تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: خواطر الكلمة الطيبة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,722

    افتراضي خواطر الكلمة الطيبة

    خواطر الكلمة الطيبة – ماء زمزم.. لما شرب له


    وردت أحاديث كثيرة في فضل ماء زمزم، منها الصحيح والحسن ومنها الضعيف، ومما صح من ذلك، ما رواه الطبراني في معجمه الكبير والأوسط عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم». والحديث حسنه الألباني.
    ومنها حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أنه لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكثه ثلاثين بين يوم وليلة بمكة، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: فمن كان يطعمك؟ فقال له: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم -: «إنها مباركة، إنها طعام طعم». رواه مسلم، وفي مسند الطيالسي: «إنها لمباركة، هي طعام طعم، وشفاء سقم». والحديث صححه الألباني.
    وفي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه وغيرهما عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ماء زمزم لما شرب له». وصححه الألباني، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
    ثلاث شعب مباركة
    فإذا جمعنا الروايات في فضائله سنجد أمامنا ثلاث شعب مباركة:
    الشعبة الأولي: (أنه يعد من الأطعمة)
    قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ماء زمزم طعام طعم» وعندما سمع ذلك أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - جاء إلى مكة متسللا، فدخل من غير أن يعرفه الناس، واختبأ تحت ستار الكعبة، يقول: اختبأت ثلاثة وعشرين يوما ليس لي طعام إلا ماء زمزم، وخرجت له السُمن وهي ما تخرج إلا من الأطعمة، والذي كشف لنا هذه الحقيقة هو النبي - صلى الله عليه وسلم - وحيا من ربه.
    فيستطيع الإنسان أن يستغني عن الأطعمة ويكتفي بماء زمزم، ويكون له بمقام الغذاء، والتجربة التي مر بها الشيخ الألباني -رحمة الله عليه- عندما كان يتألم من بطنه فاستغنى عن الطعام بشرب ماء زمزم فترة من الزمن، ثم قال: وكنت أُخرج كالذي يأكل من الطعام، سبحان الله! وهذا في الحقيقة مصداق لهذا الحديث المبارك أن ماء زمزم طعام طعم، فضلا عن أن خصائصه كما جاء في المختبرات، أن فيه خصائص الأطعمة، أضف إلى ذلك أن ماء زمزم يعد الماء القلوي بالدرجة الأعلى، وهذه القلوية يحتاجها الإنسان لتعادل الأحماض حتى لا تسبب الأمراض، يقول الأطباء: «وجود الأحماض بداخل باطن الإنسان تسبب الأمراض».

    الشعبة الثانية:
    (ماء زمزم يعد شفاء للأسقام)
    قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم»، كثير من الناس يتوجه للعلاج، ولكن اعلم أن من أعظم الأدوية والشفاء هي في ماء زمزم، ابن القيم -رحمة الله عليه- يحكي أنه ذهب إلى مكة فقال: وقعت بي من الأسقام ألا أستطيع أن أطوف ولا أسعى، يقول: فأصبحت أشرب من ماء زمزم حتى جاءتني من القوة ما لا أستطيع وصفه» وكثير من يتكلم عن ماء زمزم وسببه في الشفاء، ويكفينا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «هو شفاء سقم» يعني: يُشفى المريض بإذن الله –عزوجل- بشربه من ماء زمزم، وهذه مقيدة في قضية الإيمان وقوة اليقين: أي( يكون عندك إيمان بأن هذا الكلام حق، جاء بالوحي من عند الله، وعندي يقين بأن كلام الله حق يتحقق معك الموعود به بإذن الله عاجلا أو آجلا).
    الشعبة الثالثة: (ماء زمزم لما شرب له)
    وهو يشمل جزئين:
    الجزئية الأولى: الدنيوية
    «ماء زمزم لما شرب له» يُسأل الرازي المحدث -رحمة الله عليه- قيل له من أين لك هذه القوة في حفظ الحديث والدراية والرواية؟ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ماء زمزم لما شرب له» فكنت أشرب ماء زمزم ونيتي أن يرزقني الله حافظة أحفظ بها كتاب الله وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فأصبح ذا ذاكرة قوية، وعبدالله بن عمر اختصر لنا هذا الأمر أنه كان إذا أراد أن يشرب ماء زمزم قال: اللهم إني أسالك إيمانا دائما، وعلما نافعا، ورزقا واسعا وقلبا خاشعا، وشفاء من كل داء».
    الجزئية الثانية: الأخروية
    وفيها من أعجب ما قرأت، ما ذكره الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، أن عبدالله بن المبارك -رحمة الله عليه-، وكان معروفا بكثرة حجه وكان من أعبد الناس في زمانه « أخذ قدحا من ماء زمزم واستقبل الكعبة، ثم قال: اللهم إني قد بلغني وذكر الإسناد كاملا حدثني فلان عن فلان، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ماء زمزم لما شرب له، ثم قال: وإني أشربه يا ربي لعطشي يوم القيامة».
    وهذا دلالة على أن ماء زمزم لما شرب له، فهي ليست قضية صغيرة في حياتك، فحياتك الدنيوية كلها قد تكون متعلقة بركتها في هذا الماء، وكذلك حياتك الأخروية لاعتقادك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء بالكلام المطلق العام ما حدده فهكذا فهم عبدالله بن المبارك.

    دراسة ألمانية: ماء زمزم له خواص علاجية
    والعينات احتفظت بالجودة نفسها لمدة عامين

    في عام 2012 كشفت دراسة طبية حديثة، أشرف عليها باحثون من معهد علوم الأرض بجامعة (هايدلبرج)الألما نية، التى تعد من أفضل 50 جامعة على مستوى العالم. إن ماء زمزم يختلف تماماً عن أنواع المياه المختلفة، وله خواص فريدة، وتوصل الباحثون إلى هذه النتائج بعد تجميع 30 عينة من ماء زمزم، بواقع 10 عينات من بعض الحجيج الألمان فى عام 2007، و10 عينات من بعض المحال فى (فرانكفورت وبرلين) فى عام 2011، و10 عينات أخرى من مدينة مكة، وفُحصت جميع العينات لمدة أسبوعين، وكشفت الدراسة عن نتائج مثيرة للغاية؛ حيث أكدت أن جودة مياه زمزم وطبيعتها لم تتغير لمدة عامين كاملين، والغريب أن النتائج كانت متطابقة بين جميع العينات، وفسر الباحثون هذه الفوائد المثيرة لمياه زمزم، مشيرين إلى أنها ترجع إلى خواصها القلوية؛ حيث يبلغ درجة (الأس الهيدروجينى) لها (pH 8)، وكما أنها تتمتع بخواص علاجية رائعة؛ بسبب احتوائها على تركيزات قليلة من عنصر الليثيوم والزرنيخ، وعلى الرغم من أن الأخير توجد أنواع ضارة منه، وكانت تركيزاته أعلى من الطبيعى، إلا أن بعض الأنواع الأخرى لها خواص علاجية رائعة.


    اعداد: د. خالد سلطان السلطان

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,722

    افتراضي رد: خواطر الكلمة الطيبة

    خواطر الكلمة الطيبة

    – إذا لم تنفع أخاك المؤمن فلا تؤذه


    أهل الإيمان لهم معاملة خاصة، والناس -عمومًا- لهم معاملة عامة، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، وقد جاء الإسلام ليهذب أتباعه فقال الله -تعالى- مادحًا رسوله صلى الله عليه وسلم : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وفي الحديث الذي رواه أبو ذَرٍّ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادةَ، وأبو عبْدِالرَّحْمنِ مُعاذُ بْنُ جبلٍ -رضيَ اللَّه عنهما-، عنْ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ», لقد بَنى الإسلام أُسسَه في تنظيم العلاقةِ الاجتماعية بين أبناء المجتمع المسلم على قواعدَ مُثلى وركائزَ فضلى، وجعل من أهم هذه الأسس والركائز الأخلاق الحسنة، وجعل من علامات كمال الإيمان أن يحب المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه؛ فقال - صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمِن أحدُكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»
    يقول يحيي بن عثمان بن معاذ - رضي الله عنه -: «ليكن حظ المؤمن منك إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه»
    فهذه ثلاث وصايا مهمة لصلاح العلاقات بين أبناء المجتمع:
    الوصية الأولى: «إن لم تنفعه فلا تضره»
    فالمسلم كما قال - صلى الله عليه وسلم-: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، فالأصل في المؤمن أنه ينفع الناس كلهم، ولكنه يزيد نفعه مع أهل الإيمان، فحاول إن لم تستطع أن تنفع أخاك فإياك أن تضره! وهذا مع أهل الإيمان عمومًا، وكلما كان أقرب كانت هذه الوصية أبلغ وأشد وأكثر؛ فاحرص عليها؛ فأحب عباد الله إلى الله أنفعهم؛ فأذي المؤمن شيء عظيم؛ لأن الله اتخذ أهل الإيمان أولياء له، فإياك أن تؤذي أحباب الله! قال -تعالى-:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
    الوصية الثانية: «إن لم تفرحه فلا تغمه»
    حاول دائما أن تدخل الفرح والسرور على إخوانك في الله، وبشرهم بالمسرات والمبشرات، ومع الأسف، هناك من الناس من ترى أنه يسارع في إرسال الرسائل التي لا تفرح أبدًا، بل تأتي بالهم والغم، فإذا كان هناك خبر سيء فلا تسارع في نشره، وهناك من الناس من يوصل الأشياء التي تفرح بقدر ما يوصل الأشياء التي تغم؛ لذا قال -في الوصية الثانية-: إذا لم تستطع أن تدخل الفرح على أخيك المؤمن فلا تغمه بالأخبار والأقوال والأفعال السيئة.
    الوصية الثالثة: «إن لم تمدحه فلا تذمه»
    فالأصل في حق المؤمن أن تمدحه؛ لأنه من أهل الإيمان، فتمدحه على توحيد الله -عز وجل-، وعلى الصلاة وقراءة القرآن، وأنه على منهج السلف -رضوان الله عليهم-، وأنه من أهل الدعوة إلى الله -عزوجل-، امتدح فيه هذه الأشياء، فإن لم تفعل ذلك، فلا تذمه ولا تذكره بالسوء، سواء بحضرته أم بغيبته، وغيبته أعظم، كما قال - صلى الله عليه وسلم-: «أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ. قيلَ: أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ». فذكر عقوبة الغيبة ولم يذكر عقوبة الافتراء والبهتان؛ لأنها أعظم عند الله -تعالى-؛ فادخر الله له عذابا لا يعلمه إلا هو.
    اجعل هؤلاء الثلاث حظ المؤمن فيك، ما بين النفع والمدح والفرح، وإياك أن تؤذيه أو تغمه أو تذمه!؛ فإن ذلك ليس من صفات أهل الإيمان.


    اعداد: د. خالد سلطان السلطان


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,722

    افتراضي رد: خواطر الكلمة الطيبة

    خواطر الكلمة الطيبة

    – الدفاع عن القرآن


    روى ابن حبان في صحيحه والحديث أيضًا صححه البخاري وهو حديث يحكي أحداث غزوة أحد، هذه الغزوة المعروفة والمشهورة التي ذكر أطرافها في كتاب الله -عز وجل-، وجاءت السيرة بتفصيلها تفصيلا كبيرًا، ونتحدث عن المشهد الذي انتهي بهزيمة جيش المسلمين أمام جيش الكفار، عندما عصى بعض المسلمين أوامر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحل عليهم بعد ذلك هذه الخسارة الكبيرة، فبعد أن انطفأت نار الحرب وأخذ كل جيش مكانه: «... فَقالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قالَ: أَفِي القَوْمِ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قالَ: أَفِي القَوْمِ ابنُ الخَطَّابِ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إلى أَصْحَابِهِ فَقالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فقَدْ قُتِلُوا، فَما مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقالَ: كَذَبْتَ واللَّهِ يا عَدُوَّ اللَّهِ؛ إنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وقدْ بَقِيَ لكَ ما يَسُوؤُكَ، قالَ: يَوْمٌ بيَومِ بَدْرٍ، والحَرْبُ سِجَالٌ، إنَّكُمْ سَتَجِدُونَ في القَوْمِ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بهَا، ولَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم -: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ أَعْلَى وأَجَلُّ، قالَ: إنَّ لَنَا العُزَّى ولَا عُزَّى لَكُمْ، فَقالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم -: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالَ: قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، ولَا مَوْلَى لَكُمْ».
    فعمر - رضي الله عنه - لم يقصد مخالفة أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، ولكنه لم يملك نفسه ولم ينكر عليه رسول الله، فهو يعلم أن عمر فعلها حمية لله ورسوله؛ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكوته إقرار.
    فائدة كبيرة
    الشاهد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الرد عليه عندما كانت القضية قضية أشخاص، وعندما وصلت القضية للشرع والدين والرسالة لم يتحمل - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يعطينا تصورا عاما للقضية وفائدة كبيرة من هذا الموقف: «أنه إذا كانت الحروب حروب أشخاص فلا تدخل فيها، ولكن إذا كانت للدين وأحكامه وشرائعه فلابد من الكل أن يتصدر للدفاع عنه».
    كلٌّ على قدر استطاعته
    وليس المقصود أن تخرج إلى الشارع وتتكلم وتضع لافتة، بل كلٌّ على قدر استطاعته، حتى الرجل في بيته عليه أن يجمع أهل بيته ويتحدث معهم عن فضل القرآن وأهميته، وأن ويستنكر هذا الفعل الشنيع أمامهم، كل شخصٍ على قدر استطاعته، علينا ألا نقف عند هذا الحدث فقط بالعواطف، وإنما رصد كل من يهاجم القرآن للرد عليه، وإعداد الردود المناسبة بالكتابة، وفي مواقع الإنترنت، وفي غيرها، والاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم للأولاد، ومساندة حلق التحفيظ، ونشر المصحف، وترجمة معانيه، والاعتناء بالتفسير، ودروس التفسير، وعلوم القرآن، ويجب أن نتخذ من هذا الحدث منبرًا للكلام عن فضل القرآن، وأحكام القرآن، وبلاغة القرآن، وإعجاز القرآن، وهيمنة القرآن على سائر الكتب.
    مواقف السيرة
    ولذلك فإن المواقف التي نقرؤها في السيرة ليست مواقف عادية، ولكنها تعلمنا كي نتعامل مع الواقع ومع الناس الذين يهاجمون شريعتنا؛ فهذا ليس هجوما شخصيا ولكنه هجوم على الأمة والدين والشرع، وهجوم على محمد - صلى الله عليه وسلم - ودعوته، فكان لابد هنا من أن نظهر جهادنا في سبيل الله، قال -تعالى-: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}، وقال أيضا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} وآيات الجهاد في سبيل الله عظيمة وكثيرة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}، والجهاد في الاسلام ليس بالسلاح فقط، مع شروطه وضوابطه، التي أكاد أجزم أنه لا أحد يعرف هذه الضوابط والشروط كما جاءت في كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا السلفيون، وكل من خرج عن السلفية لا يعلم شيئا عن الجهاد الحق.
    جهاد الحجة والبيان
    ومن أنواع الجهاد المشروع: جهاد الحجة والبيان، فبه ننافح عن ديننا الذي يتعرض للأخطار من قبل المشركين والمبتدعين؛ فإن حماية العقيدة وكف العدوان والمعتدين من أعظم المهمات؛ فبه يُري الإنسان ربه أنه مؤمن ثابت على إيمانه ومعتز به ويقوم بدوره في الذود عن هذا الدين على أكمل وجه.


    دورنا في الدفاع عن القرآن الكريم
    القرآن العظيم أنزله -تعالى-: {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } (النمل:2)، وقد جاء للعالمين من الإنس والجن نذيرًا؛ ليحذِّر من عصى الله عقابه وناره، ومبشرًا من أطاعه جنته ورضوانه، فقال -تعالى-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان: 1)، ويستغرب بعضهم الآن ما حدث من إهانة للمصحف الشريف على يد بعض المنافقين والمشركين، فبدلًا من أن يؤمنوا بهذا الحق، ويتدبروا فيه ويسلموا به، تراهم يصدون عنه ويستهزئون به، بل -والعياذ بالله- وصل بهم الأمر إلى أن يدنسوه ويهينوه.
    ونصرة كتاب الله تكون بأمور عدة:
    (1) العمل بالقرآن
    العمل بالقرآن هو أشد ما يغيظ أعداءنا، ويوهن كيدهم، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، فقد (كان خُلقه القرآن)، قال النووي: «وَكَوْنُ خُلْقِهِ الْقُرْآنَ هُوَ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِآدَابِهِ وَأَوَامِره وَنَوَاهِيه وَمَحَاسِنه».
    (2) حفظه وتعلمه وتعلميه
    وحتى نصل إلى ذلك لابد لنا من حفظه وتعلمه وتعلميه؛ حتى نطبقه عن علم ودراية، راجين ثواب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي شفيعًا يوم القيامة»، وهو في السلسلة الصحيحة.
    (3) نشر معاني القرآن الكريم
    كذلك نشر معاني القرآن الكريم ولا سيما بين غير المسلمين، وإيجاد ترجمات صحيحة خالية من الأخطاء.
    (4) إنشاء الأوقاف الإسلامية
    إنشاء الأوقاف الإسلامية لصالح جمعيات تحفيظ القرآن الكريم وطباعته، وطباعة سائر علوم القرآن، وتراجم معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى، ونشره عبر الوسائل المرئية والمسموعة وعبر شبكة الإنترنت.
    (5) الردود العلمية
    وكذلك قيام طلبة العلم والباحثين بإعداد الردود العلمية على أولئك المنتقصين لكتاب الله -عز وجل-، أو المفترين الجدد والرد عليهم وإفحامهم.



    اعداد: د. خالد سلطان السلطان

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,722

    افتراضي رد: خواطر الكلمة الطيبة

    خواطر الكلمة الطيبة

    – شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي


    أتحدث اليوم عن حديث كلكم تحفظونه، رواه أبو داود في سننه من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «شفاعتي لأَهلِ الْكبائرِ من أمَّتي»، والنبي -[- أوتي جوامع الكلم، فهذه كلمات قليلة، ولكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني.
    المعني الأول: مقام الشفاعة أولا: أن الله -عز وجل- جعل هناك مشاهد ومقامات يوم القيامة، ومنها مقام (الشفاعة)، وهذا المقام سيكون له أمران: - الأمر الأول: أن الله -عز وجل- يأذن للشافع. - الأمر الثاني: أن الله يرضى عن المشفوع. قال الله -تعالى-: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، وقوله -تعالى-: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}.
    المعني الثاني: النبي - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب الشفاعة العظمى النبي - صلى الله عليه وسلم - هو صاحب الشفاعة العظمى (المقام المحمود) فنسأل الله -عزوجل- أن تكون الوسيلة والفضيلة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا المقام الذي جعله الله سيكون صاحبه محمدا - صلى الله عليه وسلم - كما أخبرنا رسولنا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - له شفاعات كثيره منها: 1- الشفاعة الأولى: شفاعة الإذن بالحساب (وهذا أكبر موقف للعالم كله). 2- الشفاعة الثانية: شفاعة السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب. 3- الشفاعة الثالثة: شفاعة لأهل الذنوب والمعاصي من أمته، فهناك طائفة من أمه محمد كتب عليهم العذاب وبشفاعته - صلى الله عليه وسلم - لا يعذبون، وهناك طائفة أخرى كتب عليهم العذاب ويعذبون فترة ثم يخرجون من النار بشفاعته - صلى الله عليه وسلم . 4- الشفاعة الرابعة: شفاعته - صلى الله عليه وسلم - بأن يرفع الله درجات أناس في الجنة، أما شفاعته لأهل الكبائر لقوله - صلى الله عليه وسلم - «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» وهذه فيها ملحظ أن الإيمان أمره عظيم «فأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» تنجي العبد من أمرين: - الأمر الأول: عدم دخوله للنار إذا كان صاحب استقامة بفضل الله -عز وجل. - الأمر الثاني: لا يخلد في النار؛ لأن عنده هذه البطاقة وهي (الشهادة) فهي أمان من الخلود في النار، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخلد في النار من قال: لا إله إلا الله».
    المعني الثالث: لا تيأس من رحمة الله إن الذي ارتكب الذنوب والمعاصي والآثام عليه ألا ييأس من رحمة الله، وإن الله من رحمته أوحى لرسوله أنك يا محمد ستشفع لأصحاب الذنوب من الكبائر، وهذا خبر أخبر النبي به أمته قال: «إن الله أخبرني أنه سيقبل لي شفاعة لأصحاب الكبائر من أمتي».
    المعنى الرابع: بشرى لأهل الذنوب وهذه فيها بشرى لأهل الذنوب، فلو سمع المذنب أن النبي سيشفع لأهل الكبائر من أمته يدعوه ذلك ليحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، واتباعه ومعرفة سننه ومنهجه ودينه؛ فإذا تعلم هذا الأمر استقام وتأثر.
    المعنى الخامس: لسنا معصومين عن الخطأ هل نحن معصومون من الوقوع في الكبائر؟ الجواب: لا. فلا تسمع هذا الحديث وتحسب أنك بعيد عن هؤلاء، فبعض الناس جعل لنفسه قدسية، فحتى لو كان حافظا للقرآن والسنه وداعيا وساعيا في أعمال الخير، فنحن لسنا معصومين من الوقوع في الكبائر، والله يسترنا، وإذا نظرنا للكبائر نجد أن لها بابا كبيرا قد نقع فيها ونحن لا ندري، منها : كبائر آفات اللسان من غيبة ونميمة واستهزاء، وكبائر النظر، وكبائر السمع، وكبائر العقوق، وكبائر قطيعة الأرحام، فتحتاج أن نتوب منها، فلو مت وأنت لا تعلم فلعل الله -عز وجل- أن يجعل محمدا شفيعا لك يوم القيامة؛ فهي ليست مقتصرة على الذنوب الكبيرة المعروفة كالزنا وغيره، وإنما تتطرق الكبائر إلى أمور أخري كثيرة كما ذكرنا، فنسأل الله العفو والعافية، ونسأل الله أن يتوب علينا وصلى الله وسلم على محمد.

    اعداد: د. خالد سلطان السلطان

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,722

    افتراضي رد: خواطر الكلمة الطيبة

    خواطر الكلمة الطيبة

    – الموحد لا ينقطع رجاؤه في ربه


    الموحد لا ينقطع رجاؤه من الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن الموحد الحقيقي هو الذي يحسن الظن بربه، ويحقق معاني التوحيد في قلبه؛ فإن كان في مقام توحيد الربوبية، فإن الله هو الخالق والرازق والمحيي والمميت؛ فأنت تفرد الله بأفعاله، وإن كان في توحيد الألوهية، فإنك تعبد إلها واحدا لا شريك له، ولا يستحق أحد أن يُعبد مع الله -جل وعلا-، والله أغنى الشركاء عن الشرك، وإن كان الموحد يوحد الله في أسمائه وصفاته، فقد عرف أسماء ربه وصفاته فعظم أمر الله في قلبه.
    والذي يولد هذا الشعور، أن العبد لا ينقطع رجاؤه في الله -عزوجل- يعني يرجو الله -عز وجل- إلى آخر رمق وأخر نقطة ممكن للإنسان أن يصل إليها، ولا يدخل في قلبه اليأس ولا القنوط من رحمة الله -عزوجل-؛ فإن اليأس والقنوط من حال الكافرين؛ لأن من ينقطع رجاؤه، وييأس من رحمة الله هم القوم الكافرون، وأما أهل الإيمان فلا يأس ولا قنوط.
    قصص يعتبر منها الإنسان
    وهناك حالات في القرآن ذكرها الله قصصا ليعتبر منها الإنسان، ويرى قدرة الله -عزوجل-، وانظر إلى أثر التوحيد في ذلك، إبراهيم -عليه السلام- رجل ليس به أي عيب خلقي ويستطيع أن يرزق بأولاد بعد الله -عز وجل- ولكن زوجه عقيم، فسارة عندما كبرت في السن ورزق إبراهيم بإسماعيل من زوجة أخرى وهي هاجر، وتركهم في وادي غير ذي زرع ورجع إلى زوجته سارة بُشر بإسحاق من زوجته العقيم ومن وراء إسحاق يعقوب؛ فقالت زوجته متعجبه: أألد وأنا عجوز عقيم وهذا بعلي شيخا؟! فقالت لها الملائكة: أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت. وقد يكون الأمر عكس ذلك، فتكون المرأة صالحة ليس بها عيب، وإنما الرجل هو الذي يكون عقيما، فالمرأة صالحة لأن تكون مزرعة ينتج من ورائها بإذن الله، ومع ذلك الإنسان لا يقطع رجاءه في الله -تعالى- أن يكون له ذرية.
    زكريا -عليه السلام
    ولكن من أعجب الحالات حالة زكريا -عليه السلام-، هو عقيم وامرأته عجوز كبير ومع ذلك ما قطع رجاءه في الله -عزوجل-؛ فقال في القرآن: {ورَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} يعني أرض قاحله لا تصلح للزرع، ومع ذلك دعا ربه ولم ييأس ولم يقنط من رحمته؛ فقال الله -تعالى له-: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}.
    لا تقطع رجاءك في الله
    فلا ينقطع رجاؤك يا مؤمن في الله -عزوجل-؛ فمهما كان الأمر بعيدا، فهو عند الله قريب، ومهما كان صعبا، فهو عند الله يسير، ومهما كان احتمالية عدم وجوده، فالله -عز وجل- إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
    قصة واقعية
    وهذه قصة حدثت معي في حج 1443؛ حيث كان هناك رجل عقيم ليس لديه أي فرصة تمامًا للإنجاب، ومرت عليه سنوات طويلة قرابة 16 سنة، وزوجته صالحة للإنجاب يقول: في عرفة هذا العام استشعرت أن الله يدنو من الخلائق لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَهْبطُ اللَّهُ إلى السَّماءِ الدُّنيا عَشيَّةَ عَرفَةَ ثم يباهي بِكُمُ الملائِكَةَ، فيقولُ: هؤلاءِ عِبادي جاؤوني شُعثًا من كلِّ فَجٍّ عميقٍ، يَرجونَ رَحمتي ومَغفِرَتي، فلَو كانَت ذنوبُهُم كعَددِ الرَّملِ لغَفرتُها، أفيضوا عبادي مغفورًا لَكُم لمن شفعتُمْ فيه»، يقول: وتعرفت على إخوة صالحين وطلبت منهم أن يدعوا الله لي وأن يرزقني الذرية، وزوجتي فعلت كذلك. وبعد رجوعه بشهرين فإذا امرأته حامل، فقد ذهب للفحص فإذا بالنتائج تخرج أنه ليس به أي عيب، فقال له الطبيب: ما العلاج الذي أخذته؟ فقال: والله وجدت علاجا غريبا، فقال له: وما هو؟ فقال: يوم عرفة وقفت في صعيد عرفة وأنا بإحرامي ودعوت الله بيقين، وأشركت إخواني معي الصالحين، وزوجتي فعلت مثل ذلك فحقق الله -عزوجل- لي ما طلبت، ورزقت بولد والحمد لله رب العالمين.
    رجاؤك في الله كبير
    فدائما اجعل رجاءك في الله كبير، وهذا لا يتحقق إلا كنت من أهل التوحيد الخالص؛ لذلك حقّق التوحيد في قلبك وتعلم وتدبر أسماء الله -تعالى- وصفات الربوبية والألوهية فإن ذلك مما يحقق اليقين في قلبك، وطالع دائمًا كتب التوحيد وراجعها باستمرار، ويوجد منها مختصرات لمقام التوحيد ومعرفته، ومن ذلك كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكتب الشيخ ابن تيميه -رحمهم الله- ففيها بركه ومن فهمها فهما سليما، حقق الله مراد التوحيد في قلبه، فأسال الله أن يتقبل رجاءنا ودعاءنا وألا يخيب رجاؤنا فيه.
    حقيقة الرجاء
    الرجاء: هو الطمع في فضل الله ورحمته، والاستبشار بِجُود الرب -تبارك وتعالى- وفضله، والثقة والانشراح لمطالَعَة كرمه -سبحانه-، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة: 218)، وقد سُئِلَ أحمدُ بنُ عاصمٍ -رحمه الله-: ما علامة الرجاء في العبد؟ فقال: «أن يكون إذا أحاط به الإحسان، أُلْهِمَ الشكرَ راجيًا لتمام النعمة من الله عليه في الدنيا والآخرة، وتمام عفوه عنه في الآخرة»، وقيل: «علامة صحة الرجاء حسن الطاعة». وأنواع الرجاء ثلاثة، نوعان محمودان، ونوعٌ غرور مذموم، فالأولانِ: رجاءُ رجلٍ عَمِلَ بطاعة الله على نور من الله، فهو راجٍ لثوابه، ورجل أَذْنَبَ ذنوبًا ثم تاب منها، فهو راجٍ لمغفرة الله تعالى وعفوه، وإحسانه، وجوده، وحِلْمه، وكرمه، فهذان النوعان محمودان، والثالث: رجاء رجل متمادٍ في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور، والتمني، والرجاء الكاذب. وقد أجمع العلماء على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل، وأمَّا ترك العمل، والتمادي في الذنوب، اعتمادًا على رحمة الله، وحسن الظن به -عز وجل- فليس من الرجاء في شيء، بل هو جهل، وسَفَه، وغرور، فرحمة الله قريب من المحسنين لا من المفرطين، المعاندين، الْمُصِرِّينَ. ومن هنا ندرك الفرق بين الرجاء وبين التمني والغرور؛ إذ التمني يكون مع الكسل وترك العمل ولا يسلك صاحبه طريق الجِدّ والاجتهاد، وأما ا لرجاء فيكون مع العمل والطاعة، وبذل الجهد وحسن التوكل، قال -تعالى-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(الكهف: 110). وأما الغرور فهو تمنٍّ مع انخرام أسبابه والعمل بالضد، قال يحيى بن معاذ: «مِنْ أعظمِ الاغترارِ عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقُّع القُرْب من الله -تعالى- بغير طاعة»، ويصدق على ذلك قول الشاعر:
    تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا
    إِنَّ السَّفِينَةَ لَا تَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ


    اعداد: د. خالد سلطان السلطان
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,722

    افتراضي رد: خواطر الكلمة الطيبة

    خواطر الكلمة الطيبة – خطـورة الكـبر


    محمد الشرقاوي
    أتحدث اليوم عن داء عظيم، وهذا الداء من ابتلي به فقد أصابه مرض عضال، ومرض يحتاج إلى العلاج النبوي، وهذا الداء نهى الله عنه، ونهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو: (داء الكبر) وقد أصيب كثير من المسلمين بهذا الداء وانتشر عندهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ». أي: محق الحق، واستحقار الناس.
    خطورة الكبر
    الكبر قد يكون من المسؤول، فالمدير قد يتكبر على الموظفين وينسى العلاقة الأخوية بين المسلمين، والكبر قد يكون «بسبب كثرة العلم»، فيتكبر العالم على العامة بسبب كثرة علمه، ومن الكبر أيضًا الكبر بسبب النسب أو «الجنسية» فيتفاخر المرء بجنسيته أو بنسبه، وينظر للناس ويقيمهم بهذا المنظور ويتكبر عليهم، ومنهم من يتكبر على الناس «بالمال» فينظر إلى نفسه ويقول: أنا غني وهذا فقير، وهذا كله من الكبر الذي قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وذمه حتى ولو كان صغيرا فقال:» لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»
    الجزاء من جنس العمل
    وذكر أيضًا - صلى الله عليه وسلم - أن الجزاء من جنس العمل، فمن يتكبر ويتسلط على الناس في الدنيا، يجازيه الله بعقوبة مثلها في النار، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:» يُحشَرُ المتكبِّرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ، يغشاهم الذُّلُّ من كلِّ مكانٍ، يُساقون إلى سجنٍ في جهنَّمَ يُقالُ له: بُولَسُ، تعلُوهم نارُ الأنيارِ، يُسقَوْن من عُصارةِ أهلِ النَّارِ طِينةَ الخَبالِ». والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول أيضا:» بينما رجل يمشي؛ إذ أعجبته حلته، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة»، فهو كما تكبر بثيابه على الناس فيهبطه الله ويخسف به في الأرض إلى يوم القيامة.
    التكبر بالنسب
    وأما الذي يتكبر بالنسب، فقد روى أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: انتسب رجلان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: «أنا فلان بن فلان، فمن أنت لا أم لك؟»، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «انتسب رجلان على عهد موسى -عليه السلام-، فقال أحدهما: «أنا فلان بن فلان -حتى عد تسعة-، فمن أنت لا أم لك؟»، قال: «أنا فلان بن فلان بن الإسلام»، فأوحى الله إلى موسى -عليه السلام- أن هذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة» رواه الإمام أحمد.
    نسب الإسلام هو الذي يدخلك الجنة
    فنسب الإسلام هو الذي يدخلك الجنة، أما النسب العادي لا يدخل الجنة، بدليل أن أبا طالب -عم النبي صلى الله عليه وسلم صاحب أشرف الأنساب- في ضحضاح النار، وبلال بن رباح الحبشي كان عبدا، ومع ذلك سمع النبي خشخشة نعليه في الجنة، فالنسب لا يقدم ولا يؤخر أبدا، فهذا الحديث يبين لك أن معيار التفاضل عند الله هو «الإسلام» وليس الأنساب قال -تعالى-:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم}؛ فميزان التفاضل هو التقوى، فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى.
    تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبر
    وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبر؛ فرأى رجلا يعير أخاه بالعبودية؛ فقال له: إنك امرئ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم،».
    حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على التواضع
    وكان - صلى الله عليه وسلم - يحرص على التواضع ويأمر به ويقول» من تواضع لله رفعه» وكان - صلى الله عليه وسلم - هو سيد المتواضعين، يقول أحد الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:» أنه كان يمشي مع المرأة الخرقاء فيقضي حاجتها»، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكل كما يأكل العبد، ويجلس كما يجلس العبد، وكان يقول: «إنما أنا بشر مثلكم»، وكان حريصا على ألا يميز نفسه أمام أصحابه، فكان يدخل الأعرابي ويسأل أيكم محمد؟ وهذا فيه دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يميز نفسه عن صحابته، فكان متواضعا.
    تحريم الكِبْر والإِعجاب
    قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: ينبغي للمؤمن أن يحذر أن يعجب بعمله، أو نفسه، أو أن يتكبر على إخوانه، يجب الحذر من ذلك؛ فإن الإنسان محلُّ الخطر، فينبغي له أن يُحاسب نفسه، وأن يُجاهدها حتى لا يقع في قلبه التَّكبر على إخوانه والعجب بنفسه فيهلك، ولهذا حذَّر الله من ذلك وقال في قصة لقمان: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18)، وقال -في قصة قارون-: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} (القصص:76) يعني: فرح الكبر، فرح الخيلاء والتَّكبر. فالواجب على المؤمن الحذر، وأن يكون على بينةٍ وبصيرةٍ في أمره؛ لأنه ضعيف، ما الذي يدعوه إلى التّكبر والإنسان ضعيف؟ خلقه الله من ضعفٍ، وهو على ضعفٍ، فكيف يتكبر على إخوانه؟ وكيف يستنقصهم؟ وكيف يُعجب بنفسه؟ فالواجب عليه أن يحذر ذلك. قال رجل: يا رسول الله، الرجل يُحب أن يكون ثوبُه حسنًا، ونعله حسنةً، أفذاك من الكبر؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ الله جميلٌ يُحبُّ الجمال، الكِبْر: بطر الحق، وغَمْط الناس، ومعنى بطر الحق: ردّ الحق، وغمط الناس: احتقارهم، هذا هو الكبر، ردّ الحق؛ لأنَّه خالف هواه، واحتقار الناس؛ لأنَّهم ما أتوا على شاكلته وهواه، فيحتقرهم، فالكبر: بطر الحق، وغمط الناس، يعني: احتقار الناس، فينبغي للمؤمن أن يكون بعيدًا عن ذلك، وأن يحذر التّكبر والعجب وجميع ما نهى الله عنه، كذلك حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: يقول - صلى الله عليه وسلم -: لا يدخل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ حبَّة خردلٍ من كبر، وهذا وعيدٌ شديدٌ، ويجب الحذر، فالواجب على المؤمن أن يُجاهد نفسه في التَّواضع وعدم التَّكبر وعدم العُجب؛ لأن العبد على خطرٍ، وقد تغرُّه نفسه، وقد تغرُّه دنياه، وقد تغرُّه وظيفته، فليحذر.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,722

    افتراضي رد: خواطر الكلمة الطيبة

    خواطر الكلمة الطيبة

    – حسن الظن بالله


    بالابتلاء يتعاهد الإنسان نفسه ويزكيها ويصلح ما انفرط من عهودها مع الله فيرجع لمولاه فيتبرأ من حوله وقوته ليلوذ بحول الله وقوته
    المؤمن يتلقى أمر اللّه برضا واستسلام لأنه ما ركن للحياة الدنيا ولا أخلد فيها ولأنه يعلم أنها جسر العبور ومزرعة لحياة أخرى
    الابتلاءات تضبط بوصلة الإنسان وتصحح مساره فيعود لله ذليلاً خاضعاً راجياً التوبة والقبول
    أبدا أولا بالابتهال إلى الله -تعالى- أن يرفع عن أمة الإسلام والمسلمين كل مصيبة وبلاء، وأن يلهم الصبر والسلوان كل من أصيب بهذه المصائب التي قدرها الله -عز وجل- على أمتنا في ليبيا والمغرب ومصر وغيرها من البلدان الأخرى، وأن يثيبهم أجرا عظيما، ويجعل ذلك في ميزان حسناتهم. وأريد أن أقف وقفة سريعة على هذه الأحداث:
    الوقفة الأولى
    يجب أن نعلم أن الملك لله، والله يفعل بملكه ما يشاء {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، فلا يحق لأحد أن يعترض على أقدار الله -عز وجل- في ملكه؛ فالله -عز وجل- يعطي من يشاء، ويؤمِّن من يشاء، ويخوف من يشاء، ويغني من يشاء، ويفقر من يشاء، ويصح من يشاء، ويمرض من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، فهذا كله بيد الله -عز وجل-، وكل أقواله وأفعاله لحكمة، فهو الحكيم الخبير.
    الوقفة الثانية
    لا تسئ الظن بالله -عز وجل-؛ فالله -سبحانه- له حكمة في كل أموره، فبعض الناس قد يقول: لماذا يقدر الله هذه الأقدار على الناس وهي دول عربية ومسلمة، ومع أنها أمة محمد - صلى الله عليه وسلم ؟ ومع ذلك لا يحق لنا أن نسأل هذا السؤال؛ فالله يَسأل ولا يُسأل، قال -تعالى-: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، وهذا السؤال قد يجر الإنسان إلى أن يسيء الظن بالله -عز وجل-، والله قال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}. في صحيح البخاري ومسلم «دخل جماعة على عمران بن حصين، وكان مريضا قد نزل به من المرض ما نزل، فابتأسوا لحاله، وأظهروا هذا الأمر بالأقوال والأفعال، وهو صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لهم: لا تحزنوا؛ فإن الله -تعالى- قال: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى:30) وهذا فيه أمران: 1- الأول: إحسان الظن بالله؛ لأنه عفا عن كثير. 2- الثاني: إساءة الظن بالنفس؛ لأنها السبب في المصائب والابتلاءات. وهل قال الله لنبيه: إنه لا يصيب بالابتلاءات والمصائب من كان موحدا؟ كلا؛ فالله لم يقل ذلك، بل قال في آية تدل على أن المصائب سنة ماضية في الخلق، فقال: (وَلَنَبْلُونكم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة157).
    سنة ماضية في الخلق
    فالله بين أنها سنة ماضية في الخلق، وأنه -سبحانه- عفا عن أشياء كثيرة، تصدر مني ومنك ومن الناس ومن الأمة أجمع، وأن الله أخبر أنه لو أراد أن يحاسب كل إنسان فردا ومجموعة أو أمة على كل ما فعلوه أنظر إلى النتيجة قال -تعالى-: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} (45البقرة)، ولكن الله يعفو ويتجاوز ويرحم، بل جاء قوم لعلي بن أبي طالب فقال لهم: «ألا أخبركم بحديث على كل مسلم مؤمن أن يحفظه، إن الله إذا عاقب في الدنيا عقوبة عفا عنها في الآخرة، ومن لم يأخذه في الدنيا فإن الله يغفرها بمغفرته ورحمته يوم القيامة».
    لا تحكم على الأحداث
    فلا تحكم على ما حدث أنه عقوبة؛ فربما كان ابتلاء، وأحسن الظن بربك وأسئ الظن بنفسك، ولا تفرح بوقوع مصيبة، وإذا أردت أن تتكلم فتكلم عن شكر نعم الله الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، فنحذر من المعاصي والآثام والخطأ الذي يقع فيه الناس، ولكن لا نتشفى ولا نضحك ولا نرقص على مصائب الناس؛ فهو خلاف ما جرت عليه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يحزن للمصائب التي تقع على الأفراد، كما كان يحزن على ما يقع للأمة، وهذا ما يجب على كل مسلم معتدل في مشاعره وإيمانه وعلمه، ليقوده ذلك إلى كيفية التعامل مع الأحداث.
    موقف المؤمن من الابتلاءات
    يتميز المسلم عن غيره في الابتلاء من خلال ردة فعله وسلوكه؛ فالمؤمن يتلقى أمر اللّه برضا واستسلام؛ لأنه ابتداء ما ركن للحياة الدنيا ولا أخلد فيها، ولأنه يعلم أنها جسر العبور ومزرعة لحياة أخرى؛ ولهذا فإن المسلم ينظر للابتلاء نظرة يستقي منها ويُربي نفسه على أبعاد الابتلاء وقيمه التربوية، ومن هذه الأبعاد والقيم: أولاً: تحقيق العبودية لله
    فالإنسان في كل حالاته ومقاماته لا يتعدى كونه عبداً لله؛ لقوله -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)؛ فلا يزال يتنقل في عبوديته بين الشكر في السراء والصبر في الضراء، لا تفتنه الحياة بمباهجها، ولا تجزعه بمصائبها، ولا يخرج بذلك عن مقام العبودية لله. ثانياً: التوبة والأوبة لله
    يقول -جل شأنه-: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (الحديد:16)، فالابتلاءات تضبط بوصلة الإنسان وتصحح مساره، فيعود لله ذليلاً خاضعاً راجياً التوبة والقبول، والإنسان أقرب ما يكون لمولاه إنما في شدته ومصابه، وكأن الشدائد لها قرع يحيي موات القلوب ويستلها من غفلتها، فتعود عن ضلالها وغيها لرحاب الله كعودة العبد الآبق بين يدي سيده نادماً خاضعاً، يرجو العفو والمغفرة والقبول. ثالثاً: الإخلاص وتزكية النفس
    وهذا مدار سعي الإنسان في حياته: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس:7-10) فبالابتلاء يتعاهد الإنسان نفسه ويزكيها ويصلح ما انفرط من عهودها مع الله؛ فيرجع لمولاه، ويتبرأ من حوله وقوته ليلوذ بحول الله وقوته. رابعًا: التضرع والدعاء لله
    {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} (الأنعام:42)، وقد قيل في تفسير هذه الآية: «البأساء: الفقر والمصائب في الأموال، والضراء: المرض والمصائب في الأبدان، لعلهم يدعون الله بضراعة وهي التذلل» (زبدة التفسير). خامسًا: تكفير الذنوب والخطايا
    لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مصيبة يصاب بها المسلم إلا كفر بها عنه، حتى الشوكة يشاكها» (رواه مسلم). سادسًا: الثواب العظيم الذي يرجوه المؤمن من ربه
    والمؤمن يرجو من ربه الثواب العظيم فيما أصابه من مصائب وشدائد؛ لقوله -تعالى-: {وَلَنَبْلُونكم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:155-157).

    اعداد: د. خالد سلطان السلطان

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,722

    افتراضي رد: خواطر الكلمة الطيبة

    خواطر الكلمة الطيبة

    – كتاب التلخيص المصور لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم


    في سنة 1959 انتهي الشيخ الألباني -رحمة الله عليه- من البحث الأول في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان في دمشق، والطبعات التي درسنا فيها صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنة 1980 كانت هي الطبعات المتأخرة، ولعل أكثر من درس صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - درسها على الطبعة الأخيرة.
    والشيخ ناصر -رحمه الله- في سنة 1983 جعل لهذا الكتاب الذي يقع في ثلاثمائة وعشرين صفحة -والذي يعد المتن في بيان صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سماها (صفة صلاة النبي من التكبير إلى التسليم كأنك تراه)- جعل له مختصرا في 32 صفحة على هيئة نقاط. وفي الحقيقة من تأمل الكتاب الأصل مع المختصر، يجده -سبحان الله- إبداع يوجز العبارة حتى تصل إلى القارئ بسهولة وكأنك تراها، وفي سنة 2006 رأينا الكتاب الأصل في ثلاث مجلدات، في بعضها إسهاب وتفصيل بالأسانيد والنقد الحديثي والفقهي، إلى أن وصل إلى ثلاث مجلدات، وكنت أراجع الشيخ مشهور حسن -وهو من خيرة تلاميذ الشيخ الألباني- في بعض أشياء في الصفة بعد الفجر، وكان يرد علي مباشرة، حتى أحالني إلى رسالة صغيرة، وقال:» هذا حق الأخ محمود، أخذ مختصر الصفة وصورها تصويرا ( كيف تقف؟ كيف تضع يدك في الصلاة؟ كيف تركع؟ كيف تسجد؟....ألخ).
    طباعة الكتاب
    فبعد ذلك استحسنت أن نطبع هذا الكتاب واستأذنت الشيخ محمود فأجازني بإذن خطي لجمعية إحياء التراث أن تطبع هذا الكتاب، وبالفعل طبعناه على شروط الكتاب دون زيادة ولا نقص في متن الكتاب، وفعلا تقيدنا بذلك إلا أنا وضعنا كلمة للشيخ طارق العيسى يوم طلبنا منه، إلا أنه قال لي اكتبه أنت، فكتبت نيابة عن الكلمة الطيبة لتخريج هذ الكتاب، ووضعت أشعارا في الثناء والمدح للشيخ الألباني كانت لأخينا خالد الخراز، ووضعنا في الأخير الإنجازات التي قامت بها الكلمة الطيبة، ومنها الاهتمام بالكتاب، ووزعناه.
    الإقبال الكبير والثناء العظيم
    والعجيب أننا رأينا الإقبال الكبير والثناء العظيم على هذه الرسالة من الناس، ولا سيما أن فيها وضع الصور بالكيفية التي كان يصليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالحمد لله فهذه وإن كانت رساله صغيرة إلا أنه جاء من ورائها خير عظيم بفضل الله؛ فالناس بحاجة إلى أن تعلمهم أقل الأشياء، وتتكلم معهم في المسائل العضال وقضايا الأصول والتخريج والأسانيد تصحيحا وتضعيفا، فترى أن معظم الناس محتاج أن تبدأ معهم من الصفر، وترى أن أقل المسائل لا يعلمها كثير من الناس. وأنا أقول الحمد لله؛ أن وفقت جمعية إحياء التراث الإسلامي في مثل هذه الرسالة التي وصلت إلى كثير من الناس، وإن كانت 10.000 نسخة التي طبعت ما تكفي الفترة القادمة، ويحتمل أن نعيد طباعتها، واستأذنت المؤلف بأن نكبر الكتاب لكبار السن وأصحاب النظر الضعيف حتى يروا الصورة جيدة، ولكي يطبقوا التطبيق الصحيح لصفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن صلى الصلاة وتابع فيها محمدا - صلى الله عليه وسلم - فليعلم أنها الصلاة الكاملة المقبولة عند الله؛ لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا له، وكان موافقا لرسول الله، ونسأل الله أن نكون مفاتيح خير، مغاليق للشر لأنفسنا ولأمتنا وصلى الله على نبينا محمد.

    اعداد: د. خالد سلطان السلطان
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •