ماذا بعد رمضان؟


علي حفني إبراهيم








الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى من والاه.

أخي المسلم:
هناك سؤال يجب أن يوجهه كل منا إلى نفسه: كيف نحن بعد رمضان وماذا اكتسبناه من صيامنا؟


من المعلوم أن العبادات من مقاصدها أنها تُقوم ما اعوج منا في حياتنا. فالصلاة يقول عنها ربنا عز وجل إنها ﴿ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]. والفحشاء والمنكر خصلتان يدور حولهما كل ما يشين الإنسان في حياته. فالصلاة إعداد وتهيئة للمصلي لما بعد الصلاة حتى يعيش في جوها حتى الصلاة الأخرى. والصيام يقول الله عز وجل عن حكمته ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

وقد قلت في مقالٍ سابقٍ:
أنَّ الصوم يقوم على ثلاثة عناصر أولها: أن يكف المسلم عن المفطرات في رمضان كله. وهذه المفطرات من المطاعم والمشارب أباح الله تناولها في غير نهار رمضان. وهي من لوازم حياة الإنسان. والقصد من الكف عنها في نهار رمضان تقوية عزيمة المسلم والأخذ بيده إلى التي هي أحسن، والربط على قلبه برباط التقوى والارتقاء بمشاعر الإنسان، وتربية ملكة المراقبة عنده حتى يخشى أن يراه الله حيث ينهاه أو يفقده حيث يأمره، فتتربى فيه ملكة طاعة الله والوقوف عند حدوده عز وجل؛ وقد ملك قلبه حب ربه، والحرص على طاعته، والفرار من معصيته فرار السليم من الجرب؛ وقد قويت عزيمته وعلت همته حتى ترك تناول ما أحله الله ابتغاء مرضاته.

فأولى أن يترك ما حرَّم الله من المطعم الحرام أو تعاطي ما حرم الله كالمخدرات والدخان. ثم تسمو روحه عن الدناءات أو السير في ركاب الفساق.

والسؤال هنا: هل أصبح ذلك طابعنا بعد رمضان وقد تغير حالنا إلى التي هي أحسن؟ إذًا من الواجب أن نحافظ على أثر هذه النعمة وأن نتمسك بها، وعلى قدر حظنا من تلك الفضائل يكون حظنا من صحة صيامنا.

والعنصر الثاني: يتعلق بخلق المسلم حيث أن الإسلام فرض على المسلم نوعًا خاصًا من الأخلاق أمره أن يلتزم به في حياته، وهذه الأخلاق - التي هي رأس الفضائل - يعيش بها المسلم في صيامه ليتعود عليها؛ كصدق الحديث والوفاء بالعهد والبذل والتضحية والالتزام بالكلمة الطيبة وأن ينزع من نفسه الشر والحقد والحسد والبغضاء وألا يشارك الفساق والعصاة وأهل الأهواء.

وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" ويقول أيضاً "وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ولا يصخب. وإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤ صائم" ولو التزم المسلم بهذه التوجيهات النبوية أثناء صيامه فإن الصوم بذلك يقدم للمجتمع الإنساني الصالح المصلح. وإني لأرجو لي ولك أن نكون كذلك بعد رمضان.

وأما الثالثة: فهي السبيل الأعظم لرد المسلم إلى كتاب الله بعد أن اشتكى الكتاب من هجر أهله له. ولو هُجر القرآن لضاعت معالم العقيدة الصحيحة وحل محلها الشرك والخرافة وتلاشت سبل العلم وحل محلها الجهل واختلط المعروف بالمنكر.

فالقرآن عليه مدار صلاح المجتمع الإسلامي، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد من عرق قيمة القرآن طول حياته كان له لقاء مع جبريل عليه السلام يراجعه معه في رمضان. وجاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة " وهذا هو أثر القرآن العظيم الذي بين الله تعالى أنه ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185] وإذا كان هذا في رمضان فيجب على المسلم بعد رمضان أن يكون له الحظ الأوفر من تلاوة القرآن وفهمه وتدبره والعمل به، فالقرآن كتاب الإسلام من عرفه عرف الإسلام ومن هجره هجر الإسلام وكان له حظ أوفى من قول الله تعالى ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل في رمضان وغيره لكنه بالنسبة لرمضان قال "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" لكي يتعود المسلم القيام من الليل وهو من أفضل الأعمال بعد أداء الفرائض، وفي الحديث "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك طويل فارقد. فإذا استيقظ وذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيبا لنفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان". وقد ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم رجل ما صلى الصبح حتى طلعت الشمس فقال "ذلك رجل قد بال الشيطان في أذنه" وجاء في الحديث أيضاً "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".

وتلك الفضائل قد نسيها أكثر الناس حتى أن أكثرهم يتخلفون عن صلاة الفجر مع الجماعة. وإذا كنا قد تعودنا في رمضان أن نتناول وجبة السحور قبل الفجر واستطعنا بذلك أن نحافظ على صلاة الجماعة في المسجد فلا ينبغي أن يزلنا الشيطان بعد رمضان فينسينا واجبنا ونرجع أدراجنا إلى الكسل وخبث النفس حتى يبول الشيطان في آذاننا.

إن فضائل رمضان في جملتها إعداد للمسلم لما بعد رمضان. وأن من شفي من مرض أصابه وعرف الطبيب أسباب المرض ثم بعد الشفاء ينغمس في أسباب المرض من جديد يحكم عليه بالسفه والخبل. وذلك مثل من لم ينتفع بصيامه وربما كان له نصيب من قول الله تعالى من سورة الأعراف: ﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ [الأعراف: 51] فالقوم وهم من أصحاب النار قد كان لهم دين إلا أنهم اتخذوه لهوا ولعبا.