نسبة غير مسبوقة للمهاجرين العرب خلال عام 2022 - الهجرة غير القانونية رؤية شرعية وإنسانية





السعي على كسب الرزق والأخذ بأسباب تحصيله أمرٌ مطلوبٌ شرعًا، قال الله -تعالى-: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك:15)، والسفر والهجرة المشروعة من جملة تلك الأسباب التي يطلب بها الرزق، إلا أنه في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بعدد من الدول العربية، شهدت بعض تلك الدول معدلات إقبال غير مسبوقة للشباب على الهجرة غير النظامية أو ما تسمى بالهجرة غير القانونية، التي تتم عن طريق التسلل خفية عبر الطرق البرية أو البحرية إلى الدول الأوربية؛ حيث باتت تلك الهجرة أزمة معقدة تواجه العديد من الدول، ويكاد يكون العاملان، الاقتصادي والأمني، هما أبرز العوامل التي تدفع الناس للهجرة من بلدانهم عموما، والمنطقة العربية خصوصا؛ حيث إنها الأكثر تضررًا وتأثرًا بالأزمات الاقتصادية والسياسية.
ووفقًا لتقديرات مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث المنشورة ضمن تقرير بعنوان: (أكثر من نصف الشباب العربي يائس: هل توفرت ذرائع الانفجار الاجتماعي؟)، تشير تلك التقديرات إلى رصد تضاعف نسبة الشباب الراغب في الهجرة من الدول العربية خلال عام 2022 التي قد تصل إلى نسبة غير مسبوقة، قد تشمل أكثر من 60 في المئة من إجمالي الشباب في جُلّ الدول العربية باستثناء منطقة الخليج.
تفاقم أزمة المهاجرين
وبسبب الإقبال الكثيف على الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، لجأت عدد من الحكومات الأوروبية لزيادة فرض عدد من القيود على الهجرة واللجوء؛ ما تسبب بتفاقم أزمة المهاجرين غير الشرعيين والمنتمين لجنسيات أغلبها عربية، ويتدفقون إلى تلك الدول بأعداد كبيرة، فضلاً عن زيادة خطاب الكراهية ضد الجنسيات العربية في ظل صعود تيارات اليمين المتطرف في أوروبا، واعتماده سياسات عنصرية ضد المهاجرين.
حال من اليأس
وعلى الرغم من تلك التضييقات التي فرضتها الدول الأوربية على دخول المهاجرين إلى أراضيهم، فضلاً عن المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء المهاجرون خلال رحلتهم، إلا أنهم يُصرّون على المخاطرة بحياتهم هربًا من واقع يرونه متدهورًا في بلدانهم، في إشارة واضحة لمدى اليأس المهيمن على نسبة كبيرة من الشباب من احتمالات تحسن الظروف في دولهم.
مفاسد ومحاذير شرعية
ولا شك أنَّ الهجرة غير القانونية تتضمن جملة من المخالفات الشرعية والمفاسد الاجتماعية والإنسانية نذكرها فيما يلي:
أولاً: تعريض النفس للمخاطر والهلاك
الهجرة غير القانونية فيها تعريض النفس للمخاطر والهلاك من غير مسوغ شرعي؛ حيث يخاطر المهاجرون بركوب البحر بمراكب غير مرخص لها بالإبحار في أعالي البحار لعدم صلاحيتها لذلك، فضلاً عن أنها تحمل أكثر من سعتها، وتسلك طرقًا بحرية خطرة، اتقاءً لمراقبة خفر السواحل، مع علمهم بخطورة هذه الطرق، وكونها مظنة للهلاك، ثم إصرارهم بعد ذلك على ركوبها، مما يجعلهم مقصرين في الحفاظ على أنفسهم موردين إياها موارد الهلاك، ويعد حفظ النفس أحد مقاصد الشرع الخمسة التي تقع في مرتبة الضروريات، وقد جاءت نصوص الشريعة في النهي عن تعريض النفس للهلاك، من ذلك: قوله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: 195).
ثانيًا: فيها إذلال المسلم نفسه
يترتب على هذا النوع من الهجرة إذلال المسلم نفسه؛ فإن الدخول إلى البلاد المهاجر إليها من غير الطرق الرسمية المعتبرة، يجعل المهاجر تحت طائلة القانون من قبل سلطات تلك البلد، فيكون معرضا للاعتقال والعقاب، فضلا عما يضطر إليه كثير من المهاجرين غير الشرعيين من ارتكاب ما يسيء إليهم وإلى بلادهم، بل وأحيانا إلى دينهم، ويعطي صورة سلبية عنهم، كالتسول وافتراش الطرقات، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلم أن يذل نفسه؛ فقد روى الترمذي في جامعه وحسنه، عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق».
ثالثًا: خرق للمعاهدات والعقود الدولية
الهجرة غير القانونية فيها خرق للمعاهدات والعقود الدولية التي تنظم الدخول والخروج من بلد إلى آخر، وقد روى الترمذي في جامعه -وقال: «حسن صحيح»- عن عمرو بن عوف المزني - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما»؛ قال العلامة المناوي في شرحه للحديث في (فيض القدير) (6/272، ط. المكتبة التجارية الكبرى): (المسلمون على شروطهم) الجائزة شرعا؛ أي: ثابتون عليها واقفون عندها.
رابعًا: فيها تزوير وغش وتدليس
هذه الهجرة فيها تزوير وغش وتدليس على سلطات الدولتين المهاجر منها والمهاجر إليها، وهو من باب الكذب، وهو: الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه، والأصل فيه التحريم، وقد قال الله -تعالى-: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(٣٠)} (الحج: 30)، وفي هذه الآية أمر صريح مؤكد باجتناب الزور، وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من غشنا فليس منا».
خامسًا: فيها تعاون على المعصية
هذه الهجرة فيها تعاون على المعصية غالبًا؛ فقد يلجأ المهاجر لمن يزور له أوراقه، أو يلجأ لمن يعينه على الوصول والدخول إلى وجهته بسلوك دروب الهلاك، كل هذا نظير أجرة محددة، وقد قال -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2)، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره للآية ((2)/(106)، ط. دار طيبة): «يأمر -تعالى- عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو: البر، وترك المنكرات، وهو: التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم». اهـ.
المشكلات التي يواجهها المهاجرون غير الشرعيين
فضلا عن احتمال اعتراضهم وترحيلهم، يواجه المهاجرون غير الشرعيين العديد من المشكلات الأخرى نذكر منها ما يلي:
(1) عدم إمكانية الوصول إلى الخدمات
عادةً ما يُحرم المهاجرون غير الشرعيين من إمكانية الوصول إلى نظم الصحة العامة والسكن المناسب والتعليم والخدمات كافة التي يحصل عليها المقيم بطريقة شرعية، أو تكون إمكانية وصولهم إليها محدودة للغاية؛ فيزيف بعض المهاجرين وثائق الهوية للوصول إلى تلك الخدمات.
(2) الخطف والفدية
في بعض المناطق، أحيانًا يُختطف الأشخاص -وهم في طريقهم إلى البلد التي يقصدونها-؛ من أجل الحصول على فدية مثلًا، وفي بعض الحالات، يتعرضون أيضًا للتعذيب والاغتصاب والقتل إذا لم تصل الفدية المطلوبة، كما تقدر الأبحاث في جامعة ولاية (سان دييغو) أن هناك 2.4 مليون ضحية للاتجار بالبشر بين المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة.
(3) الإصابة والمرض
يعد البحث عن عمل -وهو هدف أساسي للهجرة غير القانونية، ووفقًا لبيانات من مكتب الإحصاء الأمريكي- فإن أغلب المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة يعملون في مجالات خطرة مثل الزراعة والبناء على سبيل المثال، وتشير دراسة حديثة إلى أن شبكة العواقب الناتجة عن وضع المهاجرين غير الشرعيين تحد من قدرة العمال غير الشرعيين على العمل بأمان، فضلا عن الخطر الجسدي الذي يتعرضون له في بيئة العمل.
المهاجرون بسبب الحرب
وكما أن الوضع الاقتصادي، يمثل دافعا كبيرًا للراغبين في الهجرة، من كثير من البلدان العربية، فإن الوضع الأمني يمثل أيضا الدافع الأكبر، في دول عربية أخرى، في منطقة عصفت بها الحروب خلال السنوات الماضية، وقد كان النموذج السوري، من أبرز النماذج؛ إذ شهدت أوروبا موجات من هجرة السوريين، بفعل الحرب التي شهدها بلدهم، التي لم تضع أوزارها بعد.
المهاجرون من شمال إفريقيا
وفي ليبيا زادت في الفترة الأخيرة أعداد الليبيين المضبوطين خلال محاولتهم الفرار بقوارب هجرة غير قانونية، وأظهر استطلاع أجراه الباروميتر العربي، أن ربع الليبيين يفكّرون في الهجرة (نحو1.5 مليون من عدد السكان الذي يقترب من 7 ملايين)، والأكثر إقبالا على الهجرة، بحسب الاستطلاع، هم الذكور الحاصلون على تعليم جيد، وتتراوح أعمارهم بين 18-29 سنة، وقد عزا الاستطلاع انتشار هذه الظاهرة لتفاقم التأزم الأمني والاقتصادي في البلاد.
أشار بيان (لوكالة شفق نيوز)، إلى أن أعداد المهاجرين العراقيين من إقليم كوردستان قد ارتفع ارتفاعا غير متوقع منذ أواخر يونيو 2022 وأوائل أغسطس من العام نفسه، كما أشار البيان إلى أن هجرة الشباب العراقي زادت بنسبة 35٪ إلى 40٪، وهي نسبة لم تشهدها البلاد منذ عام 2020، منوها الى أن هناك أسباب عديدة للهجرة واللجوء، إلا أنَّ الشباب دائما هم الضحايا بحثًا منهم عن حياة أفضل.
وفاة أكثر من 50 ألف شخص
أعلنت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير لها نشرته يوم الأربعاء 23 نوفمبر 2022، عن وفاة أكثر من 50 ألف شخص في جميع أنحاء العالم خلال رحلات الهجرة غير القانونية، منذ أن بدأ مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة في توثيق الوفيات في عام 2014.
وفي مصر ارتفع عدد الشباب العابرين من المتوسط إلى إيطاليا من 22 شخصا في يناير 2021 إلى 1893 في نوفمبر من العام نفسه، وانخفض العدد إلى 238 في مارس 2022 ليعاود الارتفاع إلى 1188 في مايو من العام نفسه، وذلك وفقًا للتقرير الأممي المستند إلى أرقام وزارة الداخلية الإيطالية.
المجتمع التونسي بدأ يشكو من تصاعد ظاهرة الهجرات البحرية؛ حيث شملت هذه المرة فئات مختلفة من شباب ونساء وأطفال قصّر، كما تنوّعت بين فئات فقيرة ومتوسطة الدخل وأصحاب شهادات عليا عاطلين عن العمل، ونشر نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة صورا لعائلات شابة وصلت بأكملها للسواحل الإيطالية، وضبطت وزارة الداخلية التونسية 20 ألفًا و616 مهاجرًا غير نظامي خلال 2021، بينهم 10 آلاف و371 أجنبيًا معظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء،.
ففي الأردن أظهر استطلاع للرأي قام به (المعهد الجمهوري الدولي) في الأردن أوائل نوفمبر 2022، عزم العديد من الشباب الأردني مغادرة البلاد من أجل ضمان مستقبلهم وتحسين ظروفهم المعيشية، واستهدف الاستطلاع الأردنيين من فئة الشباب الذين تترواح أعمارهم ما بين 18 و 35 عامًا، وأفاد بأنَّ ما نسبته 48 في المئة من الشباب يفكرون جديا بالهجرة إلى الخارج،
منطقة الشرق الأوسط
وربما لا تقتصر الظاهرة على الأردن وحده، فقد كان ملفتا النتائج التي توصل إليها، استطلاع (البارومتر) العربي، (وهو أحد المصادر الرئيسية للبحث الكمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) بالتعاون مع ال(بي بي سي)، أنَّ الراغبين في الهجرة أبدوا استعدادًا للسفر من دون أوراق رسمية (الهجرة غير القانونية)، ففي السودان مثلا بلغت نسبة هؤلاء 43%، وهي النسبة نفسها تقريبًا في كل من الجزائر وتونس واليمن والعراق والمغرب، في حين بلغت 12% في لبنان و18% في الأردن.
الأفضل لدين الإنسان وكرامته
وفي هذا السياق قال الباحث والكاتب المتخصص في القضايا الفكرية والمنهجية م. أحمد الشحات: الهجرة غير القانونية قضية شائكة ومعقدة، وأغلب الذين يلجؤون إليها طلبًا للرزق أو بحثًا عن حياة أفضل غير موفقين في بعض تصوراتهم؛ لأنها غير واقعية وحالمة ومبنية على معلومات مغلوطة وغير دقيقة، ولنا أن نتساءل: ما فرص العمل التي يمكن أن يحصل عليها هؤلاء؟ وما مدى أن تكون هذه الأعمال مرموقة أو حلالا ليس بها أي شبهة؟ ومن وجهة نظري -وبالرغم من الحالة الاقتصادية المتردية التي أصابت عددًا من البلدان العربية فضلا عن عدد من بلدان العالم- فإنَّ الأفضل لدين الإنسان ولكرامته ولحياته أن يسعى في بلده بالطرائق الممكنة، وما زالت -بفضل الله تبارك وتعالى- في بلاد المسلمين خيرات كثيرة رغم ضيق العيش، وما زال في البلاد الإسلامية دين وأخلاق وتقاليد وقيم، وما زال فيها أمن وأمان، وما زال فيها استقرار مجتمعي وكل المظاهر التي يطمئن فيها الإنسان على دينه ودين أولاده وأخلاقهم، وعلى حياتهم، فعلى أي شيء ولأجل ماذا يضحي الإنسان بدينه ويضحي بحياته جريًا وراء السراب؟


وائل رمضان