صوم القلب والجوارح


فايز النوبى


صوم القلب متأكد في رمضان وغيره من الشهور ولذا ينبغي على كل سالك لطريق الله والدار ا?خرة الطالب لنجاة نفسه والراغب في سعادة الدارين أن يحفظ نفسه وقلبه

لقوله صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك) فلابد من صون القلب عن الشركيات المهلكة والاعتقادات الباطلة والوساوس السيئة والنوايا الخبيثة والخطرات الموحشة ففي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) ورحم الله عبداً امتلأ قلبه إيمانا ويقينا فانعكس ذلك على سائر جوارحه طلبا للخير ونفرة من كل شر.

ومعلوم أن قلوب العباد تتفاوت تفاوتا كبيرا كما حكى القرآن الكريم فالله عز وجل يقول عن قلوب المنافقين والمعرضين الهالكين :(في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا)(وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون)فهؤلاء والعياذ بالله أصحاب القلوب المغلقة بأقفال وقد لا يجدى معها نصح ولا موعظة وإرشاد [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] {محمد:24} فهذه قلوب ميتة أو مريضة مطبوع عليها بأقفال ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.

وقد بين الله عز وجل أن صاحب القلب السليم هو الذي ينجو يوم القيامة [يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] {الشعراء:89}.

وهداية القلب أساس كل هداية وأصل كل توفيق وعمل صالح [وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] {التغابن:11}.

جاء في صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: القلوب أربعة قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن، وقلب اغلف فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس فذلك قلب المنافق قلب عرف ثم أنكر وأبصر ثم عمى، وقلب تمده مادتان مادة إيمان ومادة نفاق وهو للغالب عليه منهما).

والمؤمن الحريص على سلامة قلبه عليه أن يحذر وساوس الشيطان ومداخله إلى نفسه ومن أعظمها الغضب والشهوة والحسد والحرص وا?سراف والعجلة والبخل وخوف الفقر والتعصب للمذاهب والأهواء وسوء الظن بعباد الله الصالحين. قال عز وجل : [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ] {الأعراف:201}.

وأمراض القلوب تجمعها الشهوات والشبهات والقرآن الكريم شفاء للنوعين، ولذا وجب علينا في هذا الشهر الفضيل أن نقبل على كتاب الله بتدبر وخشوع وحتى تصح القلوب بذكر الله وتعمر بحبه عز وجل وكما قيل :المحب طائر كثير الذكر يسرع إلى رضوان ربه ومولاه بكل سبيل يقدر عليها من الفرائض والنوافل دأبا وشوقا .وعلى المرء أن يلجأ الى الله عز وجل ويلح عليه في الدعاء ويتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه )كما عليه أن يحذر الذنوب والمعاصى وكل ما يمرض القلب ويميته ومن أخطر سموم القلب :فضول الكلام وفضل النظر وفضل المخالطة وفضل الطعام وفضل النوم.

قال ابن المبارك رحمه الله تعالى:

(رأيت الذنوب تميت القلوب=وقد يورث الذل إدمانها


وترك الذنوب حياة القلوب=وخير لنفسك عصيانها

وهل أفسدالدين إلا الملوك=وأحبار سوء ورهبانها

اللهم طهر قلوبنا من الشك والشرك والضلال والنفاق وسائر الأمراض واملئها إيمانا ويقينا وحبا لك ولرسولك وكتابك وعبادك الصالحين

تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال

بتصرف