الحاجة إلى العلم


قَالَ ابنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:

الأَصْلُ الأولُ فِي الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وَبَيَانِ عُمُومِ الْحَاجَةِ إِليهِ وَتَوَقُّفِ كَمَالِ الْعبدِ ونَجَاتِهِ في مَعِاشِهِ وَمَعادِهِ عليهِ.

قَالَ اللهُ تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]، استشْهدَ سبحانه بأولي العلمِ على أَجَلِّ مَشْهودٍ عَلَيْهِ وَهُو توحيدُهُ، فقَالَ: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَة ُ وَأُوْلُو الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ}، وَهَذا يدلُّ على فضْلِ الْعِلْمِ وأهلِهِ مِنْ وُجوِهٍ، أَحدُها: استشهادُهُمْ دُونَ غَيْرِهمْ من الْبَشَر.

والثاني: اقترانُ شهادَتِهِمْ بِشَهَادِتِهِ.

والثالثُ: اقترَانُها بشهادَةِ مَلائِكتِهِ.

والرابعُ: أنّ في ضِمْنِ هذا تزْكِيَتَهُمْ وَتَعْدِيلَهُمْ ، فإنّ اللهَ لا يستشْهِدُ من خلقِهِ إلا العُدولَ، ومنْهُ الأثَرُ الْمَعْرُوفُ عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَحْمِلُ هذا الْعِلْمَ مِنْ كلِّ خَلَفِهِ عُدُوله ينفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغالين وانْتِحَالَ الْمُبْطِلينَ وَتَأويلَ الْجَاهِلين».

والْخَامِسُ: أَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِكَوْنِهمْ أَوْلَي الْعِلْمِ، وهذا يدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِهِمْ بهِ، وَأَنهُمْ أَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ لَيْسَ بِمُسْتَعَارٍ لَهُمْ.

السَّادِسُ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ اسْتشهد بنفسِهِ، وَهو أجلُّ شاهدٍ ثُمْ بِخِيارِ خلقِهِ، وهم ملائكتُهُ والْعلماءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَكْفِيهِمْ بِهَذَا فَضْلاً وَشَرفًا.

السَّابعُ: أَنَّهُ اسْتَشْهَدَ بِهمْ على أجَلِّ مشهودٍ بِهِ وَأَعظمِهِ وَأَكْبرهِ، وَهو شهادةُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ والعَظِيمُ الْقَدْرِ إِنَّما يَسْتَشْهِدُ عَلى الأمرِ العظيمِ أكابِرَ الْخَلْقِ وَسَادَاتِهمْ.

الثامِن: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ شَهَادَتَهُمْ حُجَّةً عَلَى الْمنكِرِينَ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَدِلَّتِهِ وآيَاتِهِ وَبَرَاهِينِهِ الدَّالة على توحيدِهِ.

التاسع: أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَفردَ الْفعلَ الْمُتضمنَ لِهَذِهِ الشَّهادَةِ الصَّادرةِ منهُ ومِنْ مَلائكتِهِ، وَمِنْهُمْ وَلَمْ يعطِفْ شهادَتَهُمْ بِفِعْلٍ آخَرَ غَيْرَ شِهادتِهِ.

وهذا يدلُ على شدةِ ارتباطِ شهادتِهمْ بشهادِتِهِ، فكأنَّهُ سُبْحانَه شَهِدَ لنفْسِهِ بَالتَّوْحِيدِ على ألسِنَتهِمْ وأنْطَقَهُمْ بِهَذِهِ الشَّهْادةِ، فَكَانَ هو الشاهدّ بِها لِنَفْسِهِ إِقامَةً وَإِنْطَاقًا وَتَعْلِيمًا وَهُمْ الشَّاهِدُونَ بِهَا لَهُ إقْرارًا واعْتِرَافًا وَتَصْدِيقًا وَإِيمَانًا.

العاشرُ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُمْ مؤدّينَ لحقِّهِ عندَ عبادِهِ بهذهِ الشهادةِ، فَإِذَا أدَّوْهَا فَقَدْ أدَّوْا الحقَّ المشهودَ بِهِ، فَثبتَ الحقُّ المشهودُ بِهِ، فَوَجَبَ عَلى الْخَلْقِ الإقرارُ بِهِ، وَكَانَ ذلك غايةَ سَعَادَتِهمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَكلُّ مَنْ نالهُ الْهُدَى بشهادتِهم، وَأقرَّ بهذا الحقِّ بسببِ شهادتِهم، فلهُمْ مِنَ الأَجْرِ مثلُ أَجْرِهِ أَيْضًا فَهِذِهِ عَشرةَ أوجُهٍ في هذه الآيةِ.

الحادي عَشَرَ: في تفضيلِ العلْمِ وأَهْلِهِ أَنَّهُ سبحانه نَفَى التسْويَةَ بَيْنَ أَهْلِهِ وبينَ غَيْرِهِمْ كما نفى التسويةَ بين أصحاب الجنة وأصحاب النار.

فقَالَ تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، كما قَالَ تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20]، وَهَذا يَدُلُّ عَلى غايةِ فَضْلِهِمْ وَشَرَفِهِمْ.

الوجهُ الثاني عَشَرَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ أَهْلَ الْجَهْلِ بِمَنْزِلَةِ الْعُمْيانِ الذينَ لا يُبْصِرونَ فقَالَ: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19]، فَمَا ثَمَّ إِلا عَالِمْ أَوْ أَعْمَى وَقَدْ وَصَفَ سُبْحَانَه أَهْلَ الْجَهْلِ بأنَّهمْ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ في غير مَوْضِعٍ مِنْ كتابِهِ.

شعرًا:

مَا أَقْبَحَ الْجهْلَ يُبْدِي عَيْبَ صَاحِبهِ *** لِلنَّاظِرين وعن عَيْنَيْهِ يُخْفِيــــــيه ِ
كَذَالِكَ الثُومُ لا يَشْمُمْهُ آكِلُــــــــــ ـهُ *** والناسُ تَشْتَمُّ نَتَنَ الرِّيحِ مِنْ فِيـهِ

الوجهُ الثالثَ عَشَرَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخبَرَ عَنْ أُولي الْعِلْمِ بَأنَّهُمْ يَرَوْن أنَّ مَا أُنْزِلَ إليهِ مِنْ رَبِّهِ حَقٌّ وَجَعل هذا ثَنَاءً عَلَيْهِمْ وَاسْتِشْهَادًا بهم. فقَالَ تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6].

الوجهُ الرابعَ عَشَرَ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِسُؤالهِمْ والرجوعِ إِلى أقْوَالِهمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ كَالشَّهَادَةِ مِنْهُمْ. فقَالَ: {مَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، وَأَهْلُ الذَّكْرِ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ شَهِدَ لأَهْلِ الْعِلْمِ شَهَادَةً في ضِمْنِهَا الاسْتِشْهادُ بِهِمْ عَلى صِحَّةِ ما أَنْزَلَ اللهُ على رَسولِهِ فقَالَ تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [الأنعام: 114].

الوجهُ السادسَ عَشَرَ: أنَّهُ سُبْحَانَهُ سَلَّى نَبيَّهُ، بإيمانِ أهلِ الْعِلْمِ به وَأمَرَهُ أَنْ لا يَعْبَأ بَالجْاَهِلِينَ شَيْئًا. فقَالَ تَعَالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} [الإسراء: 106 - 108]، وهذا شَرَفٌ عظيمٌ لأهْلِ الْعِلْمِ وَتَحْتَه أنَّ أَهْلَهُ الْعَالِمُونَ قَدْ عَرَفوهُ وآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا فَسواءٌ آمنَ بِهِ غيرُهُم أوْ لا.

الوجهُ السابعَ عَشَرَ: أنهُ سُبْحَانَهُ مَدَحَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ وَشَرَّفَهُمْ بَأنْ جَعَلَ كِتَابَهُ آياتٍ بَيْناتٍ فِي صُدورِهِمْ وَهَذِهِ خاصةٌ وَمَنْقَبَةٌ لَهُمْ دَوُنَ غَيْرِهِمْ. فقَالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} [العنكبوت: 47]، {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: 48، 49].


وَسَواء كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُسْتَقِرٌ فِي صُدُوِرِ الذين أوتوا الْعِلْمَ ثابتٌ فِيهَا مَحْفوظٌ، وَهَو في نفسِهِ آياتٌ بيناتُ، فيكونُ أَخبَرَ عَنهُ بَخَبَرَيْنِ، أَحدُهُمَا: أنه آياتٌ بيناتٌ، الثاني: أنهُ محفوظٌ مُسْتَقرٌّ ثَابتٌ في صدورِ الذين أوتوا العلمَ، أو كان الْمَعْنَى أَنَّهُ آيات بينات في صدورهم؛ أي كونُه آياتٍ بيناتٍ مَعْلومٌ لَهمْ ثابتٌ في صدورِهِمْ، والْقَوْلانِ مُتَلازِمانِ لَيْسَا بمُخْتَلِفَيْن، وَعلى التَّقْدِيرَيْن ِ فَهوَ مَدْحٌ لَهُمْ وَثَنَاءُ عليهم في ضِمْنِهِ الاستشهادُ بِهمْ فتأمَّلْهُ.

الوجهُ الثامنَ عَشَرَ:أنهُ سُبْحَانَهُ أمرَ نَبيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ مَزِيدَ الْعِلْمِ فقَالَ تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وَكَفَى بِهَذَا شَرفًا لِلْعِلْمِ أَنْ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَزيدَ مِنْهُ، اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعْنَا وَانْفَعْنَا وَارْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا.

شعرًا:
الْعِلْمُ مُبْلِغُ قَوْمٍ ذُرْوَةَ الشَّـــرَفِ *** وَصَاحُب الْعِلْمِ مُحْفُوظٌ مِن التَّلَفِ
يَا صَاحِبَ الْعِلْمِ مَهْلاً لا تُدَنّسَهُ *** بَالْمُوبِقَاتِ فَمَا لِلْعِلْمِ مِنْ خَلَـــــــفِ
الْعِلْمُ يَرَفَعُ بَيْتًا لا عِمَادَ لَـــــــهُ *** وَالْجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ الْعِزِّ والشَّـــرَفِ


الوجهُ التاسِعَ عَشَرَ: أنهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عَنْ رَفْعِهِ دَرَجاتِ أهلِ الْعِلْمِ وَالإِيمَانِ خَاصَّةً. فقَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11].


قَصِيدةٌ في الْحَثِّ على طَلَبِ الْعِلْمِ:

يَا تَارِكًا لِمَرَاضِي اللهِ أَوْطَانًــــــ ــــــــا *** وَسَالِكًا فِي طَرِيقِ الْعِلْمِ أَحْزَانَــــــ ــــــــــــا
كُنْ باذِلَ الْجدِّ فِي عِلْم الحديثِ تَنَــلْ *** كُلَّ الْعُلومِ وَكُنْ بالأَصْلِ مُشْتَانَــــــ ــــــــــا
فَالْعِلْمُ أَفْضَلُ مَطْلُوبٍ وَطَالبُـــــــ ـــــهُ *** مِنْ أَكَمْلِ النَّاسِ مِيزَانًا وَرُجْحَانَــــ ــــــــــا
وَالْعِلْمُ نُورٌ فَكُنْ بَالْعِلْمِ مُعْتَصِمًـــــ ــــا *** إِنْ رُمْتَ فَوْزًا لَدَى الرَّحْمَنِ مَوْلانَـــــــ ــــــا
وَهُوَ النَّجَاةِ وَفِيهِ الْخَيْرِ أَجْمَعَـــــــ ـــهُ *** وَالْجَاهِلُونَ أَخَفَّ النَّاسِ مِيزَانَـــــــ ـــــــــا
وَالْعِلْمُ يَرْفَعُ بَيْتًا كَانَ مُنْخَفِضًـــــ ــــــا *** وَالْجَهْلُ يَخْفِضُهُ لَوْ كَانَ مَا كَانَــــــــــ ـــــا
وأرفعُ الناسِ أهلُ الْعِلْمِ مَنْزِلــــــــ ـــــةً *** وَأَوْضَعَ النَّاسِ مَنْ قَدْ كان حَيْرَانَــــــ ـــــا
لا يَهْتَدِي لِطَرِيقِ الْحَقِّ مِنْ عَمَـــــــــــ هٍ *** بَلْ كَانَ بِالَجَهْلِ مِمَّنْ نَال خُسْرانَـــــــ ــــا
تَلقاهُ بَيْنَ الوَرَى بالْجَهْلِ مُنْكَسِـــــــ ــرًا *** لا يَدْرِ مَا زَانَهُ في النَّاسِ أَوْ شَانَــــــــــ ــا
وَالْعِلْمُ يَرْفَعُهُ فَوْقَ الْوَرَى دَرَجَـــــــــ ــا *** وَالنَّاسُ تَعْرفُهُ بالْفَضْلِ إِذْ عَانَــــــــــ ـــــا
وَطَالبُ العِلمِ إِنْ يَظْفَرْ بِبُغْيَتِـــــ ــــــــهِ *** يَنَالُ بالعلمِ غُفْرانًا وَرِضْوَانَــــ ـــــــــــــــ ا
فَاطْلُبْهُ مُجْتَهِدًا مَا عِشْتَ مُحْتَسِبًـــــ ـا *** لا تَبْتَغِي بَدَلًا إِنْ كُنْتَ يَقْظَانَــــــ ـــــــــــا
مَنْ نَالَهُ نَالَ فِي الدَّارَيْنِ مَنْزِلَـــــــ ـــــةً *** أَوْ فَاتَهُ نَالَ خُسرانًا وَنُقْصَانَــــ ـــــــــــــا
وَبَاذِلُ الْجِدِّ فِي تَحْصِيلِهِ زَمَنًـــــــــ ـــا *** وَلَمْ يَكنْ نَالَ بَعْدَ الْجِدِّ عُرْفَانَــــــ ـــــــــا
فَلَنْ يَضِيعَ لَهُ سَعْيٌّ وَلا عَمَـــــــــــ ـــلٌ *** عِنْدَ الإِلَهِ وَلا يُولِيهِ خَسْرَانَــــــ ـــــــــــــا
فَطَالِبُ الْعِلْمِ إِنْ أَصْفَى سَريرَتَـــــــ ــهُ *** يَنَالُ مِنْ رَبِّنَا عَفْْوًا وَرِضْوَانَــــ ــــــــــــــا
فَالْعِلْمُ يَرْفَعُ فِي الْخُلْدِ مَنْزِلَـــــــ ـــــــةً *** وَالْجَهْلُ يُصْلِيهِ يَوْمَ الْحَشْرِ نِيرَانَـــــــ ــا
والْجَهْلُ في هذِهِ الدُّنْيَا يَنْقُصْـــــــ ــــهُ *** وَالْعِلمُ يَكْسُوهُ تاجَ الْعِزِّ إِعْلانَـــــــ ـــــــا
وَإِنْ تُرِدْ نَهْجَ هذا الْعِلْمِ تَسْلُكُـــــــ ـــــهُ *** أَوْ رُمْتَ يَوْمًا لِمَا قَدْ قُلْتَ بُرْهَانَــــــ ـــــا
فَألْقِ سَمْعًا لِمَا أُبْدِي وَكُنْ يَقْظًـــــــــ ــا *** وَلا تَكُنْ غَافِلًا عَنْ ذَاكَ كَسْلانَـــــــ ـــــــا
قَدْ أَلَّفَ الشَّيْخَ فِي التَّوْحِيدِ مُخْتصَرًا *** يَكْفِي أَخَا اللُبِّ إِيضَاحًا وَتِبْيَانَــــ ـــــــــا
فِيهِ الْبيانُ لتَوْحِيدِ الإِلهِ بِمــــــــــــ ــــا *** قَدْ يَفْعَلُ الْعَبْدُ لِلطَّاعاتِ إِيمِانَـــــــ ـــــــا
حُبًّا وَخَوْفًا وَتَعْظِيمًا لَهُ وَرَجَـــــــــ ــــا *** وَخَشْيَةً مِنْهُ لِلرَّحْمَنِ إذْعَانَـــــــ ـــــــــــا
كَذَاكَ نَذْرًا وَذَبْحًا وَاسْتَغَاثَتُن َـــــــــــــا *** والاستعانةُ بالْمَعْبُودِ مَوْلانَـــــــ ــــــــــــا
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ يَفْعَلُـــــــ ــــــــــــهُ *** للهِ مِنْ طَاعَةٍ سِرًّا وَإِعْلانَـــــ ـــــــــــــــ ـا
وَفِيهِ تَوْحيدُنَا رَبَّ الْعِبَادِ بِمَـــــــــــ ــا *** قَدْ يَفْعَلُ اللهُ أَحْكَامًا وَإِتْقَانًــــ ــــــــــــــا
خَلْقًا وَرِزْقًا وَإِحْيَاءً وَمَقْـــــــــ ـــــدُرةً *** بالاخْتِرَاعِ لِمَا قَدْ شَاءَ أَوْ كَانَــــــــــ ـــــــا
وَيَخْرُجُ الأمرُ عَنْ طَوْقِ الْعَبادِ لَـــــــهُ *** وَذَاك مِنْ شَأْنِهِ أَعْظِمْ بهِ شَانَــــــــــ ــــــا
وَفِيهِ تَوْحِيدُنَا الرَّحْمَنَ أَنَّ لَـــــــــــــ هُ *** صِفَاتِ مَجْدٍ وَأسْمَاءً لِمَوْلانَـــــ ـــــــــــــا
تِسْعٌ وَتَسعُونَ اسْمًا غَيرَ مَا خَفِيـــــتْ *** لا يَسْتَطِيعُ لَهَا الإِنْسَانُ حُسْبَانَــــــ ــــــا
مِمَّا بِهِ اسْتَأْثَرَ الرَّحْمَنُ خَالِقُنَــــــ ــــــا *** أَوْ كَانَ علَّمَهُ الرَّحْمَنُ إِنْسَانَــــــ ــــــــــــا
نُمِرُّهَا كَيْفَ جَاءت لا نُكَيِّفْهَــــ ــــــــــا *** بَلْ لا نُؤَوِّلَهَا تَأْوِيلَ مَنْ مَانَــــــــــ ــــــــا
وَفِيهِ تَبْيَانُ إِشْرَاكٍ يُنَاقُضُــــــ ـــــــــهُ *** بَلْ مَا يُنَافِيهِ مِنْ كُفْرَانِ مَنْ خَانَـــــــــا
أَوْ كَانَ يَقْدَحُ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ بِـــدَعٍ *** شَنْعاءَ أَحْدَثَهَا مَنْ كان فَتَّانَـــــــ ــــــــا
أَوْ الْمَعَاصِي الَّتِي تُزْرِي بِفَاعِلِهَــــ ـــــا *** مِمَّا يُنَقِّصُ تَوْحِيدًا وَإِيمَانَـــــ ـــــــــــــا
فَسَاقَ أَنْوَاعَ تَوْحِيدِ الإِلهِ كَمَـــــــــــ ـا *** قَدْ كانَ يَعْرفُهُ مِنْ كَانَ يَقْظَانَــــــ ــــــا
وَسَاقَ فِيهِ الذي قد كان يَنْقُضُـــــــ ـهُ *** لِتَعْرِفَ الْحقَّ بالأضْدَادِ إِمْعَانَــــــ ـــــــا
مُضْمِّنًا كُلَّ بَابٍ مِنْ تَرَاجُمِــــــ ـــــــــهِ *** مِنْ النُّصوصِ آحَادِيثًا وَقُرْآنَــــــ ـــــــا
فَالشيخُ ضَمَّنَهُ ما يَطْمَئِنَّ لَـــــــــــــ ـهُ *** قَلْبُ الْمُوَحِّدِ إِيضَاحًا وَتِبْيَانَــــ ـــــــــا
فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهِ فِي الأَصْلِ مُعْتَصِمًا *** يُورِثْكَ فِيمَا سِوَاهُ اللهُ عِرْفَانَــــــ ــــــا
وَانْظُرْ بِقَلْبِكَ في مَبْنَى تَرَاجُمِــــــ ــهِ *** تَلقَى هُنالِكَ لِلتَّحْقِيقِ عُنْوَانَــــــ ــــــــا
وَلِلْمَسَائِلِ فَانْظُرْ تَلْقَهَا حِكْـــــــــــ ــمً *** يَزْدَادَ مِنهنَّ أَهْلُ الْعِلْمِ إِتْقَانَــــــ ـــــــــا
وَقُلْ جَزَى اللهُ شَيْخَ الْمُسْلِمِينَ كَمــا *** قَدْ شَادَ لِلْمِلَّةِ السَّمْحَاءِ أَرْكَانَــــــ ـــــــا
فَقَامَ لِلَّهِ يَدْعُو النَّاسَ مُجْتَهِـــــــ ــدًا *** حَتَّى اسْتَجَابُوا لَهُ مَثْنَى وَوُحْدَانَــــ ـا
وَوَحَّدُوا اللهَ حَقًّا لا شَرِيكَ لَــــــــــهُ *** مِنْ بَعْدِ مَا انْهَمَكُوا فِي الْكُفْرِ أَزْمَانَـــا
وَأَصْبَحَ الناسُ بعدَ الْجَهْلِ قَدْ عَلِمُوا *** وَطَالَ مَا هَدَمُوا لِلدِّين بُنْيَانَــــــ ـــــــا
وَأَظْهَرَ اللهُ هَذَا الدِّينَ وَانْتَشَــــــ رَتْ *** أَحْكَامُهُ فِي الْوَرَى مِنْ بَعْدِ أَنْ كَانَــــا
بَالْجَهْلِ وَالْكُفْرِ قَدْ أَرْسَتْ مَعَالِمُـــــه ُ *** لا يَعْرِفُ النَّاسُ إِلا الْكُفْرِ أَزْمَانَــــــ ــــا
يَدْعُونَ غَيْرَ الإِلِهِ الْحَقَّ مِنْ سَفَــــــهٍ *** وَيَطْلُبُونَ مِنَ الأَمْوَاتِ غُفْرَانَــــــ ـــــا
وَيَنْسِكُونَ لِغَيْرِ اللهِ مَا ذَبَحُـــــــــ ـوا *** وَيَنْذِرُونَ لَغَيْرِ اللهِ قُرْبَانَــــــ ــــــــــــا
وَيَسْتَغِيثُون َ بَالأَمْوَاتِ إِنْ عَظُمَـــتْ *** وَأَعْضَلَتْ شِدَّةُ مِنْ حَادِثٍ كَانَــــــــــ ا
وَيَنْدِبُونَ لَهَا زَيْدًا لِيَكْشِفَـــــ ـــــــها *** بَلْ يَنْدِبُونَ لَهَا تَاجًا وَشُمْسَانَــــ ـــــــــا
فَزَالَ ثَمَّ بِهَذَا الشَّيخِ حِينَ دَعَـــــا *** مَنْ صَدَّ أَوْ نَدَّ عَنْ تَوْحِيدِ مَوْلانَـــــــ ـــا
فَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو وَلِيجَتَــــــ هُ *** يَوْمًا بِنَجْدٍ وَلا يَدْعُونَ أَوْثَانَــــــ ـــــــــا
بَلْ الدُّعَا كَلُّهُ وَالدِّينُ أَجْمعُــــــــ ـهُ *** للهِ لا لِسِوَى الرَّحْمَنِ إِيمَانَـــــــ ـــــــــــا
فَاللهُ يُعْلِيهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مَنْزِلَــةً *** فَضْلًا وَجُودًا وَتَكْرِيمًا وَإِحْسَانَــــ ـــــــا
وَاللهُ يُولِيهِ أَلْطَافًا وَمَغْفِـــــــ ـــرَةً *** وَرَحْمَةً مِنْهُ إِحْسَانًا وَرِضْوَانَــــ ـــــــــــا
ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى الْمَعْصُومِ سَيَّدِنَــا *** أَزْكَى الْبَرِيةِ إِيمَانًا وَعِرْفَانَــــ ــــــــــــــا
مَا نَاضَ بَرْقٌ وَمَا هَبَّ النَّسِيمُ وَمَا *** مِسَّ الْحَجِيجُ لِبَيْتِ اللهِ أَرْكَانَــــــ ــــــا
أَوْ قَهْقَهَ الرَّعْدُ فِي هَدْبَاءَ مُدْجِنَـةٍ *** أَوْ نَاحَ طَيْرٌ عَلَى الأَغْصَانِ أَزْمَانَــــــ ـــا
وَلآلِ والصَّحْبِ ثُمَّ التَّابِعينَ لَهُـمْ *** عَلَى الْمَحَجَّةِ إِيمَانًا وَإِحْسَانَــــ ــــــــــــا

______________________________ _____________________________

الكاتب: الشيخ عبدالعزيز السلمان