المفترس المعروف، فإذا قلت رأيت أسدًا يرمي، فإن يرمي قرينة على التجوز، بخلاف الحقيقة فإنها تتبادر إلى الفهم بلا قرينة.
    2- صحة نفيه، فإذا قلت عن بليد: هو حمار، صح أن تقول عنه: هو ليس بحمار، لأنه ليس بحيوان ناهق.
    3- عدم وجوب الإطراد، بخلاف الحقيقة ففي ( واسألْ القرية ) أي أهلها، لا يصح أن نقول واسأل البساط أي أهله.
    4- جمعه بخلاف جمع الحقيقة، فلفظ الأمر حقيقة في القول، مجاز في الفعل، وقد جمعوا الأول على أوامر لإرادة الحقيقة، وجمعوا الثاني على أمور لإرادة المجاز.
    5- التزام تقييد اللفظ الدال عليه، كجناح الذل فالجناح يقصد به معناه المجازي فلزم تقييده إلى الذل، بخلاف الحقيقة فالمشترك مثل لفظ العين يقيد بالعين الجارية وقد لا يقيد.
    6- توقفه على ذكر المسمى الآخر الحقيقي، مثل لو قيل لشخص: ماذا نطبخ لك ؟ فقال اطبخوا لي قميصا، أي خيطوا لي قميصا، فتجوز بالطبخ لمشاكلته للفظ الحقيقي الذي ذكر معه في الجملة، ولولا ذكره لما صح أن نتجوز بالطبخ عن الخياطة.
    7- إطلاقه على المستحيل، مثل: واسأل القرية، فإن سؤال القرية مستحيل إذْ هي عبارة عن الأبنية المجتمعة.
    فالمجاز يعرف بواحد من هذه الأمور، إن لم يعرف بهذا عُرِفَ بغيره، وليس المقصود أن لا بد من تحققها كلها في المجاز الواحد.

    ( شرح النص )

    وَيكونُ بشَكْلٍ، وصِفَةٍ ظاهِرَةٍ، واعتبارِ ما يكونُ قطعًا أَو ظَنًّا، ومُضادَّةٍ، ومُجاوَرَةٍ، وزيادةٍ، ونقصٍ، وسَبَبٍ لمُسَبَّبٍ، وكُلٍّ لبعضٍ، ومُتَعَلِّقٍ لمُتَعَلَّقٍ، والعكوسِ، وما بالفعلِ على ما بالقُوَّةِ.
    والأصحُّ أَنَّهُ يكونُ في الإسنادِ والمشتَقِّ والحرفِ لا العلَمِ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَمْعٌ في نوعِهِ، ويُعْرَفُ بتبادُرِ غيرِهِ لولا القرينةُ، وصِحَّةِ النَّفْيِ، وعَدَمِ لُزومِ الاطِّرَادِ، وجمعهِ على خلافِ جمعِ الحقيقةِ، والتزامِ تقييدِهِ، وتَوَقُّفِهِ على المسمَّى الآخَرِ، والإطلاقِ على المستحيلِ
    .
    ......................... ......................... ......................... ......................... ..
    ( وَيكونُ ) المجاز من حيث العلاقة ( بشَكْلٍ ) أي بالمشابهة في الشكل كالفرس لصورته المنقوشة على جدار مثلا ( وصِفَةٍ ظاهِرَةٍ ) كالأسد للرجل الشجاع دون الأبخر- وهو كريه رائحة الفم- لظهور الشجاعة دون البخر في الأسد، فالبخر للأسد صفة غير ظاهرة لكل أحد فلا يصح التجوّز فيها بإطلاق الأسد على الرجل الأبخر، هذا وقضية عطف الصفة على الشكل أنها نوع آخر وليس كذلك فإن المشابهة هي الاشتراك في صفة ظاهرة إما صفة معنوية كالشجاعة كما في إطلاق الأسد على الشجاع أو صفة محسوسة كالصورة والشكل كما في إطلاق الأسد على المنقوش على الجدار، فظهر أن الاشتراك في الشكل هو من قبيل الاشتراك في الصفة الظاهرة، وما كانت العلاقة فيه المشابهة يسمى استعارة عند البيانيين، ويسمى مجاز المشابهة عند الأصوليين اهـ ملخصا بتصرف من حاشية العطار على الجمع ( واعتبارِ ما يكونُ ) في المستقبل وذلك إما أن يكون ( قطعًا ) نحو إنك ميّت وإنهم ميتون ( أَو ظَنًّا ) كالخمر للعصير في قوله تعالى: إني أراني أعصرُ خمرًا، بخلاف ما يكون في المستقبل احتمالا مرجوحا أو مساويا فلا يجوز كتسمية العبد حرا، أما اعتبار ما كان في الماضي فقد ذكره المصنف في مبحث الاشتقاق عند قوله: والأصح أن يشترط بقاء المشتق منه في كون المشتق حقيقة ( ومُضادَّةٍ ) كالمفازة للبرية المهلكة ( ومُجاوَرَةٍ ) كالراوية لظرف الماء المعروف تسمية له باسم ما يحمله من جمل أو نحوه ( وزيادةٍ ) نحو ليس كمثله شيء فالكاف زائدة وإلا فهي بمعنى مثل فيكون المعنى ليسَ مثلَ مثلِ اللهِ شيءٌ فيكون له تعالى مثل وهو محال والقصد بالآية نفي المثل ( ونقصٍ ) نحو واسأل القرية أي أهلها ( وسَبَبٍ لمُسَبَّبٍ ) نحو للأمير يد أي قدرة، فاليد سبب، والقدرة مسبب، فذكر السبب وأريد به المسبب مجازًا ( وكُلٍّ لبعضٍ ) نحو يجعلون أصابعهم في آذانهم أي أناملهم ( ومُتَعَلِّقٍ ) بكسر اللام ( لمُتَعَلَّقٍ ) بفتح اللام نحو هذا خلق الله أي مخلوقه وهذه تسمى علاقة التعلق كتعلق الخلق بالمخلوق ( والعكوسِ ) للثلاثة الأخيرة أي مسبب لسبب كالموت للمرض الشديد لأنه سبب له عادة، وبعض لكل نحو فلان يملك ألف رأس من الغنم ، ومتعلَّق بفتح اللام لمتعلِّق بكسرها نحو قوله تعالى: بأيّكم المفتون، أي الفتنة بمعنى الجنون والمعنى هو بأيكم الجنون ؟ ( وما بالفعلِ على ما بالقُوَّةِ ) كالمسكر للخمر ( والأصحُّ أَنَّهُ ) أي مطلق المجاز ( يكونُ في الإسنادِ ) ويسمى المجاز الإسنادي والمجاز العقلي نحو بنى الأمير المدينةَ، وقيل لا وجود للمجاز في الإسناد بل هو راجع إلى المجاز في الكلمة إما في المسند وإما في المسند إليه، كأن يكون المقصود ببنى في المثال هو الأمر به، أو يكون المقصود بالأمير هم عماله ( و ) الأصح أن المجاز يكون في ( المشتَقِّ ) من المصدر كالفعل واسم الفاعل نحو ونادى أصحاب الجنة أي ينادي، وقيل لا يكون المجاز في المشتق إلا بعد جريانه في مصدره بمعنى أن المجاز يقع في المصدر أولا ثم يشتق منه المشتق ( و ) الأصح أن المجاز يكون في ( الحرفِ ) نحو فهل ترى لهم من باقية أي ما ترى ( لا ) في ( العلَمِ ) أي لا يكون المجاز فيه على الأصح، وقيل يكون ( وَ ) الأصح ( أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَمْعٌ في نوعِهِ ) أي نوع المجاز فلا يتجوز في نوع منه كالسبب للمسبب إلا إذا سمع من العرب صورة منه، وقيل لا يشترط سماع نوع العلاقة في كل نوع بل يكفي السماع في نوع لصحة التجوز في نوع آخر يشاكله فإذا سمعنا التجوز بالسبب عن المسبب جاز لنا أن نتجوز بعكسه أي بالمسبب عن السبب ( ويُعْرَفُ ) المجاز ( بتبادُرِ غيرِهِ ) منه إلى الفهم ( لولا القرينةُ ) بخلاف الحقيقة فإنها تعرف بالتبادر إلى الفهم بلا قرينة ( وصِحَّةِ النَّفْيِ ) للمعنى الحقيقي في الواقع كما في قولك للبليد هذا حمار فإنه يصح نفي الحمار عنه ( وعَدَمِ لُزومِ الاطِّرَادِ ) في اللفظ الذي يدل على المعنى المجازي كما في واسأل القرية أي أهلها ولا يقال واسأل البساط أي أهله، ولكن هنا إشكال ذكره العلامة العطار في حاشيته على الجمع وهو أنهم صرحوا بأن المعتبر في العلاقة المجازية نوعها لا آحادها فحينئذ لم لا يجوز الاطراد ونقول اسأل البساط أي أهله، واسأل السيارة أي صاحبها ( وجمعهِ ) أي جمع اللفظ الدال على المجاز ( على خلافِ ) صيغة ( جمعِ الحقيقةِ ) كالأمر بمعنى الفعل مجازًا يجمع على أمور بخلافه بمعنى القول حقيقة فيجمع على أوامر ( والتزامِ تقييدِهِ ) أي اللفظ الدال على المجاز كجناح الذل أي لين الجانب بخلاف المشترك من الحقيقة فإنه يقيد من غير التزام كالعين الجارية ( وتَوَقُّفِهِ ) في إطلاق اللفظ عليه ( على المسمَّى الآخَرِ ) الحقيقي ويسمى هذا في علم البديع بالمشاكلة وهي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا نحو: ومكروا ومكر الله، أي جازاهم على مكرهم، أو تقديرا نحو: أفأمنوا مكر الله، أي مجازاته لهم على مكرهم إذْ التقدير أفأمنوا حين مكروا مكر الله، فإطلاق المكر على المجازاة على المكر مجاز متوقف على وجود المكر الحقيقي معه تحقيقا أو تقديرا، كذا مثل أهل الأصول، والمثال منتقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: وقد قيل: إن تسمية ذلك مكرًا وكيدًا واستهزاء وخداعًا من باب الاستعارة ومجاز المقابلة، وقيل - وهو أصوب-: بل تسمية ذلك حقيقة على بابه؛ فإن المكر: إيصال الشر إلى الغير بطريق خفي، وكذلك الكيد والمخادعة، ولكنه نوعان: قبيح وهو إيصال ذلك لمن لا يستحقه، وحسن وهو إيصاله إلى مستحقه عقوبة له، فالأول مذموم والثاني ممدوح، والرب إنما يفعل من ذلك ما يحمد عليه عدلًا منه وحكمة اهـ باختصار، فإن قيل فهل يوصف الله بالمكر؟ قلنا: يوصف به مقيدا لا مطلقا فيقال: هو يمكر بمن يمكر بأوليائه.
    ( والإطلاقِ ) للفظ ( على المستحيلِ ) نحو واسأل القرية فاطلاق المسئول عليها مستحيل لأنها الأبنية المجتمعة، وإنما المسؤول أهلها.


    الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/showthread...#ixzz4SM74YSQ5

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    39

    افتراضي

    الدرس الثاني والعشرون- مباحث الكتاب

    المُعَرَّب- مسائل متفرقة في الحقيقة والمجاز- الكناية والتعريض


    أولا: المُعَرَّبُ هو: لفظٌ غيرُ عربيّ استعملته العرب في كلامها في المعنى الذي وُضِع له في غير لغتهم بعد تغيير ما لا ينطبق على قواعدهم وحروفهم.
    فلا يخفى أننا اليوم نستعمل ألفاظا كثيرة من الإنجليزية وغيرها، وكذلك الحال مع العرب الأوائل ربما استعلموا كلمات هي غير عربية الأصل وعدّلوا فيها قليلا لكي تتلائم مع قانون لغتهم وهذا هو المعرّب نحو الفَيْرُوز اسم لحجر نفيس.
    وقد اختلف العلماء في وقوع المعرّب في القرآن الكريم فقال فريق من العلماء: يوجد فيه نحو لفظة المشكاة فهي حبشية وقيل هندية، والسجّيل فهي فارسية، والقسطاس وهي رومية، وقال الأكثرون لم يقع المعرب في القرآن الكريم لأن الله تعالى قال: ( إنّا أنزلناه قرآنا عربيا ) وأجابوا عن تلك الألفاظ بأنها مما اتفقت فيه اللغات، وتكون تلك الألفاظ نظير التنور والصابون ونحوهما مما استعملت في أكثر من لغة فهي عربية للعرب وغير عربية لغيرهم.
    والخلاف في غير الأعلام فإنها واقعة في القرآن الكريم اتفاقا إذْ لا بد عند التحدث عن الأشخاص والأماكن من ذكر أسمائها كإبراهيم وإسماعيل وموسى.
    ثانيا: اللفظ المستعمل إما حقيقة فقط كالأسد للحيوان المفترس، أو مجاز فقط كالأسد للحيوان المفترس، وقد يكون نفس المعنى حقيقة ومجازًا باعتبارين، كأن يكون موضوعا في اللغة لمعنى عام ثم يخصه الشرع أو العرف بنوع من ذلك العام، كالصوم فإنه لغة مطلق الإمساك، ثم خصّه الشرع بالإمساك المخصوص في الوقت المخصوص، فالصوم إذا استعمل في مطلق الإمساك فهو حقيقة لغوية مجاز شرعي، وإذا استعمل في الإمساك المخصوص فهو مجاز لغوي حقيقة شرعية، وكالدابة فإنها لغة لكل ما يدب على الأرض، ثم خصّها العرف العام لذوات الأربع، فاستعمالها في معناها العام حقيقة لغوية مجاز عرفي، واستعمالها في معناها الخاص حقيقة عرفية مجاز لغوي.
    واللفظ قبل الاستعمال ليس حقيقة ولا مجازا إذْ لا يقال على لفظ هو حقيقة إلا إذا استعمل فيما وضع له أولا، ولا مجاز إلا إذا استعمل فيما وضع له ثانيا، فالاستعمال قيد مأخوذ في تعريفيهما
    ، فإذا انتفى انتفيا.
    ثالثا: الكلام يحمل على عرف المتكلم دائما، فإذا ورد لفظٌ في كلام أهل اللغة حمل على المعنى اللغوي لأنه عرفه
    ، وإذا ورد في العرف العام أو الخاص حمل على المعنى العرفي لأنه عرفه، وإذا ورد في الشرع حُمِلَ على المعنى الشرعي؛ لأنه عرفه، فإذا لم يكن لذلك اللفظ معنى شرعي حمل على المعنى العرفي؛ لأنه الذي تعارف الناس عليه، فإن لم يكن له معنى شرعي ولا عرفي حمل على المعنى اللغوي.
    رابعا: إذا تعارض المجاز والحقيقة يؤخذ بالحقيقة لأنها هي الأصل، لكن إذا كان المجاز راجحا استعماله وتعارض مع الحقيقة المرجوحة وذلك بأن يكون الغالب في استعمال اللفظ هو المجاز فهل نقدم الحقيقة نظرا لأنها الأصل، أو نقدم المجاز نظرا لأنه هو الغالب في الاستعمال؟ أقوال، فقيل يقدم الحقيقة، وقيل يقدم المجاز، وقيل هما متساويان فلا يحمل على أحدهما إلا بقرينة، ومثلوا لذلك: بما لو حلف شخص لا يشرب من هذا النهر، فالشرب حقيقته هو الكرع بالفم مباشرة كما يفعل كثير من الرعاء، ولكن المجاز الغالب أن يغترف بشيء كالإناء فيشرب منه، فلو اغترف فشرب، فقيل: لا يحنث لأنه لم يشرب حملا للشرب على معناه الحقيقي، وقيل يحنث لأن هذا هو الغالب في الاستعمال، وقيل لا يحنث بواحد منهما فإن فعلهما معا حنث يقينا.
    أما إذا كانت الحقيقة مهجورة فالأخذ بالمجاز متفق عليه، مثاله: أن يحلف شخص لا يأكل من هذه النخلة، فالمعنى الحقيقي هو أن يأكل من جذعها أو سعفها، ولكن هذا المعنى مهجور والمفهوم هو الأكل من تمرها فلو أكل من سعفها مثلا فلا يحنث، بخلاف ما لو أكل من تمرها.
    خامسا: إذا ثبت حكم بالإجماع وكان هنالك نص شرعي يحتمل الحقيقة والمجاز يصلح بحمله على المجاز أن يكون مستند ذلك الإجماع فلا يدل ذلك على أن المراد من النص الشرعي هو ذلك المعنى المجازي بل يبقى اللفظ على حقيقته.
    مثال: ثبت بالإجماع وجوب التيمم على الجنب الفاقد للماء، وقال الله تعالى: ( .. أو لامستم النساءَ فلم تجدوا ماءً فتيمّموا ) والملامسة حقيقة في الجسّ باليد، مجاز في الجماع، فإذا قلنا: إن الملامسة الواردة في الآية المقصود بها هو معناها المجازي وهو الجماع، تكون الآية مستندًا للإجماع المذكور، ولا تبقى دالة على الجس باليد فلا يستدل بها على نقض الوضوء بذلك.
    وإذا قلنا: إن ذلك لا يستلزم حمل النص على مجازه لجواز أن يكون مستند الإجماع المذكور لم ينقل إلينا اكتفاءً بالإجماع وليس تلك الآية، فعلى هذا تبقى الآية دليلًا على نقض الوضوء بالملامسة أي تبقى الملامسة على معناها الحقيقي.
    ثم إذا قامت قرينة على أن الملامسة في الآية يراد بها معناها الحقيقي والمجازي معا كما قال الإمام الشافعي حملا للفظ على حقيقته ومجازه فحينئذ تكون الآية مستند الإجماع كما أنها مستند نقض الوضوء بالجس باليد، وإن لم تقم قرينة فإن الآية تبقى على حقيقتها.
    سادسا: الكناية: اللفظ المستعمل في معناه الحقيقي لينتقل منه إلى لازمه، مثل قولك: زيدٌ طويلُ النِّجادِ، أي طويلٌ القامة، والنجاد حمائل السيف التي يعلق بها السيف وتلبس، فإذا كان النجاد طويلا فيلزم منه أن صاحبه طويل، فطويل النجاد مستعمل في معناه الحقيقي وهو طول حمالة السيف لكن لا لذاته بل لأجل أن ينتقل منه إلى لازمه وهو طول صاحبه.
    هذا والمشهور أن الكناية من الحقيقة، والحقيقة صريحة نحو زيدٌ طويلٌ وغير صريحة نحو زيدٌ طويل النِّجادِ، وقيل إن الكناية من المجاز، وقيل إن الكناية قسم ثالث فلا هي حقيقة ولا هي مجاز.
    سابعًا: التعريضُ: لفظٌ مستعمل في معناه ليشار به إلى معنى آخر يفهم من السياق، مثل قولك لمن علمتَ منه عقوق الوالدين: إنني بارّ بوالديّ، تريد أن تعرّض به، فقولك إنني بار بوالدي يفيد في اللغة معناه الموضوع له وهو أنك تحسن إلى والديك ولكن ذكره في ذلك المقام للإشارة والتلويح به إلى أن صاحبك ليس ببار بوالديه، فالمعنى التعريضي لم يستفد من اللفظ كما هو الحال في الكناية بل فهم من سياق الكلام وقرائن الأحوال.

    ( شرح النص )

    مسأَلَةٌ: المُعَرَّبُ: لفظٌ غيرُ عَلَمٍ استعملتْهُ العربُ فيما وُضِعَ لهُ في غيرِ لغتِهِمْ، والأَصحُّ أَنَّهُ ليسَ في القرآنِ.
    مسأَلَةٌ: اللفظُ حقيقةٌ أَو مجازٌ أَو هما باعتبارينِ، وهما منتفيانِ قبلَ الاستعمالِ، ثُمَّ هوَ محمولٌ على عُرْفِ المخاطِبِ، ففي الشَّرْعِ الشَّرْعِيُّ، فالعُرفِيُّ، فاللغَوِيُّ في الأصحِّ، والأَصحُّ أَنه إذا تعارضَ مجازٌ راجِحٌ وحقيقةٌ مرجوحَةٌ تساوَيَا، وَأَنَّ ثُبُوتَ حكْمٍ يمكِنُ كونُهُ مرادًا مِنْ خِطابٍ لَكِنْ مجازًا لا يدلُّ على أَنَّهُ المرادُ منهُ فيبقى الخِطابُ على حقيقَتِهِ.
    مسَأَلَةٌ: اللفظُ إِنْ استُعْمِلَ في معناهُ الحقيقيِّ للانتقالِ إلى لازِمِهِ فكِنايَةٌ فهي حقيقةٌ، أَو مطلقًا للتلويحِ بغيرِ معناهُ فتَعْرِيضٌ فهوَ حقيقةٌ ومجازٌ وكِنايةٌ
    .
    ......................... ......................... ......................... ......................... ........
    ( مسأَلَةٌ المُعَرَّبُ: لفظٌ غيرُ عَلَمٍ ) احترز به عن العلم الأعجمي الذي استعملته العرب نحو إبراهيم وإسماعيل فهو لا يسمى معرّبا، وقيل يسمى معربا وهو أقرب ( استعملتْهُ العربُ فيما ) أي في معنى ( وُضِعَ لهُ في غيرِ لغتِهِمْ ) قيد احترز به عن الحقيقة والمجاز فإن كلا منهما استعملته العرب فيما وضع له في لغتهم ( والأَصحُّ أَنَّهُ ) أي المعرّب ( ليسَ ) واقعا ( في القرآنِ ) وإلا لاشتمل على غير عربي فلا يكون كله عربيا وقد قال تعالى: إنّا أنزلنا قرآنا عربيا، وقيل إنه فيه كاستبرق كلمة فارسية للديباج الغليظ وهو نوع من أنواع الحرير، والقسطاس كلمة رومية للميزان، وأجيب بأن هذه الألفاظ ونحوها اتفق فيها لغة العرب ولغة غيرهم ( مسأَلَةٌ اللفظُ ) المستعمل في معنى إما ( حقيقةٌ ) فقط كالأسد للحيوان المفترس المعروف ( أَو مجازٌ ) فقط كالأسد للرجل الشجاع ( أَو هما ) حقيقة ومجاز ( باعتبارينِ ) أي بوضعين لواضعين كأن وضع لغة لمعنى عام ثم خصّه الشرع أو العرف العام أو العرف الخاص بنوع منه، كالصوم وضع في اللغة لمطلق الإمساك، ثم خصّه الشرع بالإمساك المعروف، وكالدابة وضعت في اللغة لكل ما يدب على الأرض ثم خصها العرف العام بذوات الأربع، وكالفاعل وضع في اللغة لكل مَن فعل شيئا ثم خصّه أهل النحو بالاسم المعروف، ويمتنع أن يكون اللفظ حقيقة ومجازًا باعتبار واحد للتنافي بين الوضع أولا والوضع ثانيا ( وهما ) أي الحقيقة والمجاز ( منتفيانِ ) عن اللفظ ( قبلَ الاستعمالِ ) لأن الاستعمال مأخوذ في حدّ الحقيقة والمجاز فإذا انتفى انتفيا ( ثُمَّ هوَ ) أي اللفظ ( محمولٌ على عُرْفِ المخاطِبِ ) أي على اصطلاحه ووضعه ( ففي ) خطاب ( الشَّرْعِ ) الذي يحمل عليه هو المعنى ( الشَّرْعِيُّ، فالعُرفِيُّ، فاللغَوِيُّ في الأصحِّ ) وقيل الذي يحمل عليه هو المعنى الشرعي في حالة الإثبات أما في حالة النهي فالذي يحمل عليه اللفظ هو المعنى اللغوي عند الإمام الآمدي، ويصير اللفظ مجملا عند الإمام الغزالي، فإذا قيل لا تصم يوم كذا، فعلى الأصح يحمل الصوم على معناه الشرعي، وعند الآمدي على المعنى اللغوي الذي هو مطلق الإمساك، وعند الغزالي يكون اللفظ مجملا يحتاج إلى بيان ( والأَصحُّ أَنه إذا تعارضَ مجازٌ راجِحٌ وحقيقةٌ مرجوحَةٌ ) بأن كان استعمال المجاز هو الغالب في الاستعمال ( تساوَيَا ) فلا يقدم أحدهما على الآخر بل يحتاج إلى قرينة، وذلك لرجحان كل منهما من وجه فإن الحقيقة رجحت بحسب الأصل وضعفت بقلة الاستعمال، ورجح المجاز لغلبة الاستعمال وضعف لأنه خلاف الأصل، فيتعادلان، وقيل يقدم الحقيقة المرجوحة، وقيل يقدم المجاز الراجح ( وَ ) الأصح ( أَنَّ ثُبُوتَ حكْمٍ ) بالإجماع ( يمكِنُ كونُهُ ) أي الحكم ( مرادًا مِنْ خِطابٍ ) له حقيقة ومجاز ( لَكِنْ مجازًا ) أي لكن الخطاب إنما يدل على حكم الإجماع إذا حمل على المعنى المجازي دون الحقيقي ( لا يدلُّ ) ذلك الثبوت ( على أَنَّهُ ) أي الحكم المذكور هو ( المرادُ منهُ ) أي من الخطاب ( فيبقى الخِطابُ على حقيقَتِهِ ) لعدم وجود الصارف عنه، وقال جماعة: إنه يدل عليه فلا يبقى الخطاب على حقيقته لأنه لم يظهر للاجماع مستند غيره، مثاله وجوب التيمم على المجامع الفاقد للماء اجماعا يمكن كونه مرادا من آية أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا، بحمل الملامسة على المعنى المجازي لأنها حقيقة في الجس باليد مجاز في الجماع، فقالوا المراد من الملامسة هو الجماع فتكون الآية مستند الإجماع إذْ لا مستند غيرها وإلا لذكر، فلا تدل الآية على أن اللمس ينقض الوضوء، قلنا: يجوز أن يكون المستند غيرها واستغنى عن ذكره بذكر الإجماع فاللمس فيها على حقيقته فتدل على نقضه الوضوء ( مسَأَلَةٌ اللفظُ إِنْ استُعْمِلَ في معناهُ الحقيقيِّ ) لا لذاته بل ( للانتقالِ ) منه ( إلى لازِمِهِ فـ ) هو ( كِنايَةٌ ) نحو زيدٌ طويلُ النِّجادِ مرادًا به طويل القامة ( فهي ) أي الكناية ( حقيقةٌ ) غير صريحة، وقيل مجاز، وقيل واسطة بينهما ( أَو ) استعمل اللفظ في معناه ( مطلقًا ) أي الحقيقي والمجازي والكنائي ( للتلويحِ ) أي الإشارة ( بغيرِ معناهُ فَـ ) هو ( تَعْرِيضٌ ) فالتعريض هو اللفظ المستعمل في معناه الحقيقي أو المجازي أو الكنائي للتلويح به بغير معناه ( فهوَ ) أي التعريض ثلاثة أقسام ( حقيقةٌ ومجازٌ وكِنايةٌ ) وحاصله أنه يوجد عندنا في التعريض شيئان: المعنى الأصلي الموضوع له اللفظ، والمعنى التعريضي المراد الإشارة إليه، والمعنى الأصلي قد يكون حقيقة صريحة نحو: إني بارّ بوالدي، للتعريض بعاقّ، فهذا القول حقيقة أما المعنى التعريضي فلا يوصف بحقيقة ولا مجاز لأنه لم يفده اللفظ وإنما أفاده سياق الكلام، وقد يكون مجازًا كقولك: إنيّ أخفض جناح الذل لوالديّ للتعريض بعاقّ أيضا، فهذا القول مجاز والمعنى التعريضي لا يوصف بحقيقة ولا مجاز كما تقدم، وقد يكون كناية كقولك: إني أمسح التراب عن أقدام والديّ للتعريض بعاق أيضا، فهذا القول كناية عن البر، أما المعنى التعريضي فلا يوصف بكونه حقيقة أو مجازا أو كناية فافهم.


    الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/showthread...#ixzz4SM7EuEbu

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    39

    افتراضي

    الدرس الثالث والعشرون- مباحث الكتاب

    الحروف


    الأول: إذَنْ: وتكتب بالنون، وتكتب بالألف إذًا، وهي حرف جواب وجزاء؛ لأن الكلام الذي تدخله يكون جوابا وجزاءً لمضمون كلام آخر، فإذا قال لك شخص: سأساعِدُكَ، فقلتَ له: إِذَنْ أُكرمَكَ، كان قولك هذا جوابا لقول ذلك الشخص، وجزاءً لوعده بالمساعدة، وكون ( إذن ) للجواب والجزاء هو ما قاله سيبويهِ، ولم يذكر هل هي للجواب والجزاء دائما، فقال أبو علي الشَّلَوْبِينُ: هي لهما دائما، وقال أبو علي الفارسي: هي لذلك غالبا، وقد تتمحض للجواب كما لو قال لك شخص: أحبُّكَ، فقلتَ له: إذن أَظُنُّكَ صادِقًا، كانَ ذلك جوابا لا جزاء فيه.
    الثاني: إِنْ وترد لمعان:
    1- الشرط كما في قوله تعالى: ( إِنْ ينتهُوا يُغفرْ لهم ما قدْ سلفَ ).
    2- النفي كما في قوله تعالى: ( إنِ الكافرونَ إلا في غُرور ) أي ما.
    3- التوكيد وهي التي تكون زائدة، وأكثر زيادتها بعد ما النافية، مثل: ما إنْ زيدٌ قائمٌ، أي ما زيدٌ قائمٌ.
    الثالث: أَوْ العاطفة وترد لمعان:
    1- الشك من المتكلم، مثل: ( قالوا لبثنا يومًا أو بعضَ يومٍ ).
    2- الإبهام على السامع، مثل: ( أَتاها أَمْرُنا ليلًا أَو نهارًا ) أي أن المتكلم يعلم الزمن المعين ولكن أراد إخفاءه على السامع.
    3- التخيير إذا وقعت بعد طلب، مثل: تزوّج هندًا أو اختَها.
    4- مطلق الجمع أي تكون كالواو، كما في قول توبةَ بنِ الحُمَيِّرِ: وقدْ زعمتْ ليلى بأني فاجرٌ.. لنفسي تُقاها أو عليها فجورها، أي و عليها فجورها.
    5- للتقسيم، مثل: الكلمة اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ.
    6- بمعنى إلى، مثل: لأَلزمَنَّكَ أَو تقضيَني حقي، أي إلى أن تقضيني.
    7- الاضراب كبَلْ، مثل: ( وأرسلناه إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدونَ ) أي بل يزيدون.
    الرابع: أَيْ، وتأتي على وجهين:
    1- للتفسير، تقول: عندي عَسْجَدٌ، أي ذهبٌ.
    2- لنداء البعيد، مثل: أَيْ بُنَيَّ قمْ بواجبِكَ.
    الخامس: أَيٌّ، وترد لمعان:
    1- الشرط، مثل: أَيُّ خيرٍ تفعلْهُ ينفعْكَ.
    2- الاستفهام، مثل: ( أَيُّكمْ يأتيني بعرشِها ؟).
    3- موصولة، مثل: ( ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كلِّ شِيعَةٍ أَيُّهمْ أَشدُّ ) أي الذي هو أشدُّ.
    4- دالة على معنى الكمال، مثل: مررتُ برجلٍ أيِّ رجلٍ، أي كامل في صفات الرجولية.
    5- وصْلَة لنداء ما فيه أل، مثل: يا أيّها الرجلُ، يا أيّها الناسُ، قولنا: وصلة: أي وسيلة لأنه لا يجوز الجمع بين يا وأل على التوالي فتوصل لذلك بأيّ، والهاء حرف للتنبيه.
    السادس: إِذْ، وتكون اسما وفعلا على ما يلي:
    1- تقع ظرف زمان للماضي، وهذا هو الغالب فيها، كما في قوله تعالى: ( فقدْ نَصَرَهُ اللهُ إذْ أَخرجَهُ الذينَ كَفروا ) أي وقت إخراجهم له.
    2- تقع مفعولا به، كما في قوله تعالى: ( واذكروا إذْ كنتم قليلًا فكثّركم ) أي اذكروا وقتَ كونكم قليلا.
    3- تقع بدلا من المفعول به، مثل: ( اذكروا نعمةَ اللهِ عليكم إذْ جعلَ فيكم أنبياءَ ) فإذْ في محل نصب على البدلية من نعمة، أي اذكروا النعمة التي هي الجعل المذكور.
    4- تقع مضافا إليه، مثل: ( ربَّنا لا تُزِغْ قلوبَنا بعدَ إذْ هديتَنا ) فبعدُ مضاف، وإذْ في محل جر مضاف إليه.
    5- تقع ظرفا للمستقبل، مثل: ( فسوفَ يعلمونَ إذْ الأغلالُ في أعناقِهمْ ) أي وقت تكون الأغلال، وذلك يوم القيامة.
    6- ترد حرفا للتعليل، مثل: ضربتُ الغلامَ إذْ أساءَ أي لإساءَتِه.
    7- ترد حرفا للمفاجأة، وهي الواقعة بعد بينما أو بينا، تقول: بينما أو بينا أنا واقفٌ إذْ هجمَ أسدٌ.
    السابع: إذا، وترد على وجهين:
    1- للمفاجأة، وتقع بين جملتين ثانيتهما اسمية، مثل: خرجتُ فإذا المطرُ نازلٌ، وهي في هذا المعنى حرف.
    2- ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط غالبا، مثل: ( إذا جاءَ نصرُ اللهِ والفتحُ )، وقد لا تتضمن معنى الشرط بل تتمحض للظرفية نحو: آتيكَ إذا انتصفَ النهارُ أي وقت انتصافه.
    أما مجيئها للزمان الماضي فنادر، قالوا ومنه قوله تعالى: ( وإذا رأوا تجارةً أو لهوا انفضُّوا إليها ) ويدل على أنها للماضي أنها نزلت بعد الرؤية والانفضاض.
    وكذلك ندر مجيئها للحال نحو ( والليل إذا يغشى ) فإن الغشيان مقارن لليل، ولا شرط هنا، والمعنى اقسم بالليل حال كونه وقت الغشيان.

    ( شرح النص )


    الحروفُ

    إذَنْ للجوابِ والجزاءِ قيلَ دائمًا، وقيلَ غالبًا، وإنْ للشرطِ وللنفيِ وللتوكيدِ، وأَوْ للشكِّ وللإبهامِ وللتخييرِ ولمطلقِ الجمعِ وللتقسيمِ وبمعنى إلى وللإضرابِ، وأَيْ بالفتحِ والتخفيفِ للتفسيرِ ولنداءِ البعيدِ في الأصحِّ، وبالتشديدِ للشرطِ وللاستفهامِ وموصولةً ودالّةً على كمالٍ ووُصْلَةً لنداءِ ما فيهِ أَلْ، وإِذْ للماضي ظرفًا ومفعولًا به وبَدَلًا مِنْهُ ومضافًا إليها اسمُ زمانٍ، وكذا للمستقبلِ وللتعليلِ حرفًا وللمُفاجَأَةِ كذلكَ في الأَصَحِّ، وإِذا للمُفاجأَةِ حرفًا في الأَصحِّ، وللمستقبلِ ظرفًا مُضَمَّنَةً معنى الشرطِ غالبًا وللماضي والحالِ نادرًا.
    ......................... ......................... ......................... ......................... .....
    قال الشيخ العلامة عبد الكريم الدَّبَان رحمه الله في شرحه على جمع الجوامع: جرت عادة بعض الأصوليين أن يبحثوا في الحروف والأسماء التي ترد في الأدلة كثيرا، وعلى قدر ما يتعلق بذلك، ولم يستقصوا في سردها ولا في معانيها؛ لأن لذلك علمًا خاصا به. وقد بحث ابن الحاجب في الواو العاطفة دون غيرها. أما المصنف- صاحب الجمع- فقد أكثر منها واستقصى معاني بعضها مما لا يلائم مثل مختصره. وأورد مع الحروف بعض الأسماء وأطلق الحروف على الكل تغليبا للحروف. اهـ ( الحروفُ ) أي هذا مبحث الحروف التي يحتاج الفقيه إلى معرفة معانيها، أَحدها ( إذَنْ ) من نواصب المضارع ( للجوابِ والجزاءِ قيلَ دائمًا، وقيلَ غالبًا ) وقد تتمحض للجواب، فإذا قلت لمن قال أزورُكَ: إذَنْ أُكرمَكَ، فقد أجبته وجعلت إكرامك له جزاءً لزيارته أي إن زرتني أكرمتك، وإذا قلتَ لمن قالَ أُحِبُّكَ: إذَنْ أُصَدِّقُكَ، فقد أجبته فقط على القول الثاني القائل بأنها للغالب، والمضارع حينئذ يرفع لانتفاء استقباله المشترط في نصبه ( و ) الثاني ( إنْ للشرط ) وهو تعليق أمر على آخر نحو: إِنْ ينتهوا يُغفرْ لهم ما قد سلف ( وللنفيِ ) نحو إنْ أَردنا إلا الحسنى أي ما ( وللتوكيدِ ) وهي الزائدة نحو: ما إنْ زيدٌ قائمٌ، وما إِنْ رأيتُ زيدًا ( و ) الثالث ( أَوْ ) من حروف العطف ( للشكِّ ) من المتكلم نحو: قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم ( وللإبهامِ ) على السامع نحو: أتاها أمرنا ليلا أو نهارا ( وللتخييرِ ) بين المتعاطفين سواء امتنع الجمع بينهما نحو: خذْ من مالي درهما أو دينارًا، أَم جازَ نحو: جالسْ العلماءَ أو الزهّادَ، وقصر ابن مالك وغيره التخيير على الأول وسموا الثاني بالإباحة ( ولمطلقِ الجمعِ ) كالواو نحو: وقدْ زعمَتْ ليلى بأنيّ فاجرٌ.. لنفسي تقاها أَو عليها فجورُها، أي وعليها ( وللتقسيمِ ) نحو: الكلمة اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ ( وبمعنى إلى ) فينصب بعدها المضارع بأن مضمرة نحو لألزمنّك أو تقضيَني حقّي، أي إلى إن تقضينيه ( وللإضرابِ ) كبل نحو: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون، أي بل يزيدون أخبر عنهم أولا بأنهم مائة ألف نظرا لغلط الناس مع علمه تعالى بأنهم يزيدون عليها، ثم أخبر عنهم ثانيا بأنهم يزيدون نظرا للواقع ضاربا عن غلط الناس، وما ذكر من أنّ أَوْ للمعاني المذكورات هو مذهب المتأخرين، وأما مذهب المتقدمين فهي لأحد الشيئين أو الأشياء وغيره إنما يفهم بالقرائن، وقال ابن هشام والسعد التفتازاني إنه التحقيق ( و ) الرابع ( أَيْ بالفتحِ والتخفيفِ ) أي فتح الهمزة وتخفيف الياء أي عدم تشديدها ( للتفسيرِ ) إما تفسير مفرد بمفرد نحو: عندي عسْجَدٌ أي ذهبٌ، وإعرابه بدل أو عطف بيان، أو تفسير جملة بجملة نحو: وترمينني بالطرف أي أنتَ مذنبٌ، فأنت مذنب تفسير لسبب رميها بالطرف ونظرها إليه نظرة غضب ( ولنداءِ البعيدِ ) نحو أَيْ زيدُ أقبلْ، فإن نودي بها القريب كان مجازًا ( في الأصحِّ ) وقيل هي لنداء القريب، وقيل لنداء المتوسط ( و ) الخامس أي بالفتح للهمزة و ( بالتشديدِ ) للياء اسم ( للشرطِ ) نحو: أيما الأجلينِ قضيتُ فلا عدوانَ عليّ ( وللاستفهامِ ) نحو: أَيّكم زادته هذه إيمانا ( و ) تأتي ( موصولةً ) بمعنى الذي نحو لننزعنّ من كل شيعة أيهم أشدُّ، أي الذي هو أشد ( ودالّةً على كمالٍ ) بأن تأتي صفة لنكرة أو حالا من معرفة نحو: مررتُ برجلٍ أيِّ رجلٍ، أي كامل في صفات الرجولية، ومررتُ بزيدٍ أيَّ رجلٍ، أي كاملا في صفات الرجولية ( ووُصْلَةً ) أي وسيلة ( لنداءِ ما فيهِ أَلْ ) نحو يا أيّها الرسولُ، أما إِي بالكسر فحرف جواب بمعنى نعم ولا يجاب بها إلا مع القسم نحو ويستنبئونكَ أحقّ هو قل إِي وربّي، وتركت لقلة احتياج الفقيه إليها ( و ) السادس ( إِذْ ) اسم ( للماضي ظرفًا ) وهو الغالب نحو: فقد نَصَرَهُ الله إذْ أخرجه الذين كفروا، أي وقت إخراجهم له ( ومفعولًا به ) نحو واذكروا إذْ كنتم قليلا فكثّركم، أي اذكروا وقت كونكم قليلا ( وبَدَلًا مِنْهُ ) من المفعول به نحو اذكروا نعمة الله عليكم إذْ جعلَ فيكم أنبياءَ، أي اذكروا النعمةَ التي هي الجعل المذكور ( ومضافًا إليها اسمُ زمانٍ ) نحو يومئذٍ ( وكذا للمستقبلِ ) ظرفا في الأصح نحو: فسوفَ يعلمونَ إذْ الأغلالُ في أعناقهم، وقيل ليست للمستقبل واستعمالها في هذه الآية لتحقق وقوعه كالماضي في قوله تعالى: أتى أمرُ الله ( وللتعليلِ حرفًا ) في الأصح كلام التعليل، نحو ضربتُ زيدًا إذْ أساءَ أي لإساءته، وقيل هي ظرف بمعنى وقت والتعليل مستفاد من قوة الكلام ففي قولنا ضربت زيدًا إذْ أساءَ التقدير وقت إساءته ( وللمُفاجَأَةِ ) بأن يكون بعد بينا أو بينما نحو: بينا أو بينما أنا واقف إذْ جاءَ زيدٌ ( كذلكَ ) أي حرفا ( في الأَصَحِّ ) وقيل ظرف مكان، وقيل ظرف زمان ( و ) السابع ( إِذا للمُفاجأَةِ ) بأن تكون بين جملتين ثانيتهما اسمية ( حرفًا في الأَصحِّ ) لأن المفاجأة معنى من المعاني كالاستفهام والنفي والأصل فيها أن تؤدى بالحروف، وقيل ظرف مكان، وقيل ظرف زمان، نحو: خرجتُ فإذا زيدٌ واقفٌ ( وللمستقبلِ ظرفًا مُضَمَّنَةً معنى الشرطِ غالبًا ) فيجاب بما يجاب به الشرط نحو إذا جاءَ نصر الله والفتح.. الآية، وقد لا تضمن معنى الشرط نحو آتيك إذا احمّر البسر أي وقت احمراره، والبسر هو التمر قبل أن يرطب ( وللماضي والحالِ نادرًا ) نحو: وإذا رأوا تجارة.. الآية فإنها نزلت بعد الرؤية والانفضاض، ونحو والليلِ إذا يغشى، إذْ غشيانه أي طمسه آثار النهار مقارن لليل.


    الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/showthread...#ixzz4SM7Lssfr

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    39

    افتراضي

    الدرس الرابع والعشرون- مباحث الكتاب

    تكملة الحروف


    الثامن: الباء، ولها ثلاثة عشر معنى هي:
    1- الإلصاق وهو : إيصال شيء بآخر بجعله مماسا له، مثل: أمسكتُ بيدك، ومثل: بزيدٍ داءٌ، فإن الداء مخالط له، وهذا هو الإلصاق الحقيقي، وأما الإلصاق المجازي فبأن لا تحصل مماسة حقيقية لمدخول الباء، نحو: مررتُ بزيدٍ، أي بمكان يقرب منه إذ المرور لم يلصق بزيد.
    2- التعدية: بأن تتضمن الباء معنى التصيير والجعل، نحو ذهبَ زيدٌ، فإذا دخلت الباء وقلنا: ذهبتُ بزيدٍ، كان المعنى صيرته وجعلته ذاهبا، فهي كالهمزة في تصيير الفاعل مفعولا كقولك: أذهبتُ زيدًا، وتسمى باء النقل أيضا.
    3- السببية: وهي الداخلة على سبب الفعل وعلته التي من أجلها حصل، نحو: ماتَ بالجوعِ، أي بسببه، ومن السببية الاستعانة بأن تدخل الباء على المستعان به - أي الواسطة في حصول الفعل- نحو: كتبتُ بالقلمِ.
    4- المصاحبة: وهي التي يصلح في محلها مع، نحو: بعتُكَ الفرسَ بسرجِهِ، أي مع سرجه، ومنه قوله تعالى: ( اهبطْ بسلامٍ ) أي معه.
    5- الظرفية: المكانية أو الزمانية وتكون بمعنى في، نحو: ( ولقدْ نَصَرَكُمْ اللهُ ببدرٍ ) أي فيه، وقوله: ( ونجّيناهم بِسَحَرٍ ) أي فيه.
    6- البدلية: بأن يحل محلها لفظ البدل، نحو: ليت لي بك صديقا ذكيا، أي بدلك.
    7- المقابلة: وهي الداخلة على الأعواض، نحو: اشتريتُ هذا بألف.
    8- المجاوزة: بمعنى عن، كما في قوله تعالى: ( يوم تَشَقَّقُ السماءُ بالغَمَامِ ) أي عنه.
    9- الاستعلاء: بمعنى على، كما في قوله تعالى: ( ومِن أهلِ الكتابِ مَنْ إِن تأْمنهُ بدينارٍ لا يؤدِّه إليكَ ) أي على دينار.
    10- القسَم: نحو: باللهِ لأفعلنّ كذا، وهي أصل حروف القسم.
    11- الغاية: بمعنى إلى، كما في قوله تعالى على لسان يوسف: ( وقدْ أحسنَ بي إذْ أخرجَني من السجنِ ) أي أحسن إلي.
    12- التوكيد: أي الزيادة في اللفظ للتقوية، كما في قوله تعالى: ( وكفى باللهِ شهيدًا ) أي كفى الله شهيدا.
    13- التبعيض: بمعنى مِن، كما في قوله تعالى: ( عينًا يشربُ بها عبادُ اللهِ ) أي منها.

    التاسع: بل، وهي تفيد الإضراب وهو: العدول عن شيء إلى شيء آخر، وتكون حرف عطف إذا وقع بعدها مفرد، وحرف ابتداء إذا وقعت بعدها جملة، فالإضراب إما مع العطف، أو بدون عطف فهي على وجهين:
    1- حرف عطف، فإذا وقعت بعد إيجاب مثل: جاءَ زيدٌ بل عمرٌو، وأَكرمْ زيدًا بل عمرًا، فالحكم الإيجابي ثابت لما بعدها، ويكون ما قبلها مسكوتا عنه، فالجائي في الجملة الأولى عمرو لا زيد، والمطلوب إكرامه في الجملة الثانية عمرو لا زيد.
    وإذا وقعت بعد نفي مثل: ما جاءَ زيدٌ بل عمرٌو، ولا تكرمْ زيدًا بل عمرًا، فالحكم السلبي ثابت لما قبلها، وضده وهو الحكم الإيجابي ثابت لما بعدها، فزيدٌ لم يجئْ وعمرو قد جاء في الأولى، وزيدٌ لا يكرم بل عمرو هو الذي يكرم في الثانية.
    2- حرف ابتداء، يفيد الإضراب وهو: إما للإبطال أي إبطال ما قبلها وإثبات ما بعدها، مثل: ( وقالوا اتّخذَ الرحمنُ ولدًا سبْحانَهُ بلْ عِبادٌ مكرمونَ ) فـ ( بلْ ) هنا وليها جملة، وعبادٌ خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هم عبادٌ، وقد أبطلت الحكم الأول وهو قولهم اتخذ الرحمن ولدًا، واثبتت الحكم الثاني وهو أن الملائكة عباد مكرمون، وإما للانتقال أي الانتقال من موضوع إلى موضوع آخر بلا إبطال للحكم الأول، مثل: ( قدْ أفلحَ مَن تزكّى وذكرَ اسمَ ربِّهِ فصلّى بل تؤثرونَ الحياةَ الدنيا ) فـ ( بلْ ) هنا لم تبطل ما قبلها بل أبقته على حاله، وانتقلت إلى بيان موضوع آخر.
    العاشر: بَيْدَ، وهو اسم ملازم للنصب والإضافة إلى أَنّ ومعموليها، وترد لمعنيين هما:
    1- بمعنى غير، ونصبها حينئذ على الاستثناء، مثل: فلانٌ كثيرُ المالِ بيدَ أَنَّه بخيلٌ، أي غير أنه بخيل.
    2- بمعنى مِنْ أجل، ومنه ما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أفصحُ الناسِ بيدَ أني من قريش، أي من أجل أني من قريش، والحديث المذكور لا أصلَ له وإن كان معناه صحيحا.
    الحادي عشر: ثُمَّ، وهي حرف عطف تفيد تشريك ما بعدها لما قبلها في الحكم والإعراب، وتقتضي الترتيب والمهلة، تقول: جاءَ زيدٌ ثم عمرٌو، أي جاء الاثنان، لكن مجيء عمرو حصل بعد مجيء زيد متراخيا عنه بزمن.
    الثاني عشر: حتى، وترد لمعان هي:
    1- انتهاء الغاية مثل إلى وهو المعنى الغالب عليها، مثل: ( حتى مطلعِ الفجرِ ).
    2- التعليل مثل اللام، تقول لغير المسلم: أسلمْ حتى تدخل الجنة، أي لتدخلها.
    3- الاستثناء بمعنى إلا ومن النادر مجيئها له، كما في قول الشاعر:
    ليسَ العطاءُ من الفضولِ سماحةً... حتى تجودَ وما لديكَ قليلُ، أي إلا أن تجود وهو استثناء منقطع بمعنى لكن.
    الثالث عشر: رُبَّ، وترد للتكثير وللتقليل، فمن الأول قوله تعالى: ( رُبَمَا يودُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمينَ ) أي يكثر تمني الكافرين للإسلام عندما يشاهدون يوم القيامة فوز المسلمين وخسران الكافرين، ومن الثاني قول الشاعر:
    إلا ربّ مولودٍ وليسَ له أبُ... وذي ولدٍ لمْ يلدْه أبوانِ، يقصد عيسى وآدم عليهما السلام.

    ( شرح النص )

    والباءُ للإلصاقِ حقيقةً ومجازًا، وللتَّعْديةِ، وللسَّببيةِ، وللمصاحبةِ، وللظَّرفيةِ، وللبدليَّةِ، وللمُقَابَلةِ، وللمجاوزةِ، وللاستعلاءِ، وللقسمِ، وللغايةِ، وللتَّوكيد، وكذا للتبعيضِ في الأصحِّ.
    وبلْ للعطفِ بإضرابٍ، وللإضرابِ فقطْ، إما للإبطالِ أو للانتقالِ من غرضٍ إلى آخرَ.
    وبيدَ بمعنى غيرِ، وبمعنى منْ أجلِ، ومنهُ بيدَ أَنِّي مِنْ قُرَيشٍ في الأصحِّ.
    وثُم َحرفُ عطفٍ للتَّشريكِ والمهلةِ والترتيبِ في الأصحِّ.
    وحتى لانتهاءِ الغايةِ غالبًا، وللاستثناءِ نادرًا، وللتعليلِ.
    ورُبَّ حرفٌ في الأصحِّ للتكثيرِ وللتقليلِ، ولا تختصُّ بأحدِهما في الأصحِّ.

    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    ( و ) الثامن ( الباء للإلصاقِ ) وهو أصل معانيها ( حقيقةً ) نحو به داءٌ، أى أُلصق به ( ومجازًا ) نحو مررتُ بزيد، أى ألصقت مرورى بمكان يقرب منه المرور اذ المرور لم يلصق بزيد ( وللتَّعديةِ ) كالهمزة فى تصيير الفاعل مفعولا نحو: ذهبَ اللهُ بنورِهم أي أذهبه ( وللسَّببيةِ ) نحو: فكلّا أخذنا بذنبِه، ومن السببية الاستعانة بأن تدخل الباء على المستعان به في حصول الفعل نحو: كتبتُ بالقلمِ ( وللمصاحبةِ ) بأن تكون الباء بمعنى مع، أوتغني عنها وعن مصحوبها الحال، ولهذا تسمى بباء الحال نحو: قدْ جاءَكم الرسولُ بالحقِّ، أى مع الحق أو محقا ( وللظَّرفيةِ ) المكانية أو الزمانية نحو: ولقدْ نصرَكُم اللهُ ببدرٍ وقوله: ونجّيناهم بسحرٍ ( وللبدليةِ ) بأن يحل محلها لفظ بدل كقول عمر رضى الله عنه: ما يسرنى انّ لي بها الدنيا، أى بدلها، قاله حين استأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى العمرة فأذن له وقال صلى الله عليه وسلم: لا تنسنا يا أُخَيَّ من دعائك. وضمير بها راجع الى كلمة النبى المذكورة وأخيّ مصغر لتقريب المنزلة، والحديث رواه الترمذي وغيره وفيه ضعف ( وللمُقَابَلةِ ) وهى الداخلة على الأعواض نحو اشتريت فرسا بدرهم، وقوله تعالى: لاتشتروا بآياتى ثمنا قليلا ( وللمجاوزةِ ) كعن نحو: سألَ سائلٌ بعذابٍ واقعٍ، أى عنه ( وللاستعلاءِ ) كعلى نحو: ومنْ أهل الكتابِ مَنْ إنْ تأمنه بقنطارٍ.. أى عليه ( وللقسمِ ) نحو بالله لأفعلنّ كذا ( وللغايةِ ) كإلى نحو: وقد أَحسنَ بي، أى اليّ ( وللتوكيدِ ) وهى الزائدة مع الفاعل، أو المفعول به، أو المبتدأ، أو الخبر، والأمثلة على الترتيب: كفى باللهِ شهيدا، وهزّي اليكِ بجذع النخلةِ، وبحسبِكَ درهمٌ، و أليسَ اللهُ بكافٍ عبدَهُ ( وكذا للتبعيضِ ) كمِنْ ( في الأصحِّ ) نحو: عينًا يشربُ بها عبادُ اللهِ، أى منها وقيل لا تأتي للتبعيض ( و ) التاسع ( بلِ للعطفِ بإضرابٍ ) أى مع إضراب بأن وليها مفرد سواء أوليت كلاما موجبا وذلك في الخبر والأمر أم سالبا وذلك في النهي والنفي ففى الموجب نحو: جاء زيد بل عمرو، واضربْ زيدا بل عمرا، تبين بل حكم المعطوف وأما المعطوف عليه فيصير مسكوتا عنه، وفى السالب نحو: ما جاء زيد بل عمرو، ولاتضربْ زيدا بل عمرا، تقرر حكم المعطوف عليه وتجعل ضده للمعطوف ( وللإضرابِ فقطْ ) أى بدون عطف بأن وليها جملة، والحاصل أن بل للعطف والإضراب إن وليها مفرد وللإضراب فقط ان وليها جملة وهى فيه حرف ابتداء لا عاطفة، والإضراب إذا وليها جملة ( إما للإبطالِ ) لما وليته نحو " يقولون به جِنَّةٌ بلْ جاءَهم بالحقِّ، وبل هنا أبطلت الحكم الأول وهو قولهم به جنة، واثبتت الحكم الثاني وهو أن الرسول جاءهم بالحق ( أو للانتقالِ من غرضٍ الى آخرَ ) أي الانتقال من موضوع لآخر من غير إبطال الأول، نحو: ولدينا كتابٌ ينطقُ بالحقِّ وهمْ لا يظلمونَ بلْ قلوبُهم في غَمرةٍ، أي في غفلة فما قبل بل وهو كونهم لا يظلمون باق فيها على حاله من غير إبطال ( و ) العاشر ( بَيْدَ ) اسم ملازم للنصب والإضافة إلى أَنّ ومعموليها ( بمعنى غيرِ ) نحو إنَّهُ كثيرُ المالِ بيدَ أنّه بخيلٌ، أي غير أنه بخيل ( و ) بمعنى ( مِنْ أجلِ ومنهُ ) خبر أنا أفصحُ مَن نطقَ بالضاد ( بيدَ أَنّي مِن قريشٍ ) أى الذين هم أفصح من نطق بها وأنا أفصحهم وخصها بالذكر لعسرها على غير العرب، والمعنى أنا أفصح العرب من أجل أني من قريش، والخبر المذكور قال عنه الحافظ ابن كثير في تفسيره لا أصل له فذكره له من غير بيان حاله لا يليق ( فى الأصحِّ ) وقيل إن بيد في الخبر بمعنى غير وأنه من تأكيد المدح بما يشبه الذم، وهو أسلوب عربي يستعمله المتكلم بأن يبالغ في المدح إلى أن يأتي بعبارة يتوهم السامع في بادئ الأمر أنه ذم وهو في الحقيقة صفة مدح فكونه صلى الله عليه وسلم من قريش صفة مدح، ومنه قول الشاعر: فتىً كَمُلَتْ أوصافُهُ غيرَ أَنه.. جوادٌ فما يُبقي على المالِ باقيا ( و ) الحادي عشر ( ثُمَّ حرفُ عطفٍ للتشريكِ ) فى الإعراب والحكم ( والمهلةِ والترتيبِ ) تقول جاءَ زيدٌ ثم عمروٌ، اذا شارك زيدا في المجيء وتراخى مجيئه عن مجيئه ( في الأصحِّ ) وقيل: لا تفيد المهلة، وقيل لاتفيد الترتيب ( و ) الثانى عشر ( حتى لانتهاءِ الغايةِ غالبًا ) وهي حينئذ إمّا جارة لاسم صريح، نحو: سلامٌ هيَ حتى مطلعِ الفجرِ، أو مؤول من أن والفعل نحو: لن نبرحَ عليه عاكفينَ حتى يرجعَ الينا موسى، أى إلى رجوعه، وإما عاطفة لأعلى على أدنى، أو أدنى على أعلى، نحو: ماتَ الناسُ حتى الأنبياءُ، وقدِمَ الحجّاجُ حتى المشاةُ، وإما ابتدائية بأن يستأنف بعدها جملة إما اسمية نحو: لقدَ اسوَدَّ قلبُ الكافرِ حتى الموعظةُ غير نافعةٍ، أو فعلية نحو: مرِضَ فلانٌ حتى لا يَرجونَهُ ( وللاستثناءِ نادرًا ) نحو: ليسَ العطاءُ من الفضولِ سماحةً.. حتى تجودَ وما لديكَ قليلُ، أى إلا أن تجود وهو استثناء منقطع بمعنى لكن ( وللتعليلِ ) نحو أسلمْ حتى تدخلَ الجنةَ أى لتدخلها، وعلامتها أن يصلح موضعها كي ( و ) الثالث عشر ( ربّ حرفٌ فى الأصحِّ ) وقيل اسم وعلى الوجهين ترد ( للتكثيرِ ) نحو: رُبَما يودُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمينَ، اذ يكثر منهم تمني ذلك يوم القيامة اذا عاينوا حالهم وحال المسلمين ( وللتقليلِ ) كقولِه: ألا رُبّ مولودٍ وليسَ لهُ أبٌ.. وذي ولدٍ لم يلدْه أبوانِ، أراد عيسى وآدم عليهما الصلاة والسلام واختار ابن مالك أن ورودها للتكثير أكثر من ورودها للتقليل ( ولاتختصُّ بأحدِهما فى الأصحِّ ) وقيل تختص بالتكثير، وقيل تختص بالتقليل.


    الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/showthread...#ixzz4SM7RnIFW

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    39

    افتراضي

    الدرس الخامس والعشرون- مباحث الكتاب

    تكملة الحروف


    الرابع عشر: على، وترد لمعان هي:
    1- بمعنى فوق، وهي حينئذ اسم وعلامتها أن تدخل عليها مِنْ، مثل: نزلَ العصفورُ مِن على الغصنِ، أي من فوقه.
    2- للعلو، مثل: ( وعليها وعلى الفُلكِ تُحملونَ ).
    3- للمصاحبة، فتكون مثل ( مع ) كما في قوله تعالى: ( وآتى المالَ على حبِّهِ ) أي مع حبه.
    4- للمجاوزة، فتكون مثل ( عنْ )، كما في قول الشاعر: إذا رضيتْ عليَّ بنو قُشَيْرٍ.. أي عني.
    5- للتعليل، فتكون ( كاللام )، مثل: ( ولتكبّروا الله على ما هداكم ) أي لهدايتكم.
    6- للظرفية، مثل ( في )، مثل: ( ودخلَ المدينةَ على حينِ غفلةٍ ) أي في حين.
    7- للاستدراك، مثل ( لكن )، تقول: فلانٌ عاصٍ على أَنَّه غيرُ قانِطٍ، أي لكنه.
    8- الزيادة، مثل: لا أَحلفُ على يمينٍ، أي يمينًا.
    وترد اسم فعل أمر بمعنى الزم، مثل: عليكَ نفسَكَ فتِّشْ عن معايبها، أي الزمها.
    أما علا يعلو ففعل مثل: ( إنّ فرعونَ علا في الأرضِ ).
    الخامس عشر: الفاء العاطفة، وترد لمعان هي:
    1- الترتيب، وهو نوعان:
    أ- ( معنويّ ) إذا حصل ما بعدها بعد ما قبلها، مثل: جاءَ زيدٌ فعمرٌو، فمجيء عمرٌو عقب مجيء زيد.
    ب- و( ذكريّ ) إذا كان ما بعدها كلاما مرتبا في الذكر والإخبار على ما قبلها، مثل: ( فقدْ سألوا موسى أكبرَ مِنْ ذلكَ فقالوا أَرِنا اللهَ جهرةً ) فالجملة الثانية قالوا أرنا .. معطوفة على الجملة الأولى سألوا موسى، وهو عطف مفصّل على مجمل، أي أن الجملة الثانية بينت وفصلت سؤالهم، ولا يوجد ترتيب زمني بين الجملتين.
    2- التعقيب، والمشهور في تفسيره أنه حصول ما بعدها بعد ما قبلها مباشرة، والصحيح أنه بعد كل شيء بحسبه، تقول: غابت الشمسُ فأفطرنا، أي حصل الإفطار بعد غروب الشمس بلا فاصل، وتقول: تزوّج فلانٌ فوُلِدَ له، إذا لم يكن بين الزواج والولادة غير مدة الحمل، لا أنها ولدت بعد الزواج مباشرة.
    3- السببية، وهذا هو المعنى الغالب فيها، مثل: ( فوكزَهُ موسى فقضى عليه )، ومثل: سها فسجَدَ.
    السادس عشر: في، حرف جر يرد لمعان هي:
    1- الظرفية الزمانية والمكانية، مثل: ( واذكروا اللهَ في أيّامٍ معدوداتٍ ) ومثل: ( وأنتم عاكفونَ في المساجِدِ ).
    2- المصاحبة، فتكون مثل ( مع ) كما في قوله تعالى: ( قالَ ادخلوا في أممٍ ) أي مع أمم.
    3- التعليل، كما في قوله تعالى: ( لَمَسَّكمْ فيما أفضتم ) أي لما أفضتم.
    4- العلو، فتكون مثل ( على ) كما في قوله تعالى على لسان فرعون: ( لأصلّبنكم في جذوعِ النخلِ ) أي عليها.
    5- التوكيد، أي الزيادة للتقوية مثل: ( قالَ اركبوا فيها ) أي اركبوها.
    6- التعويض عن في أخرى محذوفة، مثل: ضربتُ فيمَنْ رَغِبْتَ، والأصل: ضربتُ مَنْ رَغِبْتَ فيه.
    7- بمعنى الباء، مثل: ( جعلَ لكم مِن أنفسِكم أَزواجًا ومِنْ الأنعامِ أزواجًا يَذْرَؤُكُمْ فيه ) أي يخلقكم به، ويخلقكم هنا بمعنى يكثّركم أي يكثركم بسبب هذا الجعل بالتوالد بينكم.
    8- بمعنى إلى، كما في قوله تعالى: ( فَرَدُّوا أيديَهُم في أفواهِهم ) أي إلى أفواههم.
    9- بمعنى مِنْ، كما إذا رأيت عيبا في ثواب واسع فأردت تعييبه بذلك، فيقال لك: هذا أصبع فيه، أي منه، أي أن هذا مقدار قليل منه فلا يعيبه ذلك.
    السابع عشر: كي، حرف يرد على وجهين:
    1- التعليل، فيكون ( كاللام )، مثل: جئتُ كي أتعلمَ، أي لأن أتعلمَ.
    2- بمعنى أَنْ المصدرية، بأن تدخل عليها اللام، مثل: جئتُ لكي أتعلمَ، أي لأن أتعلمَ.
    الثامن عشر: كلّ، اسم لاستغراق أفراد المضاف إليه، أو استغراق أجزاء المضاف إليه، فالأول إذا كان المضاف إليه مفردا نكرة، نحو: ( كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ ) وكذلك إذا كان جمعا معرّفا، مثل: كلُّ الدراهمِ صُرفَتْ، والثاني إذا كان المضاف إليه مفردا معرفة، مثل: كلُّ البيتِ حَسَنٌ، أي كل أجزائه.

    ( شرح النص )

    وعلى، الأصحُّ أَنَّها قدْ ترِدُ اسمًا بمعنى فوقَ، وحرفًا للعلوِّ، وللمصاحبةِ، وللمجاوزةِ، وللتعليلِ، وللظرفيّةِ، وللاستدراكِ، وللتَّوكيدِ، وبمعنى الباءِ،ومِنْ، أَمَّا علا يعلو فَفِعْلٌ.
    والفاءُ العاطِفةُ للترتيبِ، وللتعقيبِ، وللسَّببيةِ.
    وفي للظَّرفيةِ، وللمصاحبةِ، وللتَّعليلِ، وللعُلُوِّ، وللتوكيد، وللتَّعويضِ، وبمعنى الباءِ، وإلى، ومِنْ.
    وكيْ للتعليلِ، وبمعنى أَنِ المصدريَّةِ.
    وكُلٌّ، اسمٌ لاستغراقِ أفرادِ المنَكَّرِ والمعرَّفِ المجموعِ وأجزاءِ المعرَّفِ المفردِ
    .
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    ( و ) الرابع عشر ( على ) و ( الأصحُّ أَنَّها قدْ ترِدُ ) بقلة ( اسمًا بمعنى فوقَ ) بأن تدخل عليها مِنْ: نحو: نزلَ العصفورُ مِن على الغصنِ، أي من فوقه ( و ) ترد بكثرة ( حرفًا للعلوِّ ) حِسّا كان نحو: كلُّ مَن عليها فان، أو معنىً نحو: فضّلنا بعضهم على بعض ( وللمصاحبةِ ) كمع نحو: وآتى المال على حبه، أي مع حبه ( وللمجاوزةِ ) كعن نحو: رضيت عليه أي عنه ( وللتعليلِ ) نحو: ولتكبروا الله على ما هداكم، أي لهدايته إياكم ( وللظرفيةِ ) كفي نحو: ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها، أي في وقت غفلتهم ( وللاستدراكِ ) مثل لكن نحو: فلان لا يدخل الجنة لسوء فعله على أنه لا ييأس مِن رحمة الله، أي لكنه ( وللتوكيدِ ) كخبر: لا أحلفُ على يمين ثم أرى خيرا منها.. أي يمينا، متفق عليه ( وبمعنى الباءِ ) نحو: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق، أي حقيق بأن لا أقول ( و ) بمعنى ( مِنْ ) نحو: إذا اكتالوا على الناس يستوفون، أي منهم، وقيل: هي اسم أبدا لدخول حرف الجرّ عليها، وقيل: هي حرف أبدا ( أمَّا علا يعلو ففِعلٌ ) نحو: إنّ فرعون علا في الأرض، ونحو: ولعلا بعضهم على بعض، فقد استكملت على في الأصح أقسام الكلمة لمجيئها اسما وفعلا وحرفا ( و ) الخامس عشر ( الفاءُ العاطِفةُ للترتيبِ ) المعنويّ والذكري، فالأول مثل: جاءَ زيدٌ فعمرٌو، فمجيء عمرٌو عقب مجيء زيد، والثاني مثل: فقدْ سألوا موسى أكبرَ مِنْ ذلكَ فقالوا أَرِنا اللهَ جهرةً فالجملة الثانية قالوا أرنا .. معطوفة على الجملة الأولى سألوا موسى، وهو عطف مفصّل على مجمل ( وللتعقيبِ ) في كل شيء بحسبه تقول: قام زيد فعمرو، إذا أعقب قيامه قيام زيد، ودخلت البصرة فالكوفة، إذا لم يقم بالبصرة ولا بين البصرة والكوفة، وتزوّج فلان فولد له، إذا لم يكن بين التزوّج والولادة إلا مدة الحمل مع لحظة الوطء ومقدماته ( وللسَّببيةِ ) ويلزمها التعقيب نحو: فوكزه موسى فقضى عليه، فخرج بقولنا العاطفة الرابطة للجواب فقد يتراخى الجواب عن الشرط نحو: إن يسلمْ فلان فهو يدخل الجنة، فلا تعقيب فيها ( و ) السادس عشر ( في للظَّرفيةِ ) الزمانية نحو: واذكروا الله في أيام معدودات، والمكانية نحو: وأنتم عاكفون في المساجد ( وللمصاحبةِ ) نحو: قال ادخلوا في أمم، أي معهم ( وللتعليلِ ) نحو: لمسّكم فيما أفضتم فيه، أي لأجل ما أفضتم فيه ( وللعلوّ ) نحو: لأصلبنكم في جذوع النخل، أي عليها ( وللتوكيدِ ) نحو: وقال اركبوا فيها، وأصله اركبوها ( وللتعويضِ ) عن أخرى محذوفة نحو: ضربتُ فيمن رغبتَ، وأصله ضربت مَن رغبتَ فيه ( وبمعنى الباءِ ) نحو: جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه، أي يخلقكم بمعنى يكثركم بسبب هذا الجعل بالتوالد ( و ) بمعنى ( إلى ) نحو: فردّوا أيديهم في أفواههم، أي إليها ليعضوا عليها من شدّة الغيظ ( و ) بمعنى ( مِنْ ) نحو: هذا ذراع في الثوب، أي من الثوب، يعني فلا يعيبه لقلته ( و ) السابع عشر ( كي للتعليلِ ) فينصب المضارع بأن مضمرة نحو: جئت كي تكرمني، أي لأن تكرمني ( وبمعنى أنْ المصدريةِ ) بأن تدخل عليها اللام نحو: جئت لكي تكرمني، أي لأن تكرمني ( و ) الثامن عشر ( كُلٌّ ) وهو ( اسمٌ لاستغراقِ أفرادِ ) المضاف إليه المفرد ( المنَكَّرِ ) نحو: كل نفس ذائقة الموت ( و ) لاستغراق أفراد المضاف إليه ( المعرَّفِ المجموعِ ) نحو: كل العبيد جاءوا ( و ) لاستغراق ( أجزاءِ ) المضاف إليه ( المعرَّفِ المفردِ ) نحو: كلُّ زيدٍ أو الرجلِ حسنٌ، أي كل أجزائه.


    الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/showthread...#ixzz4SM7iBgUU

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    39

    افتراضي

    الدرس السادس والعشرون- مباحث الكتاب

    تكملة الحروف


    التاسع عشر: اللام الجارّة، وترد لمعان هي:
    1- التعليل، مثل: ( وأنزلنا إليك الذكرَ لتبيّنَ للنّاسِ ) أي لأجل أن تبين لهم.
    2- الاستحقاق، مثل: النارُ للكافرينَ، أي عذابها مستحق لهم.
    3- الاختصاص، مثل: الجنةُ للمتقينَ، أي نعيمها مختص بهم.
    4- الملك، مثل: ( للهِ ما في السمواتِ والأرضِ ).
    واعلم أن بين الاستحقاق والاختصاص عموما وخصوصا مطلقا، فالاستحقاق أعم مطلقا من الاختصاص، فكل اختصاص استحقاق ولا ينعكس كما تراه في المثالين المذكورين، فإن النار مع كونها مستحقة للكفار ليسوا مختصين بها بل يشاركهم فيها عصاة المؤمنين وإن كان تأبيدها مختصا بالكفار، بخلاف الجنة فإنها مع كونها مختصة بالمؤمنين مستحقة لهم، وأما الملك فهو أخص من كل منهما مطلقا فكل مملوك فهو مختص بمالكه ومستحق له ولا عكس. اهـ حاشية البناني.
    5- الصيرورة، أي العاقبة، مثل: ( فالتقَطَهُ آلُ فرعونَ ليكونَ لهم عَدُوًّا وحَزَنا ) أي صارت عاقبته كذلك لا أنهم التقطوه من أجل ذلك.
    6- التمليك، مثل: الغلامُ لكَ، أي ملكتك إياه.
    7- شبه التمليك، مثل: ( واللهُ جعلَ لكم من أنفسكم أزواجًا، وجعلَ لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) فالزوجات والبنين والحفدة ليسوا مملوكين للرجال، ولكن من حيث نفوذ الأمر والنهي ونحوه عليهم.
    8- توكيد النفي، وهي المسبوقة بكون منفي، ويسميها النحاة لام الجحود، مثل: ( وما كانَ ليعذبهم وأنت فيهم ).
    9- التعدية، مثل: ما أضربَ زيدًا لعمرٍو!، والأصلُ ما أضربَ زيدًا ! تريد التعجب من ضربه، ولا يجوز أن تقول: ما أضربَ زيدًا عمرًا، فلما دخلت اللام تعدى الفعل لعمرو باللام.
    10- التوكيد، أي الزيادة للتقوية كالداخلة لتقوية عامل ضعف بسبب تأخيره، مثل: ( إن كنتم للرؤيا تعبُرونَ ) والأصل إن كنتم تعبرون الرؤيا، فلما تقدم المفعول به ضعف تسلط عامله عليه فاحتيج إلى تقويته بهذه اللام الزائدة.
    11- بمعنى إلى، مثل: ( فَسُقْناهُ لبلدٍ ميّتٍ ) أي إلى بلد.
    12- بمعنى على، مثل: ( ويخرون للأذقان ) أي عليها.
    13- بمعنى في، مثل: ( ونضعُ الموازينَ القِسْطَ ليومِ القيامةِ ) أي فيها.
    14- بمعنى عند، مثل: كتبتُه لخمس بقين من صَفَر، أي عند خمس.
    15- بمعنى بعد، مثل: ( أقمْ الصلاةَ لدلوك الشمس ) أي بعد زوال الشمس لأن فعل الصلاة بعد الزوال لا عنده.
    16- بمعنى مِنْ، مثل: سمعتُ له صُراخًا، أي منه.
    17- بمعنى عنْ، مثل: قالَ للكافرينَ إنهم معذّبونَ، أي قال عنهم، إذْ ليسَ الخطاب موجها لهم وإلا لقال: إنكم معذبون.
    العشرون: لولا، وهي حرف يرد لمعان هي:
    1- الامتناع، أي امتناع الجواب لوجود الشرط، وذلك إذا دخلت على الجملة الاسمية مثل: لولا زيدٌ لسافرتُ، أي امتنع سفري لوجود زيد.
    2- التحضيض، أي الطلب بشدة، وذلك إذا دخلت على جملة فعلية فعلها مضارع مثل: ( لولا تستغفرونَ اللهَ ) أي استغفروه ولا بُدَّ.
    3- العَرْضُ، أي الطلب بلين، وذلك إذا دخلت على جملة فعلية فعلها مضارع أيضا ولو تأويلا مثل: ( لولا أَخَّرْتَنِي إلى أجلٍ قريبٍ ) فأَخَّرَ فعل ماض لدخول تاء الفاعل عليه، ولكنه في الآية بتأويل مضارع أي لولا تؤخرني لأن المراد هو التأخير الآن يقول ذلك حينما يرى الموت، ولهذا قال بعدها: ولن يؤخر اللهُ نفسًا إذا جاءَ أجلها.
    4- التوبيخ، إذا دخلت على جملة فعلية فعلها ماض مثل: ( فلولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ) وبّخهم الله على عدم المجيء بالشهداء بما قالوه من الإفك.

    ( شرح النص )

    واللامُ الجارَّةُ للتعليلِ، وللاستحقاقِ، وللاختصاصِ، وللمِلكِ، وللصيرورةِ، وللتمليكِ، وشِبْهِهِ، ولتوكيدِ النفيِ، وللتعديةِ، وللتوكيدِ، وبمعنى إلى، وعلى، وفي، وعِنْدَ، وبعدَ، ومِنْ، وعَنْ.
    ولولا حرفٌ معناهُ في الجملةِ الاسميَّةِ: امتناعُ جوابِهِ لوجودِ شرْطِهِ، وفي المضارِعِيَّةِ التَّحْضيضُ والعَرْضُ، والماضيةِ التوبيخُ، ولا تَرِدُ للنَّفْيِ ولا للاستفهامِ في الأَصحِّ.

    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    ( و ) التاسع عشر ( اللامُ الجارةُّ ) وخرج بالجارة الجازمة، نحو: لينفق ذو سعة من سعته، وغير العاملة كلام الابتداء نحو: لأنتم أشدّ رهبة ( للتعليلِ ) نحو: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس، أي لأجل أن تبين لهم ( وللاستحقاقِ ) نحو: النارُ للكافرينَ، أي عذابها مستحق لهم ( وللاختصاصِ ) نحو: الجنة للمؤمنين، أي نعيمها مختص بهم ( وللملكِ ) نحو: لله ما في السموات وما في الأرض ( وللصيرورةِ ) أي العاقبة نحو: فالتقطة آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وحزنا، فهذا عاقبة التقاطهم له لا علته إذْ هم التقطوه لتبنيه ( وللتمليكِ ) نحو: وهبت له ثوبا أي ملكته إياه ( وشبههِ ) أي التمليك نحو: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ( ولتوكيدِ النفيِ ) نحو: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، فهي في هذا ونحوه لتوكيد نفي الخبر ( وللتعديةِ ) نحو: ما أضربَ زيدًا لعمرٍو ( وللتوكيدِ ) وهي الزائدة كأن تأتي لتقوية عامل ضعف بالتأخير نحو: إن كنتم للرؤيا تعبرون، والأصل إن كنتم تعبرون الرؤيا، أو لكونه فرعا في العمل وذلك في الاسم المشتق نحو: إن ربك فعّال لما يريد، والأصل فعّال ما يريد، وما اسم موصول مفعول به لفعال، فلا يوجد تقديم ولكن لما كان الأصل في الاسم أنه غير عامل وإنما يعمل فرعا عن الفعل قوّي باللام ( وبمعنى إلى ) نحو: فسقناه لبلد ميت، أي إليه ( و ) بمعنى ( على ) نحو: يخرون للأذقان سجدا، أي عليها ( و ) بمعنى ( في ) نحو: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة، أي فيه ( و ) بمعنى ( عندَ ) نحو: يا ليتني قدّمت لحياتي، أي عندها ( و ) بمعنى ( بعدَ ) نحو: أقم الصلاة لدلوك الشمس، أي بعده ( و ) بمعنى ( مِن ) نحو: سمعت له صراخا، أي منه ( و ) بمعنى ( عنْ ) نحو: وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه، أي عنهم وقوله لو كان أي الإيمان ( و ) العشرون ( لولا حرفٌ معناهُ في ) دخوله على ( الجملةِ الاسميةِ امتناعُ جوابِه لوجودِ شرطِهِ ) نحو: لولا زيدٌ- أي موجود- لأهنتكَ، امتنعت الإهانة لوجود زيد، وزيد مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ( وفي ) دخوله على الجملة ( المضارعِيَّةِ التحضيضُ ) أي الطلب بحثّ نحو: لولا تستغفرون الله، أي استغفروه ولا بد ( والعَرْضُ ) وهو طلب بلين نحو: لولا أخرتني- أي تؤخرني - إلى أجل قريب ( و ) في دخوله على الجملة ( الماضيةِ التوبيخُ ) نحو: لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء، وبَّخَهم الله على عدم المجيء بالشهداء بما قالوه من الإفك ( ولا تردُ ) لولا ( للنفيِ ولا للاستفهامِ في الأصحِّ) وقيل ترد للنفي كآية: فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس، أي فما آمنت قرية أي أهلها عند مجيء العذاب إلا قوم يونس، وردّ بأنها في الآية للتوبيخ على ترك الإيمان قبل مجيء العذاب، وكأنه قيل: فلولا آمنت قرية قبل مجيئه فنفعها إيمانها، والاستثناء حينذ منقطع فإلا فيه بمعنى لكن، وقيل ترد للاستفهام كقوله تعالى: لولا أنزل عليه ملك، وردّ بأنها فيه للتحضيض أي هلا أنزل بمعنى ينزل.


    الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/showthread...#ixzz4SYLTyL7t

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    39

    افتراضي

    الدرس السابع والعشرون- مباحث الكتاب

    تكملة الحروف


    الحادي والعشرون: لو، حرف شرط غير جازم، وأكثر وقوعه للحصول في الماضي، مثل: لو جاءني البارحةَ لأكرمتُهُ، ويقلّ للمستقبل، مثل: لا تهجرْ أخاكَ ولو أساءَ، أي وإن أساء في المستقبل، فأساء فعل ماض ولكنه صرف إلى الاستقبال بسبب لو وتكون حينئذ بمعنى إنْ.
    وترد لمعان هي:
    1- العَرْضُ، أي الطلب برفق، ولا بد أن يكون لها حينئذ جواب شرط منصوب بعد فاء السببية بأن مضمرة، نحو: لو تأتينا فنُكرِمَكَ، وقد يحذف جوابها لدليل يدل عليه كقول عائشة رضي الله عنها لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تخبر أبيها أن يؤم الناس فقالت: فلو أَمَّرْتَ عُمَرَ. متفق عليه. أي فلو أمرّت عمر فيكون أقدر من أبي بكر؛ لأنه رجل رقيق القلب كثير البكاء.
    2- التحضيض، أي الطلب بشدة، ولا بد أن يكون لها حينئذ جواب شرط منصوب بعد فاء السببية بأن مضمرة أيضا، كقول الأب لولده: لو تجتهدُ في دروسِكَ فتنجحَ.
    3- التمني، أي طلب ما لا مطمع في حصوله، ولا بد أن يكون لها حينئذ جواب شرط منصوب بعد فاء السببية بأن مضمرة أيضا، مثل: ( فلو أَنَّ لنا كرةً فنكونَ من المؤمنينَ ).
    4- التقليل، مثل: اتقوا النارَ ولو بِشِقِّ تمرَةٍ، أي ولو كان ما تتقون به النار نصف تمرة تعطونها.
    5- المصدرية، مثل أَنْ المصدرية فتنسبك مع ما بعدها بمصدر، مثل: ( يودُّ أحدُهم لو يعمّرُ ألفَ سنةٍ ) أي يود أحدهم تعمير ألف سنة، وعلامتها أنه لو حذفتها ووضعت محلها أَنْ المصدرية لاستقام المعنى.
    6- الشرطية، وهو المعنى الغالب عليها -وإنما أخرتها لطول الكلام عليها- والشرط هو الربط بين أمرين بحيث لو وقع أحدهما لوقع الآخر، وهي على ثلاثة أنواع:
    أ- السببية وهي: التي تدل على انتفاء الجواب في الواقع بسبب انتفاء الشرط، مثل: لو حضرتَ لأكرمتُك، انتفى الإكرام في الواقع بسبب انتفاء الحضور. فهي تذكر لبيان السببية.
    ب- الاستدلالية وهي: التي يستدل بانتفاء جوابها على انتفاء شرطها، مثل أن يقال لك: هل زيدٌ في البلد؟ فتقول: لا إذْ لو كان فيها لحضرَ مجلسنا، فتستدل بعدم حضوره في المجلس على عدم كونه في البلد، فهي تذكر في مقام الاستدلال لا لبيان السببية، وذلك إذا كان انتفاء الجواب معلوما وانتفاء الشرط غير معلوم فيوتى بلو للاستدلال بالمعلوم وهو انتفاء الجواب على المجهول وهو انتفاء الشرط، ومنه قوله تعالى: ( لو كانَ فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا ) فيستدل بعدم انتفاء الفساد واختلال النظام في السموات والأرض على أنه لا إله إلا الله، لأن امتناع الفساد في السموات والأرض معلوم بالمشاهدة لديهم فاستدل به على نفي تعدد الآلهة المجهول لديهم.
    ج- ما تدل على ثبوت جوابها على تقدير انتفاء شرطها وعلى تقدير وجوده أيضا، مثل قولك لمن سألك مالًا: لو كان لي مالٌ ما أعطيتكَ منه، أي فكيف وأنا لا مال لي، فالجواب وهو عدم الإعطاء ثابت في الحالتين والشرط وهو وجود المال منتف، والمقصود بهذا النوع هو الإخبار عن تحقق الجواب واستمراره دائما سواء وجد الشرط المذكور أم انتفى.
    وهذا النوع له ثلاثة أقسام:
    1- أن يكون انتفاء الشرط أولى من الشرط، نحو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر رضي الله عنه قال لصهيب رضي الله عنه: نعم العبدُ صهيبٌ لو لم يخف اللهَ لمْ يعصِه، أي أنه حتى لو لم يخف الله سبحانه لم يعصه؛ لأنه يستحي منه حق الحياء، وليس معناه أنه لا يخافه سبحانه بل هو يخافه ولكن على معنى أن هنالك سببا آخر يحول بينه وبين العصيان، فلو قدر أنه انتفى أحدهما ثبت الآخر، فهنا نقيض الشرط وهو الخوف من الله وما يلزمه عدم العصيان أولى من وجود الشرط وهو عدم الخوف بأن يكون لا يعصيه حياءً، ووجه الأولوية أن أكثر خلق الله ممن يمتنعون عن المعاصي يحملهم على ذلك الخوف، أما من يحمله خالص الحياء والحب فهم أقل عددا، فالأولوية هي بين الامتناع عن المعاصي خوفا وبين الامتناع عن المعاصي حياء وحبا، هذا وذكر الحافظ العراقي والسيوطي وغيرهما أن الأثر المذكور لا أصل له.
    2- أن يكون انتفاء الشرط مساويا للشرط، نحو قوله صلى الله عليه وسلم لما بلغه تحدث النساء أنه يريد أن يتزوج بنت أم سلمة أم المؤمنين- بناء على تجويزهن أن ذلك من خصائصه التي ينفرد بها عن الناس-: ( لو لم تكنْ ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة ) رواه الشيخان. فهنالك سببان يمنعان حلها عليه كونها ربيبته، وكونها بنت أخيه بالرضاعة فإذا قدر انتفاء الأول فالثاني موجود فهي محرمة عليه على كل حال، فهنا نقيض الشرط وهو كونها ربيبته وما يترتب عليه من عدم حلها عليه مساو لوجود الشرط بأن لم تكن ربيبته بل كانت بنت أخيه من الرضاعة وما يترتب عليه من عدم حلها عليه، فهما متساويان إذْ الحرمة بالمصاهرة مساوية للحرمة بالرضاع.
    3- أن يكون انتفاء الشرط أدون من الشرط، نحو: لو لم تكن أختي من الرضاعة لما حلت لي إنها أختي من النسب، فهنالك سببان يمنعان حلها عليه كونها أخته من الرضاعة، وكونها أخته من النسب، فإذا قدر انتفاء الأول فالثاني موجود فهي محرمة عليه على كل حال، فهنا نقيض الشرط وهو كونها أخته من الرضاعة وما يترتب عليه من عدم حلها عليه أدون من وجود الشرط بأن لم تكن أخته من الرضاعة بل كانت أخته من النسب فقط وما يترتب عليه من من عدم حلها عليه، ومعلوم أن الحرمة بالرضاع أدون من الحرمة بالنسب.

    ( شرح النص )

    ولو شرطٌ للماضي كثيرًا، ثُمَّ قيلَ: هيَ لمجردِ الرَّبْطِ، والأصحُّ أَنها لانتفاءِ جوابِها بانتفاءِ شرطِها خارجًا، وقدْ تَرِدُ لِعَكْسِهِ عِلْمًا، ولاثباتِ جوابِها إنْ ناسَبَ انتفاءَ شَرْطِها بالأولى كـ لو لمْ يَخَفْ لمْ يعْصِ، أَو المساوي كـ لو لمْ تكنْ ربيبةً ما حَلَّتْ للرّضاعِ، أَو الأَدونِ كـ لو انتفتْ أُخوَّةُ الرّضاعِ ما حلّت للنسبِ، وللتَّمَنِّي، وللتَّحضيضِ، وللعَرضِ، وللتَّقليلِ نحو: ولوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ، ومصدَرِيَّةً.
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    ( و ) الحادي والعشرون ( لو شرطٌ ) أي حرف شرط ( للماضي ) أي للحصول في الزمن الماضي ( كثيرًا ) نحو : لو جاءَ زيدٌ لأكرمتُهُ، وللمستقبل قليلا نحو: وليخشَ الذين لو تركوا ذرية ضِعافًا خافوا عليهم، أي إن تركوا ذرية.. ( ثُمَّ قيلَ ) في معناها على كونها حرف شرط للماضي أما على كونها حرف شرط للمستقبل فهي بمعنى إن التي لمجرد الربط لا تدل على انتفاء أو ثبوت ( هيَ ) أي لو ( لمجردِ الرَّبْطِ ) أي ربط الجواب بالشرط من غير دلالة على انتفاء أحدهما، وما يستفاد من الانتفاء هو مستفاد من خصوص الأمثلة وليس من أصل وضع لو، فتكون لو مثل إنْ التي لمجرد ربط الجواب بالشرط لكن إن للربط في المستقبل ولو للربط في الماضي، وهو قول ضعيف لأن كل من يسمع لو فعل كذا يعلم مباشرة انتفاء وقوع الفعل من غير تردد ( والأصحُّ أَنها ) ترد لأحد ثلاثة معان، المعنى الأول هو الأصل فيها أي الكثير الغالب في الاستعمال العربي الفصيح وهو ( لانتفاءِ جوابِها بانتفاءِ شرطِها خارجًا ) أي في الواقع الخارجي نحو: لو حضرتَ لأكرمتُك، انتفى الإكرام في الواقع بسبب انتفاء الحضور ( وقدْ تَرِدُ ) بنحو أقل من الأول وهو المعنى الثاني ( لِعَكْسِهِ ) أي عكس المذكور أي انتفاء شرطها بانتفاء جوابها ( عِلْمًا ) أي بانتفاء العلم بجوابها، مثل أن يقال لك: هل زيدٌ في البلد؟ فتقول: لا إذْ لو كان فيها لحضرَ مجلسنا، فتستدل بعدم حضوره في المجلس على عدم كونه في البلد ( و ) ترد أيضا بنحو أقل من الأول والثاني على ما قاله السيد الشريف في حواشي المطول وهو المعنى الثالث لها ( لاثباتِ جوابِها ) مع انتفاء شرطها وذلك ( إنْ ناسَبَ ) ثبوتُ جوابها ( انتفاءَ شَرْطِها ) أي إن تحققت مناسبة بين ثبوت الجواب ونقيض الشرط مثل: لو كان عندي مال ما أعطيتك، فثبوت عدم العطاء لا ينافي عدم وجود المال، بل على العكس هو أنسب فمن لا يملك المال لا يرجى منه العطاء، وهذا بخلاف أمثلة القسم الأول والثاني فمثلا إذا قلنا: لو حضر زيدٌ لأكرمته، فالإكرام لا يناسب عدم الحضور، ولو كان في البلدة لحضر مجلسنا، حضور المجلس لا يناسب عدم الوجود في البلدة بل ينافيه، وتلك المناسبة بين ثبوت الجواب وانتفاء الشرط على ثلاثة أنحاء إما ( بالأولى ) أي بطريق الأولى بأن يكون نقيض الشرط أولى من الشرط في ترتّب الجواب عليه ( كـ لو لمْ يَخَفْ لمْ يعْصِ ) يشير إلى أثر قيل لصهيب ولا أصل له: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، رتب عدم العصيان على عدم الخوف، ونقيض الشرط وهو الخوف من الله وما يترتب عليه من الكف عن المعاصي أولى من عدم الخوف بأن وجد بدله الحياء والحب وما يترتب عليه من عدم المعاصي ووجه الأولوية كون المعنى الأول أكثر أفرادا في الواقع ( أَو المساوي كـ لو لمْ تكنْ ربيبةً ما حَلَّتْ للرّضاعِ ) المأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم في دُرَّة بنت أم سلمة لما بلغه تحدث النساء أنه يريد أن ينكحها بناء على تجويزهن أن ذلك من خصائصه: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة. رواه الشيخان. رتّب عدم حلها على عدم كونها ربيبته، فهنا نقيض الشرط وهو كونها ربيبته وما يترتب عليه من عدم حلها عليه مساو لوجود الشرط بأن لم تكن ربيبته بل كانت بنت أخيه من الرضاعة وما يترتب عليه من عدم حلها عليه، فهما متساويان إذْ الحرمة بالمصاهرة مساوية للحرمة بالرضاع ( أَو الأَدونِ كـ ) قولك في امرأة عرض عليك الزواج منها ( لو انتفتْ أُخوَّةُ الرّضاعِ ) بيني وبينها ( ما حلّت ) لي ( للنسبِ ) بيني وبينها بالأخوّة، رتب عدم حلها على عدم أخوتها من الرضاع، فهنا نقيض الشرط وهو كونها أخته من الرضاعة وما يترتب عليه من عدم حلها عليه أدون من وجود الشرط بأن لم تكن أخته من الرضاعة بل كانت أخته من النسب فقط وما يترتب عليه من من عدم حلها عليه لأن حرمة الرضاع أدون من حرمة النسب ( و ) ترد ( للتَّمَنِّي ) نحو قول الفقير المعدم: لو كان لي مالٌ فأحجَّ ( وللتَّحضيضِ ) نحو: لو تجتهدُ في دروسِكَ فتنجحَ ( وللعَرضِ ) نحو: لو تأتينا فنُكرِمَكَ ( وللتَّقليلِ نحو ) خبر: ردُّوا السائلَ ( ولوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ ) والمعنى تصدقوا بما تيسر من كثير أو قليل ولو بلغ في القلة إلى الظلف مثلا فإنه خير من العدم، والظِلف هو بمنزلة الظفر لقدم البقر والغنم والمعز، والمحرق أي المشوي أي لا تردوا السائل إلا بشيء ولو لم تجدوا إلا ظِلفا محرقا، والأثر المذكور قال عنه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي واللفظ له من حديث أم بُجَيْدٍ وقال ابن عبد البر مضطرب. اهـ ( و ) ترد ( مصدَرِيَّةً ) نحو: يودُّ أحدُهم لو يعمّرُ ألفَ سنةٍ، أي يود أحدهم تعمير ألف سنة.


    الموضوع الأصلي: http://feqhweb.com/vb/showthread.php...#ixzz4TpLncqFd

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    39

    افتراضي

    الدرس الثامن والعشرون- مباحث الكتاب

    خاتمة الحروف

    الثاني والعشرون: لنْ، حرف نفي ونصب واستقبال، أي ينفي المضارع وينصبه ويخصصه لزمن الاستقبال بعد أن كان صالحا للحال والاستقبال، مثل: ( ولنْ يفلحَ الساحرُ ) ولا تفيد لن توكيد النفي ولا تأبيد النفي خلافا للعلامة الزمخشري، وتأتي أيضا لإفادة الدعاء على ما ذكره العلامة ابن عصفور وغيره نحو: لنْ تزالَ بخيرٍ، أي لا زلت.
    الثالث والعشرون: ما، وترد اسمية وحرفية، فالاسمية ترد:
    1- موصولة، بمعنى الذي مثل: ( ما عندكم ينفدُ وما عندَ اللهِ باقٍ ) أي الذي عندكم ينفد والذي عند الله باق.
    2- نكرة موصوفة، أي تفسر باسم نكرة ويقع بعدها صفة لها مثل: ربَّ ما كرِهتَهُ تحقّقَ فيه نفعُكَ، أي ربّ شيءٍ كرهته.
    3- تعجبية، مثل: ما أحسنَ قولَكَ!.
    4- تمييزية، وهي اللاحقة لنعم وبئس، نحو: ( إنْ تُبْدوا الصَّدقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) فما نكرة تامة- أي لا تحتاج صفة بعدها- مبنية على السكون في محل نصب تمييز، أي نعم شيئًا هيَ أي ابداؤها.
    5- مُبالَغِيَّة، وهي للمبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل، نحو: إنَّ زيدًا مِمَّا أَنْ يكتبَ، أي أن زيدا مخلوق من أمر وذلك الأمر هو الكتابة، فخبر إن محذوف تقديره مخلوق ومِن الجارة متعلقة به، وما نكرة تامة بمعنى أمر في محل جر بمن، وأن المصدرية والفعل بعدها بتأويل مصدر مجرور هو بدل من أمر، ومثل: إني مما أنْ أفيَ بعهدي، أي أنني مخلوق من أمر وذلك الأمر هو الوفاء بالعهد، فجعل نفسه لكثرة وفائه كأنه مخلوق منه وذلك على سبيل المبالغة، مثل قوله تعالى
    : خلق الإنسان من عجل، جعل لفرط استعجاله كأنه مخلوق منها.
    6- استفهامية، مثل: ( فما خطبُكم أيُّها المرسلونَ ) ؟.
    7- شرطية، وهذه إما زمانية مثل: ( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم، أو غير زمانية مثل: ( وما تفعلوا من خيرٍ يعلَمْهُ اللهُ ).
    والحرفية ترد:
    1- مصدرية، وهذه إما زمانية مثل: ( فاتقوا الله ما استطعتم ) أي مدة استطاعتكم، أو غير زمانية مثل: ( فذوقوا بما نسيتم ) أي بنسيانكم.
    2- نافية، وهذه إما عاملة عمل ليس مثل: ( ما هذا بشرًا )، أو غير عاملة مثل: ( ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا ).
    3- زائدة، وهي إما كافة عن العمل مثل: ( إنما اللهُ إلهٌ واحدٌ ) فما كفّت إنّ عن عملها، أو غير كافة مثل: ( فبما رحمةٍ مِن اللهِ لِنْتَ لهم ) وأصله فبرحمة.
    الرابع والعشرون: مِنْ، حرف جر يرد للمعاني الآتية:
    1- ابتداء الغاية في المكان مثل: ( مِن المسجدِ الحرامِوالزمان مثل: ( لمسجدٌ أُسِّسَ على التقوى مِن أولِ يومٍ ).
    2- انتهاء الغاية، فتكون مثل إلى، تقول: اقتربَ العدوُّ منكَ، أي إليكَ.
    3- التبعيض، مثل: ( لنْ تنالوا البرَّ حتى تُنفِقوا مما تحبونَ ) أي من بعض ما تحبون.
    4- التبيين، مثل: ( فاجتنبوا الرِّجْسَ من الأوثانِ ) أي الذي هو الأوثان.
    5- التعليل، مثل: ( يجعلونَ أصابعَهم في آذانهم من الصواعقِ ) أي لأجل الصواعق.
    6- البدل، مثل: ( أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرةِ ) أي بدلها.
    7- تنصيص العموم، مثل: ما في الدار من رجل، هي للعموم بدون مِنْ لكن بزيادة مِن تنصيص للعموم.
    8- توكيد التنصيص على العموم، مثل: ما في الدارِ من أحد، فإن المثال بدون مِن يفيد التنصيص على العموم فإذا زدت مِن أكدت ذلك.
    9- الفصل، أي للتمييز بأن تدخل على ثاني المتضادَّين مثل: ( واللهُ يعلمُ المفسِدَ مِنَ المصلِحِ ).
    10- بمعنى الباء، مثل: ( ينظرون إليك من طرف خفيّ ) أي بطرف.
    11- بمعنى عَنْ، مثل: ( قد كنا في غفلةٍ من هذا ) أي عن هذا.
    12- بمعنى في، مثل: ( إذا نودي للصلاةِ من يومِ الجمعة ) أي فيه.
    13- بمعنى عند، مثل: ( لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللهِ شيئا ) أي عند الله.
    14- بمعنى على، مثل: ( ونصرناه من القومِ الذينَ كذّبوا بآياتنا ) أي نصرناه عليهم.
    الخامس والعشرون: مَنْ، وتكون:
    1- موصولة، مثل: ( وللهِ يسجد مَن في السموات والأرض ).
    2- نكرة موصوفة، مثل: رُب مَنْ نصحتهُ استفاد من نُصْحك، أي ربّ إنسان.
    3- شرطية، مثل: ( من يعمل سوءً يجز به ).
    4- استفهامية، مثل: ( مَن بعثنا من مرقدنا )؟.
    السادس والعشرون: هل، حرف استفهام يطلب به التصديق كثيرا مثل: هل جاء زيدٌ؟، وقد يطلب بها التصور قليلا مثل: هل جاءَ زيدٌ أم عمرٌو ؟ فتكون بمعنى الهمزة حينئذ.
    السابع والعشرون: الواو العاطفة، وهي لمطلق الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم، ولا تفيد ترتيبا ولامعيّة، تقول: جاءَ زيدٌ وعمرٌو، إذا جاء الاثنان، سواء جاءا معا، أم جاء زيدٌ قبل عمرو أو بالعكس، وسواء جاء الثاني بعد الأول مباشرة أو بعد مهلة.

    ( شرح النص )

    ولَنْ حرفُ نصبٍ ونفيٍ واستقبالٍ، والأَصحُّ أنَّها لا تفيدُ توكيدَ النَّفيِ ولا تأبيدَهُ، وأنَّها للدُّعاءِ.
    وما ترِدُ اسمًا موصولةً، أو نكرةً موصوفةً، وتامَّةً تعجبيّةً وتمييزيّةً ومُبَالَغِيَّةً ، واستفهاميّةً، وشرطيَّةً زمانِيَّةً وغيرَ زمانيَّةٍ، وحرفًا مَصْدَرِيَّةً كذلكَ، ونافيةً، وزائدةً كافَّةً وغيرَ كافَّةٍ.

    ومِنْ لابتداءِ الغايةِ غالبًا، ولانتهائِها، وللتبعيضِ، وللتبيينِ، وللتعليلِ، وللبدلِ، ولتنصيصِ العمومِ، ولتوكيدِهِ، وللفَصْلِ، وبمعنى الباءِ، وعَنْ، وفي، وعِندَ، وعلى.
    ومَنْ موصولةً، أَو نكرةً موصوفةً، وتامَّةً شرطِيَّةً، واستفهاميَّةً، وتمييزيَّةً.
    وهلْ لطلبِ التَّصديقِ كثيرًا، والتَّصوُّرِ قليلًا.
    والواوُ العاطِفَةُ لمطلقِ الجمعِ في الأصحِّ.

    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    ( و ) الثاني والعشرون ( لَنْ حرفُ نصبٍ ونفيٍ واستقبالٍ ) للمضارع ( والأَصحُّ أنَّها لا تفيدُ ) مع ذلك ( توكيدَ النَّفيِ ولا تأبيدَهُ ) لقوله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام: لن تراني، ومعلوم أنه كغيره من المؤمنين يراه في الآخرة، وقيل: تفيدهما ( و ) الأصح ( أنَّها ) ترد بواسطة الفعل بعدها ( للدُّعاءِ ) وفاقا لابن عصفور وغيره، خلافا لمن نفى ذلك ( و ) الثالث والعشرون ( ما ترِدُ اسمًا ) إما أن تكون ( موصولةً ) نحو: ما عندكم ينفد وما عند الله باق، أي الذي، وهي حينئذ تكون معرفة بخلاف البواقي ( أو نكرةً موصوفةً ) بمعنى شيء ويقع بعدها صفة لها مثل: ربَّ ما كرِهتَهُ تحقّقَ فيه نفعُكَ، أي ربّ شيءٍ كرهته ( وتامَّةً ) معطوفة على موصوفة أي ونكرة تامة أي التي تكون مستغنية عن الصفة بعدها مثل: أكرمْ رجلًا ما ( تعجبيّةً) نحو: ما أحسنَ زيدًا ! فما: نكرة تامة تعجبية بمعنى شيء عظيم مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ، وأحسنَ: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر يعود على ما، وزيدًا: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره ( وتمييزيّةً ) معطوفة على تعجبية أي وتامة تمييزية وهي اللاحقة لنعم وبئس، نحو: إنْ تُبْدوا الصَّدقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ، فما نكرة تامة مبنية على السكون في محل نصب تمييز، أي نعم شيئًا هيَ أي ابداؤها، ونحو: بئس ما اشتروا به أنفسهم، أي بئس شيئا ( ومُبَالَغِيَّةً ) معطوفة على تعجبية أي وتامة مبالغية وهي للمبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل، نحو: إنَّ زيدًا مِمَّا أَنْ يكتبَ، أي أن زيدا مخلوق من أمر وذلك الأمر هو الكتابة، فخبر إن محذوف تقديره مخلوق ومِن الجارة متعلقة به، وما نكرة تامة بمعنى أمر في محل جر بمن، فجعل لكثرة كتابته كأنه مخلوق منها على سبيل المبالغة، نظير قوله تعالى: خلق الإنسان من عجل ( واستفهاميّةً ) نحو: ما هو عملك؟ ( وشرطيَّةً زمانِيَّةً ) نحو: فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم، أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم ( وغيرَ زمانيَّةٍ ) نحو: وما تفعلوا من خيرٍ يعلَمْهُ اللهُ ( و ) ترد ( حرفًا مَصْدَرِيَّةً كذلكَ ) أي زمانية نحو فاتقوا الله ما استطعتم، أي مدة استطاعتكم، وغير زمانية نحو: فذوقوا بما نسيتم، أي بنسيانكم ( ونافيةً ) إما عاملة عمل ليس مثل: ما هذا بشرًا
    ، أو غير عاملة مثل: ما أنتم إلا بشرٌ مثلنا ( وزائدةً كافَّةً ) أى مانعة من عمل ما قبلها لما بعدها نحو: إنما الله إله واحد ( وغيرَ كافَّةٍ ) نحو: فبما رحمةٍ مِن اللهِ لِنْتَ لهم، وأصله فبرحمةٍ ( و ) الرابع والعشرون ( لابتداءِ الغايةِ ) بمعنى المسافة من مكان نحو: من المسجد الحرام، وزمان نحو: من أول يوم، وغيرهما بان ترد لمحض الابتداء من غير اعتبار زمان أو مكان نحو: إنه من سليمانَ ( غالبًا ) أي ورودها لهذا المعنى وهو الابتداء أكثر من ورودها لغيره ( ولانتهائِها ) أي انتهاء الغاية نحو: اقتربَ منكَ، أي إليك ( وللتبعيضِ ) نحو: حتى تنفقوا مما تحبونَ، أي بعضه ( وللتبيينِ ) نحو: فاجتنبوا الرِّجْسَ من الأوثانِ، أي الذي هو الأوثان ( وللتعليلِ ) نحو: يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق، أي لأجلها ( وللبدلِ ) نحو: أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، أي بدلها ( ولتنصيصِ العمومِ ) وهي الداخلة على نكرة لا تختص بالنفي نحو: ما في الدار من رجل، فهو بدون مِنْ ظاهر في العموم محتمل لنفي الواحد فقط، وبها يتعين النفي لاستغراق الجنس ( ولتوكيدِهِ ) أي لتوكيد تنصيص العموم وهي الداخلة على نكرة تختص بالنفي نحو: ما في الدار من أحد، فإن كلمة أحد نكرة لا تستعمل إلا في النفي على ما ذكر بعض النحاة، فإذا قلت: ما في الدار أحدٌ، كان هذا نصا في العموم فإذا زدت مِن أفادت توكيده ( وللفصلِ ) أي للتمييز بأن تدخل على ثاني المتضادّين نحو: والله يعلم المفسد من المصلح ( وبمعنى الباءِ ) نحو: ينظرون من طرف خفي، أي بطرف ( و ) بمعنى ( عنْ ) نحو: قد كنا في غفلة من هذا، أي عنه ( و ) بمعنى ( في ) نحو: أروني ماذا خلقوا من الأرض، أي فيها ( و) بمعنى ( عندَ ) نحو: لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، أي عند الله ( و ) بمعنى ( على ) نحو: ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا، أي نصرناه عليهم ( و ) الخامس والعشرون ( مَنْ ) إما أن تكون ( موصولةً ) نحو: ولله يسجد من في السموات والأرض ( أو نكرةً موصوفةً ) رُبَّ مَنْ نصحتهُ استفاد من نُصْحك، أي ربّ إنسان ( وتامَّةً ) معطوفة على موصوفة ( شرطيةً ) نحو: من يعمل سوءً يجز به ( واستفهاميةً ) نحو: فمن ربكما يا موسى ؟ ( وتمييزيةً ) نحو قول الشاعر يمدح بشر بن مروان: ونِعْمَ مَنْ هُوَ في سِرٍّ وإعلانِ، ففاعل نعم ضمير مستتر يعود على بشر، ومن تمييز بمعنى رجل، والضمير هوَ هو المخصوص بالمدح راجع إلى بشر، وهذا على مذهب الإمام أبي علي الفارسي، وأما غيره فنفى ذلك وقال إن ما اسم موصول بمعنى الذي فاعل نعم، وهذا هو المشهور ( و ) السادس والعشرون ( هلْ لطلبِ التَّصديقِ كثيرًا ) مثل: هل جاء زيدٌ؟ ( و ) لطلب ( التَّصوُّرِ قليلًا ) مثل: هل جاءَ زيدٌ أم عمرٌو ؟ فتكون بمعنى الهمزة حينئذ كما قال الإمام ابن مالك رحمه الله ( و ) السابع والعشرون ( الواوُ العاطِفَةُ لمطلقِ الجمعِ ) بين المعطوفين في الحكم نحو جاءَ زيدٌ وعمرُو، سواء أجاء عمرو مع زيد أو بعده أو قبله ( في الأصحِّ ) وقيل تفيد الترتيب، وقيل تفيد المعية.


    الموضوع الأصلي: http://feqhweb.com/vb/showthread.php...#ixzz4TpM2H5Mv

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    39

    افتراضي

    الدرس التاسع والعشرون- مباحث الكتاب

    الأمر


    أولا: اللفظ المنتظم من أحرف ( أ-م- ر ) حقيقة في اللغة للقول المخصوص وهو افعل كذا، مجازٌ في الفعل؛ لأن المتبادر من لفظ الأمر إلى الذهن هو القول دون الفعل والتبادر علامة الحقيقة، مثال القول: ( وأمرْ أهلكَ بالصلاة ) أي قلْ لهم: صلوا، ومثال الفعل: ( وشاورهمْ في الأمرِ ) أي في الفعل الذي تعزم عليه، وكذا هو مجاز في الشأن نحو: ( وما أمر فرعون برشيد ) أي شأنه، وفي الشيء نحو: لأمرٍ ما حصل هذا، أي لشيء ما، وفي الصفة نحو: لأمر ما يسودُ مَنْ يسودُ، أي لصفة من الصفات.
    ثانيا: حدّ الأمر هو: اللفظُ الدالُّ على طلبِ فعل ٍغيرِ كَفٍّ مدلولٍ عليه بغيرِ نحوِ كُفَّ. مثل: ( اتَّقُوا اللهَ ).
    قولنا: ( طلب ) الطلب معناه بديهي يفهم بمجرد التفات النفس إليه بلا نظر إذْ كل عاقل يفرق بينه وبين غيره من أنواع الكلام كالخبر فلا يحتاج إلى تعريف.
    وقولنا: ( فعلٍ غيرِ كَفٍّ ) احتراز عن النهي فقد تقدم أنه طلب كف النفس وهو
    فعل لا ترك محض، فحينئذ إذا لم نضف قيد غير كف دخل فيه النهي فأفسد التعريف فـ ( غير كفّ ) قيد يراد منه الإخراج.
    وقولنا: ( مدلول عليه بغير نحوِ كُفَّ ) أي مدلول على الكف بغير صيغة كفّ، وهذا قيد يراد منه الإدخال، وذلك أن الكف عن الفعل تارة يُدل عليه بصيغة لا تفعل نحو: لا تشربْ الخمرَ، وتارة يدل عليه بلفظ كُفَّ نحو: كُفَّ عن شربِ الخمر، أو ما في معنى كُفَّ نحو: ذَر الخمرَ، ودع السرقةَ، واترك فعلَ المنكراتِ، فالكف بصيغة لا تفعل هو النهي، والكف بصيغة كُفَّ هو من الأمر.
    فاتضح أن الأمر نوعان:
    1- اللفظ الدال على طلب الفعل بغير لفظ كُفَّ ونحوها، مثل: اكتب وصلّ ولينفقْ وصَهْ.
    2- اللفظ الدال على طلب الفعل بلفظ كُفَّ ونحوها، مثل: كُفَّ ودعْ وذرْ واتركْ، فإنها أوامر اصطلاحا وإن كانت في المعنى نهيا، فكُفَّ عن شرب الخمر، ولا تشرب الخمر، بمعنى واحد والأول أمر والثاني نهي.
    ثالثا: لا يشترط في الأمر ( العلو- الاستعلاء- إرادة الطلب ).
    فالعلو بأن يكون الطالب عالي الرتبة على المطلوب منه، كالسيد وعبده، والأمير ورعيته.
    والاستعلاء بأن يكون الطلب فيه تعاظم أي فيه إظهار نوع سلطة على المأمور، ويظهر الاستعلاء في كيفية النطق باللفظ بأن يكون بصوت مرتفع مع غلظة.
    والدليل على عدم اعتبارهما في حد الأمر قوله تعالى حكاية عن فرعون: ( فماذا تأمرونَ ) فليسوا بأعلى منه رتبة لا حقيقة ولا ادعاءً لأنه يستبعد أن يظهروا الاستعلاء عليه في وقت المشورة وهم كانوا يعدونه إلها، فقد وجد الأمر من غير علو ولا استعلاء.
    وأما إرادة الطلب بأن يكون الطالب قد قصد بلفظه توجيه الطلب للشخص فقد قيل إذا لم يقصد الطلب لم يكن أمرا لأنه يستعمل في غير الطلب كالتهديد، وأجيب بأن الأمر متى ما خرج لغير الطلب كالتهديد كقوله تعالى: ( افعلوا ما شئتم ) عدّ مجازا، وتعريفنا المتقدم للأمر هو تعريف لحقيقة الأمر لا لمجازه فلا حاجة لاعتبار قيد إرادة الطلب في حد الأمر.
    رابعا: الأمر بشيء لا يستلزم إرادة وقوعه، بيانه:
    إن الإرادة نوعان: إرادة كونية تقتضي وجود الشيء في الواقع، وإرادة دينية تقتضي محبة الشيء، فإذا أمر الله تعالى عباده بأمر كالإيمان والصلاة والزكاة اقتضى أمره هذا محبته لوجود ذلك الشيء وإلا لما أمر به، ولا يقتضي دائما إرادة وقوعه في الواقع فإن الله أمر أبا لهب بالإيمان ولم يرد وقوعه.
    خامسا: قد تقدم أن الأشاعرة قالوا بالكلام النفسي الأزلي ومعلوم أن الأمر والنهي هما قسمان من الكلام فيكون هنالك أمر نفسي ونهي نفسي فالأمر النفسي هو: اقتضاء- أي طلب- فعل غير كفّ مدلول عليه بغير نحو كُفَّ.
    وأهل الحديث والمعتزلة لا يثبتون من الأمر والنهي إلا افعل ولا تفعل أي الصيغة اللفظية الدالة على معنى الطلب.

    ( شرح النص )


    الأمرُ

    أَ مَ رَ حقيقةٌ في القولِ المخصوصِ مجازٌ في الفعلِ في الأَصَحِّ، والنَّفْسيُّ اقتضاءُ فعلٍ غيرِ كَفٍّ مدلولٍ عليهِ بغيرِ نحوِ كُفَّ.
    ولا يُعْتَبَرُ في الأَمرِ عُلُوٌّ ولا استعلاءٌ ولا إرادةُ الطَّلبِ في الأصحِّ، والطَّلبُ بديهيٌّ، والنَّفْسِيُّ غيرُ الإرادةِ عِندَنا
    .
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    شرع في مباحث الأقوال بادئا بالأمر فقال: ( الأمرُ ) أي هذا مبحث الأمر ( أَ مَ رَ ) أي اللفظ المنتظم من هذه الأحرف المسماة بألف ميم راء وتقرأ بصيغة الماضي مفككا للتنصيص على إرادة لفظه ( حقيقةٌ في القولِ المخصوصِ ) نحو: وأمر أهلك بالصلاة، أي: قل لهم صلوا ( مجازٌ في الفعلِ في الأصحِّ ) نحو: وشاورهم في الأمر، أي الفعل الذي تعزم عليه، لتبادر القول دون الفعل من لفظ الأمر إلى الذهن، وقيل هو مشترك بينهما يقال على كل منهما حقيقة، وقيل غير ذلك، ولما كان الأمر عند الأشاعرة على نوعين نفسي ولفظي بيّن ذلك بقوله: ( و ) الأمر ( النفسيُّ اقتضاءُ ) أي طلب ( فعلٍ غيرِ كفٍّ ) خرج بالكف النهي لأنه طلب كفّ ( مدلولٍ عليهِ ) أي الكفّ ( بغيرِ نحوِ كُفَّ ) لأن ما دلّ عليه بكف ونحوها كذر ودع من الأمر لا النهي، وأما حد الأمر اللفظي فيؤخذ من تعريف النفسي فهو: اللفظ المقتضي لفعل غير كف مدلول عليه بغير نحو كُفَّ ( ولا يعتبرُ في الأمرِ ) بقسميه النفسي واللفظي فلا يعترض على عدم اشتمال التعريف عليها ( علوٌّ ) بأن يكون الطالب عالي الرتبة على المطلوب منه ( ولا استعلاءٌ ) بأن يكون الطلب بعظمة أي تعاظم لإطلاق الأمر بدونهما قال تعالى حكاية عن فرعون فماذا تأمرون ( ولا إرادةُ الطلبِ ) باللفظ لأن استعمال الأمر في غير الطلب كالتهديد مجاز فلا حاجة إلى اعتبار إرادة الطلب فيه ( في الأصحِّ ) وقيل: يعتبر العلو، وقيل يعتبر الاستعلاء، وقيل يعتبر إرادة الطلب ( والطلبُ بديهيٌّ ) أي متصوّر بمجرد التفات النفس إليه بلا نظر، إذ كل عاقل يفرق بالبديهة بينه وبين غيره كالإخبار وما ذاك إلا لبداهته، وهذا جواب سؤال تقديره إن معرفة المحدود متوقفة على معرفة الحد، فلا بد أن يكون الحد بجميع أجزائه معلوما وأجلى من المحدود، وقد أخذ الاقتضاء الذي معناه الطلب في تعريف الأمر وهو خفي يحتاج إلى بيان فالتعريف به تعريف بالخفي وهو لا يجوز، والجواب إن قولكم هذا مبني على أن الطلب نظري يحتاج إلى تعريف ولا نسلم ذلك بل هو بديهي ( و ) الأمر ( النفسيُّ ) المعرَّف باقتضاء فعل إلى آخره ( غيرُ الإرادةِ ) لذلك الفعل ( عندنا ) خلافا للمعتزلة فإنه تعالى أمر من علم أنه لا يؤمن كأبي لهب بالإيمان ولم يرده منه لامتناعه والممتنع غير مراد، أما عند المعتزلة فاقتضاء الفعل معناه إرادته لأنهم ينكرون الكلام النفسي ويثبتون الإرادة فردوا الطلب إلى الإرادة الكونية، فاعترض عليهم بأن الله إذا أراد شيئا وقع فيلزم أنه أراد الإيمان من أبي لهب ولم تتحقق إرادته، وهذه المسألة يعبرون عنها بأن الطلب هل هو عين الإرادة أو غيرها؟


    الموضوع الأصلي: http://feqhweb.com/vb/showthread.php...#ixzz4TpMAijx3

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    39

    افتراضي

    الدرس الثلاثون- مباحث الكتاب

    صيغة افعل


    أولا: هل للأمر النفسي- وهو الطلب القائم في النفس- صيغة لفظية وضعت في اللغة لتدل عليه ؟
    فقال بعض القائلين بالكلام النفسي: ليس للطلب صيغة مخصوصة تدل عليه، وصيغة افعل نحو اكتب وقم وصهْ ولينفق تستعمل حقيقة على نحو الاشتراك في الطلب وغير الطلب، فلا تدل صيغة افعل على الأمر إلا بقرينة كأن يقال: صلّ لزوما، فالنتيجة لم تضع العرب صيغة افعل لتدل على خصوص الطلب.
    وصحّح آخرون من القائلين بالكلام النفسي أن صيغة افعل موضوعة للأمر النفسي الذي هو الطلب، لا يفهم منها غيره عند تجردها عن القرائن، فالنتيجة للأمر النفسي صيغة لفظية مخصوصة تدل عليه.
    وأما غير القائلين بالكلام النفسي فهذه المسألة لا موقع لها؛ لأن الأمر والنهي وسائر أقسام الكلام ليس إلا العبارات اللفظية نحو ادرسْ ولا تتكاسلْ.
    ثانيا: ترد صيغة افعل لستة وعشرين معنى وهي:
    1- الوجوب، مثل: ( وأقيموا الصلاةَ ).
    2- الندب، مثل: ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا )
    3- الإباحة، مثل: ( كلوا من الطيّباتِ ).
    4- التهديد، مثل: ( اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ).
    5- الإرشاد، مثل: ( واستشهدوا شهيدينِ من رجالكم ) والفرق بينه وبين الندب أن المصلحة فيه دنيوية بخلاف الندب، ويترتب عليه أنه لا ثواب في الإرشاد فإن قصد الشخص بالاستشهاد مثلا الامتثال والانقياد إلى الله تعالى أثيب عليه لكن لأمر خارج، وكذا إن قصد الثواب ومصلحة دنيوية كحفظ ماله من الضياع فإنه يثاب عليه لكن ثوابه فيه دون ما قبله.
    6- إرادة الامتثال، كقولك لصاحبك وأنت عطشان: اسقني ماءً، فإنه لا غرض للآمر هنا إلا إرادة الامتثال.
    7- الإذن بالفعل، كقولك لمن يطرق الباب: ادخلْ، وهذا يكون في غير الشارع كي يتميز عن الإباحة لأنها حكم شرعي، وبعضهم أدرج هذا في الإباحة.
    8- التأديب، مثل: قوله صلى الله عليه وسلم للغلام: ( كلْ مما يليكَ ) رواه الشيخان، وهو غير مكلف فيحمل على التأديب أي تهذيب الأخلاق وإصلاح العادات.
    9- الإنذار، مثل: ( قلْ تمتّعوا فإن مصيركم إلى النار ) فليس القصد إباحة التمتع للكفار بل القصد تخويفهم، والفرق بينه وبين التهديد ذكر الوعيد - كالنار- بخلاف التهديد، وبعضهم لم يفرق بينهما وجعل الإنذار من التهديد، وهو الأظهر.
    10- الامتنان، مثل: ( وكلوا مما رزقكم اللهُ ) والفرق بينه وبين الإباحة أنه في الامتنان يذكر ما يحتاج إليه الخلق كالرزق في الآية فإنه به قوام حياتهم ولا غنى لهم عنه.
    11- الإكرام، مثل: ( ادخلوها بسلام آمنين ) فالسلام والأمن المذكوران في الآية قرينة على أن القصد بالأمر هو الإكرام.
    12- التسخير، أي الذلة والامتهان والانتقال من حالة حسنة إلى حالة ممتهنة مثل: ( كونوا قردةً خاسئينَ ).
    13- التكوين، أي الإيجاد من عدم بسرعة، مثل: ( كنْ فيكون ) والفرق بين التسخير والتكوين أن التكوين فيه سرعة الانتقال من عدم إلى وجود وليس فيه انتقال من حالة إلى حالة بخلاف التسخير.
    14- التعجيز، أي إظهار العجز، مثل: ( فأتوا بسورةٍ من مثله ).
    15- الإهانة، مثل: ( ذقْ إنكَ أنت العزيزُ الحكيمُ ).
    16- التسوية، مثل: ( فاصبروا أو لا تصبروا ).
    17- الدعاء، مثل: ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ).
    18- التمني، مثل: انجلِ أيها الليل الطويل.
    19- الاحتقار، وهو عدم المبالاة، مثل: ( ألقوا ما أنتم ملقون ) والفرق بينه وبين الإهانة أن الإهانة تكون بقول أو فعل أو تركهما كعدم إجابته أو عدم القيام له، بخلاف الاحتقار فإنه يكون في القلب مع خلو الصيغة بما يشعر من إهانتهم فإن قوله ألقوا إنما يدل على عدم الاكتراث بشأنهم وقلة المبالاة.
    20- الخبر، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا لم تستحِ فاصنع ما شئتَ ) رواه البخاري، أي صنعتَ ما شئت.
    21- الإنعام، أي تذكير النعمة،مثل: ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) والفرق بينه وبين الامتنان أن فيه ذكر لأعلى ما يحتاج إليه كطيبات الرزق، بخلاف الامتنان ففيه ذكر أدنى ما يحتاج إليه كالرزق في الآية السابقة، وبعضهم لم يفرق بينهما وهو أقرب.
    22- التفويض، وهو رد الأمر إلى غيرك ويسمى التسليم، مثل: ( فاقض ما أنت قاضٍ ).
    23- التعجيب، مثل: ( انظر كيف ضربوا لك الأمثال ) والمقصود بانظر هو طلب التعجب من صنيعهم.
    24- التكذيب، مثل: ( قل هلمّ شهدائكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ).
    25- المشورة، مثل: ( فانظر ماذا ترى ).
    26- الاعتبار، مثل: ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر ) .
    ثالثا: ذهب الجمهور إلى أن الوجوب هو المعنى الحقيقي لصيغة افعل وبقية المعاني مجازية تحتاج لقرينة، وهل الوجوب مستفاد من الصيغة لغة أو شرعا أو عقلا ؟ أقوال: فقال بعضهم: إن الوجوب مستفاد من اللغة بدليل أن أهل اللغة يحكمون بالمخالفة على من قال له أبوه مثلا: افعل كذا، فلم يفعل، وقال بعضهم: إن الوجوب مستفاد من الشرع لأن استحقاق العقاب على العاصي إنما هو بحكم الشرع به، وقال بعضهم: إن الوجوب مستفاد من العقل بدليل أنها لو لم تكن للوجوب لكان معناها افعل إن شئت.
    رابعا: الصواب أنه يجب اعتقاد الوجوب في صيغة افعل قبل البحث عن القرائن الصارفة، فإن ثبتت قرينة تغير الاعتقاد وإلا فلا.

    ( شرح النص )

    مسألةٌ

    الأَصحُّ أَنَّ صيغةَ افعَلْ مختصةٌ بالأمرِ النفسيِّ، وترِدُ للوجوبِ، وللندبِ، وللإباحةِ، وللتهديدِ، وللإرشادِ، ولإرادةِ الامتثالِ، وللإذنِ، وللتأديبِ، وللإنذارِ، وللامتنانِ، وللإكرامِ، وللتسخيرِ، وللتكوينِ، وللتعجيزِ، وللإهانةِ، وللتسويةِ، وللدعاءِ، وللتمني، وللاحتقارِ، وللخبرِ، وللإنعامِ، وللتفويضِ، وللتَّعَجيبِ، وللتكذيبِ، وللمشورةِ، وللاعتبارِ.
    والأَصحُّ أنها حقيقةٌ في الوجوبِ لغةً على الأصحِّ، وأَنهُ يجبُ اعتقادُ الوجوبِ بها قبلَ البحثِ
    .
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    هذه ( مسألةٌ ) في صيغة افعل ( الأصحُّ ) على القول بإثبات الكلام النفسي ( أنَّ صيغةَ افعلْ ) والمراد بها فعل الأمر نحو: اكتب وصلّ، واسم فعل الامر نحو: صهْ، والفعل المضارع المقرون باللام نحو: لينفق ( مختصةٌ بالأمرِ النفسيِّ ) الذي هو طلب الفعل القائم بالنفس، ومعنى اختصاصها به بأن تدل عليه وضعا دون غيره من المعاني كالتهديد، وقيل لا تختص به فلا تدل عليه إلا بقرينة كصلّ لزوما، أو صمْ وإلا عاقبتك، أما المنكرون للنفسي فلا حقيقة للأمر وسائر أقسام الكلام عندهم إلا العبارات ( وتردُ ) صيغة افعل لستة وعشرين معنى على ما في الأصل، وإلا فقد أوصلها بعضهم لنيّفٍ وثلاثين معنى، ويتميز بعضها عن بعض بالقرائن ( للوجوبِ ) نحو: أقيموا الصلاةَ ( وللندبِ ) نحو: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ( وللإباحةِ ) نحو: كلوا من طيبات ما رزقناكم، إن أريد بالطيبات المستلذات، فإن أريد بها الحلال كان الأمر للوجوب ( وللتهديدِ ) نحو: اعملوا ما شئتم ( وللإرشادِ ) نحو: واستشهدوا شهيدين من رجالكم، والمصلحة فيه دنيوية بخلافها في الندب ( ولإرادةِ الامتثالِ ) كقولك لصاحبك عند العطش: اسقني ماء ( وللإذنِ ) كقولك لمن طرق الباب: ادخل، وبعضهم أدرج هذا في الإباحة (وللتأديبِ ) كقولك لغير مكلف: كل مما يليكَ، وبعضهم أدرج هذا في الندب، والأوّل- أي القائل بعدم إدراج الأدب في الندب- فرق بأن الأدب متعلق بمحاسن الأخلاق وإصلاح العادات، والندب بثواب الآخرة ( وللإنذارِ ) نحو: قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار، ويفارق التهديد بوجوب اقترانه بالوعيد كما في الآية فقد اقترنت بذكر المصير ( وللامتنانِ ) نحو: وكلوا مما رزقكم الله، ويفارق الإباحة باقترانه بذكر ما يحتاج إليه كالرزق فإنه يضطر الخلق إلى تحصيله ( وللإكرامِ ) نحو: ادخلوها بسلام آمنين ( وللتسخيرِ ) أي التذليل والامتهان نحو: كونوا قردة خاسئين ( وللتكوينِ ) أي الإيجاد عن العدم بسرعة نحو: كن فيكون ( وللتعجيزِ ) أي إظهار العجز نحو: فأتوا بسورة من مثله ( وللإهانةِ ) ويعبر عنها بالتهكم نحو: ذق إنك أنت العزيز الكريم (وللتسويةِ ) بين الفعل والترك نحو: فاصبروا أو لا تصبروا ( وللدعاءِ ) نحو: ربنا افتح بيننا وبين قومنا ( وللتمني ) نحو: انجلِ أيها الليل الطويل ( وللاحتقارِ ) نحو: ألقوا ما أنتم ملقون، إذ ما يلقونه من السحر وإن عظم محتقر بالنظر إلى معجزة موسى عليه الصلاة والسلام، وفرق بينه وبين الإهانة بأن محل الإهانة القلب ومحله الاحتقار الظاهر ( وللخبرِ ) كخبر إذا لَم تَستحِ فاصْنَعْ ما شئتَ. رواه البخاري، أي صنعت، ويمكن أن يكون هذا للتهديد، وبعضهم فرق بأن التهديد فيه قرينة نحو اعملوا ما شئتم لاقترانه بقوله: إنه بما تعملون بصير بخلاف هذا. اهـ حاشية العطار على الجمع ( وللإنعامِ ) بمعنى تذكير النعمة نحو: كلوا من طيبات ما رزقناكم ( وللتفويضِ ) وهو ردّ الأمر إلى غيرك ويسمى التحكيم والتسليم نحو: فاقض ما أنت قاض (وللتعجيبِ ) نحو: انظر كيف ضربوا لك الأمثال ( وللتكذيبِ ) نحو: قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( وللمشورةِ ) نحو: فانظر ماذا ترى ( وللاعتبارِ ) نحو: انظروا إلى ثمره إذا أثمر، قال العلامة العطار: وبالجملة فلا يخلو عد هذه المعاني من تسامح اهـ حاشية العطار ( والأصحُّ أنها ) أي صيغة افعل ( حقيقةٌ في الوجوبِ ) فقط مجاز في الباقي كما عليه الشافعي والجمهور، لأن الأئمة كانوا يستدلون بها مجردة عن القرائن على الوجوب، وقيل هي حقيقة للندب فقط، وقيل هي لطلب الفعل الشامل للوجوب والندب، وقيل غير ذلك، وعلى الأصح هي حقيقة في الوجوب ( لغةً على الأصحِّ ) وهو المنقول عن الشافعي وغيره، لأن أهل اللغة يحكمون باستحقاق مخالفِ أمر سيده مثلا للعقاب، وقيل شرعا لأنها لغة لمجرد الطلب وأما الجزم المحقق للوجوب بأن ترتب العقاب على الترك إنما يستفاد من أمره أو أمر من أوجب طاعته، وقيل عقلا لأن ما يفيده الأمر لغة من الطلب يتعين أن يكون هو الوجوب دون غيره لأن حمله على الندب يصير المعنى افعل إن شئت، وليس هذا القيد أعني إن شئت مذكورا في الكلام فهو خلاف الأصل، واعترض عليه بمثله في الحمل على الوجوب فإنه يصير المعنى افعل من غير تجويز ترك، وليس هذا القيد أعني من غير تجويز ترك مذكورا فهو خلاف الأصل أيضا ( و ) الأصح ( أنهُ يجبُ اعتقادُ الوجوبِ ) في المطلوب ( بها قبلَ البحثِ ) عما يصرفها عنه إن وجد الصارف، وقيل لا يجب.


    الموضوع الأصلي: http://feqhweb.com/vb/showthread.php...#ixzz4TpMOkBLe

  11. #31

    افتراضي

    الدرس الحادي والثلاثون- مباحث الكتاب

    مسائل في الأمر


    أولا: إذا ورد أمرٌ بفعل شيء ما بعد ورود نهي عن فعله فهل الأمر المذكور يفيد الوجوب أو الإباحة أو غيرهما ؟
    الأصحّ أنه للإباحة وهذا قول أكثر العلماء لغلبة الاستعمال في ذلك؛ فإن المتتبع للأوامر التي وردت بعد نهي يجدها تفيد الإباحة، من ذلك قوله تعالى: ( وإذا حللتم فاصطادوا ) ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) بعد النهي عن البيع عند النداء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وكنت نهيتكم عن ادّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا وادّخروا ما بدا لكم ) رواه مسلم.
    وكذا يكون للإباحة بعد استئذان، كما لو قيل لك: هلْ أفعلُ لكَ كذا ؟ فقلتَ: افعلْ.
    أما إذا ورد العكس أعني وردَ نهيٌ عن فعل شيء بعد ورود أمر بفعله فالأصح أنه للتحريم على ماهو الأصل في النهي، فلو قال السيد لغلامه: ادخلْ هذه الدارَ، ثم قال له: لا تدخلها، فإنه يعتبر للتحريم.
    ثانيا: الأصحّ أن صيغة افعل لطلب الماهية فقط لا لتكرار ولا لمرة ولا لفور ولا لتراخ.
    فإذا قيل لك: اكتبْ الدرسَ، فاكتب موضوعة في اللغة لطلب حقيقة الفعل فقط وهو الكتابة، فلم يطلب منك إلا أن توجد الكتابة ولم يتعرض لبيان فعلها مرات عديدة أو مرة واحدة فقط، وكذا لم يتعرض لبيان هل يجب الامتثال على الفور أو على التراخي.
    واعلم أن صيغة افعل إن قيدت بتكرار أو بفور أو تراخ كانت بحسب ما قيدت به بلا خلاف، وإنما الخلاف فيما إذا لم تقيد فتحمل على ماذا.
    فإن قيل: يجب أن تكون صيغة افعل موضوعة لطلب المرة الواحدة لأنه لا يمكن أن تتحقق الماهية في الخارج بأقل من فعلها مرة واحدة.
    قلنا: نعم إن المرة ضرورية لتحقق الماهية في الخارج ولكن دلالة صيغة افعل على المرة من جهة الالتزام لا أن المرة جزء من مدلولها الوضعي.
    ثالثا: مَنْ امتثلَ الأمر فورا فقد برأت ذمته وعدّ ممتثلًا، وقيل لا يكون ممتثلا بناء على أن الأمر موضوع للتراخي وجوبا فمن بادر لم يمتثل، وليس بشيء.
    رابعا: الأمر بشي مؤقت لا يستلزم الأمر بقضائه إذا لم يفعل في وقته، بل إنما يجب القضاء بأمر جديد، كالأمر في خبر الصحيحين: ( مَنْ نامَ عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ).
    خامسا: الإتيان بالمأمور به على الوجه الذي أمر به يستلزم الإجزاء أي الكفاية في سقوط الطلب.
    سادسا: الأصح أن أمر المخاطَب بأن يأمر غيره بفعل ليس أمرًا لذلك الغير.
    مثاله أمر الله للولي بأن يأمر ولده غير البالغ بالصلاة، فلا يكون أمرًا من الله للولد بالصلاة وإلا صار مكلفا.
    سابعا: مَن أمرَ غيره بلفظ عام يتناول الآمِر كما يتناول غيره لا يدخل الآمر فيه لأنه يبعد أن يريد الآمر نفسه بأمره.
    مثال: لو قال زيدٌ لغلامه: أَكرمْ مَن أحسنَ إليكَ، فقوله: مَن أحسن، لفظ عام يتناول زيدًا كما يتناول غيره، فهل يكون أمر زيدٍ هذا يتناوله هو أيضا في حالة لو أحسن هو لغلامه ؟ والجواب: الأصح لا لأنه يبعد أن يقصد الآمر نفسه.
    ثامنا: الأصح أنه يجوز عقلا للمكلف بعبادة بدنية أن ينيب غيره بفعلها بدلا عنه.
    وكلامنا هو من حيث الجواز العقلي إذ لا مانع منه عقلا، وأما في الشرع فلم تقع النيابة في العبادة إلا في الحج والعمرة وكذا في الصوم بعد الموت، وأما في العبادة المالية كالزكاة فيجوز ذلك اتفاقا.

    ( شرح النص )

    وأَنَّها إنْ وردتْ بعدَ حظرٍ أَو استئذانٍ فللإباحةِ، وأَنَّ صيغةَ النَّهيِ بعدَ وجوبٍ للتَّحريمِ.
    مسألةٌ
    الأَصحُّ أَنَّها لطلبِ الماهيَّةِ، والمرَّةُ ضروريةٌ، وأَن المبادِرَ ممتَثِلٌ.
    مسألةٌ
    الأصحُّ أَنَّ الأمرَ لا يستلزِمُ القضاءَ بل يجبُ بأمرٍ جديدٍ، وأَنَّ الإتيانَ بالمأمورِ بهِ يستلزِمُ الإجزاءَ، وأَنَّ الأمرَ بالأمرِ بشيءٍ ليس أمرًا بهِ، وأَن الآمِرَ بلفظٍ يصلُحُ لهُ غيرُ داخلٍ فيهِ، ويجوزُ عندنا عقلًا النيابَةُ في العبادةِ البدَنِيَّةِ.
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    ( و ) الأصحّ ( أَنَّها ) أي صيغة افعل ( إنْ وردتْ بعدَ حظرٍ ) نحو: وإذا حللتم فاصطادوا ( أَو ) بعد ( استئذانٍ ) كأن يقال لمن قالَ لكَ أَفعلُ لكَ كذا ؟ افعلْ ( فللإباحةِ ) الشرعية، وقيل للوجوب كما هو الحال في غير ذلك من الحالات، وقيل للوقف فلا نحكم بشيء ( و ) الأصح ( أَنَّ صيغةَ النَّهيِ ) أي لا تفعلْ الواردة ( بعدَ وجوبٍ للتَّحريمِ ) كما هو الحال في غير ذلك من الحالات، ويختلف هذا عما سبق في المسألة السابقة من القول بأن الأمر بعد النهي يفيد الإباحة وذلك لأن النهي لدفع المفسدة والأمر لتحصيل المصلحة، واعتناء الشارع بالأول أشد، وقيل للكراهة، وقيل للإباحة ( مسألةٌ الأَصحُّ أنَّها ) أي صيغة افعل ( لطلبِ الماهيَّةِ ) لا لتكرار ولا لمرة ولا لفور ولا لتراخ، وقيل للمرة، وقيل للتكرار، وقيل للفور، وقيل للتراخي ( والمرَّةُ ضروريةٌ ) إذ لا توجد الماهية بأقل منها، ولكن هذا لا يعني أنها وضعت للمرة بل يدل على أنها تستلزم المرة وفرق بين الأمرين ( و ) الأصح ( أَن المبادِرَ ) بالفعل ( ممتَثِلٌ ) وقيل لا يكون ممتثلا بناءً على أن الأمر للتراخي وجوبا، وردّ بأنه مخالف للإجماع ( مسألةٌ: الأَصحُّ أَنَّ الأمرَ ) بشيء مؤقت ( لا يستلزمُ القضاءَ ) له إذا لم يفعل في وقته ( بل ) إنما ( يجبُ ) القضاء ( بأمرٍ جديدٍ ) كالأمر في خبر الصحيحين: مَنْ نامَ عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، وقيل: الأمر يستلزم القضاء لإشعار الأمر بطلب استدراكه فإن القصد منه الفعل فحيث لم يفعل في وقته يطلب منه القضاء ( و ) الأصح ( أَنَّ الإتيانَ بالمأمورِ بهِ ) على الوجه الذي أمر به ( يستلزِمُ الإجزاءَ ) للمأتي به أي سقوط الطلب، وقيل لا يستلزم الإجزاءَ بناء على أن الإجزاء هو سقوط القضاء وقد يمتثل الشخص الأمر ولا يسقط القضاء عنه كمن صلى الظهر وهو يظن طهره ثم تبين له بعد الصلاة أنه محدث، وأجيب بأن من صلى على ظن طهارته فقد أتى بالمأمور به وسقط الطلب عنه فإذا تبين له بعد ذلك حدثه فقد توجّه له أمر آخر ( و ) الأصح ( أَنَّ الأمرَ ) للمخاطب ( بالأمرِ ) لغيره ( بشيءٍ ليس أمرًا ) لذلك الغير ( بهِ ) أي بالشيء كما في أمر الله الولي بأمر ولده بالصلاة لا يكون أمرًا من الله للصبي، نعم قد تقوم قرينة على أن ذلك الغير مأمور بذلك الشيء كما في خبر الصحيحين أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها. فيكون ابن عمر رضي الله عنهما مأمورًا منه صلى الله عليه وسلم بمراجعتها، وقيل هو أمر لذلك الغير ورد بأنه يلزم عليه تكليف الصبي ( و ) الأصح ( أَن الآمِرَ بلفظٍ يصلُحُ لهُ ) أي يصلح للآمر نفسه ( غيرُ داخلٍ فيه ) أي في ذلك اللفظ، فإذا قال السيد لغلامه: أَكرمْ مَن أحسنَ إليكَ، فأحسن السيد لغلامه، لا يكون أمرًا بالإحسان لنفسه، وقيل: يكون داخلا فيه ( ويجوزُ عندنا عقلًا النيابَةُ في العبادةِ البدَنِيَّةِ ) ومنعه المعتزلة، وكلامنا هو في الجواز العقلي إذْ لا مانع عقلا مِن أَن يأمر الله بالصلاة ويجيز لهم أن يأمروا غيرهم بفعلها نيابة عنهم، وأما في الشرع فلم تقع النيابة البدنية إلا في الحج والعمرة والصوم عن الميت، وأما في المالية فجائزة اتفاقا، فيجوز للمأمور بالزكاة أن يكلف غيره بأن يزكي عنه، فلو وجبت الزكاة على زيد فطلب من عمرو أن يزكي عنه من مال عمرو الخاص فزكى عنه صح وسقطت الزكاة عنه.




  12. #32

    افتراضي

    الدرس الثاني والثلاثون- مباحث الكتاب

    الأمر بالشيء نهي عن ضده- تكرر الأمر


    أولا: الأمر بشيء ما هل هو نهي عن فعل ضده أو لا ؟
    بداية ما هو المقصود بالضد هنا ؟
    والجواب: تارة يراد بالضد هو ترك ذلك الفعل وهذا هو الضد العدمي، فضد الصلاة هو تركها، وضد الحج هو تركه. وتارة يراد بالضد كل فعل ينافي الأركان والشرائط المعتبرة فيه، فيكون للفعل الواحد أضداد كثيرة جدا وهذا هو الضد الوجودي، فمن أضداد الصلاة مثلا: المشي، والنوم، والأكل، والكلام، وغير ذلك.
    فالأمر بالشيء نهي عن تركه قطعا. هذا هو الضد بالمعنى الأول.
    وأما الضد بالمعنى الثاني فوقع الخلاف فيه بين العلماء والكلام فيه في مقامين:
    1- الأمر النفسي- على القول به- وفيه أقوال:
    أ- الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده، فمثلا إذا أراد السيد أن يأمر غلامه بالكتابة فطلبه الكتابة هو عين طلبه الكف عن النوم والمشي ونحوهما، بمعنى أنهما حصلا بطلب واحد لا بطلبين، فطلب فعل الشيء هو نفسه طلب ترك أضداده.
    ب- الأمر بالشيء ليس هو عين النهي عن ضده، إذْ أَن طلب هذا غير طلب الكف عن ذاك كما هو ظاهر، ولكنه يستلزمه فطلب الكتابة يستلزم الكف عن أضدادها.
    ج- الأمر بالشيء لا هو عين النهي عن ضده ولا يستلزمه، لأنه قد لا يخطر بقلب الآمِر ضده أصلا فكيف يكون قاصدا للنهي عن ضده!.
    2- الأمر اللفظي، كأن يقول السيد: اكتب، فهذا قطعا ليس هو عين لا تنم ولا تمش ونحوهما؛ فإن الأمر اللفظي غير النهي اللفظي ولكن قيل:
    أ- هو يستلزمه، بمعنى أنه إذا قيل اكتب فكأنه قيل: لا تنم، لا تمش؛ لأنه لا تتحقق الكتابة بدون الكف عن النوم والمشي.
    ب- هو لا يستلزمه، لأنه وإن توقف تحقق الكتابة على الكف عن أضدادها إلا أنها قد لا تخطر ببال الآمر.
    واعلم أن القائل بهذا القول أعني عدم الاستلزام يسلم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن الضد تركه واجب لتحقيق الأمر الواجب ولكن يقول تسميته نهيا يقتضي أن الناهي قاصد لتوجيه النهي عن تلك الأشياء وكيف ينهى عن شيء وهو لم يخطر بباله.
    ومثل ما قيل في الأمر يقال في النهي بقسميه النفسي واللفظي.
    فقد قيل إن النهي عن شيء هو أمر بفعل ضده، كالنهي عن الزنا أمر بالزواج أو التعفف، وقيل هو يستلزمه، وقيل ليس نهيا عن ضده ولا يستلزمه؛ لأن تلك الأضداد قد لا تخطر ببال الناهي.
    ثم إنه في الأمر بفعل شيء لا بد من ترك جميع الأضداد، أما في النهي عن فعل شيء فيكفي فعل واحد من الأضداد.
    ثانيا: إذا ورد أمر بعد أمر- كأن قيل: اكتبْ الدرسَ اكتبْ الدرسَ- وجب أن ننظر فيما يلي:
    1- هل ورد الأمران متعاقبينِ أي ورد أحدهما بعد الآخر مباشرة، أو غير متعاقبين، أي ورد أحدهما بعد الآخر بمهلة؟
    2- هل كان الأمران بشيئين متماثلين، كتكرار الأمر بالصلاة مثلا، أو بشيئين متخالفين، كالأمر بالصلاة والأمر بالصدقة؟
    3- هل ورد الثاني معطوفا على الأول نحو: صلّ ركعتين وصل ركعتين، أو لا نحو: صلّ ركعتين صلّ ركعتين.
    4- هل هناك مانع من حمل المعنى على التكرار وتعدد الفعل والمانع قد يكون عقليا مثل: اقتلْ زيدًا اقتل زيدًا، فإن إزهاق الروح شيء واحد فإزهاقه ثانيا لا يمكن لأنه تحصيل للحاصل، وقد يكون شرعيا مثل: اعتقْ عبدَك اعتقْ عبدَك، فإن الاعتاق إذا حصل أول مرة لم يتأت حصوله مرة أخرى، وقد يكون عاديا مثل: اسقني ماءً اسقني ماءً، فإن العادة جرت باندفاع الحاجة وهي العطش بأول شربة فلا حاجة للتكرار، أو لا يكون هنالك مانع مثل: صلّ ركعتين صل ركعتين فأي مانع من أن يراد منه أن يصلي أربع ركعات.
    فإذا تقرر هذا فإليك الأحكام:
    1- إذا ورد الأمران غير متعاقبين فهما متغايران فيجب العمل بهما، سواء كانا متماثلين كأن يقال لك: صلّ ركعتين، وبعد مهلة يقال: صلّ ركعتين، فيجب أن تصلي أربع ركعات، أم كانا متخالفين مثل: صلّ ركعتين، تصدّق بدرهم، فيجب أن تصلي وتتصدق.
    2- إذا ورد الأمران متعاقبين فهنا أحوال:
    أ- أن يكونا متخالفين فهما متغايران فيجب العمل بهما، سواء كانا متعاطفين نحو: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، أو غير متعاطفين نحو: اضربْ زيدًا أعطه درهما.
    ب- أن يكونا متماثلين ولم يمنع من التكرار مانع فهما متغايران أيضا فيجب العمل بهما، سواء كانا متعاطفين نحو: صلّ ركعين وصلّ ركعتين، فيلزمه أربع ركعات، أو غير متعاطفين نحو: صلّ ركعتين صلّ ركعتين.
    ج- أن يكونا متماثلين ومنع مانع عادي من التكرار وكانا متعاطفين فيتوقف حينئذ فيهما، مثل: اسقني ماءً واسقني ماءً، فهنا مانع عادي من التكرار فالحمل على التوكيد - أي بأن يراد بالأمر الثاني تقوية الأمر الأول لا تحصيل الفعل مرتين- هو الظاهر، وهذا الظاهر عارضه أمر آخر وهو العطف فإن العطف يقتضي المغايرة فحينئذ يتوقف في الأمر فلا ندري أيراد بالأمر الثاني هو التوكيد أو التأسيس بأن يراد تحصيل الفعل مرتين.
    د- أن يكونا متماثلين ومنع مانع عقلي أو شرعي، أو عادي ولم يعارضه عطف، فالأمر الثاني للتوكيد.
    مثال المانع العقلي: اقتل زيدًا اقتل زيدًا بدون عطف أو مع عطف فالحكم واحد وهو أن الأمر الثاني للتوكيد لاستحالة الذهاب للتأسيس.
    ومثال المانع الشرعي: اعتق عبدك اعتق عبدك بدون عطف أو مع عطف فالحكم واحد وهو أن الأمر الثاني للتوكيد لامتناع الذهاب للتأسيس.
    ومثال المانع العادي الذي لم يعارضه عطف: اسقني ماءً اسقني ماءً، فالأمر الثاني يراد به التوكيد.

    ( شرح النص )

    مسألةٌ
    المختارُ أَنَّ الأمرَ النفسيَّ بمُعَيَّنٍ ليسَ نهيًا عن ضِدِّهِ ولا يستلزِمُهُ، وأَنَّ النهيَ كالأمرِ.
    مسألةٌ
    الأمرانِ إنْ لم يتعاقَبَا، أو تعاقَبَا بغيرِ متماثلينِ فغيرانِ، وكذا بمتماثلينِ ولا مانعَ مِنَ التَّكرارِ في الأَصحِّ، فإنْ كانَ مانعٌ عاديُّ وعارضَهُ عطفٌ فالوقفُ، وإلَّا فالثاني تأكيدٌ.

    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    هذه ( مسألةٌ ) في أن الأمر بالشيء نهي عن ضده أو لا، القول ( المختارُ ) تبعا لإمام الحرمين والإمام الغزالي والنووي وغيرهم رحمهم الله ( أَنَّ الأمرَ النفسيَّ ) وهو طلب الفعل القائم في النفس ( بـ ) شيء ( مُعَيَّنٍ ) إيجابا أو ندبا ( ليسَ نهيًا عن ضِدِّهِ ولا يستلزِمُهُ ) لجواز أن لا يخطر الضد بالبال حال الأمر، سواء كان الضد واحدا كضد السكون وهو الحركة، أو متعددا كضد القيام وهو القعود والاضطجاع، فالأمر بالسكون مثلا ليس نهيا عن ضده وهو التحرك ولا يستلزمه على المختار أي أن طلب السكون ليس هو نفس الكف عن التحرك ولا مستلزما له، وقيل: نهي عن ضده، وقيل: يستلزمه، وخرج بالأمر النفسي الأمر اللفظي فليس هو عين النهي اللفظي قطعا بلا خلاف، ولا يستلزمه أيضا على الأصح، وقيل: يستلزمه ( و ) المختار ( أَنَّ النهيَ ) النفسي عن شيء معين تحريما أو كراهة ( كالأمرِ ) فيما ذكر فيه فالنهي عن فعل ليس أمرا بضده ولا يستلزمه، وقيل: عينه، وقيل: يستلزمه، والنهي اللفظي كالأمر اللفظي فليس هو عين الأمر اللفظي قطعا، ولا يستلزمه على الأصح، وقيل: يستلزمه، هذه ( مسألةٌ ) في تكرر الأمر ( الأمرانِ إنْ لم يتعاقَبَا ) بأن تأخر ورود الثاني عن الأول، سواء أكانا متماثلين كالأمر بالصلاة أو متخالفين كالأمر بالصلاة والزكاة ( أو تعاقَبَا ) لكن ( بغيرِ متماثلينِ ) أي بمتخالفين سواء أكانا متعاطفين كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، أو غير متعاطفين كاضربْ زيدًا أعطِه درهما ( فغيرانِ ) أي فالأمران غيران يجب العمل بهما ( وكذا ) إن تعاقبا ( بمتماثلينِ ولا مانعَ مِنَ التَّكرارِ ) من عقل أو شرع أو عادة، فهما غيران ( في الأَصحِّ ) من الأقوال سواء مع العطف نحو صلّ ركعتين وصل ركعتين أو بدونه كصل ركعتين صل ركعتين، وقيل: الأمر الثاني للتوكيد ( فإنْ كانَ ) ثَمَّ ( مانعٌ عاديُّ ) من التكرار ( وعارضَهُ عطفٌ ) مثل: اسقني ماء واسقني ماء ( فـ ) حكم الأمر الثاني هو ( الوقفُ ) عن التأسيس بأن يراد تكرار الفعل وعن التوكيد، لأن وجود المانع العادي يقتضي التوكيد، ووجود العطف يقتضي التأسيس فتعارضا فتوقف فيهما حيث لا مرجح فإن وجد مرجح فيصار إليه ( وإلَّا ) بأن كان ثَمّ مانع عقلي نحو اقتل زيدا اقتل زيدا أو شرعي نحو اعتق عبدك اعتق عبدك، أو كان ثَمَّ مانع عادي ولكن لم يعارضه عطف نحو اسقني ماء اسقني ماء ( فـ ) الأمر ( الثاني تأكيدٌ ) للأمر الأول.




  13. #33

    افتراضي

    الدرس الثالث والثلاثون- مباحث الكتاب

    النهي


    أولا: حد النهي هو: اللفظ الدال على طلب كف عن فعل لا بلفظ كُفَّ ونحوه.
    فدخل في الحد نهي التحريم ونهي الكراهة، وخرج بقوله: طلب كفّ عن فعل، طلب فعل غير كف نحو: أقيموا الصلاة.
    وخرج بقوله: لا بلفظ كفّ ونحوه، نحو: كُفَّ عن المعصية، اتركْ شربَ الخمر، دعِ السرقةَ، ذروا ظاهرَ الإثمِ وباطنه، فإنها أوامر وليست بنهي كما سبق إيضاحه في الأمر.
    ثانيا: النهي كالأمر لا يعتبر فيه علو ولا استعلاء على الأصح.
    وإذا ورد نهي عن فعل شيء فهو نهي عنه دائما. هذا في النهي المطلق. أما المقيد فيلزم منه الدوام مدة القيد فقط، مثل: لا تسافر اليومَ.
    ثالثا: ترد صيغة النهي لا تفعل لمعان منها:
    1- التحريم، مثل: لا تقربوا الزنا.
    2- الكراهة، مثل: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقونَ، أي لا تعمدوا إلى الخبيث أي الرديء كالخبز اليابس الذي تعافه النفس فتتصدقوا به إذْ المطلوب أن يتصدق الإنسان بما يستحسنه لنفسه كما قال تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.
    3- الإرشاد، مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الشراب. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، فالمقصود هو الإرشاد إلى ترك النفخ في الطعام مخافة أن يقع فيه شيء من ريقه فيتقذره الآكل منه.
    والفرق بين الكراهة والإرشاد أن المفسدة المطلوب درؤها في الكراهة دينية وفي الإرشاد دنيوية.
    4- الدعاء، مثل: ربَّنا لا تُزِغْ قلوبَنا بعدَ إذْ هَدَيتَنا.
    5- بيان العاقبة، مثل: ولا تحسبَنَّ الذين قُتِلوا في سبيلِ اللهِ أمواتًا، أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت.
    6- التقليل، مثل: ولا تمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم، أي فهو قليل بخلاف ما عند الله.
    7- الاحتقار، مثل: لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، أي فأنتم أحقر شأنا من أن يسمع لكم.
    والفرق بين التقليل والاحتقار أن الأول متعلق بالمنهي عنه وهو في المثال مد العينين إلى متاع الدنيا، والثاني متعلق بالمنهي أي المخاطب بالنهي كالكفار في آية لا تعتذروا.
    8- التأييس: مثل: لا تعتذروا اليومَ.
    ثالثا: لا يشترط في النهي إرادة الطلب بأن يكون الطالب قد قصد بلفظه توجيه الطلب للشخص فقد قيل إذا لم يقصد الطلب لم يكن نهيا لأنه يستعمل في غير الطلب كبيان العاقبة، وأجيب بأن النهي متى ما خرج لغير الطلب عدّ مجازا، وتعريفنا المتقدم للنهي هو تعريف لحقيقة النهي لا لمجازه فلا حاجة لاعتبار قيد إرادة الطلب في حد النهي.
    رابعا: ذهب الجمهور إلى أن التحريم هو المعنى الحقيقي لصيغة لا تفعل وبقية المعاني مجازية تحتاج لقرينة، وهل التحريم مستفاد من الصيغة لغة أو شرعا أو عقلا ؟ أقوال: فقال بعضهم: إن التحريم مستفاد من اللغة بدليل أن أهل اللغة يحكمون بالمخالفة على من قال له أبوه مثلا: لا تفعل كذا، ففعل، وقال بعضهم: إن النهي مستفاد من الشرع لأن استحقاق العقاب على العاصي إنما هو بحكم الشرع به، وقال بعضهم: إن النهي مستفاد من العقل بدليل أنها لو لم تكن للتحريم لكان معناها لا تفعل إن شئت.
    خامسا: النهي قد يكون عن فعل شيء واحد نحو لا تنم عن واجبك وهو الغالب، وقد يكون عن أكثر من واحد.
    وما نهي فيه عن أكثر من واحد قد يكون المنهي هو الجمع بينهما وهو الحرام المخيّر نحو لا تفعل هذا أو ذاك، فعليه ترك أحدهما فقط فلا مخالفة إلا بفعلهما فالمحرم فعل الجميع لا فعل أحدهما فقط.
    وقد يكون المنهي هو التفريق بينهما بأن يفعل أحدهما فقط فالواجب فعلهما معا أو تركهما معا ولا يفرّق، ومثال هذا ما ورد في الصحيحين من النهي عن المشي بنعل واحدة، فالواجب إما لبسهما معا أو نزعهما معا.
    وقد يكون المنهي هو الجميع فيحرم فعل الجميع نحو: لا تزنِ ولا تسرق، فكل منهما منهي عنه.

    ( شرح النص )

    مسألةٌ
    النَّهيُ: اقتضاءُ كفٍّ عن فعلٍ لا بنحوِ كُفَّ، وقضيتُهُ الدَّوامُ ما لم يُقَيَّدْ بغيرِهِ في الأصحِّ، وترِدُ صيغتُهُ للتَّحريمِ، وللكراهةِ، وللإرشادِ، وللدُّعاءِ، ولبيانِ العاقبةِ، وللتقليلِ، وللاحتقارِ، ولليأسِ، وفي الإرادةِ والتحريمِ ما في الأمرِ، وقد يكونُ عن واحدٍ، وعن متعدِّدٍ جَمعًا كالحرامِ المُخَيَّرِ، وفَرْقًا كالنَّعلينِ تُلبسانِ أَو تُنزعانِ ولا يُفَرِّقُ بينهما، وجميعًا كالزِّنا والسَّرِقَةِ.
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    لما فرغ من الأمر شرع في النهي فقال: ( مسألةٌ النَّهيُ ) النفسي ( اقتضاءُ ) أي طلب ( كفٍّ عن فعلٍ لا بنحوِ كُفَّ ) ودع واترك وذر فإنها أوامر، وأما النهي اللفظي فهو اللفظ الدال على طلب كف عن فعل لا بنحو كُفّ، ولا يشترط في النهي علو ولا استعلاء في الأصح كالأمر ( وقضيتُهُ الدَّوامُ ) أي لازم معناه وهو المنع الدوام على الكف ( ما لم يُقَيَّدْ بغيرِهِ ) أي بغير الدوام بأن يقيد بمدة كأن يقال: لا تسافر اليوم، فيكون قضيته حينئذ هو الكف عن السفر ذلك اليوم فقط ( في الأصحِّ ) وقيل قضيته الدوام مطلقا وتقييده بغير الداوم يصرفه عن قضيته الموضوع هو لها فيكون مجازًا، بخلافه على الأصح فإنه يكون حقيقة متى قيد بمدة ( وترِدُ صيغتُهُ ) أي النهي وهي لا تفعل ( للتَّحريمِ ) نحو: ولا تقربوا الزنا ( وللكراهةِ ) نحو: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، والخبيث هنا هو الرديء لا الحرام ( وللإرشادِ ) كالنهي عن النفخ في الشراب ( وللدُّعاءِ ) نحو: ربَّنا لا تُزِغْ قلوبَنا بعدَ إذْ هَدَيتَنا ( ولبيانِ العاقبةِ ) نحو: ولا تحسبَنَّ الذين قُتِلوا في سبيلِ اللهِ أمواتًا، أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت ( وللتقليلِ ) نحو: ولا تمدنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم، أي فهو قليل بخلاف ما عند الله ( وللاحتقارِ ) نحو: لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم، أي فأنتم أحقر شأنا من أن يسمع لكم، والفرق بين التقليل والاحتقار أن الأول متعلق بالمنهي عنه، والثاني متعلق بالمنهي أي المخاطب بالنهي ( ولليأسِ ) أي إيقاع اليأس في نفوسهم ولو عبر بالإياس أو التأييس لكان أولى، نحو: لا تعتذروا اليومَ ( وفي الإرادةِ والتحريمِ ما في الأمرِ ) من الخلاف فقيل لا تدل صيغة لا تفعل على الطلب إلا إذا أريد بها الطلب، والأصح أن الصيغة تدل على الطلب بلا إرادة، وأنها حقيقة في التحريم لغة وقيل شرعا وقيل عقلا ( وقد يكونُ ) النهي ( عن ) شيء ( واحدٍ ) نحو: لا تزنِ ( وعن متعدِّدٍ جَمعًا كالحرامِ المُخَيَّرِ ) نحو: لا تفعل هذا أو ذاك، فعليه ترك أحدهما فقط فلا مخالفة إلا بفعلهما فالمحرم فعلهما لا فعل أحدهما فقط ( وفَرْقًا كالنَّعلينِ تُلبسانِ أَو تُنزعانِ ولا يُفَرِّقُ بينهما ) بلبس أو نزع إحداهما فقط فإنه منهي عنه أخذا من خبر الصحيحين: لايمشين أحدكم فى نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا. فهما منهي عنهما لبسا أو نزعا من جهة التفريق بينهما فى ذلك ( وجميعًا كالزِّنا والسَّرِقَةِ ) فكل منهما منهي عنه فبالنظر اليهما معا يصدق أن النهي عن متعدد، وإن صدق بالنظر إلى كل واحد منهما أن النهي عن واحد.




  14. #34

    افتراضي

    الدرس الرابع والثلاثون- مباحث الكتاب

    اقتضاء النهي الفساد


    أولا: النهي قد يكون مقيدا وقد يكون مطلقا، فالمقيّد هو الذي قيّد بما يدل على فساد أو صحة كأن يقال: لا تفعل كذا وإلا بطل عملك، أو لا تفعل كذا فإن فعلت أجزأك، فهذا حكمه معلوم وهو أنه ما دل على فساده الدليل فهو فاسد وما دل على صحته فهو صحيح، من ذلك النهي عن الطلاق في الحيض مع أمره صلى الله عليه وسلم ابن عمر بمراجعة زوجته لمّا طلقها وهي حائض. رواه الشيخان. فإن الأمر بمراجعتها دليل على انتفاء الفساد إذْ لو لم يصح لما احتيج إلى مراجعتها فيقع الطلاق في الحيض.
    وأما النهي المطلق فهو الذي لم يقيّد بما يدل على فساد أو صحة.
    ثانيا: النهي المطلق عن شيء إن رجع النهي فيه إلى عينه أو جزئه أو لازمه المساوي أو جهل مرجعه فهو مقتض للفساد، وإن رجع إلى أمر خارج عنه فهو غير مقتض للفساد. توضيحه:
    إن الشيء إنما ينهى عنه لمفسدة فيه فتلك المفسدة هي علة النهي، فمعنى رجوع النهي إلى شيء كون ذلك الشيء هو علة وسبب النهي عنه أي أن مرجع النهي علته فإذا كانت علة النهي عن فعل شيء ما هي نفسه وعينه قيل إن النهي يرجع إلى عينه أو كانت علة النهي جزءًا من ذلك الفعل قيل إن النهي يرجع إلى جزئه أو كانت العلة هي لازمة لذلك الشيء قيل إن النهي يرجع إلى لازمه أو كانت العلة غير لازمة قيل إن النهي يرجع إلى أمر خارج.
    وبعبارة مختصرة إن علة النهي إما أن تتعلق بذات الشيء أو بخارج عنه فما كان لذات الشيء يشمل العين والجزء وما كان لخارج عنه يشمل اللازم له وغير اللازم.
    مثال ما رجع النهي فيه إلى عينه: الزنا فهو قبيح لذاته فنفس الزنا هو قبيح لم يشرع أصلا في أي حال من الأحوال.
    ومثال ما رجع النهي فيه إلى جزئه: ما فقد فيه ركن أو شرط من شروطه كالصلاة بلا ركوع أو طهارة، ومثل: النهي عن بيع الملاقيح أي الأجنة في بطون الأمهات رواه البزار وفيه مقال. فهنا النهي لانعدام المبيع وهو ركن من أركان البيع.
    ومثال ما رجع النهي فيه إلى أمر خارج لكنه لازم له: صوم العيدين فإن الصوم في أصله مشروع ولا يوجد خلل في أركان أو شروطه ولكن اقترن به في ذلك الزمان وصف هو الإعراض عن ضيافة الرحمن سبحانه هو علة النهي عنه، وهذا الوصف خارج عن حقيقة الصوم ولكنه لازم له فكلما وجد الصيام في العيدين وجد الإعراض، وكلما وجد الإعراض عن ضيافة الرحمن وجد الصوم في العيدين فهو لازم مساو لتحققه من الطرفين.
    ومثال ما رجع النهي فيه لأمر خارج: البيع في وقت النداء فإن النهي فيه لمخافة تفويت الجمعة وهو أمر ليس بلازم لجواز العقد على بيع شيء وهو في طريقه إلى الجمعة ولا تفوته، وكذا لو كان النهي لأمر لازم ولكنه لازم أعم مثل النهي عن الصلاة في المكان المغصوب للغصب فكلما صلى في المكان المغصوب فقد تحقق الغصب وشغل حيز الغير ظلما ولكن هذا اللازم ليس مساويا بل هو أعم؛ لأن الغصب كما يتحقق بالصلاة في الأرض المغصوبة يتحقق بغير الصلاة كمن ينام ويجلس في أرض مغصوبة فليس كلما وجد الغصب وجدت الصلاة بل قد يتحقق الغصب مع الصلاة ومع غيرها فيكون لازما أعم فلا يقتضي فساد المنهي عنه أي تصح الصلاة في المكان المغصوب لأن النهي لم يتوجه للصلاة بل إلى الغصب بأي صورة كان، فظهر أن النهي لأمر خارج يشمل صورتين ما ليس بلازم أصلا وما كان لازما أعم.
    فإن جهل مرجع النهي هل هو راجع إلى ذاته أو لخارج عنه غير لازم فيقتضي الفساد أيضا تغليبا لجانب الفساد على ما لا يقتضيه احتياطا مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه رواه الشيخان أي أن يشتري شخص طعاما وقبل أن يقبضه إليه يعقد صفقة أخرى ويبيعه لشخص آخر فيحتمل أن النهي لأمر داخل فيه إن كان الركن هو المبيع المقبوض ويحتمل أن يعود إلى خارج عنه إن كان الركن هو ذات المبيع فيكون القبض وصفا خارجا عن ذات المنهي عنه فهنا حكموا بفساد البيع تغليبا لجانب الفساد.
    ثالثا: لا فرق في اقتضاء النهي الفساد بين كون النهي عن الشيء نهي تحريم أو نهي كراهة؛ لأن كون الشيء مكروها لا إثم فيه إنْ فعلَ لا يمنع من فساد ما فعل وعدم الاعتداد به كالنهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة فقد قيل إن النهي للتحريم وهو الأصح وقيل للكراهة وعلى القولين لا تصح الصلاة في تلك الأوقات.
    رابعا: الفساد المذكور هو من حيث الشرع؛ إذْ لا يفهم ذلك إلا من حيث الشرع. وقيل: من حيث اللغة؛ لأن أهل اللغة يفهمون فساده من مجرد اللفظ. وقيل من حيث العقل؛ لأن الشيء إنما ينهي عنه بسبب ما اشتمل عليه مما يقتضي فساده لو وقع.
    خامسا: ما نفي القبول فيه عن شيء فقيل: دليل على صحته لو وقع؛ لأن الظاهر أن المقصود هو نفي الثواب دون الاعتداد. وقيل: دليل على فساده؛ لأن نفي قبوله يدل على عدم الاعتداد به.
    مثال الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: مَن أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. رواه مسلم. والظاهر أن نفي القبول في هذا الحديث ونحوه لنفي الثواب لا لنفي الاعتداد به.
    ومثال الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ. متفق عليه.
    والظاهر هو عدم الترجيح لأن نفي القبول ورد تارة بالمعنى الاول وورد تارة بالمعنى الثاني.
    أما إذا نفي الإجزاء عن فعل فحكمه حكم نفي القبول فيما تقدم من الخلاف وقيل بل هو أولى بالفساد لتبادر عدم الاعتداد بالفعل الذي حكم بأنه غير مجزئ.
    مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأمّ القرآن. رواه الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان وصححه ابن قَطَّان.

    ( شرح النص )

    والأصحُّ أَنَّ مطلقَ النهيِ ولو تنزيهًا للفسادِ شرعًا في المنهيّ عنه إنْ رجعَ النهيُ إليهِ أو إلى جزئِه أو لازمِه أو جُهِلَ مَرْجِعُهُ.
    أمَّا نفيُ القبولِ فقيلَ: دليلُ الصحةِ، وقيلَ: الفسادِ، ومثلُهُ نفيُ الإجزاءِ، وقيلَ أولى بالفسادِ
    .
    ......................... ......................... ......................... ......................... ...
    ( والأصحُّ أَنَّ مطلقَ النهيِ ) احتراز عن النهي المقيد بما يدل على فساد المنهي عنه أو صحته فإن حكمه معلوم ( ولو تنزيها ) أي كان النهي للكراهة وليس للتحريم ( للفسادِ ) أي مقتض لعدم الاعتداد في المنهي عنه ( شرعًا ) أي يفهم ذلك من الشرع، وقيل لغة لفهم أهلها ذلك من مجرد اللفظ، وقيل عقلا وهو أن الشيء إنما ينهى عنه إذا اشتمل على ما يقتضي فساده ( في المنهيّ عنهُ ) مطلقا من عبادة أو معاملة ( إنْ رجعَ النهيُ إليهِ ) أي إلى عين المنهي عنه كالنهي عن الزنا ( أو إلى جزئِهِ ) كالنهي عن بيع الملاقيح أي الأجنة في بطون الأمهات لانعدام المبيع وهو ركن في البيع ( أو ) إلى ( لازمِهِ ) كالنهي عن صوم العيدين للاعراض عن ضيافة الرحمن، واعلم أن المقصود باللازم في هذا الموضوع هو اللازم المساوي الذي يتحقق من الطرفين كاللزوم بين الشمس والنهار، أما اللازم الأعم كلزوم الزوجية للأربعة وغيرها فهو مندرج في ما كان النهي فيه إلى أمر خارج فتنبه ( أو جُهِلَ مَرْجِعُهُ ) فلم يدر أهو يعود إلى داخل فيه فيقتضي الفساد أو خارج عنه فلا يقتضي الفساد وذلك من باب الاحتياط لأن الأصل في النهي هو الفساد ولا يخرج عنه إلا لدليل بأن كان النهي غير لازم له أصلا كالنهي عن البيع بعد النداء أو هو لازم أعم كالنهي عن الصلاة المغصوبة، مثال ما جهل مرجعه النهي عن بيع الطعام قبل قبضه فيحتمل أن النهي لأمر داخل فيه إن كان الركن هو المبيع المقبوض ويحتمل أن يعود إلى خارج عنه إن كان الركن هو ذات المبيع فيكون القبض وصفا خارجا عن ذات المنهي عنه فنحكم عليه بالفساد ( أمَّا نفيُ القبولِ ) عن شيء (فقيلَ دليلُ الصحةِ ) له لظهور النفي في عدم الثواب دون الاعتداد كما حمل عليه نحو خبر مسلم: مَن أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة. والظاهر أن نفي القبول في هذا الحديث ونحوه لنفي الثواب لا لنفي الاعتداد به ( وقيلَ ) دليل ( الفسادِ ) لظهور النفي في عدم الاعتداد ولأن القبول والصحة متلازمان فإذا نفي أحدهما نفي الآخر كما حمل عليه خبر الصحيحين: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، قال العلامة البرماوي: فهذان القولان متكافئان لا ترجيح لأحدهما على الآخر؛ لأن نفي القبول ورد تارة في الشرع بمعنى نفي الصحة، وأخرى بمعنى نفي القبول مع وجود الصحة. اهـ نقلا عن حاشية العطار ( ومثلُهُ ) أي نفي القبول ( نفيُ الإجزاءِ ) في أنه دليل الصحة أو الفساد قولان ( وقيلَ ) هو ( أولى بالفسادِ ) من نفي القبول لتبادر عدم الاعتداد منه إلى الذهن كخبر الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان وصححه ابن قَطَّان: لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأمّ القرآن.




  15. #35

    افتراضي

    الدرس الخامس والثلاثون- مباحث الكتاب

    العام


    أولا: حد العام هو: لفظ يستغرق الصالح له بلا حصر.
    مثل قوله تعالى: قدْ أفلحَ المؤمنونَ، فالمؤمنونَ لفظ عام يشمل جميع أفراد المؤمنين.
    قولنا: ( يستغرق الصالح له ) أي يتناول المعنى الذي يصلح له دفعة واحدة، بخلاف المطلق كالنكرة في سياق الإثبات نحو: أكرمْ رجلًا، فإنه لا يشمل جميع أفراد الرجال دفعة واحدة، بل على البدل أي أكرمْ هذا أو ذاك فلا يسمى عاما.
    وقولنا: ( بلا حصر ) خرج به اسم العدد كعشرة نحو أكرم عشرة رجال فإنها تستغرق الأفراد العشرة ولكن مع حصر فشرط العام أن لا يكون اللفظ محصورا بمقدار معين.
    ثانيا: هل يتناول العام الصورة النادرة وغير المقصودة أَوْ لا ؟ الأصح أنه يتناولهما.
    مثال الصورة النادرة: ما ورد في حديث أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن القَطَّان: لا سَبَقَ إلا في خُفٍّ أَو حَافِرٍ أو نَصْلٍ. أي لا مسابقة بمال إلا فيما ذكر من الحيوانات ذوات الأخفاف كالإبل، أو ذوات الحافر كالخيل أو بالرمي بالسهام.
    والفيل من ذوات الأخفاف فالصحيح دخوله في عموم ذوات الأخفاف وإن كان السباق فيه نادرًا فيصح السَبَقُ فيه.
    ومثال الصورة غير المقصودة للمتكلم: ما لو وكّل زيد شخصا بشراء عبيد فلان وفيهم مَن يعتق على زيد لزوما من أقربائه كأولاده وأولاد أولاده ولم يعلم بكونهم عبيدا عند فلان فإذا اشتراه الوكيل فإنه يعتق على زيد وإن لم يقصده بالشراء.
    ثالثا: العام كما يكون في الحقيقة كالمؤمنين في الآية السابقة يكون في المجاز أيضا نحو: جاءني الأسودُ الرماةُ.
    رابعا: العموم من عوارض الألفاظ أي توصف به الألفاظ حقيقة فيقال هذا لفظ عام وهذا محل اتفاق ولكنهم اختلفوا هل توصف المعاني بالعموم أيضا فيقال هذا المعنى عام ؟
    ذهب بعضهم إلى أن العموم يعرض للمعاني أيضا، وذهب بعضهم إلى أنه يعرض للألفاظ فقط ووصف المعاني به مجاز.
    كالإنسان فكما يقال لفظ الإنسان عام يتناول جميع أفراده كزيد وعمرو وهند، هل يقال معناه وهو الحيوان الناطق عام ؟
    خامسا: إذا وقع العام في جملة محكوما عليه بحكم ما فإن الحكم يتعلق بكل فرد من أفراده على وجه المطابقة.
    مثال: جاءَ المؤمنونَ، فهنا اللفظ العام المؤمنونَ وقع في الجملة محكوما عليه بالمجيء فيتعلق الحكم بكل أفراده مطابقة أي تكون عندنا قضايا كثيرة بعدد الأفراد أي جاءَ زيدٌ، وجاءَ عمرٌو، وجاءَ بكرٌ.. فقولنا: جاءَ المؤمنونَ، قضيةٌ كلية موجبة.
    مثال: لنْ يفلحَ الكفّارُ، أي لن يفلح هذا الكافر، ولن يفلح ذاك الكافر.. فقولنا: لن يفلح الكفّارُ، قضية كلية سالبة.
    سادسا: دلالة العام على أصل معناه دلالة قطعية وعلى كل فرد ظنيّة.
    أي أن اللفظ العام كالرجال مثلا يدل على كل فرد من أفراد الرجال دلالة ظنية؛ لاحتمال أن يكون قد خصص بمخصص وإن لم يظهر لنا لكثرة التخصيص في العام. أما دلالته على أصل معناه أي على أقل الجمع وهو ثلاثة أفراد فهو دلالة قطعية.
    فإذا قيل: أكرمْ رجال القرية، فشمول الحكم لجميع الأفراد هو الظاهر المعمول به لكن تبقى دلالته على إكرام الجميع ظنية لاحتمال وجود مخصص للمتكلم استثنى فيه المتكلم زيدًا مثلا من الإكرام. ولكن التخصيص لا يمكن أن ينتهي إلى حد لا يستوعب ثلاثة من الرجال وإلا كان نسخا لا تخصيصا.
    وذهب الحنفية إلى أن دلالته على كل فرد قطعية كدلالته على أصل معناه.
    ومن المتفق عليه أنه إذا قام دليل على انتفاء التخصيص في قضية ما فالدلالة قطعية، كدلالة العقل والنقل على انتفاء التخصيص في قوله تعالى: ( والله بكل شيء عليم ).
    سابعا: عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والأمكنة.
    أي أن ثبوت الحكم في العام على كل شخص- كما سبق- يستلزم أن يكون الحكم على أية حال وفي أي مكان أو زمان، فقوله تعالى: ( ولا تقربوا الزنا ) يعني لا يقربه أي أحد في أي وقت وفي أي زمان وعلى أية حال.

    ( شرح النص )


    العَامُّ
    لفظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لهُ بِلا حَصْرٍ، والأصحُّ دخولُ النَّادِرَةِ وغيرِ المقصودةِ فيهِ، وأَنَّهُ قدْ يكونُ مجازًا، وأَنَّهُ مِن عوارضِ الألفاظِ فَقَطْ، ويقالُ للمعنى: أَعمُّ، ولِلَّفظِ: عامٌّ، ومَدلولهُ كُليّةٌ أي محكومٌ فيه على كلِّ فردٍ مطابقةً إثباتًا أو سلبًا، ودلالتُهُ على أصلِ المعنى قطعيَّةٌ، وعلى كلِّ فردٍ ظَنِّيَّةٌ في الأصحِّ، وعمومُ الأشخاصِ يستلزمُ عمومَ الأحوالِ والأزمنةِ والأمكنةِ على المختارِ.
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    لا زال الكلام في مباحث الأقوال وقد فرغ من الأمر والنهي وشرع في العام فقال: ( العَامُّ ) أي هذا مبحث العام، وهو ( لفظٌ يَسْتَغْرِقُ ) المعنى ( الصَّالِحَ لهُ ) معنى استغراق اللفظ هو تناوله لمعناه الموضوع له دفعة واحدة فتخرج النكرة في الإثبات نحو: أكرمْ رجلا، فإنه لا يشمل كل رجل دفعة بل المقصود أكرم رجلا على البدل أي هذا أو ذاك ( بِلا حَصْرٍ ) يخرج اسم العدد نحو: أكرم عشرة رجال، فإنها تستغرق الأفراد العشرة ولكن مع حصر ( والأصحُّ دخولُ ) الصورة ( النَّادِرَةِ وغيرِ المقصودةِ ) للمتكلم ( فيهِ ) أي في العام فيشملهما حكمه نظرًا لعموم اللفظ، وقيل: لا يدخلان فيه نظرًا للمقصود عادة في مثل ذلك فإنه لم تجر العادة بقصد الصورة النادرة، مثال الصورة النادرة : حديث: لا سبَق إلا في خُف أو حافر أو نصل، فيدخل السبق على الفيل لأنه من ذوي الخف وإن كانت المسابقة فيه نادرة، ومثال الصورة غير المقصودة للمتكلم: ما لو وكّل زيد شخصا بشراء عبيد فلان وفيهم مَن يعتق على زيد ولم يعلم به فإذا اشتراه الوكيل فإنه يعتق على زيد وإن لم يقصده بالشراء ( و ) الأصح ( أَنَّهُ ) أي العام ( قدْ يكونُ مجازًا ) بأن يستعمل اللفظ العام في المعنى المجازي نحو: جاءني الأسودُ الرماةُ، وقيل: لا يكون العام مجازًا إلا بقرينة كما لو قيل: جاءني الأسود الرماة إلا زيدًا، فإن الاستثناء دليل على إرادة العموم ( و ) الأصح ( أَنَّهُ ) أي العموم ( مِن عوارضِ الألفاظِ فَقَطْ ) أي دون المعاني، وقيل: من عوارض الألفاظ والمعاني معا ( ويقالُ ) اصطلاحا ( للمعنى: أَعمُّ ) وأخص ( ولِلَّفظِ: عامٌّ ) وخاص، وهذا اصطلاح أصولي فرقوا فيه بين اللفظ فخصوه بالعام والمعنى فخصوه بأفعل التفضيل فقالوا أعم فيقال للفظ المؤمنين عام ولمعناه أعم، فإن قيل فيلزم على هذا أن يكون المعنى يوصف بالعموم وقد صحح المصنف أن العموم من عوارض الألفاظ؟ قلنا إن المراد بالعموم هنا هو الشمول لمتعدد ولا شك أن المعنى الكلي يصدق على متعدد، بخلافه عند قولهم إن العموم من عوارض الألفاظ فالمراد به العموم الاصطلاحي فتأمل ( ومَدلولهُ ) أي العام إذا وقع في التركيب من حيث الحكم عليه ( كُليّةٌ أي محكومٌ فيه على كلِّ فردٍ مطابقةً إثباتًا أو سلبًا ) فقولنا: جاءَ أولادي، في قوة قولنا: جاءَ زيد وعمرو وسعيد، وقولنا: لم يجئ أولادي، في قوة قولنا: لم يجئ زيد ولا عمرو ولا سعيد، وفي ذلك رد على قول العلامة القرافي إن دلالة العام على كل فرد فرد من أفراده خارجة عن الدلالات الثلاث: المطابقة والتضمن والالتزام؛ لأنها مندرجة في دلالة المطابقة ( ودلالتُهُ ) أي العام ( على أصلِ المعنى ) أي أصل معنى اللفظ بدون عموم فقولنا: أكرم العالم، إذا أريد بأل فيه الاستغراق كان المعنى أكرم كل عالم، فأصل المعنى هو العالم الواحد، وقولنا: أكرم العلماء، أصل المعنى هو أقل الجمع وهو ثلاثة ( قطعيَّةٌ ) اتفاقا ( و ) دلالته ( على كلِّ فردٍ ) منه بخصوصه ( ظَنِّيَّةٌ في الأصحِّ ) لاحتماله التخصيص وإن لم يظهر مخصص لكثرة التخصيص في العمومات، وقيل: قطعية فيشمل كل فرد قطعا حتى يظهر خلافه من مخصص للعام ( وعمومُ الأشخاصِ يستلزمُ عمومَ الأحوالِ والأزمنةِ والأمكنةِ على المختارِ ) أي أن عموم العام لجميع أفراده يدل بالإلتزام لا بالمطابقة على عموم الأحوال والأزمنة والأمكنة لأنه لا غنى للأشخاص عنها فقوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، أي على أي حال من طول أو قصر وبياض أو سواد وغير ذلك من الأحوال وفي أي زمان كان وفي أي مكان كان، وخصّ منه المحصن فيرجم أي خرج المحصن من عموم الأحوال لكل زان، وقيل: إن العموم هو في الأفراد فقط ويكون مطلقا في الأحوال والأزمنة والأمكنة لانتفاء صيغة العموم فيها، فقوله تعالى في الآية السابقة يعم كل زانية وزان لكن لا يعم الأحوال حتى يجلد في حال الإحصان وعدمه ولا يعم الأمكنة حتى يعم الزنا في كل بقاع الأرض ولا الأزمنة حتى يعم جميع الأيام، فالدليل المبين لخروج المحصن مخصص للعام على القول الأول، مبين للمطلق على القول الثاني فإن الزاني مطلق من حيث الإحصان وعدمه فإذا دل دليل على خروج المحصن حمل الزاني في الآية على غير المحصن فلا يوجد تخصيص من أصله.


  16. #36

    افتراضي

    الدرس السادس والثلاثون- مباحث الكتاب

    صيغ العموم


    أولا: صيغ العموم هي:
    1- كل، كقوله تعالى: ( كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ ). والعموم فيها إنما هو عموم ماتضاف إليه. وتقدمت في مبحث الحروف.
    2-3- الذي والتي، نحو: أكرمْ الذي يأتيكَ، والتي تأتيكَ.
    4- 5- أيّ وما الشرطيتان، والاستفهاميتان، والموصولتان.
    مثال الشرطيتين: ( أيما الأجلينِ قضيتُ فلا عدوانَ عليّ )، ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله ).
    ومثال الاستفهاميتين: ( أيهم زادته إيمانا )، ( قال: فما خطبكم ).
    ومثال الموصوليتين: ( لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا )، ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ).
    6- متى الشرطية والاستفهامية، نحو: متى تجيئني ؟، ومتى جئتني أكرمتك.
    7- أين الشرطية والاستفهامية، نحو: ( أينما تكونوا يدرككم الموت )، وأينَ كنتَ؟
    8- حيثما الشرطية، نحو: حيثما كنت آتِكَ.
    9- الجمع المعرّف باللام أو الإضافة، نحو: ( والله يحب المحسنين ) أي كل المحسنين، ( يوصيكم الله في أولادكم ) أي في كل أولادكم، وذلك بشرط أن لا يتحقق عهد أي لا تكون أل أو الإضافة لشيء معهود فيصرف إليه. بيانه:
    إن أل ومثلها الإضافة تكون للاستغراق والعهد والجنس.
    مثال الاستغراق: أكرم العلماء المسلمين أي كلهم، وأكرم علماء المسلمين.
    ومثال العهد: جاءَ القضاةُ أي قضاة معينون يعرفهم المخاطب، وجاءَ قضاةُ البلد، تريد طائفة معينة منهم.
    ومثال الجنس: تزوجْ من العفيفات، أي من هذا الجنس الصادق بأي عفيفة، وتزوجْ من عفيفاتِ النساءِ.
    فإذا علم هذا فإن أل والإضافة تحمل على الاستغراق ما لم يقم دليل على إرادة العهد أو الجنس.
    10- المفرد المعرف باللام أو الإضافة، نحو: ( وأحلَّ الله البيعَ ) أي كل بيع، ( فليحذر الذين يخالفونَ عن أمره ) أي عن كل أمر من أوامره صلى الله عليه وسلم، وذلك ما لم يتحقق عهد أيضا.
    11- النكرة في سياق النفي، مثل: ماجاءَ رجلٌ. وإفادة العموم تكون إما نصا أو ظاهرا.
    فالنص إذا وقعت النكرة اسما للا النافية للجنس مثل: لا رجلَ في الدارِ.
    والظاهر في غير ذلك مثل: لا رجلٌ حاضرًا، وما في الدارِ رجلٌ؛ إلا إذا زيدت فيها مِنْ فتكون نصا نحو: ( ما مِنْ إلهٍ إلا الله ).
    ومثل النفي النهي والاستفهام الإنكاري نحو: ( ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدًا )، ( هل تعلمُ له سَمِيًّا ).
    12- النكرة في سياق الشرط، نحو: ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا ).
    ثانيا: قد يستفاد العموم من اللفظ لا بطريق الوضع بل من طريق العرف أو العقل.
    مثال العموم العرفي: مفهوم الموافقة على رأي بعض العلماء فقد ذكرنا -سابقا- أنه قد اختلف في مفهوم الموافقة على قولين: الأول أنه مستفاد بطريق القياس أي أن الدلالة ليست من المنطوق ولا من المفهوم، والثاني أنه مستفاد من مفهوم اللفظ والدلالة عليه مفهومية وهذا القول هو الذي اختاره المصنف، وثمة قول ثالث وهو أن الدلالة عليه ليست مأخوذة من المفهوم بل من المنطوق بأن نقلَ العرفُ اللفظَ للدلالة على معنى أعم، وعليه فتكون الدلالة عليه من المنطوق.
    فقوله تعالى: ( فلا تقل لهما أفٍّ ) دلالة التأفيف على تحريم الضرب من مفهوم الموافقة الأولى على المختار، وقيل بل دلالته عليه قياسية فلا هي من المنطوق ولا هي من المفهوم، وقيل: بل دلالته عليه دلالة لفظية لأن المراد من التأفيف ليس خصوص ذلك القول الذي يقوله المرء عند الضجر بل نقل إلى معنى أعم وهو المنع من الإيذاء بأي شكل كان وعليه فالدلالة منطوقية. فإذا علم هذا فعلى هذا القول الثالث يكون اللفظ قد عمّم بطريق العرف، فهذا نوع آخر من أنواع العموم غير العموم المستفاد من وضع الألفاظ نحو كل والذي والتي.
    ومثله قوله تعالى: ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) دلالة الأكل على تحريم حرق الأموال وسائر أنواع الإتلاف من مفهوم الموافقة المساوي على المختار، وقيل: بل دلالته عليه قياسية، وقيل بل لفظية منطوقية بأن نقل العرف لفظ الأكل إلى معنى أعم فلم يرد به خصوص أكل الطعام بل المراد به كل أنواع الإتلاف.
    فالتمثيل بالعموم العرفي إنما يتأتى على القول الثالث.
    وكذا قوله تعالى: ( حرمت عليكم أمهاتكم ) فهذه الآية من دلالة الاقتضاء وفي الآية حذف والأصل حرم عليكم نكاح أمهاتكم على قول، وقيل: بل هو من باب العموم العرفي حيث نقل العرف اللفظ من تحريم العين إلى تحريم جميع الاستمتاعات المقصودة من النساء من الوطء وغيره.
    ومثال العموم العقلي: دلالة التنبيه والإيماء كقوله تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) فإنه يعم كل سارق وسارقة لأن ترتيب الحكم وهو القطع على وصف وهو السرقة يفيد أن الوصف علة الحكم، وكلما وجدت العلة وجد الحكم، فهذا مثال التعميم العقلي.
    وكذا مفهوم المخالفة على قول، فقد تقدم أن دلالة المخالفة حجة بطريق اللغة، وقيل بل الدلالة عليه من الشرع أي يعرف من تتبع موارد الشرع، وقيل بل الدلالة عليه عقلية وهو أنه لو لم ينف المذكور الحكم عن المسكوت لم يكن لذكره فائدة، فمثلا: في الغنم السائمة زكاة، المختار أن الدلالة على عدم الزكاة في الغنم غير السائمة مأخوذة من اللغة، وقيل من الشرع، وقيل من العقل.
    وعليه فإن المفهوم هو أن كل غنم غير سائمة لا زكاة فيها أخذ من حكم العقل بذلك فيكون هذا مثال العموم العقلي على القول الثالث.

    ( شرح النص )

    مَسْأَلَةٌ
    كلٌّ والذي والتي وأيٌّ وما ومتى وأينَ وحيثما ونحوُها للعمومِ حقيقةً في الأصحِّ، كالجمعِ المعرَّفِ باللامِ أوِ الإضافةِ ما لم يتحقَّقْ عهدٌ، والمفردُ كذلكَ.
    والنكرةُ في سياقِ النَّفيِ للعمومِ وضعًا في الأصحِّ نَصًّا إنْ بُنيتْ على الفتحِ، وظاهرًا إنْ لم تُبْنَ، وقدْ يَعُمُّ اللفظُ عرفًا كالموافقةِ على قولٍ مرَّ، وحُرِّمَتْ عليكم أُمَّهَاتُكُمْ، أَو معنىً كترتيبِ حكمٍ على وصفٍ كالمخالفةِ على قولٍ مرَّ، والخلافُ في أَنَّ المفهومَ لا عمومَ لهُ لفظِيٌّ.

    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    هذه ( مَسْأَلَةٌ ) في صيغ العموم ( كلٌّ ) وتقدمت في مبحث الحروف ( والذي والتي ) نحو: أكرم الذي يأتيك والتي تأتيك أي كل آت وآتية لك ( وأيٌّ وما ) الشرطيتان والاستفهاميتان والموصولتان وتقدمتا ( ومتى ) للزمان المبهم استفهامية أو شرطية نحو: متى تجيئني؟ ومتى جئتني أكرمتك ( وأينَ وحيثما ) للمكان شرطيتين نحو: أين أو حيثما كنت آتك، وتزيد أين بالاستفهام نحو أين كنت؟ ( ونحوُها ) مما يدل على العموم لغة كجميع، وكالذين واللاتي، وكمَن الاستفهامية والشرطية والموصولة وتقدمت، وكل من المذكورات ( للعمومِ حقيقةً في الأصحِّ ) لتبادره إلى الذهن، وقيل للخصوص حقيقة أي للواحد في المفرد، وللاثنين في المثنى، وللثلاثة في الجمع، لأنه المتيقن واستعماله في العموم مجاز، فإذا قيل مثلا: أكرمْ الذي يزورك أي شخصا واحدًا وإذا قيل أكرم الذينِ يزورانِكَ أي شخصين فقط وإذا قيل أكرم الذي يزورونكَ أي ثلاثة أشخاص، ولا يخفى بعده ( كالجمعِ المعرَّفِ باللامِ ) نحو: قد أفلح المؤمنون ( أوِ الإضافةِ ) نحو: يوصيكم الله في أولادكم أي فيهم كلهم فإنه للعموم حقيقة في الأصح ( ما لم يتحقَّقْ عهدٌ ) أي ما لم يقم دليل على أن أل يراد بها العهد فإن تحقق ذلك حمل عليه، وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق ببعض الأفراد كما في تزوجت النساء ( والمفردُ كذلكَ ) أي المفرد المعرف باللام أو الإضافة كالجمع في أنه للعموم حقيقة ما لم يتحقق عهد نحو: أحل الله البيع، أي كل بيع وخص منه البيع الفاسد كالربا، ونحو: فليحذر الذين يخالفون عن أمره، أي كل أمر له وخص منه أمر الندب، وقيل ليس للعموم مطلقا بل للجنس الصادق بالبعض كما في لبست الثوب، ولبست ثوب الناس، لأنه المتيقن ما لم تقم قرينة على العموم كما في إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا، فإن الاستثناء قرينة على العموم ( والنكرةُ في سياقِ النَّفيِ ) وفي معناه النهي والاستفهام الإنكاري ( للعمومِ وضعًا في الأصحِّ ) بأن تدل عليه بالمطابقة كما مر من أن الحكم في العام على كل فرد مطابقة، وقيل للعموم لزوما نظرا إلى أن النفي أوّلًا للماهية، ويلزمه نفي كل فرد، وعموم النكرة يكون ( نَصًّا إنْ بُنيتْ على الفتحِ ) نحو: لا رجلَ في الدار ( وظاهرًا إنْ لم تُبْنَ ) نحو ما في الدار رجلٌ، لاحتماله نفي الواحد فقط، فإن زيد فيها مِنْ كانت نصا أيضا كما مر في الحروف، والنكرة في سياق الامتنان للعموم نحو: وأنزلنا من السماء ماء طهورًا، قاله القاضي أبو الطيب، وفي سياق الشرط للعموم نحو: وإن أحد من المشركين استجارك، أي كل واحد منهم ( وقدْ يَعُمُّ اللفظُ ) إما ( عُرفًا كـ ) اللفظ الدال على مفهوم ( الموافقةِ ) بقسميه الأولى والمساوي ( على قولٍ مرّ ) في مبحث المفهوم كقوله تعالى: فلا تقل لهما أفّ، إن الذين يأكلون أموال اليتامى.. الآية قيل نقلهما العرف إلى تحريم جميع الإيذاءات والإتلافات ( وَ ) نحو: حرمت عليكم أمهاتكم، نقله العرف من تحريم العين إلى تحريم جميع التمتعات المقصودة من النساء، وسيأتي قول إنه مجمل، وقيل العموم فيه من باب الاقتضاء لاستحالة تحريم الأعيان فيضمر ما يصح به الكلام ( أَو معنىً ) أي عقلا ( كترتيبِ حكمٍ على وصفٍ ) فإنه يفيد علية الوصف للحكم كما يأتي في القياس، فيفيد العموم بالمعنى بمعنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول نحو: الزانية والزاني فاجلدوا.. الآية، و( كـ ) اللفظ الدال على مفهوم ( المخالفةِ على قولٍ مرَّ ) في مبحث المفهوم وهو أن دلالة مفهوم المخالفة بالعقل لا باللفظ لأنه لو لم ينف الحكم عما عداه لم يكن لذكره فائدة كما في خبر الصحيحين: مطل الغني ظلم. أي بخلاف مطل غيره ( والخلافُ في أنَّ المفهومَ لا عمومَ له لفظيٌّ ) أي عائد إلى اللفظ والتسمية أي هل يسمى عاما أو لا بناء على أن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني أو الألفاظ فقط، وأما من جهة المعنى فهو شامل لجميع الصور فمثلا في آية التأفيف من المتفق عليه أن كل صور إيذاء الوالدين محرمة وإن اختلفوا في أن هذا الشمول يسمى عاما أو لا.



  17. #37

    افتراضي

    الدرس السابع والثلاثون- مباحث الكتاب

    مسائل العموم


    أولا: معيار العموم الاستثناء أي ضابط العموم صحة الاستثناء منه، فكل ما صحّ الاستثناء منه مما لا حصر فيه فهو عام.
    مثال: جاءَ الرجالُ إلا زيدًا. إذْ يلزم من صحة الاستثناء أن يكون المستثنى من أفراد المستثنى منه فأُخرِج بالاستثناء.
    وقولنا: مما لا حصر فيه هو احتراز عن اسم العدد نحو: عندي عشرةٌ إلا واحدًا، فإنه وإن صح الاستثناء منه لكن مع الحصر فلا يسمى عاما.
    ثانيا: الأصح أن الجمع المنكَّر في الإثبات ليس بعام، نحو: جاءَ رجالٌ، وقيل هو عام.
    ثالثا: الأصح أن أقل الجمع ثلاثة، فإذا قيل: جاءَ رجالٌ أي ثلاثة فأكثر، وقيل: أقله اثنانِ.
    رابعا: الأصح أن الجمع في الاستعمال المجازي يصدق بالواحد، كما في مثل قول رجل لامرأته وقد رآها تتبرج لرجل أتتبرجينَ للرجال؟! لاستواء الواحد والجمع في كراهة التبرج له.
    خامسا: إذا سيق العامُ لغرض ما فإنه يبقى على عمومه ما لم يعارضه عام آخر.
    مثال: قال الله تعالى: ( إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم ) فالأبرار سيق لغرض المدح، والفجار سيق لغرض الذم ومع هذا يبقى اللفظ على عمومه.
    مثال: قال الله تعالى: ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ) فهذا سيق للمدح، وهو بظاهره يعم جميع ملك اليمين حتى الأختين، لكنه عارضه نص آخر لم يسق للمدح وهو قوله تعالى: ( وأن تجمعوا بين الأختين ) وهو شامل لملك اليمين وغيره، فيحمل النص الأول على غير الجمع بين الأختين؛ فلا تحل الأختان مطلقا.
    والخلاصة أنه إذا سيق العام لغرض كمدح وذم ولم يعارضه عام آخر فإن يبقى على عمومه كآية الأبرار، وإذا سيق لغرض وعارضه عام آخر فإنه لا يعم كما في الآية الثانية.
    سادسا: الأصح أن نفي المساوة بين أمرين فأكثر يعم جميع أوجه المساواة الممكنة، وقيل لا يعم.
    مثال: قال الله تعالى: ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ) فهنا نفى الله سبحانه الاستواء بين المؤمن والكافر فهل يعم جميع أوجه المساواة في جميع الأحكام أو المقصود هو نفي المساواة بينهما في المصير فالأول للجنة والثاني للنار ؟
    فيلزم على القول الأول أنه لا يقتل مسلم بذمي لأن الله نفى الاستواء بينهما فيعم جميع أوجه المساواة ومنها المساواة في القصاص، وعلى القول الثاني لا يلزم ذلك بل يقتل به.
    سابعا: الأصح أنَّ من العام ورودَ النفي على فعل متعدٍّ لم يذكر مفعوله.
    مثال: قال زيدٌ: واللهِ لا أَكلتُ، فهنا وردَ النفي على فعل متعد وهو الأكل ولم يذكر مفعوله فلم يذكر شيئا مأكولا بعينه كخبز أو سمك فهل يكون النفي عاما أو لا ؟ الأصح أنه عام في جميع المأكولات. ويحنث الحالف بأكل شيء منها، ويجوز تخصيص شيء منها بالنية بأن يكون قد نوى أن لا يأكل من طعام البحر مثلا فلا يحنث بأكل غيره.
    وكذا مثل النفي لو وقع الفعل في سياق الشرط نحو قول زيد: إنْ أكلتُ فزوجتي طالقٌ، فتطلق بأكل أي من المأكول.
    ثامنا: لا عموم في المقتضي.
    مثاله: رفُعِ عن أمتي الخطأ والنسيان. لا يستقيم إلا بتقدير إذْ الخطأ والنسيان واقعان من أفراد الأمة، وما وقع لا يُرفَعُ، فقدروا المؤاخذة أو العقوبة أو الإثم أو نحو ذلك، فالمقدر ليس عاما على الصحيح، وقيل نقدر شيئا عاما يعم الجميع كأن نقول رفع عن أمتي حكم الخطأ والنسيان.
    والمقتضي بالكسر هو الكلام المحتاج لتقدير وذلك المقدر هو المقتضَى بالفتح.
    تاسعا: الأصح أن العطف على العام لا يوجب أن يكون المعطوف عاما أيضا. وقيل يكون عاما.
    مثاله: حديث أبي داود والنسائي : ( لا يقتلُ مسلمٌ بكافر ولا ذو عهد في عهده ) حسّنه الحافظ في الفتح.
    فذهب الحنفية إلى القول بعموم المعطوف وجعلوا التقدير: ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر. وعلى عموم الكافر يلزم أن لا يُقتل المعاهد ولو قتل ذميا أو معاهدا وهو باطل ولذا قالوا هذا العام مخصوص بالحربي ليكون المعنى لا يقتل ذو عهد في عهده بكافر حربي. وذهب الشافعية إلى عدم عموم المعطوف وجعلوا التقدير: ولا يقتل ذو عهد في عهده بحربيّ. فقدروا الحربي من أول مرة ولم يحتاجوا إلى التعميم ثم التخصيص.
    فالخلاصة أن متعلق العام لا يجب أن يقدر مثله في المعطوف.
    عاشرا: لا عموم في الفعل المثبت ولو مع كان.
    مثاله بدون كان: حديث الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة. فلا يدل الفعل صلى على أكثر من صلاة واحدة فلا يعم الفرض والنفل.
    ومثاله مع كان: حديث البخاري عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع في السفر. فلا يدل الفعل يجمع على أكثر من جمع واحد فلا يعم جمع التقديم والتأخير.
    أحد عشر: الحكم المعلّق بعلة لا يعم كل محل وجدت فيه تلك العلة لفظا بل يعم قياسا.
    مثال ذلك: ما لو قال الشارع: حرمّت الخمر لإسكارها. فلا يعم كل مسكر غير الخمر من ناحية اللفظ، بل يعمه من ناحية القياس، بأن يقال: بما أن الخمر إنما حرمت لإسكارها والنبيذ مثلها فيحرم هو الآخر.

    ( شرح النص )

    ومِعيارُ العمومِ الاستثناءُ، والأصحُّ أَنَّ الجمعَ المُنَكَّرَ ليسَ بعامٍّ، وأَنَّ أَقَلَّ الجمعِ ثلاثةٌ، وأَنَّهُ يَصْدُقُ بالواحدِ مجازًا، وتعميمُ عامٍّ سِيقَ لِغَرَضٍ ولمْ يُعارضْهُ عامٌّ آخرَ، وتعميمُ نحوِ: لا يستوونَ ولا أكلتُ وإنْ أَكلتُ، لا المقْتَضِي، والمعطوفِ على العامِّ، والفعلِ المثبتِ ولو معَ كانَ، والمُعَلَّقِ لِعِلَّةٍ لفظًا لكنْ معنىً.
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    ( ومِعيارُ العمومِ ) أي ضابطه ( الاستثناءُ ) فكل ما صح الاستثناء منه مما لا حصر فيه فهو عام نحو: جاءَ الرجالُ إلا زيدًا، وخرج بقولنا: مما لا حصر فيه اسم العدد نحو: جاء عشرة رجال إلا واحدًا، فلا يسمى عاما ( والأصحُّ أَنَّ الجمعَ المُنَكَّرَ ) في الاثبات ( ليسَ بعامٍّ ) نحو جاءَ رجالٌ، فيصدق على أقل الجمع وهو ثلاثة، وقيل: هو عام ( و ) الأصح ( أَنَّ أَقَلَّ ) مسمى ( الجمعِ ) كرجال ومسلمين ( ثلاثةٌ ) لتبادره إلى الذهن، وقيل: أقله اثنان ( و ) الأصح ( أَنَّهُ ) أي الجمع ( يَصْدُقُ بالواحدِ مجازًا ) لاستعماله فيه كما في مثل قول رجل لامرأته وقد رآها تتبرج لرجل أتتبرجينَ للرجال؟! لاستواء الواحد والجمع في كراهة التبرج له، وقيل: لايصدق بالواحد ولم يستعمل فيه والجمع في هذا المثال على بابه لأن من برزت لرجل تبرز لغيره عادة ( و ) الأصح ( تعميمُ عامٍّ سِيقَ لِغَرَضٍ ) كمدح وذم وبيان مقدار ( ولمْ يُعارضْهُ عامٌّ آخرَ ) لم يسق لذلك، فإن عارضه لم يعم فيما عورض فيه جمعا بينهما، وقيل: لايعم مطلقا لأنه لم يسق لغرض التعميم، مثاله ولا معارض: إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم، ومثاله مع المعارض: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فإنه وقد سيق للمدح يعم بظاهره إباحة الجمع بين الأختين بملك اليمين، وعارضه في ذلك: وأن تجمعوا بين الأختين، فإنه لم يسق للمدح بل لبيان الحكم وهو شامل لحرمة جمع الأختين بملك اليمين، فيحمل النص الأول على غير الجمع بين الأختين؛ فلا تحل الأختان مطلقا ( و ) الأصح ( تعميمُ نحوِ: لا يستوونَ ) من قوله تعالى: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون، وقوله تعالى: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، فهو لنفي جميع أوجه الاستواء الممكن نفيها وذلك لأن الفعل المنفي يتضمن مصدرا منكّرا فقوله لايستوون في قوة لا استواءَ فيعم، وقيل: لا يعم، ثم المراد بقوله: نحو لا يستوون كل ما دل على نفي الاستواء أو نحوه كالمساواة والتماثل والمماثلة ( و ) الأصح تعميم نحو: ( لا أكلتُ ) من قولك: والله لا أكلتُ فهو لنفي جميع المأكول بنفي جميع أفراد الأكل (و ) تعميم نحو ( إنْ أَكلتُ ) فزوجتي- أي زوجة زيد-طالق، مثلا فهو للمنع من جميع المأكولات فيصح تخصيص بعضها في المسألتين بالنية، وقيل لا يصح التخصيص بالنية فيبقى النفي على عمومه فيحنث بأكل أي شيء ( لا المقْتَضِي ) فإنه لا تعميم فيه، والمقتضي وهو ما لا يستقيم من الكلام إلا بتقدير شيء، مثاله: رفُعِ عن أمتي الخطأ والنسيان. لا يستقيم إلا بتقدير إذْ الخطأ والنسيان واقعان من أفراد الأمة، وما وقع لا يُرفَعُ، فقدروا المؤاخذة أو العقوبة أو الإثم أو نحو ذلك، فالمقدر ليس عاما على الصحيح، وقيل نقدر شيئا عاما يعم الجميع كأن نقول رفع عن أمتي حكم الخطأ والنسيان ( و ) لا ( المعطوفِ على العامِّ ) فلا يعم، وقيل يعم، مثاله: حديث أبي داود والنسائي : لا يقتلُ مسلمٌ بكافر ولا ذو عهد في عهده. حسّنه الحافظ في الفتح. قيل: يعني ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر، وخص منه غير الحربي فيقتل به، قلنا: لا حاجة إلى ذلك بل نقدر بحربي من أول مرة ( و ) لا ( الفعلِ المثبتِ ولو معَ كانَ ) فلا يعم، وقيل: يعم، مثاله بدون كان: حديث الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة. فلا يدل الفعل صلى على أكثر من صلاة واحدة فلا يعم الفرض والنفل، ومثاله مع كان: حديث البخاري عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع في السفر. فلا يدل الفعل يجمع على أكثر من جمع واحد فلا يعم جمع التقديم والتأخير ( و ) لا الحكم ( المُعَلَّقِ لِعِلَّةٍ ) فلا يعم كل محل وجدت فيه العلة ( لفظًا لكنْ ) يعمه ( معنىً ) كأن يقول الشارع:حرمت الخمر لاسكارها. فلا يعم كل مسكر لفظا بل قياسا، وقيل: يعمه لفظا لذكر العلة فكأنه قال: حرمت المسكر.






  18. #38

    افتراضي

    الدرس الثامن والثلاثون- مباحث الكتاب

    تكملة مسائل العموم

    أولا: ترك الاستفصال ينزّل منزلة العموم.
    بمعنى أنه إذا عُرضت على الشارع حالة فحكم فيها بحكم ولم يستفصل- أي لم يطلب تفاصيل عن الحالة قبل أن يحكم فيها- فإن ذلك ينزّل منزلة العموم في القول.
    مثاله قصة غيلان بن أسلم رضي الله عنه، فإنه أسلم وله عشر زوجات، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أسلمت على عشر نسوة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( أَمسِكْ أربعًا وفارقْ سائرهن ) رواه الشافعي والترمذي. ففي هذه المسألة لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم هل كان عقد عليهن معا أو واحدة بعد الأخرى، فلولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق الكلام لامتناع الإطلاق في موضع التفصيل، فالحكم ينزل منزلة العموم فله أن يمسك من شاء ويفارق من شاء.
    ثانيا: الأصح أن مثل قوله تعالى: ( يا أيها النبي- يا أيها المزمل ) لا يشمل جميع الأمة لأنها موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقيل: بل هو عام فيكون خطابا له وللأمة.
    ثالثا: الأصح أن مثل قوله تعالى: ( يا أيها الناس- يا أيها الذين آمنوا ) يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم سواء اقترن بقل أو لم يقترن بها.
    رابعا: الأصح أن مثل قوله تعالى: ( يا أيها الناس ) يعم الحر والعبد والمؤمن والكافر.
    وهل أنه يتناول الموجودين من الخلق عند ورود النص دون من يأتي بعدهم، أو هو يعمهم إلى قيام الساعة؟.
    قيل: هو خاص بهم بمعنى أن نفس الخطاب لا يتناولهم وإنما نحتاج لدليل آخر وقد ثبت بالإجماع أن الذين وجدوا بعد ورود الخطاب مكلفون بمضمونه.
    وقيل: هو غير خاص بهم بمعنى أن نفس الخطاب يشمل كل مكلف ولا نحتاج لدليل آخر.
    خامسا: الأصح أن ( مَنْ ) تتناول الإناث كما تتناول الذكور. وقيل: هي خاصة بالذكور.
    ومن المسائل الفرعية المبنية على ذلك ما ورد في حديث صحيح مسلم: مَن اطّلَعَ في بيت قومٍ بغير إذنهم فقد حلّ لهم أن يفقأوا عينه. فعلى القول بالشمول إذا تطلّعت امرأة جاز رميها. وعلى القول بعدم الشمول لا يجوز رميها.
    خامسا: الأصح أن جمع المذكر السالم كالمؤمنين والمسلمين لا يدخل فيه النساء إلا بقرينة تدل على أن الخطاب موجه لهن أيضا.
    سادسا: الأصح أن الخطاب الموجّه إلى شخص واحد في مسألة لا يتعداه إلى غيره بمقتضى اللفظ بل يثبت الحكم في حق غيره بالقياس.
    فإذا قال الشارع لشخص معين اعتق رقبة أو افعل كذا فالخطاب موجّه لشخص معين فلا يتناول غيره لأن اللفظ خاص وليس عاما ولكن يقاس غيره عليه. وقيل: هو عام بنفسه أي يتناولهم اللفظ لجريان العادة بمخاطبة الواحد وإرادة الجمع فيما يتشاركون فيه، وأجيب بأن هذا مجاز يحتاج لقرينة وكلامنا في تناول اللفظ بمقتضى الحقيقة.
    سابعا: الأصح أن الخطاب بيا أهل الكتاب مما ورد في القرآن أو الحديث النبوي لا يتناول المسلمين.
    كقوله تعالى: ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ) . وقيل يتناول المسلمين فيما يصح أن يشتركوا فيه كما في قوله تعالى: ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) وهو موجّه إلى أهل الكتاب.
    ثامنا: الأصح أنه إذا اجتمعت صيغة تبعيض مع جمع معّرف باللام أو الإضافة فإنه يجب حمل الجمع على جميع أنواعه.
    مثاله قوله تعالى: ( خذْ مِن أموالهم صدقة ) فالأموال جمع مضاف إلى ضمير فيقتضي العموم- كما تقدم في صيغ العموم- فيقتضي ظاهر اللفظ أن يأخذ بعضا من كل نوع من أموالهم، وقيل بل صيغة التبعيض تبطل العموم فيكفي الأخذ من نوع واحد من أموال كل شخص، فعلى الأول ينظر إلى جميع المال، وعلى الثاني ينظر إلى مجموعه.
    هذا والكلام في الآية إنما هو بالنظر للفظ في حد ذاته وإلا فلا خلاف في أنه لا تجب الزكاة إلا في أموال مخصوصة، فلو لم ترد السنة ببيان أنواع معينة لوجب الاخذ من الكل على حد سواء، ففي الحيوانات مثلا لولا دلالة السنة لاقتضى ظاهر لفظ الآية وجوب الزكاة في الدجاج والطيور والغزلان ونحوها لعموم الأموال على القول الأصح.

    ( شرح النص )

    وتركَ الاستفصالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلةَ العمومِ، وأَنَّ نحوَ: يا أيُّها النبيُّ لايشملُ الأمّةَ، وأَنَّ نحوَ: يا أيُّها الناسُ يشملُ الرسولَ وإِنْ اقترنَ بقُلْ، وأَنَّهُ يَعُمُّ العبدَ ويشملُ الموجودينَ فقطْ، وأَنَّ مَنْ تشملُ النساءَ، وأَنَّ جمعَ المذكّرِ السالمَ لايشملُهُّنَّ ظاهرًا، وأَنَّ خطابَ الواحدِ لايتعدَّاهُ، وَأَنَّ الخطابَ بيا أَهلِ الكتابِ لا يشملُ الأمَّةَ، ونحوَ: خذْ منْ أموالِهم يقتضي الأخذَ مِنْ كلِ نوعٍ.
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    ( و ) الأصح أن ( تركَ الاستفصالِ ) في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال ( يُنَزَّلُ مَنْزِلةَ العمومِ ) في المقال كما في خبر الشافعي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة الثقفي وقد أسلم على عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن. فإنه صلى الله وعليه وسلم لم يستفصله هل تزوجهن معا أو مرتبا فلولا أن الحكم يعم الحالين لما أطلق لامتناع الإطلاق في محل التفصيل وقيل لا ينزّل منزلة العموم بل يكون الكلام مجملًا ( و ) الأصح ( أَنَّ نحوَ: يا أيُّها النبيُّ ) اتق الله، ويا أيها المزمل ( لايشملُ الأمّةَ ) لاختصاص الصيغة به، وقيل يشملهم لأن الأمر للمتبوع أمر لأتباعه عرفا كما في أمر السلطان الأمير بفتح بلد هو أمر لأتباع الأمير ( و ) الأصح ( أَنَّ نحوَ: يا أيُّها الناسُ ) والذين آمنوا ( يشملُ الرسولَ ) عليه الصلاة والسلام ( وإِنْ اقترنَ بقُلْ ) نحو: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، لمساواتهم له فى الحكم، وقيل لايشمله مطلقا لأنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره، وقيل إن اقترن بقل لم يشمله لظهوره فى التبليغ وإلا شمله ( و ) الأصح ( أَنهُ ) أى نحو: يا أيها الناس ( يَعُمُّ العبدَ ) وقيل: لا يعمه ( و ) الأصح أنه ( يشملُ الموجودينَ ) وقت وروده ( فقطْ ) أى لا من بعدهم، وقيل يشملهم أيضا ( و ) الأصح ( أَنَّ مَنْ ) شرطية كانت أو استفهامية أو موصولة أو موصوفة وقد تقدمت أمثلتها في مبحث الحروف ( تشملُ النساءَ ) لقوله تعالى: ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى، وقيل تختص بالذكور، فلو نظرت امرأة فى بيت أجنبى جاز رميها على القول الأول لخبر مسلم: مَن اطّلَعَ في بيت قومٍ بغير إذنهم فقد حلّ لهم أن يفقأوا عينه. ولا يجوز على الثاني ( و ) الأصح ( أَنَّ جمعَ المذكّرِ السالمَ لايشملُهُّنَّ ) أى النساء ( ظاهرًا ) وإنما يشملهن بقرينة تغليبا للذكور، وقيل يشملهن ظاهرا لأنه لما كثر فى الشرع مشاركتهن للذكور فى الأحكام أشعر بأن الشارع لايقصد بخطاب الذكور قصر الأحكام عليهم ( و ) الأصح ( أَنَّ خطابَ الواحدِ ) مثلا أو الاثنين أو الجماعة المعينة بحكم في مسألة ( لايتعدَّاهُ ) الى غيره بمقتضى اللفظ، وقيل يعم غيره لجريان عادة الناس بخطاب الواحد وإرادة الجميع فيما يتشاركون فيه، قلنا: هذا مجاز يحتاج إلى قرينة وكلامنا في الحقيقة ( و ) الأصح ( أَنَّ الخطابَ بيا أَهلِ الكتابِ ) وهم اليهود والنصارى نحو قوله تعالى: يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم ( لا يشملُ الأمَّةَ ) أى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: يشملهم فيما تحصل فيه المشاركة بين أهل الكتاب والأمة كقوله تعالى: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم. فإن النهي عن تلك الحال ليس مختصا بأمة دون أخرى ( و ) الأصح أن ( نحوَ: خذْ منْ أموالِهم ) من كل جمع معرف باللام أو الإضافة مجرور بمن التبعيضية ( يقتضي الأخذَ مِنْ كلِ نوعٍ ) من أنواع المجرور مالم يخص بدليل، وقيل لا بل يمتثل بالأخذ من نوع واحد والأول نظر إلى أن المعنى من جميع الأنواع والثاني إلى أنه من مجموعها.



  19. #39

    افتراضي

    الدرس التاسع والثلاثون- مباحث الكتاب

    التخصيص


    أولا: حد التخصيص هو: قصر حكم العام على بعض أفراده.
    نحو: إن الإنسانَ لفي خسر إلا الذين آمنوا ..الآية. فلولا الاستثناء لشملت الخسارة كل انسان.
    وما يقبل التخصيص هو الحكم الذي ثبت لمتعدد كالإنسان الذي يشمل كل أفراده، فالمراد بالعام في مبحث التخصيص هو كل ما يدل على متعدد فيشمل أسماء العدد فإنها يدخلها التخصيص نحو: أكرم عشرة رجال إلا واحدًا، مع أنه قد تقدم أن أسماء العدد ليست من العام.
    ثانيا: الأصح جواز التخصيص إلى واحد إذا كان العام غير جمع، وإلى ثلاثة إن كان جمعا.
    مثال غير الجمع مَنْ والمفرد المعرف بأل نحو: مَنْ جاءَ مِن بني عمي فأكرمه. فهذا لفظ عام يجوز أن تخصصه كأن تقول: إلا فلانا وفلانا فلا يبقى يشمل إلا واحدًا.
    ومثال الجمع المسلمون والمسلمات والعلماء نحو: أكتب عن العلماءَ الذين صحبتهم. فهذا لفظ عام يجوز أن تخصصه كأن تقول: إلا فلانا وفلانا بحيث يبقى يشمل ثلاثة أفراد فقط ولا يجوز التخصيص أقل من ذلك لأنه أقل الجمع.
    ثالثا: العام ثلاثة أقسام وهي:
    1- العام الباقي على عمومه. أي الذي لم يدخله التخصيص إطلاقا، وهذا قليل جدا، حتى قال بعضهم: ما مِن عام إلا وقد خصّ إلا نادرًا. ومن الباقي على عمومه قوله تعالى: ( والله بكل شيء عليم ) وقوله: ( ولا يظلم ربك أحدا ) وقوله: ( حرمت عليكم أمهاتكم ).
    2- العام المراد به الخصوص. مثل قوله تعالى: ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) فقد ذكر أهل التفسير أن القائل واحد وهو نعيم بن مسعود الأشجعي.
    3- العام المخصوص. وأمثلته كثيرة جدا كآية إن الإنسان لفي خسر.
    والفرق بين العام المخصوص والعام المراد به الخصوص: أن العام المخصوص عمومه مرادٌ تناولا لا حكما نحو: ( فاقتلوا المشركين ) يعم كل المشركين ولكن جاءت نصوص أخرى فأخرجت أهل الذمة، فإخراج أهل الذمة من قوله فاقتلوا المشركين هو من إباحة القتل الذي هو الحكم لا من تناول لفظ المشركين لهم لأنهم مشركون حقيقة كالوثنيين غير أنهم طرأ لهم وصف الذمة فمنع قتلهم.
    أما العام المراد به الخصوص عمومه ليس مرادًا لا تناولا ولا حكما أي لا يوجد عموم من أصله بل هو لفظ كلي كلفظ الناس استعمل في جزئي أي في فرد واحد وهو نعيم بن مسعود فهو مجاز قطعا كاستعمال الكل وإرادة الجزء في قوله تعالى: يجعلون أصابعم في آذانهم. فالأصبع كلّ يشمل كل أجزاء الأصبع ولكنه أريد جزء مخصوص منه وهو الأنملة لأنه لا يتأتى إدخال كامل الأصبع في الأذن.
    رابعا: الأصح أن العام المخصوص حقيقة في الباقي بعد التخصيص فهو حجة.
    أي أن اللفظ العام بعد تخصيصه لايصير مجازا بل يبقى عاما يستغرق جميع الصور إلا ما دلّ الدليل على خروجه من عمومه فيحتج به بعد التخصيص على أي صورة لم يثبت تخصيصها.
    خامسا: يعمل بالعام قبل البحث عن المخصّص ولو بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
    أي إذا جاء نص عام فإنا نعمل به ولا نتوقف عن العمل به إلى حين ثبوت عدم المخصص لأن الأصل عدمه لا فرق في ذلك في عمل الصحابة بالعام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو عمل المسلمين به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

    ( شرح النص )

    التخصيصُ
    قصرُ العامِّ على بعضِ أفرادِهِ، وقَابِلُهُ حكمٌ ثبتَ لمتعَدِّدٍ، والأصحُّ جوازُهُ إلى واحدٍ إنْ لمْ يكنْ العامُّ جمعًا، وأقلِّ الجمعِ إنْ كانَ، والعامُّ المخصوصُ عمومُهُ مرادٌ تناولًا لا حكمًا، والمرادُ بهِ الخصوصُ ليس مرادًا بلْ كليٌّ استُعمِلَ في جزئيٍّ فهوَ مجازٌ قطعًا، والأصحُّ أنَّ الأوَّلَ حقيقةٌ فهوَ حُجَّةٌ، ويعملُ بالعامِّ ولوَ بعدَ وفاةِ النبيِّ قبلَ البحثِ عنِ المخصِّصِ.
    ......................... ......................... ......................... ......................... ......
    ( التخصيصُ ) أي هذا مبحثه وهو ( قصرُ العامِّ ) أي قصر حكمه ( على بعضِ أفرادِهِ ) بأن لا يراد منه البعض الآخر ( وقَابِلُهُ ) أي التخصيص ( حكمٌ ثبتَ لمتعَدِّدٍ ) كقوله تعالى: فاقتلوا المشركين. خص منه الذمي ونحوه كالمعاهد ( والأصحُّ جوازُهُ ) أي التخصيص ( إلى واحدٍ إنْ لمْ يكنْ العامُّ جمعًا ) كمَن والمفرد المعرف ( و ) إلى ( أقلِّ الجمعِ ) وهو ثلاثة على المختار (إنْ كانَ ) جمعا كالمسلمين والمسلمات، وقيل يجوز إلى واحد مطلقا أي سواء أكانت صيغة الجمع مفردة أم جمعا، وقيل لا يجوز إلى واحد مطلقا وهو قول شاذ ( والعامُّ المخصوصُ عمومُهُ مرادٌ تناولًا ) بأن يشمله لفظه ( لا حكمًا ) لأن بعض الأفراد لا يشمله الحكم نظرا للمخصص ( و ) العام ( المرادُ بهِ الخصوصُ ليسَ ) عمومه ( مرادًا ) تناولاً ولا حكما ( بلْ ) هو (كليٌّ ) من حيث إن له أفرادا بحسب أصله ( استُعمِلَ في جزئيٍّ ) أي فرد منها ( فهوَ مجازٌ قطعًا ) بلا خلاف كقوله تعالى: الذين قال لهم الناس .. الآية أي نعيم بن مسعود الأشجعي لقيامه مقام كثير في تثبيطه المؤمنين عن ملاقاة أبي سفيان وأصحابه ( والأصحُّ أنَّ الأوَّلَ ) أي العام المخصوص ( حقيقةٌ ) في الباقي بعد التخصيص، وقيل حقيقة إن كان الباقي غير منحصر بعدد معين لبقاء خاصة العموم وهو عدم الانحصار وإلا فمجاز، وقيل غير ذلك ( فهوَ ) أي الأول وهو العام المخصوص على القول بأنه حقيقة ( حُجَّةٌ ) جزما لاستدلال الصحابة به من غير نكير، وعلى القول بأنه مجاز الأصح أنه حجة أيضا، وقيل غير حجة ( ويعملُ بالعامِّ ولوَ بعدَ وفاةِ النبيِّ ) صلى الله عليه وسلّم ( قبلَ البحثِ عنِ المخصِّصِ ) لأن الأصل عدمه ولأن احتماله مرجوح وظاهر العموم راجح والعمل بالراجح واجب، وقيل لا يعمل به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم قبل البحث لاحتمال التخصيص، وعلى القول الثاني يكفي في البحث عن ذلك الظن بأنه لا مخصص على الأصح، وقيل: بل لا بد من البحث حتى يقطع بأنه لا وجود للمخصص.




  20. #40

    افتراضي

    الدرس الأربعون- مباحث الكتاب

    المُخَصِّص- الاستثناء


    أولا: المخصص للعام قسمان: متصل - أي لايوجد منفردا عن العام كالمستثنى فإنه مخصص للعام ولا يوجد إلا مع المستثنى منه- ومنفصل- أي يستقل بنفسه ولا يذكر مع العام-والمتصل خمسة أقسام: الاستثناء، والشرط، والصفة، والغاية، والبدل.
    ثانيا: الاستثناء هو: الإخراج مِن متعدد بإلا أو إحدى أخواتها، كغير وسوى وخلا وغيرها.
    ويشترط للاعتداد به شرطان:
    1- أن يصدر المستثنى والمستثنى منه من متكلم واحد. فلو قال شخص: إلا عمرًا، عقب قول غيره: جاءَ الرجالُ، يكون لغوًا.
    2- أن يتصل المستثنى بالمستثنى منه بحسب العادة، فلا تضر سكتة قصيرة لنحو تنفس أو سعال، فإن انفصل بغير ذلك كان الاستثناء لغوا.
    ولا بد أيضا من نية الاستثناء قبل الفراغ من المستثنى منه، فلو قال زيدٌ: عليّ الطلاقُ لا أكلمها أبدا إن شاء الله، يجب إرادة الإتيان بالمشيئة التي هي استثناء قبل الفراغ من يمين الطلاق، فلو تكلم بالطلاق ثم حالا خطر له أن يقول إن شاء الله لا ينفعه هذا الاستثناء كما هو مصرح به في كتب الفقه.
    ثالثا: الاستثناء المنقطع إطلاق اسم الاستثناء عليه مجازٌ.
    الاستثناء المنقطع هو: ما لا يكون المستثنى من جنس المستثنى منه. مثل: ما جاءَ القوم إلا حمارًا.
    وهل الاستثناء يعم المتصل والمنفصل أو هو حقيقة في المتصل مجاز في المنفصل ؟ قولان.
    رابعا: لو قال شخص: لزيدٍ عليّ عشرةُ دنانير إلا ثلاثة. فظاهر هذا الكلام ونحوه التناقض لأنه أثبت الثلاثة في ضمن العشرة- فإن العشرة تشتمل على الثلاثة بدلالة التضمن- ثم نفاها بقوله إلا ثلاثة.
    ويدفع بأن المراد بالعشرة هو حقيقتها فتشمل كل أفرادها ثم أخرجت منها ثلاثة فبقي سبعة ثم وقع الإسناد، أي أن التناقض حصل لأنه فهم أنه يوجد حكمان: إثبات ونفي أي أننا أثبتنا لزيد عليه عشرة دنانير كاملة ثم نفينا ثبوتها كاملة، ولكن في الحقيقة الاستثناء - أي الإخراج- قبل الإسناد أي أننا نطرح 10 من 3= 7 ثم نسند الكلام مع السبعة فلا يوجد إلا حكم واحد فكأنه قال: لزيد عليّ الباقي من عشرة أخرجت منها ثلاثة.
    وقيل: بل المراد بالعشرة ليس حقيقتها بل المراد بعضها وهو سبعة مجازًا من إطلاق الكل وهو عشرة وإرادة البعض وهو سبعة والقرينة هو إلا ثلاثة.
    خامسا: لا يجوز الاستثناء إذا استغرق المستثنى المستثنى منه. فلو قال: له عليّ عشرة إلا عشرة. عدّ لغوا ولزمته عشرة.
    أما إذا لم يستغرق فهو جائز سواء كان الباقي أقل أم أكثر أم مساويا. نحو: له علي عشرة إلا تسعة أو إلا ثلاثة أو إلا خمسة.
    سادسا: الأصح أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي.
    إذا قلنا: قامَ القومُ ، فهنا شيئان: القيام، والحكم بوقوعه من القوم. فإذا استثنينا وقلنا إلا زيدًا فهل المستثنى مُخْرَج من القيام أو من الحكم به ؟ ذهب الجمهور إلى الأول وذهب الحنفية إلى الثاني.
    فإذا قلنا: قامَ القومُ إلا زيدًا. فعلى الأصح نكون قد أثبتنا القيام للقوم ونفيناه عن زيد، وعند الحنفية نكون قد أثبتنا القيام لزيد وسكتنا عن زيد فقد يكون قائما كالقوم وقد لا يكون.
    وإذا قلنا: ما قامَ القومُ إلا زيدًا. فعلى الأصح نكون قد نفينا القيام عن القوم وأثبتناه لزيد، وعند الحنفية نكون قد نفينا القيام عن القوم وسكتنا عن زيد فقد يكون قائما وقد لا يكون.
    سابعا: الاستثناءات المتعددة إن عطف بعضها على بعض عادت إلى الأول منها.
    مثل: له عليّ عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة وإلا اثنين، فيلزمه واحد فقط؛ لأن 10-4-3-2=1 أي نخرج مجموع الاستثناءات وهي تسعة من العشرة.
    وإن لم يعطف بعضها على بعض عاد كل واحد إلى ما يليه ما لم يستغرقه.
    مثل: له عليّ عشرة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين، فيلزمه سبعة؛ لأنا نخرج الاثنين من الثلاثة 3-2=1، ثم نخرج الباقي وهو واحد من الأربعة 4-1=3، ثم نخرج الباقي وهو ثلاثة من العشرة 10-3=7.
    أما إذا استغرق كل واحد ما يليه فهو باطل مثل: له عليّ عشرة إلا عشرة إلا إحدى عشر.
    إلا إذا استغرق ما يليه لكنه لم يستغرق العدد الأول فإنه يصح. نحو: له عليّ عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة، فهنا كل عدد ما عدا العشرة أكبر مما قبله ويستغرقه ولكن لم يستغرق العشرة فيخرج المجموع من العدد الأول أي 2+3+4= 9 تخرج من العشرة 10-9= 1 فيلزمه واحد أي يكون الحال كما هو في مسألة الاستثناءات المتعاطفة.
    ثامنا: الأصح أن الاستثناء الوارد بعد جمل متعاطفة يعود للكل إذا لم يدل دليل على خلافه.
    نحو: أكرمْ العلماءَ وحبّسْ دياركَ -جمع دور- على أقاربك واعتق عبيدك إلا الفسقة منهم.
    فهل استثناء الفسقة يعود على الكل أي على العلماء والأقارب والعبيد أو يعود على الأخير فقط ؟
    الظاهر عوده على الكل، وقيل: يعود إلى الأخير فقط.
    فإن دلّ دليل على كونه يعود إلى شيء ما فإنه يصار إليه كقوله تعالى: ( ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ) فلا خلاف في أن الاستثناء يعود إلى الأخير أي الدية لا على الكفارة.
    تاسعا: قرن الجملتين لفظا بعطف إحداهما على الأخرى لا يقتضي التسوية بينهما إلا في الحكم المذكور أما الحكم المعلوم لإحداهما من الخارج فلا يستويان فيه.
    مثال ذلك: حديث أحمد وأبي داود : ( لا يبولنّ أحدُكم في الماءِ الدائمِ ولا يغتسلْ فيه مِن الجنابةِ ).
    فالحكم المذكور هو النهي عن البول والاغتسال في الماء الدائم هما مشتركان فيه أي أن كلا منهما منهي عنه، والحكم الذي لم يذكر هو تنجيس الماء المعلوم من الخارج أنه ثابت للبول، فلا يقتضي هذا أن يكون الاغتسال من الجنابة ينجس الماء.

    ( شرح النص )

    وهوَ قسمانِ: متصلٌ وهوَ خمسةٌ: الاستثناءُ وهوَ: إخراجٌ بنحوِ إلا مِن متكلمٍ واحدٍ في الأصحِّ، ويجبُ اتِّصالُهُ عادةً في الأصحِّ، أَمَّا في المنقطِعِ فمجازٌ في الأصحِّ، والأَصحُّ أَنَّ المرادَ بعَشَرَةٍ في: عليَّ عشرةٌ إلا ثلاثةً العَشَرَةُ باعتبارِ الآحادِ ثُمَّ أُخرجَتْ ثلاثةٌ ثمَّ أُسْنِدَ إلى الباقي تقديرًا وإن كانَ قبلَهُ ذكرًا، ولا يَصِحُّ مُسْتَغْرِقٌ، والأصحُّ صِحَّةُ استثناءِ الأكثرِ والمساوي والعَقْدِ الصحيحِ، وأَنَّ الاستثناءَ مِن النفيِ اثباتٌ وبالعكسِ، والمتعَدِّدَةُ إن تعاطفتْ فلِلْمُستثنى مِنهُ، وإلا فكلٌ لما يليهِ ما لمْ يستغْرِقْهُ، والأصحُّ أنَّهُ يعودُ للمتعَاطِفَاتِ بِمُشَرِّكٍ، وأنَّ القِرانَ بينَ جملتينِ لفظًا لا يقتضي التسويةَ بينهما في حكمٍ لم يذكرْ.
    ......................... ......................... ......................... ......................
    ( وهوَ ) أي المخصص للعام ( قسمانِ ) أحدهما ( متصلٌ ) أي ما لا يستقل بنفسه من اللفظ بأن يقارن العام ( وهوَ خمسةٌ ) أحدها ( الاستثناءُ ) بمعنى صيغته ( وهوَ ) أي الاستثناء نفسه ( إخراجٌ ) من متعدّد ( بنحوِ إلا ) من أدوات الإخراج وضعا كخلا وعدا وسوى واقعا ذلك الإخراج مع المخرج منه ( مِن متكلمٍ واحدٍ في الأصحِّ ) وقيل: لا يشترط وقوعه من واحد، فقول القائل: إلا زيدا عقب قول غيره: جاء الرجال، استثناء على الثاني لغو على الأول ( ويجبُ ) أي يشترط ( اتِّصالُهُ ) أي الاستثناء بمعنى صيغته بالمستثنى منه ( عادةً في الأصحِّ ) فلا يضر انفصاله بنحو تنفس أو سعال فإن انفصل بغير ذلك كان لغوا، وقيل: يجوز ما دام في المجلس، وقيل: يجوز ما لم يشرع في كلام آخر، وقيل: يجوز انفصاله إلى شهر، وقيل إلى سنة، ولا بد من نية الاستثناء قبل الفراغ من المستثنى منه ( أَمَّا ) الاستثناء بمعنى صيغته ( في المنقطِعِ ) وهو ما لا يكون المستثنى فيه بعض المستثنى منه نحو: ما في الدار إنسان إلا الحمار ( فمجازٌ ) فيه أي في المنقطع ( في الأصحِّ ) لتبادره في المتصل إلى الذهن، وقيل حقيقة فيهما، ولا يعدّ المنقطع من المخصصات. ثم لما كان في الكلام الاستثنائي شبه التناقض حيث يدخل المستثنى في المستثنى منه، ثم ينفى وكان ذلك أظهر في العدد لنصوصيته في آحاده دفعوا ذلك فيه بما ذكرته بقولي: ( والأَصحُّ أَنَّ المرادَ بعَشَرَةٍ في ) قولك: لزيد ( عليَّ عشرةٌ إلا ثلاثةً العَشَرَةُ باعتبارِ الآحادِ ) جميعها ( ثُمَّ أُخرجَتْ ثلاثةٌ ) بقولك: إلا ثلاثة ( ثمَّ أُسْنِدَ إلى الباقي ) وهو سبعة ( تقديرًا وإن كانَ ) الإسناد ( قبلَهُ ) أي قبل إخراج الثلاثة ( ذكرًا ) أي لفظا فكأنه قال: له عليّ الباقي من عشرة أخرج منها ثلاثة، وليس في هذا إلا إثبات ولا نفي أصلا فلا تناقض، وقيل المراد بعشرة في ذلك سبعة، وقوله إلا ثلاثة قرينة لذلك بيّنت إرادة الجزء باسم الكل مجازا ( ولا يَصِحُّ ) استثناء ( مُسْتَغْرِقٌ ) بأن يستغرق المستثنى المستثنى منه فلو قال: له عليّ عشرة إلا عشرة لزمه عشرة ( والأصحُّ صِحَّةُ استثناءِ الأكثرِ ) من الباقي نحو له عليّ عشرة إلا تسعة ( و ) صحة استثناء ( المساوي ) نحو له عشرة إلا خمسة ( و ) صحة استثناء ( العَقْدِ الصحيحِ ) نحو: له مائة إلا عشرة، والعقد نحو العشرة والعشرين والثلاثين، وخرج بالعقد غيره كاثني عشر فلم يختلف فيه، وخرج بالصحيح المكسر نحو: له مائة إلا عشرة ونصف فلم يختلف فيه أيضا، وقيل: لا يصح في الأكثر، وقيل: لا يصح في المساوي، وقيل: لا يصح في العقد الصحيح فلا يقال مثلا: له علي مائة إلا عشرة بل يقال: له عليّ تسعون ( و ) الأصح ( أَنَّ الاستثناءَ مِن النفيِ اثباتٌ وبالعكسِ ) وقيل: لا بل المستثنى من حيث الحكم مسكوت عنه وهو منقول عن الحنفية، قال الشيخ محمد أسعد عبه جي رحمه الله في سلم الوصول: ولما ورد عليهم - أي على الحنفية- الإثباتُ في كلمة التوحيدِ لاشكَّ فيه وإلا لم يدخل في الإسلامِ أجابوا: بأن الإثبات في كلمة التوحيد هو بعرف الشرع أي لا بوضع اللغة فيه، وردّه ابن دقيق العيد: بأن الشارع قد خاطب الناس بهذه الكلمة عموما لإثبات التوحيد، وحصل الفهم لذلك منهم من غير احتياج إلى أمر زائد، ولو كان وضع اللفظ لا يقتضي ذلك لبيّن الشارع ما يحتاج إليه، فالحق أن هذا من أصل وضعها. اهـ. عطار ( و ) الاستثناءات ( المتعَدِّدَةُ إنْ تعاطفتْ فـ ) هي عائدة ( للمستثنى منهُ ) لتعذر عود كل منها إلى ما يليه بوجود العاطف نحو: له عليّ عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة وإلا اثنين، فيلزمه واحد فقط، ونحو: له علي عشرة إلا عشرة وإلا ثلاثة وإلا اثنين فيلزمه العشرة للاستغراق ( وإلا ) أي وإن لم تتعاطف ( فكلٌّ ) منها عائد ( لما يليهِ ) نحو: له عشرة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة فيلزمه ستة ( ما لمْ يستغْرِقْهُ ) فإن استغرق كل ما يليه بطل الكل نحو: له عليّ عشرة إلا عشرة إلا إحدى عشر، إلا إذا استغرق ما يليه لكنه لم يستغرق العدد الأول فإنه يصح نحو: له عليّ عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة فيلزمه واحد ( والأصحُّ أنَّهُ ) أي الاستثناء ( يعودُ للمتعَاطِفَاتِ ) أي لكل منها حيث يصلح الإستثناء لذلك بأن لا يكون ثمة دليل على ارادة البعض منها ( بـ ) حرف ( مُشَرِّكٍ ) بين المتعاطفات كالواو والفاء سواء كانت المتعاطفات جملا كأكرم العلماء وحبّسْ ديارك وأعتق عبيدك إلا الفسقة منهم أم مفردات كتصدق على الفقراء والمساكين والعلماء إلا الفسقة منهم، وقيل للأخير فقط لأنه المتيقن، وحيث وجد الدليل الذي يعين عود الاستثناء فلا خلاف كما في قوله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب. فإنه عائد للكل بلا خلاف، وقوله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ.. إلى قوله إلا أن يصدقوا. فإنه عائد إلى الأخير أي الدية دون الكفارة بلا خلاف، وخرج بالحرف المشرّك غيره كبل ولكن وأو فلا يعود ذلك إلا للأخير ( و ) الأصح ( أنَّ القِرانَ بينَ جملتينِ لفظًا ) بأن تعطف إحداهما على الأخرى ( لا يقتضي التسويةَ ) بينهما ( في حكمٍ لم يذكرْ ) وهو معلوم لإحداهما من خارج مثاله خبر أبي داود: لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة. فالبول فيه ينجسه بشرطه -وهو كونه أقل من قلتين أو كان أكثر من قلتين وتغير فيه- كما هو معلوم من الأدلة الأخرى ولا يقتضي هذا أن الاغتسال من الجناية تنجس الماء الدائم كذلك، وقيل يقتضي التسوية بينهما فيه، ولذا ذهب بعضهم إلى أن الاغتسال في الماء من الجنابة ينجسه للقران بينهما.




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •