تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 25 من 25

الموضوع: الكبائر

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,098

    افتراضي رد: الكبائر

    الكبائر (21)

    لبس الحرير والذهب للرجال

    (موعظة الأسبوع)

    كتبه/ سعيد محمود

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    المقدمة:

    - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

    - ومن الكبائر المهلكة (لبس الحرير والذهب للرجال): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن لبسَ الحريرَ في الدُّنيا، لم يلبَسهُ في الآخِرةِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (*حُرِّمَ *لِبَاسُ *الحَرِيرِ *وَالذَّهَبِ *عَلَى *ذُكُورِ *أُمَّتِي *وَأُحِلَّ *لِإِنَاثِهِمْ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    (1) أدلة تحريم الحرير والذهب على الرجال:

    - عن حذيفة -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: "نَهَانَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا *وَعَنْ *لُبْسِ *الْحَرِيرِ *وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ" (متفق عليه)، قال الحافظ الذهبي في كتاب الكبائر: "مَن استحل لبس الحرير من الرجال فهو كافر".

    - ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في يد رجل خاتمًا مِن ذهب فنزعه، وقال: (يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلى جَمْرَةٍ مِن نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ) (رواه مسلم).

    - صور من الاستعمال المحرم: (الخواتم والحلق - الساعات - الأنسيال - القلائد - ...).

    (2) حكمة تحريم الحرير والذهب على الرجال:

    - بداية المسلم مستسلم لأمر ربه ونهيه؛ سواء ظهرت له الحكمة أو لم تظهر(1): (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (النور: 51)، وقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب: 36).

    - أما حكمه التحريم، فأقرب الأقوال في ذلك: "بِأَنَّهُ خُلِقَ فِي الْأَصْلِ لِلنِّسَاءِ كَالْحِلْيَةِ بِالذَّهَبِ، فَحَرُمَ عَلَى الرِّجَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَفْسَدَةِ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَرُمَ لِمَا يُورِثُهُ مِنَ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْعُجْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَرُمَ لِمَا يُورِثُهُ بِمُلَامَسَتِهِ لِلْبَدَنِ مِنَ الْأُنُوثَةِ وَالتَّخَنُّثِ، وَضِدُّ الشَّهَامَةِ وَالرُّجُولَةِ) (زاد المعاد).

    فوائد في مسائل:

    - من عظيم محاسن الشريعة، أنها جعلت تيسيرًا في الأحكام عند الأعذار: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، (مَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة: 137).

    - يجوز استعمال الذهب بديلًا عن السن والأنف إذا دعت الضرورة: عن عبد الرحمن بن طرفة أنَّ جده عرفجةَ بنَ أسعدَ، "أنَّه قُطِع أنفُه يومَ الكلابِ فاتَّخذ أنفًا من ورِقٍ، فأنتن عليه، فأمره النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فاتَّخذ أنفًا من ذهبٍ" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

    - كذا يجوز لبس الفضة للرجال بشرط عدم الإسراف أو التشبه بالنساء: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "اتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا من فضة، وجعل فصه مما يلي كفه، ونقش فيه: محمد رسول الله" (رواه البخاري)، وقال -تعالى-: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) (الأعراف: 32)، ولم يرد شيء بتحريم الفضة على الرجال.

    - ويجوز لبس الحرير للمريض بالحكة ونحوه، وعند لقاء العدو: عن أنس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: "رَخَّصَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَوْ رُخِّصَ لِلزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ في لُبْسِ الحَرِيرِ لِحِكَّةٍ كَانَتْ بهِمَا" (متفق عليه).

    - يحرم تزين الصبيان بالذهب؛ لأنهم داخلون في ذكور الأمة، ولضرره عليهم في التعود على لبسه.

    - يجوز لبس ما يسمى بالحرير الصناعي؛ لأنه ليس حريرًا، والأورع تركه؛ لما فيه من التشابه الشديد بالحرير: قال -صلى الله عليه وسلم-: (فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه) (متفق عليه).

    (3) خاتمة: الذهب والحرير زينة أهل الجنة:

    - مَن أطاع الله في الدنيا بامتثال أوامره، عوَّضه الله في الجنة من جنس عمله، مع الفارق بين الدارين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (*مَنْ *لَبِسَ *الْحَرِيرَ *فِي *الدُّنْيَا *لَمْ *يَلْبَسْهُ *فِي *الْآخِرَةِ) (متفق عليه).

    - لما امتنعوا عن المحرمات في الدنيا، جعل الله لهم في الجنة من جنسها أفضلها وأعظمها: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا . أُولَ?ئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف: 30-31)، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (الحج: 23)، وقال -تعالى-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَ?لِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (فاطر: 32-33)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ) (الدخان: 51-53)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الجنة: (آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ...) (متفق عليه)، وعن انس -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- قال: أُهْدِيَ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- جُبَّةُ سُنْدُسٍ -الرقيق من الحرير-، وكانَ يَنْهَى عَنِ الحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ منها، فَقالَ: (والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ في الجَنَّةِ أحْسَنُ مِن هَذَا) (متفق عليه).

    - شبهة: كيف حرمه الله على الرجال في الدنيا، ثم يحله لهم في الآخرة؟

    - الجواب: ليس هناك تلازم بين المحرمات في الدنيا وإباحتها في الآخرة، ولا الواجبات في الدنيا على عدم وجوبها في الآخرة، فلا تقاس أحكام الدنيا على الآخرة، قال -تعالى-: (*مَثَلُ *الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) (محمد: 15)، وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

    فاللهم إنا نسألك الجنة وما يقرِّب منها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما يقرب منها من قول وعمل.

    والحمد لله رب العالمين.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ

    (1) عموم العبادات لا تظهر لها حكمة ظاهرة، وإنما هي من باب الامتثال والطاعة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، مثل: (عدد الركعات في الصلاة - الوضوء - إلخ).





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,098

    افتراضي رد: الكبائر

    الكبائر (22)

    اليأس والقنوط

    (موعظة الأسبوع)



    كتبه/ سعيد محمود
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    المقدمة:
    - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).
    - اليأس من كبائر الأعمال، والمنكرات الجسام، وقبيح الخصال، وقد وَرَد في حقِّه شديد العقاب والوبال: قال -تعالى-: (وَلَا تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن رجلًا قال يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله) (رواه البزار في مسنده، وحسنه الألباني).
    - المقصود باليأس والقنوط: اليأس هو شعور يصيب الإنسان كدليل على فقدان الأمل في تحقيق أمر ما، وقد يؤدي اليأس اٍلى تحريك مشاعر وعواطف أخرى، مثل: الاكتئاب والإحباط، والقنوط هو أشد اليأس.
    (1) صور لليأس والقنوط:
    - اليأس والقنوط من مغفرة الله الذنوب: قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
    - اليأس والقنوط من زوال الشدائد وتفريج الكروب: قال -تعالى-: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
    - اليأس والقنوط من توبة الفاسقين، وتبدل الحال للأفضل، بما يكون فيه منعٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال -تعالى-: (وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُون) (الأعراف: 164).
    - القنوط من نصر الدِّين، والتمكين للمؤمنين: عن خباب بن الأرت قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: (قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ *بِالْمِنْشَارِ *فَيُوضَعُ *عَلَى *رَأْسِهِ *فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).
    (2) ذم اليأس والقنوط:
    - أطلق الغفور الرحيم -سبحانه- الدعوة لجميع العُصاة من الكفرَة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، ونهاهم عن اليأس والقنوط، وأخبر بأنه -تعالى- يغفر الذنوب جميعًا لمَن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
    - وعاب -سبحانه وتعالى- على الجاهلين بحكمته وقدرته، بحيث يفرحون بالنعم، وييأسون ويقنطون من زوال المحن والشدائد إذا أصابتهم: قال -تعالى-: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) (الروم: 36)، وقال -تعالى-: (إِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) (الإسراء: 83).
    - ووصف -سبحانه- اليائسين القانطين المستبعدين للفرج بوصف الكافرين: قال -تعالى-: (*وَلَا *تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
    - وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عظيم رحمة الله للمؤمن والكافر إذا لم ييأس ويقنط: قال: (*إِنَّ *اللهَ *خَلَقَ *الرَّحْمَةَ *يَوْمَ *خَلَقَهَا *مِائَةَ *رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الْجَنَّةِ) (رواه البخاري).
    - وحذَّر النبي المسلم من اليأس والقنوط من تغيُّر الأحوال، وحرض على مواصلة الدعاء والسؤال والسعي في الأسباب: قال: (لَا *يَزَالُ *يُسْتَجَابُ *لِلْعَبْدِ *مَا *لَمْ *يَدْعُ *بِإِثْمٍ، *أَوْ *قَطِيعَةِ *رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الِاسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ: (يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) (متفق عليه).
    (3) أعظم أسباب اليأس والقنوط:
    - الجهل بالله وصفاته وعظيم رحمته(1): قال -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ: إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ: لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِ ي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ: إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
    وقال -تعالى-: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر: 56)، وقال -تعالى-: (*وَلَا *تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
    - العجلة وعدم التأني: قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا *يَزَالُ *يُسْتَجَابُ *لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ: (يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) (متفق عليه).
    (4) علاج اليأس والقنوط:
    1- حسن الظن بالله والتعبد له بأسمائه وصفاته: قال -تعالى-: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87)، وقال -تعالى-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 156)، وقال -تعالى-: (*سَيَجْعَلُ *اللَّهُ *بَعْدَ *عُسْرٍ *يُسْرًا) (الطلاق: 7)، وقال: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح: 5-6).
    2- معرفة حقيقة الدنيا والزهد فيها: فيعلم المؤمن أن هذه هي الدنيا، فما فيها مِن لذة إلا مكدرة، وأنها لا تصفو لأحدٍ، وأنه لن يستريح إلا في جنة الله في الآخرة، قال -تعالى- عن أهل الجنة ساعة دخولها: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ . الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (فاطر: 34-35)؛ ولذا لما سُئِل الإمام أحمد: "متى الراحة؟ قال: عندما تضع أول قدميك في الجنة" (المقصد الأرشد).
    3- الإكثار من الدعاء، فالله هو القادر على رفع البلاء: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا *أَذْهَبَ *اللهُ *هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا)، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: (بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
    4- الإكثار من الذكر والصلاة: قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة: 45)، وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا *حَزَبَهُ *أَمْرٌ، صَلَّى" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
    خاتمة:
    - مهما عظم المصاب فلا تيأس: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) (الحجر: 56) (1).
    - يعقوب -عليه السلام- بعد طول السنين ينتظر الروح والفرج، ويبعث أولاده بالأمل في الله: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ *مِنْ *رَوْحِ *اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: 87).
    - النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في الغار والكفار بأسلحتهم فوق رأسيهما: (يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا) (متفق عليه)، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة: 40).
    اللهم اشرح صدورنا، وفرِّج كروبنا، ويسِّر عسرنا.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
    (1) فمَن عَلِم أن الله هو الرزاق لم ييأس إذا أصابه الفقر، ومَن علم أن الله هو الشافي لم ييأس إذا أصابه المرض، ومَن علم أن الله هو القوي القهار لم ييأس إذا قهره ظالم، وهكذا في سائر الأقدار والأحوال.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,098

    افتراضي رد: الكبائر

    الكبائر (23)

    الغيبة

    (موعظة الأسبوع)



    كتبه/ سعيد محمود
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    المقدمة:
    - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).
    - الغيبة من الكبائر الخطيرة، والمنكرات المفسدة، والأخلاقيات القبيحة؛ لما لها من أثر عظيم في الإفساد بين الناس، وقد جاء الدليل على كونها من الكبائر: قال -تعالى-: (وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: 12).
    - الإشارة إلى أن الغيبة من أكثر الذنوب انتشارًا بين الناس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ *مَا *الْغِيبَةُ؟)، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ)، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) (رواه مسلم).
    - تفسيرات العلماء لمعنى الغيبة من خلال حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال ابن التين -رحمه الله-: "الغِيبة ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب" (فتح الباري لابن حجر).
    وعرَّفها الجوهري بقوله: "أنْ يتكلَّم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه، فإن كان صدقًا سُمِّيَ غِيبَةً، وإن كان كذبًا سمِّي بُهتانًا" (الصحاح في اللغة)، وقال المناوي -رحمه الله-: "هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظٍ، أو إشارةٍ، أو محاكاةٍ" (فيض القدير).
    - الفرق بين الغِيبة والنَّمِيمَة: الغيبةُ: ذكر الإنسان بما يكره لما فيها من مفسدة الأعراض. والنَّمِيمَة: أن ينقل إليه عن غيره أنه يتعرَّض لأذاه؛ لما فيها من مفسدة إلقاء البغضاء بين الناس. وسيأتي التفصيل في حديث منفرد عن النميمة.
    (1) ذم الغِيبة والنهي عنها:
    - الغيبة من الذنوب التي نَفَّر القرآن منها بما تستقذره نفوس الناس جميعًا: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: 12).
    قال الشوكاني -رحمه الله-: "فهذا نهي قرآني عن الغِيبة، مع إيراد مثل لذلك، يزيده شدَّةً وتغليظًا، ويوقع في النفوس من الكراهة والاستقذار لما فيه ما لا يقادر قدره، فإنَّ أكل لحم الإنسان من أعظم ما يستقذره بنو آدم جبلةً وطبعًا، ولو كان كافرًا أو عدوًّا مكافحًا؛ فكيف إذا كان أخًا في النسب، أو في الدين؟! فإنَّ الكراهة تتضاعف بذلك، ويزداد الاستقذار؛ فكيف إذا كان ميِّتًا؟! فإن لحم ما يستطاب ويحل أكله يصير مستقذرًا بالموت، لا يشتهيه الطبع، ولا تقبله النفس، وبهذا يعرف ما في هذه الآية من المبالغة في تحريم الغِيبة، بعد النهي الصريح عن ذلك" (الفتح الرباني).
    - وعَظَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- من شأن الأعراض، والتي تنتهكها الغيبة وتعتدى عليها: فعن أبي بكرة -رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم النحر بمنى: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، *كَحُرْمَةِ *يَوْمِكُمْ *هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (*إِنَّ *مِنْ *أَرْبَى *الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ *فِي *عِرْضِ *الْمُسْلِمِ *بِغَيْرِ *حَقٍّ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
    - وحَذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من المفهوم الخاطئ عند كثيرٍ من الناس لمعنى الغيبة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ *مَا *الْغِيبَةُ؟)، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ)، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) (رواه مسلم)(1).
    - وحَذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يتساهل فيه أكثر الناس من الغيبة: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت للنَّبي -صلى الله عليه وسلم-: *حَسْبُكَ *مِنْ *صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا -تَعْنِي قَصِيرَةً-، فَقَالَ: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ). قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا، فَقَالَ: (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
    قال النووي -رحمه الله-: "هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغِيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ؛ فإذا كانت هذه الكلمة بهذه المثابة، في مزج البحر، الذي هو من أعظم المخلوقات؛ فما بالك بغيبة أقوى منها؟!" (فيض القدير).
    (2) عقوبة المغتاب في الدنيا والآخرة:
    - يتتبع الله عورة المغتاب ويفضحه ولو في جوف بيته: عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا *مَعْشَرَ *مَنْ *آمَنَ *بِلِسَانِهِ، *وَلَمْ *يَدْخُلِ *الْإِيمَانُ *قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
    - المغتاب يعطي حسناته لمَن اغتابه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ مَا *الْمُفْلِسُ؟)، قَالُوا: *الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: (إِنَّ *الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) (رواه مسلم).
    قال الغزالي: "الغِيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعات، ومَثَل مَن يغتاب كمَن ينصب منجنيقًا، فهو يرمي به حسناته شرقًا وغربًا، ويمينًا، وشمالًا!". وقال ابن المبارك: "لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديَّ؛ لأنَّهما أحق بحسناتي" (شرح صحيح البخاري لابن بطال)، وعن الحسن البصري أنَّ رجلًا قال له: "إنك تغتابني، فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أُحكمك في حسناتي" (الأذكار النووية).
    - المغتابون في الآخرة يعذَّبون بتعذيب أنفسهم: عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
    خاتمة: كفارة الغيبة:
    - الغيبة من الكبائر، وكفارتها التوبة والندم، والاعتذار لمَن حدثت في حقه الغيبة إن كانت الغيبة قد بلغت الرجل: قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ومَن ظلم إنسانًا فقذفه أو اغتابه أو شتمه ثم تاب قبِل الله توبته، لكن إن عرف المظلومُ مكَّنه مِن أخذ حقه، وإن قذفه أو اغتابه ولم يبلغه ففيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد، أصحهما: أنه لا يعلمه أني اغتبتك. وقد قيل: بل يحسن إليه في غيبته كما أساء إليه في غيبته، كما قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته".
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ــــــــ
    (1) بَيَّن العلماء مفهوم الحديث، وأنه مشتمل على كلِّ ما يستعمل في عيب أخيه الغائب: (قال الغزالي: اعلم أن الذكر باللسان إنما حُرِّم؛ لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك، وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه: كالقول والإشارة، والإيماء والغمز، والهمز، والكتابة، والحركة، وكل ما يفهم المقصود؛ فهو داخل في الغيبة وهو حرام" (إحياء علوم الدين).
    ما لا يُعد من الغيبة: قال النووي -رحمه الله-: "اعلم أنَّ الغِيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أبواب:
    الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما مما له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان كذا.
    الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد المعاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه.
    الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا.
    الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم.
    الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر، وأخذ المكس، وغيره.
    السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب الأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيره؛ جاز تعريفه بذلك.
    وجمعها الأمير الصنعاني في بيتين:
    الـذَّمُّ لـيس بغـِـيـبةٍ فـي سِـتَّـةٍ مـُتَـظَـلِّمٍ ومُـعَرِّفٍ ومُــحَــذِّرِ

    ولمُظْهِرٍ فِسْقًا ومُسْتَفْتٍ ومَنْ طَلَبَ الإعانة في إزالة مُنْكَرِ

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,098

    افتراضي رد: الكبائر

    الكبائر (24)

    النميمة

    (موعظة الأسبوع)




    كتبه/ سعيد محمود
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    المقدمة:
    - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).
    - النميمة من الكبائر الخطيرة، والمنكرات المفسدة، والأخلاقيات القبيحة؛ لما لها من أثر عظيم في الإفساد بين الناس، وقد جاء الدليل على كونها من الكبائر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (*لَا *يَدْخُلُ *الْجَنَّةَ *نَمَّامٌ) (متفق عليه)، وفي رواية: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ *قَتَّاتٌ) (متفق عليه).
    - النَّمِيمَة هي: نَقْلُ الحديث من قومٍ إلى قوم على جهة الإفْسادِ والشَّرِّ. وقيل هي: التحريش بين النَّاس والسعي بينهم بالإفساد.
    - الفرق بين الغيبة والنَّمِيمَة؟: قال ابن حجر -رحمه الله-: "النَّمِيمَة نقل حال شخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه؛ سواء كان بعلمه أم بغير علمه. والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه، فامتازت النَّمِيمَة بقصد الإفساد، ولا يشترط ذلك في الغيبة. وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه، واشتركتا فيما عدا ذلك".
    (1) ذم النَّمِيمَة والترهيب منها:
    - النمام يمشي بين الناس، ويحرِّش بينهم ويفسد ذات البَيْن: قال -تعالى-: (*وَلَا *تُطِعْ *كُلَّ *حَلَّافٍ *مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) (القلم:10-13).
    - النمام يوقع الخصومة والقطيعة بين الناس: عن عبد اللّه بن مسعود -رضي الله عنه- قال: إنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قال: (*أَلَا *أُنَبِّئُكُمْ *مَا *الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ) (رواه مسلم)، قال المناوي: (الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ). أي: كثرة القول، وإيقاع الخصومة بينهما، فيما يحكي للبعض عن البعض. (فيض القدير).
    - النمام يفسد أشد من الساحر: ذكر ابن عبد البر عن يحيي بن أبي كثير قال: "يفسد النمام والكذاب في ساعة، ما لا يفسد الساحر في سنة" (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد)، وروي: "كادت النميمة أن تكون سحرًا" (إسناده ضعيف). ومن عجيب التصنيف ولطيفه: إيراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا الحديث في باب ما جاء في شيء من السحر، في كتاب التوحيد.
    - النَّمِيمَة تفسد الدِّين: قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ)، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: (صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
    حكاية في أثر النميمة في الإفساد بين الناس:
    قال حماد بن سلمة: "باع رجل عبدًا، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النَّمِيمَة. قال: رضيت، فاشتراه، فمكث الغلام أيَّامًا، ثم قال لزوجة مولاه: إنَّ سيدي لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات، حتى أسحره عليها فيحبَّك، ثم قال للزَّوج: إنَّ امرأتك اتخذت خليلًا، وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف ذلك، فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموسى، فظن أنَّها تريد قتله، فقام إليها فقتلها، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزَّوج، ووقع القتال بين القبيلتين" (إحياء علوم الدين للغزالي).
    (2) عاقبة النمام في الدنيا والآخرة:
    - النميمة من أعظم أسباب عذاب القبر: عن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- قال: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: *لَعَلَّهُ *يُخَفَّفُ *عَنْهُمَا *مَا *لَمْ *يَيْبَسَا) (متفق عليه)(1).
    - النمام متوعد بعدم دخول الجنة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (*لَا *يَدْخُلُ *الْجَنَّةَ *نَمَّامٌ) (متفق عليه)، وفي رواية: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ *قَتَّاتٌ) (متفق عليه).
    - النمام متوعد بالويل والعذاب يوم القيامة: قال -تعالى-: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) (الهمزة: 1)، قيل: اللُّمزة: النَّمَّام. عن أبي الجوزاء، قال: "قلتُ لابن عباس: مَن هؤلاء؟ هم الذين بدأهم الله بالويل؟ قال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون أكبر العيب" (جامع البيان للطبري).
    (3) ما يتوجب على المسلم عند سماع النميمة؟:
    - تمهيد: كم من بيوت خربت، وكم من أوصال وأرحام قطعت، وكم من دماء سفكت، وكم من حقوق ضيعت؟! كل ذلك وغيره بسبب قبول سماع النميمة!
    1- عليه نصح النمام وزجره: قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: (*مَنْ *رَأَى *مِنْكُمْ *مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ *بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) (رواه مسلم)، وقال الحسن: "مَن نَمَّ إليك نمَّ عليك" (من أقوال الشافعي).
    2- التحقق من مقولته: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6).
    3- ألا يتسرع بإبغاض المنقول عنه، أو الانتقام منه، بل يظن به خيرًا ما استطاع: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ) (الحجرات: 12).
    خاتمة: ما يجوز من النميمة؟
    1- نميمة واجبة: وهي التي تكون للتحذير من شرٍّ واقع على إنسان ما، فيُخبر بذلك الشر ليحذره: قال ابن الملقن: "أمَّا إذا كان فعلها نصيحة في ترك مفسدة أو دفع ضرر، وإيصال خير يتعلق بالغير لم تكن محرمة ولا مكروهة، بل قد تكون واجبة أو مستحبة" (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)، وقال النووي: "وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية، وإلا فهي مستحبة، أو واجبة، كمَن اطلع مِن شخص أنه يريد أن يؤذي شخصًا ظلمًا فحذَّره منه" (فتح الباري لابن حجر).
    2- نميمة مباحة: إذا كانت لحاجة تقتضيها مصلحة المسلمين عامة، كالإيقاع بين الأعداء بعضهم بعضًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (*الْحَرْبُ *خَدْعَةٌ) (متفق عليه)، كما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين بني قريظة، فقد جاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك، فتناكرت النفوس وافترقت.
    - وكالإصلاح ذات بين الناس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، *فَيَنْمِي *خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا) (متفق عليه).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    (1) قال السيوطي: (قد ذكر بعضهم السرَّ في تخصيص البول، والنَّمِيمَة، والغيبة بعذاب القبر، وهو: أنَّ القبر أول منازل الآخرة، وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب، والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حقٌّ لله، وحقٌّ لعباده، وأوَّل ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله: الصلاة، ومن حقوق العباد: الدِّماء، وأمَّا البرزخ فيقضى فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصَّلاة: الطهَّارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدَّماء: النَّمِيمَة والوقيعة في الأعراض، وهما أيسر أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,098

    افتراضي رد: الكبائر

    الكبائر (25)

    الحسد

    (موعظة الأسبوع)




    كتبه/ سعيد محمود

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    المقدمة:

    - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

    - الحسد من الكبائر الخطيرة، والصفات الذميمة، وهو مِن الأمراض القلبية التي تصيب بعض الناس بسبب الغيرة، وعدم الرضا بالقضاء، وقد جاء الدليل على كونه من الكبائر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ: *الْإِيمَانُ *وَالْحَسَدُ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

    تعريف الحسد:

    - هو كره النعمة عند الغير وتمني زوالها، وقد روي في بعض الآثار الإلهية: "الحاسد عدو نعمتي، متسخط لفعلي، غير راضٍ بقسمتي التي قسمت لعبادي" (كتاب مختصر منهاج القاصدين).

    - بخلاف الغبطة -فهي حسد محمود-، وهي: أن يتمنى الإنسان أن يكون له مثل الذي عند الغير، دون تمني زوال تلك النعمة عن الغير، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (*لَا *حَسَدَ *إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ) (متفق عليه).

    أنواع الحسد:

    1- حسد الكفار للمسلمين:

    الكفار يحسدون المسلمين على نعمة الهداية، ومِنَّة التوفيق: قال -تعالى-: (*وَدَّ *كَثِيرٌ *مِنْ *أَهْلِ *الْكِتَابِ *لَوْ *يَرُدُّونَكُمْ *مِنْ *بَعْدِ *إِيمَانِكُمْ *كُفَّارًا *حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 109).

    2- حسد الأقران بينهم (المتشابهون في الأحوال والأعمال):

    "قيل لأحدهم: ما بال فلان يبغضك؟ قال: لأنه شقيقي في النَّسَب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة"، فذكر جميع دواعي الحسد(1).

    - هذا النوع شاع وانتشر في الدنيا، وبسببه تقطعت كثيرٌ من الأواصر بين الناس، وبسببه حصلت الكراهية والبغضاء بين الأقارب والأنساب، وتنافر الناس عن بعضهم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ *تَحْلِقُ *الدِّينَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (*لَا *يَزَالُ *النَّاسُ *بِخَيْرٍ *مَا *لَمْ *يَتَحَاسَدُوا) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وحسنه الألباني).

    ذم الحسد والتنفير منه:

    - الحسد أول ذنب وقع في السماء: قال -تعالى-: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا . قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء: 61-62).

    - الحسد أول ذنب وقع في الأرض، وذلك عندما حَسَد أحد ابني آدم أخاه فقتله، فأصبح من النادمين الخاسرين: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (*لَا *تُقْتَلُ *نَفْسٌ *ظُلْمًا *إِلَّا *كَانَ *عَلَى *ابْنِ *آدَمَ *الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) (متفق عليه).

    - الحسد يورث البغضاء بين الناس؛ لأن الحاسد يبغض المحسود، وهذا يتنافى مع واجب الأخوة بين المؤمنين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا وَكُونُوا *عِبَادَ *اللهِ *إِخْوَانًا) (متفق عليه).

    آثار الحسد وخطورته:

    للحسد خطورة على صاحبه؛ فهو يورده المهالك -والعياذ بالله-، ومن ذلك:

    1- الحاسد معترض على قضاء الله -تعالى- وقَدَرِه، ويعارض أمر الله -تعالى-: قال -تعالى-: (*أَهُمْ *يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف: 32)، وقيل: "الحسود غضبان على القدر" (كتاب المستطرف في كل فن مستطرف).

    وقال الشاعر:

    أيـا حـاسـدًا لـي عـلى نعمتي أتدري على مَن أسأتَ الأدب

    أسـأت عـلـى الله فـي حـكـمه لأنك لـم تـرض لي ما وهـب

    فــأخـزاك ربـي بـأن زادنــي وسـدَّ عـليـك وجـوه الطـلـب

    2- الحاسد يصاب بالعجب والكبر؛ لأنه لا يحب أن يعلو عليه أحدٌ، بل يحب أن يكون شأنه الشأن الأعلى؛ كل ذلك طمعًا في الدنيا، وحب الظهور فيها: قال -تعالى-: (*تِلْكَ *الدَّارُ *الْآخِرَةُ *نَجْعَلُهَا *لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص: 83).

    3- الحاسد يصاب بالحقد والعداوة والبغضاء لأصحاب النعم؛ لأنها أمراض مقترنة بالحسد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ *تَحْلِقُ *الدِّينَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

    4- الحاسد لا يهنأ له عيش: قال عمر -رضي الله عنه-: " يكفيك من الحاسد، أنه يغتم وقت سرورك" (كتاب أدب الدنيا والدين).

    وقال أبو الليث السمرقندي -رحمه الله-: "يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود: أولاها: غم لا ينقطع. والثانية مصيبة لا يؤجر عليها. والثالثة: مذمة لا يُحمَد عليها. والرابعة: سخط الرب. والخامسة: يغلق عنه باب التوفيق" (المستطرف للأبشيهي).

    علاج الحسد:

    1- أن يتذكر الحاسد ويعلم أن ما أصابه مِن خير فمَن الله، وما أصابه مِن شرٍّ فمِن نفسه، وأن قضاء الله واقع لا محالة، فالله يؤتي ملكه مَن يشاء، وينزعه ممَّن يشاء، ويعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، فربما كان عطاؤه استدراجًا؛ فليرضَ بما قَسَم الله، فالله -تعالى- حكم عدل، لا يظلم مثقال ذرة، يعطي ويمنع، فمَن أعطي عليه أن يشكر، ومن مُنع عليه أن يصبر، والصبر منزلة عظيمة لا يؤتاها أي إنسان، بل هو سبيل إلى الجنة، ورضا الرحمن -جل جلاله-.

    2- أن يستحضر الأدلة الواردة في التنفير من هذه الصفة الذميمة.

    3- أن يستشعر مدى الهم والغم الذى يلحق بالحاسد، وما يصيبه من أمراض عضوية، وآلام نفسية من جراء الحسد، قال أعرابي: "قاتل الله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله"(2).

    4- أن يعلم أن ذلك ينافي الإيمان، ويفسد علاقته بالأحبة والإخوان: (*لَا *يُؤْمِنُ *أَحَدُكُمْ *حَتَّى *يُحِبَّ *لِأَخِيهِ *مَا *يُحِبُّ *لِنَفْسِهِ) (متفق عليه).

    5- أن يكثر الدعاء بأن يطهِّرَ الله قلبه من الحسد على غيره.

    نسأل الله أن يطهِّرَ قلوبنا من الحسد والحقد والغل، وأن يجعلنا إخوة متحابين متعاونين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأًصحابه أجمعين.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــ

    (1) فحسد الأقران نراه اليوم واضحًا جليًّا بين الأئمة والمعلِّمين، والخطباء، والبارزين في أعمالهم، ونراه بين الطلاب أنفسهم صغارًا وكبارًا، فيكثر الحسد أيام الاختبارات، وأثناء الحفلات والزيارات وغير ذلك. فحسد الأقران اليوم هو ما تعانيه الأمة الإسلامية قاطبة؛ يحسدون شخصًا؛ لأن الله مَنَّ عليه بالعلم الوافر، ويحسدون آخر؛ لأن الله -عز وجل- مَنَّ عليه بالخُلُق الجَمِّ، ويحسدون آخر؛ لمكانته العلمية أو لمكانته في المجتمع، أو لمنصبه الذي حباه الله إياه، أو لما أغدق الله عليه من الخيرات والأموال، أو لكثرة أولاده أو زوجاته، أو يحسدون المرأة لجمالها أو لحسن أدبها، وتربيتها وإجادة طبخها، وغير ذلك كثير؛ قال -تعالى-: (أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) (النساء: 54).

    (2) حكاية وعظية في الترهيب من الحسد: "حكي أن رجلًا من العرب دخل على المعتصم فقربه وأدناه وجعله نديمه، وصار يدخل عليه من غير استئذان، وكان له وزير حاسد، فغار من البدوي وحسده، وقال في نفسه: إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله، أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه، فصار يتلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله، فطبخ له طعامًا وأكثر فيه من الثوم، فلما أكل البدوي منه قال له: احذر أن تقترب من أمير المؤمنين فيشم منك فيتأذى من ذلك، فإنه يكره رائحته، ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين فخلا به وقال: يا أمير المؤمنين! إن البدوي يقول عنك للناس: إن أمير المؤمنين أبخر، وهلكت مِن رائحة فمه، فلما دخل البدوي على أمير المؤمنين، جعل كمه على فمه مخافة أن يشم منه رائحة الثوم، فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال: إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح، فكتب أمير المؤمنين كتابًا إلى بعض عماله يقول فيه: إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله، ثم دعا البدوي ودفع إليه الكتاب، وقال له: امضِ به إلى فلان، وائتني بالجواب، فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين، وأخذ الكتاب وخرج به من عنده، فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير فقال: أين تريد؟ قال: أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان، فقال الوزير في نفسه: إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل، فقال له: يا بدوي ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك، ويعطيك ألفي دينار، فقال: أنت الكبير، وأنت الحاكم، ومهما رأيته من الرأي أفعل، قال: أعطني الكتاب فدفعه إليه، فأعطاه الوزير ألفي دينار، وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده، فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير، فبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي، وسأل عن الوزير، فأخبر بأن له أيامًا ما ظهر، وأن البدوي بالمدينة مقيم، فتعجب من ذلك، وأمر بإحضار البدوي فحضر، فسأله عن حاله، فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها، فقال له: أنت قلت عني للناس إني أبخر؟ فقال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس لي به علم، وإنما كان ذلك مكرًا منه وحسدًا، وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى له معه، فقال أمير المؤمنين: قاتل الله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله، ثم خلع على البدوي، واتخذه وزيرًا، وراح الوزير بحسده" (موسوعة قصص ونوادر العرب لإبراهيم شمس الدين).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •