يبعث على ما مات عليه




بعد خاطرة ألقاها أحد طلبة العلم ضمن برنامج ثقافي لمنطقتنا، خرجت وصاحبي نتمشى، بانتظار صلاة العشاء.

- ذكر الشيخ أحاديث دون أن يبين مدى صحتها، وفي زمننا هذا حيث أصبح البحث الآلي ميسرا، أرى من الواجب على كل من يذكر حديثا ينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أن يتأكد من صحته.

- كلامك صحيح، ولكن بعض الإخوة -وفقهم الله- لا يزالون يرون أن ذكر الأحاديث الضعيفة في باب الموعظة وترقيق القلوب لا بأس به. قاطعني:

- الخطورة أن تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل صلى الله عليه وسلم ، ماذكرت هنا الخطورة، وإن كانت القضية لترقيق القلوب وتليينها.

فحق ما تقول، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق. وأظن أنه كان من الأولى لو نبهنا الشيخ إلى ذلك أثناء الخاطرة، ولكن الحديث الذي بدأ به صحيح.. فهو في مسلم.

- نعم.. حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يبعث كل عبد على ما مات عليه». وأيضا الحديث الآخر عن فضالة بن عبيد يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة» (صححه الأرناؤوط).

أما الحديث: «أن المؤذن يبعث مؤذنا، والملبي يبعث وهو يلبي» فلم يذكر مصدره وكذلك حديث عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: «أخبرني عن الجهاد والغزو، قال: إن قتلت صابرا محتسبا، بعثت صابرا محتسبا، وإن قتلت مرائيا مكاثرا، بعثت مرائيا مكاثرا، على أي حال قاتلت أو قتلت، بعثك الله بتلك الحال» أبو داود (ضعفه الألباني). وكذلك حديث أبي هريرة عن أنس مرفوعا: «من مات سكران فإنه يعاين ملك الموت سكران ويعاين منكرا ونكيرا سكرانا، ويبعث يوم القيمة سكران إلى خندق في وسط جهنم يسمى السكران» هذا الحديث لم أجده في كتب الحديث التي قاربت الـ200 كتابا.

- ولذلك يجب على من يذكر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتثبت منه، وعموما في الأحاديث الصحيحة ما يكفي لكل ما يحتاجه الواعظ والموعظ، والمعنى هنا أن يحرص المرء على حسن الخاتمة، كما في الحديث عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال كيف تجدك؟ قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وأمنه مما يخاف» (حسنه الألباني).

كنا نتمشى في مواقف المركبات للمدرسة المجاورة للمسجد ثم تابعنا.

- حسن الخاتمة من النعم العظيمة التي ينبغي على كل مسلم أن يحرص عليها، وهي كالنعم الأخروية، لا تأتي عشوائيا؛ وإنما بأسباب، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102)، فهذا أمر من الله تعالى.. {للذين آمنوا}..بتقوى الله.. وهو من أعظم أسباب الثبات على الحق حتى يأتي الموت والعبد على دين الله ومن الأسباب الأخرى.. دعاء الله عز وجل.. كما في حديث أم سلمة أن أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» فقيل له في ذلك؟ قال: إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ» (صحيح).

والمرء متى بذل الأسباب بالإخلاص والاتباع، نال المطلوب بالدعاء؛ فهذه الأحاديث نفهمها كتحذير من الاستمرار والإصرار على المعصية، ورغم أن العلماء اختلفوا في معنى الحديث، حتى إن بعضهم جعله خاصا فيمن مات بالحج، ومن قتل شهيدا، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فهل يبعث من مات ساجداً لله كمن مات سكران؟ لا يستويان. ولا نحتاج أن نستشهد بأحاديث ضعيفة، ففي الأحاديث الصحيحة ما يكفي.






اعداد: د. أمير الحداد