بين الإبداع والابتداع





يقال: أبدع الشَّيء، بمعنى: اخترعه على غير مثالٍ سابق، وابتدع الشَّيء، بمعنى: ابتدأه، وتأتي بمعنى: بَدَّل وغَيَّر، ومنها قيل: ابتدَع فلانٌ في الدِّين، بمعنى: بَدَّل في الدِّين وغيَّر، والفعلان (أبدَع) و(ابتدع) من أصل واحد وهو (بَدَعَ)، وغلب استعمالُ الفِعل (أبدع) على الابتكار والاختراعِ في الأمور الدنيويَّة، وأما (ابتدع) فغلب استعماله على الإحداثِ في دين الله، ومنه قوله -تعالى-: وَرَهْبَانِيَّة ً ابْتَدَعُوهَا}.

ففي مجال العلوم الدنيوية يسعى الإنسان إلى الإبداع، وعادة ما يكون هذا الإبداع محمودا؛ لأن فيه راحة للإنسان، ومن ذلك السيارة؛ فهي وسيلة نقل سهلت على الإنسان البسيط التنقل من مكان إلى آخر، بعيدا عن المشقة والتعب، وكذلك الأدوية والعلاجات والأَشِعَّات، كل هذا من إبداع عقل الإنسان.

وموقف الإسلام من الإبداع موقف إيجابي؛ فهو يشجع الإبداع والعطاء، قال -تعالى-: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إن الله على كل شي قدير} (العنكبوت:20) .

ولكن الابتداع في الدين مذموم؛ قال الإمام الشافعي- رحمه الله -: «البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة، فهو محمود، وما خالف السنة، فهو مذموم» وقال: «المحدثات من الأمور ضربان: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه بدعة ضلالة، وما أحدث من الخير لا خلاف لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة».

وقد استندوا على حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: « فإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»، وقال -صلى الله عليه وسلم- :»عليْكُم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشدينَ المَهديِّينَ مِن بعْدي، تَمسَّكوا بِها، وعَضُّوا عليْها بالنَّواجذِ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمور!ِ؛ فإنَّ كلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعةٌ، وكلَّ بِدْعةٍ ضَلالةٌ.

والتجديد سنة من سنن الدين، وقرره الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: «إنَّ اللهَ يبعثُ لهذه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يُجدِّدُ لها دينَها»، وذلك بوجود العُلماءِ أو الحُكَّامِ، الَّذين يَنشرون الدِّين كما كان على عهْدِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وصَحابتِه -رضِيَ اللهُ عنهم-، والتجديد هنا بمعنى إبقاء الدين قويا ومؤثرا في الأمة وذلك بالتمسك بالأصول الثابتة من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة.

وقال العلماء: «إن العبادات توقيفية»، أي لا تبتدع شيئا من عندك وتقول هذا دين؛ فلا يجوز لأي أحد أن يزعم أنه أتى بشيء جديد في الدين من عنده؛ فالدين كامل لا نقص فيه؛ فما لم يشرعه الله لنا فليس بدين، قال -تعالى- : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة/3).

وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: « فَباسْتِقْرَاءُ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ نعلَم أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ أَوْ أَحَبهَا لَا يَثْبُتُ الْأَمْرُ بِهَا إلَّا بِالشَّرْعِ».

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- : «الأصل في العبادات الحظر والمنع؛ فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله بشيء لم يشرعه الله، إما في كتابه أو في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم «.





سالم الناشي