من مكارم الأخلاق في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم - خلق الوفاء وحفظ الجميل


من مكارم الأخلاق العالية التي ينبغي أن نذكر بها الناس دائما، ونبين لهم فضلها: (خلق الوفاء وحفظ الجميل)، والوفاء ضد الغدر، وهو الثبات على العهد حبا وإخلاصًا وتقديرًا وإكرامًا؛ فالإنسان الذي عشت معه ورأيت منه الإخلاص والحب والتقدير والاحترام، احفظ له جميله وقابله بالوفاء، ولو انقطع عنك دهرا، مثل الزوجة والجيران والزملاء والإخوان والأحباب، ومن بينك وبينهم صحبة لا ينبغي أن تنسى هذا الفضل وهذه الأخوة والمحبة التي كانت بينكم.
ويستدلون على هذا الخلق الكريم بقوله -تعالى-: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان»، وبقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «حسن العهد من الإيمان»، ويستدلون كذلك بقوله -تعالى-: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير}؛ فهذه الآية جاءت في حكم الطلاق قبل الدخول، فمن حقها أن تأخذ نصف المهر، إلا أن يعفو الولي، ثم قال ولا تنسوا الفضل بينكم، وهذا الطلاق لم يقع إلا بسبب خلاف وغيره، ومع ذلك قال الله لهم: {ولا تنسوا الفضل بينكم}.
حفظ الجميل
وهذا سهل بن سعد السعدي كان قد تزوج 15 من النساء، ودُعي إلى وليمة عرس في بيت من بيوت الأنصار، وكان يوجد في هذا العرس نساء ورجال، فكان في هذا العرس تسع نسوة من مطلقاته، فلما علمن بأن سهل بن سعد السعدي موجود في هذا العرس انتظرنه عند الباب، فلما خرج قلنا له جميعا: كيف أنت يا أبا العباس؟، فحفظن الجميل مع أنه حصل طلاق، وهذه أخلاق القوم الذين تدربوا وتعلموا وعودوا أنفسهم على الخير قبل ذلك في عهد النبي --صلى الله عليه وسلم.
من أنواع الوفاء في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- مواقف عديدة للوفاء وحفظ الجميل ومن ذلك ما يلي:
قصة المطعم بن عدي
لما رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطائف مكسور الخاطر، ذهب لمطعم بن عدي يطلب الجوار فأجاره، وخرج لقريش وقال: قد أجرت محمدًا، وقال الذي يقترب منه نقتله، وكان على الكفر، والجوار عند العرب أنهم يمنعون من أجاروه ومن حالفهم مما يمنعون منه نساءهم وأولادهم، والنبي-صلى الله عليه وسلم- لم ينس له هذا الجميل يوم بدر، فقد كان هناك سبعون أسيرا؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: لو كان المطعم بن عدي حيا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له».
قصة أبي البحتري
العاص بن هشام
وكذلك أبو البحتري العاص بن هشام مشهور ومات على الكفر، ومع ذلك ما كان يؤذي النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان يدافع عنه ويمنع الناس من أن يؤذوه، وكان هو والمطعم يهربون الطعام لأهل الشعب من وراء قريش، فقال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم ردا للجميل-: « من لقي البحتري يوم بدر فلا يقتله».
قصة عم النبي - صلى الله عليه وسلم
وهذا عم النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو طالب وكان يدافع عنه، يقول -عليه الصلاة والسلام- وقد دعا ربه وشفع له وهذه شفاعة لكافر يقول: « لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار، هو في ضحضاح من نار، وهو أخف أهل النار في العذاب»، وهذا من باب رد الجميل له.
الوفاء لأم المؤمنين
خديجة -رضي الله عنها
كما ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- مثالا في الوفاء لزوجته خديجة -رضي الله عنها- ولم ينس جميلها ومعروفها له، كانت تواسيه، ووقفت بجانبه بنفسها ومالها، تقول عائشة -رضي الله عنها-: «لا يكاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يخرج من البيت حتى يذكر خديجة ويثني عليها» فلم ينس جميلها ومعروفها، تقول عائشة:-رضي الله عنها-» فأخذتني يوما غيرة منها، فقلت للرسول: هل كانت خديجة إلا عجوزا من عجائز قريش حمراء الشدقين، أبدلك الله خيرا منها، قالت: فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: ما أبدلني خيرا منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس».
فجدير بالمسلم عندما يسمع هذه الكلمات أن يعد نفسه ويعودها على حفظ الجميل لأهله وأقربائه وزوجته، وأن يتغافل عن كثير من الأمور التي تعكر صفو علاقته بهم، ودائما أقول: «أقل الوفاء للإخوان أن تصوم عنهم اللسان».


من أنواع الوفاء
من أجمل الأمثلة للوفاء مع العلماء وفاء أبي حنيفة لشيوخه؛ فلقد كان يدعو لشيخه حمّاد بن أبي سليمان مع أبويه في كل صلاة يصليها، وكان يحفظ له وُدّه، ويذكره دائما ويترحّم عليه، ولا ينسى له فضله، يذكره بالخير، ويثني على فضله، وينوّه بأثره فيه، ويدعو له، حتى قال أبو حنيفة: ما صليت قط إلا ودعوت لشيخي حماد ولكل من تعلمت منه علما أو علمته، وفي رواية: ما صليت صلاة منذ مات حماد إلا استغفرت له مع والديّ، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علما أو علمته علما.
وكان الإمام أحمد يكثر من الدعاء للشافعي، فسأله ابنه عبد الله قائلا: يا أبتِ أيّ شيء كان الشافعي؟ فإني سمعتك تكثر من الدعاء له. فقال لي: يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس، فَهَلْ لِهَذَيْنِ مِنْ خَلَفٍ، أَوْ مِنْهُمَا عِوَضٌ؟.
الوفاء مع الوالدين
للوالدين فضل عظيم، وحق كبير على أبنائهم؛ إذ لا يخفى على أحد ما يبذله الوالدان من غال ونفيس، وما يتحملانه من نصب وتعب في سبيل نشأة أبنائهم وتربيتهم ورعايتهم، فمن حقهم على الأبناء حسن الوفاء بالطاعة والتواضع والإحسان، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورً} (الإسراء: 23 - 25).


الشيخ محمد السنين